أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > الفقه والعبادات

الفقه والعبادات كل ما يختص بفروع الفقه الإسلامي والمذاهب الفقهية الأربعة والفتاوي الفقهية

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 04-29-2009
  #1
هيثم السليمان
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
الدولة: دير الزور _ العشارة
المشاركات: 1,367
معدل تقييم المستوى: 17
هيثم السليمان is on a distinguished road
الدعاء بعد الصلاة المفروضة سنّة أم بدعة؟



الدعاء بعد الصلاة المفروضة سنّة أم بدعة؟
د. محمود أحمد الزّين

مقدمة
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
اللهم سـدّد وأعـن يا كريم، لا إله إلا أنت.
أما بعد :
فقد كثر السؤال عن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة، أهو من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أم لا ؟ وهل يشرع فيه رفع اليدين؟
وهل تشرع فيه الجماعة؟
وهل يشرع الاستمرار عليه بعد كل صلاة؟
وهل لذلك دليل خاص؟
وإن لم يكن فهل تكفي العمومات والإطلاقات الثابتة في القرآن والسنة لإثبات المشروعية باستمرار؟
لقد بينت ذلك في القسم الأول من هذه الرسالة، وناقشت في القسم الثاني اعتراضات المخالفين ، والله ـ سبحانه ـ هو المسؤول أن يجعلنا جميعاً من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.


كثرةُ الكلام في المسألة وَزَعْمُ بعضهم أنّها بدعة


والدعاء بعد الصلوات المكتوبة مسألة تكلم فيها كثيرون، وزعم بعضهم أن هذا الدعاء بدعة ، وتأولوا الأحاديث الكثيرة التي جاء فيها ذكر الدعاء دبر الصلاة فقالوا : دبر الشيء آخره وهو منه وزعموا أن المراد بهذه الأدعية أن تكون قبل السلام بعد التشهد ، مع أنه ثبت في السنة استعمال لفظ الدبر في معنى ما بعد الصلاة كرواية مسلم (برقم 595) في التسبيح بعد الصلاة فإن في بعض المواضع ”تسبحون..دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين.. الحديث“.

مناقشة التأويل


وإذا كان الدبر مستعملاً في المعنيين حقيقة ـ على قاعدة من ينكر المجاز ـ فلا يجوز أن يقصروه على الأول منهما إلا أن يذكروا دليلاً يرجحه على المعنى الآخر أو أن يقرّوا بالمجاز ويعتبروا الدبر حقيقة في آخر أجزاء الشيء مجازاً فيما بعده ـ إذ الحقيقة لا تحتاج إلى مرجح ـ
ومع ذلك فلا ثمرة لتأويلهم سوى ترك الاحتجاج بالأحاديث التي تحتمل الوجهين على سنية الدعاء بعد المكتوبة، لكن الأدلة الأخرى تثبتها وتبطل هذا التأويل لأنها لا تقبل التأويل.

استدلال منكري الدعاء بعد صلاة الفريضة


القائلون بأنّ الدعاء بعد الصلاة المكتوبة ليس بسنة احتجوا بحديث مسلم (رقم592): عن عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلّم لم يقعد إلا مقدار ما يقول: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام“.

ردّ استدلالهم


وردّ كثير من العلماء هذا الاستدلال بأنّ هذا نفي لعلمها وليس نفياً للواقع، وقد روى الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من هذا عند مسلم نفسه وعند البخاري، وكل صحابي روى ما رأى وسمع ، فهي معذورة ـ إذا اقتصرت على رواية ما تعلمه ـ ولا يعذر من بلغته أحاديث الأصحاب الآخرين

الدليل على أنّ هذا الدعاء سنة


وهذه التسبيحات المروية من طريق عائشة رضي الله عنها، رواها مسلم عن ثوبان رضي الله عنه (برقم 591) قبل حديث عائشة رضي الله عنها ، فزاد فيها الاستغفار، فقال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: ”اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام“.
وهذا الحديث صريح بمنع النزاع في أن الدعاء بعد انتهاء الصلاة المكتوبة سنة ، لأن الاستغفار معناه طلب المغفرة ، والطلب من الله تعالى هو الدعاء ، سواء كان بلفظ الطلب ”اللهم اغفر لي“ أو كان بلفظ الخبر ”أستغفر الله“، ولا تحتاج المسألة لدليل آخر، فإنكارها بدعة مخالف صريح السنة، ولاسيما إذا كان الإنكار عاماً لكل دعاء كما يقول هؤلاء.

وقد فصل رواية الاستغفار أبو داود (برقم 1509) باب ما يقول الرجل إذا سلم : عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم من الصلاة قال: ”اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت“.

وأخرجه ابن حبان عن علي رضي الله عنه وكرم وجهه أيضاً وعنوانه : ”ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا في عقيب الصلاة “ ولفظـه : ”
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: اللهم اغفر لي …“ إلى أخر الحديث المتقدم ، كما في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان برقم 2025))

ورواه مسلم أيضاً ضمن حديث طويل في كتاب صلاة المسافرين باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه، (وترقيمه العام 771) عن علي رضي الله عنه وكرم وجهه أيضاً فذكره بروايتين:
الأولى (برقم 201) ضمن ترقيم كتاب صلاة المسافرين، فقـال: ثم يكون من آخـر ما يقـول بين التشهد والتسليم: ”اللهم اغفر لي.. “ إلى آخر الحديث
والرواية الثانية (برقم 202) وفيها: وقال: إذا سلّم قال: ”اللهم اغفر لي ما قدمت“ إلى آخر الحديث، ولم يقل بين التشهد والتسليم. انتهى كلام الإمام مسلم.

ولا يصح أن يقال : إن الروايتين متعارضتان ، تحتاجان إلى دليل يرجح إحداهما ، لأن التعارض المضر هو الذي لا يمكن معه العمل بالروايتين جميعاً ، والعمل هنا ممكن على تقدير أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول ذلك حيناً قبل السلام وحيناً بعده ، أو يقوله فيهما .

استدلال آخر


ويقرب من الاستغفار في هذه المسألة الاستعاذة ، لأن معناها طلب الإعاذة أي الحماية ، والطلب من الله تعالى هو الدعاء ، وقد روى أبو داود (برقم1523) والترمذي (برقم 2903) والنسـائـي (برقم1334) ، وهـو عنـد ابن خزيمة (برقم 755) عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه قال:
”أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقرأ بالمعوذتين دبر كل صلاة“ وابن خزيمة شرَط في كتابه الصحة كما هو معلوم، فهذا قرآن مشتمل على دعاء وهو أفضل الدعاء .

مذهب البخاري في المسألة


وقد بوب لهذه المسألة الإمام البخاري في كتاب الدعوات فقال : [ باب الدعاء بعد الصلاة ]
وذكر فيه حديث أبي هريرة رضي الله عنه برقم (5970) " تسبحون دبر كل صلاة عشراً وتحمدون عشراً وتكبرون عشراً“
وذكر حديث معاوية رضي الله عنه برقم (808) أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلّم ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد“ ، ولفظ الدبر في حديث التسبيح لا يحتمل إلا معنى ”بعد“ .


وجه استدلال البخاري


قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ([1]):
ومناسبة هذه الترجمة ( أي العنوان الذي وضعه البخاري لهذا الباب ) أن الذاكر يحصل له ما يحصل للداعي إذا شغله الذكر عن الطلـب كمـا في حديث ابن عمر رضي الله عنهما رفعه: ”يقول الله تعالى من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين“ أخرجه الطبراني بسندٍ لين. انتهى كلام ابن حجر .

زيادة مهمة في الاستدلال لعمل البخاري


وفيه مناسبة أقوى وهي أن الدعاء ذكر، أي هو نوع منه، فحيث كان الذكر مشروعاً فكل أنواعه مشروعة، والدعاء منها، كما في حديث مجالس الذكر الآتي([2]) ، رواه البخاري برقم (6045) وفيه:
”يسألونك الجنة“ وهو دعاء صريح، وفيه مناسبة أخرى هي أن الذكر ـ وإن لم يكن دعاءً صريحاً ـ فيه سؤال وطلب بطريق التعريض لاسيما قوله صلى الله عليه وسلم:”لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت“ فإن المراد به لا نرجو غيرك ولكن نرجوك فأعطنا ، وهذا كقوله تعالى: ( وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين فاستجبنا له وكشفنا ما به من ضر) [الأنبياء 83 ـ 84]
فقوله سبحانه ( استجبنا له) يعني أنه قد دعا . وهو لم يدع صريحاً إنما ذكر مسّ الضر له، وأثنى على الله تعالى بأنه أرحم الراحمين، وذلك يتضمن معنى ارحمني واكشف ضري
ومثله قوله تعالى: ( ونادي نوح ربه قال ربي إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحـاكمين، قـال يا نوح إنه ليس من أهلك إنـه عمل غير صـالح فلا تسألن مــــا ليس لك بـه علم) [هود 45 ـ 46] ، وهو لم يسأله صراحة .

وروى الحاكم ([3]) حديث: ”أفضل الذكر لا إله إلا الله وأفضل الدعاء الحمد لله“ وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.
وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتكرار الحمد بعد الصلاة ثلاثاً وثلاثين، وهذا صريح في مشروعية الدعاء بعد الصلاة المكتوبة.

وهذا أمر معلوم في كل الأعراف، حتى إنك ترى المتسولين يكتفون بالثناء على من يسألونه الصدقة، بل إن العرب ذكرت ذلك في الشعر. فقد سئل سفيان بن عيينة عن أفضل الدعاء يوم عرفة فقال: ”لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير“، فقيل له : هذا ثناء وليس بدعاء ، فقال : أما سمعت قول الشاعر :
أأذكر حاجتي أم قـد كفـاني = حياؤك إنّ شيمتـك الحياء
إذا أثنى عليـك المـرء يومـاً = كفـاه مـن تعـرضـه الثناء
ذكر ذلك بهاء الدين بن قدامة ([4]) .
والأذكار التي رواها الإمام البخاري فيها الثناء على الله وهو يدل على إظهار الافتقار إلى الله سبحانه طلباً لفضله، إذ إن المسلم يقول الأذكار رجاء المغفرة والثواب الذي وعد به النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: ”غفرت خطاياه، وإن كانت مثل زبد البحر“ ونحو ذلك .

دليل آخر


ويؤكد صحة ما فعله البخاري وصحة ما قاله ابن حجر: أن كل من صنف في الأذكار ذكر فيها أدعية رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا يعني أن الدعاء ذكر ، فحيث كان الذكر مشروعاً فالدعاء مشروع لأنه جزء منه.


رفع الصوت بالذكر والدعاء بعد صلاة الفريضة


وكما دل حديث الذكر بعد الصلاة على مشروعية الدعاء بعدها يدل أيضاً على جواز رفع الصوت بالدعاء، لأن الدعاء ذكر، وقد روى البخاري برقم (805) عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الشافعي في الأم (2/288): ”وهذا من المباح للإمام، وغير المأموم، قال: وأي إمام ذكر الله بما وصفت جهراً أو سراً أو بغيره فحسن“ والعبادة لا تكون إلا مستحبة أو مفروضة، لا إباحة فيها، ولكن أراد أنه لا مانع منه، ثم وصف ذلك بأنه حسن، ثم قال: ”وأختار للإمام وغير المأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة، ويخفيان الذكر، إلا أن يكون إماماً يجب أن يتعلم منه، فيجهر حتى يرى أنه قد تعلم منه، ثم يسر“، يعني أن هذا أفضل، وإن كان الجهر فاضلاً .
فالمهم أنه ليس بدعة، والمفضول لا يخرج عن كونه سنة، ثم قال في (2/289): ”وأستحب للمصلي منفرداً وللمأموم أن يطيل الذكر بعد الصلاة، ويكثر الدعاء رجاء الإجابة بعد المكتوبة“.

أحاديث أخرى في الدعاء بعد الصلاة


وقد ذكر ابن حجر ([5]) أحاديث أخرى صريحة منها حديث صهيب رضي الله عنه رفعه : ”كان يقول إذا انصرف من الصلاة اللهم أصلح لي ديني ..“ أخرجه النسائي وصححه ابن حبان . انتهى كلام ابن حجر .

وتمام الدعاء عند ابن حبان في كتاب الإحسان (برقم 2026)([6]): ”اللهم أصلح لي ديني الذي جعلته لي عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي جعلت فيها معاشي ، اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبعفوك من نقمتك وأعوذ بك منك ، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد“.
وروى الطبراني في معجميه الصغير والأوسط ([7]) عن أبي أيوب رضي الله عنه قال : ما صليت خلف نبيكم صلى الله عليه وسلم إلا سمعته يقول حين ينصرف:”اللهم اغفر خطاياي وذنوبي كلها، اللهم وانعشني واجبرني واهدني لصالح الأعمال والأخلاق، لا يهدي لصالحها ولا يصرف سيئها إلا أنت“. قال الهيثمي في مجمع الزوائد ([8]) : إسناده جيد.
ورواه الطبراني([9]) في الكبير عن أبي أمامة .

ولما رأى العلماء تنوع الأدعية النبوية بعد الصلاة استدلوا بذلك على أنه يجوز أي دعاء كان، ولا يمنع إلا دعاء ثبت النهي عنه في شرع الله تعالى
واستدلوا أيضاً بإطلاق قول الله تعالى (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم )[غافر/60]، وبعموم قوله تعالى: ( إن ربي لسميع الدعاء) [إبراهيم/39].
وقد ذكر أهل العلم أحاديث أخرى وفيما مضى كفاية إن شاء الله تعالى .

مناقشة منهج المخالفين في الاستدلال


ثم إن هذا الذي تقدم من الاستدلال كله مراد منه إثبات أن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة سنة ليس من البدعة في شيء ، وإن افترضنا أن ما قاله منكروه مسلَّم لهم وهو أنه لا تثبت سنية الدعاء بعد المكتوبة إلا أن يرد دليل يخصها من عمل النبي صلى الله عليه وسلم، حيث يستدلون دائماً على تبديع عمل ما بقولهم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله، وكأن الحجة في الدين لا يكفي أن تكون من قوله وحده أو من إقراره وحده أو من الآيات القرآنية وحدها
وهذا لا شك في أنه غير صحيح، فقد اتفق الأئمة على أن كل واحد منها حجة يكفي وحده في الاستدلال، وهذا أوضح ما يرى في الإقرار، فإنه حجة لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ما ذكر فيه ولا لأنه تكلم فيه بشيء بل لأنه رآه فسكت عليه لا أكثر .
فهل يقال لمن يعمل عملاً يستند إلى إقـراره صلى الله عليه وسلم: إنـه بدعـة لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم؟
أو يقال: لو كان خيراً لسبقنا إليه ؟!

بل هناك أعمال أمر بها ولم يثبت قط أنه فعلها كحديث الصحيحين، ورقمه عند البخاري (1112): ”صلوا قبل المغرب ركعتين“
فهل يقال: كيف يأمر به ويتركه؟!

وعلى هذا فإذا وجدنا النبي صلى الله عليه وسلم ترك شيئاً من أمور العبادات بحثنا لهذا الشيء عن دليل آخر من الشرع غير فعله صلى الله عليه وسلم، سواء كان آية أو قولاً من النبي صلى الله عليه وسلم أو إقراراً أو أي دليل شرعي ، فإذا لم نجد قلنا حينئذ إنه بدعة .

قال ابن تيمية في الفتاوى (21/314): ”
عدم الفعل إنما هو دليل واحد من الأدلة الشرعية، وهو أضعف من القول باتفاق العلماء، وسائر الأدلة من أقواله ـ كأمره ونهيه وإذنه ـ ومن قول الله تعالى هي أقوى وأكبر... فنفي الحكم بالاستحباب لانتفاء دليل معين من غير تأمل باقي الأدلة خطأ عظيم“.
وإذا كانت الأدلة القولية كافية لا تحتاج إلى ثبوت عمله صلى الله عليه وسلم، فأولى من ذلك ألا تحتاج إلى عمل غيره، فلا يقال عما ثبت من قوله صلى الله عليه وسلم لا نعمل به؛ لأنه لم يثبت عمل السلف به، وذلك لأن عدم الورود كالسكوت، فلا يقدم على القول
وعدم ورود العمل عنهم أو عن النبي صلى الله عليه وسلم هو المسمى بالاستصحاب، قال عنه ابن تيمية في الفتاوى (23/15):
”التمسك بمجرد استصحاب حال العدم أضعف الأدلة مطلقاً، وأدنى دليل يرجح عليه... ولا يجوز الإخبار بانتفاء الأشياء وعدم وجودها بمجرد هذا الاستصحاب من غير استدلال بما يقتضي عدمها، ومن فعل ذلك كان كاذباً، متكلماً بغير علم... فعدم علمه ليس علماً بالعدم... وما دل على الإثبات من أنواع الأدلة فهو راجح على مجرد استصحاب النفي“.

الاكتفاء بالأدلة العامة عند عدم وجود الخاصة


ويكفي في الدليل أن يكون عاماً يشمل بعمومه العمل الذي نبحث عن حكمه أو يكون مطلقاً ينطبق عليه، ولا يشترط أن يكون ذلك العمل مذكوراً بخصوصه في ذلك الدليل كما أن حديث ”كل بدعة ضلالة“ يشمل كل أمر مخترع بلا دليل شرعي، وليس ضرورياً أن يذكره النبي صلى الله عليه وسلم باسمه الخاص به .
فالبدعة لا تكون إلا عند عدم الدليل الخاص والعام، ومن ادعى في أي فرد من أفراد العموم أنه بدعة كان قوله رداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بل إن هذا الادعاء يجعل الأدلة العامة كلها بلا فائدة، إذ يمكن أن يدعى ذلك في كل فرد من أفراد العموم، فيكون العموم غير صالح للاستدلال! مع أن أكثر المسائل أدلتها عامة، وفي فتاوى ابن تيمية (13/122): ”فما أوجبه الله تعالى في كتابه كالوضوء والصلاة والحج وغيرها هي نصوص عامة... وهي راجحة ومقدمة على البراءة الأصلية النافية للوجوب والتحريم“
والبراءة الأصلية تكون عند عدم الأدلة، فيقال في العبادة: لا دليل لها فهي غير مشروعة، وفي المعاملة: لا دليل على المنع فهي مباحة.
وكذلك قـول الله تعالـى: (وافعلوا الخير ) [الحج/77] هـو دليل على مشروعية كل عمل فيه خير للعباد إذا لم يصادم دليلاً شرعياً .

وعلى هذا اعتمد سيدنا عمر رضي الله عنه حين عرض على أبي بكر رضي الله عنه جمع القرآن الكريم، حيث قال أبو بكر رضي الله عنه فيما رواه البخاري (برقم 4701) كتاب فضائل القـرآن: كيـف تفعـل شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال عمر: ”هو والله خير“.
وعليه أيضاً اعتمد أبو بكر رضي الله عنه حين قال له زيد بن ثابت رضي الله عنه ”كيف تفعلون شيئـاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ “
قال أبو بكـر: ”هو والله خير“ .

وبناءً على هذا فلا يحتاج كل فرد من أعمال الخير إلى دليل يخصه إنما يكفي ألا يصادم دليلاً شرعياً .

وكذلك الدعاء جاء الأمر به مطلقاً دون قيود في الزمان أو المكـان أو الاجتماع أو الافتراق أو رفع اليدين أو المطلوب به (ادعوا ربكم) [الأعراف/55]
فلا يقال في شيء من ذلك إنه بدعة إلا بدليل يستثنيه كالاقتصار على الدعاء بأمر الدنيا دائماً مع ترك دعاء الآخرة ، وهو الذي ذكره الله تعالى في قوله : (فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق ) [البقرة/200]
فما دام الأمر مطلقاً فلا يجوز لأحد أن يقيده إلا بدليل يستثني تلك المسألة بخصوصها أو يعمها مع أمثالها.
وكذا أوقات الدعاء،حثّ الله تعالى على الدعاء ووعد بالإجابة في عموم الأوقات بقوله سبحانه: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان) فقد جاء الوعد بالإجـابة وجعل الدعــاء فـي سياق الشرط (أجيب دعوة الداع إذا دعان)
والشرط من صيغ العموم كما هو معلوم في أصغر كتب الأصول أو اللغة ، وهذا ظرف زماني يتناول كل وقت حصل فيه الدعاء كما لو قال سبحانه:أجيب دعوة الداعي في جميع الأوقات ، فلا يصح بناءاً عليه أن يمنع الدعاء في وقت ما إلا بدليل يستثنيه من هذا العموم
والدعاء بعد السلام من الفريضة وغيرها واحد من أفراد العموم المذكور في الآية التي تحث على الدعاء ، فأقل درجاته الندب ، فإذا انضم إلى العموم الدليل الخاص ، أي فعل النبي صلى الله عليه وسلم الذي سبق ذكره في حديث ثوبان ، وحديث علي رضي الله عنهما ، والأحاديث الأخرى كان في ذلك الكفاية وما فوق الكفاية في الاستدلال على أن الدعاء بعد الصلاة المكتوبة وغيرها سنة نبوية ، نسأل الله تعالى أن يرزقنا العمل بها وبسائر السنن.
هيثم السليمان غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
سؤال عن حكم الاحتفال بيوم الأم، وهل هو بدعة؟ عبدالقادر حمود المواضيع الاسلامية 2 06-11-2013 01:22 PM
ما يستحب للمصلي بعد انتهاء الصلاة المفروضة عبدالقادر حمود الفقه والعبادات 2 07-19-2010 02:32 PM
خدعوك فقالوا دى بدعة عبدالقادر حمود الصوتيات والمرئيات 2 05-30-2009 09:20 AM
الدعاء الدعاء لأهل غزة طيبه ركن بلاد الشام 35 04-07-2009 10:20 PM
بيعة العقبة ومصعب بن عمير ابوعبدالله المواضيع الاسلامية 2 12-29-2008 06:02 PM


الساعة الآن 10:24 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir