أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           الحَمْدُ لله الذِي أحْيَانا بَعْدَمَا أمَاتَنَا وإلَيْهِ النَشُور           

إضافة رد
قديم 10-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الشيخ سليم المسوتي ...شيخ المتوكلين

الشيخ سليم المسوتي ...شيخ المتوكلين



منذ وعيتُ الدنيا كنت أطالع صورتَه في بيت جدي لأمي - بيت المسوتي - ذلك البيت الذي فيه وُلدتُ، وفيه نشأت وترعرعت، وفيه لعبت وسلوت، وفيه مرابع طفولتي، ومواطن هواي، وملاعب أحبتي، حتى لقد ظنني كثيرٌ من الناس مسوتي النسب - أعني: نسب الوالد والشهرة واللقب - وما أنا كذلك، وإن كنت مسوتي الهوى والرضاع والنزعة والمحبة.

قلت: إني كنت أطالع صورته - صورة الشيخ سليم المسوتي، رحمه الله - بطلعته البهية، وهيبته السنية، وبَسمته النورانية، ولحيته التي كنت أرى الطُّهر تحت كل منبت من منابت شعرها، وقد كتب تحتها ذلك البيت، الذي كان أول بيت حفظته في الشعر العربي:

حَلَفَ الزَّمَانُ لَيَأْتِيَنَّ بِمِثْلِهِ حَنِثَتْ يَمِينُكَ يَا زَمَانُ فَكَفِّرِ

كنتُ أردِّد هذا البيت دون أن أدرك معناه، حتى إذا شببت عن الطوق واستبان لي معناه، طفقتُ أسأل: أيَّ رجل كان هذا الجدُّ حتى عصا على الزمان أن يأتي له بنظير؟ وأيَّ علم طوى عليه صدره؟ بل أيَّ خُلق اشتملت عليه نفسه؟ وأيَّ نور نشر بين الناس؟ وأيَّ ذكر ترك في أذهانهم؟

وكانت الإجابات تأتيني من هنا وهناك، فما أن يُسمع لقب المسوتي، حتى يُذكَر الشيخ سليم - رحمه الله - وما أن يُذكر الشيخ سليم، حتى تتوالى الحكايات عنه مشفوعةً بالثناء الجميل، والذِّكر العطر، والمناقب التي نَدَرَ أن تجتمع لواحد بمفرده، ولا سيما توكُّله الذي قيل فيه: لو وزِّع على أهل بلد، لكفاهم.

من ذلك أن طارقًا طرقه قبل موعد الإفطار في رمضان، يشكو كثرة العيال، وقلة المال؛ بل عدمه، فما كان من الشيخ - رحمه الله - إلا أن أعطاه طنجرة الطعام برمتها، لم يُبقِ منها لأهل الدار شيئًا، على كثرتهم؛ إذ لم يكن البيت يخلو من أربع نساء، ولكل امرأة أولادُها، وكلهم من نسل الشيخ، فعلا الصياحُ، وكثُر الاعتراض، والشيخ صامت يسبِّح وهو واثق من عطاء الله، مسلِّمٌ أمرَه كلَّه لله، وما أن ارتفع أذان المغرب حتى قُرع الباب، وإذا وراءه خيرٌ كثير، وطعام وفير، أمر به الوالي - والي دمشق - لبيت الشيخ - رحمه الله.

فَمَا جَازَهُ جُودٌ وَلاَ حَلَّ دُونَهُ وَلَكِنْ يَسِيرُ الجُودُ حَيْثُ يَسِيرُ

ومن ذلك أن سائلاً سأله كساءً في المسجد، ولم يكن الشيخ - رحمه الله - يملك إلا ما يلبس، وقوام لباسه جبةٌ تحتها صاية، والصاية ما يلبس تحت الجبة من دِثار، وهي أشبه ما تكون بـ"الجلابية" أو (الدشداشة)، إلا أنها مفتوحة يُرَدُّ طرفٌ منها على الطرف الآخر، ويوضع في الوسط ما يشبه الحزام العريض، ويُتخذ عادة من قماش فاخر، فما كان من الشيخ إلا أن دخل غرفته في المسجد، ليخرج حاملاً صايته ولوازمها، ويقدمها للسائل، وقد ارتدى جبته على شِعَاره (أي: ملابسه الداخلية التي تلي الجسد مباشرة)، وأكمل نهاره على هذه الشاكلة، وعندما عاد إلى بيته بعد العشاء، وافاه ولده بتسع صايات أهديتْ إليه، فما كان من الشيخ إلا أن طالبه بالعاشرة، وفغر الولد فاه متعجبًا من معرفة أبيه، خجلاً من تصرفه؛ إذ أخفى عنه واحدة؛ استئثارًا بها، وخوفًا من أن يوزِّع والدُه الصايات العشر على أصحاب الحاجات، فلا يقع له منها شيء، وسرعان ما اعتذر عن فعله وهو يبدي تعجبه من فطنة الشيخ ومكاشفته! فقصَّ عليه الشيخ - رحمه الله - قصة السائل الذي سأله، مردفًا: كنت على يقين بأن الحسنة بعشرة أمثالها.

كُلَّمَا قِيلَ قَدْ تَنَاهَى أَرَانَا كَرَمًا مَا اهْتَدَتْ إِلَيْهِ الكِرَامُ

ومن حديث توكُّله على الله، وتسليمه الأمر كله لله:

أنه مات له ولدٌ في شرخ الشباب وميعة الصبا، كان يرى فيه نفسَه، ويعدُّه لخلافته، وقد أرسله إلى مصر ليدرس في الأزهر، ويعود بعلم غزير، وخير كثير، إلا أن أجَلَه كان أسبقَ من أمله، وتوفي بين يدي والده، فما زاد الشيخ على أن قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم منك وإليك، ووسده التراب في مقبرة الدحداح بدمشق الشام، ليلحق به بعد حين ويدفن إلى جواره، وما زال القبران متجاورين.

على أن الموقف الذي لم أرَ للشيخ فيه نظيرًا، هو ذاك الذي كان مع تلميذه ومريده الأثير لديه، الشيخ أبي الخير الميداني، شيخ الشام ورئيس رابطة العلماء فيها، فقد لزم الشيخ سليمًا، وأخذ عنه، وانتفع بعلمه وبحاله، وانقضتْ على صحبته سنوات، ختمها الشيخ بتوجيه تلميذه إلى شيخ آخر بعد أن نفِد ما عنده من علم؛ لما رآه فيه من النجابة والفطنة، وقد ائتمر المريد بأمر شيخه، فلزم الشيخ عيسى الكردي، وتزوج ابنته، وتخرج به بعد أن تخرج بالشيخ سليم، فكان بعد ذلك من نوادر العلماء - رحمه الله.

ومن عرف الشيوخ معرفتي بهم، علم علمًا لا يخالطه شك أن من أصعب الأمور عند كثير منهم، وأقساها على قلوبهم: أن يفارقهم تلاميذُهم، وأن يحضروا مجالس غيرهم، ولعل فراق الولد عند بعضهم أهون عليه من فراق التلميذ أو المريد، فما بالك بمن يدفع تلميذه دفعًا ليحضر عند شيخ غيره؛ بل ليلزم هذا الشيخ؟!

لقد توكَّل على الله فأحسن التوكل، وكان شعاره في الحياة: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3]؛ أي: كافيه وكافله، ومعطيه وحارسه، ومن كان الله كافيَه، فماذا ينقصه؟! ومن كان الله كافلَه، فماذا يعتريه؟! وممَّ يخاف؟!

إلهي، ماذا فقد من وَجَدَك؟! وماذا وجد من فقدك؟! لا ريب أن قوة الإيمان تصنع المعجزات، ولو تدبرنا سياق الآية التي مرَّت، لاستبان لنا مبلغ العناية الإلهية لكل من كان هذا شعاره؛ فالله - سبحانه وتعالى - يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3].

رحم الله الشيخ السليم المسوتي، وجزاه عنا وعن الأمة خير ما جزى عالمًا عن أمته، ومربيًا عن أولاده وتلامذته، ومتوكلاً عن إيمانه وعقيدته، وجعل الخير والبركة والعلم في نسله وحفدته، وقدر لهذا الزمان أن يبَرَّ بيمينه، فينجب الأخيار والأطهار والأبرار، الذين يحيون حياة سلفهم، وينشرون الفضيلة والسماحة والتقى، ويثبتون أن الخير موصول في هذه الأمة إلى يوم القيامة، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

........................................




بقلم الأستاذ الدكتور حسان الطيان



http://www.sadazaid.com/play.php?catsmktba=7622
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-23-2011
  #2
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: الشيخ سليم المسوتي ...شيخ المتوكلين

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
رضوان الله عن كل الصالحين
__________________
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 11-03-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الشيخ سليم المسوتي ...شيخ المتوكلين

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

امبن وعنا معهم يا رحيم
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
وفاة الشيخ الجليل والمربي الناصح الشيخ محمد عبد القادر معيني admin المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 1 04-18-2014 01:16 PM
انتقل الى رحمة الله الشيخ السيد تاج الدين ابن السيد مكي الكتاني عبدالقادر حمود المناسبات الدينية واخبار العالم الاسلامي 3 04-09-2012 02:01 AM
ترجمة الامام احمد بن عيسى المهاجر سليل آل البيت النبوى الطاهر عبدالقادر حمود السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام 1 03-27-2010 01:26 PM
طبخة الدراويش: الطبخة التي أعدها السلطان سليم عبدالقادر حمود ركن بلاد الشام 2 11-06-2009 12:15 AM
قصة الشيخ سليم المسوتي رحمه الله عبدالقادر حمود القسم العام 4 09-27-2009 01:27 PM


الساعة الآن 12:25 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir