خالِفْ تُذْكر
من الناس من يهوى المخالفة، في كل شيء في حياته، وبعضهم يخالفون حتى القانون، كي يعرفوا ويذيع صيتهم وتنتشر أخبارهم، ونرى ذلك واضحاً في كل الميادين، خاصة الثقافية والأدبية والفنية، ولهم في الندوات والأمسيات حصة الأسد، وللأسف تتخذ بعض القنوات الفضائية من هؤلاء وقوداً لتأجيج النقاشات واستثارة المتحاورين والمشاهدين بهدف كسب أكبر عدد منهم، فيؤتى بهؤلاء «المخالفين» وهم يناقشون انطلاقاً من مبدأ «خالف تُعرف» أو «خالف تُذكَر»، ولا يجدون سبيلاً للمشاركة والظهور إلا بالمخالفة لما يقال ويطرح من آراء!
قد تختلف الآراء أحياناً في مسائل وقضايا وموضوعات، واختلاف الرأي كما يقال لا يفسد للود قضية، ولكن لا نخالف لمجرد أن نخالف آراء الآخرين، أو أن نخالف حباً في النجومية والشهرة.
جميل أن نخالف رأي من يقول «إن تجاوز الإشارة الحمراء أمر عادي ولا يعد مخالفة تستوجب العقوبة»، وجميل أن نخالف أي رأي، اتفق أم لم يتفق مع رأينا، من منطلق الإفادة والاستفادة، فنبحث عن حلول لمشكلاتنا بأفكار نوعية جديدة وخلاقة، قد تكون موافقة لما هو معروف، وفيها إضافة، أو مخالفة لما هو سائد، ولكن الهدف هو معرفة واستبيان وبيان الحقيقة.
وهناك خطأ في تناول هذه المقولة لأنها لم تقل في السياق الخاطئ الذي نتناوله اليوم.
أما أول من قال «خالف تذكر» فهو الحطيئة، وكان ورد الكوفة فلقي رجلاً فقال له: دلَّني على أفتى المصر «البلد» نائلاً (أي أكثرهم عطاءً)، قال: عليك بُعتيبة بن النهَّاس العجلي، فمضى نحو داره، فصادفه، فقال: أنت عتيبة؟ قال: لا. قال: فأنت عتَّاب؟ قال: لا، قال: إن اسمك لشبيه بذلك، قال: أنا عتيبة، فمن أنت؟
قال: أنا جَرْوَل. قال: ومَن جَرْوَل؟ قال: أبو مليكة؟ قال: والله ما ازددت إلَا عمّى. قال: أنا الحطيئة. قال: مرحباً بك.
قال الحطيئة: فحدّثني عن أشعر مَن هو؟ قال: أنت - قال الحطيئة: «خالف تُذكر»، بل أشعر الناس مني الذي يقول:
وَمَنْ يَجْعَلِ المَعْروفَ مِنْ دُونِ عِرْضِهِ يَفِــرْهُ وَمَـــنْ لا يَتَّــقِ الشَــّتْمَ يُشْتَـمِ
وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْـلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِهِ عَلَى قَوْمِــهِ يُسْتـَغْنَ عَنْــهُ وَيُذْمَـمِ
- وهي لزهير بن أبي سلمى -
قال: صدقت، فما حاجتك؟ قال: ثيابك هذه فإنها قد أعجبتني، وكان عليه مطرف خَزّ، وجبَّة خَزّ، فدعا بثياب فلبسها ودفع ثيابه إليه - ثم قال له: ما حاجتك أيضاً؟ قال: ميرةُ أهلي من حَبّ وتمر وكسوةٌ، فدعا عوناً له فأمره أن يميرهم وأن يكسو أهله، فقال الحطيئة: العَوْدُ أحْمَدُ - ثم خرج من عنده وهو يقول:
سُئِلْتَ فلم تَبْخَلْ ولَمْ تُعْـطِ طَائِلاً فســــِيَّان لا ذَمٌّ عَلَيْــكَ ولا حَمْــدُ
ومن روائع ما قاله الحطيئة:
ما كانَ ذَنبُ بَغيــضٍ لا أبا لَكُــمُ في بائِـسٍ جاءَ يَحــــدو آخِرَ الناسِ
وَقَد مَدَحتُكُمُ عَمـــداً لِأُرشِـــدَكُم كَيما يَكونَ لَكُم مَتحــي وَإِمراســي
فَما مَلَكتُ بأن كانت نُفوســـُكُمُ كَفارِكٍ كَرِهـــت ثَوبـــي وَإِلباسـي
لَمّا بَدا لِيَ مِنكُم غَيبُ أَنفُســــِكُم وَلَم يَكُن لِجِراحـــي مِنكُـــمُ آســي
أَزمَعتُ يَأساً مُبينـــــاً مِن نَوالِكُمُ وَلَن تَـــرى طـــــارِداً لِلحُرِّ كَالياسِ
أَنا اِبنُ بَجدَتِها عِلمـــاً وَتَجـــــرِبَةً فَسَــل بِســَعدٍ تَجِدني أَعلَمَ الناسِ
ما كانَ ذَنبُ بَغيضٍ أَن رَأى رَجُـلاً ذا فاقَةٍ عاشَ في مُســـتَوعَرٍ شاسِ
دع المَكارِمَ لا تَرحَــــل لبُغيَتهــــا وَاِقعُد فإنّكَ أَنتَ الطاعِـمُ الكاسي
مَن يَفعَلِ الخَيرَ لا يَعدَم جَوازِيَــــهُ لا يَذهَبُ العـُرفُ بَينَ اللَهِ وَالناسِ
إسماعيل ديب
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
02-28-2011
تعليمات المشاركة
العرض العادي
