أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي أحْيَانا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النَشُور           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 01-11-2015
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 1

سُورَةُالأَنفال

وهي مدنيَّةٌ، آياتها خمسٌ وسبعون آيةً. عندَ أهلِ الكوفةِ. وعند أَهْلِ المدينةِ. وأَهْلِ مَكَّةَ وأَهلِ البَصْرَةِ: سِتٌّ وسَبْعون، وفي عَدِّ أَهْلِ الشامِ سَبْعٌ وسَبْعون.
أَمّا تَرتيبُها فهو التاسعةُ والثَمانونَ في النُزولِ، كَما في رِوايةِ جابِرٍ بْنِ زَيْدٍ عنِ ابْنِ عبَّاسٍ ـ رضيَ اللهُ عنهم، وقد نَزَلَتْ بعدَ سُورةِ آلِ عُمرانَ، وقبلَ سورةِ الأَحْزابِ.
وتسمَّى أَيْضاً سُورةَ بَدْرٍ فقد أَخْرجَ أَبو الشَيْخِ عَنْ سَعيدٍ بْنِ جُبيرٍ قالَ: قُلْتُ لابْنِ عَبَّاسٍ: "سورة الأَنْفالِ" قالَ: "تلك سُورَةُ بَدْرٍ". الإتقانِ في علوم القرآنِ" للسيوطيِّ وأَخرجَ البُخاريُّ، عَنْ سعيد بْنِ جُبير أيضاً، قال: قُلتُ لابْنِ عبَّاسٍ سُورةُ الأَنْفالِ قالَ نَزَلَتْ في بَدْرٍ.
وباسْمِ الأنفالِ عُرِفَتْ بين المُسْلِمين، وبِهِ كُتِبَتْ تَسْمِيَتُها في المُصْحَفِ حينَ كُتِبَتْ أَسماءُ السُوَرِ، ولم يَثْبُتْ لها في تَسْمِيَتِها حَديثٌ، وتَسْمِيتُها سُورَةَ الأَنْفالِ مِنْ أَنها افْتُتِحَتْ بآيَةٍ فيها اسْمُ الأَنْفالِ، ومِنْ أَجْلِ أَنها ذُكِرَ فيها حُكْمُ الأَنْفالِ كَما سَيَأْتي. وقد عُرِفَتْ بهذا الاسْمِ مِنْ عَهْدِ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ ـ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: فقد رَوَى الواحِدِيُّ في "أَسْبابِ النُزولِ" عَنْ سَعْدٍ بْنِ أَبي وَقَّاصٍ قالَ: لمَّا كانَ يَوْمُ بَدْرٍ قُتِلَ أَخي عُمير، وقَتَلْتُ سَعيدَ بْنِ العاصِ بْنَ أُميَّةَ، فأَخَذْتُ سَيْفَهُ فأَتَيْتُ بِهِ النَبِيَّ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فقال: ((اذْهَبْ القَيَضِ)). بِفَتْحَتينِ الموْضِعَ الذي تُجْمَعُ فيهِ الغَنائِمُ. فَرَجَعْتُ في ما لا يَعْلَمُهُ إلاَّ اللهُ قُتِلَ أَخي وأُخِذَ سَلَبي، فما جاوَزْتُ قَريباً حتى نَزَلَتْ سُورةُ الأَنْفال.
وأَخْرَجَ النَحّاسُ في ناسِخِهِ عَنْ سَعيد بْن جُبيرٍ أَنَّ سَعْداً ـ رضي اللهُ عنه، ورَجُلاً مِنَ الأَنْصارِ خَرَجا يَتَنَفَّلانِ فَوَجدا سَيْفاً مُلْقًى فَخَرا عليه جميعاً، فقالَ سَعْد: هُوَ لي، وقالَ الأَنْصاريُّ: هُوَ لي لا أُسَلِّمُهُ حَتى آتي رَسولَ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ، فأَتَياهُ فَقَصَّا عَلَيْهِ القَصَّةَ فَقالَ عَلَيْهِ الصَلاةُ والسَلامُ: ليسَ لَكَ يا سَعْدُ ولا للأَنْصاريِّ، ولكنَّهُ لي فَنَزَلَتْ "يَسْأَلُونَكَ عَنِ الانفال" الآية.
وأَخرجَ أَحمدُ، وأَبو دَاوودَ، والتِرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ، والنسائيُّ، وابْنُ جَريرٍ الطَبريُّ، وابْنُ المَنْذِرِ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وابْنُ مَردوَيْهِ، والحاكِمُ وصَحَّحَهُ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهِ، عَنْ سَعْدٍ ـ رضي اللهُ عنه، قال، قلتُ: يا رَسُولَ اللهِ قَدْ شَفاني اللهُ اليَوْمَ مِنَ المُشْرِكينَ، فهلْ لي هَذا السَيْفُ؟ قال: إنَّ هذا السَيْفُ لا لَكَ ولا ليَ ضَعْهُ. فَوَضَعْتُهُ ثمَّ رَجَعْتُ، قلتُ: عَسى يُعْطَى هَذا السيفُ اليومَ مَنْ لا يُبْلِي بَلائي، إذا رَجُلٌ يَدْعوني مِنْ ورائي، قُلتُ: قَدْ أَنْزَلَ اللهُ فيَّ شَيْءٌ؟ قال: كُنْتَ سَأَلْتَني هذا السَيْفَ ولَيْسَ هُوَ لي وإنّي قَدْ وُهِبَ لي فَهُوَ لَكَ، وأَنْزَلَ اللهُ هذِهِ الآية: {يَسْألونَكَ عَنِ الأَنْفالِ قُلِ الأَنْفالُ للهِ والرَسُولِ}.
وأَخرَجَ ابْنُ المُنذِرِ، وابْنُ مَرْدَوَيْهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبي وَقّاصٍ قالَ: نَزَلَتْ في أَرْبَعِ آياتٍ. بِرِّ الوالدين، والنَفْلِ، والثُلُثِ، وتحريمِ الخَمْرِ. وأَخْرَجَ الطَيالِسِيُّ والبُخارِيُّ في الأَدَبِ المُفْرَدِ، ومُسلم، والنحاس في ناسخه، وابنُ مردويْهِ، والبيهقي في الشُعَب، عن سعدٍ بْنِ أَبي وقَّاص قال: "نَزَلَتْ فيَّ أَرْبَعُ آياتٍ مِنْ كتابِ اللهِ، كانتْ أُمِّي حَلَفَتْ أَنْ لا تَأْكُلَ ولا تَشْرَبَ حتى أُفارِقَ محَمَّداً ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ: فأَنْزَلَ اللهُ {وإنْ جاهداك على أَنْ تُشْرِكَ بي ما ليس لكَ بِهِ عِلْمٌ فلا تُطِعْهُما وصاحِبْهُما في الدُنيا مَعروفاً} سورةُ لقمان، الآية: 15، والثانية: أَنّي كُنْتُ أَخَذْتُ سَيْفاً أَعْجَبَني فَقُلْتُ: يا رَسولَ اللهِ هَبْ لي هذا، فَنَزَلَتْ "يسألونك عن الأنفال"، والثالثة: إني مَرِضْتُ فأَتاني رَسُولُ اللهِ فَقُلْتُ: يا رسول الله إني أُريدُ أَنْ أَقْسِمَ مالي أَفَأُوصي بالنِّصْفِ؟ قال: لا. فقلتُ: الثُلُث . . . ؟ فَسَكَتَ، فكانَ الثُلُثُ بَعْدَه جائزاً، والرابِعَةُ أني شَرِبْتُ الخَمْرَ مَعَ قَوْمٍ مِنَ الأَنْصارِ فَضَرَبَ رَجُلٌ مِنْهم أَنْفِي بِلَحْيَيْ جَمَلٍ، فأَتَيْتُ النبيَّ، فأَنْزَلَ اللهُ تَحْريمَ الخَمْرِ.
وأَخرَجَ سَعيد بْنُ مَنصور، وأَحمدُ، وابْنُ المُنذِرِ، وابْنُ أَبي حاتمٍ، وابنُ حبّان، وأَبو الشَيْخِ، والحاكمُ وصَحَّحَهُ والبَيْهَقِيُّ وابْنُ مَردويْهِ عَنْ عُبادةَ بْنِ الصامتِ قال: خَرَجْنا مَعَ رَسولِ اللهِ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، فشَهِدتُ مَعَهُ بَدراً، فالْتَقى الناسُ فهَزَمَ اللهُ العَدُوَّ، فانْطَلَقَتْ طائفةٌ في آثارِهم يَقْتُلون، وأَكَبَّتْ طائفةٌ على العَسْكَرِ يحُوزونَه ويجمَعونَهُ، وأَحْدَقَتْ طائفةٌ بِرَسولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، لا يُصيبُ العدوُّ مِنْهُ غُرَّةً، حتى إذا كان الليلُ وَفاءَ الناسُ بَعضُهم إلى بَعْضٍ قالَ الذينَ جمعوا الغنائمَ: نحنُ حَوَيْناها وجمعناها فلَيْسَ لأَحَدٍ فيها نَصيبٌ. وقالَ الذين خَرَجوا في طلبِ العَدُوّ: لَسْتُمْ بِأَحَقَّ بها مِنّا، نحنُ نَفَيْنا عَنْها العَدُوَّ وهَزَمْناهم. وقالَ الذينَ أَحَدَقُوا بِرَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم: لَسْتَمْ بِأَحَقَّ بها مِنَّا نحنُ أَحْدَقْنا بِرَسُولِ اللهِ ـ صَلى اللهُ عَليْهِ وسَلَّمَ، وخِفْنا أَنْ يُصِيبَ العَدُوُّ مِنْهُ غُرَّةً واشْتَغَلْنا بِهِ، فَنَزلَتْ "يسئلونك عن الأنفالِ قُلِ الأنفالُ للهِ والرَّسولِ فاتَّقوا اللهَ وأَصْلِحوا ذاتَ بَيْنِكم" فقَسَمَها رَسُولُ اللهِ ـ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسلَّمَ بَين المُسْلِمين، وكان رَسولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذا أَغارَ في أَرْضِ العَدُوِّ ونَفَلَ الرُبْعَ، وإذا أَقْبَلَ راجِعاً وَكُلُّ الناسِ نَفَلَ الثُلُثَ، وكان يَكْرَهُ الأَنْفالَ ويَقولُ: ((لِيَرُدَّ قَويُّ المُسْلِمينَ عَلى ضَعيفِهم)).
وأَخْرَجَ عَبْدُ الرَزَّاقِ في مُصَنَّفِهِ. وعبدٌ بْنُ حميدٍ. وابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ ـ رَضِيَ اللهُ تَعالى عَنْهُما، قال: لمّا كانَ يومُ بَدْرٍ قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((مَنْ قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ كذا، ومَنْ جاءَ بِأَسيرٍ فَلَهُ كَذا))، فجاءَ أَبو اليٌسْرِ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصارِيُّ أَخُو بَني سَلَمَةَ بِأَسيريْنِ فقال: يا رَسُولَ اللهِ إنَّكَ قَدْ وَعَدْتَنا. فَقامَ سَعْدُ بْنُ عُبادَةَ فقال: يا رسول اللهِ إنَّكَ إنْ أَعْطَيْتَ هَؤلاءِ لمْ يَبْقَ لأَصْحابِكَ شَيْءٌ وإنَّهُ لم يَمْنَعْنا مِنْ هَذِهِ زَهادَةٌ في الأَجْرِ، ولا جُبْنٌ عَنِ العَدُوِّ، وإنَّما قُمْنا هَذا المَقامَ مُحافَظَةً عَلَيْكَ أَنْ يَأْتوكَ مِنْ وَرائكَ، فَتَشاجَروا فَنَزَلَ القُرآنُ.
ولا يمنع أَنْ تَكونَ قَدْ نَزَلَتْ في ذلك كُلِّه، وقدْ اتَّفَقَ رِجالُ الأثَرِ كُلُّهُم على أَنَّ هذه السورةَ نَزَلَتْ في غَزوةِ بَدْرٍ: قالَ ابْنُ إسْحاقَ: أُنْزِلَتْ في أَمْرِ بَدْرٍ سُورَةُ الأَنْفالِ بِأَسْرِها، وكانَتْ غَزوةُ بَدْرٍ في رَمَضانَ مِنَ العامِ الثاني للهِجْرَةِ بَعْد عامٍ ونِصْفٍ مِنْ يَومِ الهِجْرَةِ، وذلك بعد تحويلِ القِبْلَةِ بِشَهْرَيْنِ، وكان ابتداءُ نُزولها قَبْلَ الانْصِرافِ مِنْ بَدْرٍ فإنَّ الآيةَ الأُولى مِنْها نَزَلَتْ والمُسْلِمونَ في بَدْرٍ قبلَ قِسْمَةِ مَغَانِمِها، كما دَلَّ عَلَيْهِ حديثُ سَعْدٍ بْنِ أَبي وَقَّاص, والظاهرُ أَنها اسْتَمَرَّ نُزولُها إلى ما بَعدَ الانْصِرافِ مِنْ بَدْر. وفي كلام أهل أسباب النزول ما يقتضي أَنَّ آيةَ: {الآنَ خَفَّفَ اللهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً} إلى {مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال: 66. نَزَلَتْ بعدَ نُزولِ السُورَةِ بمُدَّةٍ طويلةٍ، كما رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وسَيَأْتي تَحقيقُهُ هُنالِكَ.
وقالَ جماعةٌ مِنَ المُفَسِّرينَ إنَّ آياتِ {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ} إلى {لا يَفْقَهُونَ} الأنفال: 64, 65 نَزَلَتْ بالبَيْداءِ في غَزْوَةِ بَدْرٍ قَبْلَ ابْتِداءِ القِتالِ، فَتَكونُ تِلْكَ الآيةُ نَزَلَتْ قَبْلَ نُزولِ أَوَّلِ السُورةِ.
ولَعَلَّ نزولَها قدْ انتهى قبلَ انْتِهاءِ نُزولِ سُورَةِ البَقَرَةِ، لأنَّ الأَحْكامَ التي تَضَمَّنَتْها مِنْ جِنْسٍ واحدٍ وهي أَحْكامُ المَغانِمِ والقِتالِ، وتَفَنَّنتْ إحكامُ سورةِ البَقرَةِ أَفانينَ كَثيرةً: مِنْ أَحْكامِ المُعامَلاتِ الاجتِماعيَّةِ، ومِنَ الجائزِ أَنْ تَكونَ سورةُ آلِ عُمْرانَ نَزِلَتْ بعدَ نُزولِ سُورةِ البقرةِ بِقليلٍ وبعدَ نُزولِ سورةِ آلِ عمرانَ بِقليلٍ نَزَلَتْ الأَنْفالِ، فكانَ ابْتداءُ نُزولها قبلَ انْتِهاءِ نُزولِ سورتي البقرةِ وآلِ عُمران.
وفي "تفسيرِ ابْنِ عَطِيَّةَ" عند قولِهِ تَعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ} مِنْ هذه السورة الآية: 33. قالتْ فِرْقَةٌ نَزَلَتْ هذِهِ الآيةُ كُلُّها بمَكَّةَ. قالَ ابْنُ بزِّيّ نَزَلَ قولُهُ تعالى: {وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ} بمَكَّةَ إثْرَ قَوْلهم: {أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} سُورَةُ الأَنفالِ، الآية: 32. ونَزَلَ قولُه: {وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} سورةُ الأنفالِ، الآية: 33. عندَ خُروجِ رَسولِ اللهِ صَلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، إلى المدينةِ وقِدْ بَقِيَ بمَكَّةَ مُؤْمِنونَ يَسْتَغْفِرونَ، ونَزَلَ قولُهُ: {وَمَا لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللهُ} سورةُ الأَنْفالِ، الآيةِ: 34. بَعْدَ بَدْرٍ.
وقد ابتدأتْ هذِهِ السورةُ: بِبيانِ أَحْكامِ الأَنْفالِ، وهيَ غَنَائمُ الحربِ ومصارفُها وكيفيّةُ قِسْمَتِها.والأمْرِ بِتَقوى اللهِ في ذلك وغيرِهِ.والأمْرِ بِطاعَةِ اللهِ ورَسُولِهِ، في أَمْرِ الغنائمِ وغيرِها.وأَمَرَ المُسلمين بإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهم، وباجْتِماعِ كلمتهم والنهي عَنِ التَنازُعِ. وأَنَّ ذلك مِنْ مُقوِّماتِ مَعنى الإيمانِ الكامِلِ.وذَكَرَ الخُروجَ إلى غَزْوَةِ بَدْرٍ، وخَوفَهم مِنْ قُوَّةِ أعدائهِم، وما لَقُوا فِي هذه المعركة مِنْ نَصْرٍ وتَأييدٍ مِنَ اللهِ ولُطْفٍ بهم.وفيها أمرٌ بأنْ يَكونَ قَصْدُ نُصْرَةِ الدينِ نُصْبَ أَعينِهم.ووَصَفَ السَبَبَ الذي أَخْرَجَ المُسْلِمين إلى بَدْر.وذَكَرَ مَوْاقِعَ الجَيْشَيْنِ، ووصَفَ ما جَرى مِنَ قتالٍ.وفيها تَذْكيرٌ للنَبيِّ ـ صَلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ بِنِعْمَةِ اللهِ عَلَيْهِ إذْ أَنجاهُ مِنْ مَكْرِ المُشركين بِهِ بمكَّةَ وخَلَّصَهُ مِنْ عِنادِهم، وبأنَّ مُقامَه بمَكَّةَ كان أَماناً لأهْلِها فلَمّا فارَقَهُم حَقَّ عَليهم عذابُ الدُنيا بما اقْتَرَفُوا مِنَ الصَدِّ عَنِ المَسْجِدِ الحَرامِ.وفيها دَعْوَةُ المُشْرِكِينَ لإنهاءِ مُناوَأَتهم الإسلامَ، وإيذانٌ لهمْ بالقِتالِ،وتحذيرٌ مِنَ المُنافِقين.وضَرْبُ المُثُلِ بالأُمَمِ الماضِيَةِ التي عانَدَتْ رُسُلَ اللهِ ورسالاتِه، ولم يَشْكُروا نَعْمَتَه.وفيها أَحْكامِ العَهْدِ بَين المسلمين والكُفَّارِ، وما يَتَرَتَّبُ عَلى نَقْضِهمُ العَهْدَ، ومَتى يَحْسُنُ السِلْمُ.وأَحْكامُ الأَسْرَى.وأَحْكامُ المسلمين الذين تخَلَّفوا في مَكَّةَ بعدَ الهِجْرَةِ. ووِلايَتِهم وما يَتَرَتَّبُ عَلى تِلكَ الوِلايَةِ.
يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ قُلْ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ
(1)
قولُهُ ـ جَلَّ وعَلا: {يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَنْفَالِ} أَيْ: يَسْألُكَ المُسْلِمُونَ عَنِ قسمةِ الأَنْفَالِ، رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، أَنَّهُ قالََ: ما كان أُمَّةٌ أَقَلَ سُؤالاً مِنْ أُمَّةِ محمَّدٍ ـ صَلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، سَأَلُوا عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ حَرْفاً فأُجِيبوا، مِنْها أَوَّلُها قولُهُ تَعالى في سورةِ البَقَرَةِ: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريبٌ} الآية: 186. وقال في سورة المائدة: {يسألونك ماذا أُحِلَّ لهم} الآية: 4. وقال في سورة الأنفال: {يسألونك عنِ الأنْفالِ} الآية: 1. وقال في سورة الإسراء: {ويسألونك عن الروح} الآية: 85. وقال في سورة الكهف: {ويسألونك عن ذي القرنين} الآية: 83. وقال في سورة طه: {ويسألونك عن الجبال} الآية: 105. وقال في سورة الأعراف: {ويسألونك عن الساعة} الآية: 187.
والنفل لغةً هُو الزِيادَةً، على الاسْتِحْقاق، والمقصودُ بالنفلُ هنا ما يَكونُ مِنَ الإمامِ أو القائدِ للسَرايا التي تتقدَّمُ الجيشَ فالنَوافُلُ والأَنْفالُ هِيَ المَغَانِمُ التِي يَغْنَمُها المُقَاتِلُونَ فِي الحَرْبِ. وسمِّيَتْ نَفْلاً لأَنَّها عَطِيَّةٌ مِنَ اللهِ تعالى، وزِيادَةُ فَضْلٍ مِنْهُ، وقد سُمّيَ يَعقوبُ نافلةً؛ لأنَّهُ كان عَطِيَّةً زائدَةً على وَلَدِ إبْراهيمَ ـ عليهم السلام، حيثُ كانَ حَفيدَهُ. ونَفَّلَني كَذا: أَغْنَمَني. وقد كانت لهم في الجاهليَّةِ عوائدُ مُتَّبَعَةٌ في الغَنائمِ والأَنْفالِ أَرادوا العَمَلَ بها وتخالفوا في شأنها فَسَأَلوا النبيَّ ـ صلى اللهُ عليه وسلّمَ. وكأنَّ العَرَبَ حينَ أطلقوا "الأنْفالَ" على الغنائم، اعْتَبروها زيادة على المَقصودِ الأهمِّ مِنَ الحَرْبِ وهوَ إبادَةُ الأَعْداءِ، ولِذلِكَ كان صَناديدُهم يَأْبَوْنَ أَخَذَ الغنيمةِ ترفُّعاً وتعفُّفاً، لذلك قال عَنْتَرَةُ العبسيُّ مخاطباً ابنةَ عمِّه عبلة التي كان يحبُّها، ومفاخراً بتعفُّفِه عنها لأنفتِهِ وكِبْرِ نَفْسِهِ:
هَلاَّ سَأَلْتِ القَوْمَ يا ابْنَةَ مالكٍ ............ إنْ كنتِ جاهلةً بما لمْ تعلمي
يخبرك من شهد الوقيعة أنني .......... أغشى الوغى وأعف عند المغنم
وقالَ في قصيدة أخرى:
إنَّا إذا احمرا الوغى نروي القنا ............. ونعف عند مقاسم الأنفال
وقال لبيد:
إنَّ تقوى ربِّنا خيرُ نَفَلْ ....................... وبإذنِ الله رَيْثي وعَجَلْ
وأَقوالُهم في هذا كثيرةٌ، فإطْلاقُ الأَنْفالِ في كلامِهِمْ على الغَنائِمِ مَشْهورٌ ومِنْ ذلك قولُ الشاعِرِ الجاهلي أَوْسِ بْنِ حِجْرٍ الأَسَدِيُّ:
نَكَصْتُمْ على أعقابكم ثمَّ جِئْتُمُ ......... ترجون أَنْفالَ الخَميس العَرَمْرَمِ
وقد حاوَرَ المُسلمونَ رَسُولَ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسلَّم، في ذلك يومَ بدرٍ، كما تقدّمَ بيانُه في أَسبابِ نُزولِ هذِهِ السُورَةِ المُبارَكَةِ.
والسؤال حقيقتُهُ الطَلَبُ، فإذا عُدِّيَ ب "عن" فهو طَلَبُ مَعْرِفَةٍ، وإذا عُدِّيَ بِنَفْسِهِ فَهُو طَلَبُ إعطاءٍ، فالسؤالُ، هنا إذاً عن معرِفَةِ حَقِّها وكيفيَّةِ قسمتِها.
وتُقسَمُ المَغانم، إلى: ما قَصَدَ المُقاتِلُ أَخْذَهُ مِنْ مالِ عَدُوِّه كالنَعَم واللباسِ والسِلاحِ، وما لم يَقْصُدْهُ وعَثَرَ عَلَيْهِ دُونَ أنْ يُعْرَفَ قاتلُ صاحبِه. وقد احتملتْ الأَنْفالُ في هذه الآيةِ أَنْ تَكونَ بمَعنى المَغانمِ مُطْلَقاُ، وأَنْ تَكونَ بمَعنى ما يُزادُ للمُقاتِلِ على حَقِّهِ مِنَ المَغْنَمِ. فحَديثُ سَعْدٍ بْنِ أَبي وَقّاصٍ ـ رضي اللهُ عنه، المتقدّمِ كان سُؤالاً عَنْ تَنْفيلٍ، بمَعْنى الزِيادَةِ، وحديثُ ابْنِ عَبَّاس ٍحَكَى وُقوعَ اخْتِلافٍ في قِسْمَةِ المَغْنَمِ بينَ مَنْ قاتَلَ ومَنْ لمْ يُقاتلْ، على أَنَّ طَلَبَ مَنْ لم يُقاتِلوا المُشارَكَةَ في المَغْنَمِ يَرْجِعُ إلى طَلَبِ تَنْفيلٍ، فيَبْقى النَفْلُ في مَعْنى الزِيادَةِ، ولأجلِ التوَسُّع في أَلفاظِ أَمْوالِ الغَنائمِ تَرَدَّدَ السَلَفُ في المعنيِّ مِنَ الأَنْفالِ في هذِهِ الآيةِ، وسُئِلَ ابْنُ عَباسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، عَنِ الأَنْفالِ فَلَمْ يَزِدْ عَلى أَنْ قالَ: الفَرَسُ مِنَ النَفْلِ والدِرْعُ مِنَ النَفْلِ، كما في "الموطَّأِ"، ورُويَ عَنْهُ أَنَّهُ قالَ: والسَلَبُ مِنَ النَفْلِ.
وقد أطلقوا النفل أيضاً على ما صارَ في أَيدي المسلمين مِنْ أَمْوالِ المُشركين بِدونِ انْتِزاعٍ ولا افْتِكاكٍ كأنْ يُوجدَ الشيءُ لا يُعْرَفُ مَنْ غَنِمَهُ، وكما يُوجَدُ القَتيلُ عَليْهِ ثيابُهُ أو بجانبه فرسُه أو مالُه أو سلاحُهُ أو متاعُه ولا يُعْرَفُ قاتِلُهُ، فيَدْخُلُ بهذا الإطْلاقِ تحتَ جِنْسِ الفيءِ كذلك سمَّاهُ اللهُ تعالى في سورة الحشرِ بِقَوْلِهِ: {وَمَا أَفَاءَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ} الآيتان: 6 و 7. إلى قولِهِ: {كي لا يكونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} ومِنْ ذلك أَمْوالِ بَني النَضِيرِ التي سَلَّموها قَبْلَ القِتالِ وفَرُّوا. وبهذا تتحصل ثلاثةُ أَسماءٍ للأموال المأخوذة من العدوِّ في القِتالِ: المَغْنَمُ، والفَيْءُ، وهما اسمانِ لنوعين من هذا المال بحسب كيفية الحصول على كلٍّ منهما واسمٌ لمقسومٍ مِنْ هذِهِ الأَموالِ وهو اسمُ النَفْلُ وهوَ صورةٌ مِنْ صُوَرِ القِسْمَةِ، وقد استقرَّ أنَهُ ما يُعطيه الإمامُ منَ الخمسِ لمنْ يرى إعطاءه إيّاه ممن لم يغنمْ ذلك بقتال. وكانَتْ هذه الأسماء متداخلةً مُتَداخِلَةً، فلمَّا اسْتَقَرَّ أَمْرُ الغَزْوِ في المُسلمينَ خُصَّ كلُّ اسْمٍ بِصَنْفٍ خاصٍّ، وتخصيصُ اسْمِ الغَنيمةِ أوِ النَفْلِ بمالِ الكُفَّارِ إذا أَخَذَهُ المُسلمون على وَجْهِ الغَلَبَةِ والقَهْرِ هو في عُرْفِ الشَرْعِ الذي قيَّدَ اللَّفْظَ بهذا النوعِ باسمين وليس مِنْ مُقْتَضَياتِ اللُّغةِ. وقالَ الجمهورُ: المرادُ بالأنْفالِ ما كان زائداً على المَغْنَمِ، فيَكونُ النَظَرُ فيهِ لأَميرِ الجَيْشِ يَصْرِفُهُ لمَصْلَحَةِ المُسْلِمين، أَوْ يُعْطيهِ لِبَعْضِ أَهْلِ الجَيْشِ لإظهارِ مَزِيَّةِ البَطَلِ، أَوْ لِخَصْلَةٍ عَظيمةٍ يأتي بها، أوْ لِلتَحْريضِ على العَدُوِّ. فقدْ قالَ رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليه وسَلَّمَ، يومَ حُنَينٍ: ((مَنْ قَتَلَ قتيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ)). وقدْ جعَلَها القرآنُ للهِ وللرَسُولِ، أَيْ: لما يَأْمُرُ بِهِ اللهُ رَسولَهُ، أَو لما يَراهُ الرَسُولُ ـ صلَّى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، قالَ مالك في "المُوَطَّأِ": ولمْ يَبْلُغْنا أَنَّ رَسُولَ اللهِ قالَ مَنْ قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ إلاَّ يَوْمَ حُنينٍ، ولا بَلَغَنا عَنِ الخُلَفاءِ مِنْ بَعْدِهِ. يُريدُ أَنَّ تِلكَ قَضِيَّةٌ خاصَّةٌ بِيَوْمِ حُنَينٍ. فالآية محكمة غيرُ مَنْسوخَةٍ بقولِهِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية: 41. من هذه السورة. فيكون لكل آيَةٍ مِنْهُما حُكْمُها إذْ لا تَداخُلَ بَيْنَهُما. وعنِ ابْنِ عبّاسٍ، وعِكْرِمَةَ، ومجاهِدٍ، والضَحّاك، وقَتادة وعَطاء: أَنَّ المُرادَ بالأَنْفالِ في هذِهِ الآيةِ الغنائمُ مُطْلَقاً. وجَعَلُوا حُكْمَها هُنا أَنها جُعِلَتْ للهِ وللرَسُول، أَيْ أَنْ يَقْسِمَها الرَسُولُ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، بحَسبِ ما يَراهُ، بِلا تحديدٍ ولا اطِّرادٍ، وأنَّ ذلك كان في أَوَّلِ قِسْمَةٍ وَقَعَتْ بِبَدْر كما في حديثِ ابْنِ عباس، ثمَّ نُسِخَ ذلك بآيةِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية، إذْ كان قد عُيِّنَ أَرْبَعةُ الأَخماسِ للجيشِ، فلِذلِكَ قالَ مالك والجمهورُ: لا نَفْلَ إلاَّ مِنَ الخُمْسِ على الاجتهادِ مِنَ الإمامِ وقالَ مالك: "إعْطاءُ السَلَبِ مِنَ التَنْفيلِ"، وقال مجاهد: الأنفال هي خمس المغانم وهو المجعول لله والرسول ولذي القربى. واللام في قوله: "للهِ" على القَوْلِ الأوَّلِ في معنى الأَنْفالِ: لامُ المُلْكِ، لأنَّ النَفْلَ لا يُحْسَبُ مِنَ الغَنائِمِ، وليس هُوَ مِنْ حَقِّ الغُزاةِ فَهُوَ بمَنْزِلَةِ مالٍ لا يُعرَفُ مُسْتَحِقُّهُ، فيُقالُ هُوَ مُلْكٌ للهِ ولِرَسُولِهِ، فيُعْطيهِ الرَسولُ لمن شاءَ بِأَمْرِ اللهِ أَوْ باجْتِهادِهِ، وهذا ظاهرُ حديثِ سَعْدٍ بْنِ أَبي وَقَّاص في "الترمذي" إذ قال له رسول الله ـ عليه الصلاة والسلام، سألتَني هذا السيفَ، (أيْ: السيف الذي تقدَّم ذكرُهُ في حديث مسلم) ولم يَكنْ لي، وقَدْ صارَ لي فَهُوَ لَكَ". وأمَّا على القول الثاني، الجامِعِ لجميعِ المَغانمِ، فاللامُ للاخْتِصاصِ، أيْ: الأَنفالُ تخْتَصُّ باللهِ والرَسُولِ، أيْ: حكمُها وصَرْفُها، فهي بمنزلة "إلى". تقول هذا لك، أيْ: إلى حُكْمِكَ مَرْدودٌ، ورأى أَصْحابُ ذلك القولِ أَنَّ المَغانمَ لم تَكُنْ في أَوَّلِ الأَمْرِ مخَمَّسَةً بَلْ كانَتْ تُقْسَمُ باجْتِهادِ النَبيِّ ـ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّم، ثمَّ خمِّسَتْ بآيَةِ: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} سورة الأنفال، الآية: 41.
وعَطَفَ "وللرسول" على اسْمِ اللهِ لأنَّ المقصودَ: الأَنْفالُ للرَسُولِ ـ صلى الله عليه وسلَّمَ، يَقْسِمُها، فذَكرَ اسْمَ اللهِ قَبْلَ ذَلك للدَلالة على أَنَّها ليستْ حقًّا للمحاربين، وإنَّما هِيَ لِمَنْ يُعَيِّنُهُ اللهُ، وجَعَلَ أَرْبَعَةَ الأَخماسِ حَقًّا للمُجاهدين في سبيلِهِ. وبَقِيَ حُكْمُ الفَيْءِ بِوَحْيِهِ فَذَكَرَ اسْمَ اللهِ لِفائدتَين: أُولاهما: أَنَّ الرَسولَ إنَّما يَتَصَرَّفُ في الأَنْفالِ بإذْنِ اللهِ تَوْفيقاً أَوْ تَفْويضاً. والثانية: لِتَشْمَلَ الآيةُ تَصَرُّفَ أُمراءِ الجيوشِ في غَيْبَةِ الرَسُولِ أَوْ بَعْدَ وَفاتِهِ ـ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، لأنَّ ما كانَ حَقّاً للهِ كانَ التَصَرُّفِ فيهِ لخُلَفائِهِ. واختلف الفقهاء في حكم الأنفالِ فقال مالك والشافعيُّ وأَبو حنيفةَ وسَعيدُ بْنُ المُسَيَّبِ: النَفْلُ إعطاءُ بعضِ الجَيْشِ أَوْ جميعِهِ زِيادَةً على قِسْمَةِ أَخماسِهمُ الأَرْبَعةِ مِنَ المَغْنَمِ فإنَّما يَكونُ ذلك مِنْ خمسِ المَغْنَمِ المجعولِ للرَسُولِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، ولخُلَفائِهِ وأُمَرائِهِ جمْعاً بين هذِه الآيةِ وبَينَ الآيةِ: 41. من هذه السورة وهو قولُه: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ}. فلا نَفْلَ إلاَّ مِنَ الخُمْسِ المجْعولِ لاجْتِهادِ أَميرِ الجَيْشِ، وعلَّةُ ذلك تجنُّبُ إعْطاءِ حَقِّ أَحَدٍ لِغَيرِهِ ولأنَّهُ يُفْضي إلى إيقادِ الإحَنِ في نُفوسِ الجَيْشِ، وقدْ يَبْعَثُ الجَيْشَ عَلى عِصْيانِ الأَميرِ، ولكنْ إذا رَأَى الإمامُ مَصلحةً في تَنْفيلِ بَعْضِ ا لجَيْشِ ساغَ لَهُ ذَلكَ مِنَ الخُمْسِ الذي هُوَ مَوْكولٌ إليْهِ. لِذلِكَ قالَ مالك لا يَكونُ التَنْفيلُ قبلَ قِسْمَةِ المَغْنَمِ، وجعل ما صدَرَ مِنَ النَبِيِّ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ يَومَ حُنينٍ مِن قولِهِ: ((مَنْ قَتَلَ قَتيلاً فَلَهُ سَلَبُهُ)). خُصوصِيَّةً للنَبيِّ ـ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، وهوَ ظاهِرٌ، لأنَّ طاعةَ الناسِ للرَسُولِ أَشَدُّ مِنْ طاعَتِهم لمنْ سِواهُ لأَنهم يُؤمِنونَ بِأَنَّهُ مَعْصومٌ عَنِ الجَوْرِ، وبأنَّهُ لا يَتَصَرَّفُ إلاَّ بإذْنِ اللهِ.
واختلفَ الفُقَهاءُ: في أَنَّ النَفْلَ هَلْ يَبْلُغُ جميعَ الخمسِ أَوْ يُخْرَجُ مِنْ خمسِ الخُمسِ، فقال مالك مِنَ الخُمْسِ كُلِّهِ ولوِ اسْتَغْرَقَهُ كلَّه، وقال سعيد بن المسيب، وأبو حنيفة والشافعي: النفلُ مِنْ خمسِ الخُمسِ. والحُجَّةُ لمالِكٍ حديثُ ابْنِ عُمَرَ في "المُوَطَّأِ" أَنهم غَزَوْ مَعَ رَسُولِ اللهِ ـ صلى الله عليه وسلم، قِبَلَ نجدٍ فَغَنِمُوا إبِلاً كَثيرةً فكانَتْ سُهمانهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ بَعيراً ونُفِّلوا بَعيراً بَعيراً فأُعْطِيَ النَفْلُ جميعَ أَهْلِ الجَيْشِ وذلك أَكْثَرُ مِنْ خمسِ الخمسِ.
وقال جماعةٌ يجوزُ التَنْفيلُ مِنْ جميعِ المَغْنَمِ وهؤلاءِ يُخَصِّصونَ عُمومَ آيَةِ {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ} الأنفال: 41. بآيةِ {قُلِ الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ} أي فالمغانم المخمسة ما كان دون النفل، والقول الأوَّلُ أَسَدُّ، وأُجْرِي على الأُصولِ وأَوْفَقَ بالسُنَّةِ.
وقولُه: {فَاتَّقُوا اللهَ} تَفريعٌ على جملَةِ "الأَنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ" لأنَّ في تلك الجُمْلَةِ رَفْعاً للنِزاعِ بينَهم في اسْتِحْقاقِ الأَنْفالِ، أَوْ في طَلَبِ التَنْفيلِ، فلمّا حَكَمَ بأَنَّها مِلُكٌ للهِ ورَسُولِهِ، أَوْ بِأَنَّ أَمْرَ قِسْمَتِها مَوْكُولٌ للهِ، فقدْ وَقَعَ ذلك عَلى كَراهِيَةِ كَثيرٍ مِنْهُمْ ممَّنْ كانوا يَحْسَبونَ أَنَّهم أَحَقُّ بِتِلْكَ الأَنْفالِ ممَّنْ أُعْطِيها، تَبَعاً لعاداتهم في الجاهلية. فذَكَّرَهُمْ اللهُ بأَنْ قَدْ وَجَبَ الرِضى بما يَقْسِمُهُ الرَسُولُ مِنْها. وقدَّمَ الأَمْرَ بالتَقْوى لأنها جامِعُ الطاعاتِ جميعاً.
قولُه: {وأَصْلِحوا ذاتَ بينِكم} عَطَفَ الأَمْرَ بإصْلاحِ ذاتِ البَينِ على التقوى لأنَّهم اخْتَصَمُوا واشْتَجَروا في شأْنِها كما قالَ عُبادَةَ بْنُ الصامِتِ ـ رضي اللهُ عنه: (اخْتَلَفْنا في النَفْلِ وساءَتْ فِيهِ أَخلاقُنا} فقد أخرج الطبريُّ، وابْنُ هِشامٍ في السيرَةِ النَبَوِيَّةِ، وأَحمدُ، جميعُهم عنْ مَكْحولٍ، وأَخرجَهُ أَيضاً أحمد، وعبدٌ بْنُ حميدٍ، وابْنُ جَريرٍ الطبيريُّ، وأَبو الشَيْخِ، والحاكِمُ، وابْنُ مَردَويْهِ، والبَيْهَقِيُّ في سُنَنِهَ، جميعُهم عَنْ أَبي أُمامَةَ الْبَاهِلِيِّ، أنَّ كلاً منهُما سَأَلَ عُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ ـ رضي اللهُ عنه، عَنْ الأَنْفَالِ، فَقَالَ: فِينَا أَصْحَابَ بَدْرٍ نَزَلَتْ، حِينَ اخْتَلَفْنَا فِي النَّفَلِ، وَسَاءَتْ فِيهِ أَخْلاقُنَا، فَنَزَعَهُ اللهُ مِنْ أَيْدِينَا، فَجَعَلَهُ إلَى رَسُولِهِ، فَقَسَمَهَا رَسُولُ اللهِ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَوَاءٍ؛ أَيْ عَلَى السَّوَاءِ. قال الحاكم في المُسْتَدْرَك: 2: 326، صحيحٌ على شَرْطِ مُسلم، ولم يخرِّجاه. فأَمَرَهُمُ اللهُ بالتََصافُحِ، وخَتَمَ بالأمْرِ بالطاعَةِ، والمُرادُ بِها هُنا الرِضَى بما قَسَمَ اللهُ ورَسُولُهُ، أَيْ الطاعةُ التامَّةُ كَما قالَ تَعالى في سورة النساءِ: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} الآية: 65. والإصلاحُ: جَعْلُ الشيءِ صالحاً، فدلَّ الأمرُ بالإصلاحِ على فَسادِ ذاتِ بَيْنِهم، وهوَ فَسادُ التَنازُعِ والتَظالُمِ.
قولُهُ: { وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ} أي: إنَّا أَمَرْناكم بما ذُكِرَ إنْ كُنتم مؤمنين، لأنَّا لا نَأْمُرُ بِذلكَ غيرَ المؤمنين، وهذا إلهابٌ لِنُفوسِهم على الامْتِثالِ، لِظُهورِ أّنْ لَيْسَ المرادُ: فإنْ لم تَكونوا مُؤمنين فلا تَتَّقوا اللهَ ورَسُولَهُ، ولا تُصْلِحوا ذاتَ بَيْنِكم، ولا تُطيعوا اللهَ ورَسُولَهُ، فإنَّ هذا مَعنى لا يَخْطُرُ بِبالِ أهلِ اللِّسانِ، ولا يَسْمَحُ بمِثْلِه الاسْتِعمالُ.
وليس الإتيان في الشَرْطِ "بِأَنَّ" تَعريضاً بِضَعْفِ إيمانِهم ولا بِأَنَّهُ ممّا يَشُكُّ فيه مَنْ لا يَعْلَمُ ما تُخْفي صدورُهم، بناءً على أَنَّ شأنَ "إن" عَدَمُ الجُرْمِ بِوُقوعِ الشَرْطِ بِخِلافِ "إذا" على ما تَقَرَّرَ في المَعاني، ولكنَّ اجْتِلابَ "إن" في هذا الشَرْطِ للتَحريضِ على إظْهارِ الخِصالِ التي يَتَطَلَّبُها الإيمانُ، وهيَ: التَقْوَى الجامِعَةُ لِخِصالِ الدِّينِ، وإصْلاحِ ذاتِ بَيْنِهم، والرضى بما فَعَلَهُ الرَسولُ.
فالمَقْصودُ التَحْريضُ على أَنْ يَكونَ إيمانُهم في أَحْسَنِ صُوَرِهِ ومَظاهِرِهِ، ولذلك عَقَّبَ هذا الشرْطَ بجُمْلةِ القَصْرِ في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} الأَنْفالِ: 2. كما سَيَأْتي.
قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأنفال} يعودُ فاعلُ "يَسْأل" على معلوم، وهُمْ مَنْ حَضَرَ بَدْراً. ويكون "سَأَلَ" لاقْتِضاءِ مَعْنى في نَفْسِ المسؤولِ تارةً فيتعدَّى ب "عن" كَهذِه الآيَة، وكقولِ الشاعر السموأل:
سَلي إنْ جَهِلْتِ الناسَ عنَّا وعنهمُ .......... فليس سواءً عالمٌ وجَهولُ
ونسب هذا البيتُ أضاً لعبد الملك الحارثي، ونسبه بعضُهم لغيرهما. وكقولِ طَرَفَةَ بنِ العبدِ:
سائلوا عَنَّا الذي يعرفنا ...................... بِقُوانا يومَ تحلاقِ اللِّمَم
وقال أَنيف بْنُ زَبانَ النَبْهانيُّ:
فلما التقينا بين السيف بيننا .................. لسائلة عنا حفي سؤالها
وقد تكون لاقْتِضاءِ مالٍ ونحوِهِ فتَتَعَدَّى لاثنين نحو: سألتُ زَيْداً مالاً. وقد ادَّعى بعضُهم أنَّ السؤالَ هنا بهذا المعنى، وزَعَمَ أَنَّ "عَنْ" زائدةٌ، والتقدير: يَسْأَلونَكَ الأَنْفالَ، وأَيَّدَ قولَهُ بِقِراءةِ سَعْد بْنِ أَبي وقّاص، وابنِ مسعود، وعلي بنِ الحسين، وزيدٍ، ولدِه، ومحمّدٍ الباقِرِ، وولَدِه جعفر الصادق، وعِكرِمَةَ وعَطاء: "يسألونك الأنفالَ" دون "عن". والصَحيحُ أَنَّ هذه القراءةَ على إرادةِ حرفِ الجرِّ. وقالَ بعضُهم: "عن" بمعنى "مِنْ". ولا ضرورةَ تدعو إلى هذا.
وقرأَ ابنُ محَيْصِن: "عَلَّنْفَال". والأصل: أَنَّه نَقَلَ حَرَكَةَ الهمزةِ إلى لامِ التَعريفِ، ثمَّ اعْتَدَّ بالحركة العارضةِ فأَدْغَمَ النُونَ في اللامِ كَقَوْلِهِ في سورة العنكبوت: {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم} الآية: 38، وقد تَقَدَّمَ ذلك في قولِهِ: {عَنِ الأهلة} سورة البقرة، الآية: 189.
قولُه: {ذاتَ بينكم} يجوز أنْ تَكونَ "ذات" مؤنث "ذو" الذي هو بمعني صاحب فتكون ألفها مبدلة من الواو. ووقع في كلامهم مضافا إلى الجهات وإلى الأزمان وإلى غيرهما، يجرونه مجرى الصفة لموصوف يدل عليه السياق كقوله تعالى في سورة الكهف: {وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ} الآية: 18، على تأويل جهة وتقول: لقيته ذات ليلة، ولقيته ذات صباح، على تأويل المقدر ساعة أو وقت، وجرت مجرى المثل في ملازمتها هذا الاستعمال، ويجوز أنْ تكون "ذات" أصليَّةَ الأَلِفِ كما يُقال: أَنَا أَعْرِفُ ذاتَ فلانٍ، فالمعنى حقيقَةَ الشيءِ وماهِيَّتُه، فهُوَ كقولَِ عبد الله ابْنِ رواحة:
وذلك في ذات الإله وإن يشأ .......... يبارك على أوصال شلو ممزع
فتكون كلمة مقحمة لتحقيق الحقيقة، جعلت مقدمة، وحقها التأخير لأنها للتأكيد مثل المعنى في قولهم جاءني بذاته ومنه يقولون: ذات اليمين وذات الشمال، وقال تعالى: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}. في ستٍّ من سورة القرآنِ الكريم: في سورة المُلك، وفي سورة فاطر، وفي سورة هود. وفي سورة الأنفال، وفي سورة الزُمر، وفي سورة الشورى.
فالمعنى: أصلحوا بينكم، ولذا ف "ذات" مفعول به على أنَّ "بَيْن" في الأصل ظرف فخرج عن الظرفية، وجُعِلَ اسماً مُتَصرفاً، كما قُرِئَ في سورة الأنعام: {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} الآية: 94. بِرَفْعِ {بَيْنَكُمْ} في قراءة جماعة. فأُضيفت إليه ذات فصار المعنى: أَصْلِحوا حقيقة بينِكم أَيْ: اجعلوا الأمر الذي يجمعكم صالحاً غيرَ فاسِدٍ، ويجوز مع هذا أن ينزل فعل "أَصْلِحُوا" مَنْزلَةَ الفِعْلِ اللازم فلا يُقدَّرُ لَهُ مفعول قصداً للأمر بإيجاد الصلاحِ لا بإصلاحِ شيءٍ فاسِدٍ، وتُنْصَبُ "ذات" على الظَرْفيَّةِ لإضافَتِها إلى ظَرْفِ المَكانِ والتقديرُ: وأوجدوا الصلاح بينكم كما قرأنا {لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ}. بِنَصْبِ بَيْنَكم أَيْ لقد وَقَعَ التَقْطيعُ بينَكم. وهذا التعبيرُ هو مِنْ مُبْتَكَراتِ القُرآنِ الكريم، إذ لم نقف على استعمال "ذات بين" في كلام العرب.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 16 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-27-2015 09:27 AM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 15 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-26-2015 08:54 PM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 14 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-26-2015 10:08 AM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 13 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-25-2015 10:20 AM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 12 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-23-2015 09:31 PM


الساعة الآن 08:41 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir