الغارديان
ترجمة
الأربعاء 3/12/ 2008 م
ترجمة: دعد السليمان
أخذت رسم عبور إلى مدارس غزة, حيث تتصاعد معدلات الرسوب بسرعة روري مكارثي.
كان الدرس على وشك الانتهاء, الدرس الأخير لطالبات هذا الصف البالغات من العمر خمسة عشر عاماً قبل حلول موعد الامتحانات السنوية.
الفتيات طالبات في أوج حماستهن وقد أجبن بشكل صحيح تقريباً على جميع الأسئلة التي طرحتها عليهن معلمتهن, ناهدة الكاتب بالرغم من أن الموضوع كان على القواعد الكلاسيكية المعقدة قالت الكاتب البالغة من العمر 47 عاماً قبل أن تغلق الطالبات دفاترهن ) ادرسن بجد, ادرسن بجد. أعرف أن الوضع صعب للغاية. إذا لم يكن هناك كهرباء استعملن الشموع. لا تخلدن إلى النوم في النهار. بل ادرسن جيداً ونمن في الليل, ولا تفكرن بما يجري حولنا اجتهدن فقط للحصول على علامات عالية .
لم تقل المعلمة كلماتها عن عبث. إن التأثير المتراكم لسنوات من الكفاح والأزمة الاقتصادية الحالية الشديدة نتيجة الحصار الإسرائيلي على غزة قد تغلغل بعمق إلى داخل المجتمع, وكان له تأثير خطير على أداء الأطفال في المدرسة. بالنسبة للفلسطينيين الذين وضعوا التعليم في الدرجة العليا, كان الوضع في غاية الأهمية.
في هذه المدرسة 525 طالباً تتراوح أعمارهم بين 12-16 سنة و22 معلماً. في صف المعلمة الكاتب 33 فتاة والدوام في المدرسة على فترتين, صباحية ومسائية, وكل فترة تضم مجموعة مختلفة من الطلاب والمعلمين والإداريين, يلتقون على هذه البقعة من الأرض الأكثر ازدحاماً لكي يتلقوا المناهج التعليمية.
في هذا الصباح كانت الكهرباء مقطوعة خلال أربع الساعات الأولى من الدوام المدرسي, ليس هنالك أي أنوار والمدرس المساعد استعمل الصفارة بدلاً من جرس المدرسة الكهربائي. المياه غير متوفرة, إلا ما اختزن كاحتياطي في خزان ماء في الحمام. لا يوجد خبز للبيع بسبب النقص في المخابز, ومع ذلك اعتمد العديد من الطلاب على محل صغير في المدرسة لشراء فطورهم. هذا كله نتيجة الحصار الاقتصادي الإسرائيلي المفروض على غزة, وهو وضع استمر في معظم الأوقات.
ما يثير القلق علامات الانذار لهذا المجتمع المفتقر إلى الحاجات الإنسانية الأساسية, والتي كانت واضحة من نتائج الامتحان.
المعاناة ليست مقتصرة على الطلاب فحسب بل حتى المعلمات يعانين كثيراً بسبب النقص في الوقود وعدم توفر الباصات والسيارات. الكاتب تمشي مدة 40 دقيقة يومياً حتى تصل المدرسة. ويتم تأجيل إعطاء الدروس مدة نصف ساعة على الأقل كل صباح حيث تتم إعادة ترتيب الجداول ما يكلف المعلمات وقتاً وجهداً مضاعفين لإنجاز أعمالهن.
قالت الكاتبة: نحن الفلسطينيون نعتمد على ثقافتنا للاستمرار في الحياة. بالطبع نعتمد على الله, ولكن يجب علينا الحصول على مورد يضمن المستقبل. والشهادة تشكل السلاح الأفضل لمستقبلنا .
صوتت لحماس في الانتخابات من مضي عامين وسوف تصوت لها مرة أخرى. إنها تعتقد بأن إسرائيل تحمل المسؤولية الكبرى عن الأزمة الحالية التي تتفاقم أكثر من غزة, لكنها تستنكر أيضاً الصمت في العالم العربي على هذه الأزمة.
إن الكفاح سيطر حتى على طرق الحياة المدرسية حديثاً قتل واحد من إخوة الطلاب في هجوم إسرائيلي وأعقب ذلك جلسات منتظمة مع المرشدين النفسيين في المدارس والذين شجعوا الطلاب على التعبير عن مشاعرهم والتحدث عن تجاربهم النضالية, وكتابة القصص ورسم الصور. المعلمون أيضاً لاحظوا تغييرات في سلوك التلاميذ وطريقة لعبهم كانوا يلعبون لعبة الصراع التي أطلقوا عليها الصراع بين العرب واليهود كانوا يراقبونهم وهم يمثلون ما يرونه من جنازات تجوب شوارع غزة العريضة, حاملين أصدقاءهم على أكتافهم في باحة المدرسة.
قالت الكاتب: بمقدور كل من يراهم أن يدرك تأثير هذا الحصار في نفوسهم إنهم يعيشون هنا, ويشاهدون الأخبار ويرون مدى تأثيرها على أهاليهم. إنهم أطفال ولكنهم لا يتصرفون كالأطفال ولا يحبون حياة الطفولة. هنا يمارسون لعبة الجنازة, وبقية أطفال العالم يلعبون بالدمى هذا هو واقعهم المأساوي.
في مكان آخر عكس الحصار نتائجه المأساوية على رجل عجوز في بيت حانون فقد زوجته وأربعة من أطفاله في غارة جوية إسرائيلية وترجم مأساته بقوله:
( إننا تقريباً كالأموات. لا نملك مالاً ولا أي شيء آخر).
قال العجوز: سريرها في الطابق الثالث في مشفى شيفا في غزة, حيث تصل إليها أشعة شمس الظهيرة الدافئة من خلال النافذة. الجناح في المشفى مزدحم والسرير الذي تستلقي عليه خال من كل شيء إلا الأغطية التي تستعملها ابنة عمها عندما تنام على الأرض بجوارها أثناء الليل.
ربما تكون أفضل مشفى في غزة ولكن حتى العائلات الأكثر فقراً عليها أن تؤمن الطعام بنفسها. وهذه الحالة تنطبق على والد اسما الذي يعود من الطابق السفلي حاملاً معه سخانة كهربائية رخيصة الثمن استدانها من بائع يعرفه. يوصل مأخذ السخانة في الجدار لكي يسخن قدراً من الحساء الخفيف الذي أعده في المنزل لابنته البالغة من العمر 13 عاماً, ولكن للأسف ليس هنالك كهرباء والسخانة لن تعمل. يقول بهدوء لنفسه:
( ياللحظ السيئ)!
بعد ذلك يقترب من ابنته, التي تسعل وتحاول التنفس بصعوبة إثر جرح عميق في صدرها. لم تتناول طعامها منذ أن حضرت إلى المشفى من مضي 10 أيام: عندما حدث انفجار في الخارج دمر الباب المعدني لمنزلهم بينما كانت العائلة تتناول فطورها, حيث جرحت أختها الصغيرة البالغة من العمر 7 سنوات وقتل بقية إخوتها الأربعة وكذلك أمهم يقول لها والدها: إنني بانتظار أن أراك تأكلين تجيبه أسما بعد مرور بضع دقائق فيما بعد .
في ضربة جوية أطلق فيها الإسرائيليون قذيفتين في الشارع المقابل لمنزل الرجل العجوز, بحجة ملاحقة أربعة من المسلحين الذين يستعملون منازل المدنيين, كما يدعي الإسرائيليون, كدروع بشرية.
على كل حال إن الأسرة المنكوبة أوقعت كامل المسؤولية على الجيش الإسرائيلي الذي ينتهك الحقوق البشرية.
على الرغم من الأحاديث بشأن وقف إطلاق النار لا تزال نسبة الوفيات تتصاعد. على الأقل 312 من الفلسطينيين, أكثرهم من المدنيين قتلوا هذا العام حسب إحصائيات مركز الحقوق الإنسانية الفلسطيني.
الرجل العجوز من قرية يحتلها الإسرائيليون الآن. هرب مع والديه مذ كان ولداً أثناء حرب 1948 وعاش حياة بسيطة كمزارع ولم يتعلم القراءة و لا الكتابة. والآن لا يملك أرضاً و مالاً ويعتمد على ما تقدمه له مساعدات الأمم المتحدة.