دمشق حي الصالحية: أقدم أحياء دمشق، وأغناها بمعالم التراث الإسلامي العريق..
يعد حي الصالحية في مدينة دمشق من أقدم أحياء العاصمة السورية ومن أغناها بالمعالم الأثرية والشواهد الجميلة على فن العمارة الإسلامية الراقية بين مساجد ومدارس وبيمارستانات.



محمد مروان مراد


إضافة إلى الحارات الشعبية والأسواق الحافلة بأنواع المصنوعات الدمشقية العريقة، حيث يتوافد الزوار من أبناء المدينة ومن السياح العرب لزيارة الأبنية التراثية، والتعرف إلى تاريخ مشرق بالعلم والمعرفة والإبداع الحضاري.. كانت نشأة حي الصالحية في القرن السادس الهجري /12ميلادي حيث وصلت إليه هجرات المقادسة الذين هربوا من الاحتلال الصليبي في فلسطين عام 551هـ /1156م. وحين وصل المقادسة إلى دمشق نزلوا بداية خارج باب شرقي عند مسجد أبي صالح (محلة الشيخ رسلان) وعندما انتقلوا بعد سنتين إلى قاسيون اشتهروا بالصالحين أو بالصالحية.









‏

كانت المنطقة في ذلك الوقت غير مسكونة، تضم بعض المزارات وآثار دير قديم يعرف بدير الرهبان أو دير الحوراني، أقام عنده المقادسة مساكنهم فسمي بدير الحنابلة (على مذهب الإمام أبي حنبل). ‏

زادت حركة الإعمار في الحي في العهد الأيوبي، وكثرت المساكن وأنشأ الشيخ أبو عمر (محمد من بني قدامة ابن زعيم المقادسة) أول جامع في الصالحية (جامع الحنابلة) وأول مدرسة هي (المدرسة العمرية) توسعت وضمت المنطقة في جنباتها العديد من المدارس والحمامات والمساجد والبيمارستانات (القيمري). ‏

وأنشأ السلطان العثماني سليم الأول ضريحاً هاماً ومسجداً على قبر الشيخ محيي الدين بن عربي عام 922هـ /1516م، كما أنشأ مقابله تكية كمطعم للفقراء، وقد زودت هذه المنشآت بالماء من نهر يزيد بوساطة ناعورة أقيمت عليه. ‏

أهم المنشآت الأثرية في الصالحية:







‏

المدرسة العمرية: من العهد السلجوقي، على نهر يزيد، جنوب جامع الحنابلة، سميت العمرية نسبة إلى المهاجر المقدسي الشيخ أبو عمر بن قدامة، ولم يبق من أصلها القديم سوى القليل، ومن ذلك باب المدرسة الغربي، ذي القوس المدبب المتجاوز، وتجري الآن أعمال الترميم لإعادة البناء إلى سابق عهده. ‏

التربة العمادية: شمال المدرسة الجهاركسية المشهورة. ‏

جامع الحنابلة: من العهد الأيوبي، بني وفق مخطط شبيه بالجامع الأموي، وهو أول جامع كبير بني في دمشق من بعده، شيده صاحب أربيل الأمير كوكبري 604هـ /1207م يمتاز بمحرابه الحجري الرائع الصنع، ليس له شبيه في المحاريب الأخرى، ويشتهر بمنبره الخشبي الغني بالنقوش والزخارف. ‏

البيمارستانات القيمرية: بني في حي الصالحية خاصة له لأنه كان أشبه بمدينة مستقلة عن دمشق، أنشأه الأمير سيف الدين يوسف القيمري المتوفى سنة 654هـ /1256م. وهو مازال محافظاً على وضعه القديم، له باب متقن البناء، هام في هندسته وزخارفه، وقد أعاد الترميم له بهاءه وتفاصيله العمرانية الجميلة. ‏

المدرسة الصاحبية: أنشأتها أخت السلطان صلاح الدين، ربيعة خاتون، وتلقب بالصاحبة توفيت سنة 643هـ، وفيها تربة دفنت فيها مؤسسة المدرسة، تقع إلى الغرب من المدرسة الركنية. ‏

المدرسة الأتابكية: تعرف اليوم بجامع التابتية، أنشأتها زوجة الملك الأشرف موسى بن العادل أبي بكر توفيت سنة 640هـ ودفنت بالمدرسة. ‏

المدرسة الأشرفية البرانية: تقع جوار المدرسة الأتابكية من جهة الغرب (بين المدارس) أنشأها الملك الأشرف موسى في حدود 630هـ /1232م، تغيرت معالمها ولم يبق منها سوى الواجهة. ‏

المدرسة المرشدية: تقع بجوار الأشرفية المتقدم ذكرها وإلى الغرب منها، وتضم مسجداً ومئذنة وتربة دفنت فيها ابنة الملك المعظم عيسى بن الملك العادل أبي بكر، التي أنشأت المدرسة، وكانت وفاتها سنة 954هـ /1256م. ‏

المدرسة اليغمورية: في محلة العفيف إلى جوار التربة الكجكرية، أنشأها نائب الشام جمال الدين يغمور في حدود سنة 647هـ /1249م. ‏

المدرسة الجهاركسية: أنشأها ودفن فيها فخر الدين شركس أحد أمراء الدولة الأيوبية المتوفى سنة 608هـ. ‏

التربة الفرنتية: تقع في زقاق المدارس، وفيها قبر الشيخ علي الفرنتي المتوفى سنة 621هـ /1224م. ‏

التربة القيمرية: قريبة من البيمارستان القيمري، فيها ضريح الأمير سيف الدين أبو الفوارس القيمري منشىء البيمارستان المذكور، توفي سنة 654هـ.. ‏

تربة مثقال: قبالة الجامع الجديد، تهدمت ولم يبق منها سوى جدرانها والضريح، وهو للمجاهد أبو سعيد مثقال بن عبد الله الجمدار المتوفى سنة 621هـ /1224م. ‏

تربة زوجة الملك المعظم عيسى بن العادل: وتسمى عين الشمس توفيت سنة 631هـ ودفنت معها ابنتها، ولم يبق من التربة سوى واجهتها والقبرين، وعرفت بالقاهرية نسبة إلى الملك القاهر اسحاق بن الملك العادل أبي بكر. ‏

التربة الصارمية: غرب جامع الحنابلة، تهدمت وتحولت إلى بيت للسكن، وبقي الضريح وهي نسبة لصارم الدين برغش العادلي المتوفى سنة 608هـ.. ‏

التربة النظيفية: عند باب جامع الحنابلة الغربي تنسب إلى محمد بن علي بن نظيف المتوفي سنة 602هـ.. ‏

تربة ابن سلامة: شرق الصالحية، تنسب إلى الحسن بن سلامة الرقي المتوفى سنة 610هـ.. ‏

تربة ريحان: شمال غرب المدرسة الجهاركسية، نسبة إلى ريحان بن عبد الله عتيق الملك المعظم عيسى الأيوبي بنيت سنة 641هـ.. ‏

التربة الأسدية: تنسب إلى علي بن عبد القادر القرشي الأسدي المتوفى سنة 635هـ.. ‏

التربة الكنجية: تقع في الزقاق شرق جامع الحنابلة، وبقي منها واجهتها، عليها كتابات تؤرخ وفاة اثنين من آل الكنجي أحدهما سنة 652 والثاني سنة 670هـ.. ‏

التربة التكريتية: بنيت سنة 698هـ/1298م. وتضم قبر الوزير تقي الدين التكريتي الذي تنسب له. ‏

التربة الدوباجية: تقع قبالة باب جامع الحنابلة الشرقي، دفن فيها سلطان جيلان شمس الدين دوباج الذي توفي في طريقه إلى الحج سنة 714هـ/1314م. ‏

تربة الأمير غورلو: كان نائباً للسلطنة في دمشق، توفي سنة 719هـ/1319م، فدفن في تربته التي شيدها وتقع شمال جامع الحنابلة. ‏

تربة عبد الرحمن ابن نجدة الذي كان نقيباً في قلعة دمشق، توفي سنة 601هـ، وتقع شمال جامع الحنابلة. ‏

مسجد الطشتدار: يقع جنوب جامع الحنابلة، ينسب إلى عبد الرحمن بن عبد الله الطشتدار الذي جدده سنة 637هـ. ‏

ـ جامع الشيخ محيي الدين: ‏

ہ يعتبر جامع الشيخ محيي الدين بن عربي من أبرز المعالم الأثرية ذات القيمة الدينية في منطقة الصالحية، وهو من مشيدات بدايات العهد العثماني في حي الصالحية، جادة المدارس (سوق الجمعة اليوم)، أنشأه السلطان سليم الأول سنة (924هـ /1518) فوق ضريح الشيخ محيي الدين بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي المتوفى في دمشق سنة (638هـ/1240م) كما دفن بجانبه في حقب لاحقة كل من ولديه: سعد الدين وعماد الدين، وفي غرفة الضريح ثلاثة قبور أخرى واحد للأمير عبد القادر الجزائري وقد نقلت رفاته إلى الجزائر بعد استقلالها وبقي الضريح الخشبي موضعه، والثاني بجواره للشيخ محمد أمين الخربطلي ناظر الجامع الأسبق، والثالث لمحمود سري باشا صهر الخديوي اسماعيل حاكم مصر، وتذكر المصادر التاريخية أن راشد باشا والي سورية مدفون في هذا المكان، لكنني لم أشاهد إلا ستة أضرحة لمن ذكرت، ولعله دفن في الضريح الأخير، ومن جهة الشرق من الجامع تربة صغيرة لبعض العظماء الأتراك. ‏

يعرف جامع الشيخ محيي الدين بأسماء مختلفة فهو الجامع السليمي نسبة لمنشئه السلطان سليم، وجامع المحيوي نسبة للشيخ محي ي الدين، ثم عمارة السلطان وعمارة الخنكار وجامع الخنكار. ‏

صفاته المعمارية: ‏

مشيدة كبيرة متقشفة العناصر الزخرفية، صممها المهندس العثماني شهاب الدين بن العطار، واستعملت في بنائها أعمدة نقلت من دار السعادة المملوكية، بوابتها مرتفعة تعلوها كتابات مؤرخة وتقع غرفة الأضرحة في الجهة الشرقية من الصحن وينزل إليها بعدة درجات وهي قاعة مستطيلة تغطي جدرانها بلاطات القاشاني الزرقاء المزخرفة وتعلوها قبة ملساء مدببة تستند إلى رقبة مضلعة بطبقة واحدة مؤلفة من اثني عشر ضلعاً ونافذة مقوسنة. ‏

‏