أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           زوَّدك الله التقوى، وغفر ذْنبك ويسَّر لك الخير حيث ما كنت           

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-2011
  #11
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

رحماء بينهم
قال الله تعالى: ﴿ مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ﴾ [1].
الموقف الكلي للعبد المحسن أمام مولاه عابدا ضارعا سامعا مطيعا لا يُوَلِّدُ أنانيةَ راهب الكنيسة الذي يحتكر الفهم وينتصب ليُعْبَدَ من دون الله، ولا أنانيةَ الزعيم الذي يُفيض من عليائه الشرعية على سياسة الوقت.
رحماء بينهم، وأشداء على الكفار. هذه السنة، وهذا هو المنهاج النبوي في علاقة العباد بربهم، علاقة تنظم الجماعة في سلك الرحمة الإلهية الممتدة بركة من السماء وشَجَنَةً بين المومنين على الأرض. القرآن هدى ورحمة وبشرى للمحسنين. وحول محمد صلى الله عليه وسلم صحابة رحماء بنفس الرحمة، مهديون بنفس الهدى. قرآن يتلى فيتجسد حقائق تسعى بين الناس. وحي يأتي به جبريل عليه السلام فلا يلبث أن يتحول التعليم القرآني حياة نابضة بالأخوة والقوة. الركع السجد لا يبتغون سوى فضل الله ورضوانه.
هنالك سلسلة من المعاني القرآنية النبوية لا تزال تتلى ألفاظها بينما حقائقها غابت عن الأذهان وغابت من أنفس المسلمين وواقعهم وتقلص أثرها في الأمة. إنها معانٍ كالنور، والبركة، والرحمة، والسكينة التي تنزل على المومنين في ساحة القتال، ومجالس القرآن، وحلق الذكر. وكأن عدوى الفكر الجاهلي والإرهاب الفكري الذي يطارد الغيبيات جعل بعض المسلمين، غفر الله لنا ولهم، يتنازلون عن إيمانهم، حتى إن بعضهم فسر الجن بأنه يشبه أن يكون نوعا من المكروب، وبعضهم أحال القرآن نوعا من دائرة معارف كونية. إن لغة الجاهلية التي سرت عدواها في لغتنا كما سرت عدوى التشبه بهم في سائر أوجه حياتنا لا تتسع لتعبر عن معاني القلب. فتجد منا من لا يتجاوز في تصوره درجة التسليم لنور القرآن، وسكينة القلوب، وطمأنينتها، وسيما الوجوه الساجدة، وبركة السماء، وما إلى هذا من معجزات الأنبياء، وكرامة الأولياء، وعالم الجن والملائكة، وحقائق الجنة والنار، وأسرار القدر، والإلهام، والتحديث. كل هذا واجب الإيمان به. لكن أن يصبح كل هذا لب حياة الأمة دون أن يتسطح في خرافية شعبية، ودون أن تدخله شعوذة، ودون أن يحمل على مغالاة وانحراف، هو المطلب التربوي الأول. وما من معنى قرآني إلا وهو شعبة من شعب الإيمان، فإن نضبت شعب الرحمة وأخواتها فلا يبقى في يدنا إلا شكل القرآن وشكل الإيمان والصورة الظاهرة الحرفية للدين.
قال الله تعالى لنبيه الكريم: ﴿ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ [2]. هذا معنى رحماء بينهم. رحماء بتأليف إلهي بين القلوب. فإن غاب هذا التأليف القلبي، ولا تعوضه الألفة الطبيعية بين الناس، فما يجدي توحيد الخط الفكري. في الديمقراطية التعددية يحدث الخلاف فلا حرج في الانفصال عن الحزب، فهي أساسا تعددية. وفي الديمقراطية المركزية يفرض تماسك الجسم الحزبي بالقهر والإرهاب و"الانضباط الثوري". لا مكان للرحمة هنا ولا هناك.
وقال عز من قائل: ﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [3]. شورى على رحمة، ورحمة تلين القلب، مظهرها العفو وحب الخير عند الله لإخوانك. ليست نقاشا على جفاف الفكر وتناطح المصالح والأنانيات. ثم توكل، والله يحب المتوكلين. وما التوكل في قاموس المذاهب الفكرية، وما حب الله عباده حتى عند من يومن بالله؟
قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾ [4].
وقال سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [5].
فإذن منة الله على أمة الإسلام أن بعث فيها رسولا يزكي -أي يربي ويطهر- ويعلم الكتاب ومعه الحكمة. نبي أمي لكيلا تحسب أنها فلسفة وبراعة وعبقرية. نبي أمي اسمه في التوراة والإنجيل، وظيفته وظيفة الأنبياء، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحل الطيبات، ويحرم الخبائث، ويحرر الناس من الإصر والأغلال، كناية عن أنواع العبودية لغير الله. ومع النبي الأمي نور ورحمة وسكينة وتأييد ونصر. كل هذه معان غيبية تجسدت في المجتمع القرآني فكان ظهور الإسلام معجزة تاريخية. معجزة في تأليف أمة موحدة بين أعرق البشر في العصبية الجاهلية. معجزة عسكرية. معجزة أخلاقية. معجزة إيمانية. معجزة كلية جعلت من عرب أميين قادة النصر، وأئمة العلم، وهداة البشرية، ومحرري الشعوب.
[1] الفتح: 29
[2] الأنفال: 62-63
[3] آل عمران: 159
[4] آل عمران: 164
[5] الأعراف: 157
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #12
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

يحبهم ويحبونه
يجب أن نُزيل وهما يتمثل في اعتقاد أن القرآن مجرد مجموعة نصوص، وأنه متى جعلنا هذه النصوص دستورا فقد حكمنا بما أنزل الله، وخرجنا من دوائر الكفر والظلم والفسق. نعم في القرآن أحكام مضبوطة وأصول للاجتهاد وشريعة تتناول بالتفصيل أو بالإجمال كل نشاطات الإنسان وكل علاقات المجتمع. لكن الوهم الخطير هو أن نتصور الحكم بما أنزل الله عملية قانونية فقهية، بالمعنى الدارج للفقه لا بالمعنى القرآني. من الوهم أن نتصور أن دولة القرآن تقوم بمجرد رفع النصوص شعارا. والإلزام بها، والناس كالناس، والقلوب جافة من معاني الإيمان والرحمة، ناشفة منها.
كلا حتى تسمع القلوب وتستجيب لله وتقيم الصلاة الإقامة القلبية الخاشعة ليصح أن يكون أمرهم شورى بينهم، ويكون للشورى مدلول غير مدلول الاصطلاح على مسطرة ديمقراطية لتصريف شؤون الناس!
عند الناس هذا دين وهذه دنيا. لا دخل للدين في الدولة ولا تنفي الدولة حُرية الأديان ما دام في حَظيرته التي سيَّجَتْها له الدولة وحصرته فيها. وانفصام الدين والدولة حدث في تاريخ أوربا، فلما غزانا الفكر الأوربي أعدانا بالفهم الازدواجي العدائي بين الدعوة والدولة. أما في تاريخ الإسلام فلم يَجْرُأْ أحد قبل أتاتورك على فصل الدولة عن الدعوة، أي فصل معاني القلب عن مجال الحياة الاجتماعية والسياسية، فإقامة دولة القرآن على المنهاج النبوي تبغي تركيبا اجتماعيا روحه الرحمة الجامعة بين المومنين، محبة وتَوادُداً عضويا يصل العباد بربهم، ويرشحهم ليحبهم الله بمحبتهم لله ولمن يحبهم الله.
قال الله عز وجل: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ [1].
اسمعْ أن محبة الله عباده ومحبتهم إياه وذلتهم على المومنين وعزتهم على الكافرين فضل من الله. كلمة تلحق بِسِرْب معاني الرحمة والحكمة والنور وأخواتهن. واسمع الشرط الإحساني (يحبهم ويحبونه) الذي تُبْنَى عليه الرَّحِمُ الإيمانية التي بها كانوا رحماء بينهم أشداء على أعدائهم. نرجع إن شاء الله في فصل لاحق للحديث عن الولاية بين المومنين.
أيّ عبد موفق لا يطير فرحا حين يعلم أن الله عز وجل يحب من يحب، وأنه يقربه، ويفعل به ما يفعل بأوليائه مما يحفل بذكره والتشويق إليه القرآن والسنة؟
واتباع الرسول الهادي ومحبته شرط في ذلك. قال الله عز وجل: ﴿ قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ﴾ [2]. فمن هنا حرصنا على التمهيد للحديث عن الدولة بالحديث عن الإيمان والإحسان. وبهذا لا يكون بحثنا عن المنهاج النبوي خارج المنهاج النبوي، وكأنَّ هذا المنهاج حيلة فكرية، أو مهارة نظرية، أو أسلوب سياسي، أو تنظيم يبني المجتمع من خارج بقهر الدولة. المنهاج اتباع، والاتباع هو السنة. وهي وحي من الوحي. هي روح من أمر الله: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾ [3]. روى أبو داود والترمذي والإمام أحمد بسند صحيح عن المقدام بن معديكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عني، هو متكئ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالا استحللناه، وما وجدنا فيه حراما حرمناه. وإن ما حرم رسول الله كما حرم الله" . هذه رواية الترمذي. وعند أبي داود يبدأ الحديث هكذا: "ألا أني أوتيت الكتاب ومثله معه" .
قوم حملوا الحديث النبوي سلاحا يقاتلون به المومنين، يبدعون ويضللون ويكفرون. وقوم من الدعاة على أبواب جهنم أنكروا السنة إطلاقا. أولئك أحالوا دين أبي القاسم الرؤوف الرحيم بالمومنين نقمة على المومنين، وسنته ربْقة، فأشاعوا الكراهية بين المسلمين. جمع الله لهم مع عزتهم على المومنين ذلة على عتبات حكام الجبر. أما منكرو السنة فهم أشنع المتكئين أهل الخذلان نعوذ بالله.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #13
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

بناء تقوض
أين تلك الجماعة التي سرت فيها روح القرآن، وتآلفت قلوبها بفضل الله ورحمته؟ بناء قوضته ظروف التاريخ، بل قدر الله! أستغفر الله من تعابير ومصطلحات فرضتها علينا ضرورة مخاطبة الناس على قدر عقولهم. ويجد المرء حَرَجا، منذ لوَّثَ لغتَنا الشريفة أصحابُ الفكر المترجم، أن يجمع بين لسانَيْ القدَر والشرع كما يجمع القرآن وتجمع السنة. وهذا من التقويض التاريخي.
إن عرض حاضرنا على السنة المطهرة كفيل أن يكشف لنا بالمقارنة فداحة الخراب. كما أن استعراضنا لتاريخنا كفيل أن يدلنا على مراحل النقض والتدمير. كانت النظرة واحدة، وكان شمل القلب والعقل مجتمعا، وألفة القلوب رابطة بين عباد أحبوا الله وأحبهم الله حين اتبعوا الإمام المبين. كانت لهم في رسول الله إسوة لا تغيب فتنسى، ولا تضعُف فَيَفْتُرَ في الهمم طلب وجه الله. واليوم ما سبيل جمع ما أصبح شتيتا؟ ما منهاجه؟ جاهلية اليوم من نوع جديد على التاريخ. لا مكان فيها للدين إلا في رُكْنٍ تنسحب عليه أحكام القانون. الحياة الشخصية لا بأس أن تُترَك لشرائع "الأحوال" الشخصية. القاضي يطلق ويزوج في حدود عدم تعدد الزوجات مثلا. الأخلاق من شأن الأسر والمدرسة والجمعيات "الدينية". خارج المسجد لكيلا يفسدوا على الدولة توجيهها للدين. حياة المجتمع الاقتصادية والسياسية واليومية والثقافية والترفيهية لا دخل فيها للدين بتاتا. وصحوة ناشئة أمامها ركام الخراب الضخم. فماذا تجمع؟ وكيف تعود بالأمة لوحدة المنهاج النبوي وتماسك الأمة وأخُوة الإيمان والعزة على الأعداء؟
دولة القرآن في غدنا الموعود تحتاج لأسوة. قال أهل اللغة الإساء بكسر الهمزة ما يستند عليه، ومنه الأسوة. لا بد لدولة القرآن من سند تعتمد عليه. لا بد من نموذج تحذو حذوه. من منوال تنسج عليه. وليس إلا السنة النبوية المعصومة. فهي قوتنا.
إن من يبني على رسم مبتكر قد يبدع الغرائب، وقد يبدع النُّكْرَ المشوَّه. وأصحاب "اليوتوبيات" -وهي عندهم المجتمعات المثالية في خيال الفلاسفة- على علم بمصير الإنسانية البئيس من جراء ما رسموا. وما روسيا الفتك والاستعباد وأمريكا العنف والغابة ببعيد.
أما بناء الإسلام فعلى أسوة مؤيَّدَة نجحت. وإعادة البناء على ذلك المنهاج ممكنة، بل موعودة مُؤكدة. يقول بعضهم: هلم نبني ما جاء به القرآن لا نعدوه، فهو أهدى وأمتن وَصْلاً من سنة انحدرت إلينا على يد أجيال طويلة. جواب هؤلاء في الحديث الصحيح كما ورد. وآخرون يقولون: إن ضرورة الإبداع المستقبلي تقتضي أن نعالج مشاكل الحاضر والمستقبل بمناهج متطورة. فأين السنة المحترمة -أي المسكينة المتخلفة- من مشاكل التصنيع والصراع الدولي وآفاق العلم وإمكانيات التكنولوجيا؟ هؤلاء نوع ممن لا يحبون أن يفهموا أن الإنسان وحده في مصيره فوق الأرض وفي البرزخ وفي دار الجزاء هو محور الأمر كله. وإن السنة المطهرة ما هي شكل اللباس وحجم الإنتاج وأدوات العمل وأساليب الأمن والحرب. السنة النبوية روح ونور ورحمة وفضل. وهي أيضا تعاليم خالدة تنتظم سلوك العبد المنيب الحريص على آخرته في عبادته الظاهرة والباطنة، في خُلُقه وتعامله، في عبوديته لله عز وجل، عبوديةٍ مجسدة في الأسوة المعصوم صلى الله عليه وسلم. السنة شورى في الحكم، ثم لا بأس إن جلس المومنون في المسجد يدبرون أمرهم أو جلسوا في بيت خاص سموه برلمانا أو غير ذلك يتفرغون فيه لشأنهم. السنة إخاء وعدل. وذلك يقتضي حسن الخلافة عن الله في ماله، وحسن القسمة، وحسن التضامن والمواساة. لا دخل في ذلك لنوع إدارة الاقتصاد وتشجيع الإنتاج ما دام ذلك لا يتعدى حدود الله إلى الإسراف والتبذير وأكل أموال الناس بالباطل. السنة قوة. لا يسألنا الله كيف صنعنا السلاح ولا كيف نظمنا مدارس العلم ومعامل الصناعة، ولا عن تقنيات كل ذلك. إنما يسألنا وتلعننا السنة إن لم نُعِدَّ ما أُمِرْنا به من قوة، وإن لم ننظم وسائلنا البشرية والعلمية والمادية لنصنع اقتصاد القوة والكفاية ولننظم مجتمع القرآن ودولة العز بالله القوي العزيز.
السنة تنافي البدع، تنافي الشرك المتسرب إلينا مع كل خيط يربطنا برباط التبعية والتلمذة والانكسار الانهزامي أمام الجاهلية.
لا يمكن أن نجمع بين المنهاج النبوي ومذاهب العصر في أية نقطة. ومن يريد أن يبني إسلاما على منوال مستعار كمن يروم أن تلد له الفأرة غزالا.
نبدأ إن شاء الله تعالى في الفصول التالية بتأمل البناء الأول كيف تم. ثم كيف انتقض عروة عروة. ونتأمل أسباب الانتقاض، ونلتمس منهاج النبوة لإعادته كما كان.
جاء عند الإمام أحمد عن أبي أمامة الباهلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ليُنقضن عرا الإسلام عروة عروة. فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها. وأولهن نقضا الحكم. وآخرهن الصلاة" .
بدأ الخراب من أكثر جوانب البناء حساسية وهو الحكم. لا بد أن يستقر هذا في أذهان بعضنا ممن يدافع عن الحكام على المسلمين بأي ثمن. لا بد أن نفهم تاريخنا، وأنه أطوار بدأت بالنبوة، ثم الخلافة على منهاج النبوة، ثم الملك العاض والجبرية. قرأت لبعض علمائنا تعليقا على حديث الملك العاض كله تبرير لهذا الملك واعتبار له وقبول لكون الإعلام النبوي سبق به. يكفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم أطلق عليه وصفا حيوانيا هو العض، وعلى تاليه اسم الجبرية وهي حرفة الجبارين. أفما يكفي هذا؟ ثم ها هو حديث نقض عرا الإسلام يُعْلِمُ بانتقاض الحكم أولَ ما ينتقض من الإسلام. وقد كان ذلك مبكرا جدا في تاريخنا.
إن معجزة هذا الدين أن القرون الطويلة من فساد الحكم لم تقض عليه. كلمة "فساد الحكم" أقرب ما نترجم به كلام النبوة السامي العفيف حين وصم مراحل الفساد بالعض والجبر.
والصفحة الناصعة من تاريخ الخلافة الثانية أمامنا. جعلنا الله ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه. ويخفون بفرح ونشاط لتشييد الإسلام بعد كنس ركام النقض في عصور الدخَن الماضي والشر المحيط.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #14
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الفصل2:"قل ما كنت بدعا من الرسل"
شوكة الكـفر
أفق الجهاد
صرامة
حكمة
رقة
علم
صيحة على الجاهلية
محمد صلى الله عليه وسلم المثل الكامل
حبه صلى الله عليه وسلم من حب الله
محبة أصحابه الخارقة له صلى الله عليه وسلم
عظمة الرسالة
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	abd with 3abass.jpg‏
المشاهدات:	198
الحجـــم:	7.0 كيلوبايت
الرقم:	2394  
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #15
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

شوكة الكـفر
حدث على رأس هذا القرن الخامس عشر الذي نرجو الله أن يحقق لنا فيه النصر أربعة أحداث هامة في دار الإسلام. أولها قومة المسلمين في إيران أثبتت أن الإيمان الأعزل يستطيع أن يغلب نظاما يُعَدُّ جيشه خامس جيش في العالم؛ ومن ورائه أمريكا بكل خيلائها وترساناتها وأجهزتها. الحدث الثاني هجوم تتار العصر الروس على أفغانستان بوحشية ما سبق في التاريخ الإنساني مثلها في القسوة نظرا للأسلحة المستعملة. أسلحة كيماوية وطائرات عمودية مصفحة، ونظرا للهجوم المنظم على كل حي بتحريق الأراضي والقرى وقتل الناس والأغنام[1]. أما الحدث الثالث فهو غزو اليهود بيروت وما خربوا ودمروا وجزروا الأبرياء العزل. قتلوا النساء والأطفال والرجال بالصواريخ والقادُوم. أمَّا مجزرة حماة فهي أفظع من أن يكتبها قلم.
كشفت هذه الأحداث عن حيوية إخواننا العجم لما تحرروا في إيران وأفغانستان من كابوس الحكم الظالم. وكشفت عن خنوع حكام الجبر في بلاد العرب وعبوديتهم للجاهلية لما تلا حريقَ بيروت مؤتمرات وحفلات اتفق فيها زعماء العرب على الاعتراف بدولة اليهود ومسالمتها. وملأوا العالم ضجيجا أنهم صانعو سلام وعباقرة دبلوماسية.
تتوجه قوى الجاهلية وحلفاؤها من بيننا لقطع جرثومة الإسلام. فالثورة الإسلامية في إيران سخر لها أذناب الجاهلية يحاربونها بكل أنواع الأسلحة الاقتصادية والعسكرية والدعائية. وأفغانستان مختبر تجرب فيه روسيا أسلحتها المدمرة استعدادا لغزو العالم. والمقاومة الفلسطينية التي لا تحركها دواعي الجهاد الإسلامي[2]كما نحب أثبتت على كل حال مروءة المقاتل الشهم فاستحقت من كل ذي مروءة الاحترام. هذه المقاومة خذلها حكام العرب خذلانا فظيعا في بيروت، ثم تباروا بعدئذ لإيواء فلول المنظمة ليخنقوها. فيجمعنا وإياهم الاضطهاد. وعسى تفهم المقاومة الفلسطينية أن لا نصر إلا بالإسلام. ثم إن المومنين مقهورون حيثما كانوا. لا أقصد إسلام الخمول والرضى بالحكم الظالم. أقصد المومنين الذين استيقظت فيهم روح الرسالة ومعاني الجهاد وحب التحرر من الطاغوت ليعبد الله وحده في الأرض.
جاهلية غالبة، وعُصبَة الإسلام ضعيفة. وشوكة الكفر علينا عاتية.
بدأ الأنبياء والرسل عليهم السلام جهادهم في ظروف كانت الغلبة فيها للجاهلية، وما كان يتبعهم إلا المستضعفون. ما كان سر انتصارهم على الملإ المستكبرين بكثرة عدد ولا بوفرة سلاح. ومن يتأمل ميلاد البعثة المحمدية، وقلة المومنين في مكة أمام كثرة عدوهم، ثم يضع هذا الاعتبار في نطاق الجزيرة العربية وفي نطاق العالم لا يتصور أن حفنة من الرجال تستطيع ذلك الانتشار السريع الحاسم في ظرف خمسين سنة، يبلغ فيها سلطان الإسلام ودعوة الإسلام ذلك المبلغ.
ما انتصر الإسلام الأول في أية بعثة نبوية بتفوق تضبطه الأرقام وتفصح عنه الأرقام. إنما انتصرت الدعوات النبوية بالتأييد الإلهي الذي يظهر في التاريخ على صورة روح جديدة تسري في المومنين وتصوغ منهم جندا يطيع الله والرسول، وينبذ كل إله غير الله، ويقطع كل ولاء غير الولاء لله ورسوله.
[1] ثم هزيمة روسيا المنكرة وسحبها ذيول الخيبة هاربة من وجه أُسْدِ الله المجاهدين. (ملاحظة 1410)
[2] كان ذلك قبل تجَدُّدِ الانخراط القوي للحركة الإسلامية في المقاومة الفلسطينية
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #16
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

أفق الجهاد
لا يتناسب طموح المومنين اليوم وهم قلة مستضعفة، والأمة من حولهم مستنكرة لهم من جراء الحرب الإعلامية والقمعية، والجاهلية متكالبة عليهم، مع هَدَفِهم السامي في إقامة خلافة الله في الأرض. الخطاب القرآني الذي نزل على عصبة الخير الأولى يشُد من عَضُدِنَا لكيلا تغرنا كثرة العدو وقوته، ولكيلا تيئسنا قلة عَدَدنا وعُدَدنا. قال الله تعالى: ﴿ فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ﴾ [1].
إن الله سبحانه ينصر من ينصره، وإن رسالة الله إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم لا تنحصر في زمان ولا مكان. إنها امتداد لرسالات إخوانه الأنبياء قبله. لكنها رسالة شاملة تستغرق الزمان إلى يوم القيامة، والمكان والأجناس والأقوام. إنها رسالة للإنسانية خالدة. فلهذا تسمو دعوة الإسلام على كل دعوة، وتنتصر ولا بد ولو بعد حين. وكيف لا يَنتصر من ينصرهم الله ويكون معهم؟ حيثما يكون الله ربا يكون جنده في حِمَى مَلِكٍ قوي عزيز. إن الأرض والسماوات ومن فيهن في قبضته. وجند الله إن استقاموا على سَنَنِ النبيئين هم صفوة الله من خلقه. وقد قدَّر الله عز وجل أن يقوى حزب الشيطان في عصرنا، وأن تنتصب الجاهلية أعتى ما كانت الجاهلية لتحارب دين الله. فإن كان الناس في الأرض يحسبون قوى الخصم بالميزان العددي والمادي ناسين وحدة الخالق وعبودية الخلق أجمعين، ناسين أنَّ يد الله هي الممدة لهؤلاء وهؤلاء، فإن جند الله ينبغي أن يستحضروا كل هذه الحقائق. وإلا كانت حركتهم واحدة من الحركات العمياء تتصادم مع غيرها من الحركات بلا هدى ولا كتاب منير.
الدعاة إلى الله على بينة واتّباع هم ورثة النبوة، لا منهاج لهم إلا منهاج النبوة. واتساع أفق طموح الأنبياء يعني تمام التوكل على الله وتمام التصديق بوعده. خطوات دعْوَتِهم عليهم السلام تُعطي التابعين الوارثين نموذجا خالدا للتربية والتعبئة والجهاد. خطوات هي الشريعة، واتساع أفق هو التعرض للقدر الموعود. وهما شقان متكاملان لنظرة المومنين وحركة المومنين. ومن ينظر بعين واحدة يخبط مع الناس.
ما بلغنا من خبر النبيئين والمرسلين قبل تاج الرسل صلى الله وسلم عليهم أجمعين لا يشكل الأسوة الكافية لتوضيح منهاج النبوة في النظرة والحركة. والكنز الغالي الذي بين أيدينا هو السيرة المحمدية تعطينا المثال الحي لمسيرة جند الله منذ ميلاده إلى تأسيس دولة القرآن واكتمال الدين.
بدأت البعثة وسط جاهلية بلاد العرب تحيط بها جاهلية منتشرة في العالم بعد أن حرف اليهود والنصارى دين الله إلا من بقي منهم على أثارة من علم. كان البشر طبقات تؤول إلى مستكبرين بقيادة دولتي الفرس والروم ومستضعفين هم سائر الشعوب المقهورة. وكذلك اليوم في جاهلية العصر. دوائر ظلمانية تنبثق من خلالها صحوة الإسلام المتجدد، واستكبار عالمي يُنِيخ بكلكله على المستضعفين.
انبعث الإسلام الأول أربعين سنة بعد أن غزا أبرهة الحبشي مكة، ووُلدت دولة القرآن في المدينة وسَطَ يَهُود، ورغم مكرهم وعدائهم وخيانتهم. كذلك اليوم صليبية ولا كأبرهة، ويهودية مسلحة بمال العالم -وصفوته مال العرب- مسلحة بالتكنولوجيا تسير يدا في يد مع الصليبية.
قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قومة شاملة ضد كل شرك وطغيان. كلمته الجامعة لا إله إلا الله، هي رفض للجاهلية والاستكبار، هي تحقير لكل من يناوئ دين الله، هي عزة لا نهاية لها بالله. كذلك ينبغي أن يتحرك جند الله اليوم ليغيروا وجه العالم تغييرا شاملا، لا تغريهم إصلاحية جزئية، ولا تصطادهم حبائل المساومة ليتنازلوا عن صرامة لا إله إلا الله.
[1] محمد: 3
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #17
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

صرامة
يتراءى للملاحظ السطحي أن جاهلية هذا العصر حضارة متماسكة. وقد تكبر في عينه إنجازاتها الصناعية والعلمية إذا قاس كل ذلك بمقياس الكم. لكن الإنسان تحت الهياكل الحضارية ما أصابه؟ إنسان عصرنا وثني يعبد مصنوعاته كما كان يعبدها وثني الجاهلية الأولى. يعبد شهواته كما كان يعبدها من قبله. كان للعرب هبل واللات والعزى. وهبل هذا العصر وأصنامه أكثر إتقانا في الصنعة لكنها أكثر فتكا بأخلاق الإنسان وحياة الإنسان. هبل هذا العصر حكام متألهون. معابدهم التلفزيون والصحف وسائر وسائل الإعلام. أصنام تتكلم وتفتري وتفرض ألوهيتها على الناس. فأصنام الجاهلية الأولى أمامها هي السذاجة بعينها. أين سطو القبائل بعضها على بعض يومذاك من الهجمة الاستعمارية وضرب الشعوب بعضها ببعض نيابة عن شقي الجاهلية المعاصرة؟ أين أسلحة ذلك العصر من أسلحة الإلكترون والصواريخ؟ أم أين مرور جحافل الغزو على الخيل يومئذ من تدمير بيروت وتحريق قرى أفغانستان ومدنها؟
كان في مكة مواخير، وحول الكعبة وفي قلبها ثلاثمائة وستون صنما، لكن أين ذلك من احتلال اليهود بيت المقدس وتلويثه بالرجس الخبيث؟
كانت تلك جاهلية في روحها، وهذه اليوم نفس الروح تهيمن على العالم باسم الحضارة والتقدم. وكانت قومة الرسول صلى الله عليه وسلم قومة واحدة لم يعالج جانبا من جوانب الفساد ولم يتوجه فيها لقبيلة دون قبيلة. كانت دعوته شاملة عامة. كانت قومة الحق ضد الباطل. وأتى الأمر من أساسه حين كانت لا إله إلا الله رمز دعوته ومعناها وبرنامجها.
كان معه صلى الله عليه وسلم التأييد الإلهي يظهر في كلمة التوحيد التي ألفت القلوب فحررت الإنسان، ويظهر في شوكة الإسلام التي كسرت الجهاز الجاهلي.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #18
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

حكمة
عالمنا المعاصر يَلفه ظلام الجاهلية وتعتصره يدها الأثيمة. شجرة البِرِّ ذبلت من وَهَج الكفر، فـ"الدنيا كاسفة النور ظاهرة الغرور. على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، واغورار من مائها. قد درست منار الهدى وظهرت أعلام الردى(...) شعارها الخوف ودِثارها السيف"[1]. هكذا يصف الإمام علي كرم الله وجهه جفاف الجاهلية الأولى. يقول رضي الله عنه: "بعثه والناس ضُلاَّلٌ في حيرة، وخابطون في فتنة. قد استهوتهم الأهواء، واستذلتهم الكبرياء، واستزلتهم الجاهلية الجهلاء. حُيارَى في زَلْزَلٍ مِن الأمر، وبلاء من الجهل"[2]. ويقول: "فإن الله سبحانه بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وآله وليس أحد من العرب يقرأ كتابا(...) فقاتل بمن أطاعه من عصاه. يقودهم إلى منجاتهم".
كانت العرب قبائل أمية. وهذا يميزها عن الوسط الاجتماعي الموجهة إليه الدعوة في عصرنا. مجتمعاتنا موبوءة بالثقافة المغربة في طائفة المثقفين، موبوءة بالخرافية والشرك والبدع على المستوى الشعبي. وعند حكامنا تمتزج ردة المغربين بشعوذة الحثالة. واسأل عرافي باريس ولندن وساحرات الأكواخ الشعبية عن زبنائهم من الحكام على رقاب المسلمين.
كانت القبائل دويلات متناحرة، لُحمتها العصبية العشائرية. فكانت معالجة هذه العصبية لفتح ذريعة فيها تتسرب منها الدعوة قضية فهم للواقع الاجتماعي إذ ذاك. لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمد إلى وجهاء كل قوم ورؤسائهم آملا أن يكون إسلامهم مفتاحا لإسلام القبيلة. كان يحدث ذلك أحيانا قليلة في الفترة الأولى، ولم تبدأ وفود العرب تجيء خاضعة لله ورسوله إلا بعد الانتصارات الحاسمة لجند الله بحد السلاح. كان المستضعفون هم أنصار الدعوة وعمادها الذي لا يكذب من أول يوم. واقرأ التعليم القرآني في قوله تعالى عن رسوله الحريص على إسلام الناس: ﴿ عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَن جَاءهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى﴾ [3].
كان قانونُ الصحراء يقضي أن الغَلَبَ للأقوى. فكان هناك سُلَّمٌ سلطوي بمقتضاه تنضوي قبيلة تحت جناح أخرى، ويحتمي شخص بشخص، على أن تصل السلطة العربية قمتها في محميتي الفرس والروم، محمية المناذرة وسلطنة آل غسان. ومن خلال شبكة القوة والأحلاف هذه نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم مستعملا في مراحل جهاده عُرف الجاهلية بما لا يشكل تنازلا عن أهدافه. واعتمد على ما في العرب من مروآت، فصادَقَ، وحالَفَ، واستعار السلاح من المشركين، وبعث أصحابه يتعلمون "التكنولوجيا" في الشام حتى صنعوا له المنجنيق في حصار الطائف. لم تلوثه الجاهلية ولا لوثت حزب الله تحت قيادته لما كانت القلوب طاهرة بلا إله إلا الله من كل شرك.
[1] نهج البلاغة ج1 ص157
[2] نهج البلاغة ج1 ص186
[3] عبس :1-6
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #19
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

رقة
تغلغل نور الإسلام في تلك البيئة فصنع العجب. والسبب في عودة الجاهلية العربية إلى الفطرة، السبب في انتقال العرب من جاهلية لإسلام، "أنهم، لخلق التوحش الذي فيهم، أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنَفَة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، قلما تجتمع أهواؤهم. فإذا كان الدين بالنبوة أو الولاية (يقصد أولياء الله الدعاة إليه) كان الوازع لهم من أنفسهم، وذهب خلُق الكِبْر والمنافسة منهم. فسهُل انقيادهم واجتماعهم. وذلك بما يشملهم من الدين المُذْهِبِ للغلظة والأنَفَة، الوازع عن التحاسد والتنافس"[1].
[1] ابن خلدون رحمه الله في المقدمة ص266 ط.دار الكتاب اللبناني
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #20
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

علم
بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن كما بعث بالسيف. لا إله إلا الله حد القرآن الحاسم، وجند الله المنظم شوكة الإسلام الضرورية. لكن الإسلام، وهو استسلام قلبي لله عز وجل واعتراف به، ما كان ليبدل تلك الجاهلية الغليظة برقة الأخوة الإيمانية لولا حكمة الداعي المعصوم صلى الله عليه وسلم، ولولا معرفته ببيئته، تلك المعرفة التي مهدت له تبليغ رسالة ربه بالبيان والتعليم. كلمة "جاهلية" تحتوي معنيين: الجهل ضد العلم، والجهل ضد الحِلْم. هي إذن جهل وعنف. فلو كان السيف الإسلامي وحْدَه سلاحَ المرسلين لقابله سيف الأعداء، ولكانت الغلبة للأقوى عضُداً. لكن كان السيف ظلا تحته تتقدم الدعوة. يلقى السيف السيف فيُديل الله لمن يشاء من عباده على من يشاء، ويلقى الجهل العلم، وتلقى الغلظة الوحشية رقةَ الإيمان وعزتَه بالله لا بالعصبية، فما أسرع هزيمة الباطل! ما أسرع هزيمة الجهل!
كانت الأمم الجاهلية يومذاك متعطشة لكلمة الحق كما هي اليوم. لعل كلمة الحق اليوم لا تنفذ إلى الآذان والعقول لوجود الحصار الثقافي والغزو الفكري بنفس السهولة التي كانت تنفذ بها يومئذ. لكن قد رُفِعَ عنا حواجز كانت تعوق الدعوة على عهد النبوة والخلافة الأولى. إنها حواجز المسافات، وقلة وسائل الاتصال وعسرها. فهذا يكافئ ذاك.
رغم هوس الجاهلية المعاصرة وضجيجها فإن منافذ الدعوة كثيرة، أهمها شِقْوَةُ الإنسان بما يعانيه تحت ركام الحضارة المادية. إما ركام البضائع والثروة واللذات حتى الملل، وإما ركام البؤس والجوع والجهل والاحتقار. وينتظر الإنسان مَنْ يعلمه فضائل الإسلام، ويبلغه حقيقته، ليَتجلى له مدى جهله حين نسي الله. هوس الجاهلية هذه ينتظر البلاغ الموقظ ليكتشف الناس ما هم فيه من ظلام كما اكتشف العربي جاهليته. روى الإمام الدارمي عن مجاهد عن مولاه أن أهله "بعثوا معه بقدح فيه زُبْد ولبن إلى آلهتهم. قال: فمنعني أن آكل الزبدَ مخافتُها (أي الآلهة). قال: فجاء كلب فأكل الزبد وشرب اللبن. ثم بال على الصنم وهو إساف ونائلة. قال هرون: كان الرجل في الجاهلية إذا سافر حمل معه أربعة أحجار: ثلاثة لقدره، والرابع يعبده، ويربي كلبه، ويقتل ولده".
ذهنية بدائية ساذجة، تقول! ولعلك تنسى أن الأيديَ المحركة لما يسمى بالثقافة العالمية، وهم يهود هوليود وسوق الكتب والمجلات العالمية، لا يتركون حيلة "ليبيعوا" للعالم ثقافة طفولية تخفض المستوى الفكري العام، تعده ليتقبل الدعاية التجارية والسياسية ويبتلع كل كبيرة من البهتان. فمن يعلم الإنسان المعاصر قذارة الأوثان المعاصرة؟
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دراسات في التصوف ، الغوث الجامع: عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:16 PM
دراسات في التصوف، في الرحمة و الرأفة عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:13 PM
3.دراسات في التصوف : الختم و الكتم عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:12 PM
دراسات في التصوف ، في المعرفة : عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:04 PM
دراسات في التصوف عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 02:57 AM


الساعة الآن 08:01 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir