أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           سبحانك اللهم وبحمد ك وتبارك اسمك وتعالي جدك، ولا إله غيرك           
العودة   منتديات البوحسن > المنتديات العامة > القسم العام

القسم العام المواضيع العامة التي ليس لها قسم مخصص

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 09-02-2010
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي ثقافة الآكلين والطاعمين في التراث العربي

الصيام والطعام.. ثقافة الآكلين والطاعمين في التراث العربي
مصنفات في الطعام وأدواته وأوقاته



عبدالمجيد عبدالحميد

يحرص الصائمون أن يبدأوا طعامهم الرمضاني بالفطور ويختمونه بالسحور طيلة أيام الشهر الكريم، مع تناولهم لأصناف عديدة ومعينة وخاصة بأيام رمضان. وقد عرف العرب العديد من التسميات التي أطلقوها على وجبات الطعام التي يتناولونها. ودلت كلّ تسمية على وقت ونوعية الطعام الذي يقدم لآكليه. فهناك المأدبة، الوليمة، العقيقة، الوكيرة، الخُرس، القِرَى، التحفة، الوضيمة، الإفطار، الفطور، السحور، الغداء، العشاء، والوقيعة..

كان الأطباء الجاهليون يداوون بما لهم من الذكاء ومن الاختبار من غير رجوع إلى قواعد ثابتة أو علم منظّم، ويقول عنهم صاحب “في بيان الحاجة إلى الطب والأطباء ووصاياهم” العلامة قطب الدين محمود بن مسعود الشيرازي: بأنّ أولئك الأطباء قد أفادوا من خبرتهم بعقاقير بلادهم، وكان أكثرها مستمداً من النبات. ويعتبر الطبيب المخضرم الحارث بن كلدة الثقفي من أبرز أطباء الجاهليين، وله أقوال في المحافظة على الصحة العامة للإنسان، فيقول: من أراد البقاء، ولا بقاء للإنسان، فليجوِّد الغذاء، وليأكل على نقاء، وليشرب على ظمأ، وليقلل من شرب الماء، ويتمدّد بعد الغذاء ويتمشّى بعد العشاء، ويُعجِّل العَشَاء ويُباكر الغداء، وليُخفف الرداء،...”.

كما نصح الثقفي أيضاً قائلاً: المعدة بيت الداء، والحِمية رأس الدواء، وأصل كل داء البردة”. وفسر ذلك ابن خلدون بقوله: “فأما قوله: المعدة بيت الداء، فهو ظاهر، وأما قوله: الحِمية رأس الدواء، فالحِمية الجوع، وهو الاحتماء عن الطعام، والمعنى أن الجوع هو الدواء العظيم الذي هو أصل الأدوية، وأما قوله: أصل كل داء البردة، فمعنى البردة إدخال الطعام على الطعام في المعدة قبل أن يتم هضم الأوّل”.




طعام الأمويين
أشار د. حسين محمّد فهيم في “الطعام أدواته، طُرق إعداده وآدابه في التراث العربي”، إلى أن الطعام في العصر الأموي شهد تحولاً كبيراً في أصناف المأكولات عما ساد في صدر الإسلام أو إبان العصر الجاهلي، فإن المطبخ الأموي لا يضاهى بأي حال من الأحوال في أمر الطعام ومحافله مع العصر العباسي، فقد كانت تقام في هذا العصر الحفلات والسمر والنزهات، وبرز شعراء يتجاوبون مع مقتضيات الحياة ويصفون الولائم والموائد العامرة، ويتغنون بالمآكل والثرائد، وينظمون القصائد والمقطوعات في تعداد أنواع الأطعمة وضروب الفاكهة والحُلويات، كما كانت موائد الوزراء الأمويين خير ما يمثل الترف المطبخي في ذلك العصر. ففي عهد الأمويين، استخدم العرب الفُوط والملاعق المصنوعة من الخشب، كما كانت تُجلب من بلاد الصين ملاعق من الفخار. وكان الناس في ذلك العهد يجلسون على الكراسي أمام موائد الطعام التي يكسوها مَفرَش من القماش، وكان للأكل مع الخلفاء والأمراء آداب مُقررة، فلا ينبغي أن يتبسط الشخص في الطعام مثلاً لأن الأكل مع عِليَة القوم كان للشرف وليس للشبع، مع ما في الانبساط والجرأة وسوء الأدب، ويذكر المسعودي أنّ الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان كان يُكثر من الطعام حتى قيل أنه كان يأكل خمس مرّات في اليوم.

المطبخ العباسيّ

بينما نجد آداب الطعام والمائدة في العصر العباسي، فيتمثل بأن تقديم الطعام لدى الخاصة كان مختلفاً عند العامة، فالعادة عند العامة هي إتباع التقاليد العربية من وضع الطعام أمام الآكلين وترك حرية الاختيار لهم وفق ما يوضع من أطباق متنوعة. أما الخاصة في العصر العباسي فقد اتبعوا نظاماً مختلفاً يُترك بمقتضاه للآكلين حرية طلب ما تشتهي به الأنفس، فيُجهز لكل آكل ما يطلب، وإن تعددت وتنوعت الرغبات.

ويقل فهيم في كتابه: وبينما كان من عادة العامة وخاصة الزُهّاد منهم، نهش اللحم، ولعق الدهن من الأصابع، أو الإكثار من الملح، أو شرب الحساء عن طريق رفع الإناء إلى الفم، لم تكن الشوكة قد عُرِفَت بعدُ، إلاّ أنّ استخدام الملاعق كان مُحبباً لدى الخاصة وكانت الملاعق تصنع من الزجاج أو النحاس كما كانت تصنع أحياناً من الذهب أو الفضة. ويحكى أنه عندما كان يأكل الوزير المُهلبي كان يقف خادم عن يمينه، وآخر عن يساره، وبحوزتهما مجموعة من الملاعق، وكان الوزير يأخذ غرفة بالملعقة من صحن معين، وبعد أن يفرغها في فمهِ يعطي الملعقة إلى الخادم الواقف عن يساره وهنا يناوله الخادم الواقف على يمينه ملعقة فارغة أخرى، وهكذا تسير عملية تبادل الملاعق حتى يفرغ الوزير من طعامه!

ابن خلدون والأمراض

نبّه العلامة العربي عبدالرحمن بن خلدون في مقدمته المعروفة إلى أسباب وقوع الأمراض وكثرتها بين سُكّان الحضر والأمْصار، الذين يغلب على معيشتهم طابع الترف المتجلّي في خصب العيش وتنوّع المآكل وكثرتها، فيقول في ذلك: “ووقوع هذه الأمراض من أهل الحضر والأمصار أكثر، لخصب عيشهم وكثرة مآكلهم وقلّة اقتصارهم على نوع واحد من الأغذية، وعدم توقيتهم لتناولها، وكثيراً ما يخلطون بالأغذية من التوابل والبقول والفواكه رطباً ويابساً في سبيل العلاج بالطبخ، ولا يقتصر في ذلك على نوع أو أنواع، فربّما عددنا في اليوم الواحد من ألوان الطبخ أربعين نوعاً من النبات والحيوان، فيصير للغذاء مزاج غريب، وربّما يكون غريباً ملاءمة البَدَن وأجزائه”.

أما أهل البادية، فبحسب طبيعتها القاحلة، مما ينعكس على العادات الغذائية لسكانها وقاطنيها ونوعية طعامهم الذي يتصف بالبساطة والتقشف، فيقول ابن خلدون: “وأما أهل البادية فمأكولهم قليل في الغالب، والجوع عليهم أغلب لقلّة الحبوب، حتى صار لهم ذلك عادة، وربما يظن أنه جِبِلَّة لاستمرارها، ثم الأدم قليلة لديهم، أو مفقودة بالجملة، وعلاج الطبخ بالتوابل والفواكه إنما يدعو إليه ترفُ الحضارة الذين هم بمعزل عنه، فيتناولون أغذيتهم البسيطة بعيدة عما يخالطها، ويقرّب مزاجها من ملاءمة البَدَن”.

الجاحظ والآكلين

إذا أردنا أن نقف عند أبرز الكّتاب العرب الذين تناولوا أصناف الطعام والمُؤاكلة، نجد الأديب العربي البصريّ أبو عمرو بن محبوب الكناني، أبو عثمان، الملقب بالجاحظ هو من أوائل المؤلفين الذين أولوا الجوانب الحياتية والشعبيّة الدور الأبرز في مُصنفاته الموسوعية المعروفة كالحيوان، والبيان، والتبيين، والبخلاء، والبرصان والعرجان، وغيرها..

وقد روى الجاحظ في كتابه البخلاء حكايات طريفة عن المؤاكلة والآكلين من صنف البخلاء الذين ثبت لحكاياتهم في هذا الكتاب، فذكر قصة الحارثيّ التي أشار إليها عقب قصة الحِزامي وتناول المؤلف ليسرد علينا قصته التي لا تخلو من الطرافة، فقد قيل للحارثيّ: واللهِ إنّك لتصنع الطعام فتجيده، وتعظُم عليك النفقة وتكثر منه. وإنّك لتُغالي بالخبّاز والطبّاخ والشوّاء والخَبّاص ـ صانع الخبيصة وهي نوع من الحلوى ـ ثم أنت مع هذا كله، لا تشهده عدّواً لتَغُمّه، ولا وليّاً فتَسُرّه، ولا جاهلاً لتعرفه، ولا زائراً لتعظّمه، ولا شاكراً لتثبّته. وأنت تعلم أنّه حين يُنَحّى مِن بين يديك، ويغيبُ عن عينيكَ، فقد صارَ نهباً مقسّماً، ومتوزعاً مُستهلكاً. فلو أحضرته مَن ينفع شُكرَهُ، ويبقى على الأيام ذِكرَهُ، ومَن يُمتِعُكَ بالحديث الحَسَن والاستماع، ومَن يمتدُّ به الأكل، ويقصّرُ به الدّهر، لكان ذلك أولى بك، وأشبه بالذي قدّمته يدُكَ”.

إثرَ هذا التقديم للقصة يتابع الجاحظ ليقول: وبعد فلم تبيح مَصون الطعام لمن لا يحمدُك ومن إن حَمِدك لم يحسن أن يحمدك ومن لا يفضل بين الشهيِّ القَذيِّ ـ الطيب الرائحة ـ وبين الغليظ الزهم ـ ذو الرائحة الكريهة ـ قال: يمنعني من ذلك ما قال أبو الفاتك. قالوا: ومن أبو الفاتك قال: قاضي الفتيان. وإنّي لم آكل مع أحد قطّ إلاّ رأيت منه بعض ما ذمه وبعض ما شنّعه وقبّحه. فشيء يقبُحُ بالشَّطّار. فما ظنّك به إذا كان في أصحابه المروءات وأهل البيوتات قالوا: فما قال أبو الفاتك قال: قال أبو فاتك: الفتى لا يكون نشّافاً ولا نشّالاً ولا مِرسالاً ولا لكّاماً ولا مَصّاصاً ولا نفّاضاً ولا دلاّكاً ولا مقوِّراً ولا مُغربِلاً ولا مُحَلقماً ولا مسوِّغاً ولا مُلغِّماً ولا مُخضِّراً. والله إني لأفضل الدهاقين حين عابوا الحْسَو وتقززوا من التعرّق وبهرجوا صاحب التمشيش وحين أكلوا بالبارَجين وقطعوا بالسكين ولزموا عند الطعام السَكتة وتركوا الخوْض واختاروا الزّمزمة. أنا والله أحتمل الضيف والضيفن ولا أحتمل اللُّعموظ ولا الجردبيل. والواغِل أهوَن على من الرّاشن”.

ثم يُكمل المؤلف قصة الحارثيّ فيقول على لسانه ليبين ماذا يأكل في المجلس إذا قُدِّم الطعام فيقول: “ومن يشكّ أن الوحدة خير من جليس السوء؟ وأن جليس السوء خير من أكيلِ السوء لأنّ كلّ أكيل جليس، وليس كلّ جليس أكيلاً. فإن كان لابد من المُؤاكلة ولابدّ من المشاركة فمع من لا يستأثر عليّ بالمُخ ولا ينتهز بيضة البقيلة ولا يلتهم كبد الدجاجة ولا يبادر إلى دماغ رأس السلاءة ولا يختطف كلية الجدي ولا يزدرد قانصة الكركي ولا ينتزع شاكلة الحَمل ولا يقتطع سرة الشصر ولا بعرض لعيون الرؤوس ولا يستولي على صدور الدجاج ولا يسابق إلى إسقاط الفراخ ولا يتناول إلاّ ما بين يديه ولا يلاحظ ما بين يديّ غيره ولا يتشهي الغرائب ولا يمتحن الإخوان بالأمور الثمينة ولا يهتك أستار الناس: بأن يتشهى ما عسى ألاّ يكون موجوداً”.

وللطعام مُؤلفات

تناول المؤلفون العرب الطعام وأمور الطبيخ في كتبهم، وذكروا أسماء ووصفات الأكلات التي عرفها الناس كلّ حسب عصره، وأوضحوا فيها لطرق عملها وفوائدها على المرء. فأحصى ابن النديم في كتابه “الفهرست” لتسعة كتب ألفت في الطعام والتي بلغت أوجها في العصر العباسي، حيث كان مؤلفوها من كبار الشخصيات الهامة في المجتمع العباسي، واستطاعوا من خلال وصفهم لفن الطهو، وإعداد أطباق الطعام للعامة والخاصة على حد سواء، أن يتحدثوا لنا فيها عن تقاليد وآداب المائدة، ويُصوروا كثيراً من مظاهر الحياة اليومية لهذا العصر الذهبي. والكتب هي:

كتاب الكسباج، لجحظة، والطبيخ، لإبراهيم بن العباس الصولي، والطبيخ، لإبراهيم بن المهدي، والطبيخ، لأحمد بن الطبيب، والطبيخ لجحظة، والطبيخ، للحارث بن بسخز، والطبيخ للطبيب الرازي، والطبيخ، لعلي بن يحيى المُنجِّم، والطبيخ للمرضى، لمخبره، والطبيخ للمرضى له أيضاً.

تذكرة الخواتين

كذلك ظهرت في المكتبة العربية مؤلفات خاصة بالطعام، منها ما ذكره في كتاب خليل سركيس (1885م) “تذكرة الخواتين وأستاذ الطبّاخين” بقوله عن الطعام: “حمداً لمن غذّى مخلوقاته بمخلوقاته، وهدى الإنسان إلى أقواته، حفظاً لحياته وقياماً بواجباته. أما بعد: فلما كان لابُد للإنسان من الغذاء كان فنّ الطِباخة خير الفنون لمزيد الاحتياج إليه، وأفضل المُتجهُ إليه، فهو حياة الإنسان. وعندنا أن هذا الفن مُقدّم على صناعة الطب السامية فإنه أعم منها وأولى. فإذا صَحت الطِباخة وحسُن تناولها قد تسدّ الباب في وجه الطب. وإننا نعجب ممّن يستخف بالطِباخة بعد أن توقف عليها حُسن الصحة، وصفاء العيش معاً. على أننا نرى الإنسان يكد ويسعى ويبذُل الدرهم والدينار إصلاحاً لغذائه وهو مع ذلك يفوض هذه المهمة إلى جارية غبيّة، ويحوله إلى عُهده خادمة هي بالحري بَلِية. فلِمَ السعي وحشد الأموال وأنت تبذلها يا صاح في طعام يُوليك الاعتلال. هذا وفي صناعة الطِباخة اقتصاد وفير، فمن أحسن الإدارة، وأَحكَم الصناعة، أفاد الأجسام والأموال معاً”.

فضالة الخوان

أما الباحث المغربي محمد شقرون فكتب في مقدمة تحقيقه لكتاب ابن رزين التجيبي الموسوم بـ”فضالة الخوان في طيبات الطعام والألوان” عن أهمية كتب الطعام كمصدر إنثوجرافي وفلكلوري قائلاً: “إنّ هذا الفن قد حَظي بعناية بعض المؤلفين، ونال إعجاب قُرائهم، وعدد المستفيدين من إنتاجهم، فظهر ما ظهر من مؤلفات أصيلة علمية، وأخرى عَملية ثانوية، بينما اكتفت أخرى بالتكرار والاجترار، وإضافة أو إعادة التجربة بتقليصها أو بتحريفها، فكان عصر الازدهار، ثم لحقه عصر الانحطاط الذي خَسِرَت فيه المكتبة العربية كل إنتاج قويم يرمي إلى صيانة الأبدان والأذهان عن طريق تحديد الأغذية وكيفية استعمالها، وطرق استهلاكها، وتبيين مضارها ومنافعها، مما نجده في كثير من المؤلفات الخاصة، وغيرها من كتب الأدب والفهارس والتراجم والرحلات والحسِبَة والشِعر، خصوصاً كتب الطب التي ربطت موضوع التمريض والمعالجة بموضوع التغذية والأشربة حيث كان التزاوج بينهما واضحاً والتماسك قارّاً”.

وأضاف قائلاً: “وأقول إن أول ما يجب أن يتجنب محاولة الطبخ في المواضع الوخيمة الذميمة. وأن لا يطبخ في قدر الفخار مرتين. وقد حض بعض الأطباء على ذلك. وذكر أن الطبخ في أواني الذهب والفضة لو أمكن، وأباحه الشرع، أفضل، وذكر أواني الفخار والحنتَم ونهَى عن الطبخ في أواني النحاس لرداء جوهرها. واستحب الطبخ في آنية الحديد إذا تعوهدت بالغسل والتنظيف والتحفظ من صدئها. وذكر من خواصه أنه إذا أدام الإنسان الطبخ فيما أفادت فوائد جمة أقلها تقوية الأعضاء على جميع الأفعال. وذكر أنه لا بأس بأواني القصدير قُدوراً وصِحَافاً. وقال آخرون إن الأكل والشرب في أواني الزجاج، والطبخ إن أمكن، موافق حسن، ونهَى أن تغطى الطعام بالصحائف بعد طبخه إلاّ بما يخرج منه البخار مثل المنخل. فإنهم زعموا أن تلك الأبخرة إذا ترددت ولم تخرج أحدثت في الأطعمة قوة سُميّة. وخاصة السمك وكل ما يؤكل مشوياً، وكذلك يجب تغطية القدور وغيرها عند الطبخ بأغطية مثقوبة ثقباً أدق ما يمكن، وأفضل ما يُقلى فيه أواني الفضة والذهب وأواني القصدير والرصاص بعده. ولا خير في أواني النحاس، فإن كل ما يُقلى فيها رديء. وخاصة ما هو كثير الدُهنة مثل المرقاس والقَلايا وأشباهها فإنها في طبعها الحدّة والانحراف أمر ليس باليسير، فكيف إذا نالها فساد من مزاج النحاس”.

وفص الخواتيم

تحدث حسين محمد فهيم عن كتاب “فص الخواتيم فيما قيل في الولائم” لمؤلفه شمس الدين محمد بن علي بن طولون الدمشقي الصالحي، ووجد أن الملاحظ على هذا الكتاب أن مؤلفه قد ربط بين الولائم والمناسبات الاجتماعية والتقاليد الشعبية التي كانت سائدة في عصره (القرن العاشر العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي)، مع أن لكل وليمة طبيخها الخاص، ومن الطريف أنّ قاضي القضاة صدر الدين بن العز الشيخ الحنفي، قد نظم بعض الأبيات الشعرية تعليقاً على كتاب “فص الخواتيم فيما قيل في الولائم”، إلى جانب إشارته إلى قيمة الضيافة كسِمَة ثقافية، فقال:

أسامي الطعام اثنان من بعد عشرة

سأسردها مقرونة ببيان

وليمة عُرس ثم خُرس ولادة

عقيقة مولود، وَكيرَة بان

وضيمة ذي مُوتٍ نقيعَة قادم

عذير أو إعذار ليوم خِتان

ومأدبة الخلان لا سبب لها

حذاق صبيّ يوم ختم قُرآن

وعاشرها في النظم تحفة زائر

قَرِى الضيف مع نُزلٍ له بأمان

أربعة أصناف جديدة

وأورد ابن طولون الدمشقي بياناً في تعدد المناسبات، وتمايز الولائم، واختلاف المسميات، كما جاء في أبيات قاضي القضاة أعلاه وهي: الوليمة للعرس، الخُرس للولادة، العقيقة للمولود، الوَكيرة لبناء الدار، الوضيمة للميت، النقيعة للقدوم من السفر، العذير للختان، المأدبة للأصحاب، الحذاق لختم القرآن الكريم، القرى للضيف، النزل لمن نزل بكَ، علاوة على ذلك أضاف مؤلف فص الخواتيم أربعة أصناف أخرى من الولائم ذكرها على النحو التالي: “وليمة الأخوة وليمة الفرع ـ لأول نتاج الناقة ـ ووليمة العتيرة ـ لشهر رجب ـ ووليمة الأملاك ـ لعقد الزواج ـ ولم يتوقف المؤلف على تعداد المناسبات والثراء اللغوي في المسميات، فكما أن لكل مناسبة وليمة، فإن لكل وليمة أحكامها وآدابها من ناحية جمع الناس، أو صنف المأكولات، وطرق إعدادها.

وعندما يُوصي الأطباء بطبخةٍ مُعينة، فإنّهم غالباً ما يشيرون إلى فوائدها، وتأثيرها على مَن يتناولها، وكيف تزيل بعض الأمراض، أو تُداوي بعض الآلام. وهذا ما دفع البروفيسور البريطاني بجامعة أكسفورد ديفيد وينز، إلى إعداد “أربعين طبخة عربيّة عراقيّة عباسيّة”، كما وردت في أحد كتب الطبخ الذي ألفّه الشاعر العربيّ كشاجم، وصورها ونشرها في كتاب. ومن يتتبع ذلك فإنّهُ سيقرأ عن عشرات كتب الطبخ العراقيّة ـ العباسيّة، ومنها كتاب مشهور جداً هو “مناهج الدكان فيما يستعمله الإنسان، من منافع الأغذية ودفع مضارها”، للطبيب البغداديّ المشهور ابن جزلة، المتوفى سنة 493 هجرية.

رسالة آداب المُؤاكَلة

وجدير بالذكر أنّ في كتاب الأمالي لأبي علي القالي، وفقه اللغة للثعالبيّ، بحثاً مُفصلاً في أسماء أطعمة العرب، وهناك رسائل في الأكل والمُؤاكَلة منها ما كتبه الشيخ بدر الدين محمّد الغزيّ (1499م ـ 1577م)، أحد الأعلام الكبار في القرن العاشر الهجريّ والسادس عشر الميلاديّ، وأحد فقهاء الشافعيّة، في “رسالة آداب المُؤاكَلة”، والمحفوظة ضمن مخطوطات دار الكتب الظاهريّة في القاهرة، وذكر الغزي في رسالته نعوتاً ومسميات لبعض المآكل والمطاعم المعروفة عند العرب كـ”الهرايس، الأكارع، الكَبَاب”، ويذكر منها ما أخذوه عن غيرهم من الأمم الأخرى كـ”الطباهج، السكرجات، والرشتا”...

أما من أسماء ونعوت رسالته فنذكر منها: “الحَكّاك، الزّاحِف، المُجوِّع، المُشنِّع، المُتَثاقلُ، المُدمِّعُ، المُبَلِّغُ، المُقَطِّعُ، المُبَعْبِعُ، المُرْقِعُ، الرّشافُ، الدّفَاعُ، اللّطّاع، المِعْطَاشُ، المُعَرِّض، النفّاخُ، الممتدّ، الجرّافُ، المُزَفّرُ، المدسّم، المُغَثَي، المُقَزِّزُ، العائِبُ، المُستبِدُ، المُهْمِلُ، الجَمَلِيُّ، المُخرِّب، المُصَفِّّفُ، الفُضُوليُّ، الطّفيليُّ، الجَرْدَبيلُ، المُشغْل، الملقُّو، النّهِمُ، النّاثِرُ، المُسابِقُ، الصّامت، الصّعْبُ، البحّاث، البهّات، العابِثُ، الحامِدُ، المُبقِّّي، المُسْتَظْهِرُ، المُسْتهلِكُ، المُحتمي، المُرَنّخ، المُمَلْعِقُ، المُتطاوِلُ، المُشَيِّعُ، المُتَلًفِّتُ، المُنقِّطُ، المُرَشِّشُ، المُوسّخُ، الضّارِبُ، المَصّاصُ،الأكْتَعُ، المُوهِمُ، المُتقييءُ، المُوَزِّعُ، المُوفِّرُ، المُحِّدث، المُستأثِرُ، المُتُعدِّي، اللفّافُ، الغصّاصُ، النثّارُ،البقّارُ، المُمتَحِنُ، المُحتَالُ، المُغالِي، المُفرِّقُ، المُخْتَلِسُ، المُعزِّلُ، المُوحِشُ، المُتَشكِّي، المُستأذنُ، المُغْتَنِمُ، وأخيراً المُتخلّلُ”.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
العرب ... من ثقافة النمل إلى ثقافة النحل عبدالقادر حمود مقالات مختارة 4 06-11-2013 01:07 PM
ثقافة المحو عبدالقادر حمود القسم العام 2 03-26-2012 02:21 PM
من التراث عبدالقادر حمود ركن وادي الفرات 5 04-10-2009 07:32 AM
فرشي التراب نوح الانشاد والشعر الاسلامي 2 02-18-2009 03:06 PM
من كتب التراث عبدالقادر حمود المكتبة الاسلامية 0 09-02-2008 04:38 PM


الساعة الآن 06:07 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir