أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله           

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 04-06-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الشعاعات - الشعاع الثاني


الشعاع الثاني - ص: 5
بسم الله الرحمن الرحيم

الشعاع الثاني
الثمرة الاخيرة لسجن "اسكي شـهر"
الشعاع الثاني للمعة الحادية والثلاثين

لقد شاب هذا الشعاع شئ من عدم التناسق وسوء الانتظام حيث اُلّف بقلمي القاصر في منتهى السرعة وفي وضع كنت اُكابد فيه الضيق والعنت والازعاج، بعدما بتّ وحيداً فريداً في سجن "اسكي شهر" عقب الافراج عن اصدقائي.
وفي هذه الايام - اي بعد ستة عشر عاماً 1 - شرعت بتصحيحه، ووجدته في غاية الأهمية والقوة والقيمة من زاوية الايمان والتوحيد.
سعيد النورسي
_____________________
1 اي في سنة 1952 حيث ان سجن "اسكى شهر" كان في سنة 1936 - المترجم.

الشعاع الثاني - ص: 6
النكتة السابعة العظمى الخاصة بالاسم الاعظم "الله أحد".
وهي السابعة للنكات الست للاسم الاعظم.

تنبيه
هذه الرسالة في غاية الأهمية في نظري، حيث تنكشف فيها اسرار ايمانية جليلة ومعانٍ ايمانية دقيقة. فمن يقرأها بتدبر وامعان ينقذ ايمانه باذن الله. وحيث لا التقي احداً مع الاسف في هذا السجن لم تبيض ولم تكتب ثانية ولم اتمكن من ان اكلف احداً للقيام بتبييضها.
فان شئت ان تلمس مدى قيمة هذه الرسالة وعلو مزيّتها فاقرأ اولاً الثمرة الثانية والثالثة الموجودتين في بداية الرسالة، ثم اقرأ الخاتمة والمسألة التي قبلها بدقة، ثم طالع الرسالة كاملة مطالعة متأنية.


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
لقد احسست بهذه النكتة احساساً لطيفاً غاية اللطف وجميلاً غاية الجمال وحلواً لذيذاً غاية الحلاوة واللذة، وذلك بفيض أنوار نكتة باهرة مفاضة من الآية الكريمة (فاعلم انه لااله الاّ الله) (محمد: 19) وبإلهام وإشارة من قَسَم نبوي معروف.
هذه النكتة تضم ثلاث ثمرات للتوحيد، وثلاثةً من مقتضياته، وثلاثاً من حججه.
نعم، لقد كان الرسول الاكرم صلى الله عليه وسلم اكثر مايكرره في قَسَمِهِ: "والذي نفسُ محمدٍ بيده.." 1 فهذا القَسَم النبوي الجليل يبين أن اوسع دائرة من دوائر شجرة الكون،

_____________________
1 روى ابن ماجة عن رفاعة الجهني واحمد في مسنده (4/16): كان صلى الله عليه وسلم اذا حلف قال:(والذي نفس محمد بيده).


الشعاع الثاني - ص: 7
واقصى نهاية لها وأبعد فرع من فروعها هي ايضاً ضمن قدرة الواحد الأحد سبحانه وتحت ارادته جلّ وعلا، اذ لو كان افضل مخلوق واكرمهم وهو محمد صلى الله عليه وسلم غير مالك لنفسه وغير حرّ طليق في افعاله، بل افعاله وحركاته وسكناته مقيدة بارادة غير ارادته واختياره، فلا شئ اذن في الوجود، ولاشأن ولاحال ولاكيفية مهما كانت جزئية أم كلية، خارج دائرة تلك القدرة العظيمة المحيطة بكل شئ، ولاخارج تلك الارادة الشاملة كل شئ. فهذا القَسَم النبوي البليغ ذو المغزى العميق انما يعبّر عن توحيد ربوبية جليلة في منتهى العظمة والاحاطة.
ولقد بيّنا في مجموعة "سراج النور" 1 من رسائل النور، مائة من البراهين الباهرة، بل ألفاً منها حول اثبات هذا التوحيد، لذا نحيل تفاصيل هذه الحقيقة السامية واثباتها الى تلك المجموعة. الاّ اننا نوضح هنا في هذا "الشعاع الثاني" توضيحاً مختصراً تلك الحقيقة الايمانية الجليلة في ثلاثة مقامات.
ففي المقام الاول: نبين ثلاث ثمرات من الثمرات الوفيرة، لتلك الحقيقة التوحيدية التي لها ثمرات كلية في غاية اللطف واللذة والأهمية والنور. نبينها باختصار شديد، مع الاشارة الى أذواقي ومشاعري التي ساقتني الى تناول تلك الثمرات.
وفي المقام الثاني: تُوضح مقتضيات ثلاثة لهذه الحقيقة السامية، والاسباب الموجبة لها، فهي مقتضيات ثلاثة الاّ انها بقوة ثلاثة آلاف مقتضى وسبب.
وفي المقام الثالث: يُذكر ثلاث علامات لتلك الحقيقة التوحيدية الباهرة، فهي علامات ثلاث الاّ انها بقوة ثلاثمائة علامة وأمارة ودليل.

* * *
_____________________
1 مجموعة من رسائل النور هي: المناجاة، المرضى، الشيوخ، مراتب الآية الحسبية ، حكمة الاستعاذة، النوافذ، دفاع الاستاذ النورسي في محكمة "دنيزلي " واشراط الساعة وغيرها من المباحث المستلة من كليات رسائل النور. - المترجم -

الشعاع الثاني - ص: 8
المقام الاول
الثمرة الاولى
ان الجمال الإلهي والكمال الرباني يظهران في التوحيد وفي الوحدانية، ولولا التوحيد لظل ذلك الكنز الأزلي مخفياً.
نعم، ان الجمال الإلهي وكماله الذي لايحد، والحسن الرباني ومحاسنه التي لانهاية لها، والبهاء الرحماني وآلاءه التي لاتعد ولاتحصى، والكمال الصمداني وجماله الذي لامنتهى له، لايشاهد الاّ في مرآة التوحيد؛ بوساطة التوحيد ونور تجليات الاسماء الإلهية المتمركزة في ملامح الجزئيات الموجودة في اقصى نهايات شجرة الكائنات.
فمثلاً: ان إرسال اللبن الخالص السائغ الى رضيع صغير لايملك حولاً ولاقوة، ومن حيث لايحتسب، من بين فرث ودم، فعلٌ جزئي. هذا الفعل الجزئي ما ان يُنظر اليه بنظر التوحيد حتى يظهر الجمال السرمدي لرحمة الرحمن بأبهى كماله وبأجلى سطوعه في إعاشة جميع الصغار في العالم إعاشة خارقة، وفي احاطتهم بمنتهى الشفقة والحنان، بتسخير والداتهم لهم . ولكن هذا الفعل، فعل ارسال اللبن ان لم ينظر اليه بنظر التوحيد، لاختفى ذلك الجمال الباهر كلياً ولما ظهر قطعاً، إذ تحال تلك الاعاشة الجزئية كذلك الى الاسباب والمصادفة والطبيعة، فتفقد قيمتها كلياً بل تفقد ماهيتها.
ومثلاً: ما ان يُنظر الى الشفاء من مرض عضال، بنظر التوحيد حتى يتجلى جمال شفقة الرحيم تجلياً باهراً كاملاً على وجه إحسان الشفاء الى جميع المرضى الراقدين في المستشفى الكبير المسمى بالارض وإسعافهم بأدوية ناجعة وإغاثتهم بعلاجات شافية تؤخذ من الصيدلية العظمى المسماة بالعالم. ولكن هذا الفعل الجزئي - منحة الشفاء - المتسم بالعلم والبصيرة والشعور إن لم يُنظر اليه بنظر التوحيد، فان الشفاء يسند الى خاصيات الادوية الجامدة والى القوة العمياء والطبيعة الصماء. فتفقد تلك المنحة الرحمانية ماهيتها وحكمتها وقيمتها كلياً.
ولمناسبة هذا المقام وردت الى الخاطر نكتة لطيفة من نكات الصلوات على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ابيّنها هنا:
الشعاع الثاني - ص: 9
ان الصلوات الآتية مشهورة ومذكورة كثيراً لدى الشافعية، فهم يقرأونها عقب اذكار الصلاة: "اللّهم صلّ على سيدنا محمدٍ وعلى آل سيدنا محمدٍ بعدد كل داءٍ ودواءٍ وبارك وسلّم عليه وعليهم كثيراً كثيراً".
هذه الصلوات المباركة تحوز اهمية عظيمة؛ لأن حكمة خلق الانسان وسر جامعية استعداده هو الالتجاء الى خالقه الكريم والتضرع اليه والقيام بحمده والشكر له، في كل وقت وحين، بل في كل دقيقة وآن، لذا فان اقوى دافع مؤثر وسائق فعال يحث الانسان الى الالتجاء الى الحضرة الإلهية ويسوقه اليها هو الامراض والاسقام، مثلما أن انواع الشفاء وأجناس الادوية وألوان العافية والمعافاة هي في مقدمة النعم اللذيذة والآلاء الطيبة التي تبعث في الانسان الشكر لله بشوق كامل وتدفعه الى الحمد والامتنان له بكامل معانيهما. ولاجل كل ذلك غدت هذه الصلوات الشريفة على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ذات قيمة رفيعة ومغزى عميق.
حتى انني كلما قلت: "بعدد كل داء ودواء" شعرت بجلاء تام بوجود الشافي الحقيقي وبشفقته الكاملة ورأفته التامة وبرحيميته السامية الواسعة في احسانه الأدوية والعلاجات على جميع الامراض المادية والاسقام المعنوية في ارجاء الارض كافة التي اتصورها مستشفى واسعاً كبيراً.
ومثلاً: ان انزال سكينة الايمان في قلب من يعاني آلاماً معنوية رهيبة للضلالة اذا مانُظر اليه بنظر التوحيد، يجعل ذلك الشخص الفرد العاجز الفاني عبداً مخاطباً لمعبوده العظيم، سلطان الكون ورب العالمين، ويمنح له بذلك الايمان سعادة أبدية وملكاً خالداً جميلاً في منتهى السعة والجمال وداراً باقية خالدة، بل يجعل جميع المؤمنين - كل حسب درجته - ينالون من ذلك اللطف العميم والكرم الدائم.. وهكذا يشاهد في وجه هذا الاحسان الاعظم بل يطالَع في سيماه جمال الكريم المطلق والمحسن المطلق، ذلك الجمال الازلي الابدي الذي لايدنو منه الزوال والفناء، بل تجعل لمعةٌ من لمعاته الباهرة المؤمنين كافة في ولاءٍ لله وفي طاعة لأوامره، بل تجعل قسماً منهم منجذبين اليه عُشاقاً مولّهين. بينما ان لم ينظر الى هذا الاحسان، احسان الهداية
الشعاع الثاني - ص: 10
لذلك الشخص بنظر التوحيد، فان ذلك الايمان الجزئي لذلك الفرد يحال الى الانسان نفسه - كما يدّعيه المعتزلة المتعسفون - او الى بعض الاسباب، فتنقلب تلك الجوهرة الرحمانية الغالية - التي لاتثمن قيمتها الاّ بالجنة الخالدة - الى قطعة زجاج خسيسة تافهة بعد ان كانت تؤدي وظيفة مرآة تعكس لمعة جمال مقدس.
وهكذا قياساً على هذه الامثلة الثلاثة.. فان الالوف من انواع الجمال الإلهي ومئات الالوف من اضراب الكمال الرباني، تظهر، وتُفهم، ويثبُت تحققها من زاوية نظر التوحيد، وذلك بتمركز تلك الأنماط من الجمال الإلهي والكمال الرباني في تلك الاحوال الجزئية لأصغر الجزئيات التي هي في منتهى أقاصي دائرة الكثرة من الموجودات.
فظهور هذا الجمال الإلهي وكماله للقلوب بالتوحيد، والاستشعار بهما روحاً، هو الذي دفع جميع الاولياء والاصفياء أن يتلمسوا احلى أذواقهم وألذّ ارزاقهم المعنوية في ذكر وتكرار كلمة التوحيد، وهي: لا اله الاّ الله.
وحيث أن عظمة الكبرياء الإلهي والجلال السبحاني وهيبة الربوبية الصمدانية تتحقق في كلمة التوحيد فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(افضل ما قلت انا والنبيون من قبلي: لا اله الاّ الله) 1.
نعم، ان ثمرة واحدة، وزهرة واحدة، وضياءً واحداً، كل منها يعكس كالمرآة الصغيرة رزقاً بسيطاً، ونعمة جزئية واحساناً بسيطاً. ولكن بسر التوحيد تتكاتف تلك المرايا الصغيرة مع مثيلاتها مباشرة، ويتصل بعضها بالبعض الآخر، حتى يصبح ذلك النوع مرآة واسعة كبيرة جداً تعكس ضرباً من جمال إلهي يتجلى تجلياً خاصاً بذلك

_____________________
1 جزء من حديث: (افضل الدعاء يوم عرفة وافضل ماقلت انا والنبيون من قبلي: لا اله الاّ الله وحده لاشريك له) رواه مالك عن طلحة بن عبيد الله بن كرير مرسلا، واخرجه الترمذي وحسنه عن عمر بن شعيب عن ابيه عن جده بلفظ: خير الدعاء يوم عرفة وزاد: له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، ورواه البيهقي عن ابي هريرة بلفظ: افضل الدعاء دعاء يوم عرفة وافضل قولي وقول الانبياء قبلي لا اله الا الله.. (كشف الخفاء 1/153) واخرجه الاصبهاني في الترغيب (331/1 المدينة) بلفظ مقارب عن عمرو عن المطلب كما في الصحيحة 4/807 وقال هذا مرسل حسن الاسناد وحسنه لشواهده. وانظر موطأ الامام مالك برقم 500 و 955 وصحيح الجامع الصغير وزيادته برقم 1113.

الشعاع الثاني - ص: 11
النوع. فيُظهر سر التوحيد حسناً سرمدياً باقياً من خلال ذلك الجمال الفاني الموقت. بمعنى أن ذلك الشئ الجزئي يتحول بسر التوحيد الى مرآة الجمال الإلهي، كما قال مولانا جلال الدين الرومي 1:
آن خيالاتي كه دام اولياست عكس مهرويان بوستان خداست 2.
بينما إن لم يُنظر الى ذلك الجمال بنظر التوحيد، اي لولا سر التوحيد، لظلت تلك الثمرة الجزئية سائبة، وحيدة فريدة معزولة عن مثيلاتها، فلايظهر ذلك الجمال المقدس ولايبين ذلك الكمال الرفيع، بل تنكسف حتى تلك اللمعة الجزئية المتلمعة منها، وتضيع وتنتكس منقلبة على عقبيها من نفاسة الالماس الثمين الى خساسة قطع الزجاج المتكسر.
وكذا يظهر بسر التوحيد في ذوي الحياة تلك الثمار المتدلية من شجرة الخلقة، شخصية إلهية، وأحدية ربانية، وسيماء معنوي رحماني - باعتبار الصفات السبعة - وتمركزٌ أسمائي، وجلوة تعيّنٍ وتشخصٍ لمن هو المخاطب بـ (اياك نعبد واياك نستعين) . وبخلافه - اي دون سر التوحيد - فان جلوة تلك الشخصية والأحدية والسيماء والتعيّن تتوسع وتتوسع منبسطة حتى تتسع سعة الكون برمته فتتلاشى وتختفي، ولاتظهر الاّ للقلوب البصيرة والبصائر الواسعة جداً والمحيطة جداً؛ لأن عظمة الكبرياء تسدل ستاراً دونه فلا يراه قلبُ كل فرد.
وكذا يُفهم بوضوح تام بسر التوحيد في تلك الأحياء الجزئية؛ أن صانعها يراها ويعلم بحالها ويسمع نداءها ويصوّرها كيف يشاء. فيظهر لبصيرة الايمان وراء مصنوعية الكائن الحي، تشخصٌ معنوي وتعينٌ معنوي لمقتدر مختار سميع عليم بصير. وبخاصة وراء مخلوقية الانسان - من بين ذوي الحياة - يُشاهد بالايمان وبسر التوحيد وبوضوح تام ذلك التشخص المعنوي والتعين السامي. لان في الانسان نماذج
_____________________
1 مولانا الرومي: (604- 672هـ)(1207- 1273م) عالم بفقه الحنفية والخلاف وانواع العلوم، ثم متصوف صاحب (المثنوي) المشهور بالفارسية المستغني عن التعريف في ستة وعشرين الف بيت، وصاحب الطريقة المولوية. ولد في بلخ (بفارس) استقر في (قونية) سنة 623هـ عرف بالبراعة في الفقه وغيره من العلوم الاسلامية، فتولى التدريس بقونية في اربع مدارس بعد وفاة ابيه سنة 628هـ من مؤلفاته: ديوان كبير، فيه مافيه، مكتوبات.- المترجم.
2 بيت شعر بالفارسية يعني: ان الخيالات التي هي شباك الاولياء انما هي مرآة عاكسة تعكس الوجوه النيرة في حديقة الله.- المترجم.

الشعاع الثاني - ص: 12
اسس ذلك التشخص، تشخص الاحدية، وهي العلم والقدرة والحياة والسمع والبصر وامثالها من المعاني، فتشير تلك النماذج الى تلك الاسس، اذ الذي شق البصر - مثلاً - يرى البصر ويرى كذلك مايراه البصر - وهو معنى دقيق - ثم يمنح البصر. نعم ان صاحب النظارات الذي يصنع لعينك نظارة يرى ملاءمة النظارة لعينك ثم يصنعها لك. وكذا الذي شق السمع لاشك أنه يسمع ما تسمعه الاذن ثم يخلقها ويمنحها الانسان. وهكذا قس بقية الصفات على هذه.
وكذا في الانسان نقوش الاسماء الحسنى وتجلياتها، فهو بهذه النقوش والجلوات يشهد على تلك المعاني المقدسة.
وكذا الانسان بضعفه وعجزه وفقره وجهله يؤدي وظيفة المرآة - بشكل آخر - اذ يشهد بها على صفات مَن يرحم ضعفه وفقره، ومَن يمد عجزه. اي يشهد على قدرته جل وعلا وعلى علمه وعلى ارادته، وهكذا على سائر صفاته الجليلة.
فبسر التوحيد اذن يتمركز الف اسم واسم من الاسماء الحسنى في منتهى دائرة الكثرة وفي اكثر جزئياتها تشتتاً، تتمركز في الرسائل الصغيرة المسماة بذوي الحياة، وتقرأ بسر التوحيد بوضوح وجلاء، لذا فان ذلك الصانع الحكيم يُكثر من نسخ ذوي الحياة بكثرة كاثرة، ولاسيما طوائف صغارها فانه يكثرها باشكال شتى وينشرها الى الارجاء كافة.
ان الذي ساقنى الى حقيقة هذه الثمرة الاولى واوصلني اليها هو استشعارٌ ذوقي يخصني، وهو على النحو الآتي:
لقد كنت أتألم لحال ذوي الحياة ولاسيما لذوي الشعور منها وبالاخص لحال الانسان وبخاصة المظلومين والمبتلين بالمصائب منهم، لما احمل من عطف متزايد وشفقة مفرطة، فكانت احوالهم تمس عطفي وتثير شفقتي وتوجع قلبي وتعصره.
فكنت اقول من اعماق قلبي:
ان القوانين المطردة السارية في العالم لاتسمع ما يعانيه هؤلاء البائسون الضعفاء العاجزون. وان تلك العناصر والحوادث الصماء المستولية لاتسمع أنينهم، أليس من أحد يتدخل في شؤونهم الخاصة رحمة بهم ورأفة باحوالهم التي يرثى لها؟. فكانت
الشعاع الثاني - ص: 13
روحي تصرخ من الاعماق. وكذا، أليس من مالك حقيقي ومولى كريم يرعى ويتولى اولئك العبيد الرائعين في الحسن وتلك الاموال القيمة الثمينة جداً، وهؤلاء الاحباب الاودّاء المشتاقين الممتنين كثيراً؟. نعم كان قلبي يصرخ بهذا بكل ما اوتي من قوة.
اما الجواب الكافي الوافي الذي يبعث الاطمئنان والسكينة والقناعة التامة ويهدئ استغاثة روحي وصراخ قلبي فهو:
ان اولئك العبيد المحبوبين الذين يئنون تحت ضغوط القوانين العامة للرحمن الرحيم ذي الجلال، ويستغيثون تحت ضربات الحادثات وهجومها، يمنحهم سبحانه بسر التوحيد ما هو فوق تلك القوانين من احسانات خصوصية وامدادات خاصة وربوبية مخصوصة مباشرة لكل شئ، ويدبّر سبحانه امور كل شئ بذاته الجليلة. ويستمع الى شكاوى كل ذي مصيبة، وهو المالك الحقيقي لكل شئ ومولاه الحق.
فمذ عرفت هذا السر من القرآن ونور الايمان شعرت بسرور يملأ كياني كله وولّى عني ذلك اليأس القاتم.
وقد اكتسب في نظري كلُّ كائن حي - من حيث انتسابه الى المالك الجليل وعبديته له - الوف الدرجات الراقية من الاهمية والقيمة، لأن كل احد يفتخر ويزهو بشرف سيده وبمقام من ينتسب اليه ويعتزّ بشهرته وصيته، مما يولّد عزة وفخراً لديه. فلاشك ان نور الايمان الذي بسط ذلك الانتساب والعبدية هو الذي يجعل النمل يغلب فرعوناً بقوة ذلك الانتساب، بل له ان يفتخر بذلك الانتساب فخراً يفوق الف مرة فخر فرعون السادر في الغفلة الظان نفسه حراً سائباً، يفتخر بأجداده الفراعنة وبملك مصر، ذلك الفخر الذي ينكسف لدى باب القبر.
وكذا البعوض يستطيع باراءة شرف انتسابه، ازالة فخر نمرود الذي انقلب في سكراته الى خجل وعذاب.
وهكذا تعلّمنا الآية الكريمة (ان الشرك لظلم عظيم) (لقمان: 13) ان الشرك يحمل ظلماً فاضحاً، لانه جريمة عظيمة نكراء لتعديه على حقوق كل مخلوق واهانته لشرفه وكرامته. ولايطهّر هذه الجريمة، جريمة الشرك الاّ نار جهنم.
الشعاع الثاني - ص: 14
ثمرة التوحيد الثانية
هذه الثمرة تتوجه الى ذات الكون وماهيته، كما كانت الثمرة الاولى متوجهة الى الذات المقدسة لرب العالمين جلّ وعلا.
نعم، انه بسر التوحيد تتحقق مزايا الكون وكمالاته، وتُدرك الوظائف الراقية للموجودات، وتتقرر نتيجة خلق المخلوقات، وتُعرف اهمية المصنوعات. وتبرز ما في هذا العالم من مقاصد إلهية، وتظهر حكمة خلق ذوي الحياة وسر وجود ذوي المشاعر، وتبدو الوجوه المليحة البشوشة للرحمة والحكمة وراء السيماء الغاضبة الكالحة لهذه الحوادث القاهرة المدمّرة ضمن التحولات المثيرة للدهشة، وتُعرف ان الموجودات التي تغيب وراء الزوال والفناء وترحل من هذا العالم، عالم الشهادة تدع انواعاً كثيرة من الوجود بدلاً عنها، امثال نتائجها وهوياتها وماهياتها وارواحها وتسبيحاتها ثم ترحل من هذا العالم.
وبسر التوحيد يُفهم: ان الكون برمته كتاب صمداني ينطوي على معاني عميقة غزيرة، وان الموجودات بأسرها مجموعة مكاتيب سبحانية في منتهى الاعجاز، وان المخلوقات بجميع طوائفها جنود ربانية في غاية الانتظام والهيبة، وان المصنوعات بجميع قبائلها ابتداء من الميكروب والنمل الى الكركدن والنسر والى الكواكب السيارة، موظفات دؤوبات مأمورات جادات تأتمر بأمر السلطان الازلي.
وبسر التوحيد يكتسب كل شئ من حيث انتسابه وأداؤه لوظيفة المرآة قيمة اعظم من قيمته الذاتية بالوف المرات، وينكشف السر المغلق للاسئلة المحيرة: من اين يأتي سيل الموجودات وقافلة المخلوقات، والى اين المصير، ولمَ جاء وماذا يعمل؟..
كل ذلك لايتم الاّ بسر التوحيد، اذ لولا التوحيد، لانكسفت جميع مزايا الكون وكمالاته المذكورة آنفاً ولانقلبت تلك الحقائق السامية الراقية الى أضدادها.
وهكذا فالشرك والكفر جريمة بشعة تتعدى على جميع كمالات الكائنات وتتجاوز على جميع حقوقها الرفيعة وتتعرض لجميع حقائقها السامية، لذا تغضب الكائنات على اهل الشرك والكفر، وتستشيط السموات والارض غضباً عليهم،
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-06-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الثاني


الشعاع الثاني - ص: 15
وتتفق عناصر الكون على ابادتهم.. فتغرق قوم نوح (عليه السلام) وتهلك قوم عاد بالطاغية وثمود بالعاصفة وفرعون وامثالهم بالغرق.. بل تغضب جهنم عليهم غضباً شديداً حتى (تكاد تميّز من الغيظ) (الملك: 8) كما نصّت عليه الآية الكريمة.
نعم؛ ان الشرك استهانة بشعة بالكون، وتعدّ عظيم عليه، وحطّ من قيمته وتهوين من شأنه، لإنكاره حكمة الخلق وردّه وظائف المخلوقات، تلك الوظائف الجليلة.
نشير الى هذه الحقيقة بمثالٍ واحد من بين الوف امثلتها:
ان الكون بسر التوحيد، هو بمثابة مَلَك مجسم عظيم جداً بحيث له مئات الالوف من الرؤوس،بل بعدد انواع الموجودات، في كل رأس مئات الالوف من الافواه ، بل بعدد افراد ذلك النوع، وفي كل فم مئات الالوف من الألسنة بل بعدد اجهزة ذلك الفرد وعدد اجزائه واعضائه وحجيراته. فهذا الكون الهائل والمخلوق العجيب، هذا المَلك العظيم يقدّس الصانع الجليل بهذه الألسنة التي لاتعد ولاتحصى ويسبّحه بها جل وعلا. فهو اذاً في مقام رفيع يتسربل عبودية عظيمة شبيهة بعبودية اسرافيل عليه السلام.
وكذا الكون بسر التوحيد، بمثابة مزرعة تهيئ محاصيل وفيرة جداً لعالم الآخرة ومنازلها.. وهو بمثابة مصنع عظيم يهيئ لوازم لطبقات دار السعادة من اعمال بشرية غنية بمحاصيلها.. وهو بمثابة جهاز تصوير سينمائي دائب عظيم يضم مئات الالوف من اجهزة الالتقاط لالتقاط صور من الدنيا وعرضها مناظر ســرمدية لأهل عالم البقاء ولأهل الشهود في الجنة.
فبينما الكون بسر التوحيد على هذه الهيئة العجيبة كملَك مطيع جسماني مالك للحياة، يحوّله الشرك الى اشتات واهية جامدة، لاروح لها ولاحياة، ولابقاء لها ولاوظيفة، هالكة لامعنى لها، تتدحرج في خضم ظلمات العدم واهوال الاحداث التافهة والانقلابات. فالشرك يجعل هذا المصنع العظيم الذي يدر النفع الكثير، شيئاً لافائدة له ولايكسب منه شئ، معطلاً عن كل عمل، مختلطاً ومتشابكاً تلعب به المصادفات العشوائية والطبيعة الصماء والقوى العمياء، ومأتماً حزيناً لذوي الشعوركافة، ومذبحة ومسلخة أليمة لذوي الحياة كافة.
الشعاع الثاني - ص: 16
وهكذا كم يكون الشرك إذن مبعث جرائم كبرى وجنايات عظمى! ألا يستحق عذاباً ابدياً في جهنم مع انه سيئة واحدة؟ وصدق الله العظيم: (ان الشرك لظلم عظيم) .
وعلى كل حال، ففي مجموعة "سراج النور" ايضاحات اكثر لهذه الثمرة الثانية مع حججها المكررة. لذا اختصرنا هذه الحقيقة الطويلة.
والذي ساقني الى هذه الثمرة الثانية واوصلني اليها شعور عجيب وذوق غريب، وهو على النحو الآتي:
عندما كنت أتأمل في يوم من ايام الربيع شاهدت ان الموجودات التي تملأ سطح الارض وتسيل قافلة إثر قافلة مظهرة مئات الالوف من نماذج الحشر والنشور.. هذه الموجودات ولاسيما المخلوقات الحية منها وبخاصة الاحياء الصغيرة منها، ما ان تظهر حتى تختفي عقبه.. فتتعاقب مناظر الموت والزوال باستمرار وفي فعالية دائمة. وبدت امامي حزينةً أليمةً مسّت اوتار عواطفي واثارت رقتي حتى دفعتني الى البكاء. وكنت كلما شاهدت موت تلك الاحياء الصغيرة اللطيفة اعتصر قلبي ألماً وتأففت قائلاً: ياحسرتاه.. اواه.. آه.. فاستشعر ضراماً روحياً منبعثاً من الاعماق حتى رأيت الحياة التي تؤول الى هذه النتيجة عذاباً أليماً دونه الموت.
وكذا رأيت في عالم النباتات والحيوانات، أن تلك الاحياء الجميلة جداً والمحبوبة جداً وهي في أتم اتقان وابداع، ما ان تفتح عينيها للحياة في لحظات وتشاهد هذا المهرجان الكوني العظيم الاّ وتمحى وتفنى. فكلما شاهدت هذه الحالة تفطر كبدى حزناً وكمداً، وكأنه يشكو باكياً وهو يقول : لِمَ أتوا اذن الى هذا العالم ولِمَ يرحلون دون ان يمكثوا فيه؟ فكان قلبي يطرح اسئلة مخيفة ازاء الدهر والمقدرات. اذ مثل هذه المصنوعات اللطيفة تذهب دون جدوى، ولاغاية، ولانتيجة، وتعدم بسرعة متناهية مع اننا نرى اهتماماً عظيماً بها ودقة متناهية في صنعها واتقاناً في ابداعها، مع توفير الاجهزة اللازمة لها والرعاية التامة في تربيتها وتنشئتها والتدبير الكامل لشؤونها وخلقها على اتم صورة. ولكن بعد كل هذا نرى تمزقها وتشتتها وفناءها ومحوها وقذفها في ظلمات العدم.. هذا المنظر الأليم، كلما تأملته صرخت جميع لطائفي
الشعاع الثاني - ص: 17
المفتونة بانواع الكمال والمبتلاة بأنماط الجمال، والعاشقة للاشياء النفيسة القيّمة، واستغاثت قائلة: لِمَ لاتُرحم هذه المخلوقات؟ يالهفتاه! من اين يأتي هذا الفناء والزوال ضمن الدوران والتجوال المحيّر للعقول ويسلط على هذه الصغار اللطاف؟.. وما ان بدأت الاعتراضات المخيفة تتوجه نحو القدر لما يُرى في ظاهر المقدرات الحياتية من احوال أليمة حزينة، اذا بنور القرآن والايمان والتوحيد ولطف الرحمن يسعفني ويعينني؛ وينوّر تلك الظلمات، ويقلب بكائي ونحيبي وحسراتي الى سرور وفرح والى النطق بـ"ما شاء الله، بارك الله"، بدلاً من التلهف والتحسر واطلاق الزفرات. حتى دفعني الى القول بـ: الحمد لله على نور الايمان حيث رأيت بسر التوحيد:
ان كل مخلوق ولاسيما كل كائن حي له نتائج كثيرة جداً ومنافع شتى.
فمثلاً: ان كل ذي حياة - وليكن هذه الزهرة الزاهية، وهذه الحشرة الحلوياتي - هو قصيدة صغيرة إلهية تحمل من المعاني العميقة والغزيرة بحيث يطالعها مالايحد من ذوي الشعور بمتعة كاملة.. وهو معجزة ثمينة قيّمة للقدرة الإلهية.. وهو لوحة تعلن عن حكمته تعالى حيث تعرض إتقان الصانع الجليل في منتهى الجاذبية امام انظار من لا يحدّ من اهل التقدير والاستحسان
وكذا فان اجلّ نتيجة لخلق الكائن الحي هو الحظوة بالظهور امام نظر الفاطر الجليل الذي يريد ان يرى بذاته جمال صنعته وجمال فطرته وجمال تجليات اسمائه في المرايا الصغيرة. زد على ذلك فان وظيفة سامية لفطرة الكائن الحي هي اداؤه بخمسة وجوه (كما ذكر في المكتوب الرابع والعشرين) مهمة اظهار الربوبية المطلقة والكمال الإلهي الذي يقتضي هذه الفعالية المطلقة في الكون.
ولكني رأيت ان الكائن الحي على الرغم مما له من مثل هذه الفوائد والنتائج فانه يدع روحه في موضعه - ان كان ذا روح - ويترك صورته وهويته في الاذهان وسائر الالواح المحفوظة، ويضع قوانين ماهيته ونوعاً من حياته المستقبلية في بذوره وبويضاته، ويودع مزايا الكمال والجمال التي عكسها كالمرآة، يودعها في عالم الغيب ودائرة الاسماء. وبعد كل هذا يدخل تحت ستار الزوال فرحاً جذلاً بموت ظاهري - يعني التسريح من الوظائف - ويستتر عن الانظار الدنيوية وحدها!.
الشعاع الثاني - ص: 18
نعم، هكذا رأيت ماهية الكائن الحي فقلت من الاعماق... "الحمد لله..".
فهذه الانواع من الجمال والضروب من الحسن المشاهدة في جميع طبقات الكون وفي جميع انواع الطوائف والممتدة عروقها في كل الارجاء والتي لها اسس عريقة قوية لانقص فيها ولاقصور، وهي في منتهى السطوع والبهاء.. لاشك انها تبين ان مايقتضيه الشرك - كما هو في الوضع الاول - من قبح مشين ودمامة منفرة محال، وموهوم قطعاً. لأن جمالاً بهذا العمق في وجود الكون لايمكن ان يستتر تحته قبح مشين الى هذه الدرجة المخيفة، بل لايمكن أن يوجد اصلاً. ولو وجد فذلك الجمال اذن لاحقيقة له ولاأصل، وهو واهٍ وهمي..
بمعنى انه لاحقيقة للشرك اطلاقاً، وطريقه مسدود، بل لايجد له موضعاً الاّ في المستنقعات الآسنة، فحكمه محال وممتنع. وقد وضحت هذه الحقيقة الايمانية المذكورة وهي حقيقة شعورية في عديد من رسائل "سراج النور" بالتفصيل. لذا نكتفي هنا بهذه الاشارة المختصرة.

ثمرة التوحيد الثالثة
هذه الثمرة متوجهة الى ذوي الشعور، ولاسيما الى الانسان.
نعم، ان الانسان بسر التوحيد، صاحب كمال عظيم بين جميع المخلوقات، وهو أثمن ثمرات الكون، وألطف المخلوقات واكملها، واسعد ذوي الحياة ومخاطب رب العالمين واهلٌ ليكون خليله ومحبوبه. حتى ان جميع المزايا الانسانية وجميع مقاصد الانسان العليا مرتبطة بالتوحيد وتتحقق بسر التوحيد، فلولا التوحيد لأصبح الانسان اشقى المخلوقات وادنى الموجودات واضعف الحيوانات واشد ذوي المشاعر حزناً واكثرهم عذاباً وألماً. ذلك لان الانسان يحمل عجزاً غير متناه، وله اعداء لانهاية لهم، وينطوي على فقر دائم لاحدود له وحاجات لاحدود لها. ومع هذا فان ماهيته مجهزة بآلات ومشاعر متنوعة وكثيرة الى درجة يستطيع ان يستشعر بها مائة الف نوع من الآلام وينشد مئات الالوف من انواع اللذائذ. فضلاً عن أن له من المقاصد والرغبات مالا يمكن تلبيتها إلاّ من قِبَل مَن ينفذ حكمه في الكون بأسره.
الشعاع الثاني - ص: 19
فمثلاً: في الانسان رغبة ملحة شديدة للبقاء. فلا يحقق له هذه الرغبة الاّ من يتصرف في الكون كله بسهولة مطلقة، يفتح باب دار الآخرة بعد ان يسد باب دار الدنيا كفتح باب منزل وغلق آخر.
ففي الانسان الوف من الرغبات الايجابية والسلبية امثال هذه الرغبة، رغبة البقاء. تلك الرغبات ممتدة الى جهة الابد والخلود ومنتشرة في اقطار العالم كله. فالذي يُطمئن هذه الرغبات ويهدهدها ويضمد جرحي الانسان الغائرين، العجز والفقر، ليس الاّ الواحد الأحد الذي بيده مقاليد كل شئ.
وكذا في الانسان من المطالب الدقيقة الجزئية والخفية جداً تخص راحة قلبه وسلامته، وله ايضاً من المقاصد الكلية المحيطة ما هو مدار لبقاء روحه وسعادتها، بحيث لايمكن ان يحققها له الاّ من يبصر ما لايُرى من أرق حجب القلب ويهتم بها ويسمع ما لا يُسمع من أخفى الاصوات ويستجيب لها، ومن له القدرة على تسخير السموات والارض في وظائف جليلة كتسخير الجندي المنقاد للاوامر. وكذا فان جميع اجهزة الانسان ومشاعره تأخذ مكانة رفيعة بسر التوحيد، في حين تسقط الى هاوية سحيقة بالكفر والشرك.
فمثلاً: العقل الذي هو افضل اجهزة الانسان وارقاها ،ان استعمل بسر التوحيد، فانه يصبح مفتاحاً ثميناً بحيث يفتح الكنوز الإلهية السامية والوفاً من خزائن الكون، بينما اذا تخبط ذلك العقل في وحل الضلالة والكفر فانه يصبح آلة تعذيب ووسيلة ازعاج، بما يجمع من آلام الماضي الحزينة ومخاوف المستقبل الرهيبة.
ومثلاً: الشفقة والحنان، وهي ألطف سجية من سجايا الانسان وأحلاها، إن لم يسعفها سر التوحيد تتحول الى ألم الحرقة وعذاب الفراق وجرح العطف، فتتحول الى مصيبة كبرى تدفع بالانسان الى درك الشقاء. نعم ان الوالدة الغافلة عن الله والفاقدة لوحيدها الى الابد تستشعر هذه الحرقة شعوراً كاملاً.
ومثلاً: المحبة التي هي ألذ شعور في الانسان وأطيبه وأسماه، اذا ما أعانها سر التوحيد يجعل الانسان الصغير واسعاً سعة الكون وعظيماً وكبيراً كبره حتى يجعله سلطاناً محبوباً على المخلوقات كافة. بينما المحبة نفسها اذا ماتردت الى الشرك والكفر -
الشعاع الثاني - ص: 20
والعياذ بالله - فانها تنقلب الى مصيبة عظيمة بحيث تمزق قلب الانسان الضعيف كل حين وآن بفراق أحبته غير المعدودين فراقاً ابدياً حيث يمحوهم الزوال والفناء دائماً. بيد ان انواع اللهو والغفلة تحول دون استشعار الانسان بهذا الالم، اذ تبطل شعوره وحسّه مؤقتاً وظاهراً.
فاذا ما قست المئات من اجهزة الانسان ومشاعره على هذه الامثلة الثلاثة، تدرك عندئذٍ الى اي مدى يكون التوحيد محوراً للكمالات الانسانية.
نكتفي بهذه الاشارة القصيرة الى هذه الثمرة الثالثةحيث انها فصلت تفصيلاً وافياً مع دلائلها في اكثر من عشرين رسالة من مجموعة "سراج النور".
ان الذي اوصلني الى هذه الثمرة وساقني اليها هو الشعور الآتي:
كنت يوماً على قمة جبل، تراءى لي القبر بكل معناه، وبدا لي الموت بكل حقائقه، وظهر لي الزوال والفناء بلوحاته الحزينة المبكية، وذلك بوساطة يقظة روحية بددت ظلمة الغفلة. فاحتدّ عشق البقاء المغروز في فطرتي - كما هو في الآخرين - احتدّ غاضباً امام هذا المنظر، فشق عصا الطاعة ازاء الزوال. وفار ما فيّ من العطف على بني الجنس والرأفة على نوع البشر وطغى ازاء القبر وفناء الانبياء المكرمين واهل الفضل الموقرين من الاولياء والاصفياء، الذين اكنّ لهم حباً شديداً وتبجيلاً عظيماً وتقديراً لائقاً وارتبط بهم بعلاقة وثيقة.
وازاء هذا الامر توجهت الى الجهات الست لأستمدّ منها العون. فلم اجد ما يسلّيني ابداً. حيث ان جهة الماضي قد تحولت الى مقبرة كبرى واسعة، وجهة المستقبل مظلم مخيف، وجهة الفوق مخيفة رهيبة، وجهة الاسفل وكذا اليمين والشمال كلها جهات تورث حالات أليمة حزينة. فرأيت كأن الاشياء المضرة التي لاتحد تنقض عليّ انقضاضاً، فأغاثني سر التوحيد من حالتي التي كنت فيها ورفع السـتار من امام بصيرتي وأراني حقيقة هذه الجهات قائلاً: انظر! فنظرت اول مانظرت الى وجه الموت المخيف. ورأيت ان الموت لاهل الايمان تسريح من الوظيفة، والاجل هو بطاقته. فالموت اذن تبديل مكان، ومقدمة لحياة باقية، وباب اليها. وهو انطلاق
الشعاع الثاني - ص: 21
من سجن الدنيا الى بساتين الآخرة. وهو انتظار زمن الوصول الى ديوان الرحمن الرحيم لاستلام اجرة العمل، وهو دعوة الى دار السعادة.
ولما فهمت حقيقة الموت فهماً يقيناً احببته.
ثم نظرت الى الزوال والفناء، ورأيت: أن زوال الاشياء انما هو تجديد لها ولأمثالها، فهو تجديد ممتع ملذ، شبيه بتجدد مشاهد السينما وشبيه بتجدد جمال حباب النهر الجاري تحت ضوء الشمس. لذا علمت يقيناً ان زوال الاشياء وفناءها انما هو تجديد للتجليات الجميلة للأسماء الحسنى ، و وظيفة يؤديها ضمن سير وتجوال في عالم الشهادة بعد مجيئها من عالم الغيب، وهو مظاهرحكيمة لجمال الربوبية، فالموجودات تؤدي به وظيفة المرآة ازاء الحسن السرمدي.
ثم نظرت الى الجهات الست ورأيت: انها نورانية بسر التوحيد بل نورانية الى حد يكاد سنا نورها يخطف بالابصار. حتى رأيت أن الزمان الماضي لم يعد مقبرة عظيمة بل انقلب الى المستقبل ليكون مجالس نورانية ومجامع أحباب ومناظر نورانية تزيد على الالوف.
وهكذا على غرار هاتين المادتين نظرت الى الوجوه الحقيقية لالوف المواد. ورأيت انها لا تورث الاّ السرور والفرح.
ان شعوري هذا وتذوقي الروحي هذا في الثمرة الثالثة قد وضّحا مع الدلائل القاطعة الكلية والجزئية في مجموعة "سراج النور" بل في اربعين من اجزائها ولا سيما في اللمعة السادسة والعشرين (رسالة الشيوخ) في رجاياها الثلاث عشرة. اذ قد وضّحت هناك وضوحاً كافياً لا ايضاح فوقه. لذا اختصرت هذه المسألة الطويلة في هذا المقام.

* * *
الشعاع الثاني - ص: 22
المقام الثاني

ان الدلائل التي تقتضي قطعاً التوحيد وتستلزم الوحدانية وتوجب الوحدة وترفض الشرك وتردّ المشاركة ولاتسمح بهما قطعاً.. لاتعد ولاتحصى.
وحيث ان مئات بل ألوفاً من تلك البراهين قد اثبتت اثباتاً مفصلاً في رسائل النور. يشار هنا الى ثلاث فقط من المقتضيات، اشارة مجملة.
المقتضى الاول
هذه المصنوعات انما تخلق وتوجد بالصفات المطلقة لحاكم حكيم، كبير كامل، وباسمائه المطلقة وبعلمه غير المحدود وبقدرته غير المتناهية. يشهد على هذا ماهو ماثل امامنا من الافعال الحكيمة والتصاريف البصيرة للامور الجارية في هذا الكون.
نعم، يُفهم ويُعلم قطعاً بحدس قطعي، من هذه الآثار بل يشاهد: ان ذلك الصانع له حاكمية وآمرية بدرجة الربوبية العامة، وله كبرياء وعظمة بدرجة الجبروتية المطلقة، وله كمال واستغناء عن غيره بدرجة الالوهية المطلقة، وله فعالية وسلطنة لاتتناهى ولايحدها حد ولايقيدها قيد.
فالحاكمية والكبرياء والكمال والاستغناء عن الغير والاطلاق والاحاطة وعدم التناهي وعدم الحدّ، كلها تستلزم الوحدانية وتضادد الشرك.
فشهادة الحاكمية والآمرية على التوحيد والوحدانية قد اثبتت في مواضع كثيرة من رسائل النور. نورد زبدة خلاصتها على النحو الآتي:
ان شأن الحاكمية ومقتضاها الاستقلالُ والانفراد وردّ مداخلة الآخرين، حتى ان الانسان المحتاج فطرة الى معاونة الآخرين لعجزه، يردّ مداخلة غيره في شؤونه بظلٍ من تلك الحاكمية حفاظاً على استقلاله، لذا فلا يوجد سلطانان في بلاد، ولا واليان في ولاية، ولا مديران في ناحية، بل ولامختاران في قرية. واذا ماوجد سلطانان في بلاد فالامور تضطرب ويختل النظام ويحدث الهرج والمرج.
الشعاع الثاني - ص: 23
فلئن كان ظلُ حاكمية في الانسان العاجز المحتاج الى المعاونة يردّ مداخلة الآخرين ويرفض اشتراكهم رفضاً باتاً الى هذه الدرجة. فلا تقبل قطعاً حاكمية في ربوبية مطلقة للقدير المطلق المنزّه عن العجز مداخلة سواها واشتراكه، بل تردّه ردّاً قوياً، وتطرد من ديوانها من يتوهم الشرك ويعتقد به طرداً عنيفاً.
ومن هذه الحقيقة ينبثق الزجر العنيف الذي يزجر القرآن الكريم به المشركين ويردّهم.
اما شهادة الكبرياء والعظمة والجلال على الوحدانية، فهي الاخرى قد بيّنت براهينها الساطعة في رسائل النور. لذا يشار الى فحواها في اختصار شديد.
مثال: كما ان عظمة نور الشمس، وكبرياء ضيائها لاتدعان حاجة الى انوار ضعيفة اخرى بقربها وبلا حائل ولاتمنح لها تأثيراً يذكر، كذلك عظمة القدرة الإلهية وكبرياؤها لاتدعان حاجة الى أية قدرة اخرى والى اية قوة اخرى، ولاتفوضان اليهما اي ايجاد كان ولا اي تأثير حقيقي كان. ولاسيما في ذوي الحياة والشعور من المخلوقات التي تتمركز فيها جميع المقاصد الربانية في الكون وتدور عليها، فلا يمكن ان تدع تلك العظمة والكبرياء شيئاً منها الى الاغيار قطعاً. وكذا الاحوال والثمرات والنتائج التي هي في جزئيات ذوي الحياة والتي تتظاهر فيها غايات خلق الانسان وغايات ايجاد النعم التي لاتعد ولاتحصى فلا يمكن احالتها الى يد الاغيار قطعاً.
فمثلاً: الامتنان الحقيقي والرضى الحقيقي الذي ينبعث من كائن حي نتيجة شفاء جزئي من مرض، او رزق جزئي أتاه، او اهتداء الى الله، لايمكن ان يكون الاّ منه تعالى. لذا فتقديم الحمد والثناء الى غيره تعالى يمسّ عظمة الربوبية وكبرياء الالوهية ويتجاوز على عزة المعبودية المطلقة والجلال.
اما اشارة الكمال الى سر الوحدانية فهي الاخرى قد وضحت في رسائل النور ببراهينها الساطعة. وخلاصة مختصرة لفحواها هي:
ان خلق السموات والارض تقتضي بالبداهة قدرة مطلقة في منتهى الكمال، بل ان الاجهزة العجيبة لكل كائن حي تقتضي كذلك قدرة في كمال مطلق. والكمال الذي هو في القدرة المطلقة المنزهة عن العجز والمبرأة عن القيد يستلزم الوحدانية بلا شك. اذ بخلافه يعتري كماله النقص، واطلاقه القيد، ويعني انهاء لاتناهيه، واسقاط
الشعاع الثاني - ص: 24
اقوى قدرة الى اضعف عجز، ويستلزم انهاء قدرة لاتتناهى وفي لاتناهيه بشئ متناه. وهذا محال في محال بخمسة وجوه.
اما شهادة الاطلاق والاحاطة وعدم التناهي على الوحدانية فهي الاخرى قد ذكرت مفصلاً في رسائل "سراج النور" ومضمونها المختصر هو:
ان كل فعل من الافعال الجارية في الكون، بانتشار أثره في جميع النواحي انتشاراً مستولياً يبين انه محيط وطليق ولاحدود له ولاقيد يقيده. وان الشرك والاشتراك يجعل تلك الاحاطة تحت الانحصار وذلك الاطلاق تحت القيد وتلك اللامحدودية تحت الحد، فيفسد حقيقة الاطلاق وماهية الاحاطة.. فلابد ان الشرك محال في تلك الافعال التي هي مطلقة ومحيطة بكل شئ، ولاوجود له حتماً.
نعم ان ماهية الاطلاق ضد الشرك، لأن معنى الاطلاق حتى لو كان في شئ متناهٍ ومادي ومحدود، فانه ينتشر انتشار استيلاء واستقلال الى جميع الاطراف. كالهواء والضياء والنور والحرارة، بل حتى الماء، اذا ما نال ايٌ من هذه الاشياء صفة الاطلاق فانه ينتشر الى جميع الاطراف والجهات.
فما دامت جهة الاطلاق حتى لو كانت في الشئ الجزئي تجعل الاشياء المادية والمحدودة مستولية على هذه الصورة، فلابد ان الاطلاق الحقيقي الكلي يمنح الصفات اللانهائية والمنزهة عن المادة والتي لاتحدها حدود والمبرأة عن القصور، يمنحها استيلاءً واحاطة كاملة الى حد لايمكن ان تقبل الشرك والاشتراك باية جهة كانت ولايمكن ان يكون لهما احتمال قطعاً.
حاصل الكلام:
ان حاكمية الوف الافعال العمومية الجارية في الكون ومئات الاسماء الإلهية المشهودة تجلياتها وكبرياؤها وكمالها واحاطتها واطلاقها ولاتناهيها، كل منها، برهان قوي للوحدانية والتوحيد.
فمثلاً: كما ان قوة خارقة لدى شروعها بفعالية ما تستولي على الجهات كلها، وتشتت القوى الاخرى. كذلك كل فعل من افعال الربوبية، وكل تجلٍ من تجليات الاسماء الإلهية، تُظهر قوتها الخارقة جداً في اثارها بحيث لو لم تكن حكمة عامة
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-06-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الثاني


الشعاع الثاني - ص: 25
وعدالة مطلقة ولم توقفها عن حدّها لكان كل من تلك القوى يستولى على الموجودات قاطبة. فالقوة التي تخلق شجرة الحَوَر في الارض عموماً وتدبّر امورها، لاتدع قطعاً هذه القوة الكلية افراداً جزئية لأشجار الجوز والتفاح والمشمش المنتشرة بين اشجار الحَوَر والملاصقة لها، الى قوى اخرى غيرها. ولايمكن الاّ وتستولي عليها ايضاً وتضمها بين تدبيرها للامور.
نعم؛ إن مثل هذه القوة والقدرة المصرّفة للأمور تُستشعر في كل نوع من المخلوقات، بل في كل فرد من الافراد، وتشاهد أنها تتمكن من ان تستولي على الكائنات كلها وعلى الاشياء كلها، وتهيمن على الموجودات قاطبة.
فلاشك ان قوة كهذه لاتقبل الاشتراك قطعاً ولاتسمح بالشرك في اية جهة كانت.
وكذا ان اكثر ما يوليه صاحب شجرة مثمرة من اهتمام واكثر ما يظهره من علاقة بها هو ثمراتها المتدلية في نهايات اغصانها، ونواها الغائرة في قلب تلك الثمرات بل هي قلوبها بالذات. ولاشك انه لايخل بمالكيته عبثاً - ان كان راشداً - بتمليك تلك الثمرات المتدلية من الاغصان الى الآخرين تمليكاً دائمياً.
كذلك الامر في الشجرة المسماة بالكون، التي تمثل العناصر اغصانها، ومافي نهايات تلك العناصر من اوراق وازاهير تمثل النباتات والحيوانات، وما في قمم تلك الاغصان وفي ذروة تلك الاوراق والازاهير من ثمرات تمثل الانسان. فان اجلّ نتائج سعي تلك الثمرات البديعة ونتيجة خلقته هي العبودية لله وتقديم الشكر والحمد له وحده ولاسيما ماينطلق من النوى الجامعة لتلك الثمرات، تلك هي قلوب البشر وقواهم الحافظة المسماة بظهر القلب.. لايمكن باي حال من الاحوال ان يدعها سبحانه لأغتصاب الأغيار فيهوّن من شأن عظمة ربوبيته وعزتها مخلاً به معبوديته. تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
وكذا، لما كانت مقاصد الربوبية قد تمركزت في الجزئيات التي هي في منتهى دائرة الممكنات والكثرة، بل تمركزت حتى في جزئيات احوال تلك الجزئيات، وفي جزئيات اطوارها التي تمتد الى المعبودية وتتوجه الى المعبود سبحانه.. ولما كان جميع انواع الامتنان والحمد والثناء وجميع اضراب الشكران والعبادات ناشئة من تلك الجزئيات،
الشعاع الثاني - ص: 26
فلا شك انه سبحانه لا يسلّمها الى الأغيار، فلا يفسد حكمته الجليلة بهذا التسليم، ولايسقط ألوهيته المهيبة بهذا الافساد. لان اهم المقاصد الربانية في خلق الموجودات، هو تعريف وتحبيب نفسه سبحانه الى ذوي الشعور، ودفعهم الى تقديم حمدهم وشكرهم وثنائهم له وحده.
ولاجل هذا السر الدقيق فان الافعال والآلاء، الجزئية منها والكلية، المتمركزة في منتهى دائرة الكثرة، كالرزق والشفاء ولاسيما الاهتداء والايمان وامثالها من الافعال والآلاء التى تنتج الشكر وتبعث على العبادة والحمد والمحبة والعبودية والثناء؛ انما هي احسان مباشر لرب العالمين وانعام مباشر لسلطان الموجودات وأثر مباشر لهدايته وفعله. ومن اجل إراءة ذلك يُسند القرآن الكريم مكرراً الرزق والهداية والشفاء الى الواجب الوجود. ويبين ان احسان كل منها انما هو خاص به وحده ومنحصر به وحده، وفي الوقت نفسه يردّ رداً قوياً تدخل الاغيار في تلك الافعال الجليلة 1.
نعم ان نعمة الايمان التي تُكسب دار سعادة ابدية لاتكون الاّ نعمة مَن خلق تلك الدار ومن جعل الايمان مفتاحاً لها، وهو الله ذو الجلال والاكرام، وليس غيره اطلاقا؛ اذ لايمكن ان يكون غيره تعالى مُنعم مثل هذه النعمة العظمى، فيسد اعظم نافذة مطلة على المعبودية ويغصب اجلّ وسيلة اليها.
حاصل الكلام:
ان ادق الاحوال الجزئية والثمرات التي هي في اقصى نهايات شجرة الخلق تشهد وتشير الى التوحيد والوحدانية بجهتين:
اولاها:
لأن مقاصد الربوبية في الكون تتجمع في الاحوال الجزئية، وغاياتها تتمركز فيها، وتجليات اكثر الاسماء الحسنى وظهورها وتعيناتها تجتمع فيها، ونتائج خلق الموجودات وفوائدها تبرز فيها؛ لذا فان كلاً منها تقول انطلاقاً من نقطة التمركز والتجمع هذه: انا ملك مَن خلق الكون بأسره، انا فعله واثره.

_____________________
1 كقوله تعالى: (ان الله هو الرزاق ذو القوة المتين) - المؤلف.

الشعاع الثاني - ص: 27
اما الجهة الثانية:
فان قلب تلك الثمرة الجزئية، وذهن الانسان المسمى حسب الحديث الشريف بظهر القلب 1، فهرسٌ مختصر لأكثر الانواع. ونموذج مصغر لخريطتها. وبذرة معنوية لشجرة الكون. ومرآة رقيقة لاكثر الاسماء الإلهية. فانتشار تلك القلوب والاذهان وامثالها التي هي على نمط واحد انتشاراً مستولياً ومهيمناً على وجه الكائنات كلها، يرنو بلا شك الى مَن بيده مقاليد السموات والارض. فيقول كل منها: انا اثره وحده، انا اتقانه وحده.
زبدة الكلام:
مثلما تتوجه الثمرة الى مالك شجرتها من حيث كونها مفيدة، وترنو الى جميع اجهزة تلك الشجرة واغصانها وماهيتها من حيث نواها. وتنظر الى جميع ثمار تلك الشــجرة من حيث سكتها المضروبة على وجهها والموجودة في مثيلاتها. فتقول جميعاً: "نحن على نمط واحد، صدرنا من يد واحدة. ونحن ملك لمالك واحد، فالذي خلق واحدة منا هو خالق جميعنا بلاشك".
كذلك الامر في الكائن الحي الذي هو في نهايات دائرة الكثرة. ولاسيما الانسان، وبخاصة من حيث العلامات الفارقة الموجودة على وجهه ومن حيث ما في قلبه من فهرس ومن حيث ما في ماهيته من نتائج، تتوجه كلها الى الذي يمسك السموات والارض بربوبيته الجليلة وتشهد على وحدانيته جل وعلا.

_____________________
1 عن سهل بن سعد رضي الله عنه : (ان امراة جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يارسول الله جئت لأهب لك نفسي، فنظر اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد النظر اليها وصوَّبه، ثم طأطأ رأسه، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست فقام رجل من أصحابه فقال: يارسول الله اِن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها. فقال: هل عندك من شيء، فقال: لا والله يارسول الله، قال اذهب الى أهلك فانظر هل تجد شيئاً، فذهب ثم رجع فقال: لا والله يارسول الله ما وجدت شيئاً قال: انظر ولو خاتماً من حديد، فذهب ثم رجع فقال لا والله يارسول الله ولا خاتماً من حديد ولكن إزاري قال سهل مالَه رداءٌ فلها نصفه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تصنع بازارك اِن لبسته لم يكن عليها منه شيء، وان لبسته لم يكن عليك شيءٌ فجلس الرجل حتى طال مجلسه ثم قام فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً فأمر به فدُعي فلما جاء قال ماذا معك من القرآن؟ قال معي سورة كذا وكذا وسورة كذا عدّها، قال أتقرؤهن عن ظهر قلبك؟ قال: نعم، قال: اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن). البخاري في المعسر (5/237) وظهر القلب ( 7/8) في كتاب النكاح - باب تزويج المعسر وفي كتاب فضائل القرآن - باب القراءة عن ظهر القلب والنسائي في كتاب النكاح.

الشعاع الثاني - ص: 28
المقتضى الثاني للوحدانية
هو ان في الوحدانية سهولة ويسراً بدرجة الوجوب، وفي الشرك صعوبة ومشكلات بدرجة الامتناع.
وقد اُثبتت هذه الحقيقة اثباتاً قاطعاً واُظهرت ببراهين دامغة في رسائل عديدة من مجموعة "سراج النور" ولاسيما في المكتوب العشرين، حيث وضّحت مفصلاً، وفي النكتة الرابعة من اللمعة الثلاثين، حيث وضّحت مجملاً، وعلى النحو الآتي:
اذا فوّض أمر جميع الاشياء الى ذات الواحد الأحد فان خلق الكون كله وتدبير أمره يكون سهلاً كسهولة خلق شجرة، ويكون خلق الشجرة وانشاؤها سهلاً كسهولة خلق ثمرة واحدة، ويكون إبداع ربيع كامل وادارته سهلاً كسهولة ادارة زهرة واحدة، وتكون تربية نوعٍ يضم ما لا يحد من الافراد وتدبير امرها سهلاً وبلا مشكلات كسهولة ادارة فرد واحد.
بينما اذا فوّض في طريق الشرك خلق فرد واحد الى الاسباب والطبيعة فانه يكون صعباً كصعوبة خلق النوع، بل الانواع، ويكون ايجاد بذرة واحدة عسيراً كخلق الشجرة، بل مائة شجرة. ويكون ايجاد شجرة وانشاؤها واحياؤها وادارتها ورعايتها وتدبير امورها ذات مشكلات عويصة كادارة الكون كله بل اكثر منها.
وحيث ان هذا الامر قد اثبت في "سراج النور" على هذه الصورة، ونحن نشاهد وفرة في المخلوقات مع منتهى الاتقان والجودة، حتى أن كل ذي حياة وهي كماكنة خارقة تضم اجهزة كثيرة يُخلق بوفرة مطلقة وبسهولة متناهية بلا معالجة ولاتكلّف وفي لمح البصر. مما يبين لنا بالضرورة وبالبداهة؛ أن تلك الوفرة وتلك السهولة ناشئتان من الوحدانية، ومن كونهما افعال واحد أحد. اذ خلاف ذلك لاينعدم الرخص والوفرة والسرعة والسهولة والاتقان وحدها بل لايمكن ايضاً شراء ثمرة قيمتها خمس بارات 1 فقط بخمسمائة ليرة 2، بل تكون نادرة جداً الى حد العدم.

_____________________
1 بارة: كلمة معربة من الفارسية، وهي قطعة من النقد تساوي ربع من القرش، وهي نقد صغير من النحاس. (المعجم الاقتصادي الاسلامي) - المترجم.
2 ليرة: عملة ذهبية مقسمة الى مائة قرش (المعجم الاقتصادي) - المترجم.

الشعاع الثاني - ص: 29
وان السهولة المشاهدة في ايجاد الاحياء واليسر في ايجادها المنظم كيسر وانتظام عمل الساعة او المكائن الكهربائية التي تعمل بمجرد مس مفتاحها.. اقول هذه السهولة المشاهدة في ايجاد الاحياء ويسر ايجادها تصبح - في طريق الشرك - من الصعوبة والمشكلات بدرجة الامتناع.
وان الاحياء التي تُولد في يوم او في ساعة بل في دقيقة واحدة وتأتي الى الحياة والدنيا مع كامل اجهزتها وشرائط حياتها، لاتأتي الى الوجود - في طريق الشرك - في سنة بل ولا في عصر بل ولاتأتي اليه اصلاً.
وقد اثبت في "سراج النور" في اكثر من مائة موضع اثباتاً جازماً، يلزم حتى اعتى معاند مكابر، أنه: اذا اسندت جميع الاشياء الى ذات الواحد الاحد جل وعلا، فان الخلق والايجاد يكون كخلق شئ واحد ويتم في سرعة فائقة، وفي رخص وموفورية.
بينما اذا اسندت واعطيت حصة الى الاسباب والطبيعة، فان ايجاد شئ واحد يكون صعباً معضلاً وبطيئاً وتافهاً لا أهمية له، باهظاً غالياً، كجميع الاشياء.
وان شئت ان ترى براهين هذه الحقيقة فانظر الى المكتوب العشرين والمكتوب الثالث والثلاثين. وانظر الى الكلمة الثانية والعشرين، والكلمة الثانية والثلاثين. وانظر الى اللمعة الثالثة والعشرين الخاصة بالطبيعة واللمعة الثلاثين الخاصة بتجليات الاسم الاعظم، ولاسيما النكتة الرابعة والسادسة منها الباحثة عن اسم الفرد واسم القيوم. فترى ان هذه الحقيقة قد اثبتت في تلك الرسائل اثباتاً يقيناً كضرب الاثنين في اثنين يساوي اربعاً.
اما هنا فسنشير الى برهان واحد من تلك المئات من البراهين. وعلى النحو الآتي:
إن ايجاد الاشياء، إما من العدم، أو بالانشاء اي بالتركيب، حيث تجمع من العناصر وتجمع من الموجودات.
فاذا اسند الايجاد والخلق الى الواحد الأحد، فلابد أن يكون للذات الجليلة علم محيط بكل شئ، وقدرة مهيمنة على كل شئ.
الشعاع الثاني - ص: 30
لذا فان اعطاء وجود خارجي للاشياء التي صورتها ووجودها العلمي في علمه سبحانه، واخراجها من عدم ظاهري، امر سهل جداً، لاأسهل منه، كسهولة امرار مادة كيمياوية على كتابة مخفية، لأجل اظهارها، او نقل الصورة من عدسة الكاميرا الى الورق الحساس. وهكذا الاشياء التي تصاميمها وبرامجها ومقاديرها المعنوية موجودة في علم الصانع الجليل يخرجها جلّ وعلا بأمر كن فيكون من عدم ظاهري الى وجود خارجي.
أما إن كان الخلق انشاءً وتركيباً، وليس من العدم، فان جمعه من العناصر والموجودات هو الآخر سهل جداً، إذ كما ان اجتماع الجنود المتفرقين المنتمين لطابور معين، بصوت من بوق، وأخذ كل منهم وضعاً منتظماً، أمر سهل، وان الجنود كلهم يكونون بمثابة قوة ساندة لقائدهم وقانونه النافذ وعينه الباصرة لأجل تسهيل عملية السوق العسكري والحفاظ على وضع معين.
كذلك تساق الذرات المنضوية تحت قيادة رب العالمين بدساتير قدره وعلمه وبقوانين قدرته المهيمنة وتصبح الموجودات التي لها مساس مع تلك الذرات بمثابة قوة ذلك السلطان وقانونه وموظفيه وسائل تسهيل وتيسير. فتأتي تلك الذرات لتشكيل وجود كائن حي، فتدخل ضمن مقدار معين كقالب معنوي علمي وقدري، وتقف هناك.
ولكن اذا اُسند خلق الاشياء الى أيدٍ متفرقة عديدة، والى امثال الاسباب والطبيعة. فان اي سبب كان لايقدر على ايجاد شئ من العدم ومن اية جهة كانت، وهذا مايتفق عليه جميع اهل العقل. لأن ذلك السبب لايملك علماً محيطاً بكل شئ ولاقدرة مهيمنة على كل شئ؛ لذا لايكون ذلك العدم عدماً ظاهرياً وخارجياً وحده بل يكون ايضاً عدماً مطلقاً. والعدم المطلق لايكون قطعاً منشأً لوجود، لذا لابد أن يُركّب.
والحال ان تركيب وانشاء جسم ذبابة واحدة او زهرة واحدة يقتضي جمع جميع ذراته من سطح الارض كافة بعد تصفيتها وتنقيتها بمصاف معينة دقيقة، ولايمكن ذلك الاّ بعد مشكلات عديدة، وحتى بعد مجيئها فإن المحافظة عليها في وضع
الشعاع الثاني - ص: 31
منتظم دون ان تتبعثر وتتشتت داخل ذلك الجسم امر عسير آخر لعدم وجود قوالب معنوية علمية، اذ يلزم وجود قوالب مادية وطبيعية بعدد اعضاء ذلك الكائن، كي يتشكل ذلك الجسم للكائن..
وهكذا فان اسناد خلق جميع الاشياء الى واحد أحد، يولد سهولة متناهية بدرجة الوجوب واللزوم، بعكس اسناده الى الاسباب العديدة الذي يولد مشكلات وصعوبات بدرجة المحال. فلو فوّض امر كل شئ الى الواحد الاحد جل وعلا لأصبح الموجود في غاية النفاسة مع الوفرة المطلقة، وفي غاية الاتقان مع منتهى الحكمة والقوة، بينما لو اسند في طريق الشرك الى الاسباب المتعددة والطبيعة يكون الموجود في منتهى الغلاء مع انه في منتهى التفاهة والتشوه والضعف. لأنه كما ان أحداً بصفة الجندية يحمل قوة معنوية بانتسابه الى قائد عظيم واستناده اليه، اذ يمكن أن يُحشّد له جيشاً عظيماً اذا لزم الامر. فضلاً عن ان قوة ذلك القائد والجيش تكون قوة احتياطية له، فتتضاعف قوته الشخصية الى الوف الاضعاف فيكسب قدرة مادية علاوة على عدم اضطراره الى حمل منابع تلك القوة التي انتسب اليها ولا الى حمل مخازن عتاده حيث الجيش ينقلها، لذا يستطيع ذلك الجندي على أسر مشير لدى العدو، وعلى تهجير مدينة كاملة، وتسخير قلعة عظيمة، فيكون أثره خارقاً وذا قيمة واعتبار. ولكن اذا ماترك ذلك الشخص الجندية واصبح سائباً، فانه يفقد كلياً تلك القوة المعنوية الخارقة وتلك القدرة الخارقة والاقتدار الخارق، ويصبح انساناً اعتيادياً لايقدر على شئ الاّ بقدر قوته الشخصية من امور بسيطة جزئية لا أهمية لها، فيصغر تأثيره بتلك النسبة.
وعلى غرار هذا تماماً، ففي طريق التوحيد يستند كل شئ وينتسب الى القدير الجليل، لذا فكما تغلب نملة فرعوناً وبعوضة نمروداً وجرثومة جباراً عنيداً وكما تحمل بذيرة صغيرة على كتفها شجرة ضخمة كالجبل، فضلاً عن كونها منشأ ومخزن جميع آلات تلك الشجرة واجهزتها، فان كل ذرة ايضاً يمكن ان تؤدي وظائف لاتحد بذلك الاستناد والانتساب كتشكيل الصور والاجسام التي تحمل مئات الالوف من الاتقان والانواع والانماط والاشكال. وتصبح الاثار التي تؤديها تلك المأمورات اللطيفات وهذه المجندات الصغيرات في منتهى الكمال والاتقان والنفاسة والجودة؛ لأن الذي
الشعاع الثاني - ص: 32
يصنع تلك الآثار هو القدير ذو الجلال قد وضع في يد تلك الموظفات هذه الآثار وجعلهن ستاراً لقدرته.
ولكن اذا ما اسند الامر الى الاسباب، كما هو في طريق الشرك، فان تأثير النملة يصبح تافهاً ضئيلاً كالنملة نفسها واتقان الذرة لايعّد شيئاً كالذرة نفسها، بمعنى ان كل شئ يسقط معنىً كما يسقط مادة ايضاً بحيث لاتُشـــترى الدنيا عندئذٍ بشروى نقير.
فما دامت الحقيقة هي هذه، وان كل شئ في غاية النفاسة والابداع والقوة والمغزى العميق كما هو مشاهد، فلاريب انه لاطريق غير طريق التوحيد، واذا ماوجد طريق غيره فيلزم تبديل الموجودات وافراغ الدنيا في العدم واملاؤها مجدداً بامور تافهة بدلاً منها، ليفتح طريقاً أمام الشرك ليسلكه!!
وها قد سمعت مجمل برهان واحد يخص التوحيد من مئات البراهين الموضحة في رسائل النور.

المقتضى الثالث للتوحيد
ان الخلق في كل شئ، ولاسيما في الاحياء، هو في منتهى الابداع وغاية الاتقان. زد على ذلك، فالنوية الصغيرة نموذج الثمرة، والثمرة نموذج الشجرة، والشجرة نموذج النوع، والنوع نموذج الكون ومثاله المصغر، وفهرسه المختصر، وخريطته المجملة، وبذرته المعنوية، ونقطة جامعة مترشحة من الكون وقطرة خميرة جمعت منه محلوبة بدساتير علمية وبموازين حكيمة.
لذا فالذي يخلق واحداً مما ذكر، لاشك انه وحده خالق جميع الكون. نعم ان الذي يخلق نواة البطيخ هو خالق البطيخ بالبداهة، ولايمكن ان يكون غيره، بل محال قطعاً.
نعم، اننا نشاهد ان كل ذرة في الدم منتظمةٌ الى حدّ بعيد، وتؤدي من الوظائف الجليلة مالايقل في الاهمية عن اداء النجوم لوظائفها، وكذا كل كرية حمراء وبيضاء
الشعاع الثاني - ص: 33
في الدم تقوم بوظائفها تجاه الجسم بشعور تام من حيث اعاشته والحفاظ عليه وصيانته بحيث تسبق في الكمال اعظم مأموري توزيع الارزاق واخلص جنود المحافظة.
وان حجيرات الجسم نفسها تنال كل منها من الواردات والمصاريف المستهلكة وتجري من المعاملات المنتظمة والفعالية الدائمة في الجسم بحيث تسبق ادارة أكمل جسد وابدع قصر. وكل فرد من افراد الحيوانات والنباتات يحمل من العلامات الفارقة في وجهه والاجهزة في صدره بحيث لايمكن ان يضع تلك العلامات الاّ الذي خلق الحيوانات والنباتات جميعها.
وكل نوع من انواع الاحياء منتشرٌ في وجه الارض انتشاراً منظماً، ومختلط مع سائر الانواع اختلاطاً ملائماً، بحيث لايمكن ان يخلق ذلك النوع ويدير شؤونه الاّ من خلق جميع تلك الانواع ويديرها ويدبر شؤنها ويرعاها دفعة واحدة حتى جعل تلك الانواع الملونة كزرابي حيوية منسوجة من اربعمائة نوع من انواع الحيوانات والنبات مبثوثة على سطح الارض كافة.
فاذا ما قيست امور اخرى على ماذكرنا، يُفهم ان الكون برمته من حيث الخلق والايجاد كلٌ لايقبل التجزئة، ومن حيث الربوبية وتدبير الشؤون كليّ لايمكن ان ينقسم قطعاً.
هذا المقتضى الثالث قد بحث في كثير من اجزاء "سراج النور" ولاسيما في الموقف الاول من الكلمة الثانية والثلاثين. اذ قد وضح هناك وضوحاً رائعاً واثبت اثباتاً دامغاً بحيث ينعكس من كل شئ برهان وحدانية وحجة توحيد، كما ينعكس ضوء الشمس في مرآة كل شئ. لذا نختصر هنا مكتفين بذلك الايضاح
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-06-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشعاعات - الشعاع الثاني


الشعاع الثاني - ص: 34
المقام الثالث
سيُبين هذا المقام ثلاث علامات
كلية للتوحيد بياناً مجملاً .
ان الدلائل والحجج والعلامات الدالة على تحقق الوحدانية ووجودها لاتعد ولاتحصى. وقد ذكرت في "سراج النور" الالوف من تلك البراهين لذا اكتفي في هذا المقام ببيان مجمل لثلاث حجج كلية فقط.
العلامة والحجة الاولى؛ التي تنتج كلمة "وحده" هي:
ان في كل شئ وحدة، والوحدة تدل على الواحد وتشير اليه، ومما لاشك فيه ان الاثر الواحد يصدر من صانع واحد، فالواحد يصدر من الواحد. وحيث أن في كل شئ وحدة، فهي تدل على أن الشئ أثر لواحد أحد وصنعته.
نعم! ان هذا الكون أشبه مايكون بزهرة مغلفة بالوف من ستائر الوحدة. بل هو انسان كبير جداً لبس ملابس الوحدة بعدد الاسماء الإلهية وافعالها الشاملة. وهو شجرة طوبى الخليقة تتدلى من اغصانها انواع من الوحدة، بعدد انواع المخلوقات.
نعم ان ادارة الكون واحدة، وتدبير شؤونه واحد، وسلطنته واحدة، وعلامته واحدة.. وهكذا واحد، واحد، واحد، الى ألف من الواحد.. وكذا الاسماء الإلهية وافعالها التي تدير هذا الكون كل منها واحدة، فضلاً عن ان كل اسم وكل فعل يحيط بالكون كله او بمعظمه، اي أن الحكمة الفاعلة في الكون واحدة والعناية فيه واحدة، والتنظيم الذي فيه واحد، والإعاشة واحدة والرحمة المغيثة للمحتاجين فيه واحدة والمطر النازل بشرى بين يدي رحمته تعالى واحد. وهكذا واحد واحد واحد.. الى الألف من الواحد.
وكذا الشمس التي تنشر الدفء لهذا الكون واحدة، والقمر الذي يبعث الضياء واحد، والنار التي تطبخ المأكولات واحدة، والجبال التي هي مخازن واوتاد ذات خزائن واحدة، والسحاب الذي يسقى البساتين واحد.. وهكذا واحد واحد واحد الى الألف.
الشعاع الثاني - ص: 35
فهذه الآحاد في العالم حجة باهرة كالشمس الساطعة تدل على الواحد الأحد وتشير اليه .
وكذا فان عناصر الكون وانواعه، كل منها مع كونها واحدة الاّ أن احاطتها بسطح الارض ودخول بعضها في البعض الآخر، واتحاد بعضها مع البعض الآخر بعلاقات قوية بل بالمعاونة، علامة ظاهرة بلا شك على أن مالك الكون ومولاه وصانعه واحد أحد.
العلامة الثانية والحجة التي تنتج كلمة "لاشريك له" هي:
وجود الانتظام الاكمل بلا خلل والانسجام الأجمل بلا نقص والميزان العدل الذي لايظلم قطعاً، في كل شئ في الكون ابتداءً من الذرات الى المجرات.
نعم، لايكون الانتظام البديع والميزان الدقيق الاّ بالوحدة والتوحيد، لأن الايدي المتعددة اذا ماتدخلت في فعل واحد فانها تفسده.
فتعال تأمل في هيبة هذا الانتظام البديع الذي جعل هذا الكون على هيئة قصر عظيم فخم، في كل حجر من احجاره صنعة القصر بكامله.. وجعله مدينة رائعة التنسيق والنظام بحيث تصرف صادراتها غير المحدودة وتأتي وارداتها غير المعدودة واموالها الثمينة وارزاقها المتنوعة بانتظام كامل من وراء ستار الغيب، كلٌ في وقته المناسب، ومن حيث لايحتسب.. وجعله كتاباً معجزاً بليغا بحيث أن كل حرف فيه يفيد معاني مائة سطر وكل سطر فيه يعبّر عن معاني مائة صحيفة، وكل صحيفة فيه تبين معاني مائة باب، وكل باب فيه تفصح عن معاني مائة كتاب. فضلاً عن أن كلاً من ابوابه وصحائفه وسطوره وكلماته وحروفه يشير الواحدُ الى الآخر ويدلّ عليه.
وتعال تأمل في كمال التنظيم ضمن هذا الانتظام العجيب، الذي جعل الكون كله نظيفاً انيقاً طاهراً كأنه مدينة رائعة في النظافة والنقاء، بل كأنه قصر بديع يعتنى بنظافته وأناقته غاية العناية، بل كأنه حورية من حور الجنة لبست سبعين حلة من الحلل المزينة الجميلة. بل زهرة لطيفة مغلفة بسبعين ورقة من اوراقها الملونة الزاهية.
وتعال تأمل في كمال عدالة هذا الميزان ضمن هذا الانتظام والنظافة بحيث يوزن كل شئ بذلك الميزان؛ فالمخلوقات والحيوانات الدقيقة التي لاترى الاّ بعد تكبيرها الف
الشعاع الثاني - ص: 36
مرة، وكذا النجوم والشموس التي هي أكبر من الارض بألف مرة، يوزن كل منها بذلك الميزان ويكال بمكياله، فتعطى لتلك المخلوقات كل ما يلزمها من حاجيات من غير نقص وقصور حتى تتساوى أمام ذلك الميزان، ميزان العدالة، تلك المخلوقات الصغيرة جداً مع تلك المصنوعات الخارقة في الضخامة. علماً أن منها ما له تأثير عظيم الى حد تختل موازنة العالم بفقد موازنته لثانية واحدة، ولربما تؤدي الى انفلاق القيامة.
وتعال تأمل في هذا الجمال الزاهي والحسن الباهر ضمن هذا الانتظام والنظافة والميزان، بحيث جعل هذا الكون العظيم على صورة مهرجان في منتهى الجمال والبهجة، وعلى صورة معرض بديع في منتهى الزينة والروعة، وعلى صورة ربيع زاه تفتحت ازاهيره تواً. وجمّل الربيع كزهرة عظيمة واسعة تغطي وجه الارض بمئات الالوف من ازاهيره الجميلة، وكل زهرة منها في اروع زينة وابدع جمال. بل جعله كسندانة زاهية وباقة زهر لطيفة امامنا.
نعم، ان كل نوع من انواع الكائنات، بل حتى كل فرد من افرادها قد نال حسب قابليته حظاً من جمال الاسماء الإلهية الحسنى التي لامنتهى لجمالها. حتى دفع حجة الاسلام الامام الغزالي 1 الى القول: "ليس في الامكان ابدع مما كان" اي، ليس في دائرة الإمكان أبدع وأجمل من هذه المكوّنات.
وهكذا فهذا الحسن المحيط الجاذب، وهذه النظافة العامة الخارقة، وهذا الميزان الحساس المهيمن الشامل، وهذا الانتظام والانسجام المعجز المحيط بكل شئ، حجة قاطعة على الوحدانية وعلامة واضحة على التوحيد، أسطع من ضوء الشمس في رابعة النهار.

_____________________
1 الامام الغزالي: (450 - 505 هـ) ابو حامد محمد بن محمد بن محمد بن احمد الغزالي، فقيه ومتكلم وفيلسوف وصوفي ومصلح ديني واجتماعي، وصاحب رسالة روحية، كان لها اثرها في الحياة الاسلامية. ولد بطوس من اعمال خراسان، ودرس علوم الفقهاء وعلم الكلام على امام الحرمين، وعلوم الفلاسفة وبخاصة الفارابي وابن سينا وعلوم الباطنية، فلم يجد في هذه العلوم مايشبع حاجة عقله الى اليقين ولا ما يرضي رغبة قلبه في السعادة واشتغل بالتدريس في المدرسة النظامية وارتحل الى بلاد كثيرة منها دمشق وبيت المقدس والقاهرة والاسكندرية ومكة والمدينة. ومن مصنفاته (احياء علوم الدين) و (تهافت الفلاسفة) و (المنقذ من الضلال). - المترجم.

الشعاع الثاني - ص: 37
"
جواب في غاية القوة والايجاز عن سؤال
ذي شقين في غاية الأهمية يخص هذا المقام".

الشق الاول من السؤال:
انك تقول في هذا المقام: لقد احاط الحسن والجمال والعدالة بالكون. ولكن ماتقول فيما نشاهده من القبائح والمصائب والامراض والبلايا والاموات؟
الجواب: ان قبحاً يكون سبباً لانتاج انواع من الجمال او سبباً لإظهارها، يعدّ كذلك جمالاً. وان انعدام قبحٍ يؤدي الى إخفاء كثير من الجمال والى عدم ظهوره، لايعدّ قبحاً واحداً، بل اضعافاً مضاعفة من القبح.
فمثلاً: ان لم يوجد قبح كواحد قياسي، تصبح حقيقة الحسن نوعاً واحداً وتختفي مراتبه الكثيرة جداً ولكن بتداخل القبح فيه تظهر مراتبه. اذ كما تظهر درجات الحرارة بتداخل البرودة، ومراتب الضوء بوجود الظلام كذلك بوجود الشر الجزئي والضرر الجزئي والمصيبة الجزئية والقبح الجزئي تظهر الخيرات الكلية والمنافع الكلية والنعم الكلية واضراب الجمال الكلي. بمعنى ان ايجاد القبح ليس قبيحاً، بل جميل؛ لأن كثيراً من النتائج المتولدة منه جميلة. نعم ان الكسلان الذي قد يتأذى من المطر، لايقدح ضرره بالنتائج الخيرة التي جعلت المطر رحمة، ولايمكنه ان يبدل الرحمة الى نقمة.
أما الفناء والزوال والموت، - فكما اثبتت ببراهين قوية وقطعية في المكتوب الرابع والعشرين - فانها لاتنافي الرحمة العامة والحسن المحيط والخير الشامل. بل هي من مقتضيات هذه الامور. حتى الشيطان، فلانه سبب لتحريك النابضين الاساسيين لرقي البشر المعنوي، اي التسابق والمجاهدة، فان خلق نوع الشيطان خير ويُعدّ من هذه الجهة جميلاً.
بل حتى تعذيب الكافر في جهنم، أمر جميل، حيث قد تعدى بكفره على حقوق الكائنات قاطبة واستهان بمنزلتها الرفيعة وحط من كرامتها.
ولما كانت هاتان النقطتان قد بحثتا بحثاً مفصلاً في رسائل اخرى نكتفي هنا بهذه الاشارة القصيرة.
الشعاع الثاني - ص: 38
الشق الثاني من السؤال 1:
لنسلّم بهذا الجواب العام الذي يخص الشيطان والكافر. ولكن لِمَ يبتلي الغني المستغني الجميل المطلق الرحيم المطلق الخير المطلق، افراداً ضعفاء بالمصائب والشرور والقبائح؟
الجواب: ان جميع انواع البر والحسن والنعم آتية مباشرة من خزينة رحمة ذلك الجميل المطلق والرحيم المطلق ويرد من فيض احسانه الخاص. اما المصائب والشرور فهي نتائج جزئية قليلة فردية من بين كثير من النتائج المترتبة على قوانينه العامة والكلية، قوانين سلطان ربوبيته التي تمثل الارادات الكلية الجارية تحت اسم نواميس الله وعاداته، فتصبح تلك الامور من المقتضيات الجزئية لجريان تلك القوانين . لذا فلأجل الحفاظ على تلك القوانين ورعايتها والتي هى مبعث المصالح الكلية ومدارها يخلق - سبحانه - تلك النتائج الجزئية ذات الشرور. ولكن تجاه تلك النتائج الجزئية الاليمة يستغيث ويستنجد الافراد الذين ابتلوا بالمصائب والذين نزلت بهم البلايا فيمدّهم بامداداته الخاصة الرحمانية ويحسن اليهم باحساناته الخصوصية الربانية. فيظهر بهذا أنه الفاعل المختار وان كل شأن في كل شئ وثيق الصلة بمشيئته تعالى، وان قوانينه العامة ايضاً تابعة دائماً لإرادته واختياره، وان رباً رحيما يسمع نداء الذين يعانون من ضيق تلك القوانين العامة فيغيثهم ويمدّهم باحسانه عليهم. وانه بهذه الاحسانات الخصوصية والتوددات الخصوصية قد فتح ابواب تجلياته الخصوصية حيث قد فتح ميداناً لايحد ولايقيد لتجليات الاسماء الحسنى غير المقيدة وغير المحدودة، بشواذ النواميس الكلية والقوانين العامة ونتائجها الجزئية ذات الشرور.
وحيث ان هذه العلامة الثانية للتوحيد قد وضحت في مائة موضع من "سراج النور" اكتفينا باشارة عابرة اليها.
الحجة والعلامة الثالثة، التي ، تشير اليها "له الملك وله الحمد" بعلامات توحيد لاتعدّ ولاتحصى.
نعم، ان في وجه كل شئ كلياً كان أم جزئياً، ابتداءً من الذرات الى السيارات، علامة توحيد واضحة جلية كوضوح جلوة الشمس في المرآة ودلالتها على الشمس

_____________________
1 جواب هذا الشق الثاني مهم جداً، اذ يزيل شبهات كثيرة. - المؤلف.

الشعاع الثاني - ص: 39
نفسها. فمرآة تلك العلامة الموضوعة على كل شئ ايضاً تشير اشارة ساطعة مثلها الى منور الازل والابد، وتشهد على وحدانيته. وحيث أن اكثر تلك العلامات غير المحدودة قد وضحت توضيحاً مفصلاً في "سراج النور" نكتفي هنا بالاشارة الى ثلاث منها فقط.
فعلى وجه الكون نشاهد علامة واسعة للتوحيد، مركبة من التعاون والتساند والتشابه والتداخل التي تبيّنه الانواع فيما بينها، كل تجاه الآخر.
وعلى وجه الارض تشاهد علامة توحيد واضحة موضوعة على جيش سبحاني مركب من اربعمائة الف طائفة من طوائف الحيوانات والنباتات، وذلك بمنح ارزاقها المختلفة واسلحتها المتباينة وألبستها المتنوعة وتعليماتها المتمايزة ورخصها المتغايرة، تمنح كل منها دون نسيان أحد وبلا خطأ وفي غاية الانتظام وفي الوقت المناسب.
وعلى وجه الانسان تشاهد علامة وحدانية يبيّنها وجود العلامات الفارقة في وجه كل انسان بحيث تميّزه عن جميع الوجوه الاخرى في الارض كافة.
بل تشاهد على وجه كل مصنوع جزئياً كان أم كلياً علامة توحيد. وتشاهد على رأس كل مخلوق كبيراً كان أم صغيراً، قليلاً كان أم كثيراً، ختم الاحدية ولاسيما العلامات الموضوعة على الكائنات الحية فهي علامات ساطعة لامعة. بل ان كل كائن حي هو بنفسه علامة توحيد، وختم وحدانية، وطابع أحدية، وطغراء صمدية.
نعم، ان كل زهرة وكل ثمرة وكل ورقة وكل نبات وكل حيوان، ختم للأحدية، وختم للصمدية بحيث يحوّل كل شجرة الى صورة رسالة ربانية، وكل طائفة من المخلوقات الى صورة كتاب رحماني، وكل حديقة الى صورة مرسوم سلطاني سبحاني، بل قد وضعت في تلك الرسالة، رسالة الشجرة، اختامٌ بعدد ازاهيرها، وتواقيع بعدد ثمراتها، وطغراءات بعدد اوراقها. ووضعت ايضاً في ذلك الكتاب كتاب النوع والطائفة خواتم بعدد افرادها، اظهاراً لكاتبه وتعريفاً به ووضعت في ذلك المرسوم السلطاني، مرسوم الحديقة علامات وحدانية بعدد ما فيها من نباتات واشجار وحيوانات، تعريفاً بصاحبها السلطان الآمر. حتى ان في كل شجرة، في مبدئها ومنتهاها، في ظاهرها وباطنها اربعاً من علامات التوحيد التي تشير اليها الاسماء الحسنى (الاول والآخر والظاهر والباطن).
الشعاع الثاني - ص: 40
فما يشار اليه باسم "الاول" هو:
ان البذرة التي هي المبدأ الاساس لكل شجرة مثمرة 1، هي عليبة صغيرة تحمل برنامج تلك الشجرة وفهرستها وخطة عملها.. وهي مصنع صغير تضم اجهزتها ولوازمها وتشكيلاتها. وهي ماكنة تحوي على تنظيماتها ووارداتها الدقيقة ومستهلكاتها اللطيفة في مبدأ حياتها.
وما يشار اليه باسم "الآخر" هو:
ان ثمرة كل شجرة ونتيجتها، تمثل لائحة تعريف للشجرة بحيث تحمل اشكال تلك الشجرة واحوالها واوصافها. وهي اعلان يفصح عن وظائف الشجرة ومنافعها وخواصها.. وهي خلاصة تبين وترشد الى امثال تلك الشجرة وانسالها والاجيال الآتية منها، وذلك بالبذور التي تحملها في قلبها.
وما يشار اليه باسم "الظاهر" هو:
ان الصورة التي تلبسها كل شجرة والشكل الذي تتشكل به هو حلّة قشيبة مزركشة، ولباس جميل مفصّل على قدّ الشجرة باغصانها واعضائها واجزائها، وقص على حسبها وزين على وفقها، فهو لباس دقيق موزون وذو مغزى عميق، بحيث يحوّل تلك الشجرة الى صورة كتاب، والى صورة رسالة، والى صورة قصيدة عصماء.
وما يشار اليه باسم "الباطن" هو:
ان الاجهزة العاملة في كل شجرة، هي مصنع عظيم بحيث يكيل بميزان حساس ادارةَ جميع اجزاء تلك الشجرة وجميع اعضائها وتشكيلها وتدبير امورها، وفي الوقت نفسه يزوّد جميع اعضائها المتباينة ما يلزمها من مواد وارزاق بتوزيع وتقسيم وسوق ضمن انتظام متقن كامل وفي منتهى السرعة كسرعة البرق، ومنتهى السهولة كسهولة نصب الساعة، ومنتهى الوحدة والاتحاد كانقياد الجيش لأمر القائد، بحيث تتحير منه العقول.

_____________________
1 ان مايدور على ألسنة الناس منذ سالف الازمان حتى غدا مضرب الامثال من "النشوء من بذرة" يمكن ان يطلق على مؤلف هذه الرسالة باشارة مستقبلية، لأن خادم رسائل النور قد كشف بفيض القرآن الكريم معراجين لمعرفة التوحيد في كل من البذرة والزهرة، وفجر ينبوع الحياة في الموضع الذي هلك فيه الطبيعيون فبلغ من البذرة الى الحقيقة، الى نور المعرفة.
وبناء على هذه الحكمة تتكرر هاتان الكلمتان البذرة والزهرة في رسائل النور كثيراً ــ المؤلف.

الشعاع الثاني - ص: 41
حاصل الكلام:
ان اول كل شجرة عليبة صغيرة وبرنامج.. وآخرها نموذج ولائحة تعريف.. وظاهرها حلّة مزركشة ولباس مزيّن.. وباطنها مصنع ومعمل.. فهذه الجهات الاربع تلاحظ احداها الاخرى، فتنشأ من هذه الاربعة علامة عظيمة جداً، بل اسم اعظم بحيث لايمكن قطعاً ان يقوم بتلك الاعمال غير الواحد الأحد الذي بيده زمام الكون كله.
فكما ان الشجرة تحمل هذه العلامة للتوحيد. فان اول كل كائن حي وآخره، وظاهره، وباطنه يحمل علامة توحيد وختم وحدانية وتوقيع احدية وطغراء وحدانية ايضاً..
وهكذا على غرار هذه الشجرة المذكورة ضمن الامثلة الثلاثة، الربيع ايضاً شجرة تحمل ازاهير كثيرة. والبذور والجذور المودعة امانة بيد فصل الخريف تحمل علامة اسم "الاول". والثمرات والحبوب والخضار التي تفرغ الى احضان فصل الصيف وتملأ رداءه المبسوط تحمل ختم اسم "الآخر". والالبسة الفطرية المزينة بمئات الالوف من الزينة والحلل التي يلبسها فصل الربيع كحلل حور العين السندسية، تحمل ختم "الظاهر". والمصانع الصمدانية العاملة في باطن الارض وفي الربيع والقدور الرحمانية التي تغلي غلياناً والمطابخ الربانية التي تهئ المأكولات، تحمل طغراء اسم "الباطن"
بل ان كل نوع من الانواع، وليكن نوع البشر مثلاً، هو شجرة ايضاً، بذرته وجذوره في اعماق الماضي، وثمراته ونتائجه في المستقبل، فكما ان وجود القوانين المنتظمة الجارية ضمن حياة جنسه وبقاء نوعه يحمل علامة توحيد واضحة، كذلك الدساتير المنتظمة لحياته الشخصية والاجتماعية في وضعه الحالي تحمل ختم وحدانية مستترة تحت الاضطرابات الظاهرية، مثلما تحمل دساتير القضاء والقدر لحياته وهي مقدراته الحياتية المتسترة تحت الاحوال البشرية الظاهرية ختماً مخفياً منتظماً للتوحيد.

* * *
الشعاع الثاني - ص: 42
الخاتمة
اشارة قصيرة جداً بكلام الى كل من الاركان الايمانية التي يتضمنهاسرالتوحيد
ايها الانسان الغافل! تأمل ولو لمرة واحدة، وأجل النظر فيما بينته المقامات الثلاثة لهذه الرسالة من الثمرات الثلاث والمقتضيات الثلاثة والحجج الثلاث، وانظر:
أمن الممكن للصانع القدير الحكيم الرحيم العليم، الاّ يهتم بمحاسن الحقيقة المحمدية المستولية على الكون معنىً وبالتسبيحات الأحمدية - عليه الصلاة والسلام - وبأنوار الاسلام، وهو الذي يصرف الامور في هذا الكون ولايهمل أبسط شفاء ولا أقل شكر ولا أصغر صنعة كجناح البعوض، ولايفوض أمر هذه الجزئيات الى الأغيار قطعاً ولايحيلها اليهم، وهو الذي يقلّد اصغر نواة اعظم الوظائف والحكم الجليلة كالشجرة ويُشعر برحمانيته ورحيميته وحكيميته بكل صنعة من صنائعه ويعرّف نفسه بكل وسيلة ويحببها بكل نعمة؟
أوَ من الممكن الاّ يكون اعظم مقصد من مقاصد ذلك الصانع الجليل واعظم نور من انواره واوسع مرآة من مراياه، الرسالة الاحمدية على صاحبها افضل الصلاة والسلام الذي جمّل جميع مصنوعاته وابهج جميع مخلوقاته وأضاء الكائنات برمتها، وحوّل السموات والارض الى جذبة ذكر وتهليل، وضمّ تحت جناح سلطنته المعنوية والمادية نصف الكرة الارضية وخمس البشرية طوال اربعة عشر قرناً من الزمان دون انقطاع. أو من الممكن ألاّ يكون الانبياء عليهم السلام الذين خدموا الحقيقة نفسها كمحمد صلى الله عليه وسلم مبعوثي الصانع الجليل واحبّائه ورسله الكرام؟ حاش لله وكلا بعدد معجزات الانبياء؟
أوَ من الممكن - باية جهة كانت - للخالق الحكيم الرحيم الاّ يأتي بالحشر الذي هو أهون عليه من اتيان الربيع ولايفتح دار سعادة ومنزل بقاءٍ، وهو الذي علّق مائة حكمة وثمرة على كل شئ مهما كان جزئياً، وعرّف بربوبيته الذاتية بحكمها الخارقة وبشمول رحمانيته وحببها الى مخلوقاته، فهل يمكن الاّ يأتي بالحشر، فينكر جميع حكمته ورحمته بل حتى ربوبيته وكماله ويدفع الآخرين الى انكارها، ويفنى أحب مخلوقاته اعداماً ابدياً؟ حاش لله وكلا مائة الف الف مرة.
فذلك الجمال المطلق منزّه ومتعال ومقدّس عن هذا القبح المطلق بمائة الف مرة.
الشعاع الثاني - ص: 43
حاشية طويلة:
سؤال يرد بمناسبة مبحث الحشر:
ان ما ورد في القرآن الكريم مراراً (إنْ كَانَتْ اِلاّ صَيْحَةً وَاحِدَةً) (يس: 29) (وَمَآ اَمْرُ السَّاعَةِ اِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ) (النحل: 77) يـبين لنا ان الحشر الاعظم سيظهر فجأة الى الوجود، في آن واحد بلا زمان. ولكن العقول الضيقة تطلب امثلة واقعية مشهودة كي تقبل وتذعن لهذا الحدث الخارق جداً والمسألة التي لا مثيل لها.
الجواب: ان في الحشر ثلاث مسائل هي: عودةُ الارواح الى الاجساد، وإحياءُ الاجساد، وانشاء الاجساد وبناؤها.
المسألة الأولى: وهي مجئ الارواح وعودتها الى اجسادها، ومثاله هو: اجتماع الجنود المنتشرين في فترة الاستراحة والمتفرقين في شتى الجهات على الصوت المدوي للبوق العسكري. نعم، ان الصور الذي هو بوق اسرافيل عليه السلام، ليس قاصراً عن البوق العسكري، كما أن طاعة الارواح التي هي في جهة الأبد وعالم الذرات والتي أجابت بـ (قَالُوا: بَلى) (الاعراف:172) عندما سمعت نداء (اَلَسْتُ بِرَبّكُم) المقبل من اعماق الازل ونظامها يفوق بلاشك أضعاف اضعاف ما عند أفراد الجيش المنظم. وقد اثبتت "الكلمة الثلاثون" ببراهين دامغة ان الارواح ليست وحدها جيش سبحاني بل جميع الذرات ايضاً جنوده المتأهبون للنفير العام.
المسألة الثانية: وهي إحياء الاجساد. ومثالُه هو: مثلما يمكن اِنارة مئات الآلاف من المصابيح الكهربائية ليلة مهرجان مدينة عظيمة، من مركز واحد في لحظة واحدة، كأنها بلا زمان. كذلك يمكن انارة مئات الملايين من المصابيح على سطح الارض من مركز واحد. فما دامت الكهرباء وهي مخلوقة من مخلوقات الله سبحانه وتعالى وخادمة إضاءة في دار ضيافته، لها هذه الخصائص والقدرة على القيام بأعمالها حسب ما تتلقاه من تعليمات وتبليغات ونظام من خالقها، فلابد ان الحشر الاعظم سيحدث كلمح البصر ضمن القوانين المنظمة للحكمة الإلهية، تلك القوانين التي يمثلها آلاف الخدم المنوّرِين كالكهرباء.
الشعاع الثاني - ص: 44
المسألة الثالثة: وهي انشاء الاجساد فوراً، ومثاله هو: انشاء جميع الاشجار والاوراق التي يزيد عددها ألف مرة على مجموع البشرية، دفعة واحدة في غضون بضعة ايام في الربيع، وبشكل كامل، وبالهيئة نفسها التي كانت عليها في الربيع السابق.. وكذلك ايجاد جميع أزهار الاشجار وثمارها واوراقها بسرعة خاطفة، كما كانت في الربيع الماضي.. وكذلك تنبّه البُذيرات والنوى والبذور وهي لا تحصى ولا تعد والتي هي منشأ ذلك الربيع في آن واحد معاً وانكشافها واحياؤها.. وكذلك نشور الجثث المنتصبة والهياكل العظمية للاشجار، وامتثالها فوراً لأمر "البعث بعد الموت".. وكذلك احياء افراد انواع الحيوانات الدقيقة وطوائفها التي لاحصر لها بمنتهى الدقة والاتقان.. وكذلك حشر أمم الحشرات ولاسيما الذباب (الماثل امام اعيننا والذي يذكرنا بالوضوء والنظافة لقيامه بتنظيف يديه وعيونه وجناحيه باستمرار ويلاطف وجوهنا) الذي يفوق عدد ما ينشر منه في سنة واحدة عدد بنى آدم جميعهم من لدن آدم عليه السلام.. فحشر هذه الحشرة في كل ربيع مع سائر الحشرات الاخرى واحياؤها في بضعة ايام، لايعطي مثالاً واحداً بل آلاف الامثلة على انشاء الاجساد البشرية فوراً يوم القيامة.
نعم، لما كانت الدنيا هي دار "الحكمة" والدار الآخرة هي دار "القدرة" فان ايجاد الاشياء في الدنيا صار بشئ من التدريج ومع الزمن. بمقتضى الحكمة الربانية وبموجب اغلب الاسماء الحسنى امثال "الحكيم، المرتّب، المدبر، المربي". اما في الاخرة فان "القدرة" و "الرحمة" تتظاهران اكثر من "الحكمة" فلا حاجة الى المادة والمدة والزمن ولا الى الانتظار. فالاشياء تنشأ هناك نشأة آنية. وما يشير اليه القرآن الكريم بـ (وَمَآ اَمْرُ السَّاعَةِ إلاّ كَلَمْحِ البَصَرِ اَوْ هُوَ اَقْرَبُ) (النحل: 77)، هو ان ما ينشأ هنا من الاشياء في يوم واحد وفي سنة واحدة ينشأ في لمحة واحدة كلمح البصر في الآخرة.
واذا كنت ترغب ان تفهم ان مجئ الحشر أمر قطعي كقطعية مجئ الربيع المقبل وحتميته، فانعم النظر في "الكلمة العاشرة" و "الكلمة التاسعة والعشرين" الخاصتين بمسألة الحشر. وان لم تصدق به كمجئ هذا الربيع، فلك ان تحاسبني حساباً عسيراً.
الشعاع الثاني - ص: 45
المسألة الرابعة: وهي موت الدنيا وقيام الساعة، ومثاله هو: لو اصطدم كوكب سيار او مذنّب بأمر رباني بكرتنا الارضية التي هي دار ضيافتنا، لدمّر مأوانا ومسكننا - أي الارض - كما يُدمّر في دقيقة واحدة قصر بُني في عشر سنوات.
يكتفى بما ذكر حالياً من هذه المسائل الاربع التي تخص الحشر. ونرجع الى ما نحن بصدده.
أمن الممكن للقرآن المعجز البيان الاّ يكون كلام ذلك الصانع الجليل وهو المترجم البليغ لجميع حقائق الكون السامية، واللسان المعجز لجميع كمال خالق الكون، والجامع لجميع مقاصده؟ حاش وكلا بعدد اسرار آياته الكريمة.
أوَ من الممكن للصانع الحكيم الذي دفع جميع ذوي الحياة وذوي الشعور من مخلوقاته ليتكلم بعضهم مع بعض وينطقوا بالوف الانماط من الكلام والنطق وان يسمع اصواتهم ويعرفها ويستجيب لهم استجابة ظاهرة بافعاله وإنعامه ثم لايتكلم هو نفسه ويعجز عن الكلام ؟ فهل هناك احتمال لهذا ؟ وحيث انه يتكلم بالبداهة وان الانسان في مقدمة المخاطبين المدركين لكلامه، فلاشك ان القرآن الكريم اولاً وجميع الكتب المقدسة كلامه.
أوَ من الممكن ان يسخر الصانع الحكيم هذا الكون العظيم بانواعه واركانه لذوي الحياة حتى جعله مسكناً لهم ومعرضاً لهم ومضيفاً لهم فكثّر من انوع ذوي الحياة التي تعدّ بالالوف تكثيراً غزيراً حتى جعل كل ورقة من اوراق نبات الحَوَر، والنبق، ثكنة لنوع من الحشرات - الكائنات الذاكرة الطائرة في الهواء - ومهداً ورحماً لنموها كرحم الام ومخزناً لارزاقها.. يسخره تعريفاً بنفسه وتحبيباً لهاودفع مخلوقاته الى حمده والثناء عليه وبث الرضى والسرور في ذوي الحياة منها بأنواع احساناته وجعل رضاهم وامتنانهم محوراً مهماً لربوبيته.. فهل يمكن ان يترك هذا الصانع الحكيم السموات المزينة والنجوم المتلألئة المنثورة بلا مولى ولاروح ولاسكنة خالية خاوية على عروشها ودون فائدة ولاجدوى، اي دون ملائكة وروحانيات؟ حاش لله وكلا بعدد الملائكة والروحانيات.
أوَ من الممكن ان الصانع الحكيم المدبّر الذي يكتب بقلم قدره مقدرات حياة أصغر نبات واصغر شجرة بكمال الانتظام في نواته وثمرته، ويكتب مقدمات الربيع العظيم ونتائجه ككتابة شجرة واحدة بكمال الامتياز والانتظام، وانه يهتم حتى بما لا
الشعاع الثاني - ص: 46
أهمية له من الامور.. فهل يمكن لهذا الصانع الجليل الاّ يكتب الافعال المهمة جداً للانسان والاّ يسجل حركاته وسكناته ولايدخلها ضمن دائرة قدره ولايبالي به وهو الذي جعله نتيجة الكون وخليفة الارض وناظراً على انواع مخلوقاته ومشرفاً عليها؟ حاش لله وكلا بعدد اعمال الانسان التي توزن بالميزان..
حاصل الكلام:
ان الكون بجميع حقائقه ينادي ويقول:
آمنت بالله وملائكته وكتبه ورُسُلهِ وبالقَدرِ خَيرهِ وشرّهِ من الله تعالى والبعثُ بعد الموتِ حقٌ أشهدُ أن لا اله الاّ الله وأشهد أن محمداً رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه واخوانهِ وسلِّم آمين.
مناجاة توحيدية ومقدمتها
... لمناسبة تكرار اسم "سراج النور" في هذه الرسالة نوسع في ختامها مناجاة الامام علي رضي الله عنه - بدرجتين - جاعلين لساننا ينطق في سبيل لسانه الرفيع فنقدم هذه المناجاة الآتية الى ديوان الواحد الأحد جل وعلا.
مناجاة
اللّهم إنه ليسَ في السّمواتِ دوراتٌ ونجومٌ ومُحَّركاتٌ سيّاراتٌ، ولا في الجوّ سحاباتٌ وبروقٌ مسبِّحاتٌ ورَعداتٌ، ولا في الارض غَمَراتٌ وحيواناتٌ وعجائبُ مصنوعاتٍ، ولا في الجبالِ حجَراتٌ ونباتاتٌ ومدخرات معدنياتٍ، ولا في الاشجار ورقاتٌ وزهرات مزيناتٌ وثمراتٌ، ولا في الاجسام حَركاتٌ والاتٌ ومنظّماتُ جهازاتٍ، ولا في القلوبِ خَطراتٌ والهاماتٌ ومنوّراتُ إعتقاداتٍ.. الاّ وهي كلُّها على وجوب وجودكَ شاهداتٌ وعلى وَحدانيتك دآلاّتٌ وفي مُلككَ مُسخراتٌ فبالقدرة التي سخّرتَ بها الارضين والسموات سخّر لي نفسي وسخّر مَطلوبي وسخّر لرسائل النور ولخدمة القرآن والايمان قُلوبَ عبادكَ وقلوبَ المخلوقاتِ الرّوحانيات من العُلويات والسُفليات يا سميع يا قريب يا مجيبَ الدعوات..
والحمد لله ربّ العالمين
(سُبحانك لاعلمَ لنا الاّ ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم)
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشعاعات - الشعاع الخامس عشر عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 7 04-06-2011 04:10 PM
الشعاعات - الشعاع الثاني عشر عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 04-06-2011 03:35 PM
الشعاعات - الشعاع الخامس عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 0 04-06-2011 02:51 PM
الشعاعات - الشعاع الرابع عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 2 04-06-2011 02:45 PM
الشعاعات - الشعاع الثالث عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 04-06-2011 02:38 PM


الساعة الآن 12:58 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir