- سلوكه في طريق القوم :
كما ذكرنا سابقاً ، أنه حفظه الله تعالى بدأ بالسير والسلوك عندما بدأ بطلب العلم الشريف ، أخذ الطريقة النقشبندية عن سيدي إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، ولازمه فترة طويلة من حياته ويقول حفظه الله تعالى : ( ربيت على يد الشيخ إبراهيم حقي رحمه الله تعالى ، وبقيت معه حتى آخر لحظة من حياته حيث غسلته وكفنته بيدي رحمه الله تعالى ) وبعد وفاته أخذ يبحث عن مرشد له ، وامتد بحثه عن المرشد الجديد من الجزيرة إلى حدود استنبول ، وبقي سبعة عشر عاماً على هذا الحال .
وخلال هذه الأعوام كان مجاهداً لنفسه على طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى ، وكان يكثر من خلواته ، حتى تعرف على شيخه في الطريقة الشاذلية سيدي الشيخ عبد القادر عيسى الحلبي رحمه الله وحصل على نسخة من كتاب الشيخ رحمه الله – حقائق عن التصوف – إلا أنه تريث ولم يستعجل بالمبايعة ، وقال : إن هذا ديني لا أستعجل في أمره ، وبقي حفظه الله تعالى عاماً كاملاً ، يقرأ كتاب الحقائق ويستخير حتى أوقفه الله تعالى على حقيقة الطريق الشاذلي المبارك ، فأرسل إلى سيدنا الشيخ عبد القادر عيسى يستأذنه في المجيء إليه ، وإن خرج من الدنيا قبل لقائه فهو يُشهد الله تعالى أنه من أهل هذا الطريق ، وأذن له سيدنا الشيخ عبد القادر بالمجيء ، ودخل الطريقة ، وأدخله خلوة لمدة عشرة أيام ، ثم أذن له بالورد العام ، وبعد أعوام أعطاه الإذن بالورد العام والخاص ، وهو الآن خليفة الشيخ رحمه الله تعالى .
وله كلمات حول هذا الموضوع نأخذ بعضاً منها :
يقول حفظه الله تعالى : طوال هذه الأعوام بعد وفاة شيخي الأول ، وأنا أبحث عن المرشد كنت في معية سيدي الشيخ عبد القادر الجيلاني رحمه الله تعالى بروحانيته ، وكنت أرى الذي أراه ، ولكن ليس طلبي كشفاً ولا كرامة ، طلبي غير هذا ، حتى أكرمني الله تعالى بسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله .
ويقول في موضع آخر : أول ما بدأت بالذكر ، ما تركت الاستمداد من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن سيدي الجيلاني ، وسيدي ابن مشيش ، وسيدي أبي الحسن الشاذلي رحمهم الله تعالى ، حتى فتح لي ما فتح .
ويقول كذلك : طريقة الإمام الغزالي رحمه الله تعالى سلوكي ، وطريقة الإمام الشاذلي رحمه الله تعالى مشربي ، فالأولى في الرياضات والثانية في الذكر .
ويقول حفظه الله تعالى : الناس اليوم في واد والطريق في واد آخر ، أين أهل الطريق من الخلوات ؟ والله إلى الآن ما شبعت من الخلوات ، ولا يمكن لي أن أتركها .
ويقول حفظه الله تعالى عن غرضه من الطريق : غرضي من الطريق العبودية لله عز وجل ، وأن أكون على قدم سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، الذي هو أحب الخلق إلي بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأن أكون على قدم سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في العبودية الذي يقول : ( لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً ، ولكنه أخي وصاحبي وقد اتخذ الله صاحبكم خليلاً ) ( ) . غرضي من الطريق أن أسير هكذا ، ولكن لا بد من الخدمة ، ونرجو الله تعالى العون والمدد .
وهكذا تحلى حفظه الله تعالى زيادة على مواهبه الكثيرة بموهبة الفناء التام عن الناس والخلق جميعاً ، والفناء التام في الله وعبوديته وشرعه ، حتى قال : - من بين ما قال – لا توجد رابطة مع الشيخ في الطريقة الشاذلية بل رابطة مع رب الشيخ ، وهذه الموهبة العظيمة نشأت معه في أوائل سيره إلى الله تعالى ، ثم أعطي غزارة العلوم اللدنية ، ولذلك لما ظهر للإرشاد كان ظهوره وتأثيره على الخاص والعام في مدة وجيزة ، وفي جو الغربة والوحدة ، فكل من يقرأ كلامه أو يجالسه فيسمع منه يتحول بدون شعور منه إلى الاستفادة والاستماع اللذيذ . والتعجب منه سواء كان من أهل الطريق أو غيره ، وغير أهل الطريق يتعجبون أكثر لأنهم أبعد عن هذه العلوم من أهل الطريق ، وهذه العلوم عندهم أندر وأعز ، أما أهل الطريق فيتوقعون من مرشدهم علوماً وتأثيراً فيتحولون من الشك إلى اليقين ، ومن التردد إلى التسليم .
ومن مواهبه الكثيرة التمكين والصحو التام في جميع الأحوال ، وهذا الصحو التام المستمر لا يوجد إلا في كبار الكبار من السلف والوارّث السابقين .
ومن مواهبه حفظه الله تعالى فرط حبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وآل بيته وشرعه وسنته السنية ، وهو حفظه الله تعالى لا يتكلم عن الطريقة إلا في مضمار الشريعة والسنة ، حتى إن كثيراً ممن ليسوا من أهل الطريق يحتجون بوصاياه الكثيرة على المتصوفة الذين يفرقون بين الطريقة والشريعة ، ويحاجون بها بعض أهل الطرق الذي يهتمون بالطريقة أكثر من الشريعة والسنة .
ويقول حفظه الله تعالى في موضوع اختلاف بعض أهل الطرق : الدين واحد لا يتعدد ، والمؤمنون اختلفوا لاختلاف الأشخاص والأفهام والأهواء ، فلا بد من ترك الكل واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر ونهى .
هذا هو الدين الصحيح وليس هناك طرق للولاية إلا اتباع الرسول صلى الله عليه وسـلم . وهكذا جرد حفظه الله تعالى كل من ادعى شيئاً لنفسه ، وادعى طريقاً خاصاً به ليتفرد بالهيمنة على بعض الناس ، وبأنه هو الذي هداهم إلى الحق ، والله تعالى هو المهيمن الهادي .
ويقول حفظه الله تعالى في قدوته : من لم يقلد أسلافه لا يُعتمد عليه ، ومن لم تكن عنده حرمة المشايخ محفوظة في حال حياتهم وبعدها لا يعتمد عليه ، كيف يصلح أن يكون قدوة إذا لم يكن مقتدياً بأسلافه ؟ فنحن نقلد أسلافنا في الدين ، ولا نفكر في أنفسنا هذا هـو سلوكنا ، فأنا أقلد سيدي بديع الزمان النورسي رحمه الله تعالى ، وأقلد الإمام الغزالي رحمه الله ، وكذلك شيخي الأول رحمه الله سيدي إبراهيم حقي ، وسيدنا الشيخ عبد القادر عيسى رحمه الله تعالى . وإني التقيت بهذين الشيخين رحمهما الله ، وانتفعت بهما ، ورأيت كل واحد منهما موافقاً ، ولكن وجد من يحبهما من الناس قليل .
سأله بعضهم مرة فقال له : يا سيدي بمَ نلت الذي نلته ؟
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله : بثلاثة أمور ، بالصدق وبالإخلاص ومحو الأنا ، وهذه من أصعب الأمور على النفس الأمارة بالسوء .
رب العالمين .
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 05-07-2012 الساعة 08:32 PM