أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة           

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 02-03-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي الحذف في اللغة العربية

الحذف في اللغة العربية

بسم الله الرحمن الرحيم

قد حذفت العرب الجملة ، والمفرد ، والحرف ، والحركة , وليس شيء من ذلك إلا عن دليل عليه , وإلا كان فيه ضرب من تكليف علم الغيب في معرفته .
فأمّا الجملة :فنحو قولهم في القسم : والله لا فعلت ، وتالله لقد فعلت . وأصله : أقسم بالله ، فحذف الفعل والفاعل، وبقيت الحال من الجار والجواب دليلاً على الجملة المحذوفة . وكذلك الأفعال في الأمر والنهي والتحضيض ؛ نحو قولك : زيداً ، إذا أردت : اضرب زيداً أو نحوه . ومنه إيّاك إذا حذرته ؛ أي احفظ نفسك ولا تُضعها ، والطريقَ الطريقَ ، وهلّا خيرًا من ذلك .
وقد حذفت الجملة من الخبر؛ نحو قولك : القرطاس والله ؛ أي أصاب القرطاس , وخير مقدم ؛ أي قدمت خير مقدم , وكذلك الشرط في نحو قوله : الناس مجزيّون بأفعالهم إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً ؛ أي إن فعل المرء خيراً جُزي خيراً ، وإن فعل شراً جُزي شراً . ومنه قول التغلبي :
إذا ما الماء خالطها سخينا
أي فشربنا سخيناً ، وعليه قول الله سبحانه : " فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عيناً " أي فضرب فانفجرت، وقوله عز اسمه : " فمن كان منكم مريضاً أو به أذى من رأسه ففدية " أي فحلق فعليه فدية . ومنه قولهم : ألا تا ، بلى فا ؛ أي ألا تفعل ، بلى فافعل، وقول الآخر:
قلنا لها قفي لنا قالت قافْ
أي وقفت ، وقوله :
... ... ... ... ... وكأن قد
أي كأنها قد زالت . فأمّا قوله :
إذا قيل مهلاً قال حاجزه قَدِ
فيكون على هذا أي قد قطع وأغنى . ويجوز أن يكون معناه : قَدْك ! أي حسبك ، كأنّه قد فرغ ما قد أريد منه ، فلا معنى لردعك وزجرك .
وإنما تحذف الجملة من الفعل الفاعل لمشابهتها المفرد بكون الفاعل في كثير من الأمر بمنزلة الجزء من الفعل ؛ نحو ضربت ويضربان ، وقامت هند، و " لتبلون في أموالكم " وحبّذا زيد ، وما أشبه ذلك مما يدل على شدّة اتصال الفعل بالفاعل وكونه معه كالجزء الواحد , وليس كذلك المبتدأ والخبر .
وأما حذف المفرد فعلى ثلاثة أضرب : اسم وفعل وحرف .
حذف الاسم على أضرب :
قد حذف المبتدأ تارة ؛ نحو هل لك في كذا وكذا ؛ أي هل لك فيه حاجة أو أرب , وكذلك قوله عزّ وجلّ : " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ " أي ذلك ، أو هذا بلاغ , وهو كثير .
وقد حذف الخبر ، نحو قولهم في جواب من عندك : زيد ؛ أي زيد عندي , وكذا قوله تعالى : " طاعة وقول معروف " وإن شئت كان على: طاعة وقول معروف أمثل من غيرهما ، وإن شئت كان على : أمرنا طاعة وقول معروف , وعليه قوله :
فقالت : على اسم الله أمرك طاعة = وإن كنت قد كلفت ما لم أعود
وقد حذف المضاف ، وذلك كثير واسع ، وإن كان أبو الحسن لا يرى القياس عليه ؛ نحو قول الله سبحانه : " ولكن البرّ من اتّقى " أي بر من اتقى , وإن شئت كان تقديره : ولكن ذا البر من اتقى , والأول أجود ؛ لأن حذف المضاف ضرب من الاتساع ، والخبر أولى بذلك من المبتدأ؛ لأنّ الاتساع بالأعجاز أولى منه بالصدور , ومنه قوله عز اسمه: " واسأل القرية " أي أهلها .
وقد حذف المضاف مكرراًً ؛ نحو قوله تعالى : " فقبضت قبضةً من أثر الرسول " أي من تراب أثر حافر فرس الرسول , ومثله مسألة الكتاب: أنت مني فرسخان ؛ أي ذو مسافة فرسخين , وكذلك قوله جلّ اسمه : " ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت " أي كدوران عين الذي يغشى عليه من الموت .
وقد حذف المضاف إليه ؛ نحو قوله تعالى : " لله الأمر من قبل ومن بعد " أي من قبل ذلك ومن بعده , وقولهم : ابدأ بهذا أول ؛ أي أول ما تفعل , وإن شئت كان تقديره : أول من غيره ، ثم شبه الجار والمجرور هنا بالمضاف إليه ؛ لمعاقبة المضاف إليه إيّاهما , وكذلك قولهم : جئت من عل؛ أي من أعلى كذا ، وقوله :
فملَّك بالليط الذي تحت قشرها = كغِرقئ بّيْضٍ كنَّه القَيْضُ من علُ
فأمّا قوله :
كجلمود صخر حطّه السيل من علِ
فلا حذف فيه ؛ لأنّه نكرة ، ولذلك أعربه ، فكأنّه قال : حطّه السيل من مكان عالٍ؛ لكن قول العجلي :
أقِبُّ من تحتُ عريض من علِ
هو محذوف المضاف إليه ؛ لأنّه معرفة وفي موضع المبني على الضم ؛ ألا تراه قابل به ما هذه حاله ، وهو قوله : من تحت , وينبغي أن يكتب " علي " في هذا بالياء , وهو فعل في معنى فاعل ؛ أي أقبُّ من تحته عريض من عاليه ، بمعنى أعلاه , والسافل والعالي بمنزلة الأسفل والأعلى , قال:
ما هو إلا الموت يغلي غاليه = مختلطاً سافلُه بعاليه
لا بد يوماً أنني ملاقيه
ونظير عالٍ وعلٍ هنا قوله :
وقد علَتني ذُرْأة بادي بدي
أي : باديَ باديَ , وإن شئت كان ظرفاً غير مركب ؛ أي في بادي بدي ؛ كقوله : عزّ اسمه : " بادي الرأي " أي في بادي الرأي إلا أنّه أسكن الياء في موضع النصب مضطراً ؛ كقوله :
يا دار هند عَفَتْ إلا أثافيها
وإن شئت كان مركباً على حد قوله :
إذ نحن في غِرة الدنيا ولذتها = والدار جامعة أزمان أزمانا
إلا أنّه أسكن لطول الاسم بالتركيب ؛ كمعدي كرب . ومثل فاعل وفعل في هذا المعنى قوله :
أصبح قلبي صردا لا يشتهي أن يردا إلا عراداً عِردا
وصلياناً بردا وعَنْكَثاً ملتبدا

أراد: الإعراد عارداً وصليانا باردا .
وعليه قوله :
كأن في الفُرْشِ القَتَاد العاردا
فأمّا قولهم : عَرْد الشتاء ؛ فيجوز أن يكون مخففاً من عَرِد هذا , ويجوز أن يكون مثالاً في الصفة على فعل ؛ كصعب وندب .
ومنه يومئذ وحينئذ ونحو ذلك ؛ أي إذ ذاك كذلك ، فحذفت الجملة المضاف إليها , وعليه قول ذي الرمة :
فلما لبسن الليل أو حين نصَّبت = له من خَذَا آذانها وهو جانح
أي: أو حين أقبل . وحكى الكسائي : أفوق تنام أم أسفل ؛ حذف المضاف ولم يبن , وسمع أيضاً : " لله الأمر من قبل ومن بعد " ؛ فحذف ولم يبن .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-03-2009
  #2
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

وقد حذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه ؛ وأكثر ذلك في الشعر , وإنما كانت كثرته فيه دون النثر من حيث كان القياس يكاد يحظره , وذلك أنّ الصفة في الكلام على ضربين : إمّا للتخليص والتخصيص ، وإمّا للمدح الثناء , وكلاهما من مقامات الإسهاب والإطناب ، لا من مظانّ الإيجاز والاختصار , وإذا كان كذلك لم يلق الحذف به ولا تخفيف اللفظ منه ؛ هذا مع ما ينضاف إلى ذلك من الإلباس وضد البيان.
ألا ترى أنك إذا قلت : مررت بطويل ؛ لم يستبن من ظاهر هذا اللفظ أن الممرور به إنسان دون رمح أو ثوب أو نحو ذلك , وإذا كان كذلك كان حذف الموصوف إنما هو متى قام الدليل عليه أو شهدت الحال به , وكلّما استبهم الموصوف كان حذفه غير لائق بالحديث .
ومما يؤكّد عندك ضعف حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه أنّك تجد من الصفات ما لا يمكن حذف موصوفه , وذلك أن تكون الصفة جملة؛ نحو مررت برجل قام أخوه ، ولقيت غلاماً وجهه حسن , ألا تراك لو قلت : مررت بقام أخوه ، أو لقيت وجهه حسن لم يحسن .
فأمّا قوله :
والله ما زيد بنام صاحِبُهْ = ولا مخالط الليان جانِبُهْ
فقد قيل فيه : إن نام صاحبه علم اسم لرجل ، وإذا كان كذلك جرى مجرى قوله :
بني شاب قرناها ... ...فإن قلت فقوله :
ولا مخالط الليان جانبه
ليس علماً وإنما هو صفة ، وهو معطوف على نام صاحبه صفة أيضاً .
قيل : قد يكون في الجمل إذا سُمِّي بها معاني الأفعال فيها , ألا ترى أن شاب قرناها تصرّ وتحلب هو اسم علم ، وفيه مع ذلك معنى الذم , وإذا كان كذلك جاز أن يكون قوله :
ولا مخالط الليان جانبه
معطوفاً على ما في قوله ما زيد بنام صاحبه من معنى الفعل , فأمّا قوله :
مالك عندي غير سهم وحَجَرْ = وغير كبداء شديدة الوتَرْ
جادت بكف!ي كان من أرمى البشر
أي بكفي رجل أو إنسان كان من أرمى البشر فقد روى غير هذه الرواية ؛ روى : بكفَّي كان من أرمى البشر، بفتح ميم من أي بكفي من هو أرمى البشر ، وكان على هذا زائدة , ولو لم تكن فيه إلا هذه الرواية لما جاز القياس عليه ؛ لفروده وشذوذه عمّا عليه عقد هذا الموضع ؛ ألا تراك لا تقول : مررت بوجهه حسن ، ولا نظرت إلى غلامه سعيد , فأمّا قولهم بدأت بالحمد لله ، وانتهيت من القرآن إلى " أتى أمر الله " ونحو ذلك فلا يدخل على هذا القول ؛ من قبل أن هذه طريق الحكاية ، وما كان كذلك فالخطب فيه أيسر ، والشناعة فيه أوهى وأسقط , وليس ما كنّا عليه مذهباً له تعلق بحديث الحكاية , وكذاك إن كانت الصفة جملة لم يجز أن تقع فاعلة ولا مقامة مقام الفاعل ؛ ألا تراك لا تجيز قام وجهه حسن ، ولا ضرب قام غلامه ، وأنت تريد : قام رجل وجهه حسن ، ولا ضرب إنسان قام غلامه , وكذاك إن كانت الصفة حرف جر أو ظرفاً لا يستعمل استعمال الأسماء , فلو قلت : جاءني من الكرام ؛ أي رجل من الكرام , أو حضرني سواك ؛ أي إنسان سواك ؛ لم يحسن لأنّ الفاعل لا يحذف , فأمّا قوله :
أتنتهون ولن ينهى ذوي شَطَطٍ = كالطعن يهلك فيه الزيت والفُتُل
فليست الكاف هنا حرف جر ، بل هي اسم بمنزلة مثل ؛ كالتي في قوله :
على كالقَطَا الجُونيّ أفزعه الزجرُ
وكالكاف الثانية من قوله :
وصالياتٍ ككَما يُؤَثْفَيْنْ
أي : كمثل ما يؤثفين وعليه قول ذي الرمة :
أبيتُ على مَيَّ كئيباً ، وبعلها = على كالنقا من عالج يتبطح
فأمّا قول الهذلي :
فلم يبق منها سوى هامد = وغير الثُمام وغير النؤيِّ
ففيه قولان : أحدهما أن يكون في " يبق " ضمير فاعل من بعض ما تقدّم ، كذا قال أبو علي رحمه الله , والآخر أن يكون استعمل سوى للضرورة اسماً فرفعه , وكأنّ هذا أقوى ؛ لأن بعده :
وغير الثُمام وغير النؤيِّ
فكأنّه قال : لم يبق منها غير هامد , ومثله ما أنشدناه للفرزدق من قوله :
أتته بمجلوم كأنّ جبينه = صلاءة وَرْس وسطُها قد تفلّقا
وعليه قول الآخر :
في وَسْط جمع بني قريط بعدما = هتفتْ ربيعةُ يا بني جواب
وقد أقيمت الصفة الجملة مقام الموصوف المبتدأ ؛ نحو قوله :
لو قلت ما في قومها لم تِيثَمِ = يفضُلها في حَسَب ومِيسم
أي ما في قومها أحد يفضلها ، وقال الله سبحانه : " وأنّا منّا الصالحون ومنّا دون ذلك " أي قوم دون ذلك , وأمّا قوله تعالى : " لقد تقطَّع بينكم " فيمن قرأه بالنصب فيحتمل أمرين : أحدهما أن يكون الفاعل مضمراً ؛ أي لقد تقطّع الأمر أو العقد أو الود ونحو ذلك بينكم , والآخر أن يكون ما كان يراه أبو الحسن من أن يكون " بينكم " وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله ، غير أنّه أُقِرّت نَصْبة الظرف وإن كان مرفوع الموضع ؛ لاطّراد استعمالهم إيّاه ظرفاً ؛ إلا أن استعمال الجملة التي هي صفة للمبتدأ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة ؛ لأنّه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسماً محضاً كلزوم ذلك في الفاعل ؛ ألا ترى إلى قولهم : تسمع بالمعيديّ خير من أن تراه ؛ أي سماعك به خير من رؤيته , وقد تقصّينا ذلك في غير موضع .
وقد حذفت الصفة ودلت الحال عليها ؛ وذلك فيما حكاه صاحب الكتاب من قولهم : سير عليه ليل ، وهم يريدون : ليل طويل , وكأنّ هذا إنما حذفت فيه الصفة لما دل من الحال على موضعها , وذلك أنّك تحس في كلام القائل لذلك من التطويح والتطريح والتفخيم والتعظيم ما يقوم مقام قوله : طويل أو نحو ذلك , وأنت تحسّ هذا من نفسك إذا تأملته , وذلك أن تكون في مدح إنسان والثناء عليه ، فتقول : كان والله رجلاً؟ فتزيد في قوة اللفظ بالله هذه الكلمة ، وتتمكن في تمطيط اللام وإطالة الصوت بها وعليها أي رجلاً فاضلاً أو شجاعاً أو كريماً أو نحو ذلك. وكذلك تقول : سألناه فوجدناه إنساناً ؟ وتمكّن الصوت بإنسان وتفخّمه ، فتستغني بذلك عن وصفه بقولك : إنساناً سمحاً أو جواداً أو نحو ذلك , وكذلك إن ذممته ووصفته بالضيق قلت : سألناه وكان إنساناً ؟ وتَزْوِيَ وجهك وتقطّبه ، فيغني ذلك عن قولك : إنساناً لئيماً أو لَحِزاً أو مبخَّلاً أو نحو ذلك .
فعلى هذا وما يجري مجراه تحذف الصفة . فأمّا إن عريت من الدلالة عليها من اللفظ أو من الحال فإن حذفها لا يجوز ؛ ألا تراك لو قلت : وردنا البصرة فاجتزنا بالأُبُلّة على رجل ، أو رأينا بستاناً وسكت لم تفد بذلك شيئاً ؛ لأنّ هذا ونحوه مما لا يعرى منه ذلك المكان ، وإنما المتوقع أن تصف من ذكرت أو ما ذكرت ، فإن لم تفعل كلفت علم ما لم تدلل عليه ؛ وهذا لغو من الحديث وجور في التكليف .
ومن ذلك ما يروى في الحديث : " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد " أي لا صلاة كاملة أو فاضلة ، ونحو ذلك . وقد خالف في ذلك من لا يعد خلافه خلافاً .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-03-2009
  #3
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

وقد حذف المفعول به ؛ نحو قول الله تعالى : " وأوتيت من كل شيء " أي أوتيت منه شيئاً . وعليه قول الله سبحانه : " فغشّاها ما غشَّى " أي غشّاها إيّاه . فحذف المفعولين جميعاً , وقال الحُطيئة :
منعَّمة تصون إليك منها = كصونك من رِداء شرعَبيّ
أي : تصون الحديث منها , وله نظائر .
وقد حذف الظرف ؛ نحو قوله :
فإن متُّ فانْعَيني بما أنا أهلُه = وشُقِّي عليَّ الجيبَ يا ابنة معبِد
أي إن متُّ قبلك ، هذا يريد لا محالة ؛ ألا ترى أنه لا يجوز أن يشرط الإنسان موته ؛ لأنه يعلم أنه مائت لا محالة , وعليه قول الآخر:
أهيمُ بدَعْدٍ ما حييت فإن أمت = أُوكّل بدَعْدٍ مَن يهيم بها بعدي
أي فإن أمت قبلها ، لا بد أن يريد هذا , وعلى هذا قول الله تعالى : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي من شهد الشهر منكم صحيحاً بالغاً في مصرٍ فليصمه , وكان أبو علي رحمه الله يرى أن نصب الشهر هنا إنما هو على الظرف ، ويذهب إلى أن المفعول محذوف ؛ أي فمن شهد منكم المصر في هذا الشهر فليصمه , وكيف تصرفت الحال فلا بدّ من حذف .
وقد حذف المعطوف تارة ، والمعطوف عليه أخرى ؛ روينا عن أحمد بن يحيى أنهم يقولون : راكب الناقة طليحان ؛ أي راكب الناقة والناقة طليحان , وقد مضى ذكر هذا , وتقول : الذي ضربت وزيداً جعفر ، تريد الذي ضربته وزيداً ، فتحذف المفعول من الصلة .
وقد حذف المستثنى ؛ نحو قولهم : جاءني زيد ليس إلا ، وليس غير ؛ أي ليس إلا إيّاه ، وليس غيره .
وقد حذف خبر إن مع النكرة خاصة ؛ نحو قول الأعشى :
إنّ محلاً وإنّ مرتحلاّ = وإنّ في السَّفْر إذْ مضَوْا مَهَلا
أي : إنّ لنا محلاً وإنّ لنا مرتحلاً .
وأصحابنا يجيزون حذف خبر إنّ مع المعرفة ، ويحكون عنهم أنهم إذا قيل لهم : إنّ الناس ألْب عليكم فمن لكم ؟ قالوا : إنّ زيداً ، وإنّ عمراً ؛ أي : إنّ لنا زيداً ، وإنّ لنا عمرًا , والكوفيون يأبون حذف خبرها إلا مع النكرة , فأمّا احتجاج أبي العباس عليهم بقوله :
خلا أنّ حيّاً من قريش تفضلوا = على النّاس أو أن الأكارم نهْشلا
أي : أو أنّ الأكارم نهشلاً تفضلوا , قال أبو علي : وهذا لا يلزمهم ؛ لأنّ لهم أن يقولوا : إنما منعنا حذف خبر المعرفة مع إنّ المكسورة ؛ فأمّا مع أنّ المفتوحة فلن نمنعه . قال : ووجه فصلهم فيه بين المكسورة والمفتوحة أنّ المكسورة حذف خبرها كما حذف خبر نقيضها , وهو قولهم لا بأسَ ، ولا شكّ ؛ أي عليك ، وفيه . فكما أنّ " لا " تختص هنا بالنكرات فكذلك إنما تشبهها نقيضتها في حذف الخبر مع النكرة أيضاً .
وقد حذف أحد مفعولي ظننت ؛ وذلك نحو قولهم : أزيداً ظننته منطلقاً ؛ ألا ترى أنّ تقديره : أظننت زيداً منطلقاً ظننته منطلقاً ؟ فلمّا أضمرت الفعل فسرته بقولك : ظننته ؛ وحذفت المفعول الثاني من الفعل الأول المقدر اكتفاء بالمفعول الثاني الظاهر في الفعل الآخر , وكذلك بقية أخوات ظننت.
وقد حذف خبر كان أيضاً ؛ في نحو قوله :
أسكرانُ كان ابنَ المراغة إذ هجا = تميماً ببطن الشأم أم متساكر
ألا ترى أنّ تقديره : أكان سكرانُ ابن المراغة ؛ فلمّا حذف الفعل الرافع فسّره بالثاني فقال : كان ابن المراغة , وابن المراغة هذا الظاهر خبر " كان " الظاهرة ، وخبر " كان " المضمر محذوف معها ؛ لأنّ " كان " الثانية دلّت على الأولى .
وكذلك الخبر الثاني الظاهر دل على الخبر الأول المحذوف .
وقد حذف المنادى ؛ فيما أنشده أبو زيد من قوله :
فخيرٌ نحن عند الناس منكم = إذا الداعي المثَوِّب قال : يا لا
أراد : يا لبني فلان ، ونحو ذلك .
فإن قلت : فكيف جاز تعليق حرف الحر؟ قيل : لمّا خُلط بيا صار كالجزء منها , ولذلك شبّه أبو علي ألفه التي قبل اللام بألف باب ودار ، فحكم عليها حينئذ بالانقلاب , وقد ذكرنا ذلك , وحسن الحال أيضاً شيء آخر ، وهو تشبث اللام الجارة بألف الإطلاق ، فصارت كأنها معاقبة للمجرور ألا ترى أنّك لو أظهرت ذلك المضاف إليه ، فقلت : يا لبني فلان لم يجز إلحاق الألف هنا وجرت ألف الإطلاق في مَنَابها هنا عمّا كان ينبغي أن يكون بمكانها ، مجرى ألف الإطلاق في مَنَابها عن تاء التأنيث في نحو قوله :
ولاعب بالعشيِّ بني بنيه = كفعل الهِرِّ يحترش العَظَايا
فأبعده الإله ولا يؤبِّى = ولا يعطَى من المرض الشِّفايا
وكذلك نابت أيضاً واو الإطلاق في قوله:
وما كلُّ مَن وافى مِنىً أنا عارف
فيمن رفع كلاً عن الضمير الذي يزاد في عارفه ؛ وكما ناب التنوين في نحو حينئذ ، ويومئذ عن المضاف إليه إذْ , وعليه قوله :
نهيتك عن طِلابك أمَّ عمرو = بعاقبة وأنتَ إذٍ صحيح
فأمّا قوله تعالى : " ألا يا اسجدوا " فقد تقدم القول عليه : أنّه ليس المنادى هنا محذوفاً ، ولا مراداً كما ذهب إليه محمد بن يزيد ، وأنّ " يا " هنا أخلصت للتنبيه مجرداً من النداء ؛ كما أنّ " ها " من قول الله تعالى : " هاءنتم هؤلاء جادلتم " للتنبيه من غير أن تكون للنداء , وتأوَّل أبو العباس قول الشاعر :
طلبوا صُلْحَنا ولاتَ أوانٍ = فأجبنا أن ليس حين بقاءِ
قول الجماعة في تنوين إذْ , وهذا ليس بالسهل ؛ وذلك أنّ التنوين في نحو هذا إنما دخل فيما لا يضاف إلى الواحد وهو إذ , فأمّا " أوان " فمعرب ويضاف إلى الواحد ؛ كقوله :
فهذا أوانُ العِرْض حيٌّ ذبابُه = زنابيرُه والأزرق المُتَلَمِّسُ
وقد كسروه على آوِنة ، وتكسيرهم إيّاه يبعده عن البناء ؛ لأنّه أخْذ به في شِقّ التصريف والتصرُّف .
قال :
أبو حَنَشٍ يُؤَرِّقنا وطَلْقٌ = وعبَّادٌ وآونةً أُثالا
وقد حذف المميز ؛ وذلك إذا علم من الحال حكم ما كان يعلم منها به , وذلك قولك : عندي عشرون ، واشتريت ثلاثين ، وملكت خمسة وأربعين , فإن لم يعلم المراد لزم التمييز إذا قصد المتكلم الإبانة , فإن لم يرد ذلك وأراد الإلغاز وحذف جانب البيان لم يوجب على نفسه ذكر التمييز , وهذا إنما يصلحه ويفسده غرض المتكلم ، وعليه مدار الكلام فاعرفه .
وحذف الحال لا يحسن ؛ وذلك أنّ الغرض فيها إنما هو توكيد الخبر بها ، وما طريقه طريق التوكيد غير لائق به الحذف ؛ لأنّه ضد الغرض ونقيضه ولأجل ذلك لم يجز أبو الحسن توكيد الهاء المحذوفة من الصلة ؛ نحو الذي ضربت نفسه زيد ، على أن يكون نفسه توكيداً للهاء المحذوفة من ضربت وهذا مما يترك مثله ؛ كما يترك إدغام الملحق إشفاقاً من انتقاض الغرض بإدغامه .
فأمّا ما أجزناه من حذف الحال في قول الله تعالى : " فمن شهد منكم الشهر فليصمه " أي فمن شهده صحيحاً بالغاً ؛ فطريقه أنّه لمّا دلت الدلالة عليه من الإجماع والسنة جاز حذفه تخفيفاً , وأمّا لو عريت الحال من هذه القرينة وتجرد الأمر دونها لما جاز حذف الحال على وجه .
ولم أعلم المصدر حُذِف في موضع , وذلك أنّ الغرض فيه إذا تجرّد من الصفة أو التعريف أو عدد المرات فإنما هو لتوكيد الفعل ، وحذف المؤكد لا يجوز .
وإنما كلامنا على حذف ما يحذف وهو مراد , فأمّا حذفه إذا لم يرد فسائغ لا سؤال فيه , وذلك كقولنا : انطلق زيد ؛ ألا ترى هذا كلاماً تاماً وإن لم تذكر معه شيئاً من الفضلات ، مصدراً ولا ظرفاً ولا حالاً ولا مفعولاً له ولا مفعولاً معه ولا غيره , وذلك أنّك لم ترد الزيادة في الفائدة بأكثر من الإخبار عنه بانطلاقه دون غيره .
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-03-2009
  #4
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

حذف الفعل :حذف الفعل على ضربين : أحدهما أن تحذفه والفاعل فيه ؛ فإذا وقع ذلك فهو حذف جملة , وذلك نحو زيداً ضربته ؛ لأنّك أردت : ضربت زيداً ، فلّما أضمرت ضربت فسرته بقولك : ضربته , وكذلك قولك : أزيداً مررت به ، وقولهم : المرء مقتول بما قَتَل به ، إن سيفاً فسيف ، وإن خنجراً فخنجر ؛ أي إن كان الذي قَتَل به سيفاً فالذي يُقتل به سيف , فكان واسمها وإن لم تكن مستقلة فإنها تعتد اعتداد الجملة .
والآخر أن تحذف الفعل وحده ؛ وهذا هو غرض هذا الموضع .
وذلك أن يكون الفاعل مفصولاً عنه مرفوعاً به , وذلك نحو قولك : أزيد قام , فزيد مرفوع بفعل مضمر محذوف خال من الفاعل ؛ لأنّك تريد: أقام زيد ، فلمّا أضمرته فسرته بقولك : قام . وكذلك " إذا السّماءُ انشقت " و " إذا الشّمس كوّرت " و " إن امرؤ هلك " و " لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي " ونحوه ؛ الفعل فيه مضمر وحده ، أي إذا انشقت السّماء ، وإذا كوّرت الشمس ، وإن هلك امرؤ ، ولو تملكون. وعليه قوله :
إذا ابنُ أبي موسى بلالٌ بلغته = فقام بفأس بين وُصْلَيكِ جازر
أي إذا بلغ ابن أبي موسى . وعبرة هذا أنّ الفعل المضمر إذا كان بعده اسم منصوب به ففيه فاعله مضمراً , وإن كان بعده المرفوع به فهو مضمر مجرداً من الفاعل ؛ ألا ترى أنّه لا يرتفع فاعلان به , وربما جاء بعده المرفوع والمنصوب جميعاً ؛ نحو قولهم : أمّا أنت منطلقاً انطلقتُ معك تقديره: لأنّ كنت منطلقاً انطلقتُ معك فحذف الفعل فصار تقديره : لأنّ أنت منطلقاً وكرهت مباشرة " أن " الاسم فزيدت " ما " فصارت عوضاً من الفعل ومصلحة للفظ لنزول مباشرة أن الاسم . وعليه بيت الكتاب :
أبا خراشة أمّا أنت ذا نفر = فإنّ قومي لم تأكلهم الضبُع
أي لأن كنت ذا نفر قويت وشددت، والضبع هنا السنة الشديدة .
فإن قلت : بم ارتفع وانتصب أنت منطلقاً ؟.
قيل : بما ؛ لأنها عاقبت الفعل الرافع الناصب ، فعملت عمله من الرفع والنصب , وهذه طريقة أبي علي وجلّة أصحابنا من قبله في أن الشيء إذا عاقب الشيء ولي من الأمر ما كان المحذوف يليه ؛ من ذلك الظرف إذا تعلق بالمحذوف فإنّه يتضمن الضمير الذي كان فيه ، ويعمل ما كان يعمله : من نصبه الحال والظرف , وعلى ذلك صار قوله : فاهُ إلى فيّ من قوله : كلمته فاهُ إلى فيّ ضامناً للضمير الذي كان في جاعلاً لما عاقبه. والطريق واضحة فيه متلئبة .
حذف الحرف :قد حُذف الحرف في الكلام على ضربين : أحدهما حرف زائد على الكلمة مما يجيء لمعنى , والآخر حرف من نفس الكلمة .
وقد تقدّم فيما مضى ذكر حذف هذين الضربين بما أغنى عن إعادته .

الخصائص لأبي الفتح عثمان بن جنّي
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-06-2009
  #5
ابوعبدالله
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: دير الزور - الكرامة
المشاركات: 2,061
معدل تقييم المستوى: 18
ابوعبدالله is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

شكرا لكم أستاذنا هيثم
بوركتم
ووفقتم
وجوزيتم
هذه الكلمات الثلاثة تنوب عن حذف ,
أليس كذلك يارعاك الله !!!
ابوعبدالله غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 02-06-2009
  #6
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-07-2009
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

:extra139:
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-10-2009
  #8
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
افتراضي رد: الحذف في اللغة العربية

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الحسيني مشاهدة المشاركة
:extra139:
بارك الله فيك أخي الحبيب
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تبسيط النحو وقواعد اللغة العربية شاذلي المواضيع الاسلامية 1 10-14-2013 12:12 PM
تأثير اللغة العربية في لغات العالم هيثم السليمان المواضيع الاسلامية 11 07-03-2013 02:28 PM
اللغة والذات الحضارية الرشيد القسم العام 4 04-07-2009 03:26 PM
وقفة في واحة اللغة العربية عبدالقادر حمود القسم العام 5 01-19-2009 05:25 PM
من أعلام اللغة العربية. نوح القسم العام 1 09-08-2008 11:32 AM


الساعة الآن 07:31 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir