أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، ورزقاً طيباً ، وعملاً متقبلاً           

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 11-01-2011
  #1
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي دراسات في القرآن والنبوة:

تقديم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً كتاب الله و سنتي" [1].
لقد أوضح البيان النبوي الساطع مدى التلازم بين القرآن الكريم والنبوة الشريفة، وكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وحياة الصحابة الذين حظوا بالصحبة المباركة -رضي الله عنهم- مثالا حيا وسامقا لهذا التلازم.
غير أن الانكسار التاريخي المبكر الذي ابتليت به الأمة الإسلامية بالانقلاب الأموي الغاشم الذي أطاح بالخلافة الراشدة وأسس للملك العاض الوراثي في الأمة، هذا الانكسار أثر سلبا على ذلكم التلازم بما أحدثه من انفصام نكد بين القرآن الكريم، باعتباره وحيا من الله تعالى وذكرا وشرعا وأحكاما، وبين الإرث النبوي الشريف باعتباره تجسيدا عمليا لذلك الوحي.
وفي ظل ذلك الانكسار وما صاحبه من انحرافات خاصة على مستوى الحكم وتوزيع الثروة، أُفقد القرآن الكريم مكانته في التشريع والتوجيه، بعد أن كان عند جيل الصحابة والتابعين رضي الهن عنهم فرقانا فاصلا في جميع مناحي الحياة، وبرهانا ساطعا به "يبرهن على الهدى والضلالة، على الصلاح والفساد، على إصابة العقل وخطئه، على سلامة الفهم وعلته"[2]"، وبعد أن كانت العلاقة التي تربط المسلمين بالقرآن الكريم موسومة بالرقي في مدارج الإيمان، وكانت الجماعة التي تلقت القرآن بنية التعبد والتنفيذ مطبوعة بالحرص على طلب مقامات الإحسان.
وفي إطار مشروع المنهاج النبوي الذي ندب الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين -حفظه الله- كل جهوده لاستجلائه وتوضيح معالمه والدعوة إليه وتربية الناس عليه، متوكلا على الله تعالى، ومستهديا بنوره سبحانه، ومسترشدا بفهم متكامل للوحي والنبوة ومدى التلازم بينهما، يأتي هذا الكتاب "القرآن والنبوة" الذي يندرج ضمن مشروع ضخم صدرت منه لحد الآن خمسة كتب، هي: "في الاقتصاد: البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية" و"رجال القومة والإصلاح" و"الخلافة والملك" و"مقدمات لمستقبل الإسلام" و"إمامة الأمة".
ويعود تاريخ تأليف هذا الكتاب إلى حوالي ثلاثة عقود، وقد حالت ظروف الحصار الغاشم الذي ووجهت -وتواجه به- دعوة العدل والإحسان دون طبعه في أوانه.
ورغم ما يلمسه القارئ في هذا الكتاب من حضور لبعض الوقائع والأحداث التي تعود إلى تاريخ تأليفه، فإن كتاب "القرآن والنبوة" احتفظ بجوهره القائم -مثل باقي مكتوبات الأستاذ المرشد ومسموعاته ومرئياته- على الدعوة الحثيثة إلى تجديد الإيمان في القلوب ترقيا في مدارج الدين وطلبا للغاية الإحسانية، وتجديد عزة الأمة وكرامتها طلبا للغاية الاستخلافية العدلية.
والسؤال الكبير الذي يتصدى هذا الكتاب للإجابة عنه هو كيف لنا أن نعيد للقرآن الكريم والنبوة الشريفة تلازمهما ودورهما في تحقيق ذلكم المشروع التجديدي الشامل ببعديه العدلي والإحساني؟ وبأي فهم، وبأية إرادة نتعامل مع القرآن الكريم والنبوة الشريفة من أجل تجديد الإيمان في القلوب والعزة في الأمة؟
وعلى طول صفحات الكتاب، وفي خضم معالجة هذا السؤال، يلح الأستاذ عبد السلام ياسين على الأساس التربوي الإحساني لهذا التجديد، مؤكداً أن "تنزل القرآن من عالم الأحكام إلى عالم الواقع إنما يتم على يد بشر. فحين كان القرآن دستور قيادة رباها القرآن، وكان به لا بغيره الفرقان، وكان هو على غيره البرهان، وكان طابع الجماعة الإيمان والإحسان، نشأت دولة القرآن امتداداً بين الأرض والسماء، تشد وحدته وتصونه أن يزيغ العروةُ الوثقى.
"فكذلك الخلافة الثانية لن تتحقق بمجرد أن الناس فهموا الأحكام القرآنية وكتبوها وتحالفوا على تطبيقها. نجاحهم في تجديد الخلافة لا يتوقف على ذكائهم وإن كان الذكاء من أهم الفضائل، ولا على ضبطهم التنظيمي، وإن كان التنظيم قوة واجبة، ولا على أجهزة تحاذي ما كان في دولة الخلافة الأولى وتحاكيها. إنما ينجحون بمقدار ما معهم من خُلُق القرآن وفرقانه وبرهانه وإحسانه"[3].
وبنفس الإلحاح يحرص هذا الكتاب على تجلية الأبعاد الحقيقية لديننا الحنيف ومقاصده وأهداف إحيائه في النفس وفي الأمة منبها إلى أن "تمجيد النظام الإسلامي في السياسة والاجتماع والاقتصاد كأنه إيديولوجية، أي منظومة فكرية، تبُزُّ في المقارنة كل مذهب بشري ما هو في الحقيقة إلا مسخ للدين، إن لم نربط النظام الإسلامي لشؤون الأرض والناس بالمبدإ والمعاد، والألوهية والربوبية، ووحدة الخلق، ومصيرهم بعد الموت، وبالآخرة والبعث والخلود في الجنة أو النار... واللب هو مصيرك يا إنسان إلى ربك، وعبورك هذه الدنيا لتُختبر فيها وتصير إلى جزائك"[4].
ابن سليمان، المغرب الأقصى في 03 ذي القعدة 1430
عمر أمكاسو
[1] رواه الإمام مالك في الموطأ عن جابر رضي الله عنه، والحاكم في المستدرك عن أبي هريرة
[2] عبد السلام ياسين، القرآن والنبوة، ص 18
[3] القرآن والنبوة، ص 28
[4] نفسه، ص 89-90
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #2
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الفصل1:عبد يوحى إليه
الحديث عن الوحي
الضلالة لا توافق الهدى
فرقان وبرهان وإحسان
فرقان
برهان
إحسان
السنة وحي من الوحي
أمرهم شورى بينهم
رحماء بينهم
يحبهم ويحبونه
بناء تقوض
الصور المصغرة للصور المرفقة
اضغط على الصورة لعرض أكبر
الاســـم:	walikhatim.jpg‏
المشاهدات:	226
الحجـــم:	5.7 كيلوبايت
الرقم:	2393  
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #3
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الحديث عن الوحي
أسمع في هذا الصباح[1]أخبار العالم: مجلس النواب الأمريكي يصوت على تمويل جيل جديد من الصواريخ النووية الهدف من صناعتها "ردع المنافسة الروسية" في هذا الميدان. النظام السعودي يقترح على فرنسا بضعة ملايير دولار قرضا لدعم الفرنك وإنقاذه. يقول المعلق: "لتطابق رأي الدولتين في قضية فلسطين". الدولة العنصرية في جنوب أفريقيا ووكلاؤها المكلفون بالتخريب والتآمر على الدول السوداء. عالم متحرك عنيف. مستقبل الإنسانية معلق على توازن الردع والردع المضاد النوويين. أموال المسلمين تصبح رشوة لمكافأة دول تؤيد العرب في صفقتهم الخاسرة. الأوربي المستعمر يعيث في الأرض فسادا. ولم تذكر الأخبار بحريق بيروت المهول وقد مضى عليه الآن أقل من خمسة أشهر. لم تذكر الأخبار فلسطين المحتلة والاحتلال الاستيطاني ل"الأراضي المحتلة". هكذا سمي الجزء الذي لما تبتلعه عصابة اليهود كما ابتعلت بيت المقدس والأرض التي حوله، أرضا باركها الله وضيعها العرب فأصبحت تسمى إسرائيل.
عالم متحرك عنيف. فيبدو من يتحدث فيه عن الوحي والنبوة ناشزا حالما. يبدو للغافل عن الله الإخبار عن المنهاج النبوي، وذكر الله ورسوله وسط هذه الأحداث الصاخبة انفلاتا من حلبة المواجهة. ذلك أن قيادة العالم أفلتت من الأمة التي جالت في العالم قرونا تحكم باسم الله وتتبع خُطا رسول الله، حتى ألفت الآذان أن تسمع ضوضاء العالم بمعزل تام عن خالق العالم ورسالة الله للعالم وصفوة الله من العالم محمد صلى الله عليه وسلم.
نكتب هذا إلحاحا على أن المنهاج النبوي مسلك يعبر الدنيا بما فيها من قوى واصطدام واضطراب ونشاط ولا يتجنبها. وأن القرآن كلام الله، الله الذي يسير العالم ويحكم ما يريد. قدر الله يجري في العالم كما يشاء الله، ونحن مغلوبون منهوبون مقهورون بما كسبت أيدينا. هذا الكسب ومسؤوليتنا عن هزيمتنا هما شرع الله. ورجوعنا لشرع الله نعظمه ونقدسه ونعمل بمقتضاه يسدد خطانا على صراط الله المستقيم المؤدي للحسنيين. واتباع الرسول الذي يوحى إليه هو المنهاج. فهذا علاقة عنوان هذا الفصل بما يجري في العالم.
قال الله تعالى يخاطب حبيبه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾ [2]. روح من الله إلى رسول الله. نور محمول إلينا، باق بين ظهرانينا. به فقط يستنير لنا المنهاج، الصراط المستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات من غيب نؤمن به، وما في الأرض من حقائق محرقة تصطلي الأمة بنارها. والله ورسوله الملجأ. فأين نذهب؟ كل المذاهب الضالة جربت فينا ففتكت بنا. ونور الله بين أيدينا. يا للهلكة! هلكة من يتحدث عن محمد العبقري بطل القومية. قال تعالى يخاطب أمثال هؤلاء: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [3].
عبد يوحى إليه. والوحي والرسالة مناط الإيمان كله. لذلك يركز وَثنيو القومية وأساتذتهم من المستشرقين هجومهم على الوحي والرسالة ليتعتعوا المسلمين عن يقينهم بأن الرسول مبعوث مأمور من لدن خالق الأرض والسماء، خالق الإنسان ومصيره من الدنيا للآخرة. وبنعوت خبيثة كالعبقرية والبطولة يحاولون أن يمحوا وجه العبد الذي فزع لما باغته الوحي ورأى جبريل، ثم استأنس، ثم تلقى القرآن، ثم دعا قومه، ثم أوذي في الله فصبر، ثم ربى وجاهد، وهدى الله به العالم إلى يوم القيامة. عبد لا يشرع من عنده، وإن خطط فتطبيقا للوحي يصحبه التوفيق الإلهي. وإن حمل السلاح فاستجابة للأمر الإلهي. وإن قال فبالله، وإن تحرك فبإذنه، وإن غضب فله، وإن أحب ففيه. عبد رباني إلهي. عبد يوحى إليه.
كان القرآن ينزل طريا مواكبا للمسيرة التاريخية موجها لها. هو العلم، وهو المنهاج، وهو البرنامج، وهو النور الهادي إلى صراط الله. وكانت نظرة العبد الرسول صلى الله عليه وسلم ونظرة أصحابه مجتمعة لا تشتت فيها. لم يكن القرآن تراثا يحتل حيزا من الفكر ورفوفا من المكتبة، بل كان هو الفهم، وهو العلم، وهو الحياة. كان تناقض صارخ بين أحوال الجاهلية وبين ما يدعو إليه القرآن. فنهض أهل القرآن. خرقوا كل سياج يصد عن سبيل الله. حطموا المنكر وغيروا الواقع حتى يستقيم على ما يأمر به الله. كانت وحدة مشخصة في العبد الصادق الرسول، ممثلة في كلمة الله الموحى بها، ماثلة في جماعة هي جيل القرآن كما يقول سيد قطب رحمه الله.
لم تكن الحياة أشتاتا ونتفا في سلوك أهل القرآن. الحياة والموت، الدنيا والآخرة، العابد والمعبود، كانت جميعا يلفها في عقيدة التوحيد والرسالة والملائكة والبعث والقدر شرعة واحدة. يسير بها في صراط الله منهاج واحد. لم تكن العاطفة في واد والعقل تائها في التحليل الفلسفي. كان الإنسان جميعا. نحن أشتات اليوم. فمعنى اتباعنا المنهاج النبوي أن نجتمع عقلا وعاطفة، ماضيا وحاضرا ومصيرا، دينا ودنيا وآخرة، أفرادا على بينة من هويتهم وعبوديتهم لله ومسؤوليتهم أمامه، وجماعة على بينة من مصيرها التاريخي فيها استعداد وقدرة على الجهاد. بالقرآن انكشف لجيل القرآن ما في النفس البشرية والكيان البشري الكلي من أسرار كانت غامضة حتى علمهم إياها الوحي. وبه ارتفع عن أعينهم التناقض الظاهر العقلاني بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والجماعة، بين البشر والكون. بالقرآن ابتنيت نفوس مؤمنة، ومجتمع مؤمن، وحركة في العالم إيمانية. بالقرآن عرف أهل القرآن الله عز وجل، وبه استناروا في سلوكهم النفسي ومعراجهم الروحي في معارج الإيمان. وبالقرآن كانوا القوة التي حطمت باطل الشرك، وبه أقاموا العدل.
[1] من شهر صفر 1403
[2] الشورى: 52-53
[3] النجم: 1-4
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #4
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

الضلالة لا توافق الهدى
كان القرآن مصدر العلم للجيل القرآني. يعلمون أنه العروة الوثقى. به يستمسكون والهدى منه يلتمسون. يُثَوِّرونه -كما يقول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه- ليستنبطوا منه الحق. ويحكمون بحكمه في صغير الأمر وكبيره. في الحيض والنفاس أخص خصوصيات الإنسان، وفي قتال العدو وتمكين دين الله في الأرض أعم الشؤون وأوسعها مدى. واليوم طرد القرآن وطرد أهله. فانكسف وجه الإسلام حتى في عين أمة الإسلام. هذا رجل من الجيل القرآني يتحدث عن القرآن ويتخوف على الأمة الظلام إن نبذت القرآن. يقول الإمام علي عليه السلام:
"فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم وآله بالحق ليخرج عباده من عبادة الأوثان إلى عبادته، ومن طاعة الشيطان إلى طاعته، بقرآن قد بينه وأحكمه. ليعلم العباد ربهم إذ جهلوه، وليُقِرّوا به إذ جحدوه، وليثبتوه إذ أنكروه". وتحدث عن زمان يخاف أن ينبذ فيه القرآن. يقول: "فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم (وجود جسم المصحف وتلاوة التالي بمعزل عن أمر الأمة)، ومعهم وليسا معهم. لأن الضلالة لا توافق الهدى وإن اجتمعا. فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة. كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم. فلم يبق عندهم منه إلا اسمه"[1].
يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأمم، وانتقاض من المبرم. فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به. ذلك القرآن فاستنطقوه ولن ينطق. ولكن أخبركم عنه: ألا إنَّ فيه علم ما يأتي، والحديث على الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم".
كيف نعود ونتخذ القرآن إماما، وكيف نجتمع عليه علما وعملا، وكيف "ننظم" به ما بيننا. هذه هي الأسئلة الجوهرية. ولله در الإمام إذ يقول: "أرسله بحجة كافية، وموعظة شافية، ودعوة متلافية (تداركت الناس قبل هلاكهم). أظهر به الشرائع المجهولة، وقمع به البدع المدخولة، وبين به الأحكام المفصولة (المفصّلة). فمن يتبع غير الإسلام دينا تتحقق شقوته، وتنفصم عروته، وتعظم كبوته (سقطته)، ويكن مآبه إلى الحزن الطويل والعذاب الوبيل"[2].
عروتنا منفصمة وكبوتنا هزائم فظيعة في كل ميدان والاسم الإسلام على الواجهة. والكتاب يتلى في المذياع والأشرطة. والشقوة تزداد تحققا. ودواء دائنا في القرآن ودولة القرآن. ودولة القرآن إنما تستحق الاسم إن اتخذنا القرآن إماما، كل القرآن، في كل المجالات، فإن الضلالة لا توافق الهدى.
[1] نهج البلاغة ج2 ص30-31. هذا كتاب نفيس يعتبره الشيعة أوثق مصادرهم. وعندنا من يشك في نسبته. واقرأ مقدمة الشيخ محمد عبده للكتاب لتطلع على مدى تأثير الكتاب ببيانه وصولته
[2] نفس المصدر ص61-62
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #5
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

فرقان وبرهان وإحسان
قال الله تعالى: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً﴾ [1].
وقال عز من قائل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً﴾ [2].
وقال سبحانه: ﴿ تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ، هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ﴾ [3].
[1] الفرقان: 1
[2] النساء: 174
[3] لقمان: 2-3
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #6
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

فرقان
يَعْمَى السائرون في تخمينات الفكر عن هداية القرآن إذ يحسبون القرآن كلاما من الكلام. والمومن يتلقى توجيه كلام الله إذعانا ورضى كما تلقاه العبد النبي الرسول صلى الله عليه وسلم وحيا وخطابا ورسالة. كلام الله صفة من صفاته. فهو من عند الله الذي أنزل على عبده الكتاب، "نورا لا تطفأ مصابيحه، وسراجا لا يخبو توقده، وبحرا لا يدرك قعره، ومنهاجا لا يَضِل نهجه، وشعاعا لا يُظلم نوره، وفرقانا لا يخمد برهانه، وتبيانا لا تهدم أركانه، وشفاء لا تخشى أسقامه، وعزا لا تهزم أنصاره، وحقا لا تخذل أعوانه"[1].
فريق في الجنة وفريق في السعير، فريق هداهم الله بالقرآن، وفريق حقت عليهم الضلالة. فريق اتبعوا السبل فتفرقت بهم عن سبيل الله، وفريق اعتصموا بحبل الله جميعا وما تفرقوا. فريق تفرقوا واختلفوا من بعدما جاءهم العلم بغيا بينهم، وفريق أقاموا الدين وما تفرقوا فيه.
الفيصل بين الإيمان والكفر موقف الناس من القرآن. و"ما جالس هذا القرآن أحد إلا قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى أو نقصان في عمى" . كذلك نزله الله تبارك وتعالى على عبده فرقانا. تحت دولة القرآن سيبقى من يتخذون القرآن مهجورا، لكن أهل القرآن حاملي الرسالة المبلغين عن رسول الله، المترجمين عن كتابه، يجب أن يخدموا الغايات التي رسمها القرآن، ويسخروا لذلك ما في أيديهم من سلطان. في دولة القرآن يجب أن يسود القرآن سيادة مطلقة. من لا يدخل تحت لوائه فذلك فرقان ما بيننا وبينه.
[1] نهج البلاغة ج2 ص177
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #7
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

برهان
في هذه العهود سادت العقلانية الكافرة الغازية، وتسلل إلى فكر المسلمين نغمة جديدة ما عرفها من سبقونا بإيمان. فمنذ نحو قرن مضى تقرأ وتسمع تمجيدا للعقل، وتقرأ وتسمع هولا مهولا: أن القرآن قرين العقل. ومن وراء الكلمة ما لا يجسرون على إظهاره. من ورائها أن العقل هو الإمام. واقفز سطورا ثم اقرأ أمجاد العقل الذي بنى حضارة أوربا.
معنى كون القرآن برهانا كما قال الله تعالى، ومعنى كونه نورا مبينا، أن كلام الله هو المرجع، به يبرهن على الهدى والضلالة، على الصلاح والفساد، على إصابة العقل وخطئه، على سلامة الفهم وعلته. أما أجيال الإلحاد فباتت عميّة عن القرآن البرهان حين تدعو إلى "قراءة" القرآن قراءة جديدة. أي معالجته النقدية بأدوات العقلانية والتاريخانية، وربطه بمحمد البطل البليغ، وقطعه من ثمة عن الجناب الإلهي. ربطه بظروف الجزيرة العربية على عهد البعثة، ومن ثمة الحكم عليه بالتخلف في مضمار الفكر عن العقل البشري المتأله الذي صنع الصواريخ، وابتكر الحاسوبات الإلكترونية، وحلل التاريخ، وضبط -في زعمه- سير الحضارة، وهيمن على الكرة الأرضية، وغزا الفضاء، وركب أعضاء صناعية للمرضى، وفتح للبشرية أبواب مستقبل العالم. القرآن في حسبان هؤلاء الخَلْف يدخل في حيز ضيق من العقل البشري المتطور، في ركن مغبر بصفته جزءا من التراث المصون في متاحفه.
معنى كون القرآن برهانا أن نحكم بكلام الله الأزلي على عقل البشر المخلوق العبد الخاضع لتطورات الزمان والمكان. معناه أن يجلس العقل مجلس التلميذ يستهدي الوحي ويستنير به. فمن جالس القرآن هكذا أبصر النور. ومن عمي فلا مخرج له من شبكة العقلانية بجانبيها الفلسفي المُخرِّص والعلومي المخترع. شبكة صنعتها من حولها هذه الخفاشة العمياء لتمسكها عن مراتع هلاكها في عالم النور. الإيمان بالله وكتبه ورسله هلاك العقل المتأله المعبود.
قد يكون من التلاميذ الذكي الألمعي مثل الجيل، بل الأجيال، الذين ثوروا القرآن بعد أن اتخذوه إماما. وقد يكون التلاميذ البلداء لا يحسنون مجالسة القرآن، ولا الفهم عنه، ولا تحويل أوامره لصيغ تطبيقية. وقد كان ولا يزال من المسلمين الصادقي العقيدة من كانوا أقصر من أن يترجموا عن القرآن. لا عن خيانة بل عن وفاء حرفي بليد. وسيطرح السؤال في دولة القرآن عن وظيفة العقل وحدوده، عن علاقته بالوحي المنزل ومكانه منه. وهنا أيضا يجب أن يكون البرهان في الجواب هو القرآن لا من تحدث باسمه فأخطأ، ولا من اجتهد فقصر، ولا من حرف وخان. لماذا اختنق العقل فكان اختناقه سببا لانحطاط المسلمين؟ لماذا انحطوا والقرآن فيهم يتلى؟ لماذا هزموا والقرآن قوة؟ وجهلوا والقرآن علم؟ وتظالموا والقرآن عدل؟ وتعادوا وتقاتلوا والقرآن أخوة؟
تاريخنا بشري، والقرآن شاهد على أخطائنا وبرهان علينا. ما اختنق العقل تحت دول العض والجبر، بل خُنق. القرآن كلمة الله. ومن فهم هذه الإضافة العظيمة، وهي نسبة الكلمة لله جلت عظمته، ثم علم أن هذه الكلمة موجهة إليه، وأنه مسؤول عن طاعة أمر الله المنزل فيها لا يكون عبدا لغير الله. لا يطيع الحاكم في معصية الله.
تآمَرَ حكام العض والجبر على سد باب الاجتهاد وصادروا العقل المستنير بالقرآن وخنقوه. وبذلك أغلقوا منافذ الحرية والمسؤولية عن الناس. ثم إن تاريخنا عرف الحروب الداخلية والغزو الخارجي وفتنة العقل حين سُخِّرَ العقل لتأويل القرآن تأويلا يبرر به كل فريق مذهبه الذي يحارب مذاهب أخرى على الزعامة والملك. في هذا الجو لا قرار للناس يسمح بتأثيل ثمرات العقل. حارب العقلُ العقلَ -والقرآن تَبَعٌ مبرر- في حروب الفتنة الأولى، ثم في قتال السنة والشيعة، ثم في مناظرات العلماء الجدلية. علماء إلى جانب الحكم يستنطقون القرآن بما يُطْرِبُ أهواء الحكام، يترجمون عن الهوى الساكن فيهم. وآخرون يقاتلونهم، فتصطدم الأسلحة العقلية، وتنعكف، وتنثني، وتعوج بآثار الاصطدام ونار الحمية. والعقل آلة لا تنفصل عن حياة الناس اليومية وهمومهم ومصالحهم وخصوماتهم.
العقل ليس مَلَكاً محلقا في فضاء البراءة والإخلاص. بل هو قسمة سماوية موحولة في أسباب الأرض، لاصقة بها. سيما إن لم يُجالس العقلُ القرآن المجالسة المطولة، أو لم تكن له الأهلية لتلك المجالسة.
أشَعَّ العقلُ إشعاعا متألقا في حياة الصحابة رضي الله عنهم، ولم يكن لهم ركام فكري يحجب عنهم نور الوحي. فاحتل العقل في خدمة القرآن مكانته، وانطلقت قوى الجماعة، وربحوا خيري الدنيا والآخرة. وتألق العقل في خدمة القرآن على يد علمائنا عبر كل الأجيال إلى يومنا، خاصة في الفقه والحديث وعلوم النقل باستثناء مجالات السلطان ومشروعيته، وسياسة الأمة وفروضها، وقسمة الأموال. كان علماؤنا يسمون الحكام ظلمة ثم يُسْكِتُون العقل مخافة أن تزيد الفتنة اضطراما.
واتصل المسلمون بالفلسفة اليونانية فتلقفتها أجيال دخلوا في صراع مع العقل الأصيل الذي بقي على فطرته تلميذا للوحي أصيلا قويا. انبرى المعتزلة لدحض أفكار الفلاسفة الملحدين، فما لبثت الخلطة أن أصابت الفكر المعتزلي بعدوى التخريص فأخذ في الطعن على الوحي ابتداء من القول بخلق القرآن، وذاك مذهب يهواه بعض معاصرينا الفلاسفة المؤخرين الذين يعتبرون القرآن تراثا عتيقا يستحق كل تمجيد كما تستحق المخلفات الموروثة، شريطة أن يبقى على رفوفه، ولا بأس أن يكون ترنيمة يتلهى بترديده الغيبيون السذج.
ظهرت عبقرية العقل المسلم في ميدان العلوم فأثَّثَ حضارة رائعة، وتقدم في منهاج البحث والاختراع، حتى أصابته النكبة التي خنقت العقل في كل مظاهره.
وفي غد دولة القرآن نواجه عالما يؤله العقل وينكر الوحي. بلغ العقل أوْجَهُ اليوم. وشقيت الإنسانية بقيادته ومخترعاته: إنتاج واستهلاك، نمو اقتصادي لا حدود له، إنسان دابة على الأرض لا غاية له، ألف مليار دولار سنويا لإنتاج الأسلحة، خمسمائة مليون نسمة في العالم تتضور وتموت جوعا، خمسون مليون طفل في العالم يموتون مرضا وفاقة كل سنة. على رأس كل نسمة بشرية في الأرض ما يعادل خمسة أطنان من المتفجرات على شكل قنابل وصواريخ نووية. مجتمعات متخمة وأخرى منهوبة. تلك متعلمة آمنة، وهذه مجهلة تخوض حروبا يدبرها ويمولها ويسلحها الأسياد. والعالم غارق تحت سيل من الدعاية للعقلانية وحضارة العقلانية. العقلاء من القوم يولون وجوههم شطر الإسلام عسى نفحة من الوحي تعيد الأمل للإنسانية المعذبة بعقلانية العقل الزائغ عن وظيفته.
القرآن يجب أن يكون البرهان على مكان العقل بين المخلوقات. للعقل وظيفة مرسومة يجب أن ينشط فيها كل النشاط. له حدود معلومة لا يتعداها إلا حصد الإنسان الوبال.
فكيف تتصرف دولة القرآن مع العقل، وأية مجالات تفتح له، وبأية وسائل تراقبه؟
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #8
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

إحسان
إن هذه الجوهرة الثمينة التي أودعها الله سبحانه في الإنسان وسميت العقل كائن لا يخضع لمراقبة من خارج. يمكن إخماد أنفاسه بقهر الناس وإماتتهم، لكن مراقبته وتحديد حريته تفضي به إما إلى تمرد وثورة أو إلى سكون وذبول فموت. فما يبقى إلاَّ مُراوَدَتُهُ بالإقناع حتى يتجاوز العتبة التي في أسفلها يكون خادما للهوى المتجدد والنزعات المتلونة، ومن فوقها يتنفس نسيم الإيمان ويصبح عبداً للرحمان.
يقترن ذكر العقل في القرآن بذكر القلب. قال الله تعالى: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ [1]. فنفهم أن من الناس من يعقل بالهوى، ومنهم من يعقل بالقلب.
القلب المومن هو الذي يعقل عن الله. العقل المُعتبر شرعا هو وظيفة قلبية تابعة للإيمان. وفي هذا يكون خلاص العقل من رِبْقة الهوى. معنى هذا بلغة العصر أن العقل بلا غاية تتجاوز الإنسان، وبالتالي تتجاوز العقل الإنساني المعاشي والمصلحة المباشرة والكون المنظور، يبقى فراشة تحترق حول ينابيع المعارف الكونية محجوبا عن مصدر الكون ومعارفه. وهو الله الخالق جل جلاله.
تجد العقلانية تفرض في الفيلسوف المُخرِّص والعالم الباحث صرامة المنهجية، وحياد العقل، وتحري النتائج المنطقية حسب المنطق المختار. وتفرض خاصة عزل العقل عن العاطفة. ومن تلك الصرامة وهذا العزل تولدت الحضارة المتحجرة اللا إنسانية التي يُسيطر بأسها على العالم اليوم. العقل غاية لنفسه، يتأمل ذاته بإعجاب وغرور في استدلالات الفيلسوف ومخترعات الباحث. ولا يبقى وقت ولا مكان ليسأل العقل نفسه من أنا ومن أين جئت وفيم كل هذا؟ ما خرج العقل العقلاني من تأمل الكون بدرس الذين يعقلون العقل المطلوب. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [2].
الكون آيات وعلامات، والعقل آلة زائغة فاشلة إن اشتغلت بالأثر عن المؤثر، ووقفت عند مظاهر الخلق، تقبل ببلادة التفسير العقلاني الذي يقول إن كل هذا لا معنى له. فمن يزعزع العقل المتحجر على ماديته من هذه المواقع المحصنة؟
الجواب أن دعوة الرسل وخطاب الله عز وجل عباده في القرآن يعتمدان على إثارة كوامن الإنسان التي خلقها سبحانه قبل العقل ومن وراء العقل وفوق العقل في طيات الكائن البشري حتى يميل المعنى الإنساني المسمى قلبا إلى "سماع" الحق. وكلمة "سمع" في القرآن أساسية. فهي في القرآن مفتاح القلب ومدخل الإيمان. وهي في القرآن كثير. قال الله عز وجل: ﴿ إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ [3]. على العقل أن يجالس القرآن والداعيَ ويتلمذ له و"يسمع". فالسماع بهذا المعنى القرآني هو مصدر العلم. ثم يتسرب الإيمان للقلب، ويتسع القلب ليكون وعاء صالحا لاستيعاب القرآن ورسالة القرآن.
كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول: "أوتينا الإيمان قبل القرآن"، يخاطب جيلا لم ينزل القرآن فيهم وإنما نزلوا هم بعد نزول القرآن. فيقول: "وأنتم أوتيتم القرآن قبل الإيمان، فأنتم تنثرونه نثر الدقل". أخرجه وصححه الحاكم رحمه الله. والدقل رديء التمر.
العقل الفطري الذي تفتح فسمع بسماع القلب، وآمن بإيمانه، يَسْبِقُ إليه تعظيم المتكلم بالقرآن، وتصديق المبلغ للقرآن، فيهتدي. أما الذي استعرض صفحات المصحف، أو سمع سماع المتكئ، أو "قرأ" قراءة الفيلسوف المؤرخ، فالقرآن عنده بضاعة كسائر البضائع الكلامية. يستهين به كما عبر الصحابي الجليل.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" . أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي رحمهم الله. وأثنى الله سبحانه على المحسنين في كتابه فوصفهم بأنه يحبهم، وأن رحمته قريب منهم، وأن لهم عنده الجزاء والأجر، وأنه سبحانه لا يضيع أجرهم، وأن كتاب الله الحكيم هدى ورحمة لهم كما قرأنا أول العنوان من سورة لقمان.
الإحسان درجة فوق الإيمان، والاهتداء بالقرآن والاسترحام به والاستدلال بآياته الحكيمة وآيات الله في الكون لا يحق لنا منه نصيب إلا بمقدار ما معنا من إحسان. أي من تعلق بالله جل جلاله واستماع لكلامه مستحضرين من يخاطبنا وما يريد منا وما يريد بنا وإلى أي مصير يصيرنا. وبهذا يكون محور حياتنا هذا الموقف الإحساني، وتكون قبلتَنا الله جلت عظمته، ويسارع العقل لإسعاف كياننا العام في عبوديته لله وحده لا شريك له. وبالإقناع الدعَويِّ فقط يمكن للعقل أن ينتقل هذه النقلة لا بالإكراه والمراقبة. الإقناع الدعوي يبدأ بصحبة في الله.
ثم إن القرآن خاطب المومنين عامة -والمومنون على درجات من الإحسان متفاوتة- بالتكاليف الشرعية. فإذا كان من يقرأ القرآن أو يزعم أنه يحكم بالقرآن وقلبه خاو من الإيمان فلا يعدو زَعْمُه وقراءته أن يكونا ثوبَيْ زور ملفقين على دخائل النفاق والاستهزاء بكتاب الله.
يعني هذا أن ركائز دولة القرآن لا يمكن أن تكون ضرورة سياسية، ولا احتراما للتراث، ولا اقتناعا بجدوى المذهب الاقتصادي السياسي الاجتماعي للقرآن، ولا قهرا على رقاب الأمة باسم القرآن. إنما عماد دولة القرآن الإحسان، أي موقف جماعة المسلمين من ربهم موقف العبيد المطيعين. شمولية العبودية التي لا تبعض فتشرك بالله وأمر الله جزئية في الحاكمية، أو التشريع، أو الأخلاق، أو الفكر، أو الاقتصاد، أو السياسة، أو النظام الاجتماعي. عبودية لله شاملة، لا شمولية إديولوجية تستعبد الإنسان.
لا يمكن هنا أن نتخطى سؤالا يطرحه العصر على المسلمين. وهو: كيف تتصورون شموليةً لا تصب مجتمعكم الإسلامي باسم الإسلام وشمول شريعته في مسار الظلم واحتكار السلطة واستعلاء الحاكم على المحكوم واستعباد الإنسان في الداخل والعدوان عليه في العالم؟ كيف تتجنبون شمولية ظلم الحكم الشيوعي الذي يحتكر فيه الحزب كل ما تقوم به حياة الناس باسم شمولية المذهب؟ عن هذا السؤال وأمثاله يجيب هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
[1] الحج: 46
[2] البقرة: 164
[3] الأنعام: 36
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #9
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

السنة وحي من الوحي
عندما تعرض سجلات التاريخ البشري على الباحث فيقارن، يجد لا محالة في تاريخ الإسلام على عهد الملك العاض والجبرية نصيبا من الظلم الداخلي لا ينكره إلا من لا يحب أن يعطي للكلمات معناها في الحديث النبوي وللأحداث التاريخية اعتراف الإنصاف. ومع استغراق حكم العض والجبر معظم تاريخنا، فصفحات تاريخنا أقل قتامة بما لا يقارن من تاريخ البشرية العام.
الذي ينفرد به الإسلام هو الشهادة التاريخية، المتمثلة في السيرة النبوية وفي الخلافة الرشيدة، ثم بعدُ في ومضات تاريخية هنا وهناك، بأن القرآن قابل للتطبيق، وبأن دولة القرآن ليست مثالا حالما تمخضت عنه الفلسفة الأرضية كما تمخضت عن المذاهب الفكرية، حتى إذا وقفت المذهبية على أرض التطبيق أسفرت عن ثغرات تملأها رؤوس الملايين من البشر وآلام الشعوب وأنين المقهورين وبؤس الإنسان.
مذاهب شمولية أرضية فلسفية، مثل الاشتراكية العلمية في زعمها، تكون على الورق وفي خطاب المناضلين وحماس الجماهير المظلومة أملا رائقا. ويعتمد المناضلون على غضب الناس على الظلم الحاضر ليعبئوا الإرادات في طلب مستقبل العدل والحرية والكرامة. ابحث بعد انتصار الطليعة واحتلالها مناصب الحكم عن تلك الأحلام الأولى وعن تلك الوعود الخلابة. اسأل التاريخ عن دعوة بشرية، وعن دولة بشرية، تحقق فيهما رخاء الإنسان وسعادته. ربما تشير الأصبع بعد تردد إلى عصر ذهبي استقر فيه الأمر لملك أو إمبراطور بنى الأهرام على الجماجم، أو قاد الجحافل ودوخ البلاد، أو فسح للفنون والآداب. وينفرد الإسلام وحده بتلك الصفحة السماوية من تاريخ الأرض، يَحتفظ بها كل مسلم ذكرى حية. هي صفحة النبوة ثم الخلافة على منهاج النبوة. انتظار الأمة للإمامة المهدية إنما هو انعكاس تلك الصفحة على مرآة الأمل، يؤيد إخبار السنة النبوية بعودة الخلافة على منهاج النبوة بعد عهود العض والجبر ذلك الأمل. وتحفز الصحوة الإسلامية اليوم حادِيَ الانجذاب لتجديد مثال تحقق في التاريخ ويمكن أن يعاد تحقيقه. بل يتأكد تحقيقه بإذن الله كما قرأنا في حديث الخلافة الثانية. وفرق ما بين الصورة الإديولوجية الفلسفية للمجتمع الفاضل وبين التركيب الإلهي أن تلك موكولة لقدرة البشر على حبك نظام المجتمع على غرار الصورة المتخيلة، بينما يصحب التوفيق الإلهي سعي المومنين. وكان التوفيق والعصمة رائدي السيرة النبوية.
كيف نتلافى أخطار شمولية تخنق الإنسان كما فعلت دولة الإديولوجية؟ كيف تكون خلافة على منهاج النبوة كما جاء الوعد لا استمرارا للملك الجبرية ولا تكرارا للملك العاض؟
الجواب في أن تنزل القرآن من عالم الأحكام إلى عالم الواقع إنما يتم على يد بشر. فحين كان القرآن دستور قيادة رباها القرآن، وكان به لا بغيره الفرقان، وكان هو على غيره البرهان، وكان طابع الجماعة الإيمان والإحسان، نشأت دولة القرآن امتدادا بين الأرض والسماء، تشد وحدتَه وتصونه أن يزيغ العروةُ الوثقى. فكذلك الخلافة الثانية لن تتحقق بمجرد أن الناس فهموا الأحكام القرآنية وكتبوها وتحالفوا على تطبيقها. نجاحهم في تجديد الخلافة لا يتوقف على ذكائهم وإن كان الذكاء من أهم الفضائل، ولا على ضبطهم التنظيمي وإن كان التنظيم قوة واجبة، ولا على أجهزة تُحاذي ما كان في دولة الخلافة الأولى وتحاكيها. إنما ينجحون بمقدار ما معهم من خُلُق القرآن وفرقانه وبرهانه وإحسانه.
ثم إن الأنظمة الفلسفية التي بنيت عليها الدول الفكرية صيغت صياغة تساعد على أن تحتكرها "نخبة" مثقفة قادرة وحدها على فهم النص وتأويله. كانت الكنيسة النصرانية ولا تزال محتكرة للفهم والتأويل. وكذلك الكنيسة الاشتراكية العلمية في زعمها[1]. فلذلك ثار العقل ضد الكنيسة لما شب عن طوقها، ولفظها ولفظ معها دين النصرانية. ولذلك تحكم الدول الشيوعية طبقة لا تسمح لأحد أن يشاركها في العلم ولا تأويل النصوص المذهبية، وتُسكت كل نأمَة تَنْشُد الحق. أما القرآن فخطاب الله لعباده، خطاب مباشر لا يصح أن يحتكره محتكر، ولا أن يحرم من تعلمه والقيام بحقه طالب. ولكل مومن ومومنة الحق وعليهما الواجب أن لا يطاع مخلوق في معصية الخالق. والنموذج الحي الخالد هو السنة المعصومة في نطقها كما هي معصومة في تطبيقها التاريخي على عهد النبوة. صلى الله على محمد وآله وصحبه.
[1] كتبت هذا قبل انهيار الشيوعية وتمزق إمبراطوريتها وموت مذهبها. (ملاحظة سنة 1410)
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-01-2011
  #10
عمرأبوحسام
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرأبوحسام
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 47
معدل تقييم المستوى: 0
عمرأبوحسام is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في القرآن والنبوة:

أمرهم شورى بينهم
ما من نظام اجتماعي فكري مُتطور إلا يضع في مثالياته النظرية حق الناس في حكم أنفسهم بأنفسهم. لهؤلاء ديمقراطية تعددية، ولأولئك ديمقراطية مركزية، وبين الفريقين طائفة الديمقراطية الاشتراكية. وكأن المذاهب الفكرية سبقت الطبيعة البشرية فوضعت لها حدودا تكف الناس عن التظالم والتآكل. وكأن هذه المذاهب حين أدرجت في نظمها حق الناس في حكم أنفسهم جعلتها جامعة مانعة. وعند التطبيق، عند الانتقال من القانون إلى الواقع، يظهر قصور النظرية عن استيعاب الطبيعة البشرية وإمكاناتها، لا مكان في هذه الأنظمة لشيء زائد عن المصلحة الدنيوية المادية. فإذن لا حديث فيها عن التربية الخلقية إلا بمقدار ما يلزم للمواطن أن يكون صالحا أو رفيقا أو مناضلا. فصلاحية المجتمع الرأسمالي أن يكون المواطن نشيطا منتجا حاذقا ماهرا في تحصيل الربح إن كان مالكا، ماهرا في الدفاع عن الأجر وظروف العمل إن كان عاملا. وهكذا. وفي المعسكر الآخر صلاح الرفيق أن يسمع ويطيع ويخلص للحزب ويكدح كالعبد في خدمة آلة الدولة وكبرائها من الطبقة الحاكمة. هنا وهناك ديمقراطية. الواحدة منهما ترخي العنان في نطاق قانون الغابة الرأسمالية، والأخرى تشده شدا منكرا في وحشية غابوية. فإذن لا هي جامعة ولا مانعة تلك الأنظمة والمذاهب.
اسمع كيف يصف الله عز وجل شورى المسلمين، وكيف وردت في سياق إيماني لا يفصلها شيء عن الشرعية الكلية التي تحرر الإنسان من بغي الإنسان حين تجعله عبدا لله وحده لا شريك له. قال تعالى: ﴿ فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ﴾ [1].
لا إله إلا الله، ما عند الله خير وأبقى. فمن هذه الزاوية ينظر المومن لأمر الدنيا، ومنها يعالج المومنون أمرهم بالشورى وقد تطهروا من الآثام والفواحش. ولمكان ما عند الله في قلوبهم يغفرون إذا غضبوا. ولنفس السبب ينتصرون على البغي ولا يقبلون الظلم.
سياق جميل؛ لكن هل تجسد هذا في التاريخ؟ نعم، وهذه خاصية الإسلام أنْ جاء مع القرآن الشاهد التاريخي: السنة النبوية والخلافة الأولى.
عمرأبوحسام غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دراسات في التصوف ، الغوث الجامع: عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:16 PM
دراسات في التصوف، في الرحمة و الرأفة عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:13 PM
3.دراسات في التصوف : الختم و الكتم عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:12 PM
دراسات في التصوف ، في المعرفة : عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:04 PM
دراسات في التصوف عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 02:57 AM


الساعة الآن 11:10 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir