أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة           
العودة   منتديات البوحسن > اسلاميات > مقالات مختارة

مقالات مختارة اخترنا لكم في هذا النادي مما قالوا ومما كتبت الصحف لنضع بين ايديكم باقة من المواضيع المميزة والهادفة

إضافة رد
قديم 07-31-2012
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي منهج العلماء الربانيين في مواجهة الأزمات


د. نصوح الشامي
أكتب هذه الكلمات لكلّ عاقل يريد أن يتبيّن كيف يتصرّف العلماء الحكماء في أعقد الظّروف وأصعبها، وكيف يقودون سفينة الأمّة في المحن ليخرجوها إلى برّ الأمان .. وأكتبها ليعلم الناس أنّ أعظم الأبطال ليس هو الذي يقدِّم روحه ليقتل في سبيل حقّه ومبدئه، ولكنّه ذاك الذي يستطيع أن يسلك بالناس السبيل الآمنة، فيحقن دماءها ولا يفرّط فيها ولا في أعراضها ولا أمنها، نعم إنه ذاك الذي يستطيع أن يخرج الناس من المعضلات شبه مستحيلة الحلّ بأقلّ الخسائر.
بسم الله الرحمن الرحيم
تعالوا بنا لنتعرّف على المنهج الربّاني في التعامل مع الأزمات، من خلال مواقف عالم ربّاني مجاهد مجدِّد، محقِّق زاهد، من بقيّة السّلف الصالح، ادّخره الله تعالى للمتأخّرين ليبقي به معاني النبوّة، إنّه بديع الزّمان سعيد النورسي رحمه الله تعالى[1].
لقد عاش الأستاذ النورسي في أحلك الظروف وعاصر أعنف محنة المسلمون في تركيا .. فقد منعت الكتابة بالحرف العربي، كما منع تدريس الكتب العربية، وحظر على الناس تعليم القرآن الكريم لمن هم دون سنّ الثانية عشرة، بل منع الناس من الأذان بالعربية، وحتى الصلاة ألزم الطغاةُ الناس بقراءة الترجمة التركية لمعاني القرآن فيها، ومنعوا من قراءة القرآن الذي أنزل على سيّدنا محمد صلى الله عليه وسلّم كما أنزل، وكان مخطّطاً أن يُقضى على الإسلام في تركيا بتحالف بين الحلفاء والنظام الجمهوري المستبدّ .. في هذه الظروف عاش النورسي، وكان عليه أن يخوض معركة الإيمان في وجه الكفر.
اندلعت ثورات عِدّة في الولايات الشرقية ضدّ هذا الاستبداد الرّهيب والكفر المظلم، كان أهمّها ثورة الشيخ سعيد بيران (البالوي) رحمه الله .. وقد طلب من الأستاذ النورسي استغلال نفوذه لإمداد الثورة، ولكن الأستاذ رفض المشاركة، وكتب إليه رسالة جاء فيها:"إنّ ما تقومون به من ثورة، تدفع الأخ لقتل أخيه، ولا تحقّق أية نتيجة .. فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام وضحّت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء؛ فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يُستلّ السّيف على أحفاد الأمّة البطلة المضحّية للإسلام .. وأنا أيضاً لا أستلّه عليهم[2]".
كان حسين باشا - وهو شيخ عشيرة حَيدَران، في منطقة (وان) إحدى ولايات شرق الأناضول (كُردستان) وقد كان بينه وبين الأستاذ النورسي عقد أخوة أخروية - معظّماً لأهل العلم، مجاهداً بطلاً، أبلى بلاء حسناً في جهاد الرّوس وكبّدهم خسائر فادحة؛ فرفعته حكومة الاتّحاد والتّرقّي إلى رتبة (ميرالاي) أي أمير اللِّواء .. جاء حسين باشا هذا مرّة لزيارة الأستاذ النورسي، ودار بينه وبين الأستاذ حوار ذو مغزى عميق، طلب حسين باشا من الأستاذ أن يخرج من عنده من التلاميذ حتى يستشيره في أمرٍ هام، ولكن الأستاذ رفض إخراجهم، وقال له: لا يمكن .. فهؤلاء جزءٌ من كياني، لا يفارقوني .. قل ما عندك.
قال له حسين باشا: سيّدي، أرجو أن تأذن لي بالعصيان (مع الشيخ سعيد بيران) فنحن مستعدّون .. فرفض الأستاذ أن يأذن له، قائلاً: لمَ تقومون بالعصيان؟ إن كان لزيد وعمرو ذنب؛ فما ذنب غيرهما .. بل ستُراق دماء المسلمين.
قدّم حسين باشا للأستاذ مسوِّغات الخروج، والضّرورة التي ألجأتهم إلى هذا الخيار المرّ فقال: لقد أهلكَنا الرّوس وقتلونا وأبادوا أموالنا وذرارينا، بينما ظلّ شرفنا مُصاناً دون أن يمسّه أحد .. ولكن الآن أصبح ديننا مهدَّداً، وشرفنا معرَّض للهتك. فأذنْ لنا بالعصيان، فجنودنا المشاة والفرسان على أُهبة الاستعداد.
وبعد أن أوضح الأمر والحوادث المؤلمة، والأستاذ مطرق ومستغرق في التفكير، رفع الأستاذ رأسه وقال له بكلّ لطف ولين بيتاً من الشّعر لشاعر صوفي كبير، هو الشيخ أحمد الجزري رحمه الله، يقال أنّه أعظم مَن أشعر باللّغة الكردية، وترجمة هذا البيت هي: (منهم من يرجع من طريق الكنيسة، ومن من يعود إلى معبد اليهود فيتهوَّد، أمّا أنا فلست من هؤلاء ولا من هؤلاء).. ثمّ قال له: فأنا لست منكم ولا منهم.
قال له حسين باشا: لقد أوهنْتَ عزيمتي وضعّفتَ همّتي، فلو عُدْت إلى عشيرتي سيقولون، جبن الباشا؛ فتخلّى عن العصيان.
قال الأستاذ بحزم: نعم. وليقولوا: جبن وخاف، ولا يقولوا أراق الدّم.. وعندما استودع الباشا الأستاذ، كرّر عليه الأستاذ ثلاث مرّات: لا تُرِق الدَّم يا باشا.. لا تُرِقْ الدّم .. لا ترق الدّم. وعاد حسين باشا إلى عشيرته وفرّق قوّاته، لذا لم تحدث أيّة حادثة في منطقة وان"[3].
· يلاحظ أنّ ثورة الشيخ سعيد بيران كانت جهاداً مشروعاً، وأنّ طلب حسين باشاً أيضاً كان مشروعاً، فقد كانت الشروط الشرعية للخروج متحقّقة، لما يأتي:
1 – أنّ الحاكم ومَن حوله من حاشيته المقرّبة تلبّسوا بالكفر البواح.
2 – أنّ دافع الخروج عند الرّجلين ومن على شاكلتهما كان الغيرة على الدّين، وليس أي غرض دنيوي .. ذلك أنّ ما رأوه من الخطر الذي يتهدّد دينهم – الذي هو أسمى شيء وأغلاه عندهم - أنساهم كلّ شيء آخر، حتى الحرية، بل حتى لقمة العيش.
3 – توفّر القيادة، فقد كان الذين تبنّوا قيادة الجهاد معروفين بأعيانهم، وموثوقين، فالشيخ سعيد وحسين باشا كانا معروفين بصلاحهما وصدقهما.
فلماذا اتّخذ الأستاذ النورسي هذا الموقف السّلبي، ولم يدعم أيّاً من الرّجلين؟!.. وأيّ المواقف كان صواباً، ومحقِّقاً لمصلحة الدين والدّنيا معاً؟.
· لمعرفة أسباب اتّخاذه هذا الموقف نقتطع بعض عباراته ونتناولها بالتّحليل:
1 – "لمَ تقومون بالعصيان؟ إن كان لزيد وعمرو ذنب؛ فما ذنب غيرهما .. بل ستُراق دماء المسلمين".. معنى هذا الكلام هو، إذا كان مصطفى كمال أتاتورك حاكماً مستبدّاً مجاهراً بمعاداته للدّين وشعائره وأهله، وكان معه حفنة ممّن هم على شاكلته في معاداة الدّين، وكانوا يرتكبون الجرائم والفظائع، فما ذنب الجيش الذي تحت إمرته، إنّهم مجبرون على أداء الخدمة الإلزامية، وهم ليسوا راضين بما يصنعه قادتهم المجرمون، ولكن ما حيلتهم؟! .. لاحظ أنّ الأستاذ النورسي لم يسمِّ هؤلاء الجنود أعوان الظّلمة، ولم يُجِز قتلهم .. وكيف يكون الواحد منهم من أعوان الظلمة، وهو لو وجد سبيلاً لفرار آمن لسلكه، ولو استطاع أن يتحرَّر من سلطانهم لما توانى، ولكن ما ذنبه إن لم يجد حيلة.
2 - " إنّ ما تقومون به من ثورة، تدفع الأخ لقتل أخيه، ولا تحقّق أية نتيجة" هذا ما قاله الأستاذ النورسي للشيخ الشهيد سعيد بيران .. أجل إنّ المعركة ليست بين معسكرين متمايزين، معسكر كفر لا إيمان فيه، ومعسكر إيمان لا نفاق فيه؛ لأنّ الجيش النّظامي الذي تريدون أن تقاتلوه إنّما هم أولادنا وإخواننا، وليسوا من بلاد أخرى، فقد يقتل الأخ أخاه؟!.
كما أنّه لا يحقّق أية نتيجة!! .. أليس وضعنا اليوم في سورية مصداقاً لهذا الكلام النظري الذي يقوله الأستاذ النورسي؟.
نعم لا يُنكر أنّه كان هناك تضييق كبير على الناس في سوريا، وبخاصّة على أهل الدين، ولكن الأمر لم يصل إلى درجة الكفر البواح الذي لا يحتمل التأويل .. فما الذي جنيناه من قيامنا في وجه الحاكم؟ .. أليس كلّ يوم يمرّ تنكب فيه مائة أسرة، وتثكل عشرات الأمهات، وترمّل عشرات النساء، وييتّم مئات الأطفال .. بأيدي مَن؟، أليس بأيدينا؟! .. وما هو أدهى وأمرّ من هذا – وهو لا يدخل في حساب أكثر الناس اليوم – أنّه كلّ يوم ينزل المزيد من سخط الله تعالى لقتل الأبرياء، ويوجّه العشرات من الذين يقتلون أولئك الذين لا يستحقّون القتل إلى جهنّم؛ ليلقوا لعنة الله تعالى وغضبه وما أعدّ لهم من العذاب الأليم، أجل. كل يوم يمرّ تحجز أماكن لأفواج من أبنائنا في جهنّم .. ما ذنب أفراد هذا الجيش – وهم مسلمون وأبناء المسلمين - حتى نلجئهم إلى خوض معركة، أعظم نصرٍ فيها هو أعظم هزيمة!! .. أجل إنّها معركة الخيارات الصّعبة الخاسرة، أفراد الجيش النظامي بين خيارين أحلاهما مرّ؛ فهم إمّا أن يمتنعوا عن تنفيذ أوامر قادتهم الظالمين؛ فيقتلهم قادتهم، وإمّا أن يستجيبوا لأوامرهم فيقتلوا المسلمين الثائرين من أجل دينهم، فيقعوا تحت طائلة قول الله تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً} النساء93.. ما ذنب هؤلاء حتى يوضعوا بين هذين الخيارين؟!.
سيقول البعض: إنّ هذا ذنبهم، لماذا يقتلون الناس، ولماذا يعينون الظالم على ظلمه؟ .. ولكن ألا نعلم أن الذّنب ذنبنا، ألسنا نحن السبب، إنّنا لو ربينا أولادنا على الخوف من الله تعالى، وزرعنا فيهم الإيمان وسقينا بذرته فيهم بماء العلم والتقوى، لعلموا ما معنى أن يعتدي الإنسان على أخيه الإنسان، ولعلموا ما للإنسان من الكرامة عند الله تعالى، وإذن لما اعتدى أحد على أحد، ولفضّل الواحد منهم أن يقطّع مِزَقاً على أن يعين - ولو بالكلام - على قتل بريء، فضلاً عن أن تتلطّخ يده بدمه، هل سمع أولادنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "مَن أعان على قتل امرئ مسلم ولو بشطر كلمة؛ جاء يوم القيامة مكتوبٌ بين عينيه آيسٌ من رحمة الله" أي يائس من رحمة الله .. هل عاش أولادنا مع قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "من اقتطع حقّ امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة" أليس الذي يفهم هذه المعاني معذوراً إذا دعا الناس جميعاً إلى أن يتصالحوا؛ رغم كلّ الفظائع التي ارتكبت والتي تُرتكب؟ .. إذا كان قدر أفواج من الناس أن زجّت بهم الفتنة في نار جهنّم، أفلا نشفق على من لم يتورّطوا بعد، فنرحمهم ونمنعهم من الدّخول فيها.
ثمّ ما النتيجة؟ .. منذ أيام بدأت الاشتباكات في داخل دمشق وفي حلب .. يفرح بذلك أناس ويستبشرون بقرب النّصر، ويحلمون بالانفراج القريب، خصوصاً بعد قتل أفراد من خلايا الأزمة، ولكنهم يتغافلون عن المآسي التي يمكن أن تقع، أليس من الممكن، بل من المرجّح – لا سمح الله – أن تتحوّل دمشق وحلب أيضاً إلى الرّستن أو التلبيسة أو حمص أو إدلب أو دير الزور أو درعا، وأن يتكرّر فيهما مجازر أفظع من مجزرة الحولة والتريمسة وغيرهما؟ .. هب أن النظام سقط؛ فما الذي يبقى من البلد .. أليس هذا يذكّر بذلك التاجر الذي تسلّط على دكانه الفئران فعبثوا ببضاعته وأزعجوه، ثمّ كان أن اجتاح الطوفان دكّانه فأتى على كلّ ما فيها، ويبدو أنّه كان ظريفاً صاحب دعابة، فقال: الحمد لله أن تلك الصّولة لم تبقَ للفئران!.. أفهذا يسرّ صديقاً أو أيّ إنسان عاقل .. ماذا بعد أن يدمّر البلد وتذهب قوّته، ويصبح كالجسد الذي أثخنته الجراح، هل ينعم علينا الغربيّون بالحرية والدّيمقراطية؟، بل هل يتركوننا نضمِّد جراحاتنا؟، إنّ القوم – وعلى رأسهم سيّدتهم إسرائيل التي نهدم بلدنا اليوم لحسابها - ينتظرون لحظة التّدخّل، وها هم يختلقون ذريعته، وهي الأسلحة الكيماوية، فتارة يقولون إن النظام إذا فقد السيطرة على سورية؛ فإن الدّول الغربية قد تتدخّل تفادياً لوقوع هذه الأسلحة الكيماوية في أيدي عصابات إرهابية، وتارة يقولون إن النظام يقوم بنقل الأسلحة الكيماوية من أماكنها إلى أماكن أخرى، وأنّ ذلك خطر على أمن وسلم هذه البلدان .. وما هي إلا مقدِّمات للتدخّل الذي سيكون، ليس باسم الاستعمار، ولكن بغطاء عقلاني وقانوني.
3 – "نعم. وليقولوا: جبن وخاف، ولا يقولوا أراق الدّم.. لا تُرِق الدَّم يا باشا.. لا تُرِقْ الدّم .. لا ترق الدّم. هكذا يحرص العلماء الرّبّانيّون على حقن الدّماء، لذا فلا غرابة أن يمتنعوا عن المشاركة في قتال الكافر؛ إذا كان سيراق بسبب ذلك دم بريء، فكيف بدماء الألوف؟.. ولا غرابة كذلك في أن يوجّهوا النصيحة برفق للحاكم الجائر الذي يقتل الأبرياء؛ إذا كان فيه تقليل للقتل .. ولا يبالون باتّهام الناس لهم بالجبن وبمساندة النظام، ولسان حالهم يردّد قوله تعالى:"وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ".
4 – يلاحظ أنّ حسين باشا حين ودّع الأستاذ النورسي قبّل يده، وحين رجع إلى قومه المتأهّبين للعصيان والدّخول في المعركة ضدّ الحكم الكافر، وأبلغهم كلام الأستاذ تلقَّوه بقلوبهم، ووضعوه فوق رؤوسهم، ولم يخوّنه أحد، ولا اتُّهِم بأنه من فقهاء السلطان، ولا أنّه من أعوان الظلمة .. إنّ من حسن حظ أولئك الناس أنّه لم يكن لديهم الإنترنت وصفحات الفيسبوك، التي يكتب فيها الصادق والكاذب، والمصلح والمفسد، وصارت هي التي تحرّك الشارع وتقوده، أجل لم يكن الناس آنذاك فوضويّين، ولا كانوا يتمرّدون على علمائهم وحكمائهم الذين عرفوا منهم الصِّدق طوال حياتهم، كما أن الأمور لم تكن بأيدي شباب صغار تعوزهم التجربة والخبرة بالحياة، وتتحكّم فيهم العواطف.
لقد أثبت الواقع أنّ الأستاذ النورسي ومن تبعه كانوا أهدى سبيلاً منّا، فقد حقنت بموقف النورسي أنهار من الدّماء، وبفضل دعوته العلمية الهادئة بقي الإسلام في تركيا غضّاً طريّاً، وذهب أعداؤه الجائرون إلى غير رجعة بإذن الله تعالى.


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] مرشد رباني جليل يعود الفضل إليه باستمرار الشعلة الإسلامية في تركيا وهو رائد النهضة الإسلامية فيها، في هذا المقال يتبين منهجه الذي غفل عنه الكثيرون اليوم حتى الذين يعدون أنفسهم من طلاب هذا المنهج المبارك.
[2] سيرة ذاتية: ص 208، ترجمة الأستاذ إحسان قاسم الصالحي.
[3] سيرة ذاتية: هامش ص 207-208
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 08-02-2012
  #2
فراج يعقوب
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,269
معدل تقييم المستوى: 16
فراج يعقوب is on a distinguished road
افتراضي رد: منهج العلماء الربانيين في مواجهة الأزمات

جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
__________________
اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الكوثر صلاة لاتعد ولاتكيف ولاتحصر ننال بها الرضوان الأكبر وجواره يوم المحشر وعلى آله وسلم
فراج يعقوب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 09-05-2012
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: منهج العلماء الربانيين في مواجهة الأزمات

وجزاكم كل خير
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-20-2013
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي منهج العلماء الرّبّانيّين في مواجهة الأزمات (2)

منهج العلماء الرّبّانيّين في مواجهة الأزمات (2)
كيف تأخّر سقوط دولة الإسلام في الهند مائتي سنة؟
د. نصوح الشامي
بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول علي الطنطاوي رحمه الله: "إنّ تاريخ المسلمين في الهند يشكّل ثلث التاريخ الإسلامي .. فقد فتح المسلمون بلاد الهند سنة 92هـ، واستمرت الهند إسلامية إلى سنة 1247هـ".
وهذا المقال يحكي قصّةَ فترة دقيقة وعصيبة جدّاً في تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند؛ فقد أوشكت الهند أن تنسلخ من دينها، وكان سبب ذلك أن الملك المغولي جلال الدّين أكبر بن همايون بن بابر مؤسس الحكومة المغولية في الهند - و"أكبر" هذا هو أكبر ملك عرفه تاريخ الهند - كان مسلماً ثم ارتد وعادى الإسلام والمسلمين عداءً شديداً، حتى يُروى أنّه كان لا يطيق أن يسمع اسم "محمد"، وأنّه كانت تثور ثائرته إذا سمع هذا الاسم الكريم، وأباح الخنزير والخمر، كما أصدر أوامره الشديدة بأنّ كل من يذبح بقرةً فإنّه يُقتل، وحرّم على رجال بلاطه أن يسمّوا أولادهم محمداً وأحمد.
في هذه الفترة الدّقيقة قيَّض الله تعالى لمواجهة هذه الفتنة رجلاً ربّانيّاً عظيماً، يعدّ من أعظم رجال الإصلاح في تاريخ أمّتنا الإسلامية، ذلك الرّجل هو الإمام الجليل أحمد بن عبد الأحد الفاروقي السّرهندي (971 - 1034هـ)، المعروف بالإمام الربّاني، وهو مجّدد الألف الثاني، وهو من كبار أئمّة التصوّف، ومن سادات سلسلة الطريقة النقشبندية.
أجل لقد ارتّدّ الملك "أكبر" عن الإسلام وجاهر بردّته وبمعاداته للإسلام، وعظّم شعائر الكفر والشّرك .. يقول السيّد أبو الحسن الندوي رحمه الله: "أقول لكم - أيها الإخوان - عن تجربة واختبار: إنّ الذي يرتدّ عن الإسلام يكون أكثر عناداً للإسلام، وأكثر معارضة للإسلام والمسلمين من الذين ليس لهم عهد بالإسلام، ومن أتباع كل ديانة، مسيحيّين كانوا أو يهوداً، وهذا الذي تشهدونه اليوم في بعض البلاد العربية والإسلامية، التي يحكمها الذين وُلِدوا في الإسلام ونشؤوا في بيت مسلم وفي بيئة مسلمة، ثمّ كرهوا الإسلام وأبغضوه لتأثير أجنبي أو بفعل ثقافة أو فلسفة، فهم دائماً أشدّ عناداً للإسلام من الهنادك والمجوس والمسيحيّين"[1].
وهكذا أصبحت الهند الإسلامية، مهدّدة في وجودها الإسلامي، فكيف واجه الإمام السّرهندي رضي الله عنه هذه المحنة؟.
الإمام السرهندي في مواجهة الفتنة: كان الإمام السّرهندي يحظى بالقبول عند المسلمين عامّة في الهند، فقد كان الجميع يسلِّمون له برسوخ القدم في العلم، وكان مع علمه الغزير من أئمّة التقوى المشهود لهم بالاستقامة والزّهد في الدّنيا، والتّحرُّق على الإسلام والمسلمين .. لقد كانت كلمة واحدة منه كافية ليهبّ الملايين من المسلمين، لخوض الجهاد ضدّ هذا الملك الذي ارتدّ عن الإسلام وتلبّس بالكفر البواح، ولكن الإمام لم يشأ أن يزجّ المسلمين في هذه المعركة الخاسرة، لأنّ الإمام الربّاني - وهو ذو القدم الرّاسخة في العلم والولاية، والعارف بأسرار التشريع ودقائق الأحكام - كان يعلم أنّ الشرع يأمرنا أن نوازن بين المصالح والمفاسد التي قد تترتّب على هذا الخروج، فرأى أنّ المفسدة التي تنجم عن الخروج ستكون عظيمة جدّاً، وستكون كارثية، بل رأى أن الخروج يعني الانتحار، فلم يوافق على أن يعارض الملك والحكومة بالسيف؛ لأنّ هذه الحكومة إذا ضعفت؛ فمعنى ذلك أنّ الهنادك سيستولون عليها، وأنّهم سيخلفون المسلمين في حكم الهند، فكان من الاحتياط ومن الحكمة وكان من السياسة ألاّ تضعف شوكة المسلمين المادية والعسكرية، فاقتصر على الدّعوة، واقتصر على الرّفق والحكمة.
نعم. لقد نهى الإمام السرهندي الناس عن القيام في وجه الحاكم الكافر؛ فانقاد جميع المسلمين في الهند لرأيه حبّاً وكرامة وثقة، وما تردّدوا - ولو للحظة - في خضوعهم للرّأي الذي أشار به عليهم .. لقد كان المسلمون آنذاك يتلقّون تعاليمهم من الكتاب العزيز والسنة المطهّرة، إذ كانا هما الموجّهين لأفكارهم وتطلّعاتهم وآمالهم، ولم يكن الموجّه الفضائيات، ولا نشرات الأخبار وتحليلات السياسيّين، كما أنّ قادتهم كانوا علماءهم الربّانيّين، وليس الفيسبوك وشبابه المجهول، الذي لا تتبيّن الصالح الذي يكتب فيه من الطالح الذي يبغي الفساد، نعم لقد كان المسلمون يعلمون أن العالم الربّاني يحسن الفهم عن الله تعالى، ويتكشّف له من الحقائق ما لا يتكشّف لغيره، وكانوا يفهمون معنى قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ) وقوله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) من الذي يؤمن بهذا الكلام الرّبّاني ثم يزاحم الإمام السّرهندي في الرّأي؟!.. فما الذي صنعه الإمام؟.
كان الإمام منعزلاً عن مركز الحكم، ولكن كان له اتّصال برجال البلاط والأمراء، يكتب إليهم الرّسائل البليغة التي تسيل عذوبة، وتشتعل ناراً في وقت واحد، والتي تعتبر من أقوى الرسائل الدعوية والإصلاحية في المكتبة الإسلامية .. لقد كان يثير فيهم غيرتهم الإيمانية، ويلهب فيهم جمرة الإيمان التي كانت مدفونة تحت الرّماد، فيزيل عنها التّراب، فيقول للواحد منهم: "أنت مسلم، والحياة عارضة، والملك لا يعيش دائماً، وهذا الحكم لا يدوم، اتّق الله في نفسك، واتّق الله في أمّتك، واتّق الله في بلادك" هذا كان دأبه على مرّ الأيام، حتى استطاع أن يجرّ إليه عدداً كبيراً من الأمراء والوزراء.
مات "أكبر" وانتهت أيامه، فخلفه ابنه "جهانكير" وكان أحسن حالاً من أبيه .. طلب جهانكير الإمام السرهندي لزيارته فذهب إليه، ولمّا دخل عليه لم يأت بالآداب والتقاليد التي كان يلتزم بها الوافدون على السلطان، فلفت بعض أبناء الدنيا - ممّن لا يخافون الله - نظرَ السلطانِ إلى أنّ الإمام لم يراع أدب الدخول عليه، ولم يأت بالتحيّة المعتادة للملوك، فسأله السلطان عن السبب، فقال: "إنّني لم أزل متقيّداً بالآداب والأحكام التي دعا إليها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولا أعرف غير هذه الآداب"، فغضب السلطان وقال: "اسجُدْ لي"!! .. فقال الإمام: "ما سجدت لغير الله قطّ، ولن أسجد لغيره أبداً"، فتغيّظ السلطان وزاد غضبه فسجنه .. فما الذي كان؟ هل ثار الشيخ ودعا الناس إلى الثورة على هذا الحاكم؟. لا، ولكنّه صبر على هذا الابتلاء لغاية أكبر... بيد أنّه لم يستسلم ولم يسكت، بل اتّخذ من السّجن ساحة للدّعوة، ليس للقيام في وجه الحاكم، بل لم يكن يذكر الحاكم أصلاً، ولكن للدّعوة إلى الله تعالى، فكان سجنه له خلوةً زادته زكاءَ نفس وسموّ روح وإشراق باطن، فشمّر هذا السّجين كسجين مصر عن ساعد الجدّ والاجتهاد والدعوة والإرشاد في أولئك المسجونين، الذين كانوا معه، ونادى وراء جدران السجن بأعلى صوته: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ) ممّا اهتزت له أركان السجن، وسُمع صداه في الخارج، فأسلم على يديه الآلاف من غير المسلمين، وصلح حال الآلاف من المسلمين، فترقّوا في درجات الولاية .. وكان من ثمرات دعوته هذه أن تأثّر بها الملك جهانكير نفسه؛ فأزال كثيراً من مفاسد أبيه، فحرّم الخنزير والخمر، وذبح البقر، وقرّب المسلمين وأقصى الهندوس، وأظهر شعائر الإسلام .. ثم مات الملك، فخلفه من بعده ابنه (شاه جهان) الرّجل الصالح العابد الخاشع، وتوفّي الإمام رضي الله عنه، فخلفه في الإرشاد والدّعوة ابنه النجيب، المتمّم لعمله والأمين على دعوته الشيخ محمد معصوم بن أحمد السرهندي (1007-1079هـ)، وله فضل كبير في تربية السلطان (عالمكير أورنك زيب) بن شاه جهان، الذي يُعَدّ من أكبر ملوك المسلمين، ليس في الهند فقط، بل في تاريخ الإسلام، وهو الذي دوّن "الفتاوى الهندية" وجعلها قانوناً للدولة، وهو الذي طبّق الأحكام الشرعية بدقّة وعناية، وحفظ القرآن الكريم، وجمع أربعين حديثاً وشرحها، وله عوائد والتزامات لا يقدر عليها كثير من العلماء والعُبّاد؛ فضلاً عن الملوك والسلاطين، هذا الرّجل قلب تيّار الحياة وأرسخ قواعد الإسلام في بلاد الهند وربط مصيرها بالمسلمين وبالعلم والدّين وأزال خطر زوال الإسلام وجلاء المسلمين، كما وقع في إسبانيا.
إنّ أول درس نقتنصه ممّا سبق وأعظم عبرة نأخذها هي، أنّ المسلمين ينبغي أن يرجعوا في الملمّات والدّواهي إلى علمائهم الرّبّانيّين .. ولعلّ قائلاً يقول إنّ العلماء كثيراً ما يختلفون، فكيف نعرف العالم الرّبّاني؟! .. ولا أظنّ أن الإنسان الذي يصدق مع نفسه يخطئ هذا العالم الرّبّاني، إنّ أول معيار - بعد العلم - هو الزّهد في الدّنيا، فإذا رأيت عالماً قادراً على أن يجمع المال ويسكن القصور ويمتلك المزارع ويركب السيارات الفارهة، ثم يعرض عن ذلك كلّه؛ فاعلم أنّه عالم ربّاني .. وإذا رأيت هذا العالم الزّاهد مخالطاً للسلطان ولا ينتفع منه بشيء فاعلم أنّه عالم ربّاني .. وإذا رأيته ينصح الحاكم برفق ولين، ولا يثور في وجهه؛ فلا تتّهمه بممالأة السلطان؛ لأنّ هذه هي طريقة الأنبياء مع الحكام الظلمة، ألم يقل الله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام حين وجّههما إلى فرعون (فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) وإنّك تعلم أن فرعون كان يذبّح أبناء بني إسرائيل ويستحيي نساءهم وأنّه كان يدّعي الرّبوبية .. وإذا رأيت العالم لا يلتفت إلى مديح الناس له و لا يكترث بشعبية؛ فاعلم أنّه عالم ربّاني .. ثمّ اعلم أنّ من حق المسلم على المسلم - أيّاً كان هذا المسلم، فضلاً عن يكون عالماً زاهداً - أن يحسّن الظنّ به .. فإذا رأيت من هذا العالم موقفاً يزجّ بك في الحيرة، فردّ موقفه الذي تراه من المتشابه إلى المُحْكَم من حاله وصفاته وتاريخه الطويل الناصع.
الدّرس الثاني: أنّه لا يكفي أن يكون العالم صالحاً حتى يُستفتى، بل لا بدّ أن يكون من أهل البلد الذي يستفتى بشأنه؛ لأنه أخبر به، فإذا رأيت الذي يتكلّم بشأن بلدٍ ما، ولا يبالي بمن فيها من العلماء؛ فاعلم أنّه ليس من هؤلاء الرّبّانيّين الذين يرجع إليهم، بل العالم الرّبّاني حقّاً هو الذي يوجّهك إلى علماء بلدك الصالحين .. قد سئل العالم الفقيه الأصولي عبد الله بن بيه حفظه الله عن الأوضاع في سورية مرّات؛ فكان جوابه أنّ علماء سورية هم الذين يتكلّمون في شأنها .. مع أنّك ترى أناساً متعالمين يتكلمون فيما يجري في سورية، وهم لا يبلغون كعب الشيخ ابن بيه لا علماً ولا حالاً.
الدّرس الثالث: أنّ الشأن العام يجب أن لا يتكلّم فيه غير العلماء الحكماء الرّبّانيّين، فما ينبغي أن نلتفت إلى الشباب ذوي العواطف الهائجة، ولا إلى علماء لا يحرصون على دماء الناس وأعراضهم، وليس لديهم من الحصافة والفطنة ما يصدّهم عن قول الكلمة التي تؤدّي إلى اشتعال البلد كلها ناراً على رؤوس الناس، كهؤلاء العلماء الذين يدندنون أحياناً حول كلمة الطائفية وأخواتها .. إنّهم لو تنبّهوا لعلموا أن التفوّه بهذه الكلمات في هذه الظروف يكاد يلحق بالكفر.
الدّرس الرابع: أنّه يجب على الناس أن يتحمّلوا المفسدة الأدنى لدرء المفسدة الأشد، فإّن الإمام السرهندي صبر على الكفر البواح، ودعا المسلمين في الهند إلى أن يصبروا عليه، لا رضاً به، ولكن من أجل ألاّ تذهب دولة الإسلام في الهند إلى الهندوس.. فكان ثمرة هذه الحكمة العالية أن امتدّ عمر دولة الإسلام في الهند مائتي سنة .. ليتنا نحن في سورية وغيرها اعتبرنا، أليست إسرائيل خنجراً مغروزاً في خاصرتنا، ألا نرى مسؤولي الأمن القومي والاستخبارات والسياسيّين الأمريكيّين والإسرائيليّين كيف ينشطون فيلتقون ويتباحثون بشأن سورية في هذه الأيام .. ونحن أنهكْنا جيشنا بل دمّرناه ودمّرنا أنفسنا وبلدنا بأيدينا .. إن الجيش كان جيش البلد، والحكام لا يدومون ولكن الجيش يبقى، نعم لقد كان جيشنا مع الأسف منحرفاً إلى حدّ كبير عن مهمّته، وشاعت فيه معاصٍ كثيرة، بل كان كثيرون من أفراد الجيش يمارسون الكبائر وأكثر منها، ولكن أحداً لا يرتاب في أنّ هذا الجيش ما كان ليتخلّف للحظة عن مواجهة إسرائيل، لو أنّها سوّلت لها نفسها أن تحاربنا.
الدرس الخامس: أنه ما ينبغي أن يكون تعويلنا كلّه أو جلّه على تغيير رأس الهرم السلطوي لجلب الصلاح، بل إن الذي يعوّل عليه أكثر هو صلاح حال الناس في المجتمع، من خلال التربية الإسلامية الصالحة، فقد لاحظنا أن الإمام السرهندي لم يتجه باهتمامه إلى الحاكم، بل توجّه إلى الناس ليهديهم إلى الله تعالى، لأنّه - رضي الله عنه - كان يعلم أنّ سنّة الله في المجتمعات الإنسانية تسير مع الأكثرية، فإذا صلحت الأكثرية صلح المجتمع بسائر مرافقه، بما فيه الحاكم، وإذا كانت الأكثرية فاسدة فهيهات هيهات أن يصلح الحال بتغيير الحاكم، ألم يقل سيّدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمّ سلمة رضي الله عنها حين سألته أنهلك وفينا الصالحون: (نعم إذا كثر الخبث).. لنكن صادقين مع أنفسنا .. كم كانت نسبة الباعة الأمناء في بلادنا، وكم كانت نسبة الموظّفين والمسؤولين الصالحين، وكم كانت نسبة الذين يؤدّون حقّ الله تعالى في أموالهم، وكيف كانت صلة الرّحم، وكم كان عدد المتخاصمين وكم عدد الدّعوات في محاكمنا؟ سيقول أناس كلُّ ذلك ذنب الحاكم، لأنه هو الفاسد وهو أفسدَ الناس؟ هب أن هذا الأمر فيه شيء من الصّحّة، ولكن أليس القسط الأكبر من الخطيئة على هذه الجماهير الغفيرة التي استجابت له، بل الحقّ أن الناس كان فيهم قابلية لا يستهان بها للفساد .. لقد قال عالم كبير من علماء الشام الصادقين يوماً: "إنّ العدو قد يتمكّن منك فيقتلك و يسلب مالك، ويجرّدك من ثيابك، ولكنه لن يستطيع بشكل من الأشكال أن يصل إلى قلبك فيفسد علاقة ما بينك وبين أخيك" .. وحقٌّ ما قال هذا العالم الجليل، فهل غشُّ بعضنا لبعض ووشاية بعضنا ببعض كان بسبب الحاكم، أم بسببنا نحن؟.
وبعد، فإذا علمنا أن سبب فساد حالنا هو فساد أنفسنا ورداءة تربيتنا وضعف علاقتنا مع ربّنا؛ فلنرجع إلى الأسباب الحقيقية للأدواء التي يعاني منها مجتمعنا، فلنعالجها، فإنّ الانشغال بها أولى من الانشغال بالعوارض الناجمة عنها.
حبذا لو أننا أخذنا من منهج الإمام السرهندي ما نستطيع به معالجة أزمتنا في بلادنا، بدلاً من سفك الدماء وإقامة جدار يحول دون هداية الآخرين بدافع العصبية وإثارة مشاعر الكراهية التي لم نجن منها سوى الخسائر والتراجع. (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً).

[1]من محاضرة للسيد أبو الحسن الندوي بعنوان" منهج أفضل في الإصلاح للدّعاة والعلماء".




__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
منهج الداعي الي الله بحكمه محمد الميانى المواضيع الاسلامية 0 10-13-2014 11:21 AM
هل نحن جادّون فى مواجهة الفكر التكفيرى؟ عبدالقادر حمود مقالات مختارة 3 06-11-2013 12:46 PM
منهج أهل السنة في عاشوراء عبدالقادر حمود المواضيع الاسلامية 2 11-25-2012 05:05 AM
التائية الكبرىِ المسماة بنظم السلوك الـــــفراتي الانشاد والشعر الاسلامي 1 01-05-2012 05:09 AM


الساعة الآن 04:11 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir