أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي عَافَانِي في جَسَدِي ورَدَّ عَلَيَّ رُوحِي، وأَذِنَ لي بِذِكْرهِ           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 12-02-2011
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي تفسير الذكر الحكيم: (بسم الله الرحمن الرحيم)

بسم الله الرحمن الرحيم

قال بعضُ العلماءِ : هو قَسَمٌ من ربِّنا ـ تبارك وتعالى ـ أَنزلَه أَوَّلَ كلِِّ سورةٍ ، ليُقسم لعبادِه بأنَّ هذا الذي وضعتُ لكم في هذه السورةِ حقٌّ ، وإنّي أَفي لكم بجميعِ ما ضَمِنتُ في هذه السُورةِ من وعْدي ولُطفي وبِرّي .
وقال آخرون : إنها تَضَمَّنتْ جميعَ الشرع ، لأنها تَدُلُّ على الذات العليَّةِ وعلى الصفات السنيّة .
وهي عند الشافعيِّ الآيةُ الأُولى من سورة الفاتحة ، بينما لم يعدّها الإمام مالك كذلك ، رحمهما الله . واتّفقَ العلماءُ على أنّها بعضُ آيةٍ من سورَةِ النملِ ، ثمّ اختلفوا : فمنهم مَنْ عدّها آيةً مُستقلَّةً في أوَّلِ كلِّ سورةٍ ، ما عَدا سورةِ التوبة (( براءة )) ذلك لأنّ بدايتَها تَبرُّؤُ الله ـ تباركت أسماؤه ـ من المشركين والمنافقين وتقريعٌ لهم ووعيدٌ ، وهو أمرٌ فيه من اسمِه الجبار والمنتقم والشديد ، و ليس فيه من اسمِه الرحمن الرحيم .
ومنهم مَنْ قال : إنّ بسم الله الرحمن الرحيم بعضُ آيةٍ من أوّلِ كلِّ سورةٍ ، ومنهم مَن قال إنّها في الفاتحة دون غيرِها ، ومنهم مَنْ قال إنّها كُتِبتْ للفصلِ ، بين سورِ القرآن الكريم ليس
إلاّ .
والباءُ فيها زائدةٌ ، وهي تُسمّى باءَ التَضمين أو باءَ الإلصاق كقولك : كتبتُ بالقلم ، فالكتابةُ لاصقةٌ بالقلم . وهي مكسورةٌ أبداً ، وخافضةٌ لما بَعدَها فلذلك كَسَرتْ ميمَ " اسمِ " وفي إعرابها نقول : الباءُ حرفُ جرٍّ زائد .
وكان عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ يقول فيها لكُتّابِهِ: ((طَوِّلوا الباء ، وأظهِروا السين ، وفرِّجوا بينهما ، ودَوِّروا الميم تعظيماً لكلامِ اللهِ تعالى )) .
وقد أسقطوا الألف بعدها للتخفيف ، إذ الأصلُ أن تقول باِسم الله ... وفي الكلام إضمارٌ واختصارٌ تقديرُه : قل ، أو ابدأ بسم الله . والمعنى : بالله تكوّنت الموجوداتُ ، وبه قامت المخلوقات .
فأمّا معنى الاسم ، فهو عينُ المسمّى وحقيقةُ الموجود ، وذاتُ الشيءِ وعينُه ونفسُه واسمُه ، وكلُّها تُفيد معنىً واحداً . والدليلُ على أنّ الاسمَ عينُ المسمّى قولُه تعالى : { إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسمُه يحيى } فأخبر أنّ اسمَه يحيى ، ثمّ نادى الاسمَ وخاطبَه فقال : { يا يحيى } فيحيى هو الاسم ، والاسم هو يحيى .
وقوله تعالى : {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا..}
وأراد الأشخاص المعبودة ؛ لأنّهم كانوا يعبدون المسمّيات .
وقوله تعالى : { سَبِّحِ اسمَ رَبِّكَ الأعلى } و{ تَبَارَكَ اسمُ رَبِّكَ } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : (( لَتَضْرِبَنَّ مُضَرُ عِبادَ اللهِ حتّى لا يُعبَدَ له اسمٌ )) أي حتى لا يعبد هو .
وأصله سِمْو " من السُمُوِّ " وجمعُه : أسماء ، مثلُ قِنْوٍ وأَقْناء وحِنْوٌ وأحْناء ، فحُذفت الواو للاستثقال ، ونقلت حركة الواو إلى الميم فأُعربت الميم بحسب محلها في الإعراب ، ونقل سكونُ الميمِ إلى السين فسكنت ، ثم أُدخلتْ ألفٌ مهموزةٌ لسكون السين " اسم " ؛ لأجل الابتداء يدلّك عليه التصغير والتصريف يقال : سُمَيّ " في التذكير " وسُمَيَّة " في التأنيث " لأنّ كلَّ ما سَقط في التصغير والتصريف فهو غيرُ أصلي .
وكلمةُ بِسْمِ : جارٌّ ومجرورٌ ، والباء ـ هنا ـ للاستعانة لأنَّ المعنى : أَقرأُ مستعيناً بالله ، أو باسم الله ، ولها معانٍٍ أُخَرُ وهي :
ـ الإِلصاقُ حقيقةً أو مجازاً ، نحو : مَسَحْتُ برأسي ((على الحقيقة )) ومررْتُ بزيدٍ (( على سبيل المجاز )) .
ـ والسببيّةُ : نحو { فَبِظُلْمٍ مِّنَ الذين هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ
.. } أي بسببِ ظلمهم .
ـ والمُصاحَبَةُ نحو : خَرَجَ المجاهدُ في سبيل الله بماله ، أي مُصاحِبَاً له ، ويقال كذلك خرج المهزوم بثيابه .
ـ والبَدَلُ (( أو العِوض )) كقوله عليه الصلاة والسلام : ((ما يَسُرُّنِي بها حُمْرُ النَّعَم)) أيْ بَدَلها . كما لو قلتَ هذا بذاك .
ـ والقَسَمُ : أي أحلفُ باللهِ لأفعلنَّ كذا ، أو بالله عليك إلاّ فعلتَ كذا وكذا .
ـ والظَرْفيَّةُ نحو : نحو قوله تعالى (( إنّ أوّلَ بيتٍ وضعَ للناسِ للذي ببكّةَ )) أي فيها ، وكذلك قولك : نهرُ بردى بالشام .
ـ والتَعْدِيَةُ نحو : {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ } . لأنّ هذا الفعل ((ذهب )) فعلٌ لازمٌ في مثل قولك : ذهب فلان ، فالجملة هنا فعل وفاعل فقط دون مفعول به ، فإذا أردنا أن نعدَّيَه ليتَّخذ مفعولاً به وجب أن نقول : ذهب فلانٌ بفلانٍ
ـ والتَبعيضُ كقول عنترة:
شَرِبَتْ بِمَاءِ الدُّحْرُ ضَيْنِ فأصْبَحَتْ
زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ
أي بعضاً من مائه . ولذلك قال بعضُ الفقهاء في (( فامسحوا برؤوسكم )) أي ببعضها .
ـ والمقابلة: " اشتريتهُ بألف " أي : قابلتُه بهذا الثمنِ .
ـ والمجاوزة مثلُ قولِه تعالى : { وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السمآء بالغمام} أي عن الغمام ، ونحو قوله سبحانه : { الرحمنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } أي عنه .
ـ والاستعلاء كقوله تعالى : { ومنهم إن مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ} أي على قنطار .
وقد تُزادُ مُطَّرِدةً وغيرَ مطَّرِدةٍ ، فالمطَّردةُ في فاعل " كفى " نحو : { وكفى بالله شهيداً } وفي خبرِ ليس و " ما " أختِها ، كقوله تعالى: { أَلَيْسَ الله بِكَافٍ عَبْدَهُ } و { وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عما يعمل الظالمون } وفي : بحَسْبِك زيدٌ .
وغيرَ مطَّردةٍ في مفعولِ " كفَى " كقول أحدهم :
فكفى بنا فَضْلاً على مَنْ غيرُنا .......... حُبُّ النبيِّ محمدٍ إيانا
أي : كَفانا فضلاً .
وفي المبتدأ غيرَ " حَسْب " أوفي خبر " لا " أختِ ليس ، كقول أحدهم :
فكُنْ لي شفيعاً يومَ لا ذو شفاعةٍ .. بمُغْنٍ فتيلاً عن سَوادِ بنِ قاربِ
أي : مُغْنياً ، وفى خبرِ كان مَنْفِيَّةً نحو:

وإنْ مُدَّتِ الأيدي إلى الزادِ لم أكنْ
ِ بأعجلِهم ، إذْ أَجْشَعُ القومِ أَعْجَلُ
أي: لم أكنْ أعجلَهم.
وفي الحال وثاني مفعولَيْ ظنَّ منفيَّيْنِ أيضاً كقوله :
دعاني أخي والخيلُ بيني وبينه ....... فلمَّا دعاني لم يَجِدْني بقُعْدَدِ
أي : لم يَجِدْني قُعْدَداً .
وفي خبر " إنَّ " كقول امرئ القيس :
فإنْ تَنْأَ عنها حِقْبَةً لا تُلاقِها .......... فإنك ممَّا أَحْدَثَتْ بالمُجَرِّبِ
أي: فإنك المجرِّب .
والاسمُ لغةً : ما أبانَ عن مُسَمَّى ، واصطلاحاً : ما دلَّ على معنىً في نفسه فقط غيرَ متعرِّضٍ بِبُنْيَتِهِ لزمانٍ ، بعكس الفعل فهو متعلق بزمان ما ، الماضي " الفعل ماض " أو الحاضر " الفعل المضارع " أو المستقبل " فعل الأمر والمضارع إذا سبق بالسين أو سوف " والتسميةُ : جَعْلُ ذلك اللفظِ دالاًّ على ذلك المعنى .
واختُلِف : هل الاسمُ عينُ المُسَمَّى أو غيرُه ؟ وقد بسَطْنا في ذلك آنفاً ، وما يَعنينا من ذلك : أنَّ الاسمَ ـ هنا ـ بمعنى التسمية ، والتسميةُ غيرُ الاسم ، لأنَّ التَسْمِيةَ هي اللفظُ بالاسم والاسمَ هو اللازمُ للمُسَمَّى .
ثم إنَّ في الكلامِ حَذْفُ مضافٍ ، تقديرُه : باسم مُسَمَّى اللهِ. و الاسم مشتقٌ من السُّمُوِّ وهو الارتِفاعُ ، لأنه يَدُلُّ على مُسَمَّاه فيرفعُه ويُظْهِرُهُ ، وذهب بعضهم إلى أنّه مشتقٌّ من الوَسْمِ ، والوَسْمُ العلامةُ لأنّ الاسمَ علامةٌ على مُسَمَّاه .
وقيل في " بسم " : أنّ الباءَ بَهاءُ اللهِ عزَّ وجلَّ ، والسينَ سناءُ اللهُ عزَّ وجلَّ ، والميمَ مجدُ الله عزَّ وجلَّ ، فقد جاء في الحديث الشريف عن أبي سعيدٍ الخِدريِّ رضي الله عنه أنّه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( إن عيسى بنَ مريمَ أسلمَتْهُ أمُّه إلى الكُتّابِ ليتعلّم ، فقال له المعلّم : قل باسمِ الله . قال عيسى : وما باسم الله ؟ فقال له المعلّم : ما أدري . قال "أي عيسى عليه السلام " الباءُ : بهاءُ الله ، والسينُ : سناءُ اللهِ ، والميمُ: مملكةُ اللهِ )) . فاعْجَبْ لمتعلِّمٍ يُعلِّمُ أستاذَه .
ولفظُ الجلالةِ " الله " عَلَمٌ على ذاتِ الخالقِ ـ عزَّ وجلَّ ـ تفرَّدَ به ـ سبحانه ـ ولا يُطلَق على غيرِه ، ولا يُشارِكُه فيه أحد .
وأصلُ هذه الكَلِمَةِ " إله " فأُدخلت الألفُ واللام فيها تفخيماً وتعظيماً لمّا كانَ اسمَ اللهِ عزَّ وجَلَّ ، فصار " الإله " فحُذفت الهمزةُ استثقالاً لِكَثرَةِ جَرَيانها على الألسُنِ ، وحُوِّلتْ
هُوِيّتُها إلى لامِ التعظيم فالتقى لامان ، فأُدغِمتْ اللامُ الأولى في الثانية ، فقالوا " الله " .
وهو اسمٌ عَلَمٌ غيرُ مشتقٍّ من صفةٍ . قال الله تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } .
و" اللهُ " أكبرُ أسمائه ـ سبحانَه ـ وأجمعُها ، وهو اسمُ اللهِ الأعظمُ ـ عندَ أهلِ التحقيق ـ الذي حوى الأسماءَ كلَّها ، وبين الألفِ واللامِ منه حرفٌ مُكنّى غيبٌ من غيبٍ إلى غيبٍ ، وسِرٌّ من سِرٍّ إلى سِرٍّ ، وحقيقةٌ من حقيقةٍ إلى حقيقةٍ . لا ينال فهمه إلاَّ الطاهرُ من الأدناس ، كما قالوا .
ومن العلماء مَن عَدّه مشتقاً ؛ واختلفوا في اشتقاقه ، فقال بعضُهم هو من التألُّهِ ، وهو التنسُّكُ والتَعَبُّدُ ، يُقالُ : أَلَهَ إلاهَةً ، أي عَبَدَ عِبادة . فقد قرأَ سيّدُنا عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : " ويَذَرَكَ وإلهَتَكَ " أي عبادتك .
وقيل هو من " الإلْهِ " وهو الاعتمادُ ، يُقالُ : أَلَهْتُ إلى فلانٍ ، آلَهُ إلْهاً ، أي فَزِعتُ إليه واعتمدتُ عليه .
وقيل هو من قولهم " أَلِهْتُ في الشيء " إذا تحيّرتَ فيه فلم
تَهْتَدِ إليه . وقيل هو من " أَلُهْتُ إلى فلان " أي سكنتُ إليه .
وقيل أصلُه مِن " الوَلَهِ " وهو ذهاب العقل لفقدان من يعزّ
عليك . وأصلُه " أَلُهَ " ـ بالهمزة ـ فأُبدل من الألف واوٌ فقيل الوَلَهُ ، مثل ذلك (( إشاحٌ ، ووشاحٌ )) و ((وكاف ، وإكاف )) و (( أرّختُ الكتابَ ، وورّخته )) و (( وُقِّتَتْ ، وأُقِّتَتْ )) .
فكأنه سمّيَ بذلك ؛ لأنّ القلوبَ تَوَلَّهُ لمحبَّتِهِ وتَضْطَرِبُ وتَشتاقُ عند ذكره .
وقيل : معناه محتجبٌ ؛ لأن العرب إذا عَرَفَتْ شيئاً ، ثم حُجِبَ عن أبصارِها سمّتْه إلهاً ، قيل : لاهتْ العروس تَلُوهُ لَوهاً ، إذ حُجِبت .
والله تعالى هو الظاهر بالربوبيّة ـ بالدلائل والأعلام ـ المحتجبُ من جهةِ الكيْفيَّةِ عن الأوهام .
وقيل : معناه المتعالي ، يقال : " لاه " أي ارتفع .
وقيل : هو مأخوذٌ من قولِ العربِ : أَلِهْتُ بالمكان ، إذا أقمتُ فيه .
وقيل من " أَلَهَهُمْ " أي أحوجهم ، فالعبادُ مَوْلوهون إلى بارئهم أي محتاجون إليه في المنافع والمضارِّ ، كالواله المضطرّ المغلوب .
وغلَّظَ بعضٌ بقراءة اللام من قوله : " الله " حتى طبقوا اللسان به الحنك لفخامة ذكره .
ولم يتسمّ به غيرُه ـ سبحانه ـ ولذلك لم يُثنَّ ولم يجمع : فاللهُ اسمٌ للموجودِ الحقِّ الجامعِ لصفات الإِلهيّة ، المنعوت بنعوت
الربوبيّة ، المنفرد بالوجود الحقيقيّ ، لا إله إلا هو ، سبحانه وتعالى .
والرحمن : اسم فيه خاصيّةٌ من الحرف المكنّى بين الألف واللام الذي سلف ذكره آنفاً .
والرحيم : هو العاطف على عباده بالرزق في الفرع والابتداء في الأصل رحمة لسابق علمه القديم وفضله .
أي بنسيم روح الله اخترعَ من مُلكِه ما شاء ، رحمةً لأنه رحيم . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه {الرحمن الرحيم } اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر ، فنفى الله تعالى بهما القنوط عن المؤمنين من عباده .
{ الرحمن الرَّحِيمِ } قيل هما بمعنىً واحد مثل { نَدْمان ، ونَديم } و { سَلمان ، وسَليم } و { هَوان وهَوين } ومعناهما : ذو الرحمة ، والرحمة : إرادة الله الخير بأهله ، وهي على هذا القول تكون صفةَ ذات . وقيل : هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة " وفعل " الخير إلى من لم يستحق ، وعلى هذا القول تكون صفةَ فعل ، يُجمَع بينهما للاتّساع .
وفرَّقَ الآخرون بينهما فقال : بعضهم الرَّحْمن على زِنَةِ فَعْلان ، وهو لا يقع إلاّ على مبالغة القول . وقولك : رجلٌ غضبان ، للمُمتلئِ غَضَباً ، وسكران لمن غلب عليه الشراب .
فمعنى " الرَّحْمن " : الذي وسِعت رحمتُه كلَّ شيءٍ .
وقال بعضُهم : " الرَّحْمنُ " العاطف على جميع خلقه ؛ كافرِهم ومؤمنِهم ، بَرِّهم وفاجرِهم ، بأنْ خَلَقَهم ورَزَقَهم . قال الله تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } .
و " الرحيم " بالمؤمنين خاصّةً بالهداية والتوفيق في الدنيا ، والجنَّةِ والرؤيةِ في الآخرة . قال تعالى : { وَكَانَ بالمؤمنين رَحِيماً}.
فـ " الرَّحْمنُ " خاصُّ اللفظِ عامُّ المعنى و " الرحيم " عامُّ اللفظِ خاصُّ المعنى . و " الرَّحْمن " خاص من حيث إنّه لا يجوزُ أنْ يُسمّى به أحدٌ إلاّ اللهُ تعالى ، عامٌّ من حيث إنّه يشمَل الموجودات من طريق الخلق والرزق والنفع والدفع . و" الرحيم" عامٌّ من حيث اشتراكُ المخلوقين في المسمّى به ، خاصٌّ من طريق المعنى ؛ لأنّه يَرجِعُ إلى اللطف والتوفيق .
والرَّحْمنُ اسمٌ خاصٌّ بصفةٍ عامّةٍ ، والرحيم اسمٌ عامٌّ بصفةٍ
خاصَّةٍ .
وقيل : الرَّحْمنُ بأهل الدنيا ، والرحيمُ بأهل الآخرة . وجاء في الدعاء : يا رحمنَ الدنيا ورحيمَ الآخرة .
و" الرحمن الرحيم " : صفتان مشتقّتان من الرحمة ، وقيل : الرحمنُ ليس مشتقاً لأن العربَ لم تَعْرِفْه في قولهم : {وَمَا الرحمن} وأجيب عنه بأنهم جَهِلوا الصفةَ دونَ الموصوفِ ، ولذلك لم يقولوا : وَمَنْ الرحمن ؟
وذهب بعضهم إلى أن " الرحمن " بدلٌ من اسمِ الله لا نعتٌ له ، وذلك مبنيٌّ على مذهبه من أنَّ الرحمن عنده عَلَمٌ بالغلَبة . واستدَلَّ على ذلك بأنّه قد جاء غيرَ تابعٍ لموصوفٍ ، كقوله تعالى: { الرحمن عَلَّمَ القرآن } و { الرحمن عَلَى العرش استوى } .
وقد رُدَّ عليه بأنّه لو كان بدلاً لكان مبيَّناً لِما قبله ، وما قبلُه - وهو الجَلالةُ - لا يفتقرُ إلى تبيينٍ لأنها أعرفُ الأعلامِ ، ألا تراهم قالوا : { وَمَا الرحمن } ولم يقولوا : وما اللهُ .
أمَّا قوله : " جاء غيرَ تابع " فذلك لا يمنعُ كونَه صفةً ، لأنه إذا عُلم الموصوفُ جاز حَذْفُه وبقاءُ صفتِه ، كقولِه تعالى : { وَمِنَ الناس والدوابِّ والأنعام مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ } أي نوع مختلف ، وكقول الشاعر :
كناطحٍ صخرةً يوماً لِيُوْهِنَها ... فلم يَضِرْها وأَوْهَى قرنَه الوَعِلُ
أي : كوعلٍ ناطح .
والرحمةُ ، لغةً : الرِقّةُ والانعطافُ ، ومنه اشتقاقُ الرَّحِم ، وهي البطنُ لانعطافِها على الجَنين ، فعلى هذا يكون وصفُه تعالى بالرحمة مجازاً عن إنعامِه على عبادِه كالمَلِك إذا عَطَف على رعيَّته أصابَهم خيرُه . ويكونُ على هذا التقدير صفةَ فعلٍ لا صفةَ ذاتٍ.
وقيل : الرحمةُ إرادةُ الخيرِ لمَنْْ أرادَ اللهُ به ذلك ، ووَصْفُه بها على هذا القولِ حقيقةٌ ، وهي حينئذٍ صفةُ ذاتٍ ، وهذا القولُ هو الظاهرُ .
وقيل : الرحمةُ رِقَّةٌ تقتضي الإِحسانَ إلى المرحومِ ، وقد تُستعملُ تارةً في الرقّة المجرّدة وتارةً في الإِحسان المجرَّد ، وإذا وُصِف به الباري تعالى فليس يُراد به إلاّ الإِحسانُ المجرّدُ دونَ الرقّةِ ، وعلى هذا رُوي : " الرحمةُ من الله إنعامٌ وإفضالٌ ، ومن الآدميين رقةٌ وتعطُّف " .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " وهما اسمان رقيقان أحدهما أرقُّ من الآخر أي : أكثرُ رحمة " .
وقال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله رفيقٌ يحبُّ الرِفقَ ، ويُعطي عليه ما لا يُعْطي على العنف )) ، وأمَّا الرحيمُ فالرفيق
بالمؤمنين خاصة .
واختلف أهلُ العلمِ في (( الرحمن الرحيم )) بالنسبة إلى كونِهما بمعنىً واحدٍ أو مختلفين .
ومنهم مَنْ قال : لكلِّ واحد فائدةٌ غيرُ فائدةِ الآخر ، وجَعَل ذلك بالنسبة إلى تغايُرِ متعلِّقِهما إذ يقال : (( رَحْمنُ الدنيا ورحيمُ الآخرة )) يُروى ذلك عن النبي صلَى الله عليه وسلم . وذلك لأنَّ رحمتَه في الدنيا تَعُمُّ المؤمنَ والكافرَ ، وفي الآخرة تَخُصُّ المؤمنين فقط . ويُروَى : رحيمُ الدنيا ورحمنُ الآخرة ، وفي المغايَرة بينهما بهذا القَدْر وحدَه نظرٌ لا يَخْفى .
وذهب بعضُهم إلى أنهما مختلفان ، ثم اختلف هؤلاء أيضاً : فمنهم مَنْ قال : الرحمنُ أبلغُ ، ولذلك لا يُطلق على غيرِ الباري تعالى ، واختاره الزمخشري ، وجعلَه من باب غَضْبان وسَكْران للممتلىءِ غَضَباً وسُكْراً ، ولذلك يقال : رحمن الدنيا والآخرة ورحيم الآخرة فقط " فكان القياسُ الترقِّيَ من الأدنى ، إلى الأعلى ، كما يُقال : شُجاعٌ باسلٌ ، ولا يقال : باسِلٌ شجاع .
ثم أجاب بأنه أَرْدَفَ الرحمنَ الذي يتناول جلائلَ النِّعَمِ وأصولَها بالرحيمِ ليكونَ كالتتمَّةِ والرديف ليتناولَ ما دَقَّ منها ولَطَف .
ومنهم مََنْ عَكَس فجعلَ الرحيمَ أبلغَ ، ويؤيده روايةُ مَنْ قال : رحيم الدنيا وحمان الآخرة « لأنّه في الدنيا يَرْحم المؤمن والكافرَ ، وفي الآخرة لا يَرْحم إلا المؤمن . لكن الصحيح أنَّ الرحمنَ أبلغُ ، وأمَّا هذه الروايةُ فليس فيها دليلٌ ، بل هي دالَّةٌ على أنَّ الرحمنَ أبلغُ ، وذلك لأنَّ الرحمةَ في القيامة أكثرُ بأضعافٍ، وأثرُها فيها أظهرُ ، على ما يُروى أنه خَبَّأ لعباده تسعاً وتسعينَ رحمةً ليوم القيامة ووضع لهم رحمة واحدة في الدنيا فبها يتراحم الخلق كلّهم .
يُروى أن سيدنا موسى عليه السلام سأل ربّه كيف أن الخلق كلّهم يتراحمون برحمة واحدة ، فقال انظر يا موسى ، فنظر فرأى أمّاً جالسةً أمام التنور والعجين عن يمينها والحطب عن شمالها وابنها في حجرها منحنية عليه وهو يرضع ، وهي تغالب الدخان واللهب فقال:سبحانك يا ربِّ ما أعظم رحمتك أكلُّ هذا برحمة واحدة ما لو لم تكن هذه الرحمة؟ فقال الله ـ سبحانه ـ : انظر يا موسى ، ونزع الرحمة من قلب هذه الأم ، ولفحت النار وجهها وغلبها الدخانُ فأبعدت عن النار وجهها ، فخرجت حَلمةُ ثديها من فم الطفل فبكى ، فقالت : أنا أتحمل كلَّ هذا من أجلك؟ وقذفت به في التنّورِ قائلة : أنت أولى بها مني ، فاستغاث موسى بالله ، فأعاد الرحمة إلى قلب الأمّ فسحبت الطفل من التنور ولم يتأذى بالنار بإذن الله .
والظاهر أن جهةَ المبالَغَةِ فيهما (( الرحمن ، الرحيم ))مختلفةٌ، فمبالغةُ " فَعْلان " من حيث الامتلاءُ والغَلَبَةُ ومبالغةُ " فعيل " من حيثُ التَكرارُ والوقوعُ بمَحَالِّ الرحمة .
وقيل أنَّ بناءَ " فَعْلان " ليس كبناءِ " فَعِيل " ، فإنَّ بناءَ "فَعْلان " لا يقع إلاّ على مبالغةِ الفِعْل ، نحو : رجل غَضْبانُ للمتلئ غضباً ، وفعيل يكون بمعنى الفاعلِ والمفعول ، قال :
فأمَّا إذا عَضَّتْ بك الحربُ عَضَّةً ... فإنك مَعْطوفٌ عليك رحيمُ
فالرحمنُ خاصُّ الاسمِ عامُّ الفعل . والرحيمُ عامُّ الاسمِ خاصُّ الفعلِ ، ولذلك لا يَتَعَدَّى فَعْلان ويتعدَّى فعيل . قال ابنُ سِيده : " زيدٌ حفيظٌ علمَك وعلمَ غيرك " .
والألفُ واللام في " الرحمن " للغلَبة ، ولا يُطلق على غير الباري تعالى عند أكثر العلماء ، لقوله تعالى : {قُلِ ادعوا الله أَوِ ادعوا الرحمن } فعادَلَ به ما لا شِرْكَةَ فيه ، بخلاف " رحيم " فإنه يُطلق على غيره تعالى أيضاً ، قال تعالى في حَقَّه عليه الصلاة والسلام :{ بالمؤمنين رؤوف رحيم } .
وفي وصل الرحيم بالحمد ثلاثةُ أوجهٍ ، الذي عليه الجمهور:
الرحيمِ بكسر الميم موصولةً بالحمد. وفي هذه الكسرة احتمالان: أحدهما - وهو الأصحُّ - أنها حركةُ إعرابٍ ، وقيل : يُحتمل أنَّ الميم سَكَنَت على نية الوقف ، فلمَّا وقع بعدها ساكن حُرِّكت بالكسر . والثاني من وَجْهَي الوصل : سكونُ الميمِ والوقفُ عليها، والابتداءُ بقطع ألف « الحمد » ، رَوَتْ ذلك أم سلمة عنه عليه الصلاة والسلام . وقرأ بعضهم : الرحيمَ الحمدُ "بفتح الميم" ووصلِ ألفِ الحمد ، كأنه سكَّن للوقف وقطعَ الألفَ ، ثم أَجْرى الوقفَ مُجرى الوصلِ ، فألقى حركة همزة الوصل على الميم الساكنة .
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 05-19-2013
  #2
فراج يعقوب
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,269
معدل تقييم المستوى: 16
فراج يعقوب is on a distinguished road
افتراضي رد: تفسير الذكر الحكيم: (بسم الله الرحمن الرحيم)

جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
__________________
اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الكوثر صلاة لاتعد ولاتكيف ولاتحصر ننال بها الرضوان الأكبر وجواره يوم المحشر وعلى آله وسلم
فراج يعقوب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (3) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 07:55 AM
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (2) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 07:45 AM
فيض العليم ... بسم الله الرحمن الرحيم (1) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 10-22-2014 07:32 AM
تفسير الذكر الحكيم: (سورة الفاتحة) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 1 05-19-2013 06:13 PM
تفسير الذكر الحكيم: (أعوذ بالله الشيطان الرجيم) عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 2 12-08-2011 11:37 AM


الساعة الآن 09:37 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir