أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة           
العودة   منتديات البوحسن > الصوتيات والكتب > المكتبة الاسلامية

المكتبة الاسلامية كل ما يختص بكتب التراث الإسلامي الصوفي أو روابط لمواقع المكتبات ذات العلاقة على الشبكة العالمية...

إضافة رد
قديم 09-06-2008
  #81
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

البَاريءُ جَلَّ جَلاَلُهُ


"هو الذي قدَّر الأشياء في علمه الأزلي، ويبرزها في عالم الظهور باقتداره الأبدي .


وهو الذي أدهش العقول، وحيَّر الألباب حيث أبرز لنا عناصر مختلفة متباينة، متضادة،ماءٌ سيال، هواءٌ لطيف، نارٌ حارَّة، أرضٌ يابسة، نبات عجيب، أزهار غريبة، حيوانات مختلفة، كواكب مضيئة، سماوات شفافة، وكل ذلك كان في العدم، ثابت في علمه في القدم، فأبرزه بقدرته وكوَّنه بحكمته.


فإذا أردت أن تفوز بسرِّ هذا الاسم الشريف فسلِ الأشياء وقل لها: من أنتِ؟ وأين كنتِ؟. تقول لك بلسان حالها: أنا العدم، وليس لي وجود، ولكن بنور الباري تمَّ لي السعود....؛ فوجودي حجابٌ عند أهل الغفلة، وراحٌ وريحان عند أهل اليقظة، من رأى أثراً بارزاً هام في جمال المؤثِّر، فتبين الحق للعاقل المفكر.


فأكثِرْ من ذكر هذا الاسم الشريف مع ملاحظة أصل الكون ونهايته، وارفع حجب الأنانية ، وانغمس في أنواره الأزلية، يتجلَّى لك نور"البارىء" البديع، وتدخل حصن الله المنيع .


قال الإمام أبو العزائم رضي الله عنه:




الروح تشهد نور معطٍ باري=قد لاح لي في حيطة الآثار
يا شوق دُم؛ فجمال ربي ظاهر=قد بدَّل الآثار بالأنوار

1
2الروح تشهد نـور معـطٍ iiبـاري قـد لاح لـي فـي حيطـة iiالآثــار
يا شوق دُم؛ فجمال ربي ظاهر قـــد بـــدَّل الآثـــار iiبــالأنــوار



فمتى فكَّرت في معنى اسمه:"الخالق" الذي قدَّر الأشياء، وفي معنى اسمه: "البارىء" الذي أبراها من العدم، لاح لك نور يشرح الصدر، فتعيش طول حياتك في سرور.... .



الدُّعــــــاءُ


"إلهي... يا بارىء الأكوان وهي عدم، ومظهرها بالرحمة والجود والكرم... الأكوان ظلٌّ ممدود، وشمس الحقيقة دليلٌ عليها في الشاهد والمشهود، ونورك أبرز الآثار، وظهورك مشهود للأسرار، فأنت المشهود قبل كل شيء، وأنت المعروف فوق كل شيء.... ومن جعل الأشياء دليلاً عليك فهو محجوب فاته المطلوب، فما عرفناك إلا بك يا ظاهر، ولا وصلنا إلى الحقيقة إلا بنورك يا قادر، فاكشف لنا عن نور اسمك "البارىء" لنشهد نوره في أنفسنا وفي كل موجود، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم".




اقتباس:====================== الحاشية =====================


(1) : وفي تاج العروس : الباريء في أسماء الله تعالى: هو الذي خلق الخلق لا عن مثال. والبرء أخص من الخلق، لأن البرء في الأصل لخلوص الشيء من غيره، إما على سبيل التقصي كبريء المريض من مرضه، والمديون من دَينه، أو الإنشاء، كبرأ الله آدم من طين، والبرء أخص من الخلق، فللأول اختصاص بخلق الحيوان، وقلّما يستعمل في غيره، كبرأ الله النسمة، وخلق السموات والأرض.

(2) : فحظُّ العبد أن يذكر من "البارىء" ما برأه عليه وكرَّمه ، وأن يتبرَّأ من حوله وطوله، وأن يشكر للمنعم مننه، وإكرامه، وأن يتبرَّأ متطهِّراً من ذنوبه، وأن يكون عاملاً بذلك على هداية الخلق، ليبرأ من إثم كتمان ما علمه الله وهداه إليه، وما أمره به من عمل الخير، ونصح الخلق، وإقامة الحق، ودفع الفساد، وهذا ما يعرفنا بتبعة قوله سبحانه وتعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ } عن أداء حق هذه الرسالة اتِّباعاً وتبليغاً. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع الإسم الشريف: المُصَوِّرُ جَلَّ جَلالُهُ..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-06-2008
  #82
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

المُصَوِّرُ جَلَّ جَلاَلُهُ


"هو الذي صوَّر الأشياء وعدلها، وألبسها حلل الكمال وجمَّلها، أعطى كل موجودٍ صورة تناسبه، والاستعداد الذي به كماله، وجعل الإنسان في أحسن صورة تلفت الأنظار إليه، وتعطف القلوب عليه.


قال تعالى: { وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ } (1) . وقال سبحانه: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ } (2) . وقال جل شأنه: { هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء} (3) .


فالمظاهر التي يتجلَّى بها نور"المصوِّر" تعالى هي المرآة، ولذلك وجب احترام الأم لأنها كانت مظهراً لظهور نور"المصور" فقد كمَّلك الله وأنت في أحشائها، فإذا رأيت بجوارك زوجة فيها عواطف عليك فقلبها مظهر للرحمة، وثديها منبع للنعمة، ورحمها محلٌ لظهور أكمل الصور التي خلقها الله وأبدعها، وقلت لها: من أنت أيتها الزوجة ومن أنا؟ يقول لك لسان الحال: أنا لك،وأنت وأنا من الماء المهين، ومبدأ الكل من الطين.


والجمال الذي فينا أمانة رب العالمين عند ذلك يتجلى لك نور "الخالق، البارىء، المصور"، في نفسك وفي الآفاق.


وإذا داومت على التفكير والتأمل والتصوير، يظهر لك أن العالم كله كشخص واحد، وكل رتبة فيه تمثل حقيقة الإنسان، فالإنسان مثلاً له روح وعقل، ونفس، وحس، وجسم، وجوارح.


فرأس الإنسان وما فيها من الحواس تمثل العالم العلوي، وما فيه من الأفلاك والأسرار.
ومعدته وما فيها: تمثل العالم السفلي وما فيه من إبراز الآثار.
والجوارح: تمثل الجنود الإلهية التي تنفذ ما يريد.
والروح: تمثل الملك الذي له التصريف في المملكة التي بها نال الخلافة عن ملك الملوك، وسخر الله له الوجود.


فإذا أردت أن تشهد جمال "المصور" فانظر إلى صور الجمادات وألوانها، والمعادن وأشكالها، والنباتات وعجائبها، والطيور وغرائبها، والحيوانات ومزاياها.


وانظر إلى الكواكب وصفائها، وتأكد بأن الكل شخص واحد يخدم أعلاه أسفله، ولا يظهر جمال أعلاه إلا بواسطة أسفله، كما لا يظهر كمال الروح إلا بالجسم، ولا تظهر مزيا الروح إلا بظهور هذا الهيكل، فلا يذوق حلاوة اسمه"المصور" إلا من تفكر في نفسه، ورأى أن جميع العوالم ومعناها انطوى فيه، وأنه خلاصتها وصفوتها، وأن العوالم خلقت لخدمة العبد، والعبد خلق لخدمة الله تعالى.


وإذا أردت أن يتجلى لك نور هذا الاسم فجرِّدْ نفسك من مقتضيات البشرية، وتذكَّر أنك ماء مهين في بطن أمك، وانظر إلى عناية المصور الذي جمَّلك وصوَّرك، وكمَّلك، وعند ذلك تصل إلى السر المصون، وتشهد ما تقرُّ به العيون.


فإذا تجرَّدت من كل حيثية تحجبك ، ومن كل أنانية تبعدك، وطرحت التدبير للمدبِّر، وأرجعت الحقائق للمصور، وصلت إلى الله، وفزت برضاه ( 4 ) .



الدُّعـــــاءُ


"إلهي.... من ماء مهين صورتني، وفي ظلام الأحشاء توليتني، نفخت فيَّ روحاً من أعظم الأسرار، وألبستني حلل الجمال، فشرَّفتني أمام الأنظار. إن نظرت إلى صورتي سجدت شكراً للمصور، وإن تأملت إلى حقيقتي رأيتها ظلاماً وأنت لها منوِّر. فاجعلني بفضلك ذاكراً لأصلي حتى يتم لي وصلي، واحفظني من الحجاب بالصورة عن المصور، يا جميل، يا قريب، يا مقدر، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". " اهـ


اقتباس:========================= الحاشية ==================

(1) : سورة غافر - الآية 64.

(2) : سورة التين - الآية رقم 4.

(3) : سورة آل عمران - الآية 6.

(4) : فحظُّ العبد من هذا الاسم : أن يحافظ على صورته بأحسن صورها في ظاهره وباطنه، على أحسن تقويم، على ما خلقه الله تعالى وهداه إليه، وينـزل ما أعطاه من ذلك منـزلة الصيانة، والشكر، والاستزادة من فضله كما قال سبحانه: { لئن شكرتم لأزيدنَّكم } وأن يكون عوناً على مثل ذلك لتكون صورة الحياة والمجتمع على أكمل صورها، كالربيع بأزاهيره الملونة، وخصائصها المنوعة، وهذا ما يستوجب حسن التربية للأفراد، وقويم السياسة للنفوس، والمجتمع بالتزام واجب إقامة الحق بموازينه وصنيع الخير == وتوسة دائرة شموله فإن في ذلك استعمار الأرض، وبه قوامها { وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ }. " اهـ






(يتبع إن شاء الله تعالى مع اسمه الشريف: الغَفَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ ..... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-06-2008
  #83
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

الغَفَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي يغفر الذنوب، ويستر العيوب، غفر قبائح العباد، وسترها عن نظر إخوانهم، وغفر ذنوب التائبين وبدَّلها حسنات بفضله المبين (1) .


هو الذي يفرح بتوبة عبده (2) . { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ}(3) .


وأوسع دائرة من دوائر الحنان هو تجلي اسمه "الغفار" ، فقد قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} (4) .


ثم وسع دائرة المغفرة بدون قيد ولا شرط فقال: { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}(5) .


وإذا أردت أن تنال شرف هذا الاسم العظيم، وتنال السعد المقيم؛ فاستر عيوب إخوانك، واعف عنهم، بل قابل السيئة بالحسنة يتجلَّى لك قبسٌ من نور هذا الاسم الجليل (6) .


وعلامة المتخلِّق بهذا الاسم: أن يترك الغيبة والتجسُّسَ والنميمة، وإن ظهرت له عورة سترها (7) ؛ فقد قال الإمام أبو العزائم نفعنا الله به:" إن كل عبدٍ فيه كمال ونقص، فغضَّ الطرف عن النقائص، وانشر المحاسن، ولو كان في الرجل تسعة وتسعون عيباً وكمال واحد فاذكر الكمال واستر النقص".


ومن أراد أن يفيض عليه الحقُّ الوسعة في الأرزاق والأولاد فليكثر من الاستغفار، فقد قال الله تعالى: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا}( 8 ) .


ومامن بليَّةٍ في الوجود إلا وسببها ترك التوبة والاستغفار (9).



الدُّعـــــاءُ


" إلهي ...... إنك فتحت لنا باباً واسعاً أطمعنا في عفوك وكرم، وغفرانك، فقلت وقولك الحق: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} فأشرقْ على قلوبنا أنوار اسمك "الغفار" فإني أنا العبد الضعيف الخطَّاء، الفقير، الذليل، وأنت القوي الغني العزيز الغفار. أسألك أن تغسل قلبي من الأوزار، وتملأه بالأنوار، وخلِّقنا بأخلاق هذا الاسم حتى نستر عورة الإخوان، ونقابل السيئة بالإحسان، فننال الوجاهة في الدنيا والآخرة، ونحفظ من ظلام المعصية الباطنة والظاهرة، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم". " اهـ


اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : قال بعضهم: إنه غافر لأنه يزيل معصيتك من ديوانك، وغفور لأنه ينسي الملائكة أفعالك، وغفار لأنه ينسيك ذنبك حتى كأنك لم تفعل. وقيل: الغافر في الدنيا، والغفور في القبر، والغفار في عرصات القيامة. وقيل: الغافر لمن له علم اليقين، والغفور لمن له عين اليقين، والغفار لمن له حق اليقين. وفي الحديث القدسي الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: ( يا ابن آدم، إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم، لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو أنك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة ) أخرجه الترمذي في سننه، والضياء عن أنس.


(2) : روى الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رضي الله عنه ،عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم أَنّهُ قَالَ: "قَالَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ: أَنَا عِنْدَ ظَنّ عَبْدِي بِي. وَأَنَا مَعَهُ حَيْثُ يَذْكُرُنِي. وَاللّهِ للّهُ أَفْرَحُ بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ يَجِدُ ضَالّتَهُ بِالْفَلاَةِ. وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيّ شِبْراً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً. وَمَنْ تَقَرّبَ إِلَيّ ذِرَاعاً، تَقَرّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً. وَإِذَا أَقْبَلَ إِلَيّ يَمْشِي، أَقْبَلْتُ إِلَيْهِ أُهَرْوِلُ".

وعَنِ الْحَارِثِ ابْنِ سُوَيْدٍ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَىَ عَبْدِ اللّهِ أَعُودُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. فَحَدّثَنَا بِحَدِيثَيْنِ: حَدِيثاً عَنْ نَفْسِهِ وَحَدِيثاً عَنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لله أَشَدّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوّيّةٍ مَهْلِكَةٍ. مَعَهُ رَاحِلَتُهُ. عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرابُهُ. فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ. فَطَلَبَهَا حَتّىَ أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ. ثُمّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَىَ مَكَانِيَ الّذِي كُنْتُ فِيهِ. فَأَنَامُ حَتّىَ أَمُوتَ. فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَىَ سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ. فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعامُهُ وَشَرَابُهُ. فَاللّهُ أَشَدّ فَرَحاً بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ". ورواه الإمام أحمد في المسند والبخاري في الجامع والترمذي في السنن كلهم بسندهم عن ابن مسعود رضي الله عنه.

(3) : سورة الشورى – الآية 25.

(4) : سورة النساء – الآية 116.

(5) : سورة الزمر – الآية 53.

(6) : وقد أشار حجة الإسلام الغزالي رضي الله عنه وأرضاه إلى أن المغتاب والمتجسس والمنتقم والمكافيء على الإساءة بالإساءة يكون في معزل من أنوار اسمه (الغفار) وإنما ينال حظه من بركاته الذي ينشر عن عباد الله أحسن ما فيهم، فمن تغافل عن المقابح وذكر المحاسن فهو ذو نصيب من هذا الاسم. فلكي ينال العبد شرف هذا الاسم العظيم ينبغي له أن يتأدب بأدبه، فيستر عيوب إخوانه، ويعفو عنهم، ويقابل السيئة بالحسنة، وبذلك يتجلى له بفضل ربه قبس من نور هذا الاسم العظيم، ويستلزم ذلك أن يترك العبد الغيبة والنميمة وتتبع عورات المسلمين، وأن يغض الطرف عن القبائح، وينشر المحاسن، حتى قيل إنه لو رأى شخصاً فيه تسعة وتسعون عيباً، وفيه حسنة واحدة، ذكرها وترك العيوب

(7) : روى الإمام أحمد في المسند أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من ستر أخاه المسلم في الدنيا ستره الله يوم القيامة ). وروى الطبراني عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من ستر أخاه في فاحشة رآها عليه ستره الله في الدنيا والآخرة) ، وفي رواية أبي نعيم عن ثابت بن مخلد بلفظ: (من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة )، ولابن أبي الدنيا وابن عدي والخطيب عن مسلمة بن مخلد بزيادة: (ومن فك عن مكروب كربه فك الله عنه كربه من كرب يوم القيامة ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته)، وروى أحمد والبيهقي عن عقبة بن عامر، والطبراني والخرائطي وابن النجار عن مسلمة بن مخلد: (من ستر على مؤمن عورة فكأنما أحيا موؤودة من قبرها)، وروى ابن ماجه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته ففضحه في بيته) . وفي الباب أحاديث كثيرة في هذه الكفاية لمن أراد الله له الهداية.

( 8 ) : سورة نوح - الآيات 10-12.

(9) : ففي الحديث عن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ( من أكثر من الاستغفار) وفي رواية للبيهقي: ( من لزم الاستغفار) - (جعل اللّه له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب) وهذا مقتبس من قوله تعالى {ومن يتق اللّه يجعل له مخرجاً} لأن من داوم على الاستغفار وقام بحقه كان متقياً وناظراً إلى قوله تقدس اسمه { استغفروا ربكم إنه كان غفاراً يرسل السماء عليكم مدراراً}

قال الحكيم الترمذي: وأشار بالإكثار إلى أن الآدمي لا يخلو من ذنب أو عيب ساعة فساعة والعذاب عذابان أدنى وأكبر فالأدنى عذاب الذنوب والعيوب، فإذا كان العبد مستيقظاً على نفسه فكلما أذنب أو أعتب أتبعهما استغفاراً فلم يبق في وبالها وعذابها وإذا لها – من اللهو وهو الغفلة - عن الاستغفار تراكمت ذنوبه فجاءت الهموم والضيق والعسر والعناء والتعب فهذا عذابه الأدنى وفي الآخرة عذاب النار، وإذا استغفر تنصل من الهم فصار له من الهموم فرجاً ومن الضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.



(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف القَهَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-06-2008
  #84
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي

القَهَّارُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي قهر الكفار بظهور آياته.

وقهر المعاندين بظهور بيناته.

وقهر قلوب أحبابه على العكوف ببابه، فأنسوا بجنابه.

قهر الروح وهي نور؛ فسخَّرها للجسم وهوظلام.

قهر العناصر فألَّف بين الحار والبارد والرطب واليابس.

قهر العباد بالموت؛ قال تعالى: { وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِير} (1) .

قهر الملائكة بالسجود لآدم وهو من الطين.

قهر الإنسان بالجوع والأمراض حتى يذلَّ لرب العالمين.

قهر جميع الحقائق حتى تفرَّد بالعزة الشامخة (2) .

قهر الإنسان بالنوم رغم أنفه؛ فسلب منه كل حيثية، ولولا تجليه بالقهر ما خضعت النفوس (3) .


روي أن ملكاً من ملوك بني إسرائيل تجبَّر وتكبَّر، ومكَّنه الله في الأرض، وأمهله، وأبعد عنه الأمراض استدراجاً، ففي يوم استعرض جنوده وعظماء المملكة، واستعرض الجيش - وكان قوياً جداً - فخطر بباله أن له العزة دون غيره، وأنه المتصرف كيف يشاء!، فأمر الله مَلَكَ الموت أن يقبض روحه في تلك اللحظة، وهو في وسط جنوده، فجاء عزرائيل في صورة إنسان، وأمسك بزمام الدابَّة فأوقفها، فقال له المَلِكُ: أتعرفني؟.

قال: أعرفك... أنت نطفة قذرة، ونهايتك إلى الأرض، وأنت المغرور، الواقع في الزور، وأنا عزرائيل أمرت بقبض روحك الآن!.

فقال: أمهلني حتى أوصي.

فقال له: لا مهلة عندي. أنا خادم، ربي قد أمهلك طويلاً فلم تعتبر، وأعطاك كثيراً فلم تشكر، ورأيت منه ما رأيت فلم تنـزجر!!. وقبض روحه على ظهر الدابة، فسقط بين قومه جثَّةً هامدة، وأنفاسها خامدة، فانزعج الحاضرون، وتجلَّى "القهَّار" الذي يقول للشيء: كن فيكون.


واعلم... أن السرَّ الجليل في وصول العبد إلى المقامات العالية هو استمداده المعنوي من حضرة اسمه"القهار" فإذا تجلَّى له بنور هذا الاسم، قهر الله له العوالم، وسخَّر له الأعداء (4) .


والعبد المتخلِّق بهذا الاسم تهابه الملوك والعظماء، وتطيعه أملاك السماء، فيرى أن أعدى أعدائه نفسه التي بين جنبيه، فيقهرها، ويضيق خناقها، ويخالفها حتى تطيع الأوامر الإلهية، ثم يقهر خصمه العنيد وهو إبليس، فيحترس من وساوسه، ويضيق مجاريه الصيام، ثم يقهر شهوته البهيمية بالإعراض عن مخالطة النساء (5) ، فإن المرأة أعظم فتنة يصطاد بها إبليس الرجال (6) ، ثم يقهر الكفار، ويترك موالاتهم، ثم يقهر أهل الفسق ويهجرهم.


ولقد وضع العارفون علاجاً للتلاميذ وهو هذا الاسم، وهو أكبر سلاح لأن العبد إذا وصل إلى المعاني الروحانية، وتمكن في الرتب العلية، ربما تغتبر نفسه بأنه صار شيئاً مذكورا، فيدركه الله بنور هذا الاسم، فيقهر كل الخواطر والهواجس، ويسلم بفضل الله تعالى .



الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... قهرت العوالم كلها من دان وعال، وتجليت بالعظمة، فعرفت كل حبيب موال، أمدني بدقيقة من دقائق اسمك القهار، حتى تنقاد لي نفسي، وينهزم أمامي الفجار، وامنحني صولة عليها، لأَصول بها على إبليس، وأنجو من الشهوات الحيوانية، واجعلني ملاحظاً لأنوار اسمك (القهار) حتى لا أغتر بأي عظيم في الوجود، فالكل عدم إذا انكشفت الأنوار، والملائكة تحت القهر حيارى، والملوك أمام الحساب سكارى، وما هم بسكارى، واحفظنا وسلِّمنا، واقهر كل من يعارضنا، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ". " اهـ


اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : : سورة الأنعام – الآية 18.

(2) : وقهر العقول فمنعها عن الوصول إلى كنه حقيقته سبحانه، ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء.

(3) : وقال بعضهم: القاهر الذي قهر نفوس العباد، فحبسها على طاعته، والقهار الذي قهر قلوب الطالبين فآنسها بلطف مشاهدته. وقيل: القهار الذي يطلب منك الفناء عن رسومك، والبراءة من قدرك وعلومك. وقيل: القهار الذي طاحت عند صولته صولة المخلوقين، وبادت عند سطوته قوى الخلائق أجمعين، قال تعالى: لمن الملك اليوم لله الواحد القهار فأين الجبابرة والأكاسرة عند ظهور هذا الخطاب؟ وأين الأنبياء والمرسلون، والملائكة المقربون في هذا العتاب؟ ، وأين أهل الضلال والإلحاد، والتوحيد والإرشاد ؟ ، وأين آدم وذريته؟ ، وأين إبليس وشيعته ؟ وكأنهم بادوا وانقضوا . زهقت النفوس، وتبددت الأرواح، وتلفت الأجسام والأشباح، وتفرقت الأوصال، وبقي الموجود الذي لم يزل ولا يزال .

(4) : فحظ العبد من هذا الاسم أن يقهر عدويه؛ أولهما: النفس: كما قال سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وآله وسلم: ( أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك) وذلك بشهواتها وغضبها، فيداوي أمراضها بالرياضة من العبادة. وثانيها: أن يقهر من يريد إغواء الإنسان وهو الشيطان، وقرين السوء من جنده بما يوسوس للإنسان، ويلم به من خواطر السوء، ونوازعه، وبذلك ليكون الإنسان سيد نفسه، وتقوى لمَّةُ الملَك عنده، فيحب الخير ويعمل به، ويجانب الشر ومزالق خطواته.

(5) : فإذا قهر العبد شهوته وغضبه، وحرصه، ووهمه، وخياله، فقد قهر أعداءه، ولم يبق لأحد سبيل عليه، إذ غاية أعدائه أن يسعوا في إهلاك بدنه، وذلك إحياء لروحه، فإن من مات وقت الحياة الجسمانية، عاش عند الموت الجسماني، كما قال تعالى: ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون صدق الله العظيم .

وأما كيف السبيل إلى قهر الشهوة والغضب؟ فتارة بالرياضة كما قال سبحانه وتعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} . وتارة بالجذب، وهو أكمل الطريقين كما قال عليه الصلاة والسلام: (جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين) .

(6) : روى الترمذي في سننه بسنده عن أُسَامَةَ بنِ زَيْدٍ وَسَعِيدِ بنِ زَيْدِ بنِ عَمْرِو بنِ نُفَيْلٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَا تَرَكْتُ بَعْدِي في النّاسِ فِتْنَةً أَضَرّ عَلَى الرّجَالِ مِنَ النّسَاءِ". قال أبو عيسى: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وذلك لأن الطباع كثيراً تميل إليهن وتقع في الحرام لأجلهن وتسعى للقتال والعداوة بسببهن، وأقل ذلك أن ترغبه في الدنيا، وأي فساد أضر من هذا؟ وإنما قال بعدي: لأن كونهن فتنة أضر ظهر بعده. قال الحافظ في الحديث: إن الفتنة بالنساء أشد من الفتنة بغيرهن، ويشهد له قوله تعالى: { زين للناس حب الشهوات من النساء} فجعلهن من عين الشهوات وبدأ بهن قبل بقية الأنواع إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك، وقد قال بعض الحكماء: النساء شر كلهن وأشر ما فيهن عدم الاستغناء عنهن، ومع أنها ناقصة العقل والدين، تحمل الرجل على تعاطي ما فيه نقص العقل والدين كشغله عن طلب أمور الدين، وحمله على التهالك على طلب الدنيا وذلك أشد الفساد انتهى.قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وأخرجه البخاري في النكاح، ومسلم في آخر الدعوات، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في الفتن. وفي الباب عن أبي سعيد أخرجه مسلم عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها فسينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

(7) : قال العلامة محمد بن كمال الخطيب الحسني رحمه الله تعالى في معرض القول على اسمه تعالى القهار: لأن من ذكر اسم"القاهر" وعرف مننه على عبده الذي أمدَّه بقوته، فإنه لا يستكبر بنفسه، ولا يغتر بما آتاه الله من فضله، ونظر إلى ضعفاء العباد نظرته إلى نفسه، بضعفها وفقرها، فأعان ذوي الحاجة والضعف على خطته تعالى التي هدى إليها رسوله صلى الله عليه وآله وسلم حين قال له: { أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى وَوَجَدَكَ ضَالا فَهَدَى وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِلَ فَلا تَنْهَرْ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّث}. فهو لا يستكبر بما آتاه الله على من حرمه بل يكون لهم عوناً أداءً لحق الشكر والنعمة حقاً. وإن من أجهزة الإنسان ما يشتغل مقهوراً بمثل نبضات القلب غريزياً، ومنها قدرات يستطيع التصرف بها إرادياً، ضمن ما مكنه الله منه من سلطان، وما أعطاه القدرة عليه، وأذن له به، كقيامه وقعوده، وما يتم به كسبه لنفسه أو عليها من خير أو شر، وصلاح وفساد، فهذه القدرة يعرف الإنسان أنها منحة بجميع ما مكنه منه ربه وسخره له، فلا يطغى به،ولا يستكبر، ويستخدمه بمرضاة ربه على ما أحب الله من إصلاح في الأرض،وعون على البر والخير حتى يكون من أهل الرضوان الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، جعلنا الله من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. " اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف الوَهَّابُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-21-2008
  #85
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

الوَهّابُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي يهب العطاء بدون عوض، ويمنح الفضل بغير غرض، يعطي الحاجة بغير سؤال، يبدأ بالعطية وهو صاحب الأيادي العلية.


ولا يتحقَّق ذاك إلا من الله تعالى، فإنه هو "الوهاب" الذي تكرَّرت منه العطايا، وتنوَّعت منه الأسباب (1) .


وكل إنسان يهب شيئاً لأحد فهو يرجو من وراء ذلك معنى في نفسه، فالذي ينفق المال ويبذل ما يحب، يرجو بذلك حسن الثناء، أو وسعة من الله تعالى، أو يرجو دخول الجنة، فكأنه يشتري بعطائه الآخرة، وليس له حظٌّ من معنى اسمه"الوهاب" فإنه في الحقيقة ليس للعبد قدمٌ في هذا الاسم ، ولم يثبت ذلك إلا لله تعالى.... .


ولكن العبد إذا لمعت على قلبه أنوار المعارف الإلهية، وذاق لذة القرب من الحضرة العلية، بذل روحه وهو مسرور، وضحَّى بماله وهو شكور، وبذل قوته وملاذَّه راجياً بذلك رضاء الله، وما من عطية في الوجود إلا وهي من تجلِّي اسمه"الوهاب" (2) .


قال تعالى: { وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب } (3) .


وقال سبحانه وتعالى في حق سيدنا موسى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام: { وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا } (4) .


وقال في حق السيدة مريم حين دخل عليها السيد جبريل - عليه السلام - وقالت له: { قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا (5) .


والسيد جبريل ليس هو الواهب، ولكنه خليفة عن الوهاب جلَّ شأنه، وإن السيد زكريا حين دخل المحراب على السيدة مريم وجد عندها رزقا من غيب الله ، قال تعالى: { قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب } (6) .


فشاهد باباً من أبواب"الوهاب" مفتوحاً، ونفحات من الحنَّان فياضة، فقال: { رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء } (7) .


فأجاب الله دعاءه، وبشَّره على ألسنة الملائكة: { فَنَادَتْهُ الْمَلآئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُك} ( 8 ) .


وقد دعا سيدنا سليمان فقال: { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لا يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ } (9) .


والذي فاز بالقسط الوافر من هذا الاسم سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فإنه بذل جميع ماله، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ماذا تركت لأهلك؟ فقال: تركت لهم الله ورسوله (10)


.
الدُّعــــــاءُ


(إلهي ... هب لنا نوراً نكتشف به محابك ومراضيك، ونجتنب به معاصيك، وهب لنا عافية في أبداننا، وسعة في أرزاقنا، وطولاً في أعمارنا، وهب لنا لذة المعرفة في قلوبنا، والشهود لأرواحنا، حتى نبذل النفس والمال بدون عوض ولا غرض إلى وجهك الكريم، يا وهاب يا رحيم ...؛ فإنني كنت نطفة جمادية، فواجهتني العناية الأزلية، فرفعت قدري،وكرَّمتني على العالمين، فسبحانك لا إله إلا أنت رب العرش العظيم.





نقـصـي كمـالـي رقــى فــي المقـامـات
لأنني ناقص في الوصف والذات (11)
كـلـي عـيــوبٌ ونـقـصـي لا يفـارقـنـي
حــــال الـقـيــام بــأنــواع الـعــبــادات
إن الـكـمــال لــــذات الله جــــلَّ عـــــلا
والنقص وصفي معي فـي كـل حالاتـي
إذا شـهـدت عيـوبـي واعـتـرفـت بـهــا
يــكــمِّــل الله نــقــصــي بـالـعـنـايــات





اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - لأن (الوهاب) الحق هو الله وحده ، ولن تتصور الهبة والعطاء والجود حقيقة إلا من الله سبحانه وتعالى، فإنه هو الذي يعطي - كما يقول حجة الإسلام الغزالي - كل محتاج ما يحتاج إليه، لا لعوض ولا لغرض عاجل ولا آجل، ومن وهب وله في هبته غرض يناله عاجلاً أو آجلاً ، من ثناء أو مدح أو مودة، أو تخلص من مذمة، أو اكتساب شرف وذكر، فهو معتاض وليس بوهاب ولا جواد، وإنما الجواد الحق هو الذي تفيض منه الفوائد على المستفيد، لا لغرض يعود إليه.

ويذكر الرازي: أن الله هو (الوهاب) لأنه مالك الملك فيصح منه التمليك حقيقة، ولأنه منـزه عن الزيادة والنقصان، فهو منـزه عن الأغراض والأعواض، و(الوهاب) هو الذي كثرت مواهبه، واتسعت عطاياه، والمخلوقون إنما يملكون أن يهبوا مالاً ونوالاً في حال دون حال، ولا يملكون أن يهبوا شفاء لسقيم، ولا ولداً لعقيم، ولا هدى لضال، ولا عافية لذي بلاء ، والله سبحانه وتعالى يملك جميع ذلك، دامت عطاياه، وتوالت أياديه فكان هو (الوهاب) وحده .

(2) : ومن آداب من عرف أن ربه هو (الوهاب) أن لا يرفع حوائجه إلا إليه ، ولا يتوكل في جميع أموره إلا عليه ، وقد ذكروا أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وعنا به - قد فاز بالقسط الوافر من بركة اسمه (الوهاب) لأنه بذل جميع ماله في سبيل ربه ، حتى قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : وماذا أبقيت لأهلك يا أبا بكر ؟ . فأجاب : أبقيت لهم الله ورسوله . وحكي أن الشبلي سأل بعض أصحاب أبي علي الثقفي فقال : أي اسم من أسماء الله تعالى يجري على لسان أبي علي ؟ فقال : الوهاب . فقال الشبلي : فلهذا كثر ماله .

(3) : سورة ص - آية رقم 30.

(4) : سورة مريم - الاية 53.

(5) : سورة مريم - الآية 19.

(6) : سورة آل عمران – الآية 37.

(7) : سورة آل عمران – الآية 38.

( 8 ) : سورة آل عمران – الآية 39.

(9) : سورة ص – الآية 35.

(10) : أخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه والأصبهاني في الترغيب وابن عساكر عن الشعبي قال: نزلت هذه الآية { إن تبدو الصدقات فنعما هي} إلى آخر الآية في أبي بكر وعمر، جاء عمر بنصف ماله يحمله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رؤوس الناس، وجاء أبو بكر بماله أجمع يكاد أن يخفيه من نفسه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما تركت لأهلك؟ قال: عدة الله وعدة رسوله. فقال عمر لأبي بكر: ما سبقناك إلى باب خير قط إلا سبقتنا إليه". واخرج أبو داود والترمذي والحاكم وصححاه عن عمر قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما أن نتصدق، فوافق ذلك مالا عندي فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر يحمل ما عنده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلت: لا أسابقك إلى شيء أبدا".

(11) : من شعر المؤلف رحمه الله تعالى.. " اهـ




(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف الرَّزَّاقُ جَلَّ جَلاَلُهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 09-21-2008 الساعة 05:41 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-23-2008
  #86
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

الرَّزَّاقُ جَلَّ جَلاَلُهُ



"هو الذي خلق الأرزاق، وساقها للمرزوقين، وهو الذي يسهلها لأهلها بحكمة خفية وأقدار أزلية تصريفها بيده، وتدبيرها بمشيئته.


قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِين } (1) .


وقال تعالى: { وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ } (2) .


فإذا رأيت إنساناً فقيراً فاعلم بأن لله حكمةً فيه، وهي ما هو عليه، والذي يهمُّ الإنسان ويشغله أمر معاشه وأرزاقه، فنبَّه الحقُّ لذلك. بقوله:{ وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } (3) . يعني: رزقكم في القضاء والقدر ليس بيد العبد جلبٌ له، أو بيده وسعة فيه.


وقد أقسم الحقُّ ليطمئنَّ العبد فقال: { فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } (4) . فالنطق صفة ملازمةٌ للإنسان، كذلك الرزق حقيقةٌ ثابتة مع الإنسان، وقد يكون النطق في العبد فصيحاً، وقد يكون ضعيفاً، كذلك الرزق قد يكون واسعاً، وقد يكون ضيقاً.


والدليل على أن قسمة الأرزاق أزلية أننا نرى رجلاً نبيهاً عالماً، مفكراً، وهو فقير مع سعيه، ورجلاً جاهلاً غبياً والرزق يسعى إليه بدون تفكير منه أوتدبير (5) .


وربما حفر رجلٌ في الأرض ليأخذ منها تراباً لأي مصلحةٍ؛ فوجد كنـزاً دفيناً. ورُبَّ رجلٍ يقضي وقته في البحث عن الدفين أو الكنـز فلا ينال إلا التعب، ولو اجتمع العباد على أن يمنعوا رزقاً مقسوماً لأحدٍ ما أمكنهم ذلك، ولو اجتمعوا على أن يزيدوا ما ليس مقسوماً له لعجزوا.


قال تعالى: { إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ } (6) .


وإذا نظرت إلى تصريف الحقِّ تعالى، وقيامه لكلِّ مخلوق بإيصال الرزق إليه بالوسائل والأسباب، أوبالفضل من الوهاب، تجلَّى لك القادر الحكيم، الخبير، الذي يسوق للدُّود الرزق في ظلمات الأرض، ويرزق الوحش في القفار، ويرزق الطيور بالمقدار.


قال صلى الله عليه وآله وسلم: (لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ. لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ. تَغْد و خِمَاصاً، وَتَرُوحُ بَطَانا) (7).


فالطيور تصبح جائعة، وتطير في الجو ليس لها مكان معلوم، أوغذاء مفهوم، فترجع إلى أوكارها، وقد ملأ الله بطونها غذاءً ومعها قوت لأبهائها وهي فرحة مسرورة.


فإذا أردت تيسير الرزق فلا تظنَّ أنها بقوتك أو مكرك، ولكنها بتيسير الله تعالى... .


واعلم أن الرزق كل ما ينتفع به من أكل وشرب وملبس، وليس الرزق كل ما تملك، فقد تكون حارساً على المال لغيرك، فتنبَّه وأنفق مما آتاك الله تعالى ليكون لك رزقاً دائماً في الآخرة.


والرزق قسمان: رزقٌ للأرواح والقلوب، وهو العلم النافع، والمعرفة بالله والذكر والفكر، وهو أشرف الأرزاق.


والثاني: رزق الأشباح والجسوم، وهو غذاء وملبس، وملاذٌّ محسوسة، وهي عند العارفين مطالب حيوانية.


ومتى أشرق على القلب نور اسمه"الرازق" سكن القلب للخلاق، فلا يطمع في مخلوق. ولا ينظر إلى أي كائن يرجو منه رزقاً أو مدداً.... ( 8 ) .


ومن أراد وسعة الرزق فليحافظ على الصلاة، ويأمر أهله بها، قال الله تعالى: { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى } (9) .


واعلم أن للرزاق مظاهر: فأعلاها مظاهر أرزاق الأرواح والقلوب، فمن نفع الناس بعلمه ونصحهم بالحسي، وغذى أرواحهم بالمعارف فهو خير مظهر للرزاق، وأعلى من فاز بذلك الأنبياء ثم الورثة. والثاني: مظهر لقوت الأشباح وهم أهل الكرم والرحمة، الذين يطعمون الطعام على حبه لا يريدون جزاءً ولا شكورا. وكن واثقاً مما في يد الله أعظم مما في يدك (10) .


قال الإمام أبو العزائم [ ] :




من ذاق راح الصفا يشهد ضيا الباقي= لم يصطبر نفساً من نار أشواقِ
من ذاق راح طريقي في بدايته=لم يلتفت لسوى معطٍ ورزَّاقِ




الدُّعــــــاءُ


" إلهي ....أنت الرزاق المتكفل بالعوالم، الواسع الرحيم، الذي يرزق المطيع والظالم، فارزق الضعيف بالإحسان، وربما جاع القوي وهو حيران، فالأرزاق بفضلك، والبلاء بعدلك. اللهم ...إنَّ لك موائد تنـزلها لأحبابك، تغذي بها الأرواح والقلوب، فأنزل علينا مائدة المعارف، وسلِّمنا من المخاوف، واجعلنا مظاهر توصل قوت الأرواح لعبادك، وأسباباً توصل قوت الأشباح لأحبابك، واحفظنا من الغرور بالأرزاق، واجعلنا مقبلين عليك بالأشواق، إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"." اهـ




اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - سورة الذاريات - الآية 58.
(2) : سورة الشورى - الآية 27.
(3) : سورة الذاريات - الآية 23.
(4) : سورة الذاريات - الآية 23.
(5) : وصدق الشاعر حيث قال: ولو كانت الأرزاق على قدر الحجى *** هلكن إذاً من جهلهنَّ البهائمُ

(6) : سورة آل عمران – الآية 37.

(7) : قال العجلوني في كشف الخفاء: " وللعسكري عن وهب بن منبه أنه قال سئل ابن عباس عن المتوكل فقال الذي يحرث ويبذر وبذره بين المدر. وله أيضا عن معاوية بن قرة أنه قال لقي عمر بن الخطاب ناساً من أهل اليمن فقال: ما أنتم؟ فقالوا متوكلون. فقال: كذبتم أنتم متأكلون!! إنما المتوكل رجل ألقى حبه في الأرض وتوكل على الله عزل وجل. وقد ألف في التوكل غير واحد كابن خزيمة وابن أبي الدنيا رضي الله عنهم.

ولهذا كان سيدي وحبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير من تحقق بالتوكل على الله الوكيل، وسماه الله المتوكل - كما في صحيح البخاري - قال الله تعالى في الحديث القدسي:" أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل". وأمره سبحانه بذلك فقال: { إذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين}، أي إذا عزمت بعد المشاورة في الأمر فتوكل على الله في إمضائه، وكن واثقاً بمعونته وتأييده، فهو الوكيل وهو الكفيل، يحب عباده الذين يتجهون إليه، ويعتمدون عليه، مع بذل الجهد واتخاذ الأسباب، لأن التوكل ليس كما يروجه أعداء هذا الدين أنه ترك الأسباب، وإنما هو العمل بالأسباب وتفويض النتائج لمسبب الأسباب، ألا ترى أن الله تعالى قال في سورة الكهف: {وآتيناه من كل شيء سبباً فأتبع سببا }، إذ التوكل إنما هو من عمل القلوب لا الجوارح فافهم، فهَّمني الله وإياك.

( 8 ) : والتعلق بهذا الاسم: استمداد الأرزاق منه؛ الحسية، والمعنوية، والثقة بضمانه، بترك الاضطراب، وعدم الوقوف مع الأسباب، ثقةً بمسبب الأسباب. قال بعضهم: العلم كله في كلمتين؛ لا تتكلف ما كفيت، ولا تضيع ما استكفيت.

والتخلق به: أن ترزق من كُلِّفت برزقه، وتجري رزقك على من قُدِرَ عليه رِزقُه من قريب أو بعيد.

والتحقق به: أن تفنى عن وجودك بشهود الرزاق الحقيقي، فتعطي ولا تبالي، فحينئذٍ تستمد منك الأرزاق الحسية والمعنوية لأنك حينئذ قطب الوجود، منك يستمد كل موجود. وفي الحقيقة ما ثَمَّ إلا واجب الوجود، وبالله التوفيق.

(9) : سورة طه - الآية 132.

(10) : عن أَبِي ذَرٍ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزّهَادَةُ فِي الدّنْيَا لَيْسَتْ بِتَحْرِيمِ الْحَلاَلِ وَلاَ إِضَاعَةِ المَالِ وَلَكِنْ الزّهَادَةَ في الدُنْيَا أَنْ لاَ تَكُونَ بِمَا فِي يَدَيْكَ أَوْثقَ مِمّا فِي يَدِ الله، وَأَنْ تَكُونَ فِي ثَوَابِ المُصِيبَةِ إِذَا أَنْتَ أُصِبْتَ بِهَا أَرْغَبُ فِيهَا لَوْ أَنّهَا أُبْقِيَتْ لَكَ". انظر: تحفة الأحوذي - كتاب الزهد عن رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم . 1538 ـ باب مَا جَاءَ في الزّهَادَةِ في الدّنْيَا .الحديث رقم:2378.

واعلم أن من آداب اسم تعالى (الرزاق) أن يعلم العبد أن ربه لا شريك له في رزقه، كما لا شريك له في خلقه، فهو يرجع إليه في جليل الرزق ودقيقه، وأن يرضى بقسمة الرزاق الوهاب، وأن يجعل يده خزانة لربه ، وأن يعرف حقيقة وصف (الرزاق) أنه لا يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه، فلا ينتظر الرزق إلا منه، ولا يتوكل إلا عليه." اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف الفَتَّاحُ جَلَّ جَلالهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-29-2008
  #87
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

الفَتَّاحُ جَلَّ جَلالهُ



"هو الذي يفتح مغلق الأمور، ويكشف الحقائق، ويسهل عسير الشؤون، بيده مقاليد السموات والأرض.


قال سبحانه وتعالى: { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر } (1) .


هو "الفتَّاح" وعنده المفتاح. قال تعالى: { مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } (2) .


يفتح أبواب الأرزاق؛ فينـزل الأمطار؛ فيحيي بها الأقطار، يفتح البلاد بالأنبياء، فيشرق نور الحق، ويطهرها من كل داء، يفتح مغلق القلوب فيملؤها بأنوار الرب، فتصبح في الأنس والنور.
يفتح أعين الروح فتشاهد أنوار مولاها، ويفتح أعين الفكر، فتحل له مشكلات العلوم وغوامض المعارف، وما من فرد إلا وقد تحلَّى بنور هذا الاسم بقدر استعداده. وقد افتتح الوجود بسيد الخلائق صلى الله عليه وآله وسلم، فهو مفتاح كل سر، وأساس كل نور. قال تعالى: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ } (3) .


ومتى توجَّه العبد بكلِّيته إلى مولاه، فتح له أبواب السماء، واستجاب له الدعاء، وكاشفه بالأسرار، وصيَّره من الأخيار (4) .


ومن أراد أن يكون له حظ وافر من نور اسمه "الفتاح" فعليه بالاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والبحث عن العارفين أهل الفتوح، وتأكد أن قلبك كنـز فيه أسرار الحق، ونسأل الله أن يمنحك المفتاح الذي يفتح قلبك حتى تشهد الغيب المصون (5) .


والعبد الذي يتخلَّق بهذا الاسم هو الذي يفتح الإخوان بلطائفه، ويواليهم بنظراته ومعارفه ، ويبين للعاشقين جمال الحبيب، حتى تنفتح القلوب، وتهيم وتطيب، ويبين لإخوانه دقائق العلوم، ويكاشفهم بغوامض الفهوم، فالفتَّاح هو الله (6) . قال تعالى: { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا } (7) . وهو "الفتَّاح" في الباطن والظاهر، جلَّ جلاله ( 8 )." اهـ




الدُّعـــــاءُ


"إلهي ... أنت (الفتاح) الذي تفتتح العباد بكرمك، وتمدهم بوافر نعمك، تفتح القلوب فتطلعها على أسرار الغيوب، تفتح أبواب السماء بقبول الدعاء، وتفتح الممالك والأقطار لعبادك الأطهار. افتح لنا أبواب رحمتك، وعلِّمنا مالم نكن نعلم من سر الجسم والروح، فأنت صاحب المدد والفتوح، وأنت على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"."." اهـ




اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - سورة الأنعام - الآية 59.

(2) : سورة فاطر - الآية 2.

(3) : سورة الأعراف - الآية 89.

(4) :فالله سبحانه (فتَّاح) لأنه يفتح على عباده ما انغلق عليهم من أبواب الرزق وغيره، مما قصرت حيلهم عن فتحه، فمن علم أنه (الفتاح) للأبواب والأسباب ، لم يعلق فكره بغيره، ولم يشتغل قلبه بسواه، فيعيش معه بحسن الانتظار، كلما ازداد بلاء ازداد بربه ثقة ورجاء .

حكي عن بعض الفقراء أنه كان يأتي كل يوم ويقف بحذاء الكعبة بعد ما يطوف كثيراً، ثم يخرج من جيبه رقعة ينظر فيها، فلما كان في بعض الأيام فعل ذلك، ثم تباعد ومات، فجاء بعض من كان يرمقه، فأخرج الورقة وقرأ ما فيها، فإذا فيها: { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا }، وكان الرجل قد أصابته فاقة فصبر، ولم يظهر حاله لمخلوق حتى مات.

(5) : ومن التعلق به: دوام الالتجاء، وحسن الانتظار لوجود لطف (الفتاح) سبحانه، ودوام الترقب لحصول فضله، واستدامة التطلع لنبيل كرمه، مع ترك الاستعجال، والسكون تحت جريان الحكم علماً منه أنه لا يقدم ما حكم - سبحانه - بتأخيره، ولا يؤخر ما حكم بتقديمه ، ثم بالافتقار إليه في فتح ما انغلق عليه من جهة الحس أو المعنى، ففي كل ساعة يطلب فتحاً زائداً على ما يعرف، إذ لا نهاية لعلمه، فالعارف الكامل في كل ساعة ولحظة يترقى إلى علم جديد، وفتح مديد

(6) : والتخلق به: أن يكون فتّاحاً على العباد بما يفتح عليه، من علم، أو عمل، أو مال، أو حقيقة، أو همة، أو حال.

والتحقق به: يكون بالفتح الكبير، وهو الخروج من ضيق الأشباح، إلى فضاء عالم الأرواح، أو الخروج من شهود عالم الملك إلى عالم الملكوت، فتفتح على العباد بمجرّد النظرة، والهِمَّة.

ورد في بعض الآثار: إن لله رجالاً من نظر إليهم سعِدَ سعادةً لا يشقى بعدها أبداً، وهم العارفون بالله، الذين تحيا بهم البلاد، والعباد .
قال الشاعر :- (تحيا بكم كل أرض تنـزلون بها *** كأنكم في بقاع الأرض أمطار) ؛ (وتشتهي العين فيكم منظراً حسناً *** كأنكم في عيون الناس أقمارُ)


(7) : أول سورة الفتح.

( 8 ) : وقال الرازي ما جملته: إن "الفتَّاح" هو الحاكم من الخلق، يفتح الأمر المستغلق بما ميز به الحق والباطل، ودفع الباطل، وأنه هو الذي يفتح أبواب الخير في أمور الدين والدنيا بالعلم وإغناء الفقير، ونصرة المظلوم، وإزالة كربة المكروب. وهو الذي فتح قلوب المؤمنين بمعرفته، وفتح على العاصين أبواب مغفرته، وهو الذي يعين على الشدائد، وينيل الزوائد، ولا يغلق باب النعمة بالعصيان معجلاً، ولا يترك إيصال الرحمة إليهم بالنسيان معرضا، وإنما حكمه حتم، وقضاؤه جزم، ولك أجل كتاب عنده قضت به حكمته سبحانه وتعالى. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف العَلِيمُ جَلَّ جَلالُهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-29-2008
  #88
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

العَلِيمُ جَلَّ جَلالُهُ



"هو الذي يعلم تفاصيل الأمور، ودقائق الشئون، وخفايا الضمائر والنفوس، لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض، يستوي عنده العلم بالأشياء قبل وجودها، وبعد وجودها، وتنـزه سبحانه أن يستفيد علماً جديداً من الحوادث، لأنه غني عن العالمين.


والعلم صفة أزلية تكشف الحقائق على ما هي عليه، بلا زيادة ولا نقصان، وهي تتعلق بالواجب والجائز والمستحيل....


فالحق تعالى يعلم أنه الواحد الأحد، ويعلم أن الشريك مستحيل، ويعلم غيب السموات والأرض، وليس هذا الوصف إلا لله تعالى، والكل جاهلون، إن شاء الله علَّمهم، قال تعالى: { وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء } (1) .


وقال سبحانه: { الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآن } (2) .


وقال جلَّ شأنه: { وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا } (3) .


وقال عزَّ سلطانه: { وَاللّه أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا } (4) .


وقد اختلف الناس في تعليم الله بعض الغيب لأوليائه:


فقال بعضهم: إنه مستحيل. وقال الآخرون: إنه جائز.


والحقُّ الذي أبيّنه لك هو أن الغيوب كثيرة، فأولها الذات الأحدية، وهي في غيب الغيوب، لا يعلمها إلا هو تعالى، ثم غيب تجلِّي أنوار أسمائه وصفاته تعالى، وهذه يكرم الله بها أنبياءه، وورثتهم. ثم ... غيب القَدَر وحكمته العالية، وقد علَّمها الله لسيِّدنا الخضر عليه السلام، ثم عجائب وغرائب أسرار السماوات والأرض، وهذه يكاشف الله بها السالك الصَّادق ليطمئن.


وهناك غيب آخر: وهو الاطلاع على ضمائر الخلق، وكشف أعمالهم التي يعملونها في خلوتهم، وهي فتنة على صاحبها.


فقد روي أن بعض العارفين انكشف له هذا السِّرُّ؛ فاستغاث بالله وقال: يا ستَّار، أنت تحب أهل الستر، فاستر عني هذا المشهد لأكون ممن تحبهم.


وقد قال الإمام علي كرَّم الله وجهه: إن للعلم طغياناً أعظم من طغيان المال. العلم يحفظك وأنت تحفظ المال، والمال ينقص بالانفاق منه، والعلم يزداد بالإنفاق.


فإياك أن تفتخر بالعلم، وتتكبَّرَ به، أو ترى نفسك نلته بحولك وقوتك، فتقع في البلية، وتصبح في مسئولية، ومن تعلم العلم طالبَ نفسَه أولاً بالعمل، ثم نصح إخوانه، ثم استعاذ بالله من علمٍ لا ينفع، ومن دعاءٍ لا يسمع (5).


واعلم أن العلوم تتفاوت بحسب المعلوم، فأشرف العلوم ما يتعلق بالله تعالى وأسمائه وصفاته، وأيامه، وحكمة أحكامه، وبيان حدوده. وكل علم لا يدلُّ على الله أو على سبيله أو على ما يرضيه فليس له شرف، ولا قيمة، ولذلك تبحث الرجال عن أهل الله العارفين به سبحانه، فيتلقون عنهم غوامض العلوم، ودقائق الفتوحات، فيكتسبون الخشية من الله (6) .


قال تعالى: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء } (7) .


يعني: أن العلماء هم أهل الخشية، فمن لا خشية عنده لا يُعَدُّ عالماً، ولو علم علوم الأولين والآخرين.
واعلم بأنك إذا علمت علوم الأكوان ولم تعلم تاريخ نفسك من أين أتيت؟ وإلى أين ترجع؟ ولماذا خلقت؟ فلا يفيدك العلم.


فأنت تطورت في مظاهر كثيرة: كنت في بطن أمك، ثم في هذه الحياة الدنيا لتعرف ربك، وتعبده، ثم إلى الدار الآخرة، لتتلقى جزاءك ( 8 ).


وإذا أردت أن تنال نصيباً وافراً من العلم الإلهي؛ فعليك بالتقوى، وهي: الخوف من الله تعالى، والعمل بأوامره، والبحث عن أهل التقوى حتى تتعلَّم منهم كيف تحسن التقوى ( 9 ) ، فالجاهل بوسائل التقوى لا ينال العلم المطلوب.


قال تعالى: { وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ } (10) .


فاجتهد في الذكر، وخلو القلب من الغشِّ والحسد، وحب الدنيا، وخلوِّ المعدة من الحرام، حتى يشرق عليك نور اسمه "العليم"، فتصبح من الراسخين في العلم، وينطق لسانك بعجائب العلوم التي هي من وراء الفهوم، فتصبح ملجأً للقاصدين.


وإذا أردت أن تذوق شيئاً من حقائق العلوم، فتأكد أنك كنت عدماً ولكن كنت على ما أنت عليه الآن، ثابتاً في علم الله القديم، فاترك كل نسبة إليك في الوجود، وتنعَّم بأسرار العلوم، واشرب من حوضها المورود.



الدُّعـــــــاءُ


" إلهي ... أنت العليم بالأكوان قبل بروزها في الشهود، الخبير بدقائق الأشياء قبل اتصافها بالوجود، الخلائق جُهَّالٌ إلا من علَّمته، والعباد حيارى إلا من هديته. أشرق على قلوبنا أنوار اسمك: العليم حتى تنكشف لنا حقيقتنا في العلم القديم، وننجو من الغرور بمحض الكرم، وكاشفنا بأنوار أسمائك حتى نتخلَّق بها، وبيِّن لنا حكمة أقدارك حتى نرضى عنك يا عليم إنك على كل شيء قدير. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم"." اهـ






اقتباس:=================== الحاشية ==============

(1) - : سورة البقرة - آية 255.

(2) : أول سورة الرحمن.

(3) : سورة الكهف - الآية 65.

(4) : سورة النحل - الآية 78.

(5) : روى الإمام مسلم في صحيحه بسنده: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ: لاَ أَقُولُ لَكُمْ إِلاّ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: "اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ الْقَبْرِ. اللّهُمّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا. وَزَكّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكّاهَا. أَنْتَ وَلِيّهَا وَمَوْلاَهَا. اللّهُمّ إِنّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا".

وفي الحكم العطائية المباركة: " خير العلم ما كانت الخشية معه ". قال سيدي ابن عجيبة: يعني أن العلم النافع هو ما كان صاحبه ملازماً للخشية ، وهي خوف مع إجلال ينشا عنه العمل . وقد أثنى الله تعالى على العلماء بذلك فقال: { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ } وأما العالم الذي لا خشية معه فليس عالماً على الحقيقة خصوصاً إذا كان همه الجمع والادخار والمباهاة والاستكبار . فإن علم هذا حجه عليه، وسبب في جر وبال العقوبة إليه؛ لأنه لا يكون من ورثة الأنبياء إلا إذا كان بصفة المورث عنه من الزهد في الدنيا، والرغبة في الآخرة، وتمكن التقوى منه . وما ألطف قول بعضهم :

لو كان للعلم من دون التقى شرف *** لكان أفضل خلق الله إبليس

ولقد أحسن من قال :

قالوا فلان عالم فاضل *** فأكرموه مثل ما يرتضى
فقلت لما لم يكن ذا تقى *** تعارض المانع والمقتضى

وناهيك قوله سبحانه في كتابه المكنون: { يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنْ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنْ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ }. فالزم الطاعة أن أردت أن تكون من العلماء العاملين، واستعذ بالله من علم لا ينفع كما استعاذ منه سيد الأولين والآخرين .فـ" العلم أن قارنته الخشية فلك، وإلا فعليك" . يعني أن العلم النافع الذي يكون لك ثوابه، هو ما قارنته الخشية من الله تعالى، فتداوم العمل. وإلا بأن قصدت به المباهاة والتعاظم فعليك وزره، وخاب منك الأمل . فإنه لا يكون العلم نافعاً إلا إذا كانت نية صاحبه طلب مرضاة مولاه، واستعماله فيما يحبه ويرضاه؛ لأن التقرب إلى الله تعالى بالعلم هو مقصود الأكابر من القوم. وناهيك قوله صلى الله عليه وسلم: " كل يوم لا أزداد فيه علماً يقربني إلى ربي فلا بورك لي في طلوع شمس ذلك اليوم " وقد قالوا: مثل من قطع الأوقات في طلب العلم فمكث أربعين أو خمسين سنة يتعلم ولا يعمل، كمثل من قعد هذه المدة يتطهر ويجدد الطهارة ولم يصل ركعة واحدة. إذ المقصود من العلم العمل، كما أن المقصود بالطهارة وجود الصلاة. وقد فشا في زمننا الكبر بين طلبة العلم وأشباههم ، الذين لم يتربوا على مائدة شيوخ التربية من العارفين العاملين المخلصين، فترى أحدهم تتلمذ على بعض خطباء الفتنة، من الذين أضلهم الله ونفخ في أنوفهم فملأها كبراً وجرأة على علماء الأمة من السلف والخلف، فظن نفسه إذا ما أحسن قراءة كتاب أنه صار شافعي زمانه، أومالك عصره وأوانه، أما ابن حنبل فحدِّث عن المتشبهين به ولا حرج، وهو رضي الله عنه بريء منهم ومن أمثالهم، فما عرفوا من الحديث إلا "كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار" فأخذوا المقولة دون فهم ولا وعي، ولا تدبر، ولا خشية، ثم أجروها على كل من قال لا إله إلا الله، ووزعوا شهادات التكفير والبدع والضلال والتشريك يميناً وشمالاً، دون خوف ولا وجل، وكأن الله وصاهم بهذا، فهذا هو أوضح مثال للكبر بالعلم، بل الكبر بالجهل، نسأل الله السلامة والعافية ، فاحذر يا أخي هذه المزلات، والمضلات، وإياك إياك أن تلقي سمعك لخطباء الفتنة في كل وقت وزمان ،وتمسك بما كان عليه سلفك الصالح حقيقة لا ادِّعاء، تولانا الله وإياك .

(6) : لأن من علم أنه سبحانه وتعالى عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر ووسواس الخواطر حري به أن يستحي من الله، ويكف عن معاصيه، ولا يغتر بجميل ستره، ويخشى بغتات قهره، ومفاجآت مكره. ومن علم أنه سبحانه كذلك فلا يتعرض لمخلوق فيما يحتاج إليه من مطالبه اكتفاء بعلم الله سبحانه .فإن من سكن قلبه إلى مخلوق عوقب في الحال، إن كان له عند الله قدر.

حكي عن بعضهم أنه قال: كنت جائعاً ،فقلت لبعض معارفي: إني جائع!. فلم يطعمني شيئاً !، فمضيت؛ فوجدت درهماً ملقى في الطريق، فرفعته، فإذا مكتوب عليه :"أما كان الله جلَّ جلاله عالماً بجوعك حتى طلبت من غيره؟" .

وحكي عن أبي سعيد الخراز أنه قال: خرجت من البادية، وكنت جائعاً، فدخلت الكوفة، وكان لي بها صديق يقال له الجراري، وكان يضيفني إذا دخلت الكوفة، فأتيت حانوته، فوجدته غائباً، فدخلت مسجداً بقرب حانوته، أنتظر رجوعه، وقلت: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وسلام علينا وعلى عباد الله المتوكلين . وقعدت أنتظره، فدخل داخل وقال : الحمد لله رب العالمين، سبحان من أخلى الأرض من المتوكلين، وسلام علينا وعلى جميع الكذابين، ...يا أباسعيد مدعياً التوكل !!، التوكل في الصحاري والبراري، وليس في الجلوس على البواري، وانتظار الجراري! . قال: فالتفت ...فلم أر أحداً ! .

وهكذا سنة الله جل جلاله مع خواص عباده، لا يساهلهم في خطرة، ولا يتجاوز عنهم في لحظة، بل يطالبهم بالكبير والصغير، ويحاسبهم في النقير والقطمير ، وأما الذين رتبتهم خسيسة، وقيمتهم قليلة، فيذرهم بإمهاله يغترون، وفي غفلاتهم ينهمكون، حتى يأخذهم بغتة وهم لا يشعرون، نعوذ بالله من مكر الله.

(7) : قوله تعالى : { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} سورة فاطر - الآية 28.

( 8 ) : قال سبحانه وتعالى: { اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ } سورة الروم- الآية 54.

(9) :وقد ورد في الحديث الشريف عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "جالسوا الكبراء" وفي رواية: " جالس " بالإفراد فيه والكبراء: هم الشيوخ الذين لهم التجارب وقد سكنت حدتهم وذهبت خفتهم لتتأدبوا بآدابهم وتتخلقوا بأخلاقهم أو أراد من له رتبة في الدين وإن صغر سنه وكبير الحال من جمع علم الوراثة إلى علم الدراسة وعلم الأحكام إلى علم الإلهام.

قال بعضهم: مجالسة الصالحين هي الإكسير للقلوب بيقين لكن لا يشترط ظهور الأثر حالاً وسيظهر بصحبتهم بعد حين وحسبك بصحبتهم إضافة التشريف والاختصاص. وفي قواعد زروق: الولي إذا أراد أغنى ومنه قول الناس خاطري أن أكون على بالك لعل اللّه ينظر إلي فيما أنا فيه قال: وأكثرهم في البداية يسرع أثر مقاصدهم في الوجود لاشتغالهم بما يعرض بخلافه في النهاية لاشتغال قلوبهم باللّه تعالى.

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-29-2008
  #89
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

وقال العارف بالله تعالى الشيخ الأكبر سيدي محيي الدين بن عربي رضي الله عنه وعنا به: والمأمور بمجالستهم من الشيوخ هم العارفون بالكتاب والسنة القائلون بها في ظواهرهم المتحققون بها في بواطنهم يراعون حدود اللّه ويوفون بعهده ويقومون بمراسم الشريعة وهم الذين إذا رؤوا ذكر اللّه أما من ليس لهم في الظاهر ذلك التحفظ فنسلم لهم أحوالهم ولا يصحبون ولو ظهر عليهم من خرق العوائد ما عسى أن يظهر فلا يعول عليه مع سوء أدبه مع الشرع.

وهل للمريد أن يجالس غير شيخه؟. فيه خلاف؛ قال بعضهم: نعم إذا ظهر للمريد أن الشيخ الآخر ممن يقتدى به فله ذلك، وقال آخرون: لا ، كما لا يكون المكلف بين رسولين مختلفي الشرائع، والمرأة بين زوجين، وهذا إذا كان مريد تربية فإن كان يريد صحبة البركة فلا مانع من الجمع لأنه ليس تحت حكمهم لكن لا يجيء منه رجل في الطريق اهـ.

وقال رجل للعارف ياقوت العرش: ما بال سوس الفول يخرج صحيحاً إذا دش وسوس القمح يخرج ميتاً مطحوناً فقال: لأن الأول جالس الأكابر فحفظوه والثاني صحب الأصاغر فطحن معهم ولم يقدروا على حمايته قال العارف المرصفي: وإذا كان من يجالس أكابر الأولياء يحفظ من الآفات فكيف من يجالس رب الأرض والسماوات.

تنبيه: قال بعض الصوفية: ينبغي لمن يخدم كبيراً كاملاً ثم فقده أن لا يصحب إلا من هو أكمل منه وإلا جعل صحبته مع اللّه قال رجل للعارف التستري: أريد أصحبك قال: إذا مات أحدنا من يصحبه الثاني قال: اللّه تعالى قال: اصحبه الآن. وجاء إليه رجل يبكي فقال: ما يبكيك قال: مات أستاذي قال: ما لك اتخذت أستاذاً يموت.

ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم "وسائلوا العلماء وخالطوا الحكماء - وفي رواية وخاللوا -" أي : العلماء العاملين عما يعرض لكم من الأحكام ومن كان بالصفة المقررة فهو من كبراء زمانه وعلماء أوانه فيجب أن يجالس بالتوقير والإحترام ويسائل بالتبجيل والإعظام وذم الجوارح ومراقبة الخواطر ، أي اختلطوا بهم في كل وقت فإنهم المصيبون في أقوالهم المتقنون لأفعالهم المحافظون في أحوالهم ففي مداخلتهم تهذيب للأخلاق وفي النص على مسائلة العلماء تنبيه على إيجاب تقديم العلم على العمل ولم يوقت إيذاناً بملازمة السؤال إلى الترحال من دار الزوال فكأنه قال كن متعلماً أبداً وإذا أطلق العلماء فالمراد العارفون بالحلال والحرام وغيرهم يعرفه أو يضاف كعلم الكلام فكأنه حث على تعلم الفقه لعموم البلوى ومس الحاجة .

تنبيه آخر: قال الراغب: قال بعض الحكماء: مجالسة العلماء ترغبك في الثواب ومجالسة الحكماء تقربك من الحمد وتبعدك عن الذم ومجالسة الكبراء تزهدك فيما عدا فضل اللّه الباري تعالى.

وقال بعضهم: إذا جالست أهل الدنيا فحاضرهم برفع الهمة عما بأيديهم مع تحقيرها وتعظيم الآخرة أو أهل الآخرة فحاضرهم بوعظ الكتاب والسنة وتعظيم دار البقاء وتحقير دار الفناء أو الملوك فبسيرة أهل العدل مع حفظ الأدب والعفاف أو العلماء فبالروايات الصحيحة والأقوال المشهورة مع الإنصاف وعدم الجدال المظهر حب العلو عليهم أو الصوفية فيما يشهد لأحوالهم ويقيم حجتهم على المنكر عليهم مع أدب الباطن قبل الظاهر والعارفين فيما شئت فإن لكل شيء عندهم وجه من وجوه المعرفة بشرط عدم المزج وحفظ الأسرار سيما من الأشرار. و جاء في أقوالهم رضي الله عنهم: طأ أعتاب العالمين تطأ رقاب العالمين. والحديث رواه الطبراني في الكبير عن أبن جحيفة قال الهيثمي: رواه الطبراني من طريقين أحدهما هذه والأخرى موقوفة .

(10) : سورة البقرة - الآية 282. " اهـ





(يتبع إن شاء الله تعالى مع: اسمه الشريف القَابِضُ جَلَّ جلالُهُ.... )
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-13-2008
  #90
هاجر
زهرة المنتدى
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 357
معدل تقييم المستوى: 16
هاجر is on a distinguished road
افتراضي رد: الأنـــــوار الـقــد ســــــيــة في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية

:sm278:شكرا لك عمو الحسيني بس الموضوع طويل
هاجر غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
المزدوجة الحسنى للاستغاثة بأسماء الله الحسنى عبدالقادر حمود الآذكار والآدعية 12 09-05-2013 03:55 PM
عظم الله اجركم اخي الشيخ عمر الحسني أبو أنور المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 2 12-14-2012 12:11 AM
لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني عبدالقادر حمود المكتبة الاسلامية 100 12-06-2012 05:08 PM
لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية هيثم السليمان المكتبة الاسلامية 3 02-06-2010 02:13 PM
أسماء الله الحسنى علاء الدين قسم الحاسوب 5 11-21-2008 01:08 PM


الساعة الآن 04:20 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir