أكثر من مجرد جزيرة ترتطم أمواجها بضحكات السياح
قبرص مثيرة في تفاصيلها من قمم الجبال حتى القلاع والخلجان
من المصدر ©إطلالة من أعلى الجبل
نسرين درزي
قبرص ليست مجرد جزيرة تنعم برمال دافئة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط الذي ترتطم أمواجه بضحكات السياح. وزيارتها لا تقتصر على الخلجان الصغيرة المنعزلة والرياضات المائية، ولا على التلون بأشعة الشمس وحسب. فهناك وعند تلك الأرض التي تفخر بتاريخ غني يعود إلى 10 آلاف سنة، تجتمع معالم طبيعية تمتاز بتنوع لافت تبدأ من السهول الخصبة إلى الريف المخضر حتى أعالي الجبال المكسوة بالصنوبر والثلوج والتي يتعدى ارتفاعها 1900 متر.
رحلة مثيرة يمكن أن يقضيها السائح في قبرص متأملاً قدرة أبنائها على طرق أبواب الحداثة في كل شيء من دون أن يؤثر ذلك على ملامح العراقة فيها. فالجزيرة التي مازالت أحياؤها تشبه تلك الحارات القديمة بعماراتها و”أبجوراتها” الخشبية، لم تهجرها أصوات الباعة المتجولين ولا الصناعات اليدوية. وأكثر ما تظهر هذه الصورة، داخل القرى التراثية المزروعة بالمقتنيات التاريخية ومظاهر الماضي. وفيها بقايا مدن رومانية ومواقع بيزنطية وقلاع صليبية وحصون صامدة بناها حكام مدينة البندقية. وبالمختصر، فإن قبرص جزيرة مثيرة في براعتها بالتعبير عن تفاصيلها من دون أن تبذل مجهوداً في ذلك. وربما يعود الأمر لغناها بالأحداث التاريخية وحفاظها على جزء كبير من تقاليدها الموغلة في القدم وسط جمال طبيعي ترفرف فيه الغصون طوال أيام السنة. أو يكون اعتزاز قبرص بحضارتها مصدره مطبخها ذائع الصيت، والذي على النزاع القائم بينه وبين المطبخ التركي مازال محافظاً على جودة أطباقه المتوارثة.
زاهية ومزدانة
يبدأ اكتشاف قبرص من الطريق الساحلي الذي تنتشر عنده المرافق السياحية والفنادق الراقية والشاليهات التي تقدم خدمات عالية الجودة. ومع قطع مسافة غير بعيدة باتجاه الداخل تتراءى بساتين الحمضيات وحقول الزيتون المعمرة. وتتوزع بينها البيوت القروية التقليدية التي لا يبخل أهاليها بمساعدة أي غريب عن المنطقة، لا بل ودعوته للجلوس في الكرم وتذوق خيرات الأرض. وفي البراري، تسير قطعان الغنم والماعز، ولا تنقص رعاتها سوى الأناشيد الرنانة لتكتمل فرحتهم على امتداد الطبيعية البدائية. فمن يعشق هذه الأجواء النضرة، سوف يسعد بلا شك في عالم تسكنه الحياة النباتية والحيوانية والطقس العليل على مدار السنة. أما الرياضات البدنية، فتلقى هنا أرضاً خصبة لممارسة المشي وركوب الدراجات في المسارات الجبلية المخصصة لها. وإذا طاب المكوث في هذه البقاع القبرصية الأصيلة، تتوافر “موتيلات” للمبيت بأسعار مناسبة لتجربة فريدة يمكن خلالها تذوق الأطباق التقليدية التي يزخر بها المطبخ القبرصي. وعند العصرية يحلو استكشاف المناطق المحيطة بالوديان الزاهية بالورد، والسفوح المزدانة بالفاكهة والخضار.
صيف وشتاء
جبال “ترودوس” عنوان لا بد من زيارته في قبرص لما فيها من مجموعات أثرية بالغة الأهمية تعود إلى العصر البيزنطي. وأهمها الحصون العشرة المزينة من الداخل بلوحات من الفسيفساء تعتبر آثاراً نفيسة تم إدراجها على لائحة “اليونسكو” لمواقع التراث الإنساني. الصعود إلى هذه القمم ممتع في الربيع فصل تفتح الزهور، وكذلك التنزه بين المنحدرات المفروشة ببساتين الكرز والتفاح والإجاص والممتدة حتى أعماق الوديان. والرحلة في الصيف، لا تقل روعة لأن درجات الحرارة خلال هذه الفترة من السنة تكون في الأعالي متدنية نسبياً عن الساحل. والمشهد مختلف كلياً في أيام الشتاء؛ لأن المرتفعات تملؤها الثلوج وتتحول قممها إلى ما يشبه القبعات المغطاة بالأبيض. وفي هذه الأجواء الباردة، لا شيء يجلب الدفء سوى رياضة التزلج التي تستقطب سنوياً الكثير من سياح الداخل والخارج الذين يمضون الإجازة في المنتجعات الجبلية. ولا ننسى لعبة الجولف، وهي تحتل هناك سلسلة من الملاعب الفسيحة التي تتوافق مع المعايير العالمية كافة.
مواقع أثرية
قبرص الرومانسية والحالمة منذ عصور خلت، والواقعة عند أقصى يسار حوض المتوسط، لم تكتف يوماً بمجدٍ اكتسبته عبر الجغرافيا. ولطالما كانت هذه الجزيرة في بحث دائمٍ عن الاستمرارية البارزة التي تحتسب لها على غرار الدول ذات النهضات الحضارية. في الماضي، عرفت موقعاً استراتيجياً ومكاناً تجارياً اجتمعت عنده الكثير من الحضارات، واليوم هي مقصد سياحي يضم أكثر من هدف ويحقق أكثر من فكرة. من بينها ما تقدمه الجزيرة لرواد الثقافة والفنون من فعاليات متنوعة على مدار السنة، مثل الأعمال الغنائية الاستعراضية والمسرحيات المقامة في الهواء الطلق. وأجملها على الإطلاق تلك اللوحات المعروضة أمام خلفية استثنائية من المواقع الأثرية التي تزخر بها الجزيرة، مثل المسرح الأثري في كوريون والحصن التاريخي في ميناء بافوس.
وتقدم قبرص لزوارها من رجال الأعمال إمكانات مناسبة لعقد الاجتماعات والمؤتمرات وتلبية احتياجات سياحة الحوافز. وتضع الجزيرة تحت تصرف المتحمسين في المجال الرياضي أحدث الوسائل التدريبية. الأمر الذي يجعلها تحظى بشعبية كبيرة لدى الفرق الرياضية المحترفة التي تختارها وجهة مفضلة للتدريب الشتوي نظراً لطقسها المثالي المعتدل.
رمز الحب والجمال
تروي الأساطير أنه عندما نهضت “أفروديت”، رمز الحب والجمال، من زبد البحر في موقع يدعى “بيترا تو روميو” على الساحل الغربي من قبرص، جلبت معها تحولات كثيرة إلى الجزيرة الناعسة. فالسكان المحليون رحبوا بها أشد الترحيب ونثروا الورد أمامها، وهي في طريقها إلى المقر الذي حمل اسمها. وهكذا تقاطر الناس بالآلاف من مناطق البحر المتوسط للاحتفاء بها، ومنذ ذلك الحين نالت قبرص شهرة مفاجئة باعتبارها مقصداً للرحلات الرومانسية المثيرة.
ركوب الدراجات
الطرقات المنظمة في قبرص والمناظر الطبيعية المحيطة في كل مكان، تجعل من هذه الجزيرة مكاناً مناسباً لممارسة المشي وركوب الدراجات. ومما يساعد على ذلك انتشار المسارات الطبيعية المصممة خصيصاً لهذه الرياضات.
وأكثر من ذلك، فإنه بإمكان المتمرسين في استعمال الدراجات وسائل نقل، السير في جزء أو في كامل المسار الذي يعبر من طرف إلى آخر في الجزيرة، والذي يدعى المسار الأوروبي العام E4.
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
09-22-2010
قبرص
تعليمات المشاركة
العرض العادي
