إحياء موات الأرض
يحث ديننا الإسلامي العظيم على العمل وعلى الإنتاج وعلى زراعة الأراضي واستثمارها واستصلاحها، وعدم تركها وهجرها وإهمالها، حتى إن الأرض المتروكة التي لا يعرف صاحبها يحق لأي مواطن إحاطتها وفلاحتها واستثمارها. وقد ورد لفظ “الأرض” مئات المرات في القرآن الكريم، وأشير في هذه العجالة الى خمس آيات كريمة تتعلق بموضوعنا (أذكرها حسب ترتيب سور القرآن الكريم):
1- “الذي جعل لكم الأرض مهداً وسلك لكم فيها سبلاً وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى” (سورة طه 53).
2- “أولم يروا أنّا نسوق الماء الى الأرض الجرز فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون” (السجدة 27).
3- “والأرض فرشناها فنعم الماهدون” (سورة الذاريات 48).
4- “هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور” (سورة الملك، الآية: 15).
5- “ألم نجعل الأرض مهاداً”. (سورة النبأ، الآية: 6).
وهناك أحاديث نبوية شريفة تتعلق بأحكام الأراضي: من إحيائها وتحجيرها واستثمارها واستصلاحها. ومن أحكام الأراضي أيضاً: المزارعة والمساقاة والخراج والعشر. وأتناول في هذا المجال موضوع إحياء الأراضي الموات أي المهجورة والمتروكة، فيقول عليه الصلاة والسلام “من أحيا أرضاً ميتة فهي له”. (أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حيان وأبو يعلي عن الصحابيين الجليلين سعيد بن زيد وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم). (من) كل مواطن سواء كان مسلماً أم غير مسلم. (أحيا) من الإحياء. المراد: أن يعمد شخص الى أرض مهجورة وغير مملوكة لأحد فيحييها بالسقي، أو الزرع، أو الغرس، أو البذر، أو البناء عليها، أو إشادة حائط، أو سياج حولها.
(الأرض الميتة): أي الأرض التي لم تعمر ولم تستثمر ولا مالك لها.
فشبه الرسول صلى الله عليه وسلم عمارة الأرض بالحياة، وأن تعطيلها بمثابة الموت. (هي له) أي أن رقبة الأرض ومنفعتها تكون للذي أحياها، وذلك إن كانت أرضاً عشرية، أما إن كانت أرضاً خراجية فإن من يحييها يملك منفعتها من دون رقبتها. وكثيراً ما يجد الحاكم أثناء الفتوحات الإسلامية، أراضي شاسعة غير مملوكة لأحد أو مجهولة المالك، فيفسح المجال أمام الناس في التنافس على استثمارها.
ويشرح رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، صوراً من إحياء الأرض فتكون بالإعمار لقوله: “من عمر أرضاً ليست لأحد فهو أحق بها”. (أخرجه أحمد في مسنده والبيهقي في السنن الكبرى عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها).
كما يكون الإحياء بالإحاطة بجدار أو سياج، لقوله “من أحاط حائطاً على أرض فهي له”، فالتحويط بالحجارة أو الأسلاك الشائكة يعد من أسباب تملك الأرض وإحيائها، فهناك أراض شاسعة مترامية الأطراف في دنيا الإسلام تنطبق عليها هذه الأحاديث النبوية الشريفة، فيجب أن تمكن الأيدي العاملة من هذه الأراضي لإحيائها واستثمارها ليرتفع المستوى الانتاجي والمعاشي، ولتشجيع المواطنين على العمل واستمراريته، وعدم التواكل.
ويتوجب على صاحب الأرض أن يستثمر أرضه فإذا عطلها مدة ثلاث سنوات من دون زراعة ولا فلاحة فإنها تنتزع منه ومن دون تعويض، لقول رسولنا الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم: “.. وليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنوات”. (أخرجه البهيقي عن طاووس وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهم). أي ليس لصاحب الأرض حق فيها بعد إهمالها ثلاث سنوات، ولما أخرج يحيى بن آدم عن طريق عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع جماعة من مزينة أرضاً فعطلوها، فجاء قوم فأحيوها، وأقرهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على ذلك، وقال عمر لمزينة: “لو كانت قطيعاً مني أو من أبي بكر لرددتها لكم، ولكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم”، أي كان اقتطاع الأرض لمزينة من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه قد مضى على تعطيلها مدة تزيد على ثلاث سنوات، ثم قال عمر: “من عطل أرضاً ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له” وانعقد إجماع الصحابة على تصرفه.
ومن هنا يتضح أن ديننا الإسلامي العظيم يحض على استثمار الأراضي وأن هذه الأحكام لم تشرع إلا لدوام زراعة الأرض، والاستفادة منها والاعتماد على النفس وعدم الكسل والتواكل. وفي الوقت نفسه يحرم على المسلم أن يعتدي على أرض الآخرين، لقول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم “ومن اقتطع شبراً من الأرض ظلماً طوق الله يوم القيامة إياه الى سبعين أرضين” (أخرجه مسلم وأحمد والبهيقي عن الصحابي الجليل سعيد بن زيد رضي الله عنه).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
05-14-2010
إحياء موات الأرض
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
