أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ، والعجز والكسل ،والبخل والجبن وضلع الدين وغلبة الرجال           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 07-09-2011
  #11
عمرالحسني
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرالحسني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 93
معدل تقييم المستوى: 15
عمرالحسني is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في التصوف ، في الشأن العام و الخاص: ( مقدمات)

دراسات في التصوف،في الشأن العام و الخاص :(الولي و الخليفة)

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ، وبعد
يعلمنا أهل الله في مذكراتهم التربوية معنى الإرادة و المريد و المراد.وتتباين إشاراتهم بحسب مقامهم و قربهم من الله.فالله نور السموات و الأرض ، والإنسان في حركيته و تفاعله مع الكون و المكون يمد ما يحيطه من الذوات و الأرواح و الجماد ، بوجوده الخاص النوراني ، فلا يمر على أرض إلا و تشهد له بذكره لله تعالى ، و لايراه أحد من الخلق إلا و يذكره بالله ، ومامن أرواح ملائكية علوية إلا و يباهيها الله و يحف إليها كل عبد مطيع مطاع فاعل في الأرض مستخلف قائم بالقسط و العدل.
ب.الإنسان الخليفة :
لا شك أن ابن عربي قدس الله سره أورد في جل كتبه حقائقا حول الإنسان ، فالإنسان بالنسبة للشيخ الأكبر برزخ جامع بين الوجوب و الإمكان و المرآة الجامعة بين صفات القدم و أحكامه و بين صفات الحدثان وهو الواسطة بين الحق و الخلق به ومن مرتبته يصل فيض الحق و المدد الذي هو سبب بقائه ما سوى الحق إلى العالم كله علوا و سفلا ولولاه من حيث برزخيته التي تغاير الطرفين لم يقبل من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة و الإرتباط.
ويعتبر الجامي رضي الله عنه من فحول أهل التصوف ممن أحسنوا تأويل كلام الشيخ الأكبر ....أعلم أن النشاة الدنيوية الحسية بمنزلة خزان اختزن الحق سبحانه وتعالى فيها الحقائق الإمكانية و المظهرية و الحقائق الأسمائية الإلهية الظاهرة بها و لاشك أن كل واحدة من تلك الحقائق الإمكانية عبارة عن أحدية جمع حقائق بسيطة متباينة متمايزة مقتضية بذاتها الإفتراق ، فالأمتياز كما كانت في الرتب العلمية متحدة بالوجود الواحد الذي يقتضيه بذاته الوحدة وزوال الكثرة ، وباعتبار هذا الوجود الواحد ظهر بعضا متبوعا و بعضها تابعا ، وبعد اتحادها بالوجود الواحد صارت حقيقة مظهرية تظهر فيها السماء الإلهية بحسب قابليتها و استعدادها و جمعيتها ، ولما كان الكون الجامع و الإنسان الكامل أحدية جمع جميع الحقائق الإمكانية المظهرية ، وكان المقصود الأصلي و الغاية القصوى من إيجادها وجوده العنصري ، الذي هو مظهر أحدية جميع الحقائق الإلهية كان وصول الإمداد الإلهي و التجلي الوجودي إلى الحقائق المظهرية كلها قبل وجوده العنصري بواسطته ومن مرتبته ، و بعد وجوده العنصري فوض ذلك الإمداد إليه بأن وقع التجلي الأحدي الوجودي الجمعي أولا على حقيقته الأحدية الجمعية و برقيقة المناسبة التي بينه و بين حقيقة سرى إليها ثانيا ، فمادام كان ذلك الكامل مقصودا إيجاده أو بقاؤه في النشآت الدنيوية ووصل قبض التجلي من مرتبته أو وجوده إليها بقيت تلك الحقائق محفوظة من الخلل الذي تقتضيه التفرقة والمباينة التي كانت عنها قبل إيجادها بالوجود الواحد و الوحدة الذاتية لذلك التجلي وكان الختم عليها لئلا يفتحها تسلط تلك التفرقة و المباينة عليها و اقتضى التجلي التقلص و الا نسلاخ عنها ) شرح الجامي لفصوص الحكم ص ، 60.61.
النص مليئ بكلمات غامضة ،تزعج القارئ من أول وهلة ، أحدية وجوع ، تفرقة ومباينة تقلص و انسلاخ ، إمكان ومظهرية ، وهي كلمات في حد ذاتها لا تشير إلا لمعان دقيقة الأحدية نسبة للأحد ، فهل الإنسان حقيقة أحدية ؟ وما وجه الشبه أليس هذا حلولا ؟ ومالتفرقة و الجمع ؟ و ماهي الحقائق المظهرية.
مما لايحبه الباحثون ، هي كثرة الصياغات و التكلف و الأساليب المعقدة في التعبير عن مكنون حقيقة عالمية و كونية وهي معنى السير إلى الله و استعداد الإنسان لهذا السير ، اختيارا أو كرها. غير أن الروح في بوحها عن حقائق الوجود تحار في وضع كلمات مناسبة لأنوار طارئة تسمى بحسب أهل الله تعالى معرفة.
يقول ابن عربي قدس الله سره في الفص الآدمي : (لما شاء الحق سبحانه وتعالى من حيث أسمائه الحسنى التي لايبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها و إن شئت قلت أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله .لكونه متصفا بالوجود ، و يظهر به سره إليه.فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي رؤيته نفسه في أمر آخر يكون له كالمرآة ، فأنه تظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور إليه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل و لا تجليه له.
وقد كان الحق أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه ، فكان كمرآة غير مجلوة ومن شأن الحكم الإلهي أنه ما سوى محلا إلا و لابد أن يقبل روحا إلهيا عبر عنه بالنفخ فيه ، وما هو إلا حصول استعداد من تلك الصورة المسواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل و لايزال.
وما بقي ثمة قابل ، والقابل لا يكون إلا من فيضه القدس.
فالأمر كله منه ابتداؤه و انتهاؤه : ( وإليه يرجع الأمر كله ) هود 123، كما ابتدأ منه.
فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم ، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة و روح تلك الصورة.
وكانت الملائكة من بعض قوى تلك الصورة التي هي صورة تلك العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم ب " الإنسان الكبير".
فكانت الملائكة له كالقوى الروحانية و الحسية التي هي النشأة الإنسانية.
وكل قوة محجوبة بنفسها لا ترى أفضل من ذاتها.
وأن فيها فيما تزعم ، الأهلية لكل منصب عال ومرتبة رفيعة عند الله لما عندها من الجمعية الإلهية.) شرج الجامي لفصوص الحكم ص 49.50.51.52.53.54.
ينهل القوم من القرآن ، وتتسع دائرة فهومهم باتساع دائرة المشاهدة ثم المكاشفة ، والثانية أكثر عمقا من الأولى. غير أن القوم في سيرهم إلى الله تعالى يرون في القرآن العلم كل العلم .
و يخشون في لطائفهم الرقية أن تفتضح اسرار الربوبية. منها ما قد يسميها البعض الوحدة. ومنهم من يرى فيها الفلسفة الأفلاطونية ، والغريب في الأ مر أن ابن عربي قدس الله سره لايرى في أهل النظر و علومهم مجرد قصور علمي في معرفة الحقيقة الإلهية و الذات المحمدية.يقول رضي الله عنه في م/2 من كتاب الفتوحات المكية ....وأما أهل الإعتبار فيكون منهخم أصحاب أذواقو يعتبرون عن ذوق لا عن فكر ، و قد يكون الإعتبار عن فكر فيلتبس على الأجنبي بالصورة فيقول في كل واحد إنه معتبر ومن أهل الإعتبار ، وما يعلم أن الإعتبار قد يكون عن فكر وعن ذوق ، والإعتبار في أهل الأذواق هو الأصل و في أهل الأفكار فرع !!!!!!!!و صاحب الفكر ليس من أهل الإرادة إلا في الموضع الذي يجوز له الفكر فيه إن كان ثم مما لا يمكن أن يحصل الأمر المفكر فيه إلا به بفتح الكاف فحينئذ يأخذه من بابه ، وهل ثم أمر بهذه المثابة لا يمكن أن ينال من طرق الكشف و الوجود أم ؟.
فنحن نقول ما ثم نمنع من الفكرجملة واحدة لأنه يورث صاحبه التلبيس و عدم الصدق!، وماثم شيء إلا و يجوز العلم به من طريق الكشف و الوجود و الإشتغال بالفكر حجاب و غيرنا يمنع هذا ، و لكن لا يمنعه أحد من أهل طريق الله بل مانعه أنما هو من أهل النظر و الاستدلال من علماء الرسوم الذين لاذوق لهم في الأحوال ، فإن كان لهم ذوق في الأحوال كالأفلاطون الألهي من الحكماء فذلك نادر في القوم و تجد نفسه يخرج مخرج أهل الكشف والوجود ، وما كرهه من كرهه من أهل الإسلام إلا لنسبته إلى الفلسفة لجهلهم بمدلول هذه اللفظة و الحكماء هم على الحقيقة العلماء بالله و بكل شيء ومنزلة ذلك الشيء المعلوم " أنه هو الحكيم العليم" الذاريات آ 30، " ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا" البقرة آ 229 ، و الحكمة هي علم النبوة كما قال في داوود عليه السلام و أنه ممن آتاه الله الملك و الحكمة قال :" وءاتاه الله الملك و الحكمة و علمه مما يشاء" البقرة آ 251، والفيلسوف معناه محب الحكمة لأن سوفيا باللسان اليوناني هي الحكمة و قيل هي المحبة ، فالفلسفة معناه حب الحكمة و كل عاقل يحب الحكمة ، غير أن أهل الفكر خطؤهم في الإلهيات أكثر من إصابتهم سواءا كان فيلسوفا أو معتزليا أو أشعريا أو ماكان من أصناف أهل النظر ، فماذمت الفلاسفة لمجرد هذا الاسم و إنما ذموا لما أخطأوا فيه من العلم الإلهي مما يعارض ما جائت به الرسل عليهم السلام بحكمهم في نظرهم بما أعطاهم الفكر الفاسد في أصل النبوة و الرسالة ولماذا تستند فتشوش عليهم الأمر ن فلو طلبوا الحكمة حين أحبوها من الله لا من طريق الفكر أصابوا في كل شيء ، و أما عدا الفلاسفة من أهل النظر من المسلمين كالمعتزلة و الأشاعرة فأن حكم الإسلام سبق لهم و حكم عليهم ثم شرعوا في أن يذبوا عنه بحسب ما فهموا منه فهم مصيبون بالأصالة مخطئون في بعض الفروع بما يتأولونه مما يعطيهم الفكر و الدليل العقلي من أنهم إن حملوا بعض ألفاظ الشارع على ظاهرها في حق الله مما أحالته أدلة العقول كان كفرا عندهم فيؤولونه...) ص 512 م/2 الفتوحات.
ومن هنا نجد الشيخ الأكبر رضي الله عنه يتأدب مع مناوئيه و لم يكفر المعتزلة و الأشاعرة بقدر ما أشار الى خطئهم في بعض الفروع ، و اشار إلى أن الفيلسوف أحيانا يكون له ذوق في الأحوال، لكن هذا الذوق ليس بمانع و حاجز من المعرفة بقدر ما هو مانع عن المعرفة الحقيقة عن طريق التربية و الكشف .لذلك قبل ان نشرع في تفصيل فكرة الإنسان الكامل الخليفة ، تكون تهمة الفلسفة أو التصوف الفلسفي قد سقطت عن الشيخ الأكبر قدس الله سره .
في تكريم الله تعالى الأنسان و ابتلائه، يقول الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه تنوير المؤمنات ........ألقى الله سبحانه على العقل الإنساني مسؤولية الاختيار بين الكفر والإيمان، بين الضلالة والهدى. أخبرنا بذلك في مثل قوله: )فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه. ومن ضل فإِنما يضل عليها(.(سورة يونس، الآية: 108) وأخبرنا سبحانه أنه لايظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون. وجعل سبحانه من شرائط الإيمان الإيمانَ بالقدر خيره وشره. وأخبرنا في قرآنه على لسان نبيه إبراهيم عليه السلام أن الله خلقنا وخلق أعمالنا.
يجد العقل نفسه أمام امتحان عسير ليجمع بين ما يبدو من متناقضات في العقيدة، لأن المسؤولية تقتضي حرية. ويسأل العقل في امتحانه وبلائه: إذا كان عملي مخلوقا من لدنه مقدرا فما مكان مسؤوليتي؟
خلق سبحانه في الكون ما هو ملائم للفطرة الإنسانية ومنطق العقل الإنساني مثل الخصب والصحة والرخاء والأمن والعافية. وخلق ما يصدم منطق العقل وما يثير اعتراضه وحيرته مثل الجدْب، وقلة الأرزاق، ومرض الطفل، وبؤس البائسين إلى جانب ترف المترفين، والحروب بين البشر، والكوارث والصواعق. يحار العقل بين الإيمان الذي يجد دليله البدهي مغروزا في فطرته، وهو حاجة هذا الكون المنظم إلى صانع، وبين متناقضات الكون.
مما يجده العقل في بدهياته، وتجده الفطرة مغروزا في أعماقها موازين الخير والشر. يضع العقل أحداث الكون المتناقضة في ميزان ما يُقَبِّحه هو وما يستحسنه فيجد أن في العالم ظلما وألما وشرا، ويسمع من الرسُل عليهم السلام خبرا غيبيا أن هنالك شياطين من الجن يلعبون بالإنس.
لم كل هذا الشر؟
ليس في متناول العقل الإنساني مفتاح ألغاز الكون والتاريخ ما دام منغلقا عن الوحي، وما دام أفق تأمله لا يتجاوز الدنيا وشهادة ما يرى وما يسمع وما يدرك بالمنطق والتجربة، وما تصل الحواس إليه مباشرة أو بواسطة المجهر والتلسكوب. فإذا انفتح العقل على الوحي وسمِع خبر الآخرة وصدق وأيقن، عندئذ تجتمع أمام باصرته معطيات الخلق، وتكتمل لميزانه الصنوج الضرورية لوزن المتناقضات، ووضع المسؤولية والحرية مكانهما. ومن وراء كل ذلك حكمة الله التي استأثر سبحانه بعلمها وتدبيرها.
العقل الإنساني في امتحان ما بين خروجه إلى الدنيا وانصرافه عنها. بل ما بين إخراج الله إياه إليها وأخذه إياه منها. من تفرعُن العقل الغافل أن ينسب لنفسه ما هو مُكْره عليه.
العقل الإنساني الفرد في امتحان وابتلاء وفتنة. الإنسان في هذه الدنيا ما بيْنَ ملائم يعده خيرا وما بين صادم كريه يعده شرا. والخير خير الآخرة لمن نجح في الامتحان، وسبقت له من الله سابقة الحسنى.
والأمم في مجموعها في امتحان وبلاء، يداول الله الأيام بين الناس، وتضطرب أقطار الأرض بتدافع الأمم وتقاتلها. سعادتها وشقاؤها رهن بنجاحها في الامتحان.
قانون ابتلاء الأمم وناموسُه وسنته نقرأها في قوله تعالى: )ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون. فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا. ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون. فلما نَسُوا ما ذُكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء. حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون. فقطع دابر القوم الذين ظلموا. والحمد لله رب العالمين(.(سورة الأنعام، الآيات: 43-46)
ويقص الحق سبحانه علينا خبر الأمم التي عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبها هنا في الدنيا حسابا عسيرا وعذبها عذابا نكرا فذاقت وبال أمرها. وكان عاقبة أمرها خسرا.
تُعلَن نتيجة امتحان الأمم هنا في الدنيا فتنال جزاءها، وتعذب على قدر انحرافها عن دين الله وعتوها وإفسادها: )ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعـون(.(سورة الروم، الآية: 40)
أما امتحان الأفراد، فإن كانت أسئلته توضع على المرأة والرجل كل يوم، فإن النتائج لا تظهر إلا في الآخرة. فشقي في النار وشقية، وسعيد في الجنة وسعيدة.
أهلك الله سبحانه قوم نوح وعذبهم في الدنيا بالطوفان لما كفروا وأعرضوا. وفتح على عاد قَومِ هود أبواب الرخاء فبنوا وشيدوا، واتخذوا مصانع لعلهم يخلدون، وبطشوا بمن حولهم من الأمم. حتى إذا فرحوا بما أوتوا وَفقا لقانون الله وسنته في بلاء الأمم أرسل عليهم سبحانه ريحا صرصرا في يوم نَحس مستمر.
وفتح سبحانه على ثَمودَ قومِ صالح جنات وعيونا وزروعا ومقاما كريما ومساكن فارهة منحوتة في الجبل لا يزال المسافر من الأردن إلى الجزيرة العربية يمر عليها ليعتبر المعتبر. وفتنهم الله مع ما فتح عليهم من خيرات ملائمة محببة للنفس بدعوة صالح عليه السلام وناقة الله وسقياها، فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم، فأرسل عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر.
وهكذا فعل سبحانه ويفعل بالقرى الظالمِ أهلها وبالحضارات المتمردة عليه المكذبة لرسله.
كنا في الفقرة السابقة نتحدث عن العقل المتفرعن التائه بمنجزاته وعلومه وقوته. تلك كانت نظرة من جانب واحد. نكمل تلك النظرة الكاشفة عن الظواهر بنظرة الاعتبار التي تعطي للتاريخ وما يجري في الكون معنى، كما تعطي للإنسان وعقله ومسؤوليته وحريته مكانها في الامتحان المستمر.
هذه الحضارة الغربية في قاعة الامتحان كما كانت عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع. ما فتح الله عليها من حذق العقل الصانع العلومي، وما أغدق عليها من ملائم تحسبه خيرا، وما أتاح لها من قوة، وما كدس عليها من أشياء تفرح بها، وتلهو بها، ما هي إلا أسئلة مجسمة للبلاء.
وما تعانيه الأمة الإسلامية من تخلف وقهر وفقر وشتات ما هو إلا فساد ظهر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون. نسأله سبحانه العفو واللطف.
في القرآن الكريم عبارتان عن الفتح: "فتح على" يذيق الله به الجاحدين من أهل القرى الظالمة رخاء الدنيا وقوتها قبل أن يعذبها. و"فتح لِ" خصصه الله سبحانه لأحبائه الصالحين من عباده. وهو الذي خاطب به سبحانه محمدا رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال: )إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويُتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا(.(سورة الفتح، الآيات: 1-3)
إن لا تستقم الأمة على الدين فهي غثاء يجرفها سيل الحضارة المادية. نقطة التقاطع بين "الفتح على" و"الفتح لِ" هي العقل الإنساني ما يوجهه؟ مسار الجاهلية المعاصرة يوجهها الهوى، والغريزة، والدوابية، وتأله النفس الهلوع، والفلسفة العقلانية التي تقول للإنسان: اعبد نفسك فأنت أنت. غرور العقل الصانع بأشيائه وعلومه وقوته فتح من الله عليه في عالميه المادي والنفسي. حريته ذهبت من حيث لا يشعر، فالتكنولوجيا تسوقه حيث لا يريد وحيث لا يستطيع فكاكا. أغرقته أشياؤه في التفاهة وقَمَّطته إفرازات ذكائه ومهارته في نسيج متين من خيوط عنكبوتية هي فولاذه وصناعته الثقيلة ورأسماليته العملاقة. عنكبوتية في ميزان الآخرة، لكنها هنا بأس شديد علينا وعلى المستضعَفين.
للإنسان الجاهلي دعوى عريضة بما يرى من تنامي قوته. يغفُل، بل يتغافل عن تدهور الإنسان الغربي أخلاقيا ونفسيا، فينصب نفسه مدافعا عن حقوق الإنسان في العالم، ويحشُد الجيوش لقمع الأمم. فقد بلغ ظلمه مداه وآن أن تنطبق سنة الله عليه. آن. ولا يعلم الغيب إلا الله، ومن سنته تعالى في الأمم أن يُمْلي لها ويُنظِرَها ويَمْكُر بها. لكن سنته لا تتخلف.
نقطة التقاطع والتباين بين "الفتح على" الذي يبتلي به الله العتاة في الأرض، وبين "الفتح لِ" الذي خص الله به محمدا صلى الله عليه وسلم ووعد أمته بالنصر العزيز إن استقامت على هديه، هي التعرض لكرامة الله.
كرم الله بني آدم كرامة استعداد. من بني آدم من استقام مع الرسل عليهم السلام فنُصروا في الدنيا أمما، وأفلحوا في الآخرة أفرادا. ومنهم من انحرف وكفر وجحد فأخذهم الله نكالا في الدنيا أمما، وعذبهم أفرادا في الآخرة لكفرهم.
كرامة الله لبني آدم تتمثل في هذه الموهبَة العظيمة: العقل. من بني آدم من تولَّى ولم تبلغه دعوة الرسل فهو كالبهيمة ذو عقل معاشي يأكل ويشرب ويتمتع كما تتمتع الأنعام. في ميزان الآخرة تستوي الأمم البدائية والأمم المصنعة الماهرة، ويستوي الأفراد الذين أكلوا في الدنيا والذين جاعوا. بهيمة في الدنيا وفي الآخرة كل من احتجب عن الهدى بمعاشه وآلة معاشه.
ومن بني آدم من استجاب لداعي الله ففتح الله لعقله وقلبه أبواب الهداية وسبل السعادة. فهو على طريق آدم عليه السلام الذي سواه الله ونفخ فيه من روحه وجعله خليفة في الأرض، وأسجد له الملائكة. وكذلك سوانا من نطفة وخلقنا في أحسن تقويم. تلك كرامة النشأة الترابية هذه، تسكن الروح قفصها زمنا تكسِب فيه معاشها ضرورةَ حياة، وتكسب فيه فلاحها الأخروي، وتبني فيه وبه معادها هداية من الله وإتمام نعمة وكرامة.
الدوابيون المعرضون عن الله يبحثون عن حقيقة الإنسان بين عقل فاحص وجسم لا تنتهي عجائبه، وإتقان تركيبه، ودقة صنعه، ووظائف جوارحه، ونُورُنات دماغه، وشبكة أعصابه، ومكونات دمه، وتوازنه العجيب الذي يمكنه من القيام على قدمين، والبطش بيدين، والسمع بأذنين، والإبصار بعينين. وهكذا.
حوار أصمُّ أعمى مغلق الآفاق بين عقل لا يسمع من الوحي وجسم هو في حد ذاته لغز مُعَمّىً على من كفر، وآية باهرة على وجود الخالق سبحانه لمن آمن وسمع الرسل وصدق.
بعد هذه النشأة الأولى المركبة من عقل وجسم وغرائز ونفس وروح، ينشئنا الله عز وجل النشأة الآخرة بعد الموت والبعث. أكرمنا الله سبحانه هنا في الدنيا بعطايا ومزايا ونِعم يبتلينا بها أَنَشكر ونومن، أم نجحد ونكفر. وإنْ كل هذه العطايا إلاَّ جَهازٌ ومتاع وآلة لنكسب بها الفلاح الأخروي الأبدي. بعد هذه النشأة المركبة العجيبة في جسمانيتها وعقلانيتها ونفسانيتها وروحانيتها نشأة الأبد والخلود. خلود في الجنة والنظر إلى وجه الله، أو خلود في النار نعوذ بالله. )ثم الله ينشئ النشأة الآخرة. إن الله على كل شيء قدير(.(سورة العنكبوت، الآية: 19) .

نسال الله أن يرحمنا آمين
عمرالحسني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-09-2011
  #12
عمرالحسني
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرالحسني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 93
معدل تقييم المستوى: 15
عمرالحسني is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في التصوف ، في الشأن العام و الخاص: ( مقدمات)

راسات في التصوف ، في الشأن العام و الخاص : ( الولي و الخليفة)

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله وصحبه وسلم تسليما ، و بعد
برئ الشيخ الأكبر رضي الله عنه من الفلسفة ، وقد كانت كل كتبه التربوية تدل على الله بدقة و فهم عميق و ترتيب متناسق. والحققة أن أغلب مناوئيه لا يعتمدون إلا لنقد بعض المستشرقين و المستغربين معا ، و للإستحسان بعضهم لكلام الشيخ الأكبر بطريقة حداثية كما يتصورونها ، أصبح التصوف في عرف كثير من السلفية والعلماء بابا للإستعمار.
يخطئ مسبقا من قرأ لناقديه ومؤيديه بالبرهان العقلي فقط. فالعقل في نسبيته و أدواته المعرفية ليس تابعا إلا للقلب ، ففي الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد ألا وهي القلب.
كتب الشيخ قدس الله سره تبحث في المباحث التالية
أ.السيادة الآدمية.
ب.السيادة المحمدية.
ج.جقائق المعرفة.
د.مبحث الكمال.
ه.نقد ذاتي موضوعي لأهل النظر و أهل الله معا.
م.تجديد فهم القرآن بالغوص في معانيه و ترتيب خطابه للأنسان.
فأن تتبعت جميع كتبه و خصوصا كتاب الفتوحات المكية ، وجدت هذه المباحث حاضرة في جميع فصول كتبه ، وتدل هذه المباحث كلها على ترتيب دقيق و فهم شامل و إدراك قلبي و تلق نوراني للفهوم القرآنية التي تجدها في كتب الشيخ الأكبر.
يقول رضي الله عنه في م/2 من كتابه الفتوحات واعلم أن هذه الحقيقة التي جعلته يسمى إنسانا وهي في كل إنسان ولكن كانت في آدم أتم لأنه كان و لامثل له ، ثم بعد ذلك انتشأت منه الأمثال فخرجت على صورته ، كما انتشأ هو من العالم ومن الأسماء الألهية فخرج على صورة العالم وصورة الحق فوقع الإشتراك بين الناسي في أشياء و انفرد كل شخص بأمر يمتاز به عن غيره وهو العالم ، فبما ينفرد به الإنسان يسمى الإنسان المفرد ، وبما يشترك به يسمى الإنسان الكبير ، و لما كان آدم أبا البشر كانت منه رقيقة إلى كل إنسان و نسبة ، ولما كان هو العالم ومن الحق بمنزلة بنيه منه كانت فيه رقيقة ممن كل صورة في العام تمتد إليه لتحفظ عليه صورته و رقيقة من كل اسم إلهي تمتد إليه لتحفظ عليه مرتبته و خلافته ، فهو يتنوع في حالاته تنوع الأسماء الألهية ، ويتقلب في أكوانه تقلب العالم ، وهو صغير الحجم لطيف الجرم سريع الحركة ، فإذا تحرك حرك العالم بأسره ، استدعى بتلك الحركة توجه الأسماء الألهية عليه لترى ما أراد بتلك الحركة فتفضي في ذلك بحسب حقلئقها ن و لم يكن في الأفلاك أصغر من فلك سماء الدنيا فأسكنه الله فيها للمناسبة ، و لصغر هذا الفلك كان أسرع دورة فناسب سرعة الخواطر في الإنسان فأسكنه من حيث أنه إنسان مفرد خاصة لا من حيث غشتراكه ، ثم أن الله جعل له من بنيه في كل سماء شخصا وهو عيسى و يوسف و إدريس و هارون و يحيى وموسى و إبراهيم عليه السلام ، فهو ناظر إليهم في كل يوم بما هو أب لهم ، وهم ناظرون إليه من حيث ماهم في منازل معينة لا من حيث هم أبناء له ، وهذا الإنسان المفرد يقابل بذاته الحضرة الإلهية ، وقد خلقه من حيث شكله و أعضاؤه على جهات ست ظهرت فيه ، فهو في العالم كالنقطة من المحيط ، وهو من الحق كالباطن ، من العالم الظاهر ، ومن القصد كالأول ، ومن النشئ كالآخر ، فهو الأول بالقصد ، آخر بالنشئ و ظاهر بالصورة ، و باطن بالروح ، كما أنه خلقه الله من حيث طبيعته و صورة جسمه من أبرع ن فله التربيع من طبيعته إذ كان مجموع الأربعة الأركان ، و أنشأ جسده ذا أبعاد ثلاثة من طول و عرض و عمق فأشبه الحضرة الألهية ذاتا و صفات و أفعالا ، فهذه ثلاث مراتب : مرتبة شكله وهو عين جهاته ، و مرتبة طبيعته ن و مرتبة جسمه ن ثم إن الله جعل له مثلا و ضدا وما ثم سوى هذه الخمسة .......) ص 437، 438.
تستدعي هذه الفهوم النورانية نوعا من التركيز و الإنتباه ، وتمييز عموم اللفظ من خصوصه ، وفي نفس أن لا يسبح خيال القارئ الى ما لا يمكن تصوره من الوظائف و المقامات و تنوع الحضرات.
بمعنى آخر نسبة الإنسان إلى خالقه و خصوصيته ناتجة عن خلافته ، فلو لم تكن الخلافة الإنسانية في الأرض ، لم يكن الأنسان صغير الجرم في الظاهر ، كبير الإمتداد في الباطن يتحرك الكون بتحركه. فالتوبة و اليقظة و الإرادة و العزم عوالم في حد ذاتها ، و القبض و البسط أجرام سماوية روحانية قلبية في إنفعالها و انقباضها و انبساطها ، بهما تحلق الروح بجناحي الرغبة و الرهبة ، و أفلاك الحقيقة و الشريعة و الطريقة تستوى أقد امها فلا ثم إلا الله تعالى .
بمعنى حركي إنساني معاصر ، حركة الإنسان تتناسب مع مقتضيات الأسماء الألهية ، فيرفع من شأن الإنسان باسمه الرافع و يخفض باسمه الخافض ، والتاريخ في سيره البشري مجرد صورة لما في عالم الإنسان من الطموح و الرغبة في الرفعة و متطلبات السلطة و المنعة.
لا تتحرك إلا بتحرك الإنسان ، المتوجه إلى الله تعالى و الكون معه بمقتضى الإسم.
وفي علاقة العالم بالإنسان يقول ...فلما أراد الله كمال هذه النشأة الإنسانية جمع لهالا بين يديه و أعطاها جميع حقائق العالم و تجلى لها في الأسماء كلها ، فحازت الصورة الإلهية و الصورة الكونية معا ، و جعلها روحا للعلم ، و جعل أصناف العالم كله كالأعضاء من الجسم للروح المدبر له ، فلو فارق العالم هذا اإنسان مات العالم ، كما أنه إذا فارق منه ما فارق كان فراقه لذلك الصنف من العالم كالخذر لبعض الجوارح من الجسم فتتعطل تلك الجارحة لكون الروح الحساس النامي فارقها ، كما تتعطل الدنيا بمفارقة الإنسان ، فالدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ، فلما كان له هذا الإسم الجامع قابل الحضرتين بذاته فصحت له الخلافة و تدبير العالم و تفصيله ، فإذا لم يحز الإنسان رتبة الكمال فهو حيوان تشبه صورته الظاهرة صورة الإنسان ، وكلامنا في الإنسان الكامل فإن الله ما خلق أولا من النوع هذا النوع إل الكامل وهو آدم عليه السلام ، ثم أبان الحق عن مرتبة الكمال لهذا النوع فمن حازها منه فهو الإنسان الذي أريده ، ومن نزل عن تلك الرتبة فعنده من الإنسانية ما تبقى له ، وليس في الموجودات من وسع الحق سواه وما وسعه إلا بقبول الصورة ، فهو مجلى الحق و الحق مجلى حقائق العالم بروحه الذي هو الإنسان ، و أعطى المؤخر لأنه آخر نوع ظهر ، فأوليته حق و آخريته خلق ، فهو الأول من حيث الصورة الإلهية ، و الآخر من حيث الصورة الكونية ن و الظاهر بالصورتين و الباطن من الصورة الكونية بما عنده من الصورة الإلهية ، وقد ظهر حكم هذا في عدم علم الملائكة بمنزلته مع كون الله قد قال لهم : إنه " خليفة" البقرة آ 30، فكيف بهم لو لم يقل لهم ذالك ؟ .....) م/2 ص 458، 459 ، من كتاب الفتوحات المكية.
لم يكن الخطاب القرآني يوما ما غامضا ن فقد جاءنا بلسان عربي مبين. و خلافة الإنسان في الأرض في شانها العام عمارتها و العدل فيها و في شانها الخاص امتداد لولاية العبد لمولاه و قوفه مع اسمه الجامع بالخذمة و الإنصياع. لا شك أن القارئ لهذه الكلمات النورانية ، قد يستغرب لما للأنسان شان خاص في الكلام ا لإلهي. وتزداد حيرته إن وجد أن حرية الأنسان رهينة بما يعتقده و إلى ما يتوجه إليه ؟
حرصت الفلسفات و النظم الأنسانية و الأجتماعية و الفكرية أن تعلي من عقل الإنسان لا من آدميته وتظل في حيرتها تحتار عندما لا تجد ذلك التوازن بين الوحي و العقل ، والخطاب القرآني و التدبر الإنساني ، و بينه بينها تلك الحجب المانعة عن الفهم في أدبيات التعارض بين العلم و الوحي ، و الفهم و الممارسة ، و العلم بالعلم و الجهل بهما.
أ.الوحي غير الفلسفة :الوحي والفلسفة
لعل الحوار مع العسكري يكون إليه مسلك أهون وأقرب من المسلك إلى محاورة المتفلسف المُشبع بأفكار رَضَعها وتمثلها وسكنت في فكره وطبعه ونمط حياته ونظرته للكون وحكمه على الأشياء والناس بمنهجيته العقلانية الطاغية.
العسكري رجل التقنية والعلوم وأوامر تطبق. فمن الطبيعي أن يكون في سلوكه بعض تحجر وتصلب وتقييم للحياة وما فيها بمعيار مرتبية الرئيس والمرؤوس. لكن براءته من الفلسفة وما تصنعه الفلسفة بالعقول وما تسلخ من فطرة تجعله أقرب إلى مراجعة ما يكون معه من ميراث عقَدي. وذاك ما تشير إليه كلمة أنور السادات التي قرأناها في الفقرة السابقة.
تقول الملاحظـة الميدانية: إن طلبة كليات العلـوم والطب والهندسة يستجيبون للدعوة الإسلامية ويُكوِّنون صفوة جندها، بينما الطلبة الذين مروا بالشعب الأدبية والفلسفية -لا سيما في المدارس المقتفية نظامَ التعليم الفرنسي ومناهجه- ينغلقون عن الدعوة. ذلك لأنهم اكتسبوا "مَنَعَة" ضد الإيمان بما أودعتهم المناهج الفلسفية التي تعرضوا "لإشعاعها" المميت وعدوانها من الشك والتشكيك ومركزية الإنسان في الوجود وعقيدة أن الله -تعالى الله- فكرة تتطور مع العصور، وأن الإنسان خلق فكرة الله -جل الله- لا العكس.
فإنْ رَبَطَ أساتذة الفلسفة خريجو الطاحون الغربي منهجية الشك بنضاليةٍ لبراليةٍ تقدس الحرية، أو بنضالية تقدمية تنشدُ العدل،اجتمع على الطلبة عاملان يخربان أصول الفطرة،ويحفران جذورها،ويدوِّخان فروعها،ويطمسان رسومها: عامل فكري منهجي فلسفي، وعامل سياسي نضالي نفسي.
فإن كان الطالب طلع إلى الثانوية والكلية وما معه من سـلالة الفطرة وهداية الوحي ما يبصِّرهُ بضلال الأستاذ فقد تمددت الضحية أمام الجزار. إذا طلع الطالب ولم يسبِقْ إلى سمعه الفطري خبرُ الآخرة، ولا ألقَتْ إليه الأم ولا ألقى إليه الأب في نعومة أظفاره، ولا علمه معلم الابتدائية، أن الله تعالى هو الخالق العليم المحيي المميت باعث الرسل محيي العظام وهي رميم حسيب العباد ومجازيهم في الجنة أو النار فقد انفرد الأستاذ الفيلسوف بالمتلقي النموذجي.
ويقرِن الفلاسفة الملاحدة المنتشرون في الكليات والثانويـات المنَظَّمُونَ المُحزَّبون نقدَ الدين بنقد الرجعية السياسية المتلفعة بشعار الدين وشعار الدفاع عن العقيدة. وتعمل الكلمة المتوهجة بالغضب النضـالي، المشفوعةُ بالحجة الفلسفية، المعززةُ بِسلطان الأستاذية، المتحببةُ بطول العِشرة، المُمنهجةُ بتقنيات الاستقطاب، عملها في النفوس الغضة العزلاء.
يقدِّمُ الفلاسفة الملحدون الدين -كلَّ دين- على أنه كهانة سبقنا الغرب إلى حربها وتنحيتها من الساحة وطردِها من الوجود السياسي منذ قرون.
يعرِضُ الأساتذة الفلاسفة الملحدون المناضلون على النفوس الغضة الضحية مآثر العقول الجبارة من سقراط إلى دِكارط، ومن لوك إلى كانط، ومن هيجل إلى ماركس، ومن سارتر إلى هيدجر. ويغرقون العقول الساذجة في لفظيات الفلسفة وجُمَلِيَّات الإديولوجية فيتشربها العقل الناشئ على ظمإٍ إلى المعرفة، فإذا هو الغني الطارئ الغِنى يتبجح بمكاسبه الفكرية العالمية.
ما هي المنهجية الفلسفية، هذا السلاحُ الفتاكُ في يد القتالين؟
كانت الفلسفة التأملية السقراطية تلخص الوجود في أفكار، وتفصله في مقولات، وتترك للسؤال عن الموجِد هامشا للتأمل. وكان المذهب الأفلاطوني يقترح مُثُلا عليا تتراآى في نورها المزعوم حقائق الوجود "لساكن الكهف"، هذا الإنسان الغامض الغريب. وكان الاهتمام بالألوهية -بالمفارقة كما يعبر الفلاسفة- حضوراً مُلِحّاً يُتنافش فيه ويُسأل عنه.
وشَرِبَ من أبنـاء المسلمين في القـرون الأولى من جداول السقراطية والأرسطية المشائية والأفلاطونية كما شربوا من مستنقعات الفلسفة المشرقية الهندية والصابئية والزرادشتية. وهكذا يفسر "الشيخ الرئيس" ابن سينا الإسلام تفسيره الفلسفي، ينظر إليه من خلال مزيج الفلسفات الغازية، وتنتهي الرئاسة إلى ابن رشد الذي فصل الدين عن الفلسفة ليثبت للدين وجودا ومشروعية عقلانية كما يثبت مشروعية الفلسفة.
وكان جهاد علمائنا للفلسفة الحَرَّانية الأرسطية السينية الرشدية جهادا في التفاصيل لا في مبدإ وجود الله. علماؤنا الأولون ردوا على الفكر الفلسفي بما مُؤَداه أن العقل لا يناقض الوحي، وأن الوحي مرتبةُ التسليم ليس على العقل بعد أن يؤدي وظيفته إلا أن يجلس من الوحي مجلس التلميذ ليستمع.
وظيفة العقل كما يقول علماؤنا أن ينظر في ملكوت السماء والأرض وفي نظام العالم حتى يقتنع أنه لا بد للوجود من موجد.وعندئذ يستمع للنبوءة تأتيه بخبر الألوهية وخبر الآخرة.
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله: "أنه (أي العالَم) افتقر إلى مُحدِث، وأن بعثة الرسل من أفعاله (أفعال المحدث) الجائزة، وأنه قـادر عليه وعلى تعريف صدقهم بالمعجزات،وأن هذا الجائز (أي المعجزات) واقع.عند هذا ينقطع كلام المتكلم وينتهي تصرف العقل. بل العقل يدل على صدق النبي ثم يعزل نفسه، ويعترف بأنه يتلقى من النبي بالقَبول ما يقوله في الله وفي اليوم الآخـر مما لا يستقل العقل بِدَرْكِهِ ولا يقضي أيضا باستحالته".[1]
وكان لعلماء الكلام جولاتٌ مع الفـلاسفة يمنعونهم من حفر جذور الإيمان. لم يسْلَم المتكلمون بطول خوضهم مع الفلاسفة في الإلاهيـات من رشاش يصيبهم ونقد من جانب المحدثين أهل السنة يحط من قيمة الكلام. وقد كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كتابا عنـوانه "بيان موافقـة صريح المعقول لصحيح المنقول" رد فيه على الفلاسفة بمنهجية غير منهجيتهم، وبمنطق غير المنطق الصوري الأرسطي الذي أُعجبَ به الغزالي فاستحق الملام.
قال شيخ الإسلام في كتابه هذا:[2] "وكان ابن العربي (المعافـري) يقول: شيخنا أبو حامد (الغزالي) دخل في بطون الفلاسفة ثم أراد أن يخرج منهم فما قدر".
وينتقد ابن تيمية رحمه الله المتكلمـين ومنهجيتهم فيقول: "هذا القانون الذي وضعه هؤلاء، يضع كل فريق لأنفسهم قانونا فيما جاءت به الأنبياء عن الله فيجعلون الأصل الذي يعتقدونه ويعتمدونه (يعني قانون سبق العقل للنقل) هو ما ظنوا أن عقولهم عرفته. ويجعلون ما جاءت به الأنبيـاء تَبَعا. فما وافق قانونَهم تبعوه، وما خالفه لم يتبعوه. وهذا يشبه ما وضعته النصارى".
ويشتد شيخ الإسلام رحمه الله على هذه المنهجية التي تجعل تخمينات العقل أصلا وخبر الوحي فرعا. يقول: " فالنصارى أقرب إلى تعظيم الأنبياء والرسل من هؤلاء". وينحو هو مَنْحىً آخرَ في تدليله على مطـابقة "صريح المعقول لصحيح المنقول" فيجعل هداية الوحي أصلا يعرِضه على العقل فلا يجد العقل مغمَزا.
لا يجد عقل المومن ابن تيمية، أما العقول المُشْبَعَةُ بالمنهجيات الفلسفية المادية في عصرنا فالدين مرفوض عندها من أساسه. لم يعد الجدال في التطابق أو عدم التطابق بين العقل والنقل، بل الجدل في الأسلوب الذي ينبغي اتخاذه للقضاء على رواسب القرون الوسطى: الدين والرجعية، الرجعية والدين.
كان عقل الأولين يجيزُ معجزة النبي ويملأه الهم بالخـالق ما صفاتُه وما يجب له وما يستحيل عليه. أما في عصرنا، عصرِ "المعجزات" العلمية المذهلة والصخَب والجرَب،فالنبوءة عند الفلاسفة الملحدين شعوذة، والألوهية خرافة انطلت على الإنسان في زمان طفولته.
الفلسفة الحديثة منذ دكارط فلسفة تمرُّدٍ وتأَلُّهٍ وجبروت.يقول الفيلسوف: "أنا!"، وليس لديه أي استعداد للبحث عن أنِّيَّتِهِ خارج عقله. قال دكارط: "أنا أفكر فأنا موجود". واتخذ الفلاسفة من بعده هذه المسلمة المعتوهة أساسا منهجيا.
قال دكارط: "لستُ إلا شيئا يفكر... يفكر هذا الكَمَّ الذي يمكن أن أعُدَّ منه أجزاءً، وأن أنسُبَ إلى كل جزء أنواعا من المقـادير والصور والأوضاع والحركة". شيء يفكر، شيء من الأشياء هو الإنسان! معناه وغايته وأصله وفرعه منحصرة في وظيفته العقلانية.
كان الفيلسوف القديم يناصِبُ الوحيَ ويطاوله ويزعم أنه بوسائله قادر على معرفة سر الوجود ومعنى الموجود. أما الفيلسوف الحديث فقد ولَّى ظهره للهم "المفارق" وأقبل على الطبيعة هو منها وإليها، لا شيءَ هو غيرَ هذا الشيء الذي يفكر في المقادير والأجزاء والصور والأوضاع والحركة.
هدف الفيلسوف الحديث السيطرةُ على الطبيعة،ومنهجيته الشك،وسؤاله: كيف؟ لا يسأل أبدا: لماذا؟ قبِلَ العبثية تفسيرا للوجـود. عبثيةَ المعاناة عند سارتر، وعبثية التأله والتطاول عند نتشه. وقد تحرر كانط وحرر الفلسفة من بعده من رواسب الأرسطية وهموم "المفارقة"، فالمفارقة عندَه خيال. ثم انتهت الفلسفة وانختمت بالتجريد التصوري عند هيجل.
انختمت فلسفات التأمل في المفارقة، والتصور الحائم في "الفكرة"، لتُتَوَّج المقدمات الدكارطية والجدلية الهيجلية والمادية الفورباخية بالصراعية الماركسية، بالجدلية المادية الثورية، بفلسفة الفعل التاريخي التطوري.زهرةِ الفلسفة وثمرتِها.
إن نقدنا للفلسفات الفاعلة في عصرنا لا يصلح له إلا الفعل لا القول. ولئن كان من فروض الكفاية أن يتخصص بعضنا في "الكلام" مع الزنادقة والملحدين فإن على وازع السلطان الإسلامي أن يتحرك أسبَقَ شيء وأمَسَّهُ ضرورة لاستنقاذ النشء من مخالب الفلاسفة الملحدين. ومكروا ومكر الله، والله خير الماكرين. ).مقتبس من كتاب العدل : الإسلاميون و الحكم.

ثم يقول رضي الله عنه : ( نكتب هذا إلحاحا على أن المنهاج النبوي مسلك يعبر الدنيا بما فيها من قوى واصطدام واضطراب ونشاط ولا يتجنبها. وأن القرآن كلام الله، الله الذي يسير العالم ويحكم ما يريد. قدر الله يجري في العالم كما يشاء الله، ونحن مغلوبون منهوبون مقهورون بما كسبت أيدينا. هذا الكسب ومسؤوليتنا عن هزيمتنا هما شرع الله. ورجوعنا لشرع الله نعظمه ونقدسه ونعمل بمقتضاه يسدد خطانا على صراط الله المستقيم المؤدي للحسنيين. واتباع الرسول الذي يوحى إليه هو المنهاج. فهذا علاقة عنوان هذا الفصل بما يجري في العالم.
قال الله تعالى يخاطب حبيبه صلى الله عليه وسلم: ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ﴾ [2]. روح من الله إلى رسول الله. نور محمول إلينا، باق بين ظهرانينا. به فقط يستنير لنا المنهاج، الصراط المستقيم، صراط الله الذي له ما في السماوات من غيب نؤمن به، وما في الأرض من حقائق محرقة تصطلي الأمة بنارها. والله ورسوله الملجأ. فأين نذهب؟ كل المذاهب الضالة جربت فينا ففتكت بنا. ونور الله بين أيدينا. يا للهلكة! هلكة من يتحدث عن محمد العبقري بطل القومية. قال تعالى يخاطب أمثال هؤلاء: ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى، وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾ [3].
عبد يوحى إليه. والوحي والرسالة مناط الإيمان كله. لذلك يركز وَثنيو القومية وأساتذتهم من المستشرقين هجومهم على الوحي والرسالة ليتعتعوا المسلمين عن يقينهم بأن الرسول مبعوث مأمور من لدن خالق الأرض والسماء، خالق الإنسان ومصيره من الدنيا للآخرة. وبنعوت خبيثة كالعبقرية والبطولة يحاولون أن يمحوا وجه العبد الذي فزع لما باغته الوحي ورأى جبريل، ثم استأنس، ثم تلقى القرآن، ثم دعا قومه، ثم أوذي في الله فصبر، ثم ربى وجاهد، وهدى الله به العالم إلى يوم القيامة. عبد لا يشرع من عنده، وإن خطط فتطبيقا للوحي يصحبه التوفيق الإلهي. وإن حمل السلاح فاستجابة للأمر الإلهي. وإن قال فبالله، وإن تحرك فبإذنه، وإن غضب فله، وإن أحب ففيه. عبد رباني إلهي. عبد يوحى إليه.
كان القرآن ينزل طريا مواكبا للمسيرة التاريخية موجها لها. هو العلم، وهو المنهاج، وهو البرنامج، وهو النور الهادي إلى صراط الله. وكانت نظرة العبد الرسول صلى الله عليه وسلم ونظرة أصحابه مجتمعة لا تشتت فيها. لم يكن القرآن تراثا يحتل حيزا من الفكر ورفوفا من المكتبة، بل كان هو الفهم، وهو العلم، وهو الحياة. كان تناقض صارخ بين أحوال الجاهلية وبين ما يدعو إليه القرآن. فنهض أهل القرآن. خرقوا كل سياج يصد عن سبيل الله. حطموا المنكر وغيروا الواقع حتى يستقيم على ما يأمر به الله. كانت وحدة مشخصة في العبد الصادق الرسول، ممثلة في كلمة الله الموحى بها، ماثلة في جماعة هي جيل القرآن كما يقول سيد قطب رحمه الله.
لم تكن الحياة أشتاتا ونتفا في سلوك أهل القرآن. الحياة والموت، الدنيا والآخرة، العابد والمعبود، كانت جميعا يلفها في عقيدة التوحيد والرسالة والملائكة والبعث والقدر شرعة واحدة. يسير بها في صراط الله منهاج واحد. لم تكن العاطفة في واد والعقل تائها في التحليل الفلسفي. كان الإنسان جميعا. نحن أشتات اليوم. فمعنى اتباعنا المنهاج النبوي أن نجتمع عقلا وعاطفة، ماضيا وحاضرا ومصيرا، دينا ودنيا وآخرة، أفرادا على بينة من هويتهم وعبوديتهم لله ومسؤوليتهم أمامه، وجماعة على بينة من مصيرها التاريخي فيها استعداد وقدرة على الجهاد. بالقرآن انكشف لجيل القرآن ما في النفس البشرية والكيان البشري الكلي من أسرار كانت غامضة حتى علمهم إياها الوحي. وبه ارتفع عن أعينهم التناقض الظاهر العقلاني بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والجماعة، بين البشر والكون. بالقرآن ابتنيت نفوس مؤمنة، ومجتمع مؤمن، وحركة في العالم إيمانية. بالقرآن عرف أهل القرآن الله عز وجل، وبه استناروا في سلوكهم النفسي ومعراجهم الروحي في معارج الإيمان. وبالقرآن كانوا القوة التي حطمت باطل الشرك، وبه أقاموا العدل.) مقتبس من كتاب : القرآن و النبوة. لنفس المؤلف.

للوحي حضور خاص في حياة الإنسان و به كماله و رفعته.
نسأل الله أن يرحمنا آمين
عمرالحسني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 07-09-2011
  #13
عمرالحسني
محب فعال
 الصورة الرمزية عمرالحسني
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 93
معدل تقييم المستوى: 15
عمرالحسني is on a distinguished road
افتراضي رد: دراسات في التصوف ، في الشأن العام و الخاص: ( مقدمات)

دراسات في التصوف ، في الشأن العام و الخاص: ( الولي و الخليفة)

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد و على آله و صحبه و بعد
يلتبس على القارئ الحق من الباطل ، فتكون فتنة. ليس بين الفهم و التأويل إلا حجاب النظر و الإستنباط ، و تأتي علوم السر لتقرر حقائقا هي في حذ ذاتها مستنبطة من الوحي. كما قلنا سابقا للوحي حضور في حياة الإنسان ، و في حركته عبر الأزمان.ويصير السؤال حينها عبثا حينما لا يصدق من هم على الإيمان أن التكريم الإلهي للإنسان لم يأت عبثا ، و أن هذا الإنسان له شأن كبير في المعرفة.
لعل الموضوع تشعب علي ، و كانت هناك عدة نقط في مسودتي أريد أن أنظمها و بقدر ما أسعلى إلى الترتيب إلا و أجد نصا آخرا من نصوص الشيخ الأكبر تنسخ ما قرأته سابقا ، أو طرحته عبر هذه المقالات. و لعل دراسة كتاب الفتوحات المكية تترك في القارئ نوعا من الطمأنينة و الإنشراح ، وكلما تابعت القراءة إلا ووجدت أطايب الكلام ، ودقائق الفهوم ، و تنوع الرحمات.
لكنني سرعان ما أردد السؤال : لم يستحسن الكثير هذه الفهوم ؟.أو لم لم تناقش بنوع من الهدوء.؟
قد تتفق فيما يقصه عليك ابن عربي قدس الله سره ، وقد تختلف معه بدءا من العناوين التي يبدأ بها أنظاره العرفانية ، وانتهاء بما يريد أن يقول للسالك المتذوق ، في صراحة أحيانا ، و في إشارة أو رمز في أغلب الأحيان. لكن الذي لا أظن أحدا يمكن أن يتمارى و هو يلقي بنفسه في خضم تراث ابن عربي قدس الله سرهى ، الذي تمتزج فيه علوم النقل و العقل و الذوق امتزاجا كبيرا ، لا يسعه إلا أن يعترف كرها أو طوعا بـأن ها هنا مستوى من المعرفة يفوق طاقات البحث و الدرس، و يقع وراء كل حدود التي وقف عليها جهابذة العلماء و المفكرين المسلمين.
يقول أحمد الطيب في تقديمه لكتاب الولاية و النبوة ل: علي شود كيفيتش ....ومشكلة تراث ابن عربي فيما أعتقد أمران :
الأول ، موسوعية هذا التراث ، وتنوع مجالاته و حقوله المعرفية ، و توزعه بين مئات المؤلفات ، مابين مجلدات ضخمة ، وكتب متوسطة ، و رسائل صغرى ، ومابين مطبوع و مخطوط ، ومابين صحيح النسبة و مشكوك في نسبته إليه و منحول.
و الأمر الثاني ، الغموض الشديد الذي يستحكم من وراء أجمل التعبيرات و أكثرها دقة و تحديدا على المستوى اللغوي و الدلالي ، مما يثير في ذهن القارئ ظنين متناقضين تمام التناقض ، فقد يحسن الظن بما يقول ، ثم يعود به بعد تأويل ميسور متكلف ، إلى المتعارف عليه من قواعد الإسلام ، و قد لايحسن الظن فيتوقف عند بعض المواضع ليكثف من حولها أبعادا و ظلالا من الإرتياب ، يتأدى منها في آخلر المطاف إلى هذا أو ذال من نصوص ابن عربي يصطدم و يتعارض مع هذا الأصل أو ذاك من أصول الأسلام). ص 8 ، من كتاب الولاية و النبوة عند الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي .
وقد نبه الشيخ الأكبر في أغلب مؤلفاته عن قصور اللغة و عجز ألفاظها وعدم و فائها بالإفصاح عن علوم المكاشفات و الأسرار و المخاطبات .ومن ثم فلا بد من الرمز و التلغيز و الإشارة و التلميح بقدر الوسع و الطاقة.لا يترك ابن عربي قدس الله سره قارئه نهبا لهذه الشكوك ، بل ينصحه بأن يصرف الألفاظ المشكلة عن ظاهرها و يطلب المعنى المخبوء ، فهو وحده المقصود بالعلم. لكن سرعان ما يتبادر إلى ذهن القارئ: لقد كان اللسان العربي المبين وعاءا للوحي و به جاء القرآن معجزا ، فكيف لا يكون اللسان غير عاجزا عن لغة القلب ؟.
وهو سؤال وجيه ، القرآن الكريم في علومه و إعجازه يخبرنا عن الوجود الإلهي ، وعن عالم الغيب ، وعن سنن الأولين و أخبار الآخرين ، وعن أسماء الله تعالى ، وملائكته و رسله عليهم السلام ن ويحدثنا عن الطمأنينة في الذكر ، وعن لذة عبادة الله ن وعن الآيات البينات في الكون النشور و اللوح المسطور.
فكيف عجز السالك إلى الله تعالى ، في وصف أسرار معراجه الروحي ، و في تبيان العلوم التي يتلقاها بفضل التعليم الإلهي ؟.
تجد في معنى الاصطلام جوابا لمن أراد أن ينهل من كلام القوم ، و يعني عدم قدرة المرتوي من جلال الله و جماله من التعبير بالأجمل و الأكمل و الأرفع ، بل بالمبهم و الملغز و الغامض ، ذالك راجع لما يرد على القلب من اللطائف ، يعجز العقل عن فهمها ، ثم كتابتها و تدوينها بلغة يفهما الجميع.يقول الشيخ الأكبر في هذا المعنى : ( ....الاصطلام في اصطلاح القوم و له يرد على القلب سلطانه قوي فيسكن من قام به تحته ، وهو أن العبد إذا تجلى له الحق في سره بصورة الجمال أثر في نفسه هيبة فإن الجمال نعت الحق سبحانه وتعالى و الهيبة نعت العبد ، و الجمال نعت الحق ، و الأنس نعت العبد ، فغذا اتصف العبد بالهيبة لتجلي الجمال فإن الجمال مهوب أبدا كان عن الهيبة أثر في القلب و خذر في الجوارح ، حكم ذلك الأثر اشتعال نار الهيبة فيخاف لذلك سطوته فيسكن ، و علامته فيه في الظاهر خذر الجوارح وموتها ، فإن تحرك من هذا صفته فحركته دورية حتى لايزول عن موضعه فأنه يخيل إليه أن تلك النار محيطة به من جميع الجهات فلا يجد منفذا فيدور في موضعه كأنه يريد الفرار منه إلى أن يخف ذلك عنه بنعت آخر يقوم به وهو حال ليس هو مقام) م/2 ص 521، الفتوحات المكية.
ومما يشكل على القارئ عند قرائته لكتاب الفتوحات المكية ن تلك الإشارات التي ترد على ابن عربي رضي الله عنه ، فيجدها في الظاهر تخالف قواع الإسلام ، مثل نسبة العبد إلى ربه ، أو مثلا ما يطلق عليه الدارسون اتحاد الوجود ، و اتصاف العبد بصفات الحق ، وتناسب الأسماء مع مقتضيات الصفات و غيرها من الكلمات التي توحي لقارئها نوعا من الكفر. يقول الشيخ الأكبر حول معرفته القلبية : ( ......فنحن في ارتقاء دائم و مزيد علم دنيا و برزخا و آخرة ، و الآلات المصاحبة لا تنفك في هذه المنازل و المواطن و الحالات عن هذه اللطيفة الإنسانية ،....) ص 493، م/2كتاب الفتوحات المكية.
وفي هذا الصدد يكرر الشيخ ابن عربي قدس الله سره هذه الحقيقة مرات ومرات يقول رحمه الله في الباب التاسع و الأربعون ومائة ، في معرفة مقام الخلق و أسراره : ( ...... ومع كون الحق كريما على الإطلاق فمن أسمائه المانع ، من اسمائه الضار ، ومن أسمائه المذل ، يغفر و يعذب من يشاء ، و ؤتي الملك و ينزع الملك و ينتقم و يجود ، وهو مع هذا التقييد في حق قوم دون قوم مطلق الصفة ، وكذ هي في الأنسان فهي خلق أصلي له لا تخلق ، و لايصح أن تعم افنسان هذه الأخلاق مع كونها مطلقة في حقه ، كما لم يصح أن تعم من الله في جميع الخلق مع كونه تعالى مطلق الوصف بها ، و لايصح في هذه الصفات الاستعارة إلا مجازا كما قلنا من حيث أنه تعالى كان بهذه الصفات وما كنا ، فلما كنا كنا بها لا اكتسبناها و لا استعرناها منه فإنها صفة قديمة لله أي نسبة اتصف بها الحق و لا العالم ، و الصفىة لابد لها من موصوف بها فأنها من حقيقتها لأن تقوم بنفسها ، و يؤدي القول باستعارتها إلى قيامها بنفسها و إلى خلو الحق عنها و إلى أن يكون الحادث محلا لوجود القديم فيه ن وهذا كله ما لايقول به أحد من العلماء بالله ، فجميع ما يظهر من الإنسان من مكارم أخلاق و سفاسف أخلاق كلها من جبلته و هي له حقيقة لا مجاز و لا معارة كما أنه سبحانه جميع ما سمى به الحق نفسه لا وما وصف به نفسه من صفاتن الأفعال من خلق و إماتة و منع و عطاء و جعل ومكر و كيد و استهزاء و فصل و قضاء و جميع ماورد في الكتب المنزلة و نطقت به الرسل من ضحك و فرح و تعجب و تبشش و قدم و يد و يدين و أيد و أعين و ذراع كل ذلك نعت صحيح فأنه كلامه تعالى عن نفسه و كلام رسله عنه وهو الصادق وهم الصادقون بالأدلة العقلية ، ولكن على حد ما يعلمه و على حد ما تقبله ذاته و ما يليق بجلاله لا يزد شيئا من ذلك و لا نحيله و لا نكفيه و لا نقول بنسبة ذلك كله إليه كما ننسبه إلينا نعوذ بالله ، فإننا ننسبه إلينا على حد علمنا به ، فنعرف كيف ننسبه و الحق يتعالى أن تعرف ذاته ، فيتعالى أن يعلرف كيف ننسب إليه ما نسبه إلى نفسه ، ومن رد شيئا أثبته الحق لنفسه في كتابه أةو لسان رسوله فقد كفر بما جاء به من عند الله وبمن جاء به و بالله ، ومن آمن ببعض ذلك و رد بعضه فقد كفر حقا ومن آمن بذلك و شبهه في نسبة ذلك إليه تعالى مثل نسبتها إلينا أو تو هم ذلك أو خطر على باله أو تصوره أو جعل ذلك ممكنا فقد جهل و ما كفر ، هذا هو العقد الصحيح من غير ترجيح ) . ص 238، 239 ، م/2 كتاب الفتوحات المكية.
لا شك ان هذه الكلمات الدالة على صحة معتقد الشيخ الأكبر رضي الله عنه تفحم من يتوهم أن الشيخ رحمه الله من الداعين الى اتحاد المخلوق بالخالق ، و حلول القديم في المحدث وهذا مما أنكره ابن عربي قفدس الله سره ، أن اللسان العربي لغة القلب ووعاء للوحي كما نص عليها الشيخ عبد السلام ياسين في كتابه الإسلام و القومية العلمانية : ( ...
إن الله عز وجل تحدى المشركين أن يأتوا بعشر سور مثل سور القرآن. قال تعالى : {أم يقولون افتراه، قل فاتوا بعشر سور من مثله مفتريات}[1].
في آية أخرى تحداهم سبحانه أن يأتوا ولو بسورة واحدة حيث قال جلت عظمته : { أم يقولون افتراه، قل فاتوا بسورة مثله}[2]. وكانت لبعض العرب مثل مسيلمة الكذاب محاولات سخيفة، وكان له قرآن زعم أنه حديث مثل حديث نبي قريش.
كان تحدي الخالق سبحانه لخلقه أن يأتوا بحديث مثل القرآن إبرازا للإعجاز في وسط قوم هم أهل الكهانة والسحر والشعر والقصص. فلو كان القرآن شيئا من هذا القبيل، ولو استطاع أن يكون هناك مثيل أكثر "مصداقية" من السخافات الصبيانية المضحكة إذن لثبت أن محمدا صلى الله عليه وسلم شاعر كالشعراء أو كاهن كالكهان. قال الله عز وجل يخاطب نبيه : {فذكر، فما أنت بنعمة ربك بكاهن ولا مجنون، أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون. قل تربصوا، فإني معكم من المتربصين. أم تامرهم أحلامهم بهذا، أم هم قوم طاغون، أم يقولون تقوله، بل لا يومنون، فلياتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين}[3].
ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم شاعرا لانتهت رئاسته وسلطته المعنوية بانتهاء حياته : {شاعر نتربص به ريب المنون}. وهذا بالضبط ما يعزمه ملاحدة العصر التطوريون الذين يرون في القرآن نصا تاريخيا صاحَبَ حركة ثورية ورَسَم إيديولوجيتَها. وذلك في تقديرهم شأن مضى وفات، وعلى الطليعة التقدمية أن تجهز على مخلفات تلك الحقبة التي لا تحب أن تموت بعد موت محمد صلى الله عليه وسلم. الصلاة والسلام منا لذكر الحبيب. وبه وجب التنبيه).
كانت قريش، والعرب معها، لا تستطيع أن تضبط من أي ناحية يكتسب القرآن فعله المؤثر فيهم، فحاروا في تصنيفه مقارنة بإطارهم المرجعي : شاعر ؟ ساحر ؟ كاهن ؟ ! قال أنس أخو أبي ذر الغفاري لأخيه، وكان أنس شاعرا : "لقيت رجلا بمكة على دينك -وكان أبو ذر متألها قبل إسلامه- يزعم أن الله أرسله : قال أبو ذر : "فما يقول الناس ؟" قال : "يقولون شاعر، كاهن، ساحر." قال : "سمعت قول الكهنة فما هو بقولهم، وقد وضعته على أقوال الشعراء فلم يلتئم على لسان أحد أنه شعر. والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون".
روعة الأسلوب وجزالة اللفظ لعلها راعت كثيرا منهم. لكن تلك الروعة لا تكفي لتفسير الإعجاز القرآني. كما لا يكفي مناطا له وعلة ما فصله علماؤنا المسلمون حين ألفوا في الإعجاز القرآني وفصلوا أسبابه.
فهم يرجعون الإعجاز إلى أسباب أربعة :
1- جزالة اللفظ وبلاغة الأسلوب.
2- إخبار القرآن بأحوال القرون السابقة التي ما كان للعرب بها خبر.
3- إخبار القرآن بأحداث مستقبلية حدثت فعلا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعده.
4- إخباره بعلوم كونية سابقة لاكتشاف البشر.
وقد يشيرون إلى التشريعات المعجزة السامية بكل مقياس.
بيد أننا نرى أن محاولة استكناه أسباب الإعجاز لن تنتهي إلى شيء يمكن أن نضع عليه أيدينا وكأن قد فرغنا من اكتشاف حقيقة القرآن. فالقرآن كلام الله عز وجل لفظا ومعنى ورسالة، وكل محاولة للتحليل والتركيب تؤدي إلى مزالق مثل التي سقط فيها العقلانيون المعتزلة في مقالاتهم في خلق القرآن. وقانا الله مواقع الزلل. القرآن كلام الله عز وجل تقمص لسانا بشريا. فإعجازه ذاتي، إعجازه من مصدره الإلهي، إعجازه من كون الفطرة البشرية عرفت فيه سطوة الألوهية وتعرفها، ما عدا من طبع الله على قلوبهم فأصمهم وأعمى أبصارهم. قال اللّه تعالى في حق المطبوع على قلوبهم من الكافرين : {ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم : ماذا قال آنفا ؟ أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم ) .
هذه اللغة العربية التي حملت القرآن، وحملت السنة، وحملت علوم المسلمين، وحملت حضارة عظيمة، هل بوسعها أن تحمل لمستقبل الأمة حضارة اليوم والغد وما يكون هذه الحضارة من مضمون تقني علمي مادي ؟ هل تبلغ هذه اللغة الشريفة اليوم وغدا رسالة تحرير الإنسان كما بلغت من قبل ؟
ما دام القرآن بين ظهرانينا لم يرفع فرسالة التحرير محمولة، واقتحام العقبة سماع مطلوب، والاستجابة له منشودة. على السماع والاستجابة مدار هذا الكتاب.
إن هذه اللغة الشريفة المشرفة بحمل القرآن وصحبته اكتسبت روحانية وقدرة على غزو القلوب ووصف مشاعر الإيمان ونبضات الإحسان. تلك الروحانية وتلك القدرة لا نجدها، وأنى توجد، في أي لغة غيرها. كل لغة غيرها منقوصة الأعضاء مبتورتها عديمة الكفاءة عن التعبير في ميدان الرحمة. وأذكِّر أنني أقصد بالرحمة من الله عز وجل إلى العبد، أقصد تلك العلاقة الإيمانية الإحسانية. أما ميدان الحكمة فالعربية فيها، ككل اللغات، محتاجة إلى الاقتباس، قابلة للإثراء. أقصد بالحكمة اجتهاد العقل وإنجازه لمقتضيات الرحمة.
إن قدرتنا على اقتحام العقبة، والعقبة تحرير وعدل وسيادة، تتوقف على اكتساب لغتنا الشريفة المحتد سلطان الكفاءة العملية، سلطان السيطرة على المكاسب العلمية البشرية، سلطان الصلاحية للاستقلال بتلك العلوم والسير بها قدما نحو القوة الحقيق بها من يستخلفهم الله عز وجل في الأرض.
ليس المشكل هو إسعاف المتعلم والمفكر بالعربية بالكلمات اللازمة، لكن المشكل أن نطور أداة للتعبير عن العصر دون أن نضيع بعيدا عن لغة القرآن، أن نسعف العقل بأداة إجرائية مع تقوية لغة القلب.
إن اللغة العربية ملك مشترك بيننا وبين القوميين العرب، ملك بين المليار مسلم وبين حفنة فاعلة نشيطة من المثقفين. هؤلاء يريدون أن يبدأوا بعلمنة العربية، بجعلها لغة عامة، وبعضهم يريدها عامية، تخاطب كل العقول، لا صلة لها بالدين. يريدونها لغة عقل متفتحة على العقلانية الكونية، مندمجة فيها. لا يرون لها مستقبلا ما لم تكتسب المرونة من تطليق المفاهيم الدينية الغبية واعتناق الواقع الإجرائي المتطور.
نحن نريد عكس كل هذا، يريده كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر وإن كان لسانه العادي أعجميا. فمن الأداة اللغوية، ومن المواجهة بين المطلبين المتناقضين، ترتسم أمامنا إشكالية الصراع بين ثقافات علمانية مادية وبين رسالة الإسلام، وتنفتح أمامنا آفاق ليس الإثراء الفعلي للغة فيها أهون من مقاومة تغريب لغتنا وعلمنتها وبترها. ).كتاب الإسلام و القومية العلمانية.
نسأل الله أن يرحمنا آمين
عمرالحسني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دراسات في التصوف، في الذوق و السكر: عمرالحسني رسائل ووصايا في التزكية 0 07-09-2011 02:17 PM
1.دراسات في التصوف : في الختم و الكتم عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:10 PM
دراسات في التصوف ، في المعرفة : عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 03:04 PM
دراسات في التصوف: 1.الأنسان و الغيب عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 02:59 PM
دراسات في التصوف عمرالحسني المواضيع الاسلامية 0 10-30-2010 02:57 AM


الساعة الآن 04:42 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir