و أوَّلُ مـن آمـن بـه مـن الـرِّجـال : أبـو بـكـرٍ صَـاحـبُ الـغـَار و الـصِّـدِّيـقـيـَّة . و مـن الـصِّـبـيـان : عَـلـيٌّ ، و مـن الـنـِّسـاء : خـديـجـة الـتـي ثـبَّـت الـلـه تـَعـالـى بـهـا قـَلـبـهُ وَ وَقـَاه . و مـن الـمـوالـي : زيـد ابـن حـارثـة . و مـن الأرقـَّاء : بـِلاَلٌ الـذي عَـذبـه فـي الـلـه أُمـيـَّة ، و أَولاَهُ مَـولاهُ أبـو بـكـر مـن الـعِـتـْقِ مـا أولاه .
ثـمَّ أَسـلـَمَ : عُـثـمـان ، و سـَعـدٌ ، و سَـعـيـدٌ ، و طـَلـحـة ٌ، و ابـن عَـوفٍ ، و ابـن الـعمَّـة صَـفِـيـَّة ، و غـيـرهـم مـمـن أَنـْهـلـَهُ الـصـدِّيـق رَحِـيـق الـتـَّصـديـق وَ سَـقـاه .
و مـا زَالـت عِـبـادتـهُ صـلـى الـلـه عـلـيـه و سـلـم و أصـحـابـه مَـخـْفِـيـَّة حـتـَّى أُنـزِلَ عـلـيـه { فَـاصْـدَعْ بـِمـا تـُؤْمَـرُ } فـَجَـهَـرَ بـِدُعـاء الـخَلـْقِ إلـى الـلـه ، و لـم يَـبْـعُـدْ مـنـه قـَومـهُ حـتـَّى عَـابَ آلـهـتـهـم و أَمَـرَ بـِرَفـضِ مـا سِـوى الـوحـدانـيـَّة ، فـَتـَجـرَّؤُوا عـلـى مُـبَـارزَتـهِ بـالـعَـدَاوةِ و أذاه .
و اشـتـدَّ عـلـى الـمـسـلـميـن الـبَـلاءُ ، فـهـاجـروا فـي سـنـة خـمـسٍ إلـى الـنـَّاحـيـة الـنـَّجـاشـيـَّة ، وَ حَـدِبَ عـلـيـه عـمُّـه أبو طـالـب ، فـَهَـابَـهُ كـُلٌّ مـن الـقـَومِ و تـَحـامَـاه .
و فـُرِضَ عـلـيـه قـيـام بـعـض الـسَّـاعـات الـلـيـلـيـَّة ، ثـمَّ نـُسِـخَ بـقـولـه تـعـالـى : { فـَاقـْرَءُواْ مَـا تـَيـَسَّـرَ مِـنـْهُ وَ أَقِـيـمُـوا الـصَّـلاَةَ } . و فـُرِضَ عـلـيـه ركـعـتـانِ بـالـغـَداةِ و ركـعـتـانِ بـالـعَـشِيـَّة ، ثـمَّ نـُسِـخ بـإيـجـاب الـصَّـلـوات الـخـَمْـسِ فـي لـيـلـةِ مَـسْـراه .
و مـات أبـو طـالـب فـي نـصـف شـوَّال مـن عـاشـر الـبـعـثـة وَ عَـظـُمـت بـمـوتـه الـرَّزيـَّة ، وَ تـَلـتـهُ خـديـجـة بـعـد ثـلاثٍ ، و شـدَّ الـبـلاء عـلـى الـمـسـلـمـيـن وَثِـيـقَ عُـراه ، و أَوقـَعـتْ قـُريـشٌ بـه صـلـى الـلـه عـلـيـه و سـلـم كـُلَّ أذيـَّة .
و أَمَّ الـطـائـف يَـدْعُـو ثـَقِـيـفـاً ، فـلـم يُـحْـسِـنـوا بالإجَـابةِ قِـرَاه ، و أَغـْروا بـه الـسُّـفهـاء و الـعَـبـيـد فـسـبُّـوهُ بـألـسُـنٍ بـَذيـَّة ، وَ رَمَـوَهُ بـالـحـجـارة حـتَّـى خـُضـِّبـت بـالـدِّمـاء نـَعْـلاه .
ثـمَّ عـاد إلـى مـكـَّة حَـزيـنـاً ، فـَسَـألـهُ مَـلـَكُ الـجـِبـَال فـي إهـلاك أهـلـهـا ذوي الـعَـصَـبـيـَّة ، فـقـال : ( إنـِّي أرجـو أن يُـخـرج الـلـه مـن أصـلابـهـم مـن يَـتـَولاّه ) .
عـطـِّر الـلـهـم قـَبـْرهُ الـكـَريـم بـعَـرْفٍ شـذِيٍّ مـن صَلاَةٍ و تـَسـلـيـم
( الـلـهـم صـلِّ وسـلـِّم و بـارك عـلـيـه )
ثـمَّ أُسـريَ بـِروحِـه و جَـسـدهِ يَـقـظـة ًمـن الـمـسـجـد الـحـرام إلـى الـمـسـجـد الأقـصـى و رِحَـابـهِ الـقـُدسـيـَّة ، و عُـرِجَ بـه إلـى الـسَّـمـوات ، فـرأى آدم فـي الأُولـى و قـد جَـلـَّلـَهُ الـوَقـَارُ و عـلاه .
و رَأى فـي الـثـانـيـة عـيـسـى ابـن الـبَـتـُولِ الـبـرَّةِ الـنـَّقـيـَّة ، و ابـن خـَالـتِـهِ يَـحـيـى الـذي أُوتـيَ الـحُـكـْمَ فـي حَـالِ صِبـاه .
و رأى فـي الـثـالـثـة يـوسـف الـصِّـدِّيـق بـصـورتـه الـجـمـالـيـَّة ، و فـي الـرَّابـعـة إدريـس الـذي رَفـع الـلـه مـَكـانـهُ و أعـلاه . و فـي الـخـامـسـة هـارون الـمُحَـبَّـبَ فـي الأُمَّـةِ الإسـرائـيـلـيـَّة . و فـي الـسَّـادسـة مُـوسـى الـذي كـَلـَّمـهُ الـلـه و نـَاجَـاه . و فـي الـسَّـابـعـة إبـراهـيـم الـذي جـاء رَبـَّهُ بـسَـلامـةِ الـقـلـب و حُـسْـنِ الـطـَّويـَّة ، و حَـفِـظـَه مـن نـار الـنـَّمـرُوذِ و عَـافـاه .
عـطـِّر الـلـهم قـَبْـرَهُ الـكـَريـم بـعَـرْفٍ شـذِيٍّ مِـن صَـلاَةٍ و تـَسـلـيـم
( الـلـهـم صـلِّ وسـلـِّم و بـارك عـلـيـه )
ثـم عُـرِجَ بـِهِ إلـى سِـدْرَةِ الـمُـنـْتـَهـى إلـى أن سَـمِـعَ صَـرِيـفَ الأقـْلامِ بِـالأمـور الـمَـقـْضِـيـَّة ، إلـى مَـقـَامِ الـمُـكـافـَحَةِ الـذي قـَرَّبـهُ الـلـه فـيـه و أدنـاه ، و أَمـاطَ لَـهُ حُـجُـبَ الأنـْوارِ الـجَلالِـيـة ، و أَرَاهُ بـِعَـيْـنـَيْ رَأسِـهِ مـن حَـضْرَةِ الـرُّبـُوبـِيـَّة مـا أرَاه ، و بَـسَـطَ لـه بـسَـاطَ الإجـلال فـي الـمجَـالـي الـذاتـيـة . و فـَرَضَ عَـلـيـه و عـلـى أُمَّـتِـهِ خـَمـسـيـنَ صـلاة ، ثـمَّ انـْهَـلَّ سَـحَـابُ الـفـَضـْلِ فـَرُدَّتْ إلـى خـَمْـسٍ عَـمـلـيـَّة ، و لـهـا أَجْـرُ الـخـَمـسـيـن كـَمَـا شـَاءهُ فـي الأزَلِ و قـَضـَاه .
ثـمَّ عَـادَ فـي لـَيْـلـَتـه و صَـدَّقـَهُ الـصِّـدِّيـق وكـُلُّ ذِي عَـقـْلٍ و رَويـَّة ، و كـَذبَـتـْهُ قـُرَيْـشٌ ، و ارتـَدَّ مَـنْ أضـَلـّهُ الـشـَّيْـطـانُ و أَغـْواه .
عـطـِّر الـلـهـم قـَبْـرَهُ الـكـريـم بـعَرْفٍ شـذِيٍّ مِـن صَـلاَةٍ و تـَسـلـيـم
( الـلـهـم صـلِّ وسـلـِّم و بـارك عـلـيـه )
ثـم عَـرَضَ نـفـسـهُ عـلـى الـقـَبَـائِـل بـأَنـَّه رَسُـولُ الـلـه فـي الأيـام الـمـوسِـمـيـَّة فـآمَـنَ بـه سِـتـَّة ٌمِـن الأنـْصـارِ اخـْتـَصَّـهُـمُ الـلـه بـِرِضـَاه ، و حَـجَّ مِـنـْهـمْ فـي الـقـَابـِلِ إثـنـَا عَـشَـرَ رَجُـلاً و بـايـعُـوهُ بَـيـعـة ً حَـقـِّيـَّة ، ثـم انـْصَـرَفـُوا ، و ظـَهَـرَ الإسـلامُ بـالـمَـديـنـةِ ، فـكـانـت مَـعْـقِـلـَه و مَـأوَاه .
و قـَدِمَ عـلـيـهِ فـي الـثـالـثـة سَـبْـعـونَ ، أو وخـمـسـة ٌ، أو وثـلاثـة ٌ، و امـرأتـانِ مـنَ القـَبـائـلِ الأوسِـيـَّةِ و الـخـَزرجِـيـَّة ، فـبـايَعُـوهُ و أمَّـرَ عـلـيـهـم إثـنـا عـشَـرَ نـقـيـبـاً جَـحـاجـِحَـةٍ سَـراة .
و هـاجَـرَ إلـيـهـم مـنْ مـكـَّة ذوُو الـمـلـَّة الإسـلامـيـَّة ، و فـارَقـوا الأَوْطـان ، رَغـْبَة ًفـيـمـا أُعِـدَّ لـمـن هـجَـرَ الـكـُفـْرَ و نـَاوَاه .
و خـافـت قـُرَيْـشٌ أن يَـلـْحَـقَ صـلـى الـلـه عـلـيـه و سـلـم بـِأصْـحَـابـِهِ عـلـى الـفـَوْريـَّة ، فـَأْتـَمَـروا بـِقـَتـْلـِهِ ، فـحـفـِظـَهُ الـلـه مـن كـَيـْدِهِـم و نـجَّـاه .
عـطـِّر الـلـهـم قـَبْـرَهُ الـكـَريم بـعَـرْفٍ شـذِيٍّ مِـن صَـلاَةٍ و تَـسـلـيـم
( الـلـهـم صـلِّ وسـلِّـم و بـارك عـلـيـه )
ثـُـمّ مَــرَّ بـقـُـدَيْـدٍ عـلـى أمِّ مَـعْـبَـدٍ الـخـُـزاعِـيَّـة ، و أرادوا ابـتـيـاع لـبــنٍ أو لـَـحـمٍ مـنـهـا ، فـلـم يـكـن خِـبـاؤُهـَـا لـشـيءٍ مـن ذلـك حَــواه .
فـنـظـرَ إلـى شــاةٍ فـي الـبـيـت قــد خـَـلـَّـفـَـهـا الـجَـهـْـدُ عـن الـرَّعـيَّـة ، فـاسْـتـَأذنـهـا فـي حَـلـْبـِهـا ، فـأذِنـَتْ و قـالـَتْ : لـو كـان بـهـا حَـلـَبٌ لأصَـبْـنـاه .
فـَمَـسَـحَ الـضـِّرْعَ مـنـهـا و دعَـا الـلـه مَـوْلاه و وَلِـيّـه ، فـَدَرَّتْ و حَـلـَبَ ، و سَـقـى كـُلاًّ مـن الـقـَومِ و أَرْواه ، ثـُمَّ حَـلـَبَ و مَـلأَ الإِنـاءَ و غـادرهُ لـَدَيـهـا آيـة ًجَـلِـيـَّة .
و جـاءَ أبـو مَـعْـبَـدٍ و رأى الـلـبـنَ ، فـَذهـَبَ بـِه الـعَـجَـبُ إلـى أقـصـاه ، و قـالَ : أنـَّى لـَكِ هـذا ، و لا حَـلـُوبَ فـي الـبـيـتِ تـَبـِضُّ بـقـَطـْرَةٍ لـَبـِنـيـَّة ؟ ! .
فـقـالـت : مَـرَّ بـِنـا رَجُـلٌ مُـبـارَكٌ كـَذا و كـذا جُـثـْمـانـُهُ و مَـعـْنـاه ، فـَقـال لـَهـا : هـذا صـاحِـبُ قـُرَيـْش ، و أَقـْسَـمَ بـِكـلِّ إلـهِـيـَّة بـأنـَّهُ لـَو رَآهُ ، لآمَـنَ بـه و اتـَّبَـعَـهُ و دَانـَاه .
و قـَدِمَ الـمَديـنـَة َيَـوْمَ الاثـنـيـن ثـانـي عَـشـَـر رَبـيـع الأوَّل ، و أشـْـرَقـَتْ بـه أرْجـاؤُهـا الـزَّكِـيـَّة و تـَلـَقـَّاهُ الأنـْصـار ، و نـَـزَل بـِـقـُـبَـاء و أسَّـسَ مَـسْـجـِدَهـا عـلـى تـَـقـْواه .
عـطـِّـر الـلـهـم قـَـبْرَهُ الـكـَريـم
بـعَـرْفٍ شـذِيٍّ مِـن صَـلاَةٍ و تـَـسـلِـيـم
( الـلـهـم صـلِّ و سـلـِّم و بـارك عـلـيـه )