موسم "القصاص"... طقوس مازالت محافظة على أصالتها



كما لموسم حصاد القمح طقوس خاصة به من أهازيج وولائم وعادات تميزه، فإن موسم "القصاص" أو ما يسمى هنا "الكصاص" (أي جزّ صوف المواشي أو قصه) لا يخلو من تلك الطقوس والتي تختلف اختلافاً جذرياً عن تلك التي تجري أثناء حصاد القمح، مع العلم أن الموسمين يتزامنان، ولكن لكلٍ منهما برنامجه الخاص به، لكن تجمعهما الفائدة الاقتصادية وزيادة اللحمة الاجتماعية بين أهالي القرية.
وللتعرف عن هذا الموسم وما يجنيه من فوائد مادية واجتماعية التقى موقع esyria السيد "أسعد الفرحان" أحد رعاة الأغنام والذين ساهموا بعمليات "الكصاص" بأيديهم والذي شرح طقوس هذا الموسم بالقول: «يبدأ موسم "الكصاص" بين منتصف نيسان ممتداً إلى نهاية أيار متزامناً مع موسم الحصاد، ويسمون أهل القرى والبادية في "دير الزور" هذا الشهر بشهر "لاش" أي شهر أيار ويرددون الأهزوجة التي تقول: لاش قص الحيل مع الكباش/ وشيل منجلك وانحاش، أي اذهب إلى الحصاد بعد الانتهاء من قص صوف أغنامك، وتقص في بداية الموسم الأغنام الحايلة مع الكباش والحايلة يعني التي لم تحمل ولم تلد بهذا الموسم، بعدها تقص الأغنام الوالدة حديثاً والتي تقدم الحليب للفلاح بكميات وافرة، والغرض من عميلة تأخير القص لتلك الحيوانات هو حمايتها من موجات البرد المفاجئة والتي قد تؤثر على عمليتها الإنتاجية وبالتالي يقل الحليب وتصاب الأغنام بالأمراض نتيجة لذلك».

وعن تفاصيل عملية القص أضاف "الفرحان" بالقول: «يجتمع أهالي القرية من الذين لديهم خبرة في قص صوف الأغنام والذين لا تتوافر لديهم الخبرة يكتفي بالمساعدة في كتف الأغنام، أي تقييدها، ويتم ذلك بواسطة حبل عريض من الصوف، حتى لا يؤذي قوائم الحيوانات أثناء الربط، تتم عملية الربط بشبك أرجل الحيوان مع يديه باتجاه أعلى بطن الحيوان، من ثم يكون جاهزا للقص والذي يقوم به أشخاص ذوي خبرة جيدة حتى لا يعرضوا الحيوان للجروح والقروح التي قد تتأزم مستقبلاً مشكلةً ثغرة لدخول المسببات المرضية، يستخدم في عملية القص أداة تشبه المقص ولكنها دون فتحات للأصابع أي انه يتم الضغط عليه بواسطة راحة اليد والأصابع ماعدا الإبهام وهذا المقص يسمى "الزو" وهو مصنوع من الفولاذ وتتم صناعته من قبل الحدادين ويتم جلخه، حتى يصبح حاداً جداً، يوضع "الزو" باللبن الحامض بعد كل عملية قص والغاية من ذلك هو إزالة جميع الأوساخ العالقة على أطرافه والتي تعيق القص إن لم يتم تنظيفها، تكون بداية القص من منطقة البطن بدءاً من الرقبة باتجاه الضرع، وهذه المنطقة حساسة جداً، حيث يتوخى فيها الحذر لأنها رقيقة وكمية الصوف فيها قليلة وقصيرة، بعدها تقص الجهة اليمنى باتجاه الظهر، وتقلب الحيوانات على الجهة الأخرى، وأيضاً باتجاه الظهر وصولاً إلى منطقة الألية، حيث ينتهي القص، والصوف الناتج يجب أن يكون متماسكا على شكل كتلة واحدة تسمى "الجزة"، هناك مرحلة مهمة قبل القص وهي تنظيف الصوف من الكتل الموجودة بجانب الأرجل، والأوساخ والبقايا النباتية التي تكون عالقة على الصوف، وهذه المرحلة هامة حتى لا
الأغنام بعد عملية القصاص تنخفض القيمة المادية أثناء البيع لتجار الصوف في المدينة».

وبالنسبة للطقوس التي ترافق موسم "الكصاص" تابع قائلاً: «أثناء موسم القص تذبح الذبائح فرحاً بقدوم هذا الموسم، ويكون عدد الخراف التي تذبح متناسباً مع أعداد القطيع، فكلما زاد عدد الأغنام في القطيع زاد عدد الذبائح، والذبح يتم بنفس اليوم الذي يتم فيه القص، ويقدم للرجال الذين يقومون بالقص كل مستلزماتهم، بدايةً الفطور وحتى طعام العشاء والشاي والقهوة ويقوم بخدمتهم الرجال الذين ليس لديهم إلمام بالقص، فالعمل قائم على قدم وساق والكل متعاون ما يزيد روح المحبة والألفة بين أبناء القرية، ورغم قساوة العمل فان جميع القائمين عليه لا يأخذون أي أجر من صاحب الأغنام، فكلهم متطوعون أي ما يسمونه بالعامية وبلهجة سكان منطقة الجزيرة والفرات "فزعة" وهذا ما يزيد اللحمة الاجتماعية بين الجميع، وهناك بعض الأهازيج التي تزيد حماس الرجال أثناء قيامهم بعملهم ومنها:

بيدي مكرطي وبيدي زوي / وان قلت العوان واشعاد أسوي.

والمكرط أداة تستخدم لجلخ "الزو" وزيادة حدته في القص

وبعد الانتهاء من صاحب الأغنام التي تم قصها، ينتقل فريق العمل بالكامل إلى أغنام رجل آخر بنفس القرية وهكذا حتى انتهاء هذا الموسم والذي يدوم قرابة الشهر».

المراقب البيطري "محمود العكلة" تحدث عن الفوائد الصحية للكصاص بالنسبة للأغنام بالقول: «من المعلوم أن جز الصوف له فوائد كثيرة بالنسبة للأغنام، فهو يساعد بالتقليل من إصابة الحيوان بالأمراض الجلديه الكثيره بسبب ما يترسب تحت الصوف من شوائب وعوالق وأوساخ وطفيليات خارجية ماصة للدماء مثل القراد والقمل، وأيضا له دور في تقليل درجه حراره جسم الحيوان خاصه في أوقات الصيف، فكل هذه العوامل تقلل إنتاجية الأغنام من مادتي الحليب واللحم».

الحاجة "أم محمد" قالت: « هذا الموسم خلق روح المحبة والتعاون بين الجميع، فالجميع من عنده المقدرة يساهم في هذا العرس القروي والدليل على ذلك أن جميع الأعمال مجانية وبدون مقابل وهذه من الأمور الهامة التي تزيد تماسك الأسر في القرية».

وللصوف فوائد اقتصادية وصناعية هامة حدثنا بها السيد "أكرم العلي" من تجار منطقة "الميادين" حيث قال: «الصوف ألياف تؤخذ من الأغنام، وتصنع منه أنسجة قوية تستخدم في صناعة البطانيات والملابس والسجاد وغير ذلك، والمنسوجات الصوفية سهلة التنظيف، كما أنها تقاوم الانكماش وتحافظ على رونقها وجمالها، كما يمتص الصوف الرطوبة، وهو عازل لكل من البرودة والحرارة، وتجعله هذه الخصائص مفضلاً في صناعة المعاطف والسترات والقفازات والجوارب، وغيرها من الملابس، ويدخل في جهاز العروس في منطقة الفرات، حيث يصنع منه الوسائد واللحف والفراش أو ما يسمى "الدوشك"».