أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله           

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-2011
  #31
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

البيعة
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث في السنة الثانية عشرة للبعثة الداعيةَ الفاتحَ مُصعَبَ بنَ عمير رضي الله عنه بعد لقائه مع رجال من الأوس والخزرج. وبعد سنة من النشاط الدعَوِيِّ الموفَّق لم يبق بيت من الحَيَّيْنِ إلا دخله الإسلام. فجاء وفدُ القبيلتين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبايعوه إن هو هاجر إليهم أن ينصروه. بذلك العَقْدِ العظيم بدأ تاريخ جديد في الإسلام.
من حديث رواه الإمام أحمد رحمه الله عن جابر رضي الله عنه أن الإسلام لما فشا في يثرب اجتمع المسلمون، وأظهروا إسلامهم، وتآمروا قائلين: "حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف ويطرد في جبال مكة ويخاف؟" قال: "فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم، فواعدناه شِعْبَ العَقَبَة. فاجتمعنا عندها من رجل ورجلين (أي متسللين) حتى توافينا فقلنا: يا رسول الله! عَلامَ نُبايعك؟ قال: "تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، والنفَقَةِ في العُسْر واليُسْر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم. وعلى أن تنصروني فتمْنعوني إذا قَدِمْتُ عليكم بما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم. ولكم الجنة". قال: فقمنا إليه وأخذ بيده أسعد بن زرارة رضي الله عنه وهو من أصغرهم إلاَّ أنا، فقال: رُوَيْداً يا أهل يَثْربَ! فإنّا لم نضرب إليه أكباد الإبل (سفر طويل شاق أرهق الإبل) إلا ونحن نعلم أنه رسول الله. وإنَّ إخراجه اليومَ مُنَاوَاةٌ (أي معاداة) للعرب كافَّةً، وقتلُ خيارِكُم، وتَعَضُّكُم السيوف. فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك فخذوه وأجركم على الله. وإما أنتم تخافون من أنفسكم خِيفَةً فذَروه. فبيِّنُوا ذلك فهو أعذر لكم عند الله. قالوا: أَمِطْ عنا (ابتعد) يا أسعد! فوالله لا نَدَع هذه البَيْعة ولا نُسْلَبُها أبداً! قال: فقمنا إليه فبايعناه وأخذ علينا وَشَرَطَ، ويعطينا على ذلك الجنة" . قال الهيثمي رحمه الله رجاله رجال الصحيح.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #32
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

المؤاخاة
كان الأنصار رضي الله عنهم إذن على بيِّنَةٍ من واجبهم بمقتضى البيعة، وعلموا أنها عداوةُ العرب، وأنها الحرب، وأنه الموتُ. واختاروا عن رِضىً الطاعةَ لله ورسوله مهما كانت النتائج، والتزموا بالتحرك في المنشط والمكره، والتزموا بالنفقة في العسر واليسر، والتزموا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أي بالقيام في بلدهم بفرض التحول الجذري، وإقامة المجتمع الإسلامي على قواعدَ مُنافية للمألوف. والتزموا بالشجاعة في الله، شجاعة الكلمة، وشجاعة اقتحام صف العدو. والتزموا بحماية حامل الرسالة صلى الله عليه وسلم كما يحمون أنفسهم وأهليهم. وكانت وقْفَةُ أسعد رضي الله عنه تهدف على تركيز الفهم عند قومه لخطورة التزامهم، وكانت استجابتهم الثابتة تأكيدا لصدق غيرتهم التي دفعتهم، بعد أن ذاقوا حلاوة الإيمان، لعرض أنفسهم على النبي الطوَّافِ في جبال مكة الطريد فيها.
فلما رحل إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أهل مكة حل أجلُ الوفاء بالبيعة. فكان الإيثار الذي مدحه الله تعالى في القرآن.
وكانت الهجرة رحلةً منظمة. لم تكن نَفْرَةَ خائف ولا مُغامرةَ يائس. نقرأ في السيرة كيف احتال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج والاختفاء بغار ثور والسفر. ونقرأ كيف هيأ أبو بكر رضي الله عنه الرحلة. ونقرأ كيف احتال كل صحابي للخروج. ولم تكن لتُلهيَ حيلةُ السفر، ولا همومُ الغربة، ولا تَرَبُّصُ قريش، أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإعداد المادي لهجرتهم. فما انثالوا على إخوانهم بيثرب انثيال اللاجئ ليكونوا عبئا على ضيافة قوم كرام وإيثار إخوة رُحماء. قال الإمام الشاطبي: "فكان منهم من احتال على نفسه فهاجر بماله أو شيء منه. فاستعانَ به لما قدم المدينة في حرفته التي كان يحترف من تجارة أو غيرها، كأبي بكر رضي الله عنه، فإنه هاجر بجميع ماله، وكان خمسة آلاف. ومنهم من فر بنفسه ولم يقدر على استخلاص شيء من ماله. فقدم المدينة صفر اليدين. وكان الغالبَ على أهل المدينة العملُ في حوائطهم (حقولهم المغروسة يحيط بها جدار) وأموالهم بأنفسهم. فلم يكن لغيرهم معهم كبيرُ فضل في العمل (لم يكونوا يحتاجون لمساعدين أجراء في أعمالهم). وكان من المهاجرين من أشركهم الأنصارُ في أموالهم، وهم الأكثرون، بدليل قصة بني النضير. فإنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير قال للأنصار: "إن شئتم قسمتها بين المهاجرين، وتركتم نصيبكم فيها، وخلى المهاجرون بينكم وبين دوركم وأموالكم فإنهم عيال عليكم". فقالوا: نعم!.(...) وقد قال المهاجرون أيضا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! ما رأينا قوما أبذلَ من كثير، ولا أحسنَ مُواساةً من قليل، من قوم نزلنا بين أظهرهم-يعني الأنصار. لقد كَفَوْنَا المؤونة وأشركونا في المَهْنَإ. حتى لقد خِفْنَا أن يذهبوا بالأجر كلِّهِ".
هكذا تمت إعادة قسمة الأموال، وسُوِّيَت المسألة الاقتصادية. تعفُّفٌ من جانب، وبذلٌ لا حدود له من جانب. وتنافُسٌ في أجر الآخرة ومكارم الأخلاق. أشركوهم وكفَوْهم المؤونة. أشركوهم في المهنإ، أي آثروهم بالراحة، إذ قدموا لهم هديَّةً جهودَ أعمالهم. وردت كلمة أشركوهم مرتين في نص الشاطبي. ولا أريد أن أقف كما يفعل بعضهم يتصيد الكلمات ليشبه أخوة الإسلام وبذل الإسلام باشتراكية تعشش أوْهَامُها في ذهنه، وتسكنه نية تدليس "إسلام يساري" أو "اشتراكية إسلامية" من صنعه وتلفيقه.
لا يمكن تأسيس دولة القرآن على قواعد اقتصاد يكون فيه الإنسان عبدا للمصالح الأنانية، ويحتكر فيه فريق من الناس الأرزاق بينما يبقى فريق يتسول الصدقات. وما كانت المؤاخاة التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار، رجلا مع رجل، وأسرة مع أسرة، إلْحَاقاً طُفَيْلِيّاً لأسرة عاطلة بأسرة تعمل وتنتج. فقد ذكر الشاطبي رحمه الله أن من المهاجرين من كان يلتقط نوى التمر فَيَرُضُّهُ ويبيعه عَلَفاً للإبل. وقرأنا في السيرة كيف رفض عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه عَرْضَ أخيه سعد بن الربيع رضي الله عنه الذي قدّم له شطر ماله وخيره في إحدى زوجيه يطلقها له. وباستثناء أهل الصُّفَّة الذين كانوا جُندا مرابطا يهب عند كل هَيْعَةٍ، فإن المهاجرين أحدثوا -وهم قريش التاجرة- نشاطا اقتصاديا نافس اليهود الذين كانوا يحتكرون التجارة والصناعة في المدينة.
لم تكن المؤاخاة ولا الإيثار الرائع زَهْرَةً عاطفية أينعت مع الحماس. بل كانت بذلا يحتقر معه المومن متاع الدنيا بجانب حق الأخوة وبجانب الجزاء في الجنة. ثم كانت النفقةُ وفاءً بعقد البيعة كما رأينا. فالتقت ثمار التربية بحكمةِ التنظيم. التقت رحمة الإيمان ببذل الإيمان.
الأسوة في هذا لغد الإسلام في دولة القرآن، ومغزاه ومرماه، أن تكون إعادة القسمة وإحلال عدل الإسلام ورخاء الإسلام القاعدة الماديَّةَ التي يختل البناء وينهار بدونها. فإنه إن زعم زاعم أنه يحكم بما أنزل الله ثم يُبْقِي قوما في المهنإ والترف، وقوما في الكدح والبؤس، فإنما هو زعم وباطل. تُكَذِّبُ فيه الحقائق الأولية النافخين في البوق. ولا بد في ذلك من تَدَرُّج حتى يُكبَحَ جِمَاحُ الرأسمالية والأنانية الطبقية دون أن تُكسر عجلة الاقتصاد.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #33
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

خطوة نحو السلطان
كانت الهجرة والنصرة، وتأمين القاعدة الاقتصادية، والربط المتين لكل هذا بِعُرا الإيمان، وبالعَقد والبيعة المفَصَّلة المنظمة، خُطوة حاسمة في الطريق إلى دولة القرآن.
كانت فرحةً عارمةً يوم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة. فرحة عَبَرت كل طبقات الناس، وهزتهم، وطبعت حياتهم. قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "... ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأيت الناس فرحوا بشيء كفرحهم به. حتى رأيت النساء والصبيان والإماء يقولون: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء! وقال أنس رضي الله عنه: شهدْتُه يوم دخل المدينة فما رأيت يوما قط كان أحسن ولا أضْوأ من يوم دخل المدينة علينا. وشهدته يوم مات فما رأيت يوما قط كان أقبح ولا أظلم من يوم مات" [1].
يوم تاريخي طبع ذاكرة الأجيال، فهو يوم التحول الحقيقي في مسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. يوم كامِن في ضمير الأمة مذخور ليوم تحوّلٍ ممكن تستجده لنا الدعوة إن شاء الله على ذلك المنهاج الخالد.
ثم ابتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد، فكان البناء أولَ عَمل اشترك فيه المهاجرون والأنصار. وأخذت الرابطة الجهادية تُفْتَل. وكان الرسول القائد يعطي المثال في حمل اللَّبِنِ وتنشيط الرجال.
ثم عقد صلى الله عليه وسلم هدنةً مع اليهود أهل الكتاب أعطت اليهود حقوق المواطنة إلى جانب أمة المومنين. فكان العَقد بمثابة دستور مكتوب يستكمل بعد بناء المؤسسة المركزية، وهي المسجد، وبعد عقد المؤاخاة، الظروف النظامية والأساس الدستوري الإداري الاقتصادي الأمني لمجتمع مقبل على قتال طويل.
كان دستورا مفصلا يعطي الحقوق والواجبات بدقة وعدل. لكن اليهود خانوا وغدروا وتآمروا. ففقدوا بذلك حقوقا سمحة أعطتها إياهم يد حكيمة يصرفها الوحي. هذا الدستور سابقة تشرع لنا وضع دستور ينظم دولة القرآن غدا فيما يخص توزيع السلطان، والمسؤوليات، وأمور الأمن والخوف، وعلاقات المسلمين فيما بينهم، وعلاقتهم بأهل الذمة بيننا، وعلاقتهم بعدئذ بالعالم.
[1] زاد المعاد ج2 ص55
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #34
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الفصل4:الجهـاد
البيضاء الواضحة
إن الله اشترى...
الكـتيبة الخضراء
الرحمة والحكمة
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	walikhatim.jpg‏
المشاهدات:	200
الحجـــم:	5.7 كيلوبايت
الرقم:	2396  
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #35
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

البيضاء الواضحة
روى الإمام أحمد وابن ماجة رحمهما الله عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" . الحديث حسنه الحافظ المنذري رحمه الله. وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "تُركتم على الواضحة، ليلها كنهارها. وكونوا على دين الأعراب وغِلمان الكُتَاب". وعن علي كرم الله وجهه أنه قال: "تُركتم على الجادة: مَنْهَجٍ عليه أُم الكتاب".
في هذا الفصل الأخير، ونحن نسير على المنهاج، نريد أن نكون في الوضوح التام وعلى بينة كاملة من حقيقة الإسلام كما تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن من الناس من يفهم الإسلام حسَبَ هواه، أو في حدود ظروفه، أو عبر نصوص مستغلقَة عليه، ويقول: هذا دين محمد صلى الله عليه وسلم. ومنهم من يُؤَول، ومنهم من يحرف، ومنهم من يَنْتَحِل.
أخطر المحرفين من يُظْهِرُ تمجيدَ الإسلام فيقول: إنه ثورة. خطرُ هذا أن من يحبون الإسلام يفرحون بالكلمة المشحونة في هذا العصر بالدلالات البطولية. ويَنسَوْن أن في التسمية إنزالا لدين الله من شموليته الجامعة للدنيا والآخرة، من كونه رسالة الله حملها عبد رسول إلى الإنسانية، من كونه طريق الفلاح في الدنيا والآخرة، من كونه نورا إلهيا. إنزالا يسويه بالمذاهب الأرضية. إن تمجيد النظام الإسلامي في السياسة والاجتماع والاقتصاد كأنه إديولوجية، أي منظومة فكرية، تَبُزُّ في المقارَنة كلَّ مذهب بشري ما هو في الحقيقة إلا مسخ للدين، إن لم نربط النظام الإسلامي لشؤون الأرض والناس بالمبدإ والمعاد، والألوهية والربوبية، ووحدة الخلق، ومصيرهم بعد الموت، وبالآخرة والبعث والخلود في الجنة أو النار. الفهم الصحيح هو ما كانت النظم السياسية الاجتماعية والاقتصادية فيه تأخذ مكانها باعتبارها فروعا للشريعة. واللب هو مصيرك يا إنسان إلى ربك، وعبورك هذه الدنيا لتُخْتَبَر فيها وتصير إلى جزائك. وتكتسبُ النظُمُ التي تمهد لك وتساعدك على معرفة الله تعالى وعبادته أهميتَها من خدمتها للدعوة التي تعرفك بوجود الله، وتحبب إليك الإيمان وتصلك بالمومنين حتى تصبح واحدا منهم، فتفوز في الدار الآخرة. فإذا كان التركيز على تفوق النظام الإسلامي على النظم البشرية، وتَقَلَّص ذكر الموت والآخرة والجنة والنار والألوهية والربوبية والنبوة ومصيرك بعد الخروج من دار الدنيا، فهو الخلط والطمس. وطمس الدين مقصود التراثيين المُغرَّبين الذين يُبْرِزون الخصائص الثورية في الإسلام ليسطحوه على مستوى اهتمام عصرٍ سمَتُه الأساسية الماديةُ التي تؤله الاقتصاد والإنتاج والاستهلاك والديمقراطية والثورة وسائر هذه الأشياء التي تشغل حيز الفكر، وحيز الاهتمام، وحيز النشاط الإنساني. فإذا بالإنسان دابة كادحة مفتونة بين كل هذا الركام الجاهلي. لذلك نتحفظ في استعمال مصطلحات العصر في وصف الإسلام. فلا يصلح لتوضيح الجادة البيضاء إلا لغة القرآن ولغة النبوة.
نعم بكل تأكيد! الإسلام دين جهاد. نعم الإسلام دين مقاتلة المُستكبرين. نعم هو دين العدل ونصير المستضعفين. وهو مع هذا كل لا يتجزأ. وسواء في التحريف من يحكم باسم الإسلام حكما ظالما فيعطل العدل، ومن يدعو لعدل تغيب معه معالم الهداية السماوية.
فما هي البيضاء الواضحة التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ شبهها رسول الله صلى الله عليه وسلم باليوم له ليل ونهار، غيب وشهادة. إيمان في القلب إن شئت، وشريعة ظاهرة. فإن ذهب الإيمان وبقي النظام الإسلامي فذلك الزيغ. وإن كان في القلوب إيمان وتعطل الحكم بما أنزل الله في ميادين الاقتصاد والاجتماع والسياسة فهو أيضا الزيغ.
الجادة الواضحة في كلام الإمام علي كرم الله وجهه ما كان على منهج أم الكتاب. واقرأ الكتاب تجد فيه خطابا مباشرا من الله جلت عظمته للإنسان يدعوه إليه. وتجد كل ما هنالك يدور حول هذه النقطة ويرجع إليها. لِمَ بعث الله الرسل؟ لم فرض الله الجهاد؟ لم جعلها دنيا وآخرة، جنة ونارا؟ ما الغاية من كل هذا؟
وصية الإمام عمر رضي الله عنه أن نكون على دين الأعراب وغِلمان الكُتَّاب تعني أن دين الله ليس فلسفة معقدة، وأنه في متناول الإنسان من حيث الفطرةُ المشتركة، لا من حيث المعارفُ المكتسبة، ولا من حيث المكانةُ الاجتماعية، ولا من حيث مستوى المعيشة، ولا من حيث النظام الاقتصادي والسياسي الذي يعيش تحته الإنسان. على أن الوصية تفيد أيضا أن قاعدة الأمة ومستضعفيها هم لُحْمةُ الدين والمقصودون بالرسالة. فليس الإسلام إذن دين نخبة اجتماعية. بل هو دين عدل وتسوية أمام الله تعالى. وكل ما يعاكس العدل يجب جهاده لنفس السبب الذي من أجله يجب جهاد الكفر. والكفر والفقر أخوان.
الإسلام دين. هذه جملة يفهم منها إنسان العصر اللاييكي أنَّ الإسلام علاقة بين الإنسان وربه لا علاقة لها بالمجتمع ونظامه، ولا بالحكم واختياره، ولا بقسمة الأرزاق وإنتاجها. كلمة "دين" سطَّحها الذين نسبوا للسيد المسيح عليه السلام القول بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وتختلط في الذهنية المعاصرة مفاهيم الجاهلية بمعاني الإسلام، وتحتل لغتَنا كما احتلت أرضنا وعقولنا، فيغمُض علينا ديننا.
ما هي البيضاء الواضحة وقد أدركت هذه الأجيال دين الخمول الموروث، علموهم أنه الدين الصحيح؟ الاستسلام للحاكم الظالم دين. التخلي عن كل اهتمام بأمر المسلمين دين. الانزواء في تعبد خامل دين. البدع والجهل دين. مظاهر اللباس والاكتحال ومضغ بعض العبارات هو جماع الدين. إسلام ميت. إسلام خوف وجهل وخنوع. غثائية نشأت عن ترك سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم وهي كل لا يتجزأ. وهي جهاد.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #36
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

إن الله اشترى...
رأينا كيف ولِمَ وعلى ماذا بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقبة. كانت مبايعة جامعة مانعة: الطاعة لله ورسوله التي تتفرع فتغطي المجالات الاقتصادية والاجتماعية والحربية والسياسية. كل لا يتجزأ، رمزُ كليته أن تقاتل فتموتَ وتذهبَ كلُّك فداء لدينك. إنها بيعة صفق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أيدي الأنصار، ويد الله فوق أيديهم. صفقة بمقتضاها اشترى الله تعالى وباع العبد وشهد النبي. صفقة بضاعتها الجنة ضمنها النبي، وثمنها الأنفس والأموال جميعا مُسْتغْرَقَةً بلا تحفظ. والمومنون مسؤولون عن دفع الثمن مسؤولية جماعية تسمى في الفقه الجهادي للقرآن أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر. قال الله تبارك وتعالى: ﴿ إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [1].
بيضاء واضحة والله! يَقتُلون ويُقتَلون. ووعد الله على الجزاء والوفاء مؤكد. لكن القتال عمل مشترك بين الناس. ففي كل ثورة قتال وإن قادها وشارك فيها كفار. وتختلف غايات الناس في القتال ودوافعهم. عدوان أو دفاع، انتقام أو طلب للغنيمة. كل ذلك قتال. وما يقدس قتال المومنين عدوهم إلا ارتباط القتال بعقيدة وغاية وبيعة. فيكون بمجموع هذا جهادا لا سفكا للدماء، جهادا لتكون كلمة الله هي العليا لا ثورة محرومين على مترفين. وكلمة الله ما جاء في أم الكتاب: إخراج الإنسان من كل عبودية أرضية، وهدايته بالدعوة لا بالسيف للعبودية لله عز وجل. فالسيف والجهاد وسيلتان. والفوز العظيم ليس الاستيلاء على السلطان لكن الجزاء الموفى في الآخرة.
يصف الله تبارك وتعالى المجاهدين المقاتلين الفائزين بصفات متدرجة يكون الجهاد نتيجة لها. فما كل مقاتلٍ مجاهدٌ في سبيل الله. الطريق هكذا: توبة، ثم عبادة، ثم حمد لله على نعمة الإسلام إذ تشعر بالتوبة والعبادة أيَّ رجلٍ صِرْتَ، ثم سياحةٌ وهي الصيام، ثم ركوع وسجود أي إقامة عماد الدين، ثم بعد ذلك فقط تتأهل لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وبعدها تستحق أن تُسْتَأْمَنَ على حدود الله لتحفظها. تحفظها بماذا إذا كان العدوان محيطا بك كما كان محيطا بأصحاب بيعة العقبة وإخوانهم المهاجرين وأهل بدر وأهل بيعة الرضوان؟ واضحة بيضاء! إما أن تقف عند "التائبون" أو في مرحلة تالية حتى ولو كنت مقيما للصلاة، وإما أن تدخل في عداد الفائزين الفوز العظيم بجهادك بالنفس والمال بلا تحفظ، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتحفظ حدود الله، لكيلا تنتهك في ميادين الحكم، والعبادة، والاقتصاد، وقسمة الأرزاق، ووحدة المسلمين، وقتال عدوهم، وحمل الرسالة، وتبليغها لمن حولك، ولمن يساكنك في دار الإسلام، ولمن هو اليوم في دار الدعوة، وللجن والإنس كافة.
بيضاء واضحة والله! ما الإسلام دين ثورة، ولا دين ديمقراطية، ولا دين قسمة، ولا دين تقدمية، ولا دين اشتراكية. إنه دين الله. وما كان من خير ومروءة وإنصاف وحكمة تقصده هذه الأسماء فهو مقصود للشريعة باعتبار إنصاف الإنسان، وتحريره، وتهييء المعيشة الكريمة له، وإشراكه في شؤون الدولة، وسائلَ لغاية سامية هي أن يعرف ربه. تنتهي الثورة بسقوط نظام مكروه ليحل محله نظام غيرُه. قد يموت قوم ويصعد قوم أسوأ منهم للإنسان أو أرأفُ به. لكن هل دخل في حساب الثورة مصير الإنسان الكلي، مصيره هنا في القسمة، ومصيره بعد الموت؟ تنتهي الديمقراطية بتوزيع أحسنَ للسلطان. لكن هل تعطي الديمقراطية معنى وغاية لحياة الإنسان وموته؟ وهل تكشف لُغْزَ وجوده؟
اضطراب في العالم، وقتال، وثورات، ودفاع، وخصام. هذا قدر الله. والإسلام وسطَ هذا كله دينُ الله، يبدو أهلُه جُزءاً من هذا العالم الصاخب، يغلِبون تارة ويُغلَبون تارة. يكونون قوة قاهرة عهدا، ويصبحون غثاءً وقصعةً للآكلين طورا آخر. وشَرْعُ الله يناديهم أن يجاهدوا لينصروا دين الله. ليس الله مغلوبا فيحتاج نصيرا. أستغفر الله. ليس دينه هينا عليه فيترك اليهود ينجسون بُقعة مقدسة.
إن الله عز وجل غالب على أمره. وإنما فرض الجهاد ليُخْفِي قدره تحت ستار شرعه. وفرض علينا القتال في سبيله -وهو القوي العزيز لا حول لنا إلا به- ليختَبر ويَبْتَلِيَ من ينفذ شرط الفوز العظيم فيرتب جزاء الآخرة على عملنا في الدنيا. ومن حكمته تعالى أن جعل قانون المدافعة بين الناس أصْلاً قدريا وفريضةً شرعية. تاريخ بشريّ ظاهر، ويد الله الخفية من وراء ذلك. والبيعة الإيمانية ناجزة الثمن مؤجلة البضاعة، ليهتدي للواضحة المتقون المومنون بالغيب.
[1] التوبة: 111-112
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #37
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الكـتيبة الخضراء
بقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة بعد البعثة يعاني اضطهاد قومه. ما كان له ولأصحابه شوكة يحتمون بها، ولا نزل الإذنُ بقتال المشركين. إنما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل واحد من أصحابه يتمتع بالوضع الاجتماعي القائم الذي كان يقضي أن تدافعَ العشيرة عن بنيها. أحيانا كانت حماية العشيرة لا تكفي كما حدث بعد عودة رسول الله صلى الله عليه وسلم من هجرة الطائف حين التمس جِوار المطعم بن عديّ، فلم يدخل مكة إلا في جواره. ونقرأ على أي مدى تتحرك عصبية العشيرة في صالح الإسلام بالتضامن القوي الذي أظهره بنو هاشم حين قاطعتهم قريش في الشِّعْبِ.
نزل الإذن بالقتال قُبَيْلَ بيعة العقبة، فكانت هذه البيعة تأسيسا عسكريا، إضافة إلى معناها الشمولي. حتى إذا استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، وبنى المسجد، وكتب وثيقة المهادنة مع اليهود، بدأ يهيئ النفوس للتجنيد الدائم الذي كان ضروريا لبقاء عُصْبَةِ الإسلام حية وسط محيط مُنَاوِئٍ. كانت قبائل العرب تدين لقريش بنوع من الولاء لما لقريش من حرمة سدانة البيت المعظم، ثم لما لها من مال. فيمكن أن نعتبر أنَّ بلاد العرب كلها عَدُوٌّ بالفعل للإسلام يومئذ أو عدوٌّ محتمل جدا. ولم يكن المومنون في بدء الدولة القرآنية النبوية إلاَّ عشرات قليلة. لكن نفوسهم التي زكتها العبادة، وزكتها صحبته صلى الله عليه وسلم، ووثَّقت مراسها بيعةٌ صادقةٌ مع الله ورسوله، كانت مستعدة لتَلَقِّي الأوامر الجُلَّى وتنفيذها.
روى الحاكم رحمه الله وصححه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون! لَيَهْلِكُنَّ! فأنزل الله عز وجل: " ﴿ أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا﴾ [1]"وهي أول آية نزلت في القتال.
"ثم فرض الله تعالى عليهم القتال بعد ذلك لمن قاتلهم دون من لم يقاتلهم. فقال عزَّ من قائل: " ﴿ وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ [2]"ثم فرض عليهم قتال المشركين كافة، وكان محرما ثم مأذونا به ثم مأمورا به لمن بدأهم بالقتال، ثم مأمورا به لجميع المشركين. إمَّا فرضَ عَيْنٍ على أحد القولين، أو فرضَ كفاية على المشهور. والتحقيق أن جنس الجهاد فرضُ عين، إما بالقلب، وإما باللسان، وإما بالمال، وإما باليد. فعلى كل مسلم أن يجاهد بنوع من هذه الأنواع. أما الجهاد بالنفس ففرض كفاية. وأما الجهاد بالمال ففي وجوبه قولان والصحيح وجوبه" [3]قاد رسول الله صلى الله عليه وسلم الجهاد بعد أن ألهب في النفوس حب الله ورسوله، حبا يفدي الإسلام الغاليَ العزيز بكل ما يملكه إن بَخِلَ المالكون. بدأت سرايا الجهاد ببعثة حمزة بعد ستة أشهر من الهجرة. كان قوامها ثلاثون رجلا. ثم السرايا والغزوات حتى بلغ الجند المومن ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا في غزوة بدر، ثم قُرَابَةَ ثلاثين ألفا في غزوة تبوك. بدأ الجهاد مناوشات مع وثنيي العرب، ثم مواجهةً مع الشرك والكفر والنفاق كافة في غزوة الخندق، ثم تفرُّغاً لليهود، ثم يصعد الجهاد حتى يرتفع جند الله إلى قوة تقاتل القوى العالمية إذ ذاك في غزوتي مُؤْتَةَ وتبوك. وتدرجت الصعاب من امتحان استعداد المومنين للقتال في غزوة بدر، فامتحانهم على الصبر في تحمل الهزيمة في أحد، فامتحانهم على التوكل على الله ولو أجمع العالم كله على قتالهم في غزوة الخندق، ثم امتحانهم على الطاعة في صلح الحديبية، ثم امتحانهم على العفو عند المقدرة في فتح مكة، ثم امتحانهم على ألاَّ تعجبهم كثرتهم في غزوة حنين، ثم الامتحان الأكبر في غزوة العُسْرة.
علمهم نصر الله وتأييد الملائكة في بدر أن النصر من عند الله. وعلمتهم أحد أن الشهادة في سبيل الله أخت النصر وإحدى الحسنيين. وعلمتهم الخندق أن لا غالب إلا الله. وعلمتهم الحديبية أن سلاح السياسة قد يكون أنجع من سلاح الحديد عند الاقتضاء. وعلمهم فتح مكة أن وعد الله حق. وعلمتهم حنين أن التكتل في جسم مختلط لا يفيد بل هو كارثة. وعلمتهم العسرةُ التجردَ التام عن كل مقاييس القدرة البشرية، وعن كل حسابات ما هو ممكن وما هو مستحيل. فقد كان سفر ثلاثين ألف رجل في صيف الصحراء، وفي سنة مجدبَة، وبالضبط في وقت طابت فيه الثمار بالمدينة بعد انتظار، والمسافة بعيدة، وهجوما على عدو متفوق جدا في قعر داره، أموراً غير عادية، محَّصَ الله عز وجل بها المومنين تمحيصا، وفرَزَ بها المنافقين والكسالى من بين جند الله الذين لا يصدهم صاد عن المُضِيِّ فيما نُدِبُوا إليه.
آخر غزوات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أشقَّها وأقواها: جوع، وعطش، وصحراء، ونفاق مثبِّط، وثمار طابت فهي تغري قوما مستهم المسغبة. وكان الجهاد جهدا مضنيا، وبذلا لا حد له، وصبرا مثاليا.
على هذا ترَكَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم. تركنا أمة مقاتلة قوية على رد التحديات، وعلى اتخاذ المبادرات، وتحمل المشقات. قابِلْ غثائيَّةَ اليوم بقوة ذلك الجيل، ثم لا تنس أن تلك القوة كانت ثمرةَ تربية. فأين المفتاح؟ هل ضاع؟ كلا والله! وإنها غدا للخلافة الثانية على المنهاج الخالد إن شاء الله تعالى.
في السنة الثامنة من الهجرة نقضت قريش هدنتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أعانت حلفاءها من بني بكر على قتال حلفاء رسول الله صلى الهأ عليه وسلم من خُزاعَةَ. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فاجأ المشركين بمكة، فما كان لهم إلا الاستسلام مخرجٌ. بعد ثمان سنوات رجع ذلك الطريد في جبال مكة ومعه جند الله. معه الكتيبة الخضراء، يردِفها كتائب المسلمين من قبائل العرب. هلكت قريش كما كان نطق أبو بكر رضي الله عنه. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريصا على إظهار قوة جنده ليردَعَ بذلك ما بقي من نخوة الجاهلية. فقد روى البخاري رحمه الله عن هشام عن أبيه رضي الله عنهما قال: "لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح(...) فأسلم أبو سفيان. فلما سار قال (أي رسول الله صلى الله عليه وسلم) للعباس: احبس أبا سفيان عند خَطْمِ الجبل حتى ينظر إلى المسلمين. فحبسه العباس. فجعلت القبائل تمر مع النبي صلى الله عليه وسلم. تمر كتيبةً كتيبةً على أبي سفيان. فمرت كتيبة فقال: يا عباس من هذه؟ قال: هذه غَفَارُ. قال: مالي ولغفار! ثم مرت جُهَيْنَةُ. قال مثل ذلك. ثم مرت سعد بن هُذَيْم، فقال مثل ذلك. ومرت سُلَيْمُ، فقال مثل ذلك. حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها. قال: من هذه؟ قال: هؤلاء الأنصار، عليهم سعد بن عبادة معه الراية. فقال سعد بن عبادة: يا أبا سفيان! اليوم يومُ المَلْحَمَةِ! اليومَ تُسْتَحَلُّ الكعبة! فقال أبو سفيان: يا عباس! حبذا يوم الذِّمار! (أي الهلاك. كان يظن أن هذا الجند المجند سيخرب مكة ويذبح أهلها). ثم جاءت كتيبة -وهي أقل الكتائب عَدداً- (وهي الكتيبة الخضراء كما جاء في روايات أخرى لخضرة، أي سواد، دروعهم) فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وراية النبي صلى الله عليه وسلم مع الزبير بن العوام. فلما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي سفيان قال: ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال: قال كذا وكذا. قال: كذب سعد، ولكنْ هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة" . الحديث. وروى ابن إسحاق رحمه الله أن أبا سفيان بعد أن رأى قوة المسلمين قال للعباس رضي الله عنه: "ما لأحَدٍ بهؤلاء قِبَلٌ ولا طاقة! والله يا أبا الفضل لقد أصبح مُلْكُ ابن أخيك الغَداةَ عظيما! فقال: يا أبا سفيان! إنها النبوءة! قال: فنعم إذن!".
ما لي ولغَفار! ما لي ولسُليم! هذا عربي جاهلي لا يعرف من القتال إلا النزاع القبلي والثارات والغارات. أما أن تتآلف القبائل تحت راية واحدة وتقاتل على غاية أسمى من العداوات البدوية فهذا فوق تصوره. وذُهِلَ الرجل أمام الكتائب المنظمة، وأمام مشهد الكتيبة الخضراء المدججة بالسلاح، فأيقن بهلاك قريش، لا سيما بعد أن سمع مقالة رجل من المسلمين ما اكتمل عنده الفرقان بين حروب الجاهلية وجهاد الإسلام. وحَسِبَها أبو سفيان مُلكاً لما رأى من النظام والطاعة ووحدة القيادة.
كان فتح مكة رحمة. "اذهبوا فأنتم الطلقاء". كلمة نبي رحيم لا مَلِكٍ جبار.
هكذا ألف رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة وهكذا تركها. بيضاء واضحة هي المحجة النبوية. لا إسلام الخمول والاستسلام، ولا الثورة والعنف، ولا الزهادة والانزواء، لكن القوة في خدمة الحق والعدل: اليقظة الإيمانية المقاتلة.
[1] الحج: 39
[2] البقرة: 190
[3] زاد المعاد ج2 ص58
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #38
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الرحمة والحكمة
في هذه الفقرة الأخيرة نريد أن نصطلح على مفتاح لغوي وفكري نسهل به التفاهم بيننا. ونرجع للقرآن والسنة للاستدلال والاستشهاد فما لنا مرجع سواهما. وقد رأينا أن لغة العصر رَمَت العربية الشريفة بدائها، فاختلطت المفاهيم. ورأينا أن غياب المعاني السماوية والقلبية والأخروية من كلام الناس غَيْرِنا أحدث بالعَدْوَى والتقليد والانطباعِ الغافلِ تفريغا لِلُغتنا من محتواها الإيماني الغيبـي.
المفتاح اللغوي الفكري الذي نقترحه هو أن نسمي رحمة كل معاني الغيب الربانية والقدرية والقلبية والملكوتية والأخروية. وأن نسمي حكمة ما تدركه الحواس ويعالجه العقل وتأمر به الشريعة. فالإيمان عندنا قول وعقيدة وعمل. كلمة عقيدة لا تؤدي المعنى الذي قصدناه بكلمة رحمة، وكلمتا عمل وقول لا تؤديان ما تدل عليه كلمة حكمة من تفكير، وتلق للشريعة، واستنباط لأحكامها، ثم تطبيق لأوامرها، والتماس أحسن السبل لذلك. فإن قلنا: الإيمان رحمة وحكمة، فعسى نستوعب في كلمة إيمان الجانب القلبي الغيبـي الغائب في لغة الجاهلية ومن والاها، والجانب الشرعي العقلي. في اصطلاح الماركسيين وفلسفتهم يتمثل البناء في أرض وسقف. فأرضهم الاقتصاد والصراع التاريخي، وما يمس الفكر والنفس البشرية من دين، وعلوم، وفنون، وفلسفة، ونظام، فهو بنية فوقية. أما البنية الإيمانية فأساسها الرحمة الإلهية التي خلقت الإنسان، وصورته، وأخرجته للدنيا، وخاطبته على لسان الرسل، وأماتته، وجازته، وزودته بدنيا فيها معاشه، وبدليل سماوي منزل من عند الله هو الشرع، وبعقل يطبق به الشرع على أعماله في اتخاذ الوسائل وتحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فالرحمة الإلهية، ابتداء من وجود الله ووحدته وربوبيته وكونه مالك الملك واتصافه بالأسماء الحسنى، هي الأصل. والحكمة فرع، وهي أن يسمع العباد تنزيل ربهم فيستجيبوا بالسعي والجهاد ليفعلوا ما به أُمِرُوا على خير صورة يقدر عليها العقل والحيلة البشرية، وتسمح بها الشريعة، أو تندب إليها، أو تأمر بها.
ويلتئم البناء في سلوك المومن وسلوك جماعة المومنين. فالقلب أمير المملكة الإنسانية، هو وعاء لرحمة الله المتمثلة في التصديق، والحب، والسكينة، والرقة، والعزة بالله، والشوق إلى الله، وأخواتهن. والعقل آلة الحكمة إن ائتمر ونفذ. وما يسميه الماركسيون مثالية هو تعلق أحلام الفيلسوف بأهداف أخلاقية ينسى الحالم بها وجود الأرض، وصراعها، ومشقتها، وطبائع البشر في العُدوان والنهب، وعنادهم الشرير، وضرورة تكتل أصحاب المصالح ليحاربوا خصومهم. لا ينسى خطاب الله المومنين أن يذكرهم بأن الدنيا دار بلاء، ودفاع، ومناهضة للظلم والاستكبار. بل يجعل الجهاد هو الصورة العليا للإيمان المكتمل. بناؤهم مادي في أساسه، بشري نفسي هَوَسِيٌّ في سقفه. وبناء المومنين أركانه التوحيد، والصلاة، والصيام، والزكاة، والحج. والجهاد ذروة السنام. بناؤنا تنزيل من حكيم حميد، مشدود إلى قلوب مِلْؤُها الرحمة، وعقول رائدُها الحكمةُ. بناؤُنا يربط الإنسان بالله عز وجل، وبناؤهم يؤول إلى علاقات اجتماعية يجب سحق الإنسان لتغييرها. رحمة الإسلام تُبقي، وتتحنَّنُ، وترفق. من موقف قوة. من موقف حكمة. من موقف المجاهد الصامد.


الدراسة للشيخ عبد السلام ياسين
مرشد جماعة العدل و الإحسان
و صاحب الإجتهاد في مسألة الفكر و الفقه و التفكير المنهاجي النبوي

و صورته هي التي تظهر في فهرس كل فصل
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	abd.jpg‏
المشاهدات:	201
الحجـــم:	7.6 كيلوبايت
الرقم:	2397  
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-19-2013
  #39
فراج يعقوب
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,269
معدل تقييم المستوى: 16
فراج يعقوب is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
__________________
اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الكوثر صلاة لاتعد ولاتكيف ولاتحصر ننال بها الرضوان الأكبر وجواره يوم المحشر وعلى آله وسلم
فراج يعقوب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دراسات في التصوف ، الغوث الجامع: عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:16 PM
دراسات في التصوف، في الرحمة و الرأفة عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:13 PM
3.دراسات في التصوف : الختم و الكتم عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:12 PM
دراسات في التصوف ، في المعرفة : عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:04 PM
دراسات في التصوف عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 02:57 AM


الساعة الآن 02:41 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir