أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 01-12-2015
  #1
عبد القادر الأسود
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبد القادر الأسود
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
المشاركات: 216
معدل تقييم المستوى: 15
عبد القادر الأسود is on a distinguished road
افتراضي فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 2


ِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
(2)
قولُه ـ تعالى شأنُه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} يُعَرِّفُ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمُ: الذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ فَزِعَتْ قُلُوبُهُمْ وَخَافَتْ، وَرَقَّتِ اسْتِعْظَاماً وَهَيْبَةً للهِ تعالى، وَعَمِلَتْ بِمَا أَمَرَ اللهُ، وَتَرَكَتْ مَا نَهَى عَنْهُ. فَالمُؤْمِنُونَ إِذَا أَرَادُوا أَنْ يَهُمُّوا بِمَعْصِيَةٍ أَوْ يَظْلِمُوا، وَقِيلَ لَهُمْ: اتَّقُوا اللهَ، ارْتَدَعُوا عَمَّا هَمُّوا بِهِ خَوْفاً مِنَ اللهِ. قالوا: هذه الآيةُ تحريضٌ على إلْزامِ طاعةِ الرَسُولِ ـ صلى اللهُ عليه وسلم، فيما أَمَرَ بِهِ مِنْ قِسْمَةِ تِلكَ الغَنيمَةُ، والظاهرُ أنَّها عامَّةٌ في وصف المؤمنين على اختلافِ أحوالهم، بأنَّهم يخافون اللهَ تعالى وخوفهم هذا يحملُهم على طاعة الله ورسولِه في كلِّ أمرٍ ونهيٍ. ووَجَلُ القُلوبِ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ لا يُنافي ما ذَكَرَهُ ـ جَلَّ وعَلا، مِنْ أنَّهم تَطْمَئِنُّ قُلوبهم بِذِكْرِ اللهِ كما وصَفهم في سُورَةِ الرَّعدِ بِقَوْلِهِ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ} الآية: 28. ووجْهُ الجَمْعِ بَينَ الثَناءِ عَلَيْهم بوَجَلِ قلوبهم عِنْدَ ذِكْرِهِ ـ جَلَّ وعَلا، مَعَ الثَنَاءِ عَلَيْهم بالطُمْأَنِينَةِ بِذِكْرِهِ، والخوفُ والطُمَأْنينَةُ مُتَنافيان هو أَنَّ الطُمَأْنينَةَ بِذِكْرِ اللهِ تعالى تَكونُ بانْشِراحِ الصَدْرِ بمَعرفَةِ التَوْحيدِ، وصِدْقِ ما جاءَ بِهِ الرَسُولُ ـ صلى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ، فَطُمَأْنينَتِهم بِذَلِكَ قَوِيَّةٌ لأنها لم تَتَطَرَّقْها الشُكُوكُ، ولا الشُبَهُ، أمَّا الوَجَلُ عِنْدَ ذِكْرِ اللهِ تَعالى فيكونُ بِسَبَبِ خَوفِ الزَيْغِ عَنِ الهُدى، وعَدَمِ قبولِ الأَعْمالِ، قالَ تَعالى حكايَةً عن الراسِخينَ في العلمِ أَنَّهم يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} سورة آل عمران، الآية: 8. وقالَ تعالى في سورة المؤمنون: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ} الآية:60. وقد جمع الله بين المعنيين بقولِهِ في سورة الزُمَر: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ} الآية: 23. أَيْ تَسْكُنُ نُفوسُهم مِنْ حَيْثُ اليَقينِ إلى اللهِ وإنْ كانوا يخافونَهُ ويخشونَ عقابَه. فهذِهِ حالةُ العارفين بالله، الخائفين مِنْ سَطْوتِهِ وعُقابه. فقد كانت حال الصحابةِ رضي الله عنهم عند المواعظ الفهمُ عنِ اللهِ والبُكاءُ خَوْفاً مِنَ اللهِ. ولِذلك وَصَفَ اللهُ أَحوالَ أَهْلِ المَعْرِفَةِ عِنْدَ سماعِ ذِكْرِهِ وتِلاوَةِ كِتابِهِ فقال في سورة المائدة: {وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} الآية: 83. فهذا وصفُ حالهم وحِكايةُ مَقالِهم. ومَنْ لم يَكُنْ كذلِكَ فَلَيْسَ على هَدْيِهِم ولا على طَريقتِهم. روى مُسْلِم عَنْ أَنَس بْنِ مالك ـ رضي اللهُ عنه، أنَّ النَّاسَ سَأَلوا النَبيَّ ـ صلى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ حَتى أَحْفُوهُ في المَسْأَلَةِ، فخرجَ ذاتَ يومٍ فَصَعِدَ المٍنبرَ فقال: ((سَلوني؛ لا تَسْألوني عَنْ شَيْءٍ إلاَّ بَيَّنْتُهُ لَكم ما دُمْتُ في مَقامي هَذ)). فلمّا سمِعَ ذلكَ القومُ أَرِموا (سَكَتوا). ورَهِبوا أَنْ يَكونَ بَينَ يَدَيْ أَمْرٍ قَدْ حَضَرَ. قالَ أَنَس: فجَعَلْتُ أَلْتَفِتُ يميناً وشمالاً فإذا كُلُّ إنْسانٍ لافّ رَأْسَهُ في ثوبِهِ يَبْكي. وروى التِرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ عَنِ العِرْباضِ بْنِ سارِيَةَ ـ رضي اللهُ عنه، قال: وَعَظَنا رَسُولُ اللهِ ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَليغَةً ذَرَفَتْ مِنْها العُيونُ، ووَجِلَتْ مِنْها القلوبُ. الحديث.
ولهذا كان ـ صلى اللهُ عليْهِ وسَلَّمَ، يَقولُ في دُعائِهِ: ((يا مُقلِّبَ القلوبِ ثَبِّتْ قَلبي على دِينِكَ)). أَخْرجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ في تَفْسيرِهِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عنها، أَنّ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ يَقُولُ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ))، ثُمَّ قَرَأَ: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ)). مسند إسحاق بن راهويه: (4/112) إسنادُهُ حَسَنٌ والحديثُ صَحيحٌ بِشَواهِدِهِ، فإنَّ له رواياتٌ كثيرةٌ عن عددٍ من أصحابِ النبيِّ وأزواجه ـ رضي الله عنهم جميعاً، منها ما أَخرَجَهُ الإمامُ في مسنده عَنْ أَنَسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: ((يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ)) قَالَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ، فَقَالَ: ((نَعَمْ إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، يُقَلِّبُهَا)). مسندُ أحمد: (24/210). قال شعيبُ الأرنؤوط إسنادُهُ قويٌّ على شَرْطِ مُسْلِم، وفي روايةٍ أخرى له عن أمِّ المؤمنين عائشةَ ـ رضي اللهُ عنها: .. قَالَتْ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ فَقَالَ: ((إِنَّ قَلْبَ الآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ)). مسند أحمد: (50/119) وأخرجه: البُخاريُّ في "الأدب المفرد: (683)، وابْنُ ماجه: (3834)، وابْنُ أبي عاصم في "السنة": (225)، وأبو يَعلى: (3687) و (3688)، والطبريُّ في "تفسيرِه" (5229)، والطبراني في "الكبير": (759)، والآجُري في "الشريعة": 317، والحاكم: 1/526 وصحَّحه، وأَبو نُعيْم في "الحلية": (8/122)، والبيهقيُّ في "شُعَبِ الإيمان": (757)، والبغوي: (88)، والضياءُ المَقْدِسِيُّ في "المختارة": (2222) و (2223) و (2224) و (2225). مِنْ حديثِ أَنَسٍ بْنِ مالك، به. والرواياتُ مُطَوَّلَةٌ ومختصرةٌ، وقال الإمامُ التِرْمِذِيُّ: (حسن).
قولُه: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} وَإِذَا قُرِئَ القُرْآنُ عَلَيْهِمْ رَسَّخَ الإِيمَانَ فِي قُلُوبِهِمْ وَزَادَ فِيهِ، ذلك أنَّ دقائقَ الإعْجازِ التي تحتوي عليها آياتُ القرآنِ تَزيدُ كلُّ آيةٍ منها سامعَها يَقيناًبأَنها مِنْ عِنْدَ اللهِ، كلَّما تكرَّرت على مسامعه، فتَزيدُه اسْتِدْلالاً على ما في نَفْسِهِ، فيَقوى الإيمانُ ويزدادُ حتى يَصِلَ إلى مَرْتَبَةٍ تَقْرُبُ من الضَرورة على نحو ما يَحْصلُ في تواترِ الخبرِ مِنَ اليَقين بِصِدْقِ المُخبِرين، ويحصل مع تلك الزيادةِ زِيادَةٌ في إقبالِ القلوبِ عليها، ثمَّ في العَمَلِ بما تَتَضَمَّنُهُ مِنْ أَمْرٍ أَوْ نَهْيٍ، حتى يحصلَ كمالُ التَقْوى.
وأخرج ابْنُ أبي حاتمٍ في تفسيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلُهُ: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا "، يَقُولُ: تَصْدِيقًا". وأخرج عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَوْلُهُ: "وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا"، يَقُولُ: زَادَتْهُمْ خَشْيَةً".
قولُه: {وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} وَهُمْ يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ، يَعْتَمِدُونَ عَلَيْه وحدَه، وَإِلَيهِ يُفَوِّضُونَ أمُورَهُمْ، ولاَ يَرْجُونَ سِوَاهُ، وَلاَ يَلُوذُونَ إِلاَّ بِجَناَبِهِ، وَلاَ يَسْأَلُونَ غَيْرَهُ. فقد أخرجَ ابنُ أبي حاتمٍ في تفسيره عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رضي اللهُ عنهما، "وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ"، يَقُولُ: لا يَرْجُونَ غَيْرَهُ". وأخرج عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: "التَّوَكُّلُ عَلَى اللهِ جِمَاعُ الإِيمَانِ". وتقديمُ المجرورِ إمَّا لمراعاة الفاصِلَةِ، فهوَ مِنْ مُقْتَضياتِ الفَصاحَةِ مَعَ ما فيهِ مِنَ الاهْتِمامِ باسْمِ اللهِ، وإمَّا للتَعريضِ بالمُشركين، لأنهم يَتَوَكَّلون عَلى إعانَةِ أصنامهم.
قولُهُ تَعالى: {ِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} قدِ اقْتَضى ظاهرُ القَصْرِ المُستَفادِ مِنْ "إِنَّمَا" أَنَّ مَنْ لم يَجِلْ قَلْبُهُ إذا ذُكِرَ اللهُ، ولم تَزِدْهُ تِلاوَةُ آياتِ اللهِ إيماناً مَعَ إيمانِهِ، ولم يَتَوَكَّلْ على اللهِ، ولم يُقِمِ الصَلاةَ، ولم يُنْفِقْ في سبيلِ اللهِ، لم يَكُنْ مَوْصوفاً بِصِفَةِ الإيمانِ، وهو قصرٌ مجَازِيٌّ لابْتِنائهِ على التَشْبيهِ، فهوَ اسْتِعارَةٌ مَكْنِيَّةٌ: شُبِّهَ الجانِبُ المَنْفِيُّ في صِيغةِ القَصْرِ بمَنْ لَيْسَ بمؤمِنٍ، وطُوِيَ ذِكْرُ المُشَبَّهِ بِهِ ورُمِزَ إليْهِ بِذِكْرِ لازِمِهِ، وهُو حصرُ الإيمانِ فيمَنِ اتَّصفَ بالصِفاتِ التي لم يَتَّصِفْ بها المُشَبَّهُ بِه، ويَؤولُ هذا إلى معنى: إنَّما المؤمنون الكامِلون، فالتَعريفُ في "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ" تَعريفُ الجِنْسِ المُفيدُ قَصْراً ادِّعائياً على أَصْحابِ هذِهِ الصِفاتِ مُبالَغَةً، و "أل" فيهِ هُو ما يُسمَّى بالدّالَّةِ على مَعنى الكَمالِ.
وأُسْنِدَ الوَجَلُ إلى القلوبِ لأنَّ القلبَ يَكْثُرُ إطْلاقُهُ في كلامِ العرَبِ على إحساسِ الإنسانِ وقَرارَةِ إدْراكِهِ، ولَيْسَ المُرادُ بِهِ هذا العُضْوُ الصَنَوْبَرِيُّ المعروف.
وقد تَكونُ جملةُ: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ" مُسْتَأْنَفَةً اسْتِئْنافاً بَيانِيّاً لِجَوابِ سُؤالِ سائلٍ يُثيرُهُ الشَرْطُ وجزاؤهُ المُقَدَّرُ في قولِهِ: {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} بأَنْ يَتَساءَلُوا عَنْ هذا الاشْتِراطِ بعدَ ما تحقَّقَ أَنَّهم مُؤمِنونَ مِنْ قَبْلُ، فأجيبوا بِِأَنَّ المؤمنين هُمُ الذين صِفَتُهم كَيْتَ وكَيْتَ، فيَعلموا أَنَّ الإيمان المجعولَ شَرْطاً إنّما هو الإيمانُ الكاملُ. فقد أَخرَجَ ابْنُ أَبي حاتمٍ في تفسيرِهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ"، قَالَ: الْمُنَافِقُونَ لا يَدْخُلُ قُلُوبُهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عِنْدَ أَدَاءِ فَرَائِضِهِ، فَلا يُؤْمِنُونَ بِشَيْءٍ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَلا يَتَوَكَّلُونَ عَلَى اللهِ، وَلا يُصَلُّونَ إِذَا غَابُوا، وَلا يُؤَدُّونَ زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، فَأَخْبَرَ اللهُ أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ، ثُمَّ وَصَفَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ" فَأَدُّوا فَرَائِضَهُ". و "وَجِلَتْ" يُقالُ: وَجِلَ بالكَسْرِ في الماضي يَوْجَلُ بالفَتْحِ، وفيهِ لُغَيَّةٌ أُخْرى، قُرِئَ بها في الشاذِّ: وَجَلَتْ بِفَتْحِ الجيمِ في الماضي وكَسْرِها في المُضارِعِ فَتَنْحَذِف الواوُ ك "وَعَدَ، يَعِدُ". ويُقالُ في المشهورةِ: وَجِل يَوْجَل. ومنهم مَنْ يقولُ: "ياجَلُ" بِقَلْبِ الواوِ أَلِفاً، وهُوَ شاذٌّ لأنَّهُ قَلْبُ حَرْفِ العِلَّةِ بِأَحَدِ السَبَبَينِ: وهو انْفِتاحُ ما قبلَ حَرْفِ العِلَّةِ دُونَ تَحَرُّكِهِ، وهوَ نَظيرُ "طائيّ" نِسْبةً إلى طَيِّئٍ. ومنهم مَنْ يَقولُ: يِيْجَلُ بِكَسْرِ حرفِ المُضارَعةِ فتَنْقلِبُ الواوُ ياءً لِسُكونها وانْكسارِ ما قبلها. وقد تقدَّم في أَوَّلِ هذا الموضوع أنَّ مِنَ العَرَبِ مَنْ يَكْسِرُ حَرْفَ المُضارَعَةِ بِشُروطٍ مِنْها: أَنَّ لا يَكونَ حرفُ المُضارَعَةِ ياءً إلاَّ في هذِهِ اللَّفْظَةِ وفي أَبَى يِأبَى. ومنْهم مَنْ رَكَّبَ مِنْ هاتَيْنِ اللُّغَتَيْنِ لُغَةً أُخْرى، وهيَ فتحُ الياءِ وقَلْبُ الواوِ ياءً فقال: يَيْجَلُ، فأخذَ قَلْبَ الواوِ ممَّن كَسَرَ حَرْفَ المُضارَعَةِ، وأَخَذَ فَتْحَ الياءِ مِنْ لُغَةِ الجُمْهورِ. وقرأَ ابْنُ مَسْعودٍ "فَرِقَتْ"، وقَرَأَ أُبيّ بْنُ كَعبٍ "فَزِعَتْ".
قولُهُ: {إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} قالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وجوابُ الشَرْطِ المُتَقَدِّمِ في قولِهِ: "وأَطيعوا"، هذا مَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ، ومَذْهَبُ المُبَرِّدِ أَنَّ الجَوابَ محْذوفٌ مُتَأَخِّرٌ، ومَذْهَبُهُ في هذا ألاَّ يَتَقَدَّمَ الجَوابُ على الشَرْطِ. وقد نَقَلَ الناسُ خلافَه، أي: نقلوا جَوازَ تقديمِ جوابِ الشرْطِ عليه عَنِ الكُوفِيّين وأَبي زَيْد وأَبي العَبَّاسِ المبرِّدِ. ويجوز أنْ يَكونَ للمُبرِّدِ قولان وكذا لِسِيبَوَيْهِ، فنَقَلَ كُلُّ فريقٍ عَنْ كُلٍ مِنْهُما أَحَدَ القَوْلَيْن.
__________________
أنا روحٌ تضمّ الكونَ حبّاً
وتُطلقه فيزدهر الوجودُ
عبد القادر الأسود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 16 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-27-2015 09:27 AM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 15 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-26-2015 08:54 PM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 14 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-26-2015 10:08 AM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 13 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-25-2015 10:20 AM
فيض العليم ... سورة الأنفال، الآية: 12 عبد القادر الأسود المواضيع الاسلامية 0 01-23-2015 09:31 PM


الساعة الآن 07:25 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir