أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم أهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، إنه لا يذل من واليت ، تباركت ربنا وتعاليت           

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الملاحق - ملحق قسطموني


كليات رسائل النور
7
الملاحق
في فقه دعوة النور
ب - ملحق قسطموني
تأليف
بديع الزمان سعيد النّورسي
ترجمة
إحسان قاسم الصالحي


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 99
[صحبة اهل الحقيقة]
باسم من (تسبح له السموات السبع والارض ومن فيهن وان من شيء الاّ يسبّح بحمده) (الاسراء: 44).
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعدد حروف رسائل النور المكتوبة والمقروءة والمتمثلة في الهواء الى يوم القيامة.. آمين.
اخوتى الاعزاء الاوفياء الميامين ويارفقائي الاقوياء المخلصين في خدمة القرآن والايمان!
حمداً لله بما لايتناهى من الحمد والشكر، اذ حقق بكم أملي في رسالة "الشيوخ" وادعائي في رسالة "الدفاعات".
نعم، لله الحمد والمنة بعدد الذرات من الازل الى الابد، بما انعم بكم على رسائل النور بثلاثين من امثال عبدالرحمن، بل مائة وثلاثين، بل ألفاً ومائة وثلاثين من امثاله، كل منهم يقابل ألفًا.
وحيث انني ارى اخوتى الذين يلازمونني في الخدمة دائماً ولا يغادرون بالي ابداً، يسعون للعمل لرسائل النور ويتبنّونها بجدية تامة ويحافظون عليها ويتوارثونها مثلكم ناشدين الحقيقة، مقدّرين كل شئ حق قدره.. أراهم في موضعي وهم اكثر اخلاصاً منى واصلب عوداً وانشط في خدمة القرآن والايمان.. لذا انتظر أجلي وقبري وموتي بفرح تام وسرور خالص واطمئنان قلبي كامل.
اننى يا اخوتي اراكم عدة مرات في اليوم، في رسائلكم وفي خدماتكم الجليلة التي لا تغادر ذهني، فأشبع شوقي واطمئنه بهذا الامر. وانتم كذلك يمكنكم ان تحاوروا وتجالسوا اخاكم هذا الضعيف، في الرسائل، حيث الزمان والمكان لا يحولان دون محاورات اهل الحقيقة ومحادثاتهم، حتى لو كان احدهم في الشرق والاخر في الغرب وآخر في الدنيا وآخر في البرزخ؛ لأن الرابطة القرآنية والايمانية - التي هي بمثابة راديو معنوي - تجعلهم يتحاورون فيما بينهم.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 100
هناك سؤال وارد ممن يملكون الأقلام الألماسية. اننى الآن لا املك الجواب. فمتى ما أملكه سيأتيكم باذن الله.. ان رشدي ورأفت وسليمان و..... ممن لا استطيع ذكر اسمائهم من اخوتى الافاضل ارجو الاّ يمتعضوا من عدم محاورتهم محاورة خاصة بالرسالة.
اننا مضطرون الى اتخاذ الحيطة والحذر بنسبة عظمة خدماتنا واهميتها وبنسبة قوة المعارضين لها ودسائسهم الشيطانية.
الراجي دعواتكم
سعيد النورسي
***

[زمان الجماعة]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بعدد عاشرات دقائق ايام الفراق.
اخوتي الاعزاء الاوفياء ويارفقائي الاقوياء الفطنين في خدمة القرآن والايمان!.
ان هذا الزمان، زمان الجماعة، فالأهمية والقيمة تكونان حسب الشخصية المعنوية للجماعة. وينبغي الاّ تؤخذ بنظر الاعتبار ماهية الفرد المادية الفردية الفانية، ولا سيما شخص ضعيف مثلي الذي لا حول له ولا قوة، فان منحه أهمية تفوق قيمته ألف درجة وتحميل كاهله الوف الارطال وهو الذي لا يتحمل رطلاًً واحداً لا شك انه ينسحق تحت الحمل هذا.
ولله الحمد فان رسائل النور قد أظهرت - حتى للعميان - بتجارب كثيرة وحوادث عديدة انها معجزة قرآنية تستطيع ان تنوّر هذا العصر، بل العصر المقبل. فمهما بالغتم في مدحها والثناء عليها فهي أهل لها وحقيق بها. إلاّ ان ماتولونه لي من اهتمام وحظ في هذا الأمر، لا اجد نفسي أهلاً له، ولو واحداً من الألف. بل


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 101
اجدني فخوراً الى الأبد بإسم رسائل النور التي اولاها المنعم الكريم نعمةً عظمى بسعيكم الحثيث الى الاعمال الجليلة واشتراككم الجاد مع طلابها النجباء.
لقد صدّق الشيخ الكيلانى والامام الغزالي والامام الرباني وامثالهم من الأفذاذ، بشخصياتهم القوية وبخدماتهم الجليلة الحديث الوارد (علماء امتى كأنبياء بني اسرائيل) 1 وبارشاداتهم السديدة وبآثارهم القيمة. ولكون تلك العصور كانت - من جانب - عصور الجهابذة الفريدين، فقد بعث الرب الحكيم امثال اولئك الاشخاص الفريدين النادرين والدهاة السامين، لإسعاف الامة.
أما الآن فقد بعث المولى الكريم "رسائل النور" التي هي بحكم شخص معنوى، وبعث طلابها الذين هم - بسر التساند والترابط - بحكم الفرد الفريد، الى هذا العصر ، عصر الجماعة، المحاط بالظروف المعقدة والاوضاع الرهيبة، لأجل القيام بتلك المهمة الجليلة.
وبناء على هذا السر الدقيق فان جندياً مثلي، لا وظيفة له الاّ وظيفة الطليعة لدى مقام المشيرية المثقلة بالمهام الجسيمة...
تحياتى الى اخوتي جميعاً، ولا سيما الخواص فاحييهم فرداً فرداً، ولأجلهم - وهم الاعزاء الميامين - اضم اقاربهم ومن في قراهم ضمن دعواتي لأقاربي واهل قريتي. هكذا ادعو لهم وأشركهم في مغانمي المعنوية.
***

[علاج الوساوس وحكمتها]
اخوتي الاعزاء الاوفياء المضحين!
ان سبب عدم استطاعتى المراسلة معكم هو بقائي تحت ضغط التضييق الشديد والمراقبة المستديمة والعزلة التامة عن الناس.
_____________________
1 قال السخاوى في المقاصد: قال شيخنا يعني ابن حجر: لا اصل له، قال: وقال النجم: وممن نقله جازماً بانه حديث مرفوع الفخر الرازي وموفق الدين بن قدامة واشار الى الاخذ بمعناه التفتازاني والسيوطي في الخصائص. (باختصار عن كشف الخفاء 2/64) (وانظر تذكرة الموضوعات ص 20).



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 102
فشكراً لله خالقي الرحيم بما لا يتناهي من الشكر، لما أنعم عليّ من صبر جميل وتحمل عظيم حتى فشل قصدهم الخبيث.
ان كل شهر يمر عليّ هنا من شهور فراقي عنكم يعادل سنة من السجن الانفرادي، ولكن بركات دعواتكم الطيبة حولت - بعناية إلهية - كل يوم من ايامي الى ما يعادل شهراً من العمر السعيد.
فلا تقلقوا على راحتي، إن ألطاف الرحمة الالهية مستمرة.
اخي صبري! كن صابراً، لاتهتم بمرضك الناشئ من توتر الاعصاب والوهم. واعلم! انه لا ضرر فيه ولاخطورة من ورائه، ومع ذلك ادعو لكم بالشفاء. ذلك لأن الخواطر ان كانت سيئة فاسدة فلا ضرر منها، لأنه: كما ان صورة النجاسة في المرآة ليست نجسة، وصورة الحية لا تلدغ، وصورة النار لا تحرق، كذلك لا ضرر من الخواطر النجسة والقبيحة والكفرية التي ترد دون رضى من المرء، وتتمثل في مرايا القلب والخيال دون اختيار منه. فقد تقرر في علم الاصول: ان تصور الكفر ليس كفراً وتخيل الشتم ليس شتماً.
أما الخواطر الحسنة فان تخيلها وتصورها حسنة ايضاً لانها نورانية. ذلك لأن مثال النوراني وصورته في المرآة يبعث النور والضياء، فلها خاصيته. بينما مثال الكثيف ميت لا حياة فيه، فلا تأثير له ايضاً.
أما الآلام والاوجاع الروحية، فهى أسواط ربانية تحث على المجاهدة والصبر، اذ تقتضي الحكمة الحيلولة دون الوقوع في اليأس وكذلك دون البقاء في الاطمئنان والأمان، وذلك بالموازنة بين الخوف والرجاء، مع التجمل بالصبر والتحلي بالشكر.
لذا فانه دستور مشهور لدى اهل الحقيقة: ان مدار الترقي هو ورود حالة القبض والبسط الى المنتبهين اليقظين، بتجليات اسمَي الجلال والجمال...
اخي صبري!
انه ما من ضرر يصيب رسائل النور من جراء اداء وظيفة الامامة في المسجد، بل أدّها بنية الرخصة، ولا تتورع منها حالياً.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 103
اخوتى!
الحذر الحذر! ان المنافقين كثيرون، فلا تبوحوا بورود الرسائل من هنا، لئلا تُصاب خدمة رسائل النور بضرر.
ان كثيراً من الحقائق المهمة قد وردت ولم نتمكن من تدوينها، فعادت كما أتت مع الأسف. اننى هنا وحيد ومنعزل كلياً.
***

[ايّ رسالة أفضل؟]
اخوتي الاعزاء الأوفياء المضحين، ويارفقائي الجادين الثابتين الصامدين في خدمة القرآن والإيمان.
انكم مدار سلواني وعزائى في هذه الدنيا، فلقد حققتم آمالي وأماني الكبيرة في حقكم، ليرضَ الله عنكم ابداً.. آمين.
لقد اثمرت ارسالياتكم فوائد جمة هنا ولاسيما "الكلمة العاشرة"، فلو كنت قادراً لدفعت مقابل كل ورقة منها هدية ثمينة. ولما كنت لم التق هذه الرسائل منذ مدة، فأيّما رسالة أقرأوها، أقول: هذه اُولاها وأفضلها، ثم اطالع الاخرى واقول: هذه أحسنها.. وهكذا الرسالة تلو الاخرى حتى اقتنعت قناعة تامة - وتغمرني الحيرة - ان اجزاء رسائل النور لا تفضل احداها الاخرى، فلكل منها رئاسة في مقامها، ولا غرو فانها معجزة قرآنية تنوّر هذا العصر.
ان للمجموعة الكاملة لرسائل النور - التي هى مرشد علمي معنوى مهم لهذا العصر - كرامات مثل كرامات الاشخاص الافذاد، فهى كرامات تلائمها وتجانس الحقيقة العلمية، فكراماتها ترد في انواع كثيرة ولاسيما في اظهار الحقائق الايمانية، وفي انتشارها، كالكرامات الثلاث الظاهرات لرسالة "المعجزات الاحمدية"، وككرامة الكلمة العاشرة، والكلمة التاسعة والعشرين والآية الكبرى وامثالها الكثير من الرسائل. فكل منها لها كرامات خاصة بها، تظهر بأمارات كثيرة وحوادث كثيرة، حتى ان وقائع عديدة اورثتني قناعة تامة لا يداخلها الشك من ان المجموعة الكاملة لرسائل النور بمثابة مرشد معنوي لانقاذ ايمان طلابها عند سكرات الموت.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 104
لقد شاهدت فاقتنعت ان "الحزب الاكبر النوري" 1 مثال واحد لما ورد في الحديث الشريف (تفكر ساعة خير من عبادة سنة) 2 فعزمت على أن أرسله اليكم مرفقاً بـ"الحزب الاعظم القرآني" 3 ولكن لطول الاخير لم اتمكن من استكتابه. ولما حاولت ترجمة "الحزب الاكبر" فكرت في ان امثالكم من الاخوة ليسوا بحاجة الى الترجمة، لذا سأرسله لكم بصورته العربية.
وان ما ارسلته اليكم من خلاصة "المقام الاول للآية الكبرى" هي أساس هذا "الحزب الاكبر" إذ عندما اضيف بعض الفقرات الصغيرة وبعض القيود - من دون اختيار - اذا بتلك الخلاصة تأخذ شكلاً آخر، فانبسطت وتوسعت وسطعت براهين التوحيد فيها - كما في الآية الكبرى - وزادت معانيها واورثت إنشراحاً عظيماً لروحي وقلبي وفكري، بحيث كلما قرأت ذلك "الحزب الاكبر" متفكراً ومتأملاً - اثناء التعب والسأم - شعرت بذوق لطيف وشوق عظيم.
***

[العقل والقلب معاً في رسائل النور]
هذه الفقرة كتبتها جوابا عن سؤال، لعل في بيانها فائدة لكم.
سأل مطالعون بكثرة لكتب الاولياء ودواوين العلماء هذا السؤال:
لماذا يجد قارئ رسائل النور ايماناً وإذعاناً في قلبه ويشعر بشوق دائم ولذة جديدة اكثر بكثير مما يجده في تلك الكتب؟
الجواب:
ان قسمًا من مصنفات العلماء السابقين واغلب الكتب القديمة للاولياء الصالحين تبحث في ثمار الايمان و نتائجه و فيوضات معرفة الله سبحانه، ذلك لأنه لم يكن في
_____________________
1 تأملات فكرية باللغة العربية للاستاذ النورسي على صورة مناجاة. - المترجم.
2 قال الحافظ العراقي في تخريج الاحياء 1/58: حديث: تفكر ساعة خير من عبادة سنة: ابن حبان كتاب العظمة من حديث ابي هريرة بلفظ ستين سنة باسناد ضعيف ومن طريقه ابن الجوزي في الموضوعات ورواه ابو المنصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث انس بلفظ ثمانين سنة واسناده ضعيف جداً، ورواه ابو الشيخ من قول ابن عباس بلفظ خير من قيام ليلة. ا هـ. وانظر كشف الخفاء 1/310 والاحاديث المشكلة ص 113.
3 مجموعة آيات كريمة مختارة والتي تعمق التفكر الايماني بالتأمل في الانفس والآفاق - المترجم.



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 105
عصرهم تحدّ واضح ولا هجوم سافر يقتلع جذور الايمان واسسه، اذ كانت تلك الاسس متينة ورصينة.
اما الآن فان هناك هجوماً عنيفاً جماعياً منظماً على اركان الايمان واسسه، لا تستطيع اغلب تلك الكتب والرسائل التي كانت تخاطب الافراد وخواص المؤمنين فقط ان تصد التيار الرهيب القوي لهذا الزمان، ولا أن تقاومه.
أما رسائل النور، فلكونها معجزة معنوية للقرآن الكريم فهي تنقذ اسس الايمان واركانه، لا بالاستفادة من الايمان الراسخ الموجود، وانما باثبات الايمان و تحقيقه وحفظه في القلوب وانقاذه من الشبهات والاوهام بدلائل كثيرة وبراهين ساطعة. حتى حكم كل من ينعم النظر فيها: بانها اصبحت ضرورية في هذا العصر كضرورة الخبز والدواء.
ان الدواوين والمؤلفات السابقة تقول:
كن ولياً وشاهد وارق في المقامات والدرجات، وابصر وتناول الانوار والفيوضات!.
بينما رسائل النور تقول: كن من شئت وابصر! وافتح عينيك فحسب وشاهد الحقيقة وانقذ ايمانك الذي هو مفتاح السعادة الابدية.
ثم ان رسائل النور تحاول اولاً اقناع نفس مؤلفها ثم تخاطب الآخرين؛ لذا فالدرس الذي اقنع نفس المؤلف الامارة بالسوء اقناعاً كافياً و تمكّن من ازالة وساوسها وشبهاتها ازالة تامة لهو درس قوي بلاشك، وخالص ايضا بحيث يتمكن وحده من أن يصد تيار الضلالة الحاضرة التي اتخذت شخصية معنوية رهيبة - بتشكيلاتها الجماعية المنظمة - بل أن يجابهها و يتغلب عليها.
ثم ان الرسائل ليست كبقية مصنفات العلماء تسير على وفق خطى العقل وادلته ونظراته، ولا تتحرك كما هو الشأن لدى الاولياء المتصوفين بمجرد أذواق القلب وكشوفاته.. وانما تتحرك بخطى اتحاد العقل والقلب معا و امتزاجهما، وتعاون الروح واللطائف الاخرى، فتحلّق الى اوج العلا وتصل الى مراق لا يصل اليها نظر الفلسفة المهاجمة فضلاً عن اقدامها وخطواتها، فتبين انوار الحقائق الايمانية وتوصلها الى عيونها المطموسة..
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 106
[حكمة التكرار]
اخوتى الاعزاء الاوفياء حق الوفاء!
لأنتم مدار سلواني وسروري في هذه الدنيا. فلولاكم لما تحملت العذاب طوال اربع سنوات. فثباتكم وصمودكم منحني صبراً قوياً وجلداً أمام العذاب. فلقد وردت الى الخاطر دفعة واحدة النقاط الآتية:
اولاها: اخوتى! ان هذه الزلزلة معجزة قرآنية جلية كانشقاق القمر - حسب اعتقادي - فلقد اضطر اعتى المتمردين الى الدخول في حالة التصديق.
ثانيتها: منذ القدم لا توجد جماعة كطلاب النور، سعوا سعياً جاداً وقدموا خدمات جليلة في طريق الحق والحقيقة ثم نجوا من البلايا والمصائب بأتعاب قليلة، علماً ان الذين أدّوا عُشر ما قدمناه من خدمات للايمان والقرآن قد قاسوا اضعاف اضعاف ما قاسيناه. بمعنى اننا في حالة تدفعنا الى الشكر والحمد دوماً.
ثالثتها: لقد طالعت الرسائل المرسلة الينا، فرأيت أن عدداً من الحقائق قد تكررت لمناسبة المقام. إذ تكررت تلك المسائل دون ارادتي بل خلاف رغبتي واختياري.
فتضايقت من النسيان الذي اعترى ذاكرتي، وفجأة ورد الى القلب هذا التنبيه:
انظر الى ختام "الكلمة التاسعة عشرة". فنظرت اليه وهو يتناول بيان الحِكم الجميلة للتكرارات الواردة في القرآن الكريم، فهذه الحكم تظهر ايضاً في رسائل النور التي هي تفسير حقيقي للقرآن الكريم. فرأيت أن تلك التكرارات منسجمة تماماً مع تلك الحكم، بل هى ضرورية ايضاً.
ثم ان كلاً من لطفي وعبدالرحمن وعلي الصغير قد طلبوا مني - باسمكم جميعاً - شرح "اللمعة التاسعة والعشرين العربية" وترجمتها الى التركية الاّ انه لا يتسع وقتي لأنشغل بها ولا تسمح حالي حالياً بذلك. وسيؤدي تلك الوظيفة - ان شاء الله في المستقبل - طالب آخر من طلاب النور.
سؤال: لِمَ لا تصيب زلزلة الارض روسيا، بل تصيب فقط...؟
الجواب: لأن الاستخفاف والكفر بدين منسوخ محرّف يختلف عن الاستخفاف بدين ابدي حق. فهذه الاهانة تثير غضب الارض وتزلزلها.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 107
[الرسائل تنتشر بذاتها]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي الاعزاء الثابتين المضحين الاوفياء!
اولاً: اهنئ عيدكم المقبل، راجياً من رحمة الرحمن سبحانه وتعالى ان يجعل دعوات اخواني الميامين في جوف الليالي المباركة وفي اسحارها مباركةً منورةً لي ولأهل الايمان ولاسيما تلك التي ترفع من قبلهم في الليالي الثابتة قيمتها بالقسم القرآني
(والفجر - وليالٍ عشرٍ...)
.......
ثالثاً: اننى اشعر بان "لخلوصي" ما يقلقه. فعليه الاّ يقلق، لأن طلاب رسائل النور تحت حماية رحمة الله ونظارة عنايته. ولما كانت مشقات الدنيا تورث الثواب والأجر الاخروي، وانها عابرة زائلة كذلك، ينبغي ان تقابل تلك المصائب بالثبات والصمود مع التحلي بالصبر الجميل ضمن الشكر.
انكم جميعاً وكذا "خلوصي" داخلين ضمن دعواتي.. فانتم معي في كل مغانمي ومكاسبي المعنوية.
رابعاً: ان رسائل النور تنتشر بذاتها تحت حماية القرآن الكريم والحفظ الرباني.. وهي تتفيض وتتنور اكثر في السر.
وانني على أمل انكم يا اخواني ستصدّون حادثات الزمان المزلزلة - كما هو دأبكم الى الآن - وليكن دستورنا دوماً "من آمن بالقدر أمِن من الكدر".
***

[الدواء المقدس]
اخوتي الاعزاء!
اننى بالمقابل اهنئكم ايضاً بالعيد السعيد..

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 108
تسألون عن صحتي وراحتي..
انني احمد خالقي الكريم حمداً لا يتناهى، اذ أسعفني بالايمان الذي هو دواء مقدس لكل داء واغاثني بدواء الرضا بالقضاء النابع من الايمان بالقدر. مما دفعنى الى الشكر ضمن الصبر، على الرغم من شدة برودة الشتاء هنا، ولاسيما في غرفتي، على الرغم من وحشة الغربة من جهات ثلاث، وضيق الامراض العصبية الثلاثة، على الرغم من الانفراد التام والعزلة الكاملة، وتعرضي لما لايتحمل من المشقات والمضايقات.
***

[ناشرو الرسائل]
اخوتي الاعزاء الاوفياء الخالصين!
انني احمد ربي الرحيم حمداً لا نهاية له، اذ خلق من امثالكم ناشرين لرسائل النور ومحافظين عليها ومالكين لها. وخفف العبء الثقيل الذي ارهق كاهل شخص ضعيف عاجز مثلي.
***

[رفض الافراط]
.....
انه لا يمكن قبول حسن الظن المفرط نحوي ومنحي مقاماً وأهمية تفوق حدي الف درجة، الاّ اذا كان باسم رسائل النور وخدمتها، وكونها داعية ودلاّلة الى جواهر القرآن الكريم.
نعم ليس لي حق قط قبول مثل هذا الظن الحسن باعتباري الشخصي الذي لا اهمية له اطلاقاً.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 109
[الصدقة تدفع البلاء]
اخوتي الاعزاء الصادقين الثابتين الموقرين!
ان توديعكم كتابة "الفهرس" الى الشخص المعنوي الناشئ من هيئتكم المتساندة، وعلى صورة توزيع الاعمال فيما بينكم عمل جميل جداً. فلقد وجدتم استاذاً حقيقياً ودائمياً لكم. فذلك الاستاذ المعنوي افضل بكثير من اخيكم هذا العاجز. بل لا يدع حاجة اليه.
اخوتي!
عندما قلقت من اجلكم بسبب أخذكم الى الخدمة العسكرية ونظرت الى حادثات الزمان خطر على قلبي ما يأتي:
ان الحضارة الاوروبية المؤسسة على اسس فاسدة، والتي تدّعى ان كل ما أتاها هو من عندها كإدعاء قارون
(انما اوتيته على علم عندى) (القصص: 78) فلا تشكر ربها التى احسن اليها بفضله وكرمه تعالى، والتى رجحت كفة سيئاتها على حسناتها حيث سقطت في الشرك بفكرها المادي الملوث. ان هذه الحضارة تلقت صفعة سماوية قوية بحيث ابادت محاصيل مئات السنين من رقيها وتقدمها، ودمّرتها تدميراً وجعلتها طعمة للنار. اذ قد نزلت بالحكومات الاوروبية الظالمة - لإهانتها العالم الاسلامي ومركز الخلافة واقرارها معاهدة سيـفر 1 - خسارة فادحة وانهزام كلي بحيث لا تستطيع الخروج من عذاب في الدنيا كعذاب جهنم، بل تضطرب وتصطرخ فيها. أجل ان هذا الانهزام، انما هو عقاب تلك الاهانة.
هذا ويقضي اشخاص محترمون هنا حكماً قاطعاً بان ولايتي "اسبارطة وقسطموني" وهما مركزا انتشار رسائل النور محفوظتان من الآفات السماوية بالنسبة لسائر الولايات. وان السبب في ذلك هو ماتورثه رسائل النور من ايمان تحقيقي وقوة في العقيدة والدين. اذ ان امثال هذه الآفات السماوية تنزل نتيجة
_____________________
1 معاهدة جائرة بحق الدولة العثمانية عقدت في سنة 1920 بينها وبين الحلفاء وهي شبه استسلام لتلك الدول حيث المضايق تحت اشراف لجنة دولية واقتصادياتها تسيرها الحلفاء وغيرها من البنود المجحفة. - المترجم.



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 110
سيئات تنشأ من ضعف الايمان. فلقد ثبت في الحديث الشريف (الصدقة تدفع البلاء) 1 فتلك القوة الايمانية ايضاً تدفع تلك الآفات حسب درجتها.
***

[سعيد صعيد]
يا سعيد! كن صعيداً، في نكران تام للذات، وترك كلي للأنانية، وتواضع مطلق، كالتراب. لئلا تعكر صفو رسائل النور وتقلل من تأثيرها في النفوس.
***

[مسألتان]
اخوتى!
لقد اخطرت الى قلبي في هذه الايام مسألتان. احداهما تخص طلاب النور والاخرى تخص اهل الدنيا. فأكتبهما لكم لأهميتهما.
المسألة الاولى: [امارتان على حسن الخاتمة]
ان هناك بشارات سامية وقوية - في الشعاع الاول - حول دخول طلاب النور الصادقين الاوفياء القبر بحسن الخاتمة، وانهم سيكونون من أهل الجنة.
كنت انتظر منذ مدة دليلاً قوياَ يسند هذه المسألة العظيمة جداً، وهذه البشارة الكبرى. فللّه الحمد والمنة خطرت امارتان دفعة واحدة على القلب.
الامارة الاولى:
لقد قضى اهل الكشف والتحقيق ان الايمان التحقيقي كلما ارتقى من علم اليقين الى حق اليقين يستعصي على السلب، فلا يُسلب. وقالوا: ان الشيطان لا يستطيع ان يورث احداً في سكرات الموت الاّ إلقاء الشبهات بوساوسه الى العقل فحسب. اما
_____________________
1 "صدقة السر تطفئ غضب الرب" رواه الطبراني في الصغير، وروى الترمذي عن أنس مرفوعاً: أن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء. وقال الترمذي: حسن غريب وصححه ابن حبان. وعند الطبراني: الصدقة تسد سبعين باباً من السوء. ورواه الخطيب بلفظ: الصدقة تمنع سبعين نوعاً من انواع البلاء أهونها الجذام والبرص (كشف الخفاء 1593 باختصار).



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 111
هذا النوع من الايمان التحقيقي، فلا يتوقف في حدود العقل فحسب بل يسرى الى القلب والى الروح والى السر والى لطائف اخرى فيترسخ فيها رسوخاً قوياً بحيث لا تصل يد الشيطان اليها ابداً. فإيمان امثال هؤلاء مصون من الزوال باذن الله.
ان احدى طرق الوصول الى هذا الايمان التحقيقي هو بلوغ الحقيقة بالولاية الكاملة بالكشف والشهود، وهذا الطريق إيمان شهودي يخص اخص الخواص.
أما الطريق الثاني فهو تصديق الحقائق الايمانية بعلم اليقين البالغ درجة البداهة والضرورة، وبقوة تبلغ درجة حق اليقين، وذلك بفيض سر من اسرار الوحي الالهي من جهة الايمان بالغيب وبطراز برهاني وقرآني يمتزج فيه العقل والقلب معاً.
فهذا الطريق الثاني هو اساس رسائل النور، وخميرتها، وروحها وحقيقتها. نعم ان طلابها الخواص يشاهدون ذلك، بل اذا مانظر الآخرون ايضاً بانصاف فانهم يرون أن رسائل النور تبين استحالة الطرق المخالفة للحقائق الايمانية، وانها غير ممكنة وممتنعة.
الامارة الثانية:
ان دعوات خالصة كثيرة جداً ومقبولة ترفع دوماً ليُرزق طلاب النور الصادقون حسن الخاتمة واكتساب الايمان الكامل. فهي دعوات كثيرة الى درجة لا يجد العقل مجالاً لعدم قبول اياً ما في تلك الادعية.
فمثلاً: ان خادماً لرسائل النور وطالباً من طلابها يدعو خلال اربع وعشرين ساعة مائة مرة لحسن خاتمة طلاب النور ونيلهم السعادة الابدية، ويدعو خلال تلك الادعية ما يقرب من ثلاثين مرة على الاقل في اليوم الواحد، لسلامة ايمانهم وحسن عقباهم ودخولهم القبر بايمان. فهو يدعو بتلك الادعية ضمن اكثر الشروط استجابة وقبولاً للدعاء.
ثم ان مجموعة الادعية المرفوعة من قبل الطلاب انفسهم، وهم يتعرضون - من حيث الايمان - في هذا الزمان للهجمات من جميع الجهات. تلك الادعية التى يدعو بها كلٌ لإخوته الآخرين، والتى يلهجون بها بألسنتهم البريئة لسلامة ايمانهم وايمان اخوتهم... اقول ان مجموع تلك الادعية قوية الى درجة لا تردّها رحمة الرحمن العظيمة وحكمته الواسعة. فلو أفترض ردّ جميع تلك الادعية وقبول دعاء واحد منها، كفاه قبولاً لدخول كل طالب من الطلاب القبر بسلامة الايمان، ذلك لأن كل دعاءٍ يرفع من قبلهم هو دعاء متوجه الى الجميع.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 112
المسألة الثانية: [حكمة انهزام الدولة العثمانية]
لقد ظهر في الوقت الحاضر جزء من جواب سعيد القديم الناطق باسم هذا العصر عن السؤال الذى اورده مجلس مثالي روحاني يتشاورون فيما بينهم مصير العالم الاسلامي، وذلك في "حوارفي رؤيا" المنشور في كتاب "السانحات" 1 والمطبوع قبل عشرين سنة.
فقد قال ذلك المجلس المعنوي في ذلك الوقت: ما الحكمة في انهزام الدولة العثمانية في هذه الحرب التي انتهت باندحار الألمان؟
وقال سعيد القديم جواباً: لو كنا منتصرين لكنّا نضحي بكثير من المقدسات الدينية في سبيل الحضارة الاوروبية - كما ضحت بها بعد سبع سنوات - ولكانت تطبّق بالقوة والاكراه وبسهولة تامة النظام المطبق في الاناضول في العالم الاسلامي، ولاسيما في الحرمين الشريفين ويعمم باسم المدنية الاوروبية. ولهذا سمح القدر الالهي بانهزامنا في الحرب بفضل العناية الالهية حفاظاً على تلك الاماكن المباركة.
وبعد مرور عشرين سنة على هذا الجواب تماماً سئلت ايضاً في الليل، كالذي في الحوار: في الوقت الذى هناك منبع عظبم لنصر سياسي في الاوساط الدولية، وهو البقاء على الحياد و استرجاع الملك الضائع، وانقاذ مصر والهند وجلبهما الى الاتحاد معنا، فما الحكمة من اختفاء هذا المنبع العظيم عن انظار هؤلاء الاذكياء بل الدهاة حتى سلكوا طريقاً ضاراً فانحازوا الى عدو مشكوك في امره (الانكليز) مضطرب لا يوثق به ولافائدة ولاجدوى من الانحياز اليه 2.
سئلت هذا السؤال، وكان الجواب الوارد من جانب معنوي هو:
ان الجواب الذى اجبته عن سؤال معنوى قبل عشرين سنة، هو جواب هذا السؤال بالذات أى:
اذا ما اُلتزم جانب الغالب المنتصر لكان النظام المطبق هنا يطبق في العالم الاسلامي والاماكن المقدسة، وينفذ هناك باسم المدنية الدنية، ضمن نشوة الانتصار، دونما مقاومة تذكر.
_____________________
1 المنشور ضمن مجموعة "صيقل الاسلام".
2 كانت الحكومة التركية آنذاك منحازة الى الانكليز تحت غطاء الموقف الحيادي من الحرب، وانحازت الى جانبها فعلاً قبل انتهائها بقليل حيث اعلنت الحرب على الالمان - المترجم.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني

الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 113
فلأجل سلامة ثلاثمائة وخمسين مليوناً من المسلمين، لم يروا هذا الخطأ الظاهر فتصرفوا تصرف العميان.
***

[نتائج دنيوية في العمل للنور]
اخوتي الاعزاء الصادقين!
اهنئكم بالعيد السعيد واثمن خدماتكم الجليلة وادعوه تعالى ان يوفقكم فيها واشكر خالقي الرحيم شكراً لا يتناهي إذ جعل من اخوة ثابتين مضحين من امثالكم مالكين لرسائل النور وناشرين لها. فكلما تذكرتكم امتلأت روحي انشراحاً وقلبي فرحاً، فلا تكون مغادرتي الدنيا موضع أسف، بل أنظر الى الموت كصديق، لدوام حياتي ببقائكم أنتم، فانتظر أجلي دون قلق واضطراب.
ليرضَ الله عنكم ابداً... آمين. آمين.
مثلما يشعر اغلب العاملين من طلاب رسائل النور نوعاً من الكرامة والاكرام الالهيين، يشعر اخوكم هذا العاجز باغلب انواعها وانماطها، وذلك لشدة حاجته اليها.
وطلاب النور الموجودون في هذه المناطق يعترفون مقسمين بالله: اننا كلما انشغلنا في خدمة النور وجدنا السعة في المعيشة والانشراح في القلب، وفرحاً غامراً يملأ كياننا. اننى كذلك أشعر بهذا في كيانى كله شعوراً تاماً بحيث تسكت نفسي الامارة وشيطاني ايضاً بحيرة امام تلك البداهة.
***

[الدعاء الشامل]
اعلموا انني منذ اكثر من سنة اضم في دعائي كل اقرباء طلاب النور المنشغلين برسائل النور من ازواج واولاد ووالدين. وان سبب ذلك هو انخراط بعض الاشخاص في دائرة النور مع عوائلهم واولادهم ومتعلقاتهم.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 114
[اجدى عمل في الوقت الحاضر]
لقد أنزلت العدالة الالهية بالمدنية الدنية التي اهانت الاسلام عذاباً أليماً ومعنوياً ارداها الى درك الوحوش الجاهلين. فلقد ازالت تلك المخاوف المستمرة ملذات واذواق مدنية اوروبا والانكليز مائة سنة وطيرت منهم نشوتهم من الرقي والتسلط على رقاب الآخرين ونشوة الاستيلاء عليهم.
فلقد اذاقتهم العدالة الالهية ذلك الخوف الرهيب وقذفت على رؤوسهم قنابل الرعب والرهبة والقلق والاضطراب.
ان ألزم شئ في مثل هذا الوقت واجدى عمل واجدر وظيفة هو انقاذ الايمان.......
نعم ان ايمان شخص واحد انما هو مفتاح ونور لعالم ابدي خالد اوسع من هذه الدنيا. ولهذا فان رسائل النور تكسب المتعرض ايمانه للهلاك ملكاً اعظم من هذه الكرة الارضية، وتورثه سلطنة اجدى منها، وتمنحه فتوحات اعظم منها..
***

[وظيفة المنتسب الى رسائل النور]
حادثة تبين كرامة من كرامات رسائل النور لدى استنساخها حوالينا:
طالب للنور وهو شيخ وقور جادّ في عمله، كان يكتب رسالة "الشيوخ". ولما بلغ اواخر الرجاء الحادى عشر، ولدى ذكر وفاة المرحوم "عبدالرحمن" كتب قلمه "لا اله الاّ هو" ونطق لسانه "لا اله الاّ الله" فختم صحيفة حياته بالحسنى، مصدّقاً البشارة الاشارية القرآنية بأن طلاب النور تختم حياتهم بالحسنى ويدخلون القبر بالايمان. رحمة الله علىه رحمة واسعة.
تنبيه مهم لاخوتي في الآخرة!
يضم هذا التنبيه مادتين:
اولاها: ان أهم وظيفة للمنتسب الى رسائل النور، كتابتها، ودعوة الآخرين الى كتابتها، وتعزيز انتشارها. فالذى يكتبها أويستكتبها، يكسب عنوان طالب رسائل


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 115
النور، فيغنم بهذا العنوان حظًا من مكتسباتي المعنوية، ومن دعواتي الخيرة وتضرعاتي التي ادعوها كل اربع وعشرين ساعة بمئة مرة بل يزيد احياناً. فضلاً عن ذلك يكسب حظاً من مكتسبات معنوية لالوف من اخواني البررة ومن دعواتهم الطيبة التي يدعون الله بها.
وعلاوة على ذلك فانه بكتابته الرسائل التي هي بمثابة اربعة انواع من عبادة مقبولة يكسبها باربعة وجوه.. اذ يقوي ايمانه.. ويسعى لانقاذ ايمان غيره من المهالك.. وينال التفكر الايماني الذي يكون بمثابة عبادة سنة احياناً كما ورد في الاثر ويدفع غيره الى هذا التفكر.. ويشترك في حسنات استاذه الذي لا يجيد الخط ويقاسي من الاوضاع الشديدة مايقاسي بمعاونته له..
نعم، يستطيع ان يكسب امثال هذه الفوائد الجليلة.
انى اقسم بالله ان الذي يكتب رسالة صغيرة لنفسه عن فهمٍ، فكأنما يقدم هدية عظيمة لي. بل كل صحيفة منها تجعلني في امتنان، كما لو تهدى اليّ اوقية من السكر.
المادة الثانية:
وا أسفاً، ان اعداء رسائل النور من الجن والانس المارقين الذين لا يؤمنون ولا يؤمَنون يحاولون ان ينزلوا ضرباتهم الخبيثة الشيطانية بدسائس خفية جداً ووسائل متسترة، لعجزهم عن صدّ قلاع رسائل النور المتينة كالفولاذ وحججها القوية قوة السيوف الالماسية، وذلك لتثبيط همم الكتاب والمستنسخين من حيث لا يشعرون وبث الفتور في هممهم وحملهم على التخلي عن الكتابة. والكتّاب قليلون جداً - ولاسيما هنا - مع شدة الحاجة اليهم، وشدة مراقبة الاعداء المتربصين. ولما كان قسم من الطلاب لا يستطيعون الصمود، فيحرمون - الى حد ما - هذه البلدة من تلك الانوار.
فمن يرغب في محاورتى ومجالستي ومقابلتي في مشرب الحقيقة ما ان يفتح اية رسالة كانت، فانه لايقابلني بل يقابل استاذه الخادم للقرآن. ويستطيع ان يتلقى بذوق خالص درساً في حقائق الايمان.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 116
[مسألتان دقيقتان]
اكتب اليكم مسألتين دقيقتين وردتا بتنبيه معنوى.
المسألة الاولى: [ما تولده سذاجة المسلمين]
لقد ورد في التنبيه سببان خاصان في عدم استجابة الدعوات الكثيرة - المرفوعة في شهر رمضان الفائت لسلامة اهل السنة والجماعة ونجاتهم - استجابة جلية في الوقت الحاضر.
السبب الاول:
ان خاصية هذا العصر العجيبة هي غلو المسلمين في السذاجة وتسامحهم وتجاوزهم عن خطيئات جناة رهيبين، اذ لو رأى احدهم حسنة واحدة من شخص ارتكب الوف السيئات وتعدّى على حقوق الوف العباد، سواء على حقوقهم المعنوية او المادية، ينحاز الى ذلك الظالم لاجل تلك الحسنة الواحدة. وبهذه الصورة يشكّل اهل الضلالة والطغيان الاكثرية العظمى من الناس رغم انهم قلة قليلة جداً، وذلك لموالاة اولئك السذج لهم، ولاجله يُنزل القدر الإلهي المصيبة العامة التي تترتب وتنبني على خطأ الاكثرية. بل ان عملهم هذا يعين على دوام المصيبة واستمرارها، بل على شدتها. حتى يقولوا هم بأنفسهم: نعم نحن نستحق هذه المصيبة.
نعم، ان من يعرف قيمة الالماس - كالايمان والآخرة - ثم يرجّح عليه قطعاً من الزجاج - كالدنيا والمال - لضرورة قطعية، له رخصة شرعية. الاّ أن تفضيله هذا ان كان ناشئاً من حاجة بسيطة جداً او من خوف جزئي، او من هوى متبع أو من طمع، فهو خسران بجهالة وبلاهة يستحق لطمة تأديب عليها.
ثم ان التجاوز عن السيئات والعفو والصفح انما يكون عن حقوق الشخص نفسه. اي له ان يعفو ويصفح عمن تعدى على حقوقه وليس له العفو والسماح عن الذي يهضم حقوق الآخرين من الجناة والطغاة. اذ يكون شريكاً معهم في ظلمهم.
السبب الثاني: لم يؤذن لكتابته.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 117
المسألة الثانية: [تأويل بشرى]
اخوتي!
ان تأويلات الروايات الواردة حول احداث الساعة المدوّنة في سجن "اسكي شهر" على الرغم من ظهور صدقها وتطابقها، فإن عدم معرفة اهل العلم واهل الايمان لتلك التأويلات وعدم مشاهدتهم لها دفعني الى مباشرة كتابة ايضاح بشأنها وبيان الحكمة فيها، وعزمت على ذلك، وكتبت ما يقرب من صحيفتين فعلاً. ثم اسدل الستار امامي، فتأخر البحث.
ففي غضون هذه السنين الخمس توجهت اليها ست مرات وكلما توجهت لكتابتها لم اوفق. الا انه اُخطر على قلبي بيان حادثة تخصني تعدّ من فرعيات تلك المسألة وهي:
كنت ابشر الناس بأمل قوي وعقيدة جازمة بأنني أرى نوراً في المستقبل وارى ضياءً في الايام المقبلة، أبشرهم بهذه البشرى لأجل ازالة اليأس المخيم على اهل الايمان في بداية عهد الحرية، وقبل ظهور رسائل النور بمدة مديدة. حتى كنت ابشر بها طلابى قبل عهد الحرية. وكنت اصمد امام الحادثات الرهيبة ببوارق تلك البشرى - كما في رسالة "السانحات" - مثلما ذكره "عبدالرحمن" فيما كتبه من تأريخ الحياة - وكنت اتصور ذلك النور - كالآخرين - في محيط واسع وفي دائرة عظمى في عالم السياسة وفي الحياة الاجتماعية الاسلامية. ولكن احداث العالم كانت تكذّبني وتخيب أملي الحسن في تلك البشرى السارة عن المستقبل.
وعلى حين غرة وردت خاطرة على قلبى اورثت الطمأنينة التامة والقناعة الكاملة وبقطعية تامة. فقد قيل لي:
ان تأويل بشاراتك واخبارك منذ مدة برؤية نور - والتي كنت ترتبط بها بعلاقة جادة وتكررها - وتفسيرها وتعبيرها بحقكم بل بحق عالم الاسلام من حيث الايمان هو: رسائل النور، فهي ضياء، حيث اخذت جلّ اهتمامك، بل هي نور ومقدمة وبشرى لما كنت تتخيله وتظنه في دائرة واسعة وفي عالم السياسة ولما سيأتي من حالات سعيدة متسمة بالدين. هذا النور المعجّل تصورته تلك السعادة المؤجلة فكنت تبحث عنه لدى باب السياسة.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 118
نعم، لقد شعرتَ بهذا قبل ثلاثين سنة بحسّ مسبق، فقد كنت كمن ينظر الى موضع اسود من خلال ستار احمر فكنت ترى اللون أحمر. اذن فما شاهدته من نور صدق وصواب، ولكن طبقته بشكل خطأ، فقد خدعتك فتنة السياسة.
***

[مهمة رسائل النور]
ان رسائل النور لاتعمّر تخريبات جزئية، ولاترمم بيتاً صغيراً مهدماً، بل تعمّر ايضاً تخريبات عامة كلية، وترمم قلعة عظيمة - صخورها كالجبال - تحتضن الاسلام وتحيط به. وهي لا تسعى لاصلاح قلب خاص ووجدان معين بل تسعى ايضاً - وبيدها اعجاز القرآن - لمداواة القلب العام المجروح، وضماد الافكار العامة المكلومة بالوسائل المفسدة التي هُيئت لها وركّمت منذ ألف سنة، وتنشط لمداواة الوجدان العام الذي توجّه نحو الفساد نتيجة تحطم الاسس الاسلامية وتياراته وشعائره التي هي المستند العظيم للجميع ولا سيما عوام المؤمنين. نعم انها تسعى لمداواة تلك الجروح الواسعة الغائرة بأدوية إعجاز القرآن والايمان.
فأمام هذه التخريبات الكلية الرهيبة، والشقوق الواسعة، والجروح الغائرة، ينبغي وجود حجج دامغة واعتدة مجهّزة بدرجة حق اليقين وبقوة الجبال ورسوخها، ووجود أدوية مجرّبة لها من الخواص ما يفوق الف ترياق وترياق ( مضاد للسموم) ولها من المزايا ما يضاهي علاجات لا حدّ لها.
فرسائل النور النابعة من الاعجاز المعنوي للقرآن الكريم، تؤدي هذه المهمة وفي هذا الوقت اتم اداء، وتحظى في الوقت نفسه بكونها مدار انكشاف لمراتب غير محدودة للايمان ومصدر رقي في مدارجه السامية غير المتناهية.
وعلى هذا المنوال جرت مكالمة طويلة، فسمعتها كاملة، وشكرت الله كثيراً. اجملتها لكم.
ولمناسبة هذه الحادثة اُبيّن لكم حادثة وردت على خاطري في هذه الايام:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 119
عندما كنت أذكر كلمة التوحيد في ختام اذكار الصلاة ثلاثاً وثلاثين مرة وردت هذه الخاطرة على قلبي: ان ساعة التفكر المذكورة في الحديث الشريف (تفكر ساعة خير من عبادة سنة) موجودة في رسائل النور، فاسع للعثور عليها وامتلاكها...
***

[نتائج الاهتمام بالاخبار السياسية]
"جواب الاستاذ حول سؤال أورده كل من "أمين وفيضي""
سؤال: انكم تذكرون في جوابكم: إن من يتابع بلهفة الحوادث الجارية في الاوساط السياسية الواسعة يتضرر من حيث وظائفه في الدوائر الصغيرة الخاصة.. نرجو إيضاحاً لهذا؟.
يقول استاذنا:
الجواب: نعم، ان من يولي اهتماماً بالغاً في هذا الوقت بالصراعات الدائرة في الكرة الارضية ويتابعها بلهفة وفضول بوساطة الراديو تلحقه اضرار مادية ومعنوية كثيرة جداً، فإما أنه يشتت عقله ويصبح أبلهاً روحاً ومعنى، وإما أنه يشتت قلبه فيكون ملحداً روحاً ومعنىً، وإما أنه يشتت فكره فيغدو أجنبياً روحاً ومعنى.
نعم، اني شاهدت رجلاً من العوام صاحب تقوى ودين - وآخر ينتسب الى العلم - قد حزن حزناً شديداً لحد البكاء لإنهزام كافرٍ عدوٍ للاسلام منذ القدم، وذلك لكثرة اهتمامه بما لا يعنيه، وفي الوقت نفسه سُرّ سروراً بالغاً من تقهقر جماعة السادة من اهل البيت تجاه كافر عنيد!
أليس هذا أعجب مثال للجنون وتشتت العقل، أن يفضّل رجل عامي يتعلق عقله بدائرة السياسة الواسعة كافراً عدواً لدوداً للاسلام على مجاهد سيد من اهل البيت؟
نعم ان مسائل السياسة تتعلق - الى حدٍ ما - بوظيفة العاملين في الشؤون الخارجية وأركان الحرب في الجيش والقادة المسؤولين. اما دفع تلك المسائل الى رجل عامي ساذج وإثارته بها، وصرفه عما يلزمه من وظائف تجاه شؤون روحه وامور دينه، بل حتى تجاه شوونه الشخصية بالذات ولوازم بيته وقريته، ومن ثم جعله بهذا التلهف

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 120
والفضول سائب الروح، ثرثار العقل، فاقداً لأذواق القلب نحو الحقائق الايمانية والاسلامية، خائر الشوق اليها.. وكذا اثارتهم بتلك الاهتمامات التافهة التي تقتل قلوبهم معنىً - بما يشبه تهيئة الجو الملائم للالحاد - ودفعهم الى استماع الراديو في شؤون سياسية لا تعنيهم في شئ... أقول: ان كل ذلك لضرر بالغ للحياة الاجتماعية الاسلامية بحيث ان الانسان كلما فكر بنتائجها الوخيمة المترتبة عليها يقشعر من هولها جلده، ويقف شعره!
نعم، ان كل انسان له علاقه بوطنه وقومه وحكومته، ولكن من الخطأ الجسيم جعل منافع الامة ومصلحة الوطن والحكومة تابعة لسياسة مؤقتة لبعض الاشخاص انجرافاً لتيارات موقتة، بل تصوّرها نفسها.. فضلاً عن ان حصة كل شخص من تلك الروح الوطنية والقومية وما تترتب عليها من وظائف ان كانت واحدة فان حصته تجاه وظائف قلبه ومهمات روحه وواجباته الشخصية والبيتية والدينية وغيرها عشرون بل مائة حصة. لذا فان تضحية هذه العلاقات الجادة والضرورية جداً لاجل تلك الحصة الواحدة من التيارات السياسية غير الضرورية مما لا يعنيه شيئاً... اقول: ان لم يكن هذا جنوناً فما هو اذن؟
ان هذا هو جواب استاذنا الذى ألقاه علينا بسرعة، ونحن بدورنا كتبناه باستعجال. فنرجو غض النظر عن التقصير.
نعم، ونحن بدورنا نصدّق ما يقوله الاستاذ، لأننا قد شاهدنا ما يقوله في انفسنا وفي اصدقائنا فعلاً. حتى ترك بعضهم صلاة الجماعة - وربما الصلاة نفسها - لأجل الاستماع الى الراديو الذى يذيع الاخبار في اثناء وقت الصلاة بذاته. حتى انه باهتمامه الشديد وفضوله البالغ لمتابعة اخبار الحرب - التي هي صفعة قوية متلاحقة على المدنية الحاضرة ولسفاهتها وضلالها ولأهانتها الاسلام - وتلهّفه للشؤون السياسية الدائرة في اوساطها الواسعة تلهفاً شديداً واسترشاد شؤونه - بالراديو -بآراء اناس تسممت نفوسهم وحارت عقولهم، لاشك يضر عمله المقدس الجليل ضرراً جسيماً.
من طلاب النور من طلاب النور
امين فيضي
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 121
[فساد الهواء المعنوي وعلاجه]كنت أرى في نفسي وفي طلاب النور القريبين - من هنا - رهقاً، وفتوراً في الشوق، بعد انقضاء الأشهر الحرم. ولم أكن أفهم سبب ذلك بوضوح الاّ الآن حيث رأيت ان ما قلته - ظنا - من سبب انما هو حقيقة. وهي:
كما ان الهواء يؤثر تأثيراً سيئاً ان كان فاسداً - فساداً مادياً - كذلك الهواء المعنوي اذا ما فسد - فساداً معنوياً - فانه يؤثر تأثيراً سيئاً في كل شخص وحسب استعداده. ان توجّه المؤمنين عامة واقبالهم الجاد في الشهور الثلاثة الى كسب مغانم أخروية والفوز في تجارتها، يصفّي الهواء المعنوي للعالم الاسلامي عامة وينقيه ويجمّله. حتى يتمكن من الصمود تجاه الآفات المهلكة والبلايا الرهيبة. فكل مؤمن يستفيد من ذلك الهواء الصافي الجميل حسب درجته.
ولكن بعد مضي الشهور المباركة تتبدل أوضاع السوق الاخروىة، وتتفتح ابواب السوق الدنيوية، فيعترى الهمم والتوجهات شئ من التغير والتبدل، اذ الابخرة تسمم الهواء المتصاعد من الأمور التافهة السخيفة، وتفسد ذلك الهواء الجميل. فيتضرر بدوره كل مؤمن حسب درجته.
وعلاج هذا الداء والنجاة منه هو:
ينبغي النظر الى الأمور بمنظار رسائل النور، والسعي في الخدمة السامية بجد أكثر وشوق أعظم كلما ازدادت المشكلات. لأن فتور الآخرين وتخلّيهم عن الخدمة، مدعاةٌ لأثارة غيرة أهل الهمة وتحفيز شوقهم، اذ يجد نفسه مضطراً الى حمل شئ من اعبائهم ومهماتهم، بل ينبغي له ذلك.
***

[الذنوب في آخر الزمان]مسألة أخطرت على القلب فجأة:
هناك روايات حول التضخم الرهيب لذنوب المرء في آخر الزمان. فكنت افكر: هل يمكن ان يرتكب انسان اضعاف ما يرتكبه شخص واحد من الخطايا والذنوب


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 122
بالوف المرات؟ ترى اي ذنوب هذه - المجهولة لدينا - حتى تتعرّض للموجودات وتمس الكون فتثير غضبه وتزيد حدّته، بل تسبب قيام الساعة ودمار العالم عليهم؟
وها قد رأينا اسبابها المتعددة في الوقت الحاضر:
فمثلاً: لقد فُهم من وجوهها المتعددة، بجهاز الراديو الموجود لدي. حيث ان شخصاً واحداً يرتكب مليوناً من الكبائر دفعةً واحدة بكلمة واحدة، يتفوه بها في الراديو، فيُقحم ملايين المستمعين له في الذنوب.
نعم، ان جهاز الراديو ينطق بلسان واحد، الاّ انه يدفع مئات الالوف من الكلمات في الهواء دفعة واحدة. فبينما ينبغي ان يملأ هذا الجهاز - الذي هو نعمة الهية عظمى - ذرات الهواء قاطبة، بالحمد والثناء والشكر لله سبحانه وتعالى، إلاّ ان سفاهة البشر المتولدة من الضلالة تستعمل هذا الجهاز بما يخالف الشكر والحمدلله. فلا جرم أنه سيعاقب عليها.
نعم، ان المدنية الدنية الظالمة قد عوقبت، بكفرانها بالنعمة الالهية وعدم ايفائها الشكر لله، تجاه ما انعم عليها سبحانه من الخوارق الحضارية، لصرفها تلك الخوارق الى الدمار حتى سلبت سعادة الحياة كلياً وأردت الناس الذين يُعدّون في ذروة الحضارة والمدنية الى أدنى من دركات الوحوش الضالة، واذاقتهم عذاب جهنم قبل الذهاب اليها.
نعم، ان كون جهاز الراديو نعمة إلهية كلية يقتضي شكراً كلياً، ولا يكون ذلك الشكر الكلي الاّ بتلاوته القرآن الكريم باستمرار، كي يوصل الى مخاطبيه الحاليين دفعة واحدة ذلك الكلام الازلي الصادر من خالق السموات والارض، فيصبح كمقرئ سماوي حافظ للقرآن الكريم يملك الوف الالوف من الألسنة. وبهذا يكون قد أدّى ما عليه من مهمة الشكر والحمدلله، فيديم في الوقت نفسه تلك النعمة المهداة.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 123
[ايّما افضل حفظ القرآن ام استنساخ الرسائل؟]اخوتى الاعزاء الاوفياء!
ان نشاطكم وجهودكم بما يفوق آمالي، ستجعلني في شكر وامتنان لله تعالى الى آخر رمق من حياتي..
وقد ورد سؤال في رسالتكم هذه المرة:
"ايّما أفضل، حفظ القرآن الكريم أم استنساخ رسائل النور؟"
ان جواب سؤالكم هذا بديهي، لان أعظم مقام في هذا الكون وفي كل عصر هو للقرآن الكريم. وان تلاوته وحفظه يفضل اي عمل آخر ويتقدّم عليه، حيث ان لكل حرف منه أثوبة تتراوح من العشرة الى الالوف.
ولكن لأن رسائل النور براهين لحقائق القرآن العظيم الايمانية وحججه، ولكونها وسيلة الى حفظ القرآن الكريم وتلاوته، ومفسّرة لحقائقه وموضّحة لها، ينبغي السعي لها ايضاً جنباً الى جنب حفظ القرآن الكريم.
***

[تعديل الشفقة المفرطة]
حقيقة تعيد الصواب للمنساقين الى مسالك
البدع والضلالة بشفقتهم المفرطةلما كانت شفقة الانسان تجلٍ من تجليات الرحمة الربانية، لا ينبغى تجاوز درجة الرحمة الالهية والمغالاة اكثر من رحمة من هو رحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم، فلو تجاوزها وغالى بها فانها ليست رحمة ولا رأفة قط، بل هي مرض روحي وسقم قلبي يفضي الى الضلالة والالحاد.
فمثلاً: ان الإنسياق الى تأويل عذاب الكفار والمنافقين في جهنم، وما يترتب على الجهاد وامثالها من الحوادث - من جراء ضيق شفقة المرء عن استيعابه وعدم تحملها له - إنكار لقسم عظيم من القرآن الكريم والاديان السماوية وتكذيب له، وهو ظلم عظيم وعدم رحمة في منتهى الجور في الوقت نفسه؛ لان حماية الوحوش الكاسرة


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 124
والعطف عليها، وهي التي تمزق الحيوانات البريئة، غدر عظيم تجاه تلك الحيوانات البريئة، ووحشية بالغة نابعة من فقدان الوجدان والضمير.
فالتعاطف اذن وموالاة اولئك الذين يبيدون حياة ألوف المسلمين الابدية ويمحونها، ويسوقون مئات المؤمنين الى سوء العاقبة بدفعهم الى ارتكاب الذنوب والخطايا، والدعاء لاولئك الكفار والمنافقين، رحمةً بهم وعطفاً عليهم لينجوا من العقاب الشديد، لاشك انه ظلم عظيم وغدر شنيع تجاه اولئك المؤمنين المظلومين.
وقد اثبتت رسائل النور اثباتاً قاطعاً: ان الكفر والضلالة تحقير عظيم للكائنات وظلم شنيع للموجودات، ووسيلة لرفع الرحمة الالهية ونزول المصائب والبلايا، حتى وردت روايات من ان الاسماك التي في قعر البحر تشكو الى الله ظلم الجناة، لسلبهم راحتها.
ولهذا فالذى يرأف ويعطف على تجرع الكافر صنوف العذاب في النار، يعني أنه لا يرأف ولا يعطف على أبرياء لا يحصيهم العد ممن هم أليق بالرأفة وأجدر بالعطف بل ولا يشفق عليهم، بل يظلمهم ظلماً فاضحاً.
ولكن هناك أمر آخر وهو:
ان البلاء عندما ينزل بالمستحقين له، يُبتلى به الابرياء ايضاً. وعندها لا يمكن عدم الرأفة بهم. الاّ ان هناك رحمة خفية لاولئك الابرياء المظلومين الذين تضرروا من ذلك البلاء النازل بالجناة.
ولقد كنت - في وقت ما في الحرب العالمية الاولى - أتألم كثيراً من المظالم والقتل الذي يرتكبه الاعداء تجاه المسلمين ولاسيما تجاه اطفالهم وعوائلهم، وكنت أتعذّب عذاباً يفوق طاقتي - لما فيّ من شفقة مفرطة ورأفة متزايدة - وحينها ورد على القلب فجأة الآتي:
ان اولئك الابرياء المقتولين يُستشهدون ويصبحون أولياء صالحين، وان حياتهم الفانية تُبدل الى حياة باقية، وان اموالهم الضائعة تصبح بحكم الصدقة فتبدل الى اموال باقية. بل حتى لو كان اولئك المظلومون كفاراً فان لهم من خزينة الرحمة الالهية مكافآت بالنسبة لهم كثيرة - مقابل ما عانوا من البلاء في الدنيا - بحيث لو


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 125
رفع ستار الغيب فان ما ينالونه من رحمة ظاهرة يدفعهم الى ان يلهجوا بـ: الشكر لله والحمد لله.
عرفت هذا، واقتنعت به قناعة تامة، ونجوت بفضل الله من الألم الشديد الناشئ من الشفقة المفرطة.
***

[نظرة الى رسالة "المناظرات"]لقد ألقيت نظرة الى رسالة "المناظرات" وذلك بعد مرور خمس وثلاثين سنة على تأليفها فرأيت فيها وفي امثالها من مؤلفات "سعيد القديم" أخطاءً وهفوات. اذ ألّف تلك الآثار في حالة روحية ولّدها الانقلاب السياسي 1. وأنشأتها مؤثرات خارجية وعوامل محيطة به.
انني استغفر الله بكل حولي وقوتي من تلك التقصيرات راجياً من رحمته تعالى اَن يغفر تلك الخطايا التي ارتكبتها بنية حسنة وبقصد جميل، لدفع اليأس المخيم على المؤمنين.
ان اساسين مهمين يهيمنان على آثار "سعيد القديم" -كهذه الرسالة - والاساسان ذوا حقيقة ولكن، كما تحتاج كشفيات الاولياء الى تأويل، والرؤى الصادقة الى تعبير، فان ما أحس به "سعيد القديم" باحساس مسبق - أي قبل وقوع الأمر - بحاجة كذلك الى تعبير، بل الى تعبير دقيق. الاّ ان إخباره عما توقع حدوثه وبيانه تلكما الحقيقتين بلا تأويل ولا تعبير، ادّى الى ظهور شئ من النقص والقصور وخلاف الواقع فيما أخبر عنه.
الأساس الأول: هو ما زفّه من بشرى سارة للمؤمنين بظهور نورٍ في المستقبل. زفّ هذه البشرى ليزيل بها يأسهم ويرفع عنهم القنوط، فلقد أحسّ باحساس مسبق ان "رسائل النور" ستنقذ ايمان كثير من المؤمنين، وستشد أزرهم في زمان عصيب عاصف. الاّ انه نظر الى هذا النور، من خلال الأحداث السياسية التي واكبت
_____________________
1 المقصود اعلان المشروطية وهي ادارة البلد على النمط الغربي من مجلس نيابي ودستور ووزارة مسؤولة امام المجلس النيابي.- المترجم.



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 126
الانقلاب وحاول تطبيق ما رآه من نور على واقع الحال من دون تعبير ولا تأويل. فوقع في ظنه ان ذلك النور سيظهر في عالم السياسة وفي مجال القوة وفي ميدان فسيح. فقد أحسّ احساساً صادقاً الاّ انه لم يوفّق في التعبير عن بُشراه توفيقاً كاملاً.
الاساس الثاني: لقد أحس "سعيد القديم" ما أحسّه عدد من دهاة السياسة وفطاحل الادباء؛ بان استبداداً مريعاً مقبلٌ على الأمة، فتصدوا له، ولكن هذا الاحساس المسبق كان بحاجة الى تأويل وتعبير، إذ هاجموا ما رأوه من ظل ضعيف لإستبدادات تأتي بعد مدة مديدة وألقت في نفوسهم الرعب. فحسبوا ظل استبدادٍ - ليس له الاّ الاسم - استبداداً أصيلاً، فهاجموه. فالغاية صحيحة الاّ ان الهدف خطأ.
وهكذا فلقد أحسّ "سعيد القديم" أيضاً بمثل هذا الاستبداد المخيف فيما مضى. وفي بعض آثاره توضيحات بالهجوم عليه، وكان يرى ان المشروطية الشرعية وسيلة نجاةٍ من تلك الاستبدادات المرعبة. لذا سعى في تأييدها بالحرية الشرعية والشورى ضمن نطاق احكام القرآن، آملاً ان تدفعا تلك المصيبة.
نعم ! لقد أظهر الزمان ان دولة تسمى داعية الحرية، قد كبّلت بثلاثمائة من موظفيها المستبدين ثلاثمائة مليوناً من الهنود، منذ ثلاثمائة سنة، وسيطرت عليهم كأنهم ثلاثمائة رجل لاغير، حتى لم تتركهم يحركون ساكناً. ونفذت قانونها الجائر عليهم بأقسى صورة من صور الظلم، آخذة آلاف الأبرياء بجريرة مجرم واحد. واعطت لقانونها الجائر هذا اسم العدالة والانضباط. فخدعت العالم ودفعته الى نار الظلم. هذه الدولة غدت مقتدى ذلك الاستبداد القادم في المستقبل.
وفي رسالة "المناظرات" هوامش قصيرة، وملاحظات وردت على صورة طُرف ولطائف، فهي من قبيل الملاطفة مع قسم من طلابه الظرفاء في تأليفه القديم ذاك، اذ قد وضح لهم الامور باسلوب الدرس والارشاد.
ثم ان زبدة هذه الرسالة "المناظرات" وروحها وأساسها، هي ما في خاتمتها من حقيقة اقامة "مدرسة الزهراء"، وماهي الاّ المهد الذي سيشهد ظهور "رسائل النور" في المستقبل. فكان يُساق الى تأسيسها دون ارادة منه. ويتحرى - بحس مسبق -


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 127
عن تلك الحقيقة النورانية في صورة مادية حتى بدت جهتها المادية أيضاً، اذ منح السلطان رشاد تسع عشرة ألف ليرة ذهبية لتأسيس تلك المدرسة، وارسيت قواعدها فعلاً، الاّ ان اندلاع الحرب العالمية الاولى حال دون اكمال المشروع.
ثم بعد حوالي ست سنوات ذهبتُ الى انقرة، وسعيت في انجاز تلك الحقيقة، وفعلاً وافق مائة وثلاثة وستون نائباً في مجلس الأمة من بين مائتي عضو على تخصيص خمسة عشر ألف ليرة ورقية لبناء مدرستنا، ولكن ياللأسف - ألف ألف مرة - سدّت جميع المدارس الدينية، ولم استطع ان انسجم معهم فتأخر المشروع أيضاً.
بيد ان المولى القدير أسس برحمته الواسعة الخصائص المعنوية لتلك المدرسة وهويتها في "اسبارطة" فاظهر "رسائل النور" للوجود. وسيوفق - ان شاء الله - طلاب النور الى تأسيس الجهة المادية لتلك الحقيقة أيضاً.
ان سعيداً القديم على الرغم من معارضته الشديدة لمنظمة "الاتحاد والترقي" فانه مال الى حكومتها ولاسيما الى الجيش، حيث وقف منهم موقف تقدير واعجاب والتزام وطاعة. وما ذاك الاّ بما كان يحس به من احساس مسبق من ان تلك الجماعات العسكرية والجمعية الملية سيظهر منهم بعد سبع سنوات مليون من الشهداء الذين هم بمرتبة الأولياء. فمال اليهم طوال أربع سنوات دون اختيار منه، وبما يخالف مشربه. ولكن بحلول الحرب العالمية وخضّها لهم أُفرز الدهن المبارك من اللبن فتحول الى مخيض لا قيمة له. فعاد "سعيد الجديد" الى الاستمرار في جهاده وخالف سعيداً القديم.
***

[حول المؤلفات الاخرى]الى اخوتي "الخواص" من طلاب رسائل النور، وهم اصحابها ووارثوها والى "الاركان" وهم ركائز رسائل النور وخواص الخواص، أبيّن ما يأتي لمناسبة حادثة وقعت في هذه الايام:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 128
ان رسائل النور تسد الحاجة التي تخص الحقائق الاسلامية، فلا تدع حاجة الى مراجعة مؤلفات اخرى.
ولقد عُلم بتجارب كثيرة قاطعة: ان أقصر طريق وأسهله لإنقاذ الايمان وتقويته وجعله تحقيقياً هو في رسائل النور.
نعم ان رسائل النور تقطع ذلك الطريق في خمسة عشر اسبوعاً بدلاً من خمس عشرة سنة، فتبلغ بالمرء الايمان الحقيقي.
وبينما كان اخوكم هذا الفقير شغوفاً بالمطالعة قبل عشرين سنة، حتى كان يطالع بفهم كتاباً مجلداً احياناً في يوم واحد، فقد كفاه منذ ما يقرب من عشرين سنة القرآن الكريم ورسائل النور المفاضة منه. فلم احتج حتى الى كتاب واحد. ولم احتفظ بأي كتاب عندي.
وعلى الرغم من أن ابحاث رسائل النور تدور حول حقائق متنوعة جداً، فانني لم اجد حاجة الى مراجعة اي كتاب كان في اثناء تأليفها منذ عشرين سنة.
فلا شك انكم لا تحتاجون كذلك الى مؤلفات اخرى وتستغنون عنها اكثر مني بعشرين درجة.
ثم انني لما كنت قد اعتمدت عليكم وما زلت معتمداً، فلا ألتفت الى غيركم، ولا أنشغل بسواكم. فينبغي لكم ايضاً ان تثقوا برسائل النور وتطمئنوا بها، بل هذا هو الألزم في هذا الوقت.
ثم انه لمباينة المسلك والمشرب في مؤلفات بعض المؤلفين الجدد في الوقت الحاضر ومسايرتها البدع، فان احدى مهمات رسائل النور هي الحفاظ على الحروف والخط القراني فضلاً عن حفاظها على الحقائق الايمانية تجاه الزندقة. ولقد اشترى احد الخواص مؤلفات يستعملها بعض العلماء - تحت ستار العلوم الدينية - في انزال الضربات القوية على الحروف والخط القرآني، اشتراه لهوى مجهول مع انه يدرّس الحروف القرآنية. فشعرت - دون علمي به - امتعاضاً نحو اولئك الطلاب الخواص وأنا في الجبل. ثم نبهتهم فانتبهوا بفضل الله. نسأله تعالى نجاتهم نجاة تامةً.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 129
اخوتي!
ان مسلكنا دفاع لا اعتداء، تعمير لا تخريب، ونحن محكومون لا حكام. فالذين يتعدّون علينا كثيرون لا يُحصون. ولا شك ان في مسلكهم حقائق مهمة هي بضاعتنا نحن، فلا حاجة لهم الينا في انتشار تلك الحقائق، فلهم الالوف ممن يقرأونها وينشرونها، فنحن بسعينا لمعاونتهم تتزعزع كثير من الوظائف التي وضعت على كاهلنا ونكون وسيلة الى ضياع ما يجب محافظته من اسس وحقائق رفيعة تخص الطوائف، كلاً على حدة.
فمثلاً: لقد أُلّفت مؤلفات تهئ لنوع من العداء للاولياء متخذة بعض الرخص الشرعية ستاراً، وأحداث الزمان حجةً، فان الوظيفة الاساس لرسائل النور - من دون ان تُشملها العموم - هي الحفاظ على اساس الولاية الجارية ضمن الحقائق الاسلامية واساس التقوى، واساس الأخذ بالعزيمة وأسس السنة النبوية الشريفة وامثالها من الاسس الدقيقة المهمة، فلا يمكن ترك تلك الاسس بحجة الضرورة وحادثات الزمان.
***

[تأويل حديث متشابه]لعدم وضوح المعاني الحقيقية لأحاديث صحيحة تخص نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان وقتله الدجال، فإن قسماً من العلماء الظاهريين - أخذاً بظاهر تلك الروايات والاحاديث - قد وقعوا في الشبهات او انكروا صحتها، أو ألبسوها معنى خرافياً بما يشبه انتظار صورة محالة، فيضرون عوام المسلمين. اما الملحدون فينشرون امثال هذه الاحاديث البعيدة عن العقل ظاهراً، فيشنون هجوماً على الحقائق الاسلامية مستخفّين بها.
أما رسائل النور فقد اظهرت - بفيض القرآن - التأويلات الحقيقية لأمثال هذه الاحاديث المتشابهة.
والآن نقدم مثالاً واحداً كانموذج وهو الآتي:
هناك رواية تفيد أن عيسى عليه السلام عند جهاده الدجال واثناء قتله له يقفز بمقدار عشرة اذرع ليتمكن من ضرب ركبة الدجال بسيفه.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 130
بمعنى ان جسم الدجال اضخم من عيسى عليه السلام بهذه الدرجة. وعلى هذا المعنى يلزم ان يكون طول الدجال عشرة امثال طول عيسى عليه السلام بل عشرين مثلاً.
فالمعنى الظاهري لهذه الرواية مناف لحكمة التكليف الالهي وحكمة الامتحان، مثلما لايوافق عادة الله الجارية في البشرية.
والحال انه ظهر معنى من المعانى الكثيرة لهذه الرواية ولهذا الحديث حتى في هذا الزمان. بما يسكت الزنادقة الذين يظنونها خرافة - حاش لله - وينبه العلماء الظاهريين المعتقدين الظاهر عين الحقيقة والذين مازالوا منتظرين تحقق الحديث، رغم مشاهدتهم لقسم من حقائقه.
نعم لقد ظهر حتى في هذا الزمان معنى من معانيه الكثيرة، تلك المعاني التي هي عين الحقيقة والانسجام التام مع الواقع.
والمعنى هو الاتي:
ان حكومةً تسعى لنشر الدين العيسوي وتحاول الحفاظ على عاداته المستمرة، تحاربها حكومة تعلن مساعدتها رسمياً للالحاد وللبلشفية، لاجل منافعها الخسيسة، بل تسعى للدعاية لها. وحكومة اخرى تنحاز الى بث الالحاد بين اوساط المسلمين وفي آسيا عامة لاجل منافعها الخسيسة الفاسدة وتحالف حكومات دساسة جبارة. فلو تمثل الشخص المعنوي للحكومة الاولى، وتجسم الشخص المعنوى للمتحالفين المنحازين للالحاد، لظهر معنىً من المعانى العديدة لهذا الحديث في هذا الزمان بجهات ثلاث. فان احرزت تلك الحكومة الغالبة النصر نتيجة الحرب ارتفع هذا المعنى الاشاري الى درجة المعنى الصريح، وإن لم تحرز النصر تماماً فهذا المعنى أيضاً هو معنى اشاري موافق.
الجهة الاولى: جماعة الروحانيين المتمسكين بالدين العيسوى الحقيقي، وفي مقابلهم الجماعة التي بدأت تروّج للالحاد، فاذا ما تجسمت تلكما الجماعتين بصورة انسان، فان الجماعة الاولى لا تصبح حتى بقدر طفل امام انسان بارتفاع منارة.
الجهة الثانية: حكومة تعد افرادها مائة مليون نسمة تعلن رسمياً: اننى سأزيل الالحاد واحمي الاسلام والمسلمين، تحارب حكومة تحكم اربعمائة مليوناً ومتحالفة


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 131
مع الصين وامريكا - أى باربعمائة مليون نسمة - هذه الحكومات متحالفة علناً مع البلاشفة. فلو تجسم المحاربون في الحكومة الاولى الذين ينزلون ضرباتهم القاصمة باولئك المتحالفين وتجسم الملحدون والمتحالفون معهم في شخص معنوي آخر، لظهرت صورة انسان صغير تجاه انسان بارتفاع منارة. هذا وقد ورد في رواية ان الدجال يحكم الدنيا، فهذه الرواية تعني ان الغالبية العظمى تميل اليه. كما هو واقع الآن!
الجهة الثالثة: ان حكومة لا تساوى مساحتها ربع مساحة اوروبا - وهي اصغر القارات الاربع - تحارب منتصرة حكومة تسيطر على اغلب بقاع العالم من آسيا وافريقيا وامريكا واستراليا، وان الحكومة الاولى تستند الى الدين وفي حلف مع دولة تدّعى الوكالة عن سيدنا عيسى عليه السلام، تجاه التيارات الالحادية المستبدة، وتنزل الاولى عليهم بالمظلات.
فلو تجسمت الاولى والاخريات وصوّرت بصورة انسان - كما كانت الجرائد ترسم الصور "الكاريكاتيرية" لاظهار قوة الدول ومكانة الحكومات - فان معنى من المعانى العديدة لما يخبر به الحديث الشريف سيظهر مطابقاً تماماً في جريدة الارض وفي صحيفة هذا العصر.
حتى ان معنى اشارياً لما يشير اليه الحديث من نزول شخص عيسى عليه السلام من السموات هو: ان طائفة ممثلة لسيدنا عيسى عليه السلام وتسلك سلوكه تنزل بمظلات من الطائرات كبلاء سماوى - بما لم يسمع به لحد الآن ولم يشاهد قط - خلف الاعداء مما يظهر المعنى المادي لنزول عيسى عليه السلام.
نعم ان مايفيده الحديث الشريف من نزول عيسى عليه السلام ثابت قطعاً الاّ ان المعنى الاشاري كما يشير باعجاز الى هذه الحقيقة فهو يشير الى معاني اخرى ايضاً.
عندما شرعت في كتابة بضعة اسطر حول هذه المسألة - بناء على سؤال "فيضي وأمين" وإصرارهما - انقاذاً لإيمان بعض العوام الضعفاء كتّبت مطولة خارج إرادتي. ولم ندرك حكمتها، فتركناها كما هي، لعل فيها حكمة ما، نرجو عفوكم وسماحكم اذ لم نجد متسعاً من الوقت لتصحيح هذا البحث وتدقيقه فظل مشوشاً.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 132
[صداقة الابطال]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد حروفات القرآن
بارك الله فيكم، وجعلكم سعداء. إن سعيكم الجاد ونشاطكم المستمر يبث الشوق ويثير الهمم هنا وفي اماكن اخرى ايضاً. فحمداً لله بما لا يتناهى من الحمد ان فتوحات رسائل النور تتزايد يوماً بعد يوم. فان اهل الايمان يشعرون بجروحهم ويضمدونها برسائل النور...
لله الحمد إن طلاب النور في هذا الزمان الذين حظوا بالايمان الكامل ضمن السنة الشريفة، قد أخذوا مسلكاً يلفت اليهم انظار الاولياء والمرشدين. لذا فان المرشدين الحقيقيين الذين يظهرون في كل عصر سيحاولون بلاشك كسب طلاب النور الى صفهم، اذ لو كسب احدهم طالباً لرسائل النور فانه ينزله منزلة عشرين مريد.
ارسل الحقيقة التي بيّنتها لفيضي حول المشقات الحاصلة من خدمة رسائل النور وما فيها من مجاهدة وبذل، تجاه الاذواق والجاذبية المترشحة من الولاية، ارسلها لكم لعل فيها فائدة في تلك المناطق.
بلغوا سلامي الى اخوانى عامة فرداً فرداً.
اخي فيضي!
ان كنت ترغب ان تكون مثيل ابطال ولاية اسبارطة، عليك أن تشبههم وتكون مثلهم تماماً. فلقد كان معنا في السجن شيخ عظيم ومرشد مرموق ذو جاذبية من اولياء الطريقة النقشبندية - رحمه الله - جالَسَ ما يقرب من ستين من طلاب النور طوال اربعة اشهر وحاورهم محاورات مغرية لجلبهم الى الطريقة، الاّ انه لم يتمكن الاّ على ضم واحدٍ منهم الى صفه، وبصورة مؤقتة. أما الباقون فقد ظلوا مستغنين عنه وهو الولي الصالح، اذ كفتهم الخدمة الايمانية الرفيعة التي تقدمها رسائل النور، واطمأنوا بها. ولقد فقه اولئك الابطال بقلوبهم الواعية ورأوا ببصيرتهم النافذة الحقيقة الآتية:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 133
ان خدمة رسائل النور هي انقاذ الايمان، اما الطريقة والمشيخة فهي تكسب المرء مراتب الولاية. وان انقاذ ايمان شخص من الضلال أهم بكثير واجزل ثواباً من رفع عشرة من المؤمنين الى مرتبة الولاية؛ حيث أن الايمان بمنحه للانسان السعادة الابدية يضمن له ملكاً أوسع من الارض كلها. أما الولاية فانها توسّع من جنة المؤمن وتجعلها أسطع وابهر. وكما ان رفع مرتبة انسان اعتيادي الى سلطان، أعظم من رفع عشرة من الجنود الى مرتبة القائد، كذلك الثواب اعظم واجزل في انقاذ ايمان انسان من الضلالة، من رفع عشرة من الناس الى مرتبة اولياء صالحين.
فهذا السر الدقيق هو الذي أبصرته القلوب النفاذّة لإخوانك في اسبارطة، وان لم تره عقول قسم منهم. ولهذا فضّلوا صداقة شخص ضعيف مذنب مثلي، على صداقة اولياء عظام بل على مجتهدين ان وجدوا.
فبناء على هذه الحقيقة:
لو ان قطباً من اقطاب الأولياء أو شيخاً جليلاً كالكيلاني، أتى الى هذه المدينة وقال لك سأرفع مرتبتك الى مرتبة الولاية في عشرة أيام، وذهبت اليه تاركاً رسائل النور، فلا تستطيع أن تصادق ابطال اسبارطة.
***

[ميزان دقيق في محاورة]
"محــاورة خطرت على الـقلب،كتبتها
لتقويم الافراط لدى قســـم من اخوتي
طلاب النور، لتعديل حسن ظنهم بي
بمايفوق حدي بكثير"
قبل حوالي خمسين سنة جرت بيني وبين اخي الكبير "الملا عبد الله" رحمه الله هذه المحاورة، سأوردها لكم:
كان اخي المرحوم من خواص مريدي الشيخ ضياءالدين (قدس سره) وهو من الاولياء الصالحين. واهل الطرق الصوفية لا يرون بأساً في الافراط في حب مرشدهم


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 134
والمبالغة في حسن الظن بهم، بل يرضون بهذا الافراط والمبالغة، لذا قال لي اخي ذات يوم:
- ان الشيخ ضياء الدين على علم واسع جداً واطلاع على ما يجري في الكون، بمثل اطلاع القطب الاعظم!... ثم سرد الكثير من الامثلة على خوارق اعماله وعلو مقامه.. كل ذلك ليغريني بالانتساب اليه والارتباط به. ولكني قلت له:
- يا اخي الكريم، انت تغالي! فلو قابلت الشيخ ضياء الدين نفسه لألزمته الحجة في كثير من المسائل، وانك لا تحبه حباً حقيقياً مثلي! لانك ياأخي الكريم تحب ضياء الدين الذي تتخيله في ذهنك على صورة قطب اعظم له علم بما في الكون! فأنت مرتبط معه بهذا العنوان وتحبه لاجل هذه الصفة. فلو رفع الحجاب وبانت حقيقته، لزالت محبتك له او قلت كثيراً!
اما انا - يا اخي- فاحب ذلك الشخص الصالح والولي المبارك حباً شديداً بمثل حبك له، بل أوقره توقيراً يليق به وأجلّه واحترمه كثيراً، لانه:
مرشد عظيم لاهل الايمان في طريق الحقيقة المستهدية بالسنة النبوية الشريفة. فليكن مقامه الحقيقي ما يكون، فأنا مستعد لأن أضحي بروحي لأجل خدمته الايمان. فلو اميط اللثام عن مقامه الحقيقي فلا اتراجع ولا اتخلى عنه ولا أقلل من محبتي له، بل اوثق الارتباط به اكثر، وأوليه محبة أعظم وابالغ في توقيره.
فانا اذن يا اخي الكريم احب ضياء الدين كما هو وعلى حقيقته. اما انت فتحب ضياء الدين الذي في خيالك 1. ولما كان اخي المرحوم عالماً منصفا حقاً، فقد رضي بوجهة نظري وقبلها وقدرها.
فيا اخوتي، أيها السعداء المحظوظون الذين يضحون بانفسهم في سبيل الله! ان مبالغتكم في حسن الظن بشخصي، وان كان لا يضركم بالذات، الا ان امثالكم ممن ينشدون الحق ويرون الحقيقة، ينبغي لهم ان ينظروا الى الشخص من زاوية خدمته للقرآن الكريم ومدى انجازه لمهامه نحوه، فلو كشف النقاب وظهرت امامكم هويتي
_____________________
1 لأنك تطلب لمحبتك ثمناً غالياً جداً، اذ تفكر ان يقابل محبتك ما يفوق ثمنك مئة ضعف، والحال ان اعظم محبة لمقامه الحقيقي تظل زهيدة جداً. (المؤلف).



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 135
الملطخة بالتقصيرات من قمة رأسي الى اخمص قدمي لأشفقتم عليّ ولتألمتم لحالي ولكن لئلا انفّركم من محبة الاخوة التي تربطنا، ولئلا تندموا عليها فلا تربطوا انفسكم بماتتصورونه من مقامات تضفونها عليّ وهي فوق حدي بكثير. فأنا لست سوى اخ لكم لا غير، وليس في طوقي ادعاء الارشاد والتوجيه ولا الاستاذية عليكم.. وكل ما في الامر هو اني زميلكم في تلقي درس الايمان. فلا تنتظروا مني همة ومدداً بل انا المحتاج الى معاونتكم وهممكم وأرجو دعواتكم المشفقة على تقصيراتي.
ولقد أنعم الله علينا جميعاً - بفضله وكرمه - واستخدمنا في أقدس خدمة واجلّها وأنفعها لاهل الايمان.. تلك هي خدمة القرآن. وندبنا للقيام بها على وفق تقسيم الاعمال فيما بيننا، فحسبنا استاذية وارشاد الشخص المعنوي النابع من سر اخوتكم واتحادكم.
فما دامت خدمة الايمان والقرآن أسمى من أية خدمة في هذا العصر، وأن النوعية تفضل الكمية، وان التيارات السياسية المتحولة المتغيرة واحداثها المؤقتة الزائلة لا اهمية لها امام خدمات الايمان الثابتة الدائمة، بل لا ترقى لمقارنتها ولا يمكن ان تكون محوراً لها، فينبغي الاطمئنان بما منحنا ربنا سبحانه وتعالى من مرتبة نورانية مفاضة علينا من نور القرآن المبين.
فيا اخوتي الاحبة! الثبات الثبات، الوفاء الوفاء...ان طريقنا في السمو والرقي هو الغلو في الارتباط والتساند فيما بيننا والسعي لنيل الاخلاص والاخوة الحقة، بدلاً من الغلو في حسن الظن والتطلع الى مقامات أعلى من حدنا.
***

[من وظائف السيد المهدى]
اخوتى الاعزاء!
كتبت لكم الفقرتين الآتيتين قبل يومين تتمة لما كتب لكم سابقاً من جواب حول حسن ظنكم النابع من وفائكم الخالص بما يفوق حدي بكثير جداً. إذ ان الحكمة في


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 136
جوابي السابق - قبل اسبوع - والذي يجرح الى حد ما حسن ظنكم المفرط، لرسالتكم المترشحة من وفائكم الخالص وهممكم العالية هي الآتية:
في هذا العصر تيارات قوية ومسيطرة الى درجة تستحوذ على كل شئ، وتستولي عليه، و تمتلكه لنفسها، و تسخره لأجلها، فلو أتى ذلك الذي يُنتظر مجيئه حقا في هذا العصر، فانني أرى انه يغيّر هدفه، ويجرّد نفسه من الأجواء والأحوال الدائرة في عالم السياسة، حفاظاً على أعماله من ان تغتصبها تلك التيارات.
ثم ان هناك ثلاث مسائل هي:
الحياة.. الشريعة.. الايمان
وأن مسألة "الإيمان" هي أهم هذه المسائل الثلاث وأعظمها في نظر الحقيقة. بيد ان "الحياة" و "الشريعة" تبدوان في نظر الناس عامة و ضمن متطلبات أوضاع العالم أهم تلك المسائل. ولما كان تغيير اوضاع المسائل الثلاث كلها دفعة واحدة في الارض كافة لا يوافق سنة الله الجارية في البشرية، فإن ذلك الشخص المنتظر لو كان موجوداً في الوقت الحاضر لأتخذ أعظم تلك المسائل و أهمها أساسا له دون المسائل الأخرى، وذلك لئلا تفقد خدمة الايمان نزاهتها وصفاءها لدى الناس عامة، ولكي يتحقق لدى عقول عوام الناس - الذين يمكن ان يُستغفلوا ببساطة - ان تلك الخدمة ليست اداة لأي مقصد آخر.
ثم ان معاول الهدم ومطارق التخريب تعمل منذ عشرين عاما مقترفة أشد أنواع الظلم وأقسى ضروب التعسف لإفساد الاخلاق حتى ضاعت الثقة والوفاء الى درجة لم يعد يوثق بشخص واحد من كل عشرة أشخاص، بل من كل عشرين شخصاً.
فتجاه هذه الحالات المحيرة لابد من ثبات عظيم وصلابة تامة ووفاء خالص وغيرة على الاسلام تفوق كل شئ.. وبخلافه ستبقى خدمة الايمان عقيمة بائرة، وتكون ضارة.
بمعنى ان أخلص خدمة وأسماها وأهمها وأولاها بالتوفيق هي الخدمة السامية التي يعمل فيها طلاب رسائل النور.
وعلى كل حال يكفي هذا القدر لهذه المسألة في الوقت الحاضر.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 137
[ختمة جماعية]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: نبارك لكم ليلة الرغائب وشهر رمضان المقبل، ونسأله تعالى ان يجعل ليلة القدر خيراً لكم ولنا من الف شهر، ويُدخلها هكذا في سجل اعمالنا.
وقد عزمنا على ان ندعو حتى العيد بهذا الدعاء : "اللهم اجعل ليلة القدر في شهر رمضان خيراً من الف شهر لنا ولطلبة رسائل النور"
ولقد قمنا بتوزيع اجزاء مصحفين شريفين على كل طالب من طلاب النور الخواص هنا، بحيث يقرأ كلٌ منهم يومياً جزءاً مخصصاً له. وبهذا تُختم كل يوم - من ايام شهر رمضان المبارك - ختمتان للقرآن الكريم، في مجلس معنوي واسع جداً يضم اسبارطة وقسطموني معاً، يتوسطهما طلاب رسائل النور حيث يتصور كلٌ منهم نيّةً جميع الطلاب معه. نسأله تعالى أن يوفقنا في ذلك.
***

[الاشتراك في الاعمال الاخروية]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بقدر حاصل ضرب عاشرات دقائق ليلة القدر في حروف القرآن.
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اولاً: اهنئكم بحلول شهر رمضان المبارك بملء روحي ووجداني وابتهل الى ارحم الراحمين تعالى ان يستجيب لدعواتكم التي ترفعونها في هذا الشهر المبارك.
ثانياً: ان شهر رمضان لهذه السنة له اهمية جليلة للعالم الاسلامي عامة ولطلاب النور ايضاً بمضمون دستور الاشتراك في الاعمال الاخروية، ذلك الدستور الاساسي الجاري بين طلاب رسائل النور. فان دخول ما يكسبه كل طالب من حسنات الى


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 138
دفتر حسنات اخوانه كاملة، هو مقتضى ذلك الدستور والرحمة الالهية. لذا تكون مغانم الحسنات عظيمة جداً وكلية لمن يدخل دائرة رسائل النور بصدق واخلاص، حيث يغنم كل واحد منهم ألوفاً من الحصص، نسأله تعالى ان يجعل ذلك الاشتراك كالاشتراك في الاموال الدنيوية - ولكن بدون انقسام ولا تجزئة - اشتراكًا كاملاً بدخولها كاملة في دفتر حسنات أخوانه كدخول ضياء مصباح في الوف المرايا. بمعنى ان طالباً من طلاب النور الصادقين اذا ما غنم حقيقة ليلة القدر وتمكّن من كسب المرتبة الرفيعة لشهر رمضان المبارك، نأمل أملاً عظيماً من سعة رحمته تعالى ان يملّك جميع الطلاب الصادقين تلك الغنيمة ويحظون بها.
***

[النساء في طريق النور]
اخوتى الاعزاء الاوفياء الابطال الميامين!
اولاً: ان كل اخ من اخواننا الخواص في هذا الشهر المبارك، شهر رمضان، بمثابة الملائكة المالكين لاربعين الف لسان، اي له اربعون الف لسان معنوى - اى بعدد الاخوة - وذلك بالدستور الاساس، وهو دستور الاشتراك في الاعمال الاخروية - لذا فان ما يدعون اوما سيدعون من دعوات في هذا الشهر المبارك، نرجو من رحمته تعالى ان يكون مقبولاً بعدد تلك الالسنة. فهنيئاً لكم شهركم هذا شهر رمضان الحامل لهذه الماهية الفاضلة.
ثانياً: كان المفروض ان يكون الجواب كتاباً كاملاً لرسائلكم في هذه المرة، تلك الرسائل المتعددة المؤثرة السارة الحاملة للبشارات، الا ان ضيق الوقت حال دون ذلك فلا تتألموا من الجواب المقتضب...
فللّه الحمد ألف ألف مرة ان الامهات المباركات في تلك القرية وسيداتها - قرية ساو 1- قد عرفن رسائل النور ويقدرنها حق قدرها. فلقد ابكتني - وابكتنا جميعاً - بكاء فرح وسرور التضحية التي بذلتها اولئك السيدات العزيزات اخواتي في الآخرة المخلصات في نشر رسائل النور.
_____________________
1 قرية ساو: قرية قريبة من منفى الاستاذ النورسى »بارلا«. واهالى هذه القرية شيباً وشباباً رجالاً ونساءاًً خدموا الايمان عن طريق نشر رسائل النور واستنساخها. المترجم.



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 139
من المعلوم ان أهم اساس في مسلك رسائل النور هو الشفقة. وحيث ان السيدات هن معدن الشفقة ومنبعها، فقد كنت انتظر - منذ مدة - ان تُفهم ماهية رسائل النور في عالم النساء، والحمد لله فان السيدات هنا وحوالينا يعملن عملاً جاداً وبشوق وفعالية اكثر من الرجال، فاظـهرن انهن حقاً أخواتٌ مباركات في قرية ساو. فهذان الامران الظاهران فأل حسن في أن رسائل النور ستسطع وتنور وتفتح قلوب اولئك السيدات معادن الشفقة.
ثم ان الرعاة الشجعان لقرية ساو الذين ينقلون في جعبهم رسائل النور ليستكتبوها، قد أبدوا تضحية وبسالة كاولئك السيدات هناك. مما يثير الهمم ويبث الشوق في هذه المناطق ايضاً.
اننا نرغب في معرفة اسماء اولئك السيدات والرعاة كي يدخلوا باسمائهم الخاصة ضمن الطلاب الخواص...
***

[حادثتان ذات مغزى]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ابين لكم حادثتين لطيفتين لهما مغزى وبشارة.
اولاها: [مقابلة الذنوب المهاجمة]
تنبيه يحمل بشرى وردت من خاطرة يائسة، حيث ورد على خاطري في هذه الايام ما يأتي:
ان الذي يختلط بالحياة الاجتماعية، ما ان يمس شيئاً، الاّ ويجابه بالآثام والذنوب في اغلب الاحوال. فالذنوب تحيط بالانسان من كل جهة. تُرى كيف تقابل العبادة الخاصة للانسان وتقواه الخاصة هذه الذنوب جميعها؟ تأملت في هذا التفكير اليائس، حيث تذكرت اوضاع طلاب رسائل النور المندمجين في الحياة الاجتماعية، وفكرت في الوقت نفسه في اشارات قرآنية وبشارات الامام علي والشيخ الكيلاني حول نجاة طلاب رسائل النور وكونهم من اهل السعادة.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 140
فقلت في قلبي: كيف يقابل طالب النور بلسان واحد هجمات ذنوب ترد من الف جهة، وكيف يتغلب عليها، وكيف ينجو منها؟ فأخذتنى الحيرة. فخطر على قلبى تجاه هذه الحيرة ما يأتي:
انه حسب الدستور الاساس الجاري بين طلاب رسائل النور الحقيقيين الصادقين، وهو الاشتراك في الاعمال الاخروية. وبسر التساند والترابط الخالص، فان كل طالب خالص صادق لا يتعبد بلسان واحد بل بعدد ألسنة اخوانه جميعاً، فيستغفر ربه بعدد تلك الالسنة. ويقابل الذنوب المهاجمة من ألف جهة بالوف ألوف من الالسنة المستغفرة العابدة.
ان طالباً خالصاً حقيقياً متقياً يعبد ربه بأربعين ألف من ألسنة اخوته - كالملائكة المسبّحة بأربعين ألف لسان - سيكون اهلاً للنجاة باذن الله، ويكون من اهل السعادة بفضل الله ويصبح مالكاً لعبادة رفيعة كلية بالوفاء الخالص حسب درجته وبالعمل الجاد ضمن دائرة رسائل النور وبإلتزام التقوى واجتناب الكبائر.
فلأجل الاّ يفوّت هذا الربح العظيم ينبغى السعى الحثيث في التقوى والاخلاص والوفاء.
ثانيتها: [جبة مولانا خالد]
عندما كنت في الرابعة عشر من العمر وجدت موانع حالت دون قيام احد من الاساتذة على وضع العمامة ولفّها على رأسي وإلباسي الجبة، كدليل على الشهادة العلمية، كما كانت العادة جارية سابقاً. فما كان لبس الجبة الخاصة بالعلماء والكبار يلائم سني الصغير...
ثانياً: كان العلماء في ذلك الوقت، قد اتخذوا موقف المنافس لي او التسليم التام فلم يتمكنوا ان يتقلدوا طور الاستاذ. وحيث ان عدداً من الاولياء العظام قد ارتحلوا من الدنيا، لذا لم يجد احد في نفسه الكفاءة ليلبسنى الجبة او يضع على رأسي العمامة. فمنذ خمسين سنة كان من حقى هذه العلامة الظاهرة لنيل الشهادة وهى لبس الجبة وتقبيل يد أحد الاساتذة وقبوله استاذاً.. ولكن تقديم جبة مولانا خالد النقشبندي من بُعد مئة سنة مع العمامة الملفوفة بها وارسالها اليّ في هذا العام


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 141
باسلوب غريب جداً لكي ألبسها، قد اورثنى قناعة ببعض الامارات. فأنا ألبس تلك الجبة المباركة التي يبلغ عمرها مائة سنة واشكر ربي بمئات الالوف من الشكر والحمد. 1
***

[مسألتان وردتا الى القلب]
لقد وردت في هذه الايام مسألتان دقيقتان الى القلب، لم استطع تدوينهما، الاّ اننا بعد فوات ذلك الأوان نشير اشارة فقط الى تلك الحقائق المهمة:
اولاها: [الى المتكاسل في اذكار الصلاة]
لقد قلت لأحد اخواننا الذي اظهر تكاسلا وفتوراً في قراءة الاذكار بعد الصلاة:
أن تلك الاذكار والاوراد عقب الصلاة هي سنة نبوية مطهرة وطريقة محمدية شريفة، وهي أوراد الولاية الأحمدية، فأصبحت أهميتها من هذه الزاوية عظيمة.
ثم وضحت حقيقة هذا القول بهذا الشكل:
مثلما ان الولاية الاحمدية التي انقلبت الى الرسالة هي فوق جميع الولايات قاطبة، فان طريقة تلك الولاية الكبرى وأذكارها عقب الصلاة هي فوق سائر الطرق والاوراد بالدرجة نفسها. ثم انكشف هذا السر كما يأتي:
كما ان كل ذاكر في حلقة الذكر، أو في ختمة الذكر في المسجد. يشعر برابطة روحية، تربطه بمن حوله، فيحسون جميعا بحالة روحية نورانية، فان ذا القلب اليقظ يحس احساساً روحيا كلما سبّح بـ "سبحان الله.. سبحان الله .. سبحان الله.." بعد الصلاة، انه في حلقة ذكر مع مائة مليون من المسبّحين الذاكرين، كأنهم بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي يترأس تلك الحلقة الذاكرة المترامية الاطراف.
فبهذه الاحاسيس الشاعرة بالعظمة والهيبة والرفعة والعلو يكرر المؤمن: "سبحان الله.. سبحان الله".

_____________________
1 لقد أخذت هذه الأمانة المباركة من السيدة "آسيا" وهي طالبة النور المحترمة واختنا في الآخرة.- المؤلف.




الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 142
ثم انه عندما يردد "الحمدلله.. الحمد لله.." بأمر معنوي صادر من ذلك السيد الكريم صلى الله عليه وسلم فانه يتأمل ويفكر في عظمة تلك الكلمة "الحمد لله" المنطلقة من صدور مائة مليون من المرددين في تلك الحلقة الواسعة الشاسعة، فيشترك معهم بقوله: "الحمد لله.. الحمد لله.. الحمد لله.."
وهكذا، مع كلمة "الله اكبر.. الله اكبر.." ومع "لا اله الا الله .. لا اله الا الله" ثلاثاً وثلاثين مرة، حيث يختم الذكر..
وبعد اتمام هذه الاذكار اللطيفة بتلك المعاني والتأمل الاخوي يتوجه الى سيد الحلقة الذاكرة وهو الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حاملا معه تلك المعاني المذكورة مع اخوانه في حلقة الذكر قائلا:
ألف ألف صلاة وألف ألف سلام عليك يا رسول الله.
أجل، هكذا أحسست، وهكذا فهمت، بل هكذا رأيت خيالا، لذلك أقول:
ان الاذكار عقب الصلاة، لها أهمية كبرى.

المسألة الثانية: [لم تُفضَّل الدنيا على الآخرة]
ان خاصية هذا العصر هي أنها تجعل المرء يفضّل - بعلم - الحياة الدنيا على الحياة الباقية. حتى اصبح تفضيل قطع الزجاج القابلة للكسر على الألماس الباقية عن علم، يجري وكأنه دستور وقاعدة عامة.
فكنت أحار من هذا حيرة شديدة، ولكن أُخطر على قلبي في هذه الايام الآتي:
كما انه إذا اشتكى عضو من الجسد تداعى له سائر الجسد تاركاً قسماً من وظائفه، كذلك جهاز الحرص على الحياة والحفاظ عليها والتلذذ بالحياة وعشقها، المندرج في فطرة الانسان قد جُرح في هذا العصر فبدأ يُشغل سائر اللطائف به لأسباب عديدة محاولاً دفعها الى نسيان وظائفها الحقيقية.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 143
فلو كان هناك حفل بهيج جذاب حافل بالسفاهة والسكر لانجذب اليه حتى الذين لهم مقامات رفيعة والنساء المحجبات العفيفات كما ينجذب الاطفال والسائبون، فيشتركون معاً بجاذبية ذلك الحفل تاركين وظائفهم الحقيقية.
كذلك الحياة الانسانية في هذا العصر ولاسيما الحياة الاجتماعية فقد اتخذت وضعاً مخيفاً ولكن ذات جاذبية، وحالة أليمة ولكن تثير اللهفة والفضول، بحيث تجعل عقل الانسان وقلبه ولطائفه الرفيعة تابعة لنفسه الامارة بالسوء حتى تحوّم كالفراش حول نار تلك الفتنة وترديها فيها.
نعم، هناك في حالات الضرورة رخصة شرعية في تفضيل الحفاظ على الحياة الدنيوية وترجيحها مؤقتاً على بعض الامور الاخروية. ولكن لا يمكن تفضيلها بناء على ضرر لا يلحقه هلاك ولأجل حاجة فحسب، فلا رخصة في هذا.
والحال ان هذا العصر قد غرز حب الحياة الدنيوية في عروق الانسان، حتى انه يترك اموراً دينية ثمينة جداً كالالماس لحاجة صغيرة تافهة، او لئلا يصيبه ضرر دنيوي اعتيادي.
نعم، ان هذا العصر الذي رُفعت منه البركة من جراء الاسراف المتزايد وعدم مراعاة الاقتصاد، ومن عدم القناعة مع الحرص الشديد، فضلاً عن تزايد الفقر والحاجة والفاقة وهموم العيش، مما سبب جروحاً بليغة في تطلع الانسان للعيش وفي نزوعه لحفظ الحياة، علاوة على تشعب متطلبات الحياة المرهقة، زد على ذلك استمرار اهل الضلالة بتوجيه كل الانظار الى الحياة.. كل ذلك عمّق تلك الجروح حتى دفع الانسان ليفضّل ادنى حاجة من حاجات الحياة على مسألة ايمانية عظيمة.
نعم، انه لايصمد تجاه هذا المرض العجيب لهذا العصر العجيب ولسقمه الرهيب إلاّ رسائل النور الناشرة لأدوية القرآن المبين التي لها فعل المضاد للسموم.
ولا يمكن ان يقاوم هذا المرض العضال الاّ طلاب رسائل النور الاقوياء الثابتون الذين لا يتزعزعون، الخالصون الصادقون المضحون.
ولهذا ينبغي الاسراع الى الالتحاق بدائرة النور والالتزام بها مع كامل الوفاء والثبات والجدية والاخلاص والثقة، حتى يمكن الخلاص من آثار ذلك المرض العجيب الرهيب.
تحياتنا الى الاخوة جميعاً فرداً فرداً مع الدعاء لهم بالخير.
يااخوتي! ان فعالياتكم ونشاطكم وثباتكم هى بمثابة النابض المحرك لدائرة رسائل النور بحيث تحفزوننا على الحركة والعمل هنا، وفي اماكن اخرى كثيرة. ليرضَ الله عنكم ابداً. آمين آمين ألف ألف آمين.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 144
[الآلام في اللذائذ الظاهرية]
لمناسبة الرسالة التي كتبتها لكم قبل بضعة ايام حول غلبة الحياة الدنيوية على الحياة الدينية ظهر معنىً دقيق جداً لقلبي، قد لا يُعبّر عنه بالقلم. ولكني سأشير اليه اشارة في غاية الاختصار:
انني شاهدت ان ما يخدع اهل الضلالة في هذا العصر العجيب ويجعلهم سكارى ثملين، هو ان ما يتلذذونه من أوضاع فانية لذًة ظاهرية هو في الحقيقة في منتهى الألم. بينما شعرت - بما لا اتمكن من التعبير عنه - ان اهل الايمان والهداية يتلذذون لذة علوية في نفس الموضع من تلك الامور والاوضاع الفانية.
فلقد اثبتت رسائل النور في مواضع عدة: ان كل شئ معدوم لأهل الضلالة سوى الحال الحاضرة، لذا فكل شئ بالنسبة اليهم ملئ بالآم الفراق، بينما الماضى والمستقبل وما فيهما موجودان منوّران لأهل الايمان.
ولقد شاهدت ان الاوضاع الموقتة الفائتة لأهل الدنيا معدومة في ظلمات الفناء المطلق، بينما تلك الاوضاع نفسها موجودة لأهل الهداية. لأنني تذكرت بحسرة الاوضاع الموقتة التي مرّت عليّ، وهي اوضاع تحمل لذائذ واهميةً وشأناً فاشتقت اليها. ولكن ما ان ورد على ذهني ان تلك الاوضاع الطيبة فنيت في الماضي، اذا بنور الايمان يذكّّرني: انها باقية من نواحٍ عدة رغم فنائها الظاهرى، لأن تلك الاوضاع جلوات اسم الله الباقي سبحانه، فهي باقية في دائرة العلم الالهي والالواح المحفوظة والالواح المثالية. فالعلاقات التي تربطنا بتلك الاوضاع يورثها نور الايمان بقاءً ووجوداً فوق الزمان. فيمكنك مشاهدة تلك الاوضاع من نواحٍ عديدة كثيرة وكأنها سينما معنوية كثيرة بل يمكنك الدخول فيها. فقلت: "مادام الله موجوداً فكل شئ موجود اذن". هذا الكلام الذي اصبح مضرب المثل يمثل حقيقة: "من كان لله تعالى كان له كل شئ، ومن لم يكن له كان عليه كل شئ فكل شئ معدوم له".
بمعنى ان الذين يفضلون درهماً من لذة تحمل آلاماً وحسرات وظلمات على اضعافها من اللذائذ التي لا تحمل ألماً في الموضع نفسه، لاشك انهم سيقابلون - بما يخالف مقصودهم - الألم في موضع اللذة.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 145
[خدمة الايمان فوق كل شيء]
ان طلاب رسائل النور الحقيقيين يرون خدمة الايمان فوق كل شئ. بل حتى لو مُنحوا درجة القطبية يرجحون عليها خدمة الايمان حفاظاً على الاخلاص.
نحن طلاب رسائل النور؛ وظيفتنا الخدمة، خدمة الايمان والقرآن، وعدم التدخل في أمور الله، وعدم بناء خدمتنا على تلك الأمور الذي يومئ الى ما يشبه التجربة والاختبار. فضلاً عن اننا نهتم بالنوعية دون الكمية...
لقد أدت أسباب رهيبة منذ سالف الزمن الى تدهور الاخلاق واستحباب الدنيا على الآخرة وتفضيلها عليها في كل شئ. فضمن هذه الأحوال المحيطة، فان فتوحات الايمان التي تكسبها رسائل النور حتى الآن، وكسرها لصولة الزنادقة وهجوم الضلالة، وانقاذها ايمان مئات الالوف من الناس المنكوبين، وتربيتها مئات بل الوف المؤمنين الحقيقيين الذين يعادل كل منهم مئة الفاً من غيرهم، أثبتت اثباتاً قاطعاً بحوادث واقعية - وستثبت باذن الله في المستقبل - إخبار المخبر الصادق صلى الله عليه وسلم وصدّقته تصديقاً فعلياً. وقد ترسخت في العروق الى درجة لا يمكن لأي قوة كانت ان تجتثها باذن الله من صدر الاناضول، حتى يأتي باذنه تعالى في آخر الزمان اصحابها الحقيقيون في الدائرة الواسعة للحياة، اي السيد المهدي وطلابه، فيوسّعون تلك الدائرة وتتسنبل البذور المزروعة، فنشاهد نحن ذلك المشهد من قبورنا ونشكر ربنا.
***

[ورطة المتدينين]
ان هذا العصر العجيب الذي اثقل كاهل الانسان بالحياة الدنيوية بما كثّر عليه من متطلبات الحياة وضيق عليه مواردها، وحوّل حاجاته غير الضرورية الى ضرورية بما ابتلاه من تقليد الناس بعضهم بعضاً، ومن التمسك بعادات مستحكمة فيهم، حتى جعل الحياة والمعاش هي الغاية القصوى والمقصد الاعظم للانسان في كل وقت.
فهذا العصر العجيب اسدل بهذه الامور حجاباً دون الحياة الدينية والاخروية والابدية، او في الاقل جعلها امراً ثانوياً او ثالثياً بالنسبة له. لذا جوزي الانسان على خطئه هذا بلطمة قوية شديدة حوّلت دنياه جحيماً لا تطاق.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 146
وهكذا يتورط المتدينون ايضاً في هذه المصيبة الرهيبة، ولا يشعر قسم منهم انهم قد وقعوا في الورطة. واذكر مثالاً:
رأيت عدداً من الاشخاص - من اهل التقوى - يرغبون في الدين ويحبون ان يقيموا اوامره كي يوفقوا في حياتهم الدنيوية ويفلحوا في اعمالهم. حتى ان منهم من يطلب الطريقة الصوفية لاجل ما فيها من كرامات وكشفيات. بمعنى انه يجعل رغبته في الآخرة وثمارها تكأة ومرتبة سلم للوصول الى أمور دنيوية، ولا يعلم هذا ان الحقائق الدينية التي هي اساس السعادة الدنيوية كما هي اساس السعادة الاخروية، لا تكون فوائدها الدنيوية الاّ مرجحة ومشوقة، فلو ارتقت تلك الفائدة الى مرتبة العلة لعمل البر، فانها تبطله، وفي الاقل يفسد اخلاصه، ويذهب ثوابه.
وقد ثبت بالتجربة ان افضل منقذ من ظلم هذا العصر المريض الغادر المشؤوم ومن ظلماته الدامسة؛ هو النور الذي تشعه رسائل النور بموازينها الدقيقة وموازناتها السديدة. يشهد على صدق هذا اربعون ألف شاهد.
بمعنى ان القريبين من دائرة رسائل النور ان لم يدخلوها ، فهناك احتمال قوي لهلاكهم.
نعم! ان هذا العصر قد جعل حتى المسلمين يستحبون الحياة الدنيا ويرجحونها على الاخرة على علم منهم ورغبة فيهم، كما تشير اليه الآية الكريمة :
(يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة) (ابراهيم: 3)
***

[مصير الابرياء من الكفار في البلايا]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
لقد مسّ مسّاً شديداً مشاعري واحاسيسي المفرطة في الرأفة والعطف ما اصاب الضعفاء المساكين من نكبات وويلات ومجاعات ومهالك من جراء هذه الطامة البشرية التي نزلت بهم وفي هذا الشتاء القارس... ولكن على حين غرة نُبّهتُ الى:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 147
ان هذه المصائب وامثالها ينطوي تحتها نوع من الرحمة والمجازاة - حتى على الكافر - بحيث يهوّن تلك المصيبة، فتظل هينة بسيطة بالنسبة اليهم. واصبح هذا التنبيه مرهماً شافياً لإشفاقي المؤلم على الاطفال والعوائل في اوروبا وروسيا، رغم اننى لم اتلق شيئاً عن اوضاع الدنيا واخبار الحرب منذ بضعة أشهر.
نعم، ان الذين نزلت بهم هذه الكارثة العظمى - التي ارتكبها الظالمون - إن كانوا صغاراً والى الخامسة عشرة من العمر، فهم في حكم الشهداء، من ايّ دين كانوا. فالجزاء المعنوي العظيم الذي ينتظرهم يهوّن عليهم تلك المصيبة.
اما الذين تجاوزوا الخامسة عشرة من العمر، فان كانوا ابرياء مظلومين، فلهم جزاء عظيم ربما ينجيهم من جهنم، لأن الدين - ولاسيما الاسلام - يُستر بستار اللامبالاة في آخر الزمان، وان الدين الحقيقي لسيدنا عيسى عليه السلام سيحكم ويتكاتف مع الاسلام. فيمكن القول بلا شك ان ما يكابده المظلومون من النصارى المنتسبين الى سيدنا عيسى عليه السلام والذين يعيشون الآن في ظلمات تشبه ظلمات "الفترة" وما يقاسونه من الويلات تكون بحقهم نوعاً من الشهادة. ولاسيما الكهول واهل النوائب والفقراء والضعفاء المساكين الذين يقاسون النكبات والويلات تحت قهر المستبدين والطغاة الظالمين.
وقد بلغتني من الحقيقة: ان تلك النكبات والويلات كفارة بحقهم من الذنوب المتأتية من سفاهات المدنية وكفرانها بالنعم ومن ضلالات الفلسفة وكفرها، لذا فهي أربح لهم مئة مرة.
وبهذا وجدتُ السلوان والعزاء من ذلك الألم المعذب النابع من العطف المتزايد، فشكرتُ الله شكراً لا نهاية له.
أما اولئك الظالمون الذين يسعّرون نار تلك الفتن والنكبات، اولئك السفلة من شياطين الانس والجبابرة الطغاة الذين ينفذونها اشباعاً لمنافعهم الشخصية، فهم يستحقون ذلك العذاب المهين، فهو بحقهم عدالة ربانية محضة.
ولكن ان كان الذين يقاسون تلك النكبات هم ممن يهرعون الى نجدة المظلومين ويكافحون في سبيل تحقيق راحة البشرية والحفاظ على الاسس الدينية والمقدسات السماوية والحقوق الانسانية. فلابد ان النتائج المعنوية والاخروية لتلك التضحيات


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 148
الجسام كبيرة جداً بحيث تجعل تلك الويلات بحقهم مدار شرف واعتزاز بل وتحببها اليهم.
***

[العمل لأسس الاسلام أولى]
اخوتي!
لقد ارسلت في هذه الايام برفقة طلابي الاعزاء رسالتين تخصان "الرموز الثمانية" ارسلتهما الى مكان ما، الاّ ان الطريق انسدّ، فلم تُرسلا. فكررت مطالعتهما بدقة.
وساءلت فكري: تُرى لماذا اُسدل الستار امام هذا المسلك الذى يتسم بالتوافقات والذوق والجمال والاهتمام واللطف- بحساب الجمل بالابجدية والجفر - ووُجّهنا الى سلوك طريق آخر واُستعملنا فيه؟ فاُخطر علـى قلبي فجأة:
ان الانشغال بذلك المسلك الذي يفتح مغاليق تلك الاسرار الغيبية يلحق الضرر بالعمل لاسس الاسلام. فهذا العمل هو أهم من ذلك المسلك واثمن منه واقوم، وهو محور الحاجة العامة ويُسد الحاجة الماسة للجميع بالعمل لاسس الاسلام وهو خدمة خزينة الحقائق الايمانية والاستفادة منها. ولهذا وُجّهنا الى سلوك هذا الطريق، لان الانشغال بذلك المسلك يجعل المرء يدع اعظم المقاصد واجلّها - وهي الحقائق الايمانية - في درجة تالية.
***

[المقصد الاول هو الحقائق الايمانية]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لمناسبة تلقي احد اخوتنا الصادقين المدققين في هذه الايام صفعة تأديب طفيفة من جراء عدم أخذه بالحذر، ولمناسبة استفسار "فيضي" و"أمين" وأخذهما الحيرة من اتخاذي طور عدم الرغبة في تلقي اي خبر عن احوال العالم واخبار السياسة والحرب


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 149
وعدم الاهتمام بها في غضون هذه الشهور الاربعة رغم علاقتي بها بقدر آلاف الاشخاص .. فاقول لهذه المناسبات، لزم ان ابحث ولو جزئياً عن حقيقة طالما بحثت عنها وبينتها كثيراً. وهى الآتية:
بينما ينبغي ان تكون الحقائق الايمانية اول مقصد وأسبقه في هذا الزمان وتبقى سائر الامور في الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، وفي الوقت الذي ينبغي ان تكون خدمة الحقائق الايمانية برسائل النور اجلّ وظيفة وموضع اهتمام ولهفة ومقصودة بالذات، إلاّ ان احوال العالم الحاضرة ولاسيما الحياة الدنيوية ولاسيما الحياة الاجتماعية والحياة السياسية خاصة واخبار الحرب العالمية بالأخص - التي هي تجل من تجليات غضب الله النازل عقاباً لضلالة المدنية الحاضرة وسفاهتها - والتي تستميل الناس الى جانبها وتهيج الاعصاب والعروق حتى تدخل الى باطن القلب، بل حتى مكّنت فيه الرغبات الفاسدة المضرة بدلاً من الحقائق الايمانية الرفيعة النافعة. فهذا العصر المشؤوم قد غرز الناس بهذه الامور ومازال، ولقّحهم بافكاره ومازال، بحيث ترك العلماء الذين هم خارج دائرة رسائل النور، بل بعض الاولياء، حكم الحقائق الايمانية في الدرجة الثانية والثالثة بسبب ارتباطهم بتلك الحياة السياسية والاجتماعية منجرفين مع تلك التيارات، فيولون حبهم للمنافقين الذين يبادلونهم الفكر نفسه، ويعادون من يخالفهم الرأي من اهل الحقيقة بل من اهل الولاية وينتقدونهم. حتى جعلوا المشاعر الدينية تابعة لتلك التيارات.
فتجاه هذه المهالك العجيبة التي يحملها هذا العصر، فان خدمة رسائل النور والانشغال بها قد اسقطا من عيني التيارات السياسية الحاضرة، الى درجة لم اهتم في غضون هذه الشهور الاربعة باخبار هذه الحرب ولم أسأل عنها.
ثم ان طلاب رسائل النور الخواص وهم منهمكون بمهمة نشر الحقائق الايمانية الثمينة ينبغى لهم الاّ يورثوا الفتور في وظيفتهم المقدسة بمشاهدة لعب الشطرنج للظالمين ولا يعكّروا صفو اذهانهم وافكارهم بالنظر الى لعبهم.
فلقد وهب لنا سبحانه وتعالى النور والمهمة النورانية، واعطاهم لعباً مظلمة ظالمة، فهم يستنكفون منا ولا يمدون يد المعاونة الينا ولا يرغبون فيما لدينا من انوار سامية. فمن الخطأ التنزل الى مشاهدة لعبهم المظلمة على حساب وظيفتنا.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني

الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 150
فالاذواق المعنوية والانوار الايمانية التي هي ضمن دائرتنا كافيتان ووافيتان لنا.
تحياتنا الى الاخوة جميعاً فرداً فرداً ونهنئهم بعيدهم السعيد.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***

[الحاجة الى رسائل النور]
ان مباشرة هؤلاء الشيوخ الطيبين الاميين بالكتابة بعد تجاوزهم الاربعين من العمر. وتفضيلهم لها على اي شئ آخر لأجل خدمة رسائل النور، وكذا تلقي اولئك الاطفال الابرياء الدرس من رسائل النور، وما استنسخوه من رسائل...
ان سعي هؤلاء جميعاً سعياً جاداً في هذا الزمان ليبين بوضوح ان رسائل النور فيها من الذوق المعنوى والنور الجاذب بحيث تعجز الوسائل المستعملة في المدارس لحث التلاميذ على القراءة والكتابة أمام هذا الذوق والانشراح والسرور الذي تمنحه رسائل النور، حتى تدفع اولئك الاطفال والشيوخ الى هذا العمل الجاد.
وكذا تبين هذه الحالة: ان رسائل النور تترسخ ولن يقتلعها اي شئ كان بفضله تعالى بل ستدوم الى الاجيال المقبلة باذنه تعالى.
ان سعي هؤلاء الشيوخ الاميين ضمن دائرة رسائل النور كهؤلاء التلاميذ الاطفال الابرياء، وقسم من الرعاة، وفي هذا الزمان بالذات وتحت هذه الظروف العصيبة، وتفضيلهم ذلك السعي على اى شئ آخر يبين ان:
الحاجة الى رسائل النور في هذا الزمان اكثر من الحاجة الى الخبز، بحيث ان الفلاحين والرعاة يرون الحاجة الضرورية في حقائق رسائل النور اكثر من الحاجات الدنيوية الضرورية.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 151
[ماتكسبه رسائل النور طلابها]
حقيقة كُتبت لاخواني في قسطموني بعثتها اليكم علّها تفيدكم!
ان الذي تطلبه رسائل النور ثمناً لما تكسبه طلابها الصادقين الثابتين من مغانم ومكاسب عظيمة جداً ومن نتائج عظيمة جليلة هو: الوفاء الخالص الكامل والثبات الدائم الذي لا يتزعزع.
نعم ان الايمان التحقيقي الذي يمكن ان يُكسَب خلال خمس عشرة سنة تُكسبه رسائل النور في خمسة عشر اسبوعاً والى بعضهم في خمسة عشر يوماً. يشهد على هذا عشرون الفاً من الشهود بتجاربهم في غضون عشرين سنة.
وكذا تُكسب رسائل النور كل طالب من طلابها ثواب الوف الدعوات الخالصة المقبولة التي تلهج بها ألسنة الطلاب كل يوم، وكذا الاعمال الصالحة التي انجزها الوف من اهل الصلاح والتقوى، وذلك حسب دستور الاشتراك في الاعمال الاخروية.
والدليل على انها تجعل كل طالب حقيقي صادق ثابت من حيث العمل في حكم ألوف الاشخاص ما ورد من الاخبارات الثلاثة ذات الكرامة عن الامام علي رضي الله عنه وكراماته الغيبية وكذا بشارات الشيخ الكيلاني (قدس سره) وتقديره للعاملين، واشارات القرآن المبين من ان اولئك الطلاب الخالصين يكونون من اهل السعادة ومن اهل الجنة. فتلك الاشارات والبشارات دليل وأي دليل. نعم ان كسباً كهذا يستحق ذلك الثمن بلاشك.
وما دامت الحقيقة هي هذه، فينبغي للقريبين من دائرة رسائل النور من ارباب العلم واهل الطريقة واصحاب المشارب الصوفية الانضمام الى تيار النور، ليمدّوه بما لديهم من رأسمال سابق، والسعي لتوسيع دائرته وحث طلابه وبث الشوق في نفوسهم، واذابة الانانية والقائها كقطعة ثلج في حوض الماء السلسبيل للجماعة ليغنم ذلك الحوض الكوثري كاملاً. والاّ فمن يفتح نهجاً جديداً ويسلك طريقاً آخر، يضرّ هذه الجادة القرآنية المستقيمة القويمة من دون ان يشعر، ويتضرر هو بنفسه أيضاً، بل قد يكون عمله نوعاً من العون للزندقة دون شعور منه.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 152
حذار.. حذار.. ايها الاخوة من ان تقذفكم التيارات الدنيوية ولاسيما السياسية منها ولاسيما التيارات التي تلفت الانظار نحو الخارج، الى التفرقة، اذ تجعلكم بعد ذلك عاجزين ضعفاء امام الفرق الضالة المتحدة... فحذار ان يجري فيكم حكم ذلك الدستور الشيطاني والعياذ بالله: "الحب في السياسة والبغض في السياسة" بدلاً من الدستور الرحماني (الحب في الله والبغض في الله) 1 اذ عندها تعادون اخاً لكم هو في الحقيقة كالملاك وتولون الحب لرفيق في السياسة وهو كالخناس وتبدون الرضا لظلمه، وتشاركونه في جنايته ضمناً. فحذار حذار من هذا!
نعم ان السياسة الحاضرة تفسد القلوب، وتدع الارواح الحساسة في عذاب. فالذى يروم سلامة القلب وراحة الروح عليه ان يترك السياسة.
نعم، ان كل انسان في الوقت الحاضر، على الكرة الارضية قاطبة، له نصيبه من المصائب الجارية إما قلباً او روحاً او عقلاً او بدناً، ويعاني من العذاب والرهق ما يعاني، ولاسيما اهل الضلالة والغافلين حيث انهم غافلون عن الرحمة الالهية الشاملة والحكمة السبحانية الكاملة. فمن حيث انسانيتهم وعلاقتهم بالبشرية يتعذبون بالالآم الرهيبة المفجعة التي تعانيها البشرية في الوقت الحاضر، فضلاً عن آلامهم أنفسهم، ذلك لانهم قد تركوا وظائفهم الحقيقية وامورهم الضرورية واعاروا سمعهم بلهفة الى مالا يعنيهم من صراعات سياسية وشؤون آفاقية، وحوادث خارجة عن طوقهم، ويتدخلون فيها حتى جعلوا أرواحهم حائرة وعقولهم ثرثارة، وسلبوا من أنفسهم الاشفاق والرثاء عليهم، حسب قاعدة "الراضي بالضرر لا ينظر له" اي من يرضى لنفسه الضرر لا يستحق النظر اليه برحمة. فلا يُرثى لهم ولا يُشفق عليهم، فهم الذين قد سببوا نزول البلاء بهم.
انني اخال انه في خضم هذه الاهوال والحرائق التي نشبت في الكرة الارضية لا يقدر على الحفاظ على سلامة قلبه وراحة روحه الاّ أهل الايمان وأهل التوكل والرضى الحقيقي ومنهم اولئك الذين انضموا الى دائرة رسائل النور بوفاء تام. فهم مصانون من تلك الاهوال اكثر من غيرهم. وذلك لانهم يرون اثر الرحمة الالهية وزبدتها
_____________________
1 صحيح البخارى 1/8 وصحيح مسلم برقم 37، 38 ابو داود كتاب 39 باب 2؛ مسند ابن حنبل 2/237، 292.



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 153
ووجهها في كل حادثة وفي كل شئ، لمشاهدتهم الامور بمنظار نور دروس الايمان التحقيقي الذي تلقوه من رسائل النور. فهم يشاهدون في كل شئ كمال الحكمة الالهية، وجمال عدالتها، لذا يجابهون المصائب - التي هي من اجراءات الربوبية الالهية بالبشر - بالتسليم التام لأمر الله فيبدون الرضى به، ولا يقدّمون شفقتهم على الرحمة الالهية كي يقاسوا العذاب والألم.
وهكذا بناء على هذا، فالذين يريدون تذوق السعادة واللذة حتى في الحياة الدنيوية - فضلاً عن الحياة الاخروية - يمكنهم ان يجدوها في دروس رسائل النور الايمانية والقرآنية.
تنبيهان نابعان من خاطرتين وردتا في هذه الايام:
الاول:
لقد فكرت في السيدات اللائي انتسبن الى رسائل النور في هذه المدينة، انهن ثابتات لا يهزّهن شئ كغيرهن من السيدات. واذا بهذا الحديث (عليكم بدين العجائز) 1 اُخطر على قلبى: اي عليكم باتباع الدين الخالص والعقيدة الراسخة التي لدى العجائز في آخر الزمان.
نعم ان العجائز من السيدات ضعيفات وذوات حسّ مرهف وعطف وحنان، لذا فهن اكثر حاجة من غيرهن الى ما في الدين من سلوان ونور يفيض بالشفقة والى إلتفاتة رحمانية تتقطر بالرحمة والى نقطة استناد ونقطة استمداد، الموجودة كلها في الدين.
فالثبات الكامل من مقتضى فطرتهن. لذا فان رسائل النور التي تفي بتلك الحاجة إيفاءً تاماً في الوقت الحاضر، تجد الانشراح في أرواحهن وتستقر في قلوبهن اكثر من أي شئ آخر.
التنبيه الثاني:
لقد جاءني اشخاص مختلفون عديدون في هذه الايام، حسبتهم قد أتوني لامور الآخرة. ولكن فهمت انهم قد اتوني للاستشارة والدعاء لهم بالتوفيق في امور
_____________________
1 الديلمي من حديث ابن عمر بلفظ: »اذا كان آخر الزمان واختلفت الاهواء فعليكم بدين البادية والنساء« ومسنده واه ( الدرر المنثرة للسيوطي).



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 154
التجارة او يراجعوننى لرفع الكساد وعدم التوفيق في اعمالهم ولينجوا من الخسارة والاضرار.
ففكرت:
ماذا اعمل مع هؤلاء وماذا اقول لهم؟ فخطر على القلب فجأة:
لا تكن أبلهاًً، ولا تتكلم ببلاهة، فتدعهم في بلاهتهم. لان الذي اُلقيتْ عليه مهمة تحضير مضادات لسموم الثعابين وهو منهمك بدفعها عن الناس، لو ترك مهمته وسعى لمعاونة من هو بين الثعابين ومعرّض لهجمات الذباب - مع وجود معاونين له كثيرين - انما هو ابله بلاشك. والذي يستنجد به أبله ايضاً. وتلك المحاورة ايضاً محاورة بلهاء.
نعم، ان الأضرار الطفيفة الموقتة للحياة الدنيوية الفانية القصيرة بالنسبة للحياة الاخروية الخالدة انما هى كلسع الذباب. بينما أضرار الحياة الاخروية هى كلدغ الثعابين.
***

[مسائل ستة اشخاص]
باسمه سبحانه
(وان من شيء الاّ يسبح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته بعدد كلمات القرآن وحروفه.
اخوتي الاعزاء الاوفياء الميامين. ويا اخواني الاقوياء النشطين الثابتين في خدمة القرآن!
لقد اصبح ستة اشخاص - النجار احمد في البدء واخرهم أنا - مداراً لمسائل، كل على حده بناء على اخطار معنوي.
الاول:
في رسالة النجار احمد وهو الفعال والنشط جداً من طلاب رسائل النور ومدرستها يذكر انه:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 155
اتى صبي صغير برئ يبلغ العاشرة من العمر من قرية على مسافة يومين تاركاً قريته وماله، ووفّق الى كتابة رسائل النور، مع انه لم يسبق له الكتابة من قبل. فكما ان هذا كرامة لرسائل النور فهو زهرة خارقة لطيفة للمدرسة النورية.
نعم، ونحن نقول ايضاً: كما ان انفتاح الأزهار الجميلة في شتاء مادي قارس، قدرة الهية خارقة. فان تفتح الف زهرة لطيفة جميلة وثمار الجنة في شجرة ساو - اى قرية ساو - في الشتاء المعنوي الرهيب لهذا العصر لاشك انه معجزة رحمة وكرامة عناية ربانية لهذه البلدة وإكرام الهي خارق لطلاب النور. نحن نعتقد هكذا ونتضرع اليه تعالى ونتوجه له بالشكر العميم.
وجاء في رسالة النجار احمد: ان الطلاب النشطين في القرية يذكرّون بالطلاب المضحين القدماء الناشئين في المدارس الشرعية القديمة، مما منحنا وطلاب النور سروراً بالغاً.
انه لجميل جداً تلك المعاونة المعنوية التي تقدمها سيدات المدرسة النورية وطالباتها بأورادهن القرآنية واذكارهن وبدعواتهن لأصحاب الاقلام الساعية للاستنساخ. وفي هذا إرشاد للسيدات في هذه المناطق.
ليرضَ الله ابداً عنهم وعنهن وعن جميع طلاب تلك المدرسة وعن استاذهم.
الشخص الثاني ومسألته:
قال لي يوماً احد طلبة النور من الشباب الحافظ للقران الكريم مثل ما يقوله الكثيرون.
- يزداد عندي مرض النسيان يوماً بعد يوم؛ فماذا أفعل؟
قلت:
لا تنظر نظر الحرام ما استطعت. لأن "النظر الحرام يورث النسيان" كما يروى عن الامام الشافعي رضي الله عنه 1.
_____________________
1 لعل المقصود:
شكوتُ الى وكيع سوء حفظي فارشدني الى ترك المعاصي
وقــال: اعلم أن العلمَ نورٌ ونورُ اللهِ لا يؤتى لعـاصي! المترجم



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 156
عم! ان النظر الحرام كلما ازداد بين المسلمين ثارت شهواتهم النفسانية، فيتولد منها الاسراف والافراط، حتى قد يضطر المرء الى الاغتسال عدّة مرات في الاسبوع الواحد، مما ينجم عنه ضعف في قوة الحفظ كما هو معلوم لدى الطب.
ومما جعل انتشار مرض النسيان هذا عاماً شاملاً للجميع هو شيوع التبرج والتكشف في هذا العصر ولاسيما في بلدان المناطق الحارة مما سبب كثرة النظر الحرام الذي يولد الاسراف والافراط. حتى تجد الجميع يشكون من النسيان، كل على قدر اصابته به.
ولعل طرفاً من تأويل الحديث الشريف الذي أنذر عن نزع القرآن الكريم من الصدور في آخر الزمان، يتحقق بازدياد هذا المرض.
بمعنى ان هذا المرض سيشتد وطؤه، ويحُول دون حفظ القرآن الكريم، فيتحقق عندئدٍ تأويل الحديث. ولا يعلم الغيب الاّ الله.
الشخص الثالث ومسألته:
انه شخص ذو علاقة وطيدة معنا يشكو مرّ الشكوى في أغلب الاوقات طالباً العون وقائلاً: "لا استطيع ان اصبح رجلاً بمعنى الكلمة بل فسدت وتضعضعت كلما مرّ الزمان فلا استطيع ان أرى نتائج خدماتي المعنوية".
ونحن نقول له:
ان هذه الدنيا دار عمل وليس موضع أخذ الاجرة، فثواب الاعمال الصالحة وثمراتها وانوارها تمنح في البرزخ والاخرة. وان جلب تلك الثمرات الباقية الى هذه الدنيا وطلبها في هذه الدنيا يعنى جعل الاخرة تابعة لهذه الدنيا. وعندها ينثلم اخلاص تلك الاعمال الصالحة ويذهب نورها.
نعم ان الثمرات لا تُطلب ولا تنوى قلباً، بل يُشكر عليها اذا ما منحت للحث.
نعم، ان هذا العصر - كما ذكر في بضع رسائل - قد غرزحب الحياة الدنيوية في الانسان واجراه في عروقه فجرحه جروحاً بالغة حتى ان شيخاً هرماً وعالماً وتقياً صالحاً يطلب اذواق الحياة الاخروية في الدنيا لجريان حكم الاذواق الحياة الدنيوية فيه اولاً.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 157
الرابع:
شخص له علاقة معنا يشكو كالكثيرين، انه فقد اذواقه واشواقه التي كان يجدها في اوراده سابقاً عندما كان منتسباً الى الطرق الصوفية والآن يغلب عليه النوم والضيق. فقلنا له:
كما ان الفساد الذي يعتري الهواء يولد ضيقاً في الانسان ولاسيما فيمن له حساسية في الصدر كذلك يفسد الهواء المعنوى احياناً، ولاسيما في هذا العصر الذي ابتعد عن المعنويات، ولاسيما في البلدان التي شاعت فيها الاهواء النفسانية والشهوية، ولاسيما بعد انقضاء الشهور الثلاثة المحرمة والشهور الثلاثة المباركة التي يتصفى فيها الهواء المعنوي بصحوة العالم الاسلامي وتوجه عموم الناس الى الله. وبانقضاء تلك الشهور وتوقف ذلك التوجه العام تجد الضلالات الفرصة سانحة، للتأثير على افساد الهواء، تحت مضايقات الشتاء، وانكسار تسلط الحياة الدنيوية والاهواء النفسانية، فيغلب على الانسان النوم والنعاس بدلاً من الشوق والذوق لدى قراءة مثل هذه الاوراد القدسية في اثناء انحسار الشوق الاخروي لدى اهل الايمان والاسلام ولاسيما بمجئ الربيع وانكشاف الحياة الدنيوية.
بيد أن الاعمال الصالحة والامور الاخروية التي ترافقها المشقات والمصائب والمضايقات - رغم فقدها للاذواق - هى أسمى واجزل ثواباً، حسب مضمون (خير الامور احمزها) 1 لذا ينبغى للانسان الشكر مسروراً ومتجملاً بالصبر لأمله في زيادة الثواب من خلال ذلك الضيق والمشقات.
الخامس:
يبرر احد طلاب النور، عدم سعيه لرسائل النور لازدياد هموم العيش.
فقلنا له: لانك لاتسعى لرسائل النور ازدادت عليك هموم العيش. لأن كل طالب في هذه المناطق يعترف - وأنا كذلك اعترف - انه كلما سعينا لرسائل النور وجدنا السهولة في الحياة والانشراح في القلب واليسر في المعيشة.
_____________________
1 ذكر في اللآلئ عقبة ان مسلماً روى في صحيحه قول عائشة: انما اجرك على قدر نصبك وهو في نهاية ابن الاثير مروي عن ابن عباس بلفظ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الاعمال أفضل؟ قال: أحمزها. (اقواها وأشدها) (باختصار عن كشف الخفاء 459).



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 158
السادس:
هو هذا السعيد الضعيف. إن ما ينشرح لها كل الناس ويرغبون فيها ويطلبونها من الاحترام والتوقير والمحبة والمجالسة - خارج نطاق رسائل النور - ثقيلة عليّ واتألم منها وتولد فيّ الازعاج.
واظن ان المزايا الرفيعة لرسائل النور والخصال الراقية جداً لشخص طلابها المعنوي لو وضعت - تلك المعاني الضخمة كالجبال - على كاهل شخص ضعيف عاجز مثلي قد بالغ في سلوك طريق العجز، فانه ينسحق تحتها وينقبض من تلك الامور.. هكذا فهمت.
الراجى دعواتكم والمشتاق اليكم
اخوكم
سعيد النورسي
***

[العلاج الوحيد: رسائل النور]
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
لا تتألموا من حادثة التعرض لنا التى وقعت حديثاً. لان رسائل النور تحت العناية الإلهية. وثبت بتجارب عديدة، انه لم يحدث لحد الآن ان نجت طائفة من الطوائف العاملة في خدمات جليلة بمشقات قليلة مثلنا...
اعلموا وليعلم اولئك ايضاً! كما ان الصدقة تدفع البلاء فان رسائل النور وسيلة لدفع الآفات السماوية من الاناضول ورفعها ولاسيما من اسبارطة وقسطموني.
نعم ان رسائل النور سبب من اسباب نجاة الاناضول من مهالك الكرة الارضية وعقابها. وكأنها سفينة نوح (عليه السلام) بحيث جعلت الاناضول في حكم الجودي. لان الطغيان الناشئ من ضعف الايمان يجلب المصيبة العامة على الاكثر. فرسائل النور التي تقوي الايمان أصبحت وسيلة لدى الرحمة الالهية لدفع تلك المصيبة العامة خارج دائرتها. فهؤلاء، اهل الدنيا واهل الاناضول، عليهم الاّ يتعرضوا


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 159
لرسائل النور حتى ولو لم ينخرطوا فيها. فلو تعرضوا لها فعليهم ان يفكروا بنشوب الحرائق وحدوث الطوفان وانتشار الطاعون المنتظر قريباً وليعودوا الى رشدهم.
ولما كنا لا نتعرض لدنياهم فهناك احتمال قوي في نزول البلايا عند تعرضهم - الى هذا الحد وبلا مبرر - لآخرتنا.
ألا فليعلم اهل السياسة علماً قاطعاً رغم اننا لا علاقة لنا بهم: ان العلاج الوحيد لانقاذ الامة في هذه البلاد وفي هذا العصر من الفوضى والارهاب ومن التردي المريع والتدني الرهيب هو اسس رسائل النور...
وليعلم اولئك الابرياء - واستاذهم - الذين تعرضوا لمضايقات من جراء هذه الحادثة ان الذي يرابط تحت ظروف صعبة ينال ثواب عبادة سنة، وان ساعة تفكر ايماني حقيقي في حكم سنة من الطاعة، فنسأله تعالى ان تنال مضايقاتهم مثل هذا الثواب. لذا عليهم ان يقابلوا امثال هذه الحوادث بالفرح والسرور بدلاً من القلق والتألم.
***

[خدمتنا تسعى لإنقاذ النظام والأمن]
جاءنى موظف مسؤول، له علاقة معنا ومع السياسة ومنشغل بمراقبتنا كثيراً فقلت له:
اننى لم اراجعكم منذ ثماني عشرة سنة، ولم اقرأ صحيفة واحدة من الصحف، وها قد مرت ثماني شهور لم أسأل ولو مرة واحدة ما يحدث في العالم، ولم اعر سمعي الى الراديو الذي يُسمع هنا منذ ثلاث سنوات. كل ذلك كي لا يلحق ضرر معنوى بخدمتنا السامية.
والسبب في ذلك هو:
ان خدمة الايمان وحقائق الايمان هى اجلّ من كل شئ في الكون. فلا تكون أداة لأي شئ كان. فان خدمة القرآن الكريم قد منعتنا كلياً من السياسة. حيث ان:
اهل الغفلة والضلالة في هذا الزمان الذين يبيعون دينهم للحصول على حطام الدنيا ويستبدلون بالالماس القطع الزجاجية المتكسرة يحاولون اتهام تلك الخدمة الايمانية بانها اداة لتيارات قوية خارج البلاد وذلك للتهوين من شأنها الرفيع.


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 160
فأنتم يا اهل السياسة والحكومة! لاتنشغلوا بنا بناءً على الظنون والاوهام، بل عليكم ان تذللوا المصاعب لنا وتسهّلوا الطريق أمامنا. لأن خدمتنا تؤسس الامن والاحترام والرحمة فتسعى لانقاذ النظام والامن والحياة الاجتماعية من الفوضى والارهاب. فخدمتنا ترسي ركائز وظيفتكم الحقيقية وتقويها وتؤيدها.
***

[حول آثار سعيد القديم والجديد]
لقد اطلعت في هذه الايام على الرسائل التي اتى بها "صلاح الدين" من استانبول وهي: "حبة، قطرة، شمة، حباب" وامثالها من الرسائل باللغة العربية. فرأيت ان الحقائق التي شاهدها مباشرة سعيد الجديد في سيره القلبي هي بمثابة نوى لرسائل النور. علماً ان هذه الرسائل - علاوة على "شعلة وزهرة" هي اجزاء عربية من رسائل النور. ولكن ذُكرتْ فيها الحقائق بعبارات موجزة وبالعربية لانها تخاطب نفسي بالذات فلم يُتخذ غيرها بنظر الاعتبار. وقد قدّرها باعجاب واستحسان في ذلك الوقت كل من شيخ الاسلام واعضاء دار الحكمة الاسلامية وكبار علماء استانبول. فهذه الرسائل لانها من آثار سعيد الجديد فهي اجزاء من رسائل النور. اما آثار سعيد القديم فان كتاب "اشارات الاعجاز" يتبوأ موقعاً مهماً فيها.
ثم ان رسالة "اللوامع" التي اشترك السعيدان في تأليفها بين هلالي شهر رمضان، والتي اتخدت شكلاً شبيهاً بالمنظوم - خارج ارادتي - هي الاخرى يمكن ان تدخل ضمن رسائل النور. الاّ انني مع الاسف لم اتمكن من الحصول ولو على نسخة منها حيث نفدت نسخها المطبوعة لكثرة الاقبال عليها.
وكذا فان لسعيد القديم رسالة "قزل ايجاز" في المنطق وهي مترشحة من رسالة "تعليقات" غير المطبوعة، وهي رسالة بديعة في المنطق حتى تحير منها العلماء الفطاحل فساقتهم الى الاعجاب والاهتمام. فرأيت انها جديرة بلفت انظار العلماء من طلاب رسائل النور اليها وبيان مدى ارتباطها برسائل النور. الاّ انها عميقة الغور جداً، وقد درّست "فيضي" منها في هذه الايام. ولربما سيكتب "فيضي" ذلك الدرس بالتركية في الايام المقبلة لإفادة الاخرين.
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 161
[دور الجوع في فتنة آخر الزمان]
اخوتى الاعزاء الاوفياء الثابتين ووارثيّ الحقيقيين!
لقد اُخطر على قلبي في هذه الايام - باسم طلاب رسائل النور - سؤال معنوي في غاية الاهمية والقلق. ثم ادركت ان اكثر ألسنة احوال طلاب رسائل النور تسأل السؤال نفسه وستسأله. وفجأة ورد جواب الى الخاطر قلته لفيضي، فقال:
في الاقل نسجله مجملاً. والسؤال المقلق هو:
يفهم من الروايات ان الجوع سيؤدي دوراً مهماً في فتنة آخر الزمان هذه، وان اهل الضلالة يحاولون بهذا التجويع اغراق أهل الايمان الضعفاء الجائعين في متطلبات هموم العيش حتى ينسّونهم مشاعرهم الدينية او يجعلونها في المرتبة الثانية او الثالثة.
ولما كان لاهل الايمان وللابرياء من حيث القدر الالهي وجه رحمة ووجه عدالة في كل شئ، حتى في عذاب القحط. تُرى بأى طرز تكون هذه الرحمة والعدالة في هذا الأمر؟ ومن اية جهة يستفيد اهل الايمان ولاسيما طلاب رسائل النور من هذه المصيبة - من حيث الايمان والآخرة - وكيف يتصرفون معها ويقاومونها؟
الجواب: ان اهم سبب لهذه المصيبة هو العصيان النابع من كفران النعمة وعدم الشكر وعدم تقدير النعمة الالهية حق قدرها. لذا فان العادل الحكيم لاجل اراءة اللذة الحقيقية لنعمه ولاسيما الاغذية منها ولاسيما ما يخص الحياة ولاسيما النعمة الكبرى، الخبز.. ولبيان اهميته العظيمة ودرجته الفائقة من حيث النعمة، فانه سبحانه يسوق الناس الى الشكر الحقيقي - وفقاً لحكمته تعالى - فتنزل هذه المصيبة بالذين لا يشكرون ربهم ولا يراعون الرياضة الدينية في شهر رمضان. فعدلُه سبحانه وتعالى محض الحكمة.
ان مهمة اهل الايمان واهل الحقيقة ولاسيما طلاب رسائل النور هي السعي لجعل بلاء الجوع هذا وسيلة الالتجاء الى الله والندم على الذنوب والتسليم لأمر الله، وكالجوع الذي يصيب المرء عند مزاولته الرياضة الدينية في شهر رمضان، والحيلولة دون فتح السبيل امام التسول والسرقة والفوضى بحجة الضرورة، والسعي لدفع الزكاة الى اولئك الفقراء الجائعين الذين لا يرأف بحالهم قسم من الاغنياء وبعض


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 162
اهل المرتبات، فيستمعوا لرسائل النور ويرأفوا بحالهم بشعورهم بهذا الجوع الاضطراري.. وجعل الشباب تلك الحادثة لصالحهم بدلاً من ان تكون بلاءً عليهم وذلك باسترشادهم برسائل النور فيستفيدوا منها استفادة الغيارى، حيث تحد المصيبة من طغيان نفوسهم وتحول بينهم وبين نزواتها واذواقها الدنيئة، فيدخلوا حظيرة الطاعة والخيرات، وينسحبوا - الى حدٍ ما - من الذنوب والفحش بعدما أطغوا نفوسهم بالاطعمة اللذيذة فأفقدوها وعيها وساقوها الى الطغيان والهوى الدنئ.. وان ينظر اهل العبادة والصلاح الى هذا البلاء النازل بهم كرياضة شرعية في هذا الوقت الذي اصبح أغلب الناس جياعاً واختلط المال الحرام بالحلال اختلاطاً شديداً حتى استحال تمييز احده عن الآخر واصبح بمثابة الاموال المشبوهة، فيقنع بمقدار الضرورة من الاعاشة العامة - التي يشترك فيها الجميع ضمناً - ليكون حلالاً. فيقابل القدر الالهي بالرضا بدلاً من الشكوى.
تحياتي الى الاخوة جميعاً والمبتلين منهم خاصة وادعو الله لهم بالسلامة.
***

[الالتحاق برسائل النور]
لقد اتى واعظ مشهور من استانبول لزيارتي الاّ انه عاد دون ان يتمكن من المقابلة. فها هى صورة رسالة اُرسلت الى احدهم، لعل هناك اشخاصاً - كهذا الشخص - محتاجون الى ذلك الخطاب.
ان طلاب رسائل النور الذين مروا باستانبول اخبرونا عن همتكم ونشاطكم ووعظكم المؤثر، فهم يرغبون في رؤيتكم ضمن دائرة رسائل النور وانتم الشخص الثابت الخالص، وانا كذلك ارغب بجد في ان اراكم ضمن دائرة رسائل النور.
تعلمون ان ألفين اذا ما كانتا متفرقتين لا تكون قيمتهما الاّ اثنين، بينما اذا اتحدتا على خط واحد متكاتفتين تكون قيمتهما احدى عشرة. فالخدمة الايمانية التي تهيئونها بنصائحكم السديدة المؤثرة اذا ظلت وحدها فمن الصعب ان تقاوم الهجمات المتحدة في الوقت الحاضر. بينما اذا التحقت بخدمة رسائل النور


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 163
فستكون - كتلكما الالفين - قيمتها احدى عشرة بل الفاً ومئة عشرة وفي قوتها. وستقاوم الضلالات المتفقة المواجهة لها.
***

[الشخص المعنوي]
ان هذا الزمان - لأهل الحقيقة - زمان الجماعة، وليس زمان الشخصية الفردية واظهار الفردية والانانية. فالشخص المعنوي الناشئ من الجماعة ينفذ حكمه ويصمد تجاه الأعاصير. فلأجل الحصول على حوض عظيم، ينبغي للفرد القاء شخصيته وانانيته التي هي كقطعة ثلج في ذلك الحوض واذابتها فيه. والاّ ستذوب حتماً تلك القطعة من الثلج، وتذهب هباءً وتفوت الفرصة من الاستفادة من ذلك الحوض أيضاً.
انه لمن العجب وموضع أسف انه بينما يضيّع اهل الحق والحقيقة القوة العظمى في الاتفاق بالاختلاف فيما بينهم، يتفق اهل النفاق والضلالة للحصول على القوة المهمة فيه - رغم اختلاف مشاربهم - فيغلبون تسعين بالمائة من اهل الحقيقة مع انهم لايتجاوزون العشرة بالمائة.
***

[شجاعة المضحين]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
الآن وقبل عشر دقائق اتاني شخصان بشجاعة وغيرة، وهما اميان. قد جلب احدهما الآخر الى دائرة رسائل النور. فقلت لهما:
انه مقابل ما تمنح هذه الدائرة من نتائج عظيمة لكم يستدعي وفاءً لا يتزعزع وصلابة لاتلين. فان اساس خدمة النور التي يظهرها أبطال اسبارطة هو وفاؤهم الخارق وصلابتهم الشديدة، وان قوة الايمان وخصلة الاخلاص هي سبب هذه الصلابة والمتانة. والسبب الثاني: الشجاعة الفطرية.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 164
وقلت لهم: انتم معروفون بالشجاعة والنبل وتظهرون البسالة والتضحية لأمور دنيوية تافهة. فلاشك انكم تحافظون على وفائكم في الخدمة السامية لرسائل النور ومقابل النتائج الاخروية التي لا تثمن باظهاركم صلابة الرجال الغيورين وشجاعة المضحين الفدائيين. قلت لهم هذا وقبلوه ورضوا به.
***

[لِمَ ينظرون اليك نظر سياسي؟]
جواب لسؤال طرحه طلابالنور الذين يلازمون "الاستاذ" ويعاونونه في شؤونه.
سؤال: نحن نقوم بمعاونتكم في شؤونكم منذ مدة طويلة، فلم نر منكم اهتماماً بالدنيا وتوجهاً الى الحياة الاجتماعية والسياسة. فشغلكم الشاغل دروس الايمان والآخرة. ولقد ادركنا انكم على هذا الوضع منذ ثماني عشرة سنة خلت. فلماذا إذن ساقوكم الى المحكمة وأثاروا الناس في اسبارطة دون داعٍ. ولم يجدوا في مائة من رفقائكم اية علاقة تمس الدنيا والسياسة الاّ حجة واهية تُخجلهم وتخجل محكمتهم الى الابد - بعد تحقيقات دامت اربعة اشهر - فحكموا على بضعة اشخاص بين المائة ببضعة اشهر. ثم انكم لست سنوات واكثر تحت مراقبة المخفر وامام نظره فجميع احوالك ظاهرة دائماً امام المخفر من شبابيك غرفتك. والى ما قبل شهرين او ثلاث يترصدونك سراً وعلناً وتحرّوا غرفتك عدة مرات، لينفّروا عنك الاصدقاء. فلماذا ينظرون اليك نظر سياسى قدير مثير للقلاقل؟ فنحن حائرون من هذه الحالة فضلاً عن تألمنا منها، ولم تتيسر زيارتكم بحرية الا منذ شهور فقط. حيث كنا سابقاً نأتي خفية وبخوف. نرجو إيضاح هذه المسألة.
الجواب: وانا في حيرة وعجب مثلكم بل اكثر منكم. فالجواب الواضح لسؤالكم هذا موجود في اللمعة السابعة والعشرين وهي لمعة الدفاع أمام المحكمة، وفي المكتوب السادس عشر.
والآن اُبين باختصار اساسين اثنين:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 165
الاساس الاول: ان من مقتضى وظيفة المسؤولين عن النظام والادارة وشرطة الامن، حفاظ مسلكنا والحث عليه ناهيك عن الوقوع في الشكوك والريوب والاوهام، لأن الحجر الاساس لوظيفتهم، الاحترام والرحمة ومعرفة الحلال والحرام. ويمكن ان يسود الامن والنظام في الحياة الاجتماعية بدساتير الطاعة والانقياد. فرسائل النور تحقق هذه الاسس لدى نظرها الى الحياة الاجتماعية، وقد ظهرت نتيجتها فعلاً. وحيث ان اهم مركزين لرسائل النور هما اسبارطة وقسطموني، فان ضباط الامن اذا ما دققوا بانصاف سيرون معاونة رسائل النور الواضحة لهم، وذلك قياساً بسائر الولايات.
ثم انه رغم كثرة طلاب رسائل النور، ورغم ما في ايديهم الى هذا الحد من القوة والحق، لم يمسّوا الامن والنظام بشئ، بل لم يخل ألف طالب منهم بالحياة الاجتماعية بقدر ما يخل به عشرة اشخاص آخرين. وان هذا الامر مشاهد لمن كان له قلب غير فاسد.
ان حكمة هذه المسألة هي:
ان الايمان والشريعة والحياة ثلاث مسائل عظيمة في العالم الاسلامي والانساني. واعظم هذه الثلاثة هى الحقائق الايمانية. ولأجل الاّ تكون هذه الحقائق الايمانية القرآنية أداة لتيارات اخرى ولقوىً اخرى، وللحيلولة دون التهوين من شأن الحقائق القرآنية التي هى بقيمة الالماس الى قيمة قطع زجاجية متكسرة، ولأجل الايفاء بالخدمة المقدسة التي هى انقاذ الايمان ايفاءً تاماً ينفر طلاب رسائل النور الخواص الصادقون نفوراً شديداً من السياسة.
حتى ان اخاكم هذا - وانتم تعلمون - ومنذ ثمانية عشر عاماً لم اراجع الحكومة ولو لمرة واحدة وذلك لئلا امسّ السياسة والحياة الاجتماعية رغم حاجتي اليها. وهذه الشهور التسعة التي خلت لم أسأل ولو لمرة واحدة عمّا يدور على الكرة الارضية من اضطرابات وقلاقل ولم اهتم بها ولم ارغب في معرفتها ولم احاول ان ادير البحث حولها. حتى اننى لم اعرف لحد الآن هل انتهت الحرب ام لا ومن هم المحاربون عدا الانكليز والالمان؟ وانتم اعلم بهذا.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 166
وانتم المرافقون لي تعلمون كذلك انني لم استمع الى الراديو الذي يُسمع من غرفتي منذ ثلاث سنوات - عدا مرتين - ذلك الجهاز الذى حوّل الناس الى ثرثارين وحائرين غافلين، ولم اسأل عنه.
فالذين يتعرضون لمسلك هذا الرجل الذي لا علاقة له بهذه الاوضاع الى هذه الدرجة ولا ينظر اليها قطعاً، ومن ثم تساورهم الشكوك حوله ويترصدونه ويضايقونه، كم هم بعيدون عن الانصاف! يصدّق ذلك حتى أبعدهم عن الانصاف.
المسألة الثانية:
اخواني! تعلمون اننا نهرب - في مسلكنا - من الأنانية والغرور وحب الذات والتطلع الى نيل المقامات المتسترة بالشهرة، نهرب منها هروبنا من السم القاتل، ونتجنب كثيراً من كل ما يشعر بتلك الحالات.
فعلى سبيل المثال: لقد شاهدتم هنا بأم أعينكم طوال سبع سنوات وادركتم بتحقيقاتكم وتتبعاتكم منذ عشرين سنة: انني لا أريد احراز احترام ونيل مقام لشخصي. ولقد نهرتكم عن ذلك بشدة، واستاء منكم إن منحتموني منزلة تفوق حدّي. فلا أقبل الا صفة طالب لرسائل النور - التي هي معجزة معنوية للقرآن الحكيم في هذا الوقت - مرتبطٍ بها ارتباط تسليم لها وتصديق بها. والحمد لله والشكر له.
لذا فحتى البلهاء يدركون كم هو تافه ولا يعنى شيئاً مساورة الشكوك والريوب اذهان اهل الحكومة والادارة وافراد الامن، تجاه الذين اجتنبوا - الى هذا الحد - الانانية والغرور والرياء المتستر تحت الصيت والشهرة وجعلوا هذا التجنب دستوراً لحياتهم.
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 167
[انتصار رسائل النور]
اخوتي الاعزاء الاوفياء الثاتبين!
ان انتصار المبتلين انتصاراً معنوياً ببراءتهم في المحكمة، لم يدخل السرور والفرح في قلوبنا نحن وحدنا بل ابهج ايضاً جميع اهل الايمان في البلاد، لان هذه البراءة فتحت المجال لاطلاق نشر رسائل النور. فلقد اضطررنا الى اتخاذ الحيطة والحذر لحد الآن، وذلك خشية المصادرة. فكنت اعاني من الصعوبات الجمة في اخفاء الرسائل في غضون السنوات الثماني عشرة التي مرت ولاسيما في هذه السنوات الست هنا. وكنا نعاني جميعاً من القلق والاضطراب على الرسائل.
فشكراً لله تعالى وحمداً وثناءً له بعدد حروف رسائل النور. فان ظهورها المعنوي وتغلبها في هذه المرة وهتكها لأستار الظلم والظلمات هيأ الاوساط لفتوحات واسعة وأجر عظيم بتعب قليل. فلقد اصبح هذان الشهران لفترة التوقف وسيلة لانتشار رسائل النور بطراز آخر في اوسع محيط كما حدث في السجن.
نهنئكم يا اخوتي ولاسيما المبتلين وبخاصة الحافظ محمد ونقول لهم: حمداً لله على السلامة. ان المحكمة التي زجت مائة من الاشخاص في الحبس ولمائة يوم لأجل رسالة واحدة وهي رسالة "الحجاب" لم تستطع ان تزج للسجن شخصاً واحداً ليوم واحد ومعه مئات من الرسائل امثال تلك الرسالة، وما ذلك الاّ من اخلاصكم الخارق وصلابتكم التي لا تتزعزع وترابطكم الوثيق.
فقد ثبت لنا هذا قطعاً ولم تبق لدينا اي شبهة فيه. ليرضَ الله عنكم ابداً. آمين.
***

[الحلول بين طلاب النور]
اخوتى الاعزاء الاوفياء!
نهنئكم بحلول الشهور الثلاثة المباركة التي تكسبكم اكثر من ثمانين سنة من العمر المعنوى ولاسيما ليلة الرغائب (ليلة الجمعة الاولى من رجب). فان لبراءتكم من المحكمة وظهوركم عليهم معنىً قد أوقع الظالمين في حيرة.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 168
ولقد غيّروا خطتهم هنا؛ اذ بدأوا باسم الصداقة بالحلول بين طلاب رسائل النور الخواص - تاركين الهجوم العدائي - ليحملوهم على التخلف عن خدمة رسائل النور، فيوجدون لهم مشاغل الوظائف او يرفعون من مرتبّهم ويحوّلونهم الى وظائف اخرى أو أية مشغلة اخرى.
فهناك وقائع كثيرة امثال هذه هنا، يبدو ان هذا التعرض اكثر ضرراً من ناحية.
***

[الرسائل بالحروف اللاتينية]
لقد دخلت رسالة مؤثرة من رسائل النور الى المدرسة الاعدادية هنا، اذ سمحنا - بإذن معنوى - ان تكون بالحروف اللاتينية وبالآلة الطابعة، والرسالة تتضمن: الموقف الاول من الكلمة الثانية والثلاثين، واسمي "العدل والحكم" من اللمعة الثلاثين ورسالة الطبيعة - الى الخاتمة - والاية الكبرى من المقام الاول الى المرتبة الثامنة عشرة - مما سوى مرتبتي الوحي والالهام - واجعلوا كذلك من هذه القطع الاربع من الرسائل مجلداً واحداً وبالحروف الجديدة واقذفوها قنبلة عظيمة على رؤوس اهل الالحاد.
ولما كنت في هذه السنة في شدة العجز والضعف والشيخوخة، ارجو من اخوتي الشباب ان يعينوني معنوياً بدعواتهم في هذه الشهور الثلاثة المباركة.
تحياتي الى الاخوة جميعاً فرداً فرداً وندعو لسلامتهم في الدارين.
سعيد النورسي
***

[التقوى والعمل الصالح]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد فكرت - في هذه الايام - في أسس التقوى والعمل الصالح، اللذين هما اعظم اساسين في نظر القرآن الكريم بعد الايمان.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 169
فالتقوى: هي ترك المحظور والاجتناب عن الذنوب والسيئات. والعمل الصالح : هو فعل المأمور لكسب الخيرات.
ففي هذا الوقت الذي يتسم بالدمار - الاخلاقي والروحي - وباثارة هوى النفس الامارة، وباطلاق الشهوات من عقالها.. تصبح التقوى أساساً عظيماً جداً بل ركيزة الأسس، وتكسب افضلية عظيمة حيث انها دفع للمفاسد وترك للكبائر، اذ ان درء المفاسد أولى من جلب المنافع قاعدة مطردة في كل وقت.
وحيث ان التيارات المدمرة اخذت تتفاقم في هذا الوقت، فقد اصبحت التقوى اعظم اساس واكبر سد لصد هذا الدمار الرهيب. فالذي يؤدي الفرائض ولا يرتكب الكبائر، ينجو باذن الله، اذ التوفيق الى عمل خالص مع هذه الكبائر المحيطة امر نادر جداً.
ان عملاً صالحاً ولو كان قليلاً يغدو في حكم الكثير ضمن هذه الشرائط الثقيلة والظروف العصيبة.
ثم ان هناك نوعاً من عمل صالح ضمن التقوى نفسها، لان ترك الحرام واجب والقيام بالواجب ثوابه اكثر من كثير من السنن والنوافل.
ففي مثل هذه الأزمان التي تهاجم الذنوب والسيئات من كل جانب يكون اجتنابُ أثمٍ واحد مع عمل قليل، بمثابة ترك لمئات من الآثام - التي تترتب على ذلك الإثم - وقيام بمئات من الواجبات.
هذه النقطة جديرة بالاهتمام، ولا تحصل الا بالنية الخالصة وبالتقوى وقصد الفرار من الآثام والذنوب، ويغنم المرء بها ثواب اعمال صالحة نشأت من عبادة لم يصرف فيها جهداً.
ان اهم وظيفة تقع على عاتق طلاب النور خدام القرآن الكريم، في هذا الوقت هي:
اتخاذ التقوى أساساً في الاعمال كلها، ثم التحرك وفقها امام تيار الدمار الرهيب المهاجم والآثام المحيطة بهم، اذ يواجه الانسان ضمن انماط الحياة الاجتماعية الحاضرة مئات من الخطايا في كل دقيقة، فالتقوى هي التي تجعل - دون ريب - الانسان كأنه يقوم بمئات من الاعمال الصالحة، وذلك باجتنابه تلك المحرمات.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني

الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 170
من المعلوم ان عشرين شخصاً في عشرين يوماً لا يستطيعون بناء عمارة واحدة في حين يستطيع ان يهدمها شخص واحد في يوم واحد.
لذا فالذي يقوم بالهدم والدمار ينبغي ان يقابَل بعشرين ممن يبنون ويعمرون تلك النواحي، بيد أننا نرى العكس. فالالوف من الهدامين لا يقابلهم الا معمر واحد وهو رسائل النور.
لذا فمقاومة خدام القرآن الكريم وحدهم تلك التخريبات المريعة انما هي عمل خارق جداً. فلو كانت هاتان القوتان المتقابلتان على مستوى واحد من القوة، لكنت ترى في التعمير والبناء - الروحي والاخلاقي - خوارق وفتوحات عظيمة جداً.
ولنضرب مثلاً واحداً فقط:
ان أعظم ركيزة في الحياة الاجتماعية هي: توقير الصغير للكبير ورحمة الكبير للصغير. الا اننا نرى ان هذا الاساس قد تصدع كثيراً. حتى اننا نسمع اخباراً مؤلمة جداً، وحوادث مفجعة جداً تجاه الآباء والامهات، تقع من جراء خراب هذا الاساس الراسخ.
ولكن بفضل الله فان الرسائل القرآنية اينما حلت قاومت الدمار، وحالت دون تهدم هذا الاساس الاجتماعي المتين، بل حاولت تعميره.
فكما يعيث ياجوج وماجوج في الارض الفساد بخراب سد ذي القرنين، فان فساداً أبشع من فساد ياجوج وماجوج قد دبّ في العالم وأحاطه بظلمات الارهاب والفوضى وعمت الحياة والاخلاق مظالم شنيعة وإلحاد شنيع.. فظهر الفساد في البر والبحر، نتيجة تزلزل السد القرآني العظيم، وهو الشريعة المحمدية الغراء.
لذا فان الجهاد المعنوي لطلاب النور ضد هذا التيار الجارف يعدّ - باذن الله - جهاداً عظيم الثواب ، اذ فيه قبس من جهاد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين يثابون بعمل قليل ثواباً عظيماً.
فيا اخوتي الاعزاء:
في مثل هذه الاوقات العصيبة، وامام هذه الاحداث الجسام، فان اعظم قوة لدينا - بعد قوة الاخلاص - هي قوة "الاشتراك في الاعمال الاخروية" اذ يكتب كل


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 171
منكم في دفتر اعمال اخوته حسنات كثيرة مثلما يرسل بلسانه الامداد والعون الى قلعة التقوى وخنادقها.
وان اخاكم الفقير والعاجز هذا "السعيد" الذي اشتدت عليه غارات الهجوم من كل جهة، هو احوج ما يكون الى مساعدتكم في هذه الاشهر الثلاثة المباركة، وفي هذه الايام المشهودة.
ولا استبعد هذا منكم قط، فانتم اهل لهذا السعي، وانتم الابطال الاوفياء المشفقون على حال اخيكم، وانا اطلب منكم هذا الامداد المعنوي بكل جوارحي ومن صميم روحي.
وبدوري سأشرك الطلاب في دعواتي وحسناتي المعنوية، بل ربما ادعو لكم في اليوم اكثر من مئة مرة باسم طلاب النور، بشرط الالتزام بالإيمان والوفاء، وذلك دستور الاشتراك في الاعمال الاخروية.
***

[ترك فضول النفس]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لمناسبة مجئ فرقة من الجيش الى هذه الجهات امس قال لي أمين: ان صلة روسيا قد انقطعت عن القفقاس. علماً انني لم اكن اعرف استمرار الروس في الحرب ولم أرغب في معرفته. فقطعتُ عليه الكلام. الاّ ان قلبى اظهر اهتماماً بالموضوع.
وفي هذا اليوم عند ماكنت في الصلاة وفي الاذكار التي أعقبتها، ورد الى القلب معنىً:
ان الصراع الدائر في الكرة الارضية بين التيارات المتحاربة ستميل احداها الى الاسلام والقرآن ورسائل النور والى مسلكنا لا محالة. فينبغى النظر اليه من هذه الزاوية. وعلى الرغم من ان الاسباب الداعية الى عدم النظر اليه - والتي كتبتها في رسالتين سابقتين - كافية للقلب والعقل، الاّ انها لا تشبع النفس المتلهفة للحوادث.
وخطر على القلب في الاذكار نفسها:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 172
ان سببه المهم هو: تنبّه شعور الانحياز عند النظر اليه، حيث ان نظر المنحاز كليل عن ذنوب من يميل اليه. فيرضى بظلمه بل قد يبتهج ويفرح ويرحّب به. والحال كما ان الرضا بالكفر كفر كذلك الرضا بالظلم ظلم. فلاشك ان في هذا الصراع القائم على الكرة الارضية مظالم ودماراً تبكي من هوله السموات، اذ تضيع وتفنى حقوق كثير من الابرياء والمظلومين، لان دستور المدنية الدنيّة الظالم هو: يُضحّى بالفرد لأجل الجماعة ولا يُنظر الى الحقوق الجزئية من اجل سلامة الأمة. وقد فتح هذا الدستور ميدان مظالم شنيعة لم يُر مثلها حتى في القرون الاولى. بينما العدالة الحقيقية للقرآن المبين انه لايُفدى بحق الفرد لأجل الحفاظ على الجماعة، فالحق حق، لاينظر الى كثيره وقليله.
فهذا هو القانون السماوى والعدالة الحقة، لذا فالذين ينشغلون بحقائق القرآن كطلاب رسائل النور ان لم تكن هناك ضرورة فلا ينظرون الى تلك الامور لإشباع الفضول وحده، دون ان يجنوا فائدة ما. ولا يليق بهم الانشغال فكرياً بمتابعة اعمال ذلك التيار، على أمل ان يخدم الاسلام والقرآن في النتيجة! حيث ان النتيجة لم تحصل. فلا داعي الى تشجيع تخريباتهم الظالمة. وبهذا تبعت النفسُ العقلَ والقلبَ وتركتْ فضولها... نعم هكذا فهمت.
المسألة الثانية:
ان احراز رسائل النور النصر في اسبارطة والغلبة فيها قد فاجأ الزنادقة وأذهلهم، لذا قام بعض هؤلاء الزنادقة المتمردين والمعاندين - ممن يحملون الروح الخبيثة وأفكار ذلك الشخص الذي ولّى ومات - ستراً لهزيمتهم هذه بالهجوم على القرآن وعلى الرسول صلى الله عليه وسلم من طرف خفي في مؤلّف نشره، واستعمل فيه هذا - المتسمى بالاسلام - كلمات ممجوجة غير لائقة - كالتي وردت في المناظرة مع الشيطان وحزبه - اذ جمع ما قاله امثاله من اليهود والفلاسفة الملحدين والمتمردين في اوروبا وزنادقتها منذ سالف العصور من افتراءات على القرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
ولأجل اسماع المسلمين الساذجين والذين لم يطلعوا على رسائل النور مثل هذه الامور واراءتهم لها، فقد سلك هذا الزنديق بحذلقة وخبث مسلكاً أخفى زندقته إخفاءً دقيقاً بحيث سبق الشيطان في شيطنته. وتألمت كثيراً جداً من هذا، وقد


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 173
وردت في رسالة اخينا صبري: ان الخدع والشباكات التي ينصبها الملحدون العنيدون - تجاه تيار رسائل النور - واهية جداً بل أوهن من بيت العنكبوت. فتلك الأستار الشيطانية التي يتسترون بها ضعيفة لا تقاوم أبداً وستهتك أمام النور وتتمزق.. ان ما كتبه الزنديق العنيد المتمرد والروح الخبيثة للرجل الميت، هو لصالح القومية التركية في الظاهر الاّ انه في الحقيقة قد نشر كتابه هذا للتهوين من الشأن العظيم والمرتبة الرفيعة للقرآن الكريم والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ألا خاب ظنه فلا يمكنه ان يكون كبيت العنكبوت تجاه المعجزات القرآنية والمعجزات الاحمدية بل يذوب ويتلاشى. ولكن يا للاسف وألف أسف وأسف انه يضر ضرراً بالغاً بالذين لم يطلعوا على رسائل النور كما ان الذين اطلعوا عليها قد يدفعهم الفضول فيقولون: تُرى ماذا فيه؟ فيعكرون صفو قلوبهم. وفي الاقل يورث الشكوك والاوهام.
فعلى طلاب رسائل النور الأبطال أن يكونوا متيقظين تجاه هذه الامور ويزيدوا من نشاطهم، اذ الانشغال بالامور الفاسدة فسادٌ أيضاً، لذا اختصر هذه المسألة.
فحذار من الاهتمام به واثارة الفضول لدى الناس. وليعلم انه مؤلَّف تافه سوى مافيه من الاسماء المباركة ومعانى بعض الآيات الكريمة. وافهموا مدى تجاوز هذا الشخص حدّه من المثال الآتي:
مثال: إن نظر أبله الى مجلس بعيد جداً يحضره علماء مدققون متخصصون، يدققون كتاباً ويتلقون الدرس من استاذ قدير.فاذا ما أصدر هذا الابله حكمه منتقداً هذا المجلس وهؤلاء العلماء، فان عمله هذا هذيان ليس الاّ.
اللهم احفظ اهل الايمان وطلاب رسائل النور من امثال هؤلاء. آمين
سعيد النورسي
***

[عاونونا بادعيتكم]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
انه بعد تغلب ثباتكم العظيم واخلاصكم التام وبعد دفع تلك المصيبة فقد غيّر أهل الدنيا خططهم في المجابهة؛ اذ بدأوا - بمكايد الزنادقة - بتحشيد قواهم المادية


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 174
والمعنوية في هذه المناطق تجاهنا خفية، فهم يتحركون بدقة متناهية ويحاولون بشيطنة خبيثة للاخلال بالتساند والترابط الوثيق الذي هو القوة الحقيقية لطلاب رسائل النور. ففي الوقت الذي أعادوا اليكم الرسائل يحيكون مؤامرات خفية بخبث. وعلى الرغم من أننا نُعدّ شعبة منكم فانهم يحسبوننا كأننا الاصل والمركز، لذا يجرون علينا دسائسهم بشكل مكثف، ولكن الحافظ الحقيقي هو رب العالمين. وباذنه تعالى لن يقدروا على إلحاق أي ضرر كان .. ولكن عاونوننا يا اخوتي بادعيتكم الخالصة في ايام الشهور المباركة ولياليها المباركة.
ولاشئ يُذكر هنا.. ولكن عليكم بالحذر قدر المستطاع...
***

[حوار مع فريق من الشباب]
جاءني - ذات يوم - فريق من الشباب، يتدفقون نضارة وذكاءً، طالبين تنبيهات قوية وارشادات قويمة تقيهم من شرورٍ تتطاير من متطلبات الحياة ومن فتوة الشباب ومن الاهواء المحيطة بهم.
فقلت لهم بمثل ما قلته لأولئك الذين طلبوا العون من رسائل النور:
اعلموا ان ما تتمتعون به من ربيع العمر ونضارة الحياة ذاهب لا محالة، فان لم تلزموا انفسكم بالبقاء ضمن الحدود الشرعية، فسيضيع ذلك الشباب ويذهب هباءً منثوراً، ويجرّ عليكم في الدنيا وفي القبر وفي الآخرة بلايا ومصائب وآلاماً تفوق كثيراً ملذات الدنيا التي أذاقكم اياها.. ولكن لو صرفتم ربيع عمركم في عفة النفس وفي صون الشرف وفي طاعة ربكم بتربيته على الاسلام، اداءاً لشكر الله تعالى على ما أنعم عليكم من نعمة الفتوة والشباب، فسيبقى ويدوم ذلك العهد معنىً، وسيكون لكم وسيلة للفوز بشباب دائم خالد في الجنة الخالدة.
فالحياة، ان كانت خالية من الايمان، او فَقَد الايمانُ تأثيره فيها لكثرة المعاصي، فانها مع متاعها ولذتها الظاهرية القصيرة جداً تذيق الآلام والاحزان والهموم اضعافَ اضعافَ تلك المتع والملذات، ذلك لأن الانسان - بما مُنح من عقل وفكر -


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 175
ذو علاقة فطرية وثيقة بالماضي والمستقبل فضلاً عما هو عليه من زمان حاضر حتى انه يتمكن من ان يذوق لذائذ تلك الازمنة ويشعر بآلامها، خلافاً للحيوان الذي لا تعكر صفو لذته الحاضرة الاحزانُ الواردة من الماضي ولا المخاوف المتوقعة في المستقبل، حيث لم يمنح الفكر.
ومن هنا فالانسان الذي تردّىفي الضلالة واطبقت عليه الغفلة تفسد متعتُه الحاضرة بما يردُه من احزان من الماضي، وما يرده من اضطرابٍ جراء القلق على المستقبل. فتتكدر حياتُه الحاضرة بالآلام والاوهام، سيما الملذات غير المشروعة، فهي في حكم العسل المسموم تماماً.
اي ان الانسان هو أدنى من الحيوان بمائة مرة من حيث التمتع بملذات الحياة. بل ان حياة ارباب الضلالة والغفلة، بل وجودهم وعالَمهم، ما هو الاّ يومهم الحاضر، حيث ان الازمنة الماضية كلها وما فيها من الكائنات معدومة، ميتة، بسبب ضلالتهم، فترِدهم من هناك حوالك الظلمات..!
أما الازمنة المقبلة فهي ايضاً معدومة بالنسبة اليهم، وذلك لعدم ايمانهم بالغيب. فتملأ الفراقات الابدية - التي لا تنقطع - حياتهم بظلمات قاتمة، ما داموا يملكون العقل وما داموا جاحدين بالبعث والنشور.
ولكن اذا ما اصبح الايمانُ حياةً للحياة، وشعّ فيها من نوره، استنارت الازمنة الماضية واستضاءت الازمنة المقبلة، وتجدان البقاء وتمدان روح المؤمن وقلبه من زاوية الايمان، باذواق معنوية سامية وانوار وجودية باقية، بمثل ما يمدّهما الزمن الحاضر.
هذه الحقيقة موضحة توضيحاً وافياً في "الرجاء السابع" من رسالة "الشيوخ" فليراجع هناك.
هكذا الحياة.. فان كنتم تريدون ان تستمتعوا بالحياة وتلتذوا بها فاحيوا حياتكم بالايمان وزيّنوها باداء الفرائض، وحافظوا عليها باجتناب المعاصي.
أما حقيقة الموت التي تُطلعنا على اهوالها الوفياتُ التي نشاهدها كل يوم، في كل مكان، فسأبينها لكم في مثال، مثلما بينتها لشبان آخرين من امثالكم:
تصوروا ههنا - مثلاً - اعواداً نُصبت امامكم للمشنقة، وبجانبها دائرة توزع جوائز سخية كبرى للمحظوظين.. ونحن الاشخاص العشرة هنا سنُدعى الى هناك


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 176
طوعاً أو كرهاً. ولكن لأن زمان الاستدعاء مخفي عنّا، فنحنُ في كل دقيقة بانتظار مَن يقول لكلٍ منا: تعال.. تسلّم قرار اعدامك، واصعد المشنقة!. أو يقول: تعال خذ بطاقة تربحك ملايين الليرات الذهبية.!
وبينا نحن واقفون منتظرون، اذا بشخصين حضرا لدى الباب. احدهما اِمرأة جميلة لعوب شبه عارية تحمل في يدها قطعة من الحلوى، تقدّمها الينا تبدو أنها شهية، ولكنها مسمومة في حقيقتها.
أما الآخر فهو رجل وقور كيّس - ليس خباً ولا غرّاً - دخل على اثر تلك المرأة وقال: لقد أتيتكم بطلسم عجيب، وجئتكم بدرس بليغ، اذا قرأتم الدرس ولم تأكلوا من تلك الحلوى، تنجون من المشنقة، وتتسلمون - بهذا الطلسم - بطاقة تلك الجائزة الثمينة.. فها انتم اولاء ترون بأم اعينكم ان مَن يأكل تلك الحلوى، يتلوى من آلام البطن حتى يصعد المشنقة.
أما الفائزون ببطاقة الجائزة، فمع انهم محجوبون عنّا، ويبدون انهم يصعدون منصّة المشنقة الاّ ان اكثر من ملايين الشهود يخبرون بأنهم لم يُشنَقوا، وانما اتخذوا اعواد المشنقة سلماً للاجتياز بسهولة ويسر الى دائرة الجوائز.
فهيا انظروا من النوافذ، لتروا كيف ان كبار المسؤولين المشرفين على توزيع تلك الجوائز ينادون بأعلى صوتهم قائلين:
"ان اصحاب ذلك الطلسم العجيب قد فازوا ببطاقة الجوائز.. اعلموا هذا يقيناً كما رأيتم بعين اليقين اولئك الذاهبين الى المشنقة، فلا يساورنكم الشك في هذا، فهو واضح وضوح الشمس في رابعة النهار".
وهكذا على غرار هذا المثال:
فان متع الشباب وملذاته المحظورة شرعاً كالعسل المسموم.. وغدا الموت لدى الذي فقد بطاقة الإيمان التي تربحه السعادة الأبدية كأنه مشنقة، فينتظر جلاد الأجل الذي يمكن ان يحضر كل لحظة - لخفاء وقته عنا - ليقطع الاعناق دون تمييز بين شاب وشيخ.. فيرديه الى حفرة القبر الذي هو باب لظلمات أبدية كما هو في ظاهره..


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 177
ولكن اذا ما أعرض الشاب عن تلك الملذات المحظورة، الشبيهة بالعسل المسموم وضرب عنها صفحاً، وبادر الى الحصول على ذلك الطلسم القرآني وهو الإيمان واداء الفرائض، فان مائة واربعة وعشرين الفاً من الانبياء عليهم السلام، وما لا يعد ولا يحصى من الأولياء الصالحين والعلماء العاملين يخبرون ويبشّرون بالاتفاق مظهرين آثار ما يخبرون عنه بأن المؤمن سيفوز ببطاقة تكسبه كنوز السعادة الأبدية.
حاصل الكلام: ان الشباب سيذهب حتماً وسيزول لا محالة. فان كان قد انقضى في سبيل الملذات ونشوة الطيش والغرور، فسيورث آلاف البلايا والآلام والمصائب الموجعة سواءً في الدنيا أو الآخرة.
وان كنتم ترومون أن تفهموا بأن أمثال هؤلاء الشباب ستؤول حالُهم في غالب الأمر الى المستشفيات، بسبب تصرفاتهم الطائشة واسرافاتهم وتعرضهم لأمراض نفسية.. أو الى السجون واماكن الاهانة والتحقير، بسبب نزواتهم وغرورهم.. أو الى الملاهي والخمارات بسبب ضيق صدورهم بالآلام والاضطرابات المعنوية والنفسية التي تنتابهم.. نعم.. اِن شئتم أن تتيقنوا من هذه النتائج فأسألوا المستشفيات والسجون والمقابر.. فستسمعون بلاشك من لسان حال المستشفيات الأنات والآهات والحسرات المنبعثة من امراض نجمت من نزوات الشباب واسرافهم في امرهم.. وستسمعون ايضاً من السجون صيحات الأسى واصوات الندم وزفرات الحسرات يطلقها اولئك الشبان الاشقياء الذين انساقوا وراء طيشهم، وغرورهم فتلقوا صفعة التأديب لخروجهم على الاوامر الشرعية، وستعلمون ايضاً ان اكثر ما يعذّب المرء في قبره - ذلك العالم البرزخي الذي لا تهدأ ابوابُه عن الانفتاح والانغلاق لكثرة الداخلين فيه - ما هو الاّ بما كسبت يداه من تصرفات سيئة في سني شبابه، كما هو ثابت بمشاهدات اهل كشف القبور، وشهادة جميع اهل الحقيقة والعلم وتصديقهم.
واسألوا اِن شئتم الشيوخ والمرضى الذين يمثلون غالبية البشرية، فستسمعون ان أكثريتهم المطلقة يقولون:
"وا أسفى على ما فات! لقد ضيعنا ربيع شبابنا في امور تافهة، بل في امور ضارة! فإياكم إياكم ان تعيدوا سيرتنا، وحذار حذار ان تفعلوا مثلنا!".


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 178
ذلك لأن الذي يقاسي سنواتٍ من الغم والهم في الدنيا، والعذاب في البرزخ، ونار سَقَر في الآخرة، لأجل تمتع لا يدوم خمس أو عشر سنوات من عمر الشباب بملذات محظورة.. غيرجدير بالاشفاق، مع أنه في أشد الحالات استدراراً للشفقة والرثاء، لأن الذي يرضى بالضرر وينساق اليه طوعاً، لا يستحق الإشفاق عليه ولا النظر الى حاله بعين الرحمة، وفق القاعدة الحكيمة: "الراضي بالضرر لا يُنظر له".
حفظنا الله واِياكم من فتنة هذا الزمان المغرية ونجانا من شرورها..
آمـين
***

[حقيقة تقطع دابر الاعتراضات]
اخوتي الاعزاء الاوفياء طلاب رسائل النور!
لقد اضطررت الى بيان حقيقة تقطع دابر الاعتراضات التي تضر بالضعفاء من طلاب رسائل النور بمثل اعتراض الشيخ الذي لايخطر على بال.
اكرر مرة اخرى ماقلته لأحدهم:
انه لمن الاسف والعجب والحيرة ان يضيّع اهل الحقيقة القوة الخارقة في الاتفاق، فيُغلبون على أمرهم، بينما يتفق اهل النفاق والضلالة - رغم إختلاف مشاربهم - للحصول على قوة ذات أهمية في الاتفاق. ومع انهم لايتجاوزون عشرة بالمئة الاّ انهم يغلبون التسعين بالمائة من اهل الحقيقة.
وان اكثر ما يثير العجب ويزيد الحيرة هو:
بينما كنا ننتظر العون الكبير والحث العظيم منهم، وهم المكلفون بهذه المعاونة اسلامياً ومسلكاً واداءً للواجب الديني، نجدهم لا يمدون يد المعاونة الينا، بل بدأ الشيخ بالاعتراض بناء على فهم خطأ بما يورث الفتور لدى طلاب رسائل النور مستنداً الى اهمية موقعه الاجتماعي. فاعترض على ايضاحات تخص حقيقة.
اننى لا اعرف أية مسألة قد اُعترض عليها ولأية آية كريمة تخص. ولعلها تخص مسألة من رسالة الاشارات القرآنية المسماة بالشعاع الاول الذي اتخذناه رسالة


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 179
خاصة جداً وسرية. فأخوكم هذا العاجز يبين لذلك الصديق الفاضل القديم ولأهل العلم ولكم كذلك ما يأتي:
ان سعيداً الجديد - بفيض القرآن المبين - يذكر من البراهين المنطقية والحقيقية الكثيرة التي تخص الحقائق الايمانية بحيث لايلجئ علماء الاسلام الى التسليم وحدهم بل حتى أعتى فلاسفة اوروبا العنيدين ايضاً.
انه من شأن القرآن الكريم واعجازه العظيم ومن مقتضى البلاغة المعجزة للسان الغيب، ان ترد فيه رموز وإيماءات لجلب الانظار الى رسائل النور - التي هي معجزته المعنوية في هذا الزمان - بمثل اخبارات الامام علي رضي الله عنه والشيخ الكيلاني قدس سرّه الواردة بطرز اشارى ورمزى حول اهمية رسائل النور وقيمتها.
نعم، ففي سجن اسكي شهر وفي وقت رهيب حيث كنا أحوج ما نكون الى سلوان قدسي خطر على القلب ما يأتي:
انك تبين شهوداً من كلام الاولياء السابقين على أحقية رسائل النور وقبولها بينما بمضمون الآية الكريمة
(ولا رطب ولا يابسٍ الاّ في كتاب مبين) (الانعام: 59). فان صاحب الكلام في هذه المسألة هو القرآن الكريم. فهل يقبل القرآن الكريم ويرضى برسائل النور؟ وكيف ينظر اليها؟
واجهتُ هذا السؤال العجيب، واستمددت من القرآن الكريم، واذا بي اشعر في ظرف ساعة ان رسائل النور فرد داخل ضمن كلية المعنى الاشارى الذي يمثل طبقة واحدة من طبقات التفرعات للمعنى الصريح لثلاث وثلاثين آية كريمة، وعرفت قرينة قوية لدخولها في ذلك المعنى وتخصيصها، فشاهدت قسماً منها بشئ من الوضوح وقسماً آخر مجملاً. فلم تبق في قناعتى اية شبهة وشك ووهم ووسوسة. وانا بدورى دوّنتُ قناعتى القاطعة تلك واعطيتها الى اخوتى الخواص على شرط سريتها على نية الحفاظ على ايمان أهل الايمان برسائل النور. فنحن لانقول في تلك الرسالة: ان المعنى الصريح للآية الكريمة هو هذا، ليقول العلماء: فيه نظر! ولم نقل فيها: ان كلية المعنى الاشارى هي هذه. بل نقول: ان تحت المعنى الصريح للآية الكريمة طبقات متعددة من المعانى، احدى هذه الطبقات هي المعنى الاشاري والرمزي. فهذا المعنى الاشارى ايضاً هو كليّ، له جزئيات في كل عصر. فرسائل النور فردٌ في هذا


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #10
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق قسطموني


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 180
العصر من افراد كلية طبقة المعنى الاشارى ذاك. وقد جرت بين العلماء منذ القدم دستور حساب الجمل والجفر - حساب الابجدية - لإيجاد القرائن والحجج، فهذا الطرز من الحساب لا يخدش الآية الكريمة ولا يجرح معناها الصريح، بل قد يكون وسيلة لبيان اعجاز القرآن وعظمة بلاغته. فلا اعتراض على هذه الاشارات الغيبية، اذ الذي لا يستطيع انكار ما لايعد ولايحصى من استخراجات اهل الحقيقة من الاشارات القرآنية التي لا تحصى، ما ينبغى له ينكر هذا بل لا يمكنه ذلك.
اما استغراب ذلك المعترض واستبعاده ظهور مثل هذا السفر النفيس - رسائل النور - من رجل اعتيادي غير ذي بال، فانه اذا ما فكر بالدليل على عظمة القدرة الالهية التي تخلق شجرة ضخمة من بذيرة الصنوبر. فلاشك انه يضطر الى قبول ظهور مثل هذا الاثر ممن هو في العجز المطلق والفقر المطلق وفي ظرف الحاجة الشديدة مثل هذا الوقت دليلاً على الرحمة الالهية الواسعة.
انى اطمئنكم واطمئن المعترضين - بالشرف الرفيع لرسائل النور - أن هذه الاشارات واخبارات ورموز الاولياء ذات الايماءات قد ساقتني دائماً الى الشكر والحمدلله والى الاستغفار من ذنوبي. ولم يحصل ان اورثتْ ما يمكن ان يكون مدار فخر وغرور وانانية للنفس الامارة بالسوء في اي وقت كان. ولا في اية دقيقة كانت. واثبتّ ذلك بترشحات حياتي الماثلة امامكم منذ عشرين سنة.
وفضلاً عن هذه الحقيقة فان الانسان لايخلو من القصور والنسيان والسهو، فلي ذنوب كثيرة اجهلها. وربما قد تدخّل فكري وأوجد اخطاءً في الرسائل، ولكن هذا المعترض لا يبالي بتغير الحروف القرآنية المقدسة الى حروف اخرى ناقصة وقيامهم بوضع ترجمة بشرية ناقصة للقرآن الكريم ومحرفة ومملوءة بالتأويلات الفاسدة لاهل الضلالة والتي خدشت معاني الآيات الصريحة للقرآن... لا يبالي بهذا ولكنه يركز نظره على شخص ضعيف مظلوم بيّن نكتة اعجازية ليقوي بها ايمان اخوته، فيعترض عليه بما يورث الفتور لخدمة الايمان. علماً ان نقطة اعتراضه لا يمكن ان يعترض عليها من كان يملك ذرة من الانصاف.
وانه لمن دواعي حيرتي وعجبي:


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 181
ان ذلك المعترض الفاضل هو تلميذ استاذ من أساتذتي القديرين في السلسلة العلمية وهو "الشيخ فهيم". وهو احد طلاب الامام الرباني رضى الله عنه الذي ارتبط به اشد ارتباط، فكان عليه ان يسعى اكثر من غيره لمعاونتي بكل مالديه من قوة، دون الالتفات الى ذنوبي وحياتي الماضية المتداخلة المضطربة والى انفعالاتي، الاّ ان اعتراضه مع الاسف قد اورث - كما سمعنا - الفتور لدى بعض اصدقائنا الضعفاء، وسلّم بيد اهل الضلالة ما يشبه الحجة.
اننا ننتظر من ذلك الشيخ الفاضل تلافي سوء الفهم هذا والسعى لتعميره ونأمل معاونته لنا بدعواته ونصائحه البليغة المؤثرة. علاوة على ذلك اُبين ما يأتي:
في هذا الوقت الذي يبدو في الظاهر انحسار وتقهقر تلك المشارب والمسالك الحقة القوية جداً - والتي ينضوي تحت لوائها الملايين من المؤمنين المستعدين لكل تضحية - أمام الهجوم العنيف لهذه الضلالة. تحملت رسالة النور جميع تلك الهجمات، وحملت على عاتقها الاعباء كافة فشقّت طريقها سابقة الجميع في طريق الايمان. لذا، لا يمكن ان تُسند هذه الرسائل الى رجل عاجز نصف أمي قضى حياته بين المنفى والسجن وتحت رقابة سلطات الدولة، وقيامها بتنفير الناس من حوله بالدعايات المغرضة. فمثل هذا الرجل لا يمكن ان يكون مالكاً لها. ولا يمكن ان يفتخر بها او يدّعيها، فهي ليست نابعة من ذكائه ومهارته، بل هي معجزة من معجزات القرآن الكريم لهذا الزمن وهبتها الرحمة الالهية، وكل ما في الأمر ان هذا الرجل وآلافاً من اصدقائه قد مدوا أيديهم الى تلك الهدية الغالية النفيسة، فوقع الخيار عليه في بيانها.
والدليل على ان الرسائل ليست من بنات افكاره ان هناك من الرسائل ما قد كُتبت في ست ساعات واخرى في ساعتين، وبعضها في ساعة واحدة واخرى في عشر دقائق.
فانا اقسم انه لو كان لي حدّة ذكاء سعيد القديم وقوة حافظته لما تمكنت ان اكتب في عشر ساعات ما كُتب آنذاك في عشر دقائق ولا يمكنني ان اكتب في يومين ما كتب في ساعة.

الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 182
فالرسالة التي تبحث في ماهية "انا" (الذات الانسانية)، والتي كتبت في ست ساعات لا يمكن ان تكتب لا من قبلي ولا من قبل الفلاسفة والعباقرة الباحثين، في ستة أيام. وهكذا.
فنحن اذن مع اننا مفلسون ليس لنا شئ. الاّ اننا أصبحنا خداماً ودلالين في معرض أغلى المجوهرات. نسأل المولى الكريم ان يوفقنا وجميع طلاب رسائل النور - بفضله وكرمه - في هذه الخدمة باخلاص تام. آمين.
***
ملاحظة المترجم:
وضع الاستاذ النورسي ضمن ملحق قسطموني ثلاث قطع من رسالة "اللوامع" وهي: "كل الآلام في الضلالة، وبيان موجز لإعجاز القرآن، وبرهانان عظيمان للتوحيد" وذلك حسب قاعدته المذكورة في خاتمة رسالة "قطرة من بحر التوحيد" من المثنوي العربي النوري، حيث يقول:
"لأني ارى القرآن منبع كل الفيوض، وما في آثاري من محاسن الحقائق ما هو الاّ من فيض القرآن، فلهذا لا يرضى قلبي ان يخلو أثر من آثاري من ذكر نُبَذٍ من مزايا اعجاز القرآن"
ولما كانت رسالة "اللوامع" قد نشرت ملحقة بمجموعة "الكلمات" نكتفي هنا بادراج احدى تلك القطع الثلاث وهي: بيان موجز لإعجاز القران. ومن شاء فليراجع القطعتين الاخريين في "اللوامع".



الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 183
بيان موجز لاعجاز القرآن
رأيت في الماضي فيما يرى النائم: انني تحت جبل (آرارات). انفلق الجبل على حين غرة، وقذف صخوراً بضخامة الجبال الى انحاء العالم، فهزّ العالم وتزلزل.
وفجأة وقف بجنبي رجل، قال لي: بيّن بايجاز ما تعرفه مجملاً من أنواع الاعجاز... اعجاز القرآن.
فكرتُ في تعبير الرؤيا، وأنا ما زلت فيها وقلت:
ان ما حدث هنا من انفلاق مثالٌ لما يحدث في البشرية من انقلاب، وسيكون هدى القرآن بلا ريب عالياً ومهيمناً في هذا الانقلاب. وسيأتي يوم يبين فيه اعجازه.
أجبتُ ذلك السائل قائلاً:
ان اعجاز القرآن يتجلى من سبعة منابع كلية، ويتركب من سبعة عناصر.
المنبع الأول:
سلاسة لسانه من فصاحة اللفظ؛ اذ تنشأ بارقة بيانه من جزالة النظم، وبلاغة المعنى، وبداعة المفاهيم، وبراعة المضامين، وغرابة الاساليب. فيتولد نقش بياني عجيب، وصنعة لسان بديع، من امتزاج كل هذه في نوع اعجاز لا يملّ الانسان من تكراره أبداً.
أما العنصر الثاني:
فهو الاخبار السماوي عن الغيوب في الحقائق الغيبية الكونية والاسرار الغيبية للحقائق الإلهية. فمن أمور الغيب المنطوية في الماضي، ومن الأحوال المستترة الباقية في المستقبل تنشأ خزينة علم الغيوب. فهو لسان عالم الغيوب يتكلم مع عالم الشهادة، في أركان (الايمان) يبينها بالرموز، والهدف هو نوع الانسان، وما هذا الاّ نوع من لمعة نورانية للاعجاز.
اما المنبع الثالث فهو:
ان للقرآن جامعية خارقة من خمس جهات: في لفظه، في معناه، في أحكامه، في علمه، في مقاصده.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 184
لفظه:يتضمن احتمالات واسعة ووجوهاً كثيرة بحيث ان كل وجهٍ تستحسنه البلاغة، ويستصوبه علم اللغة العربية، ويليق بسر التشريع.
في معناه: لقد أحاط ذلك البيان المعجز بمشارب الأولياء واذواق العارفين ومذاهب السالكين، وطرق المتكلمين، ومناهج الحكماء، بل قد تضمن كلَّها. ففي دلالاته شمولٌ وفي معناه سعة.
فما أوسع هذا الميدان ان أطللت من هذه النافذة!.
الاستيعاب في الاحكام: هذه الشريعة الغراء قد اُستنبطتْ منه، اذ قد تضمن طراز بيانه جميع دساتير سعادة الدارين، ودواعي الأمن والاطمئنان، وروابط الحياة الاجتماعية، ووسائل التربية، وحقائق الأحوال.
استغراق علمه: لقد ضم ضمن أسوار سوره العلوم الكونية والعلوم الإلهية، مراتب ودلالات ورموزاً واشارات.
في المقاصد والغايات: لقد راعى الرعاية التامة في الموازنة والاطراد والمطابقة لدساتير الفطرة، والاتحاد في المقاصد والغايات، فحافظ على الميزان.
وهكذا الجامعية الباهرة في احاطة اللفظ وسعة المعنى واستيعاب الاحكام واستغراق العلم وموازنة الغايات.
اما العنصر الرابع:
فافاضته النورانيةُ حسب درجة فهم كل عصر، ومستوى أدب كل طبقة من طبقاته وعلى وفق استعدادها ورتب قابليتها.
فبابُه مفتوح لكل عصر ولكل طبقة من طبقاته، حتى كأن ذلك الكلام الرحماني ينزل في كل مكان في كل حين.
فكلما شاب الزمان شبّ القرآنُ وتوضحت رموزه، فذلك الخطيب الإلهي يمزق ستار الطبيعة وحجاب الاسباب فيفجّر نورَ التوحيد من كل آية، في كل وقت. رافعاً راية الشهادة شهادة التوحيد على الغيب.
ان علو خطابه يلفت نظر الانسان ويدعوه الى التدبّر؛ اذ هو لسان الغيب يتكلم بالذات مع عالم الشهادة.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 185
يُخلَص من هذا العنصر: أن شبابيته الخارقة شاملة محيطة، وأنسيته جعلته محبوب الانس والجان، وذلك بالتنزلات الإلهية الى عقول البشر لتأنيس الأذهان، والمتنوعة بتنوع أساليب التنزيل.
أما المنبع الخامس:
فنُقولُه واخبارُه في اسلوب بديع غزير المعاني، فينقل النقاط الأساس للاخبار الصادقة كالشاهد الحاضر لها. ينقل هكذا لينبّه بها البشر.
ومنقولاته هي الآتية: اخبار الأولين وأحوال الآخرين وأسرار الجنة والجحيم، حقائق عالم الغيب، واسرار عالم الشهادة، والاسرار الإلهية والروابط الكونية. تلك الاخبار المشاهَدة شهود عيان حتى انه لا يردّها الواقع ولا يكذّبها المنطق بل لا يستطيع ردّها ابداً ولو لم يدركها.
فهو مطمَح العالم في الكتب السماوية، اذ ينقل الاخبار عنها مصدّقاً بها في مظان الاتفاق، ويبحث فيها مصححاً لها في مواضع الاختلاف.
ألا انه لمعجزة هذا الزمان ان يصدر مثل هذه الأمور النقلية من "أميّ"!
اما العنصر السادس:
فانه مؤسس دين الاسلام ومتضمنه. ولن تجد مثل الاسلام ان تحريت الزمان والمكان، لا في الماضي ولا في المستقبل. انه حبل الله المتين، يمسك الأرض لئلا تفلت، ويديرها دوراناً سنوياً ويومياً. فلقد وضع وقاره وثقله على الأرض، وساسها وقادها وحال بينها وبين النفور والعصيان.
أما المنبع السابع:
فان الأنوار الستة المفاضة من هذه المنابع الستة يمتزج بعضها مع بعض، فيصدر شعاع حُسنٍ فائق، ويتولد حدس ذهني، وهو الوسيلة النورانية.
والذي يصدر عن هذا: ذوق، يُدرَك به الاعجاز.
لساننا يعجز عن التعبير عنه، والفكر يقصر دونه.
فتلك النجوم السماوية تُشاهَد ولا تُستمسك.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 186
طوال ثلاثة عشر قرناً من الزمان يحمل أعداء القرآن روح التحدي والمعارضة..
وتولدت في أوليائه واحبائه.. روح التقليد والشوق اليه.
وهذا هو بذاته برهان للاعجاز.
اذ كُتبت من جراء هاتين الرغبتين الشديدتين ملايين الكتب بالعربية، فلو قورنت تلك الملايين من الكتب مع القرآن الكريم، لقال كلُ من يشاهد ويسمع، حتى أكثر الناس عامية، دونك الذكي الحكيم:
ان هذه الكتب بشرية.. وهذا القرآن سماوي.
وسيحكم حتماً:
ان هذه الكتب كلها لا تشبه هذا القرآن ولا تبلغ شأوه قطعاً.
لذا فإما انه أدنى من الكل. وهذا معلوم البطلان وظاهر بالبداهة.
اذن فهو فوق الكل.
ولقد فتح أبوابه على مصراعيه للبشر ونشر مضامينه أمامهم طوال هذه المدة الطويلة. ودعا لنفسه الأرواح والأذهان.
ومع هذا لم يستطع البشر معارضته، ولا يمكنهم ذلك. فلقد انتهى زمن الامتحان.
ان القرآن لا يقاس بسائر الكتب ولا يشبهها قطعاً.
اذ نزل في عشرين سنة ونيف نجماً نجماً - لحكمة ربانية - لمواقع الحاجات نزولاً متفرقاً متقطعاً. ولأسباب نزول مختلفة متباينة. وجواباً لأسئلة مكررة متفاوتة. وبياناً لحادثات أحكام متعددة متغايرة. وفي أزمان نزول مختلفةمتفارقة. وفي حالات تَلَقٍّ متنوعة متخالفة. ولأفهام مخاطبين متعددة متباعدة. ولغايات ارشاداتٍ متدرجة متفاوتة.
وعلى الرغم من هذه الأسس فقد أظهر كمال السلاسة والسلامة والتناسب والتساند في بيانه وجوابه وخطابه، ودونك علم البيان وعلم المعاني.
وفي القرآن خاصية لا توجد في أي كلام آخر: لأنك اذا سمعت كلاماً من أحدٍ فانك ترى صاحب الكلام خلفه أو فيه فالاسلوب مرآة الأنسان.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 187
أيها السائل المثالي!
لقد أردت الاعجاز، وها قد أشرتُ اليه.
وان شئت التفصيل، فذلك فوق حدّي وطوقي. أتقدر الذبابة مشاهدة السماوات؟
وقد بيّن كتاب (اشارات الاعجاز) واحداً من أربعين نوعاً من ذلك الاعجاز، ولم تفِ مائة صفحة من تفسير لبيان نوع واحد.
بل أنا الذي أريد منك التفصيل، فقد تفضّل المولى عليك بفيضٍ من الهامات روحية.
لا تبلغ يد الأدب الغربي ذي الاهواء والنزوات والدهاء..
شأن أدب القرآن الخالد ذي النور والهدى والشفاء.
اذ الحالة التي ترضى الأذواق الرفيعة للكاملين من الناس وتُطمئنهم، لا تسرّ أصحاب الاهواء الصبيانية وذوي الطبائع السفيهة، ولا تسلّيهم، فبناءً على هذه الحكمة؛
فان ذوقاً سفيهاً سافلاً، ترعرع في حمأة الشهوة والنفسانية، لا يستلذ بالذوق الروحي، ولا يعرفه أصلاً.
فالأدب الحاضر؛ المترشح من أدب أوروبا، عاجز عن رؤية ما في القرآن الكريم من لطائف عالية ومزايا سامية، من خلال نظرته الروائية، بل هو عاجز عن تذوقها، لذا لا يستطيع ان يجعل معياره محكّاً له.
والأدب يجول في ثلاثة ميادين، دون ان يحيد عنها:
ميدان الحماسة والشهامة..
ميدان الحسن والعشق..
ميدان تصوير الحقيقة والواقع..
فالأدب الأجنبي:
في ميدان الحماسة؛


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 188
لا ينشد الحق، بل يلقّن شعور الافتتان بالقوة بتمجيده جَور الظالمين وطغيانهم.
وفي ميدان الحسن والعشق؛
لا يعرف العشق الحقيقي، بل يغرز ذوقاً شهوياً عارماً في النفوس.
وفي ميدان تصوير الحقيقة والواقع؛
لا ينظر الى الكائنات على انها صنعة إلهية، ولا يراها صبغة رحمانية، بل يحصر همه في زاوية الطبيعة ويصور الحقيقة في ضوئها، ولا يقدر الفكاك منها.. لذا يكون تلقينه عشق الطبيعة، وتأليه المادة، حتى يمكّن حبها في قرارة القلب، فلا ينجو المرء منه بسهولة.
ثم ان ذلك الأدب المشوب بالسفه، لا يغني شيئاً عن اضطرابات الروح وقلقها الناشئة من الضلالة والواردة منها أيضاً، ولربما يهدئها وينيّمها.
وفي حسبانه انه قد وجد حلاً، وكأن العلاج الوحيد، وهو رواياته. وهي:
في كتاب.. ذلك الحي الميت.
وفي سينما.. وهي أموات متحركة.
وفي مسرح.. الذي تبعث فيه الأشباح وتخرج سراعاً من تلك المقبرة الواسعة المسماة بالماضي!
هذه هي أنواع رواياته.
وأنّى للميت ان يهب الحياة!..
وبلا خجل ولا حياء!.. وضع الأدب الأجنبي لساناً كاذباً في فم البشر.. وركّب عيناً فاسقة في وجه الانسان.. وألبس الدنيا فستان راقصة ساقطة.
فمن أين سيعرف هذا الأدب؛ الحسنَ المجرد.
حتى لو أراد ان يُري القارئ الشمسَ؛ فانه يذّكره بممثلة شقراء حسناء.
وهو في الظاهر يقول: "السفاهة عاقبتها وخيمة، لا تليق بالانسان"..
ثم يبين نتائجها المضرة..
الاّ انه يصورها تصويراً مثيراً الى حد يسيل منه اللعاب، ويفلت منه زمام العقل، اذ يضرم في الشهوات، ويهيج النزوات. حتى لا يعود الشعور ينقاد لشئ.


الملاحق - ملحق قسطموني، ص: 189
اما أدب القرآن الكريم:
فانه لا يحرك ساكن الهوى، لا يثيره، بل يمنح الانسان الشعور بنشدان الحق وحبه، والافتتان بالحسن المجرد، وتذوّق عشق الجمال، والشوق الى محبة الحقيقة.. ولا يخدع أبداً.
فهو لا ينظر الى الكائنات من زاوية الطبيعة، بل يذكرها صنعة إلهية، صبغة رحمانية، دون ان يحير العقول.
فيلقّن نور معرفة الصانع..
ويبين اياته في كل شئ..
والأدبان.. كلاهما يورثان حزناً مؤثراً. الاّ انهما لا يتشابهان.
فما يورثه أدب الغرب هو حزن مهموم، ناشئ من فقدان الأحباب، وفقدان المالك. ولا يقدر على منح حزن رفيع سامٍ .
اذ استلهام الشعور من طبيعة صماء، وقوة عمياء يملأوه بالالام والهموم حتى يغدو العالم مليئاً بالاحزان، ويلقي الانسان وسط اجانب وغرباء دون أن يكون له حامٍ ولامالك! فيظل في مأتمه الدائم..
وهكذا تنطفئ أمامه الآمال.
فهذا الشعور الملئ بالأحزان والآلام يهيمن على كيان الانسان، فيسوقه الى الضلال، والى الالحاد، والى انكار الخالق.. حتى يصعب عليه العودة الى الصواب، بل قد لا يعود أصلاً.
أما أدب القرآن الكريم:
فانه يمنح حزناً سامياً علوياً، ذلك هو حزن العاشق، لا حزن اليتيم.. هذا الحزن نابع من فراق الأحباب، لا من فقدانهم.
ينظر الى الكائنات؛ على أنها صنعة إلهية، رحيمة، بصيرة بدلاً من طبيعة عمياء. بل لا يذكرها اصلاً، وانما يبين القدرة الإلهية الحكيمة، ذات العناية الشاملة، بدلاً من قوة عمياء.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الملاحق - ملحق امير داغ الثاني عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 9 03-23-2011 06:12 PM
الملاحق - ملحق اميرداغ الاول عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 9 03-23-2011 05:54 PM
الملاحق - ملحق بارلا عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 8 03-23-2011 05:10 PM
من أسماء القرآن«عربي مبين» صفة لكتاب الله وحجة للحق نزل بلسان العرب ليتحدى فصاحتهم عبدالقادر حمود المواضيع الاسلامية 0 12-17-2010 09:55 AM


الساعة الآن 11:52 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir