أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           سبحانك اللهم وبحمد ك وتبارك اسمك وتعالي جدك، ولا إله غيرك           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-23-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الملاحق - ملحق اميرداغ الاول


كليات رسائل النور
7
الملاحق
في فقه دعوة النور
جـ - ملحق أميرداغ
تأليف
بديع الزمان سعيد النّورسي
ترجمة
إحسان قاسم الصالحي

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 229
التقرير الذي رفعه خبراء آنقرة بالاجماع
لقد فُتحت وقرئت من قبلنا محتويات خمسة صناديق مملوءة بالكتب. وحيث ان من صلاحيتنا تدقيق كل ما في الصناديق، فقد وجدناه الآتي:
كتب مطبوعة مؤلفة من قبل سعيد النورسى، واجزاء غير مطبوعة من رسائل النور، ومكاتيب علمية و دينية لبعض من طلابه، متعلقة به، ومكاتيب اخرى اعتيادية جرت بين الطلاب انفسهم او بينهم وبين سعيد النورسي مع مجموعة من الكليشات.
ولأجل بيان ماهية هذه كلها لا بد من تقسيمها الى قسمين:
1- الرسائل التي كتبت لتفسير آية كريمة او إيضاح حديث شريف، وهي تشكل تسعين بالمئة من المحتويات. هذه الرسائل وضحت فيها العقائد التي تخص الدين والايمان بالله والرسول والقرآن والآخرة، فوضحت بجلاء مع ايراد الامثلة ونظرات علمية دقيقة مقرونة بنصائح اخلاقية موجهة الى الشيوخ والشباب مع ادراج حوادث ذات عبرة جرت في الحياة مع ذكر امور نافعة للأهلين ومفيدة لأرباب العمل. والمؤلف في هذه الرسائل كلها لم يغادر الاخلاص ولم يفارق التجرد والعلم ولم يخالف قطعاً اسس الدين. ومن الواضح البيّن ان هذه الرسائل لا تحتوي على ما يخلّ بنظام البلاد ولا تستغل الدين بتشكيل الجمعيات.
أما الرسائل الاعتيادية التي جرت بين الطلاب وبين سعيد النورسي فهى ايضاً من هذا القبيل:
1- يقول سعيد النورسي بأن ما ناله من شهرة او ذيوع صيت يوم كان في استانبول ما هو الاّ نوم عميق وكابوس مؤقت وغفلة عابرة. وانه قد تدخل بعقله في السياسة لدى مكوثه في استانبول لسنتين. يصور هذا الامر بموت الدنيا، ويميّز - بهذه المناسبة - بين شخصيتين له: سعيد القديم وسعيد الجديد. وهما شخصيتان متباينتان. ويذكر ان التنزّل الى امور السياسة خطأ.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 230
2-في قسم المناجاة لأهم كتب سعيد النورسي وهو"الحجة البالغة" ورد ما يأتي:
ان هذه الدنيا فانية وان اعظم دعوى فيها هي الفوز بالعالم الباقي، فان لم تكن عقيدة المرء صحيحة يخسر الدعوى. نعم ان الدعوى الحقة هي هذه. ومن الضياع والعبث الاهتمام بما هو خارج هذه الدعوى. فالذى ينشغل بالامور السياسية يتخلف عن الايفاء بوظائف مهمة، ويفقد سلامة قلبه من جراء تلهفه للصراعات السياسية.
3- وذكر في اللمعة السادسة والعشرين: ان مهمته الحقيقية في هذه الدنيا الهرمة هي نشر الاسرار القرآنية ويقول: انني مرتبط بهذه البلاد من حيث الحمية الاسلامية. وإلاّ فلا دار لي ولا اولاد لي.
4- وذكر في اللمعة الحادية والعشرين، الدستور الاول من بين النصائح التي قدّمها لإخوانه:
ابتغاء رضوان الله في عملكم، فلا تُطلب فيه منافع مادية. ويقول ايضاً: اننى لست صوفياً ومسلكنا ليس طريقة صوفية وان حب الجاه وجلب الانظار الى النفس مرض روحي، ويُطلق عليه الشرك الخفي، ويقول: لو كان مسلكنا مشيخة لكان المقام واحداً، والمرشحون كثيرون.
ان مسلكنا: الاخوة، فلا يكون الأخ لأخيه في مرتبة الاب ولا يتقلد صفة المرشد.
***

[محاورة مع نفسي]
أحيل هذه المحاورة مع نفسي الى رأيكم لاسماعها المسؤولين في آنقرة بعد اجراء التصحيحات اللازمة فيها.
اذا كان الحاكم والمدعي واحداً، فإلى من تُرفع الشكوى؟ لقد حرتُ طويلاً في هذه المشكلة..


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 231
أجل ان حالتي اليوم، وأنا طليق مراقب أشد عليّ بكثير من الايام التي كنت مسجوناً فيها، وان يوماً واحداً من هذه الحياة يضايقني اكثر من شهر كامل في سجني المنفرد ذاك. لقد مُنعت من كل شئ رغم ضعفي وتقدمي في السن وفي هذا الشتاء القارس. فلا اقابل غير صبي وشخص مريض. على انني منذ عشرين سنة اعاني مأساة حبس منفرد.
ان تزييدهم المضايقات والمراقبة عليّ وعزلي عن الناس اكثر من هذا الحد سيمس غيرة الله سبحانه وتعالى وتكون العاقبة وخيمة..
انني اقول: ان اهم وظيفة لهذه الحكومة - بمسؤولي الأمن ومأموري العدل فيها - والتي تعاملني معاملة وجدانية انسانية هي حمايتي حماية تامة. لأن الحكومة وثلاث محاكم عدلية برأت ساحتنا وافرجت عنا بعد اجراء تدقيقات دامت طوال تسعة اشهر على ما كتبتُه خلال عشرين سنة من مؤلفات ومكاتيب. ولكن المنظمة السرية التي تعمل بخفاء في خدمة الاجنبي ألقت في روع قسم من الموظفين الشبهات - بجعلها الحبة قبة - طمعاً في افساد براءتنا. و غايتهم في ذلك هي ان ينفد صبري فأقول: كفى كفى!! على ان سبب غضبهم عليّ في الوقت الحاضر هو سكوتي، وعدم تدخلي بامور الدنيا. وكأنهم يريدون ان اتدخل حتى تتحقق لهم بغيتهم.
ابيّن لكم بعض مكايدهم التي يستعملونها في بث الشكوك والشبهات في قلوب قسم من الموظفين الحكوميين اذ يقولون: ان لسعيد نفوذاً في الاوساط العامة، وان مؤلفاته كثيرة ولها تأثير بالغ في الناس، فمن يتقرب منه يصادقه، لذا يلزم كسر هذا النفوذ بتجريده من كل شئ واهانته وعدم الاهتمام به وتجنيب الناس منه واخافة محبيه. وهكذا اصبحت الحكومة في حيرة من امرها فتشدد عليّ الخناق وتضاعف المضايقات. وانا اقول:
ايها الاخوة المحبين لهذه الامة والبلاد!
اجل، ان هناك نفوذ اً وتأثيراً كما يقوله المنافقون، ولكن ليس لي، وانما لرسائل النور. فرسائل النور لا تنطفئ وكلما تعرض لها شئ قويت! ولم تستعمل الاّ لصالح


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 232
الامة والبلاد ولا يمكن غير ذلك. ان قيام محكمتين عدليتين طوال عشر سنوات بتدقيقات ما كتبتُه خلال عشرين سنة تدقيقاً شديداً لم يسفر عن حجة حقيقية لإدانتنا.. وهذه حجة لا تجُرح وشاهد صدق لدعوانا.
نعم، ان المؤلفات ذات تأثير بالغ، ولكن لمصحلة الامة والبلاد. وذلك بارشادها الى الايمان التحقيقي لمئة الف من الناس من دون ان تمسّ احداً بسوء. فتأثيرها اذاً هو في العمل لسعادتهم الدنيوية وحياتهم الابدية.
ان مئات المساجين المحكومين في سجن "دنزلي" - بعضهم عوقبوا بعقوبات شديدة - قد اصبحوا متدينين ذوي اخلاق فاضلة بعد قراءتهم رسالة "الثمرة" وحدها، حتى الذين قتلوا ثلاثة اشخاص تحاشوا عن قتل بقة الفراش بعد قراءتهم لتلك الرسالة. مما دفع هذا الوضع مدير السجن على الإقرار بان السجن اصبح في حكم مدرسة تربوية.. كل هذا حجة قوية لا تجرح لصدق مدعانا.
نعم، ان تجريدي من جميع حقوقي الانسانية بعد هذا كله انما هو ظلم مضاعف وعذاب مضاعف وغدر وخيانة لهذه الامة في الوقت نفسه.ذلك لأن الدليل القاطع على ان هذه الامة المتدينة - التي لم يجد احد اي ضرر مني رغم بقائي ما يقرب من اربعين سنة بين ظهرانيهم - بحاجة الى قوة معنوية وتسل عظيم، هو: ان الامة لا تلتفت الى الدعايات المغرضة المشاعة ضدي، فتتوجه في كل مكان الى رسائل النور وتشتاق اليها.. بل اعترف انهم يبدون من التوقير والاحترام لي يفوق ما استحقه بمئة ضعف، فأنا لست أهلاً له.
لقد سمعت ان المسؤولين عهدوا الى حكومة هذه المنطقة أمر اعاشتي الدنيوية، وانني اذ اشكر هؤلاء اعلن لهم:
ان حريتي في اداء واجبي هي اهم من كل شئ. فهي اول ركن من دستور حياتي. وان سلب حريتي بحبائل الاوهام الكاذبة وتقييدها بقيود الاستبداد والطغيان يجعلني املّ الحياة مللاً شديداً حتى افضّل القبر على هذه الحالة فضلاً عن السجن والحبس. الاّ ان الذي يشد أزري ويدفعنى الى التحمل والصبر هو الثواب الذي يجزل بحسب المشقة في سبيل خدمة الايمان. ان على هؤلاء الذين لا يريدون


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 233
ظلمي ان يردّوا عليّ حريتي ولا يمسوها بسوء. انني اتمكن ان اعيش من دون طعام ولكني لا يمكن ان اعيش من دون حرية.
نعم ان الذي عاش على مبلغ لم يزد على مائتي ليرة تركية طوال تسع عشرة سنة مع الأخذ بمنتهى الاقتصاد والقيام برياضة روحية شديدة حفاظاً على حريته وعزته العلمية من دون ان يعرض نفسه الى ذل الصدقة والمسألة والتوسل بالزكاة والمرتبات والهدايا.. لا ريب انه اليوم احوج ما يكون الى الحرية ضمن العدالة منه الى الإعاشة..
إن ما يعوض عن عشرة من الناس يحال بيني وبينهم، أن هناك عشرات الالوف بل مئات الالوف من المسلمين يعكفون على دراسة رسائل النور دون ان يكترثوا بالموانع والعراقيل اياً كانت. ان كل نسخة من الوف نسخ رسائل النور التي انتشرت في أرجاء البلاد وفي العالم الاسلامي، تقوم مقامي في الكلام والبيان، بل افضل مني لما فيها من حقائق رصينة وفوائد جمة. فبسكوتي لن تسكت تلك الرسائل ولن تسكتها اية قوة..
***

محاورة مع وزير العدل والحكام الذين لهم علاقة برسائل النور
ايها السادة!
لِمَ تنشغلون بنا وبرسائل النور دون داع او سبب. اني ابلّغكم قطعاً بالآتى:
انني ورسائل النور لا نبارزكم بل حتى لا نفكر فيكم. بل نعدّ ذلك خارج وظيفتنا، لأن رسائل النور وطلابها الحقيقيين يؤدون خدمة جليلة للجيل المقبل الذي سيأتى بعد خمسين سنة ويسعون لإنقاذهم من ورطة جسيمة، ويجدّون في انقاذ هذه البلاد والامة من خطر عظيم، فمن ينشغل بنا الآن سيكون رميماً في القبر في ذلك الوقت. بل لو افترض ان عملنا - الذي هو لتحقيق السعادة والسلامة - مبارزة معكم فلا ينبغي أن يمسّ الذين سيكونون تراباً في القبر.
ان اظهار اعضاء الاتحاد والترقي شيئاً من عدم المبالاة في الحياة الاجتماعية وفي الدين وفى السجايا القومية ادّى الى ظهور الاوضاع الحالية بعد ثلاثين سنة تقريباً من


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 234
حيث الدين والاخلاق والعفة والشرف. فالاوضاع الحاضرة ستنعكس على الجيل الآتي لهذه الامة - البطلة المتدينة الغيورة على شرفها - بعد خمسين سنة. ولا يخفى عليكم ما ستؤول اليه السجايا الدينية والاخلاقية الاجتماعية.
سيلطخ قسم من الجيل الآتى ذلك الماضى المجيد لهذه الامة المضحية منذ الف سنة، بلطخات رهيبة قد تقضي عليه بعد خمسين سنة.
لذا فان انقاذ قسم من هذا الجيل من ذلك التردي المريع بتزويده بالحقائق التي تحتويها رسائل النور تعد افضل خدمة لهذه الأمة ولهذا الوطن. فنحن لا نخاطب انسان هذا الزمان بل نفكر بانسان ذلك الزمان.
نعم ايها السادة! على الرغم من ان رسائل النور لا تسدد نظرها الاّ الى الآخرة ولا تهدف غيرها وليست لها غاية سوى رضا الله وحده وانقاذ الايمان، ومسعى طلابها ليس الاّ انقاذ انفسهم ومواطنيهم من الاعدام الابدي والسجن الانفرادي الابدي، فانها في الوقت نفسه تقدم خدمة جليلة ايضاً تعود فائدتها للدنيا وانقاذ هذه الامة والبلاد من براثن الفوضى و انقاذ ضعفاء الجيل المقبل من مخالب الضلالة المطلقة، لان المسلم لا يشبه غيره، فالذى يحل ربقته من الدين ليس امامه الاّ الضلالة المطلقة فيصبح فوضوياً ارهابياً، ولا يمكن دفعه الى الولاء بالادارة والنظام.
نعم في الوقت الذي نجد خمسين بالمائة ممن تربوا بالتربية القديمة لا يكترثون بالاعراف الشعبية والاسلامية، فانه بعد خمسين سنة يسوق تسعون بالمئة منهم هذا الوطن والامة - بنفوسهم الامارة بالسوء - الى فوضى ضاربة أطنابها. فلا شك ان التفكر في هذا البلاء العظيم ومحاولة التحري عن اسباب لدفعه، هو الذي دفعني قبل عشرين سنة الى ترك السياسة كلياً وعدم الانشغال مع اناسي هذا الزمان، مثلما دفع رسائل النور وطلابها الى قطع علاقتهم مع صراعات هذا الزمان. فلا مبارزة معهم ولا إنشغال بهم.
ومادامت هذه هي الحقيقة، فان الواجب الاول لجهاز العدالة ليس اتهامي واتهام طلاب النور، بل القيام بحماية رسائل النور وطلابها، لكونهم يحافظون على اعظم حق من حقوق الامة والبلاد، فان الاعداء الحقيقيين لهذه الامة والبلاد يهاجمون


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 235
رسائل النور ويدفعون اجهزة العدالة - بعد خداعها - لارتكاب افظع المظالم وابشع الجنايات.
سأعرض انموذجين صغيرين جداً:
الاول: رسالة لرفيقي في السجن تتضمن الاستفسار عن الاحوال، وبرفقتها عشرة بنكنوت ثمن رسالة عربية لي لتعطى الى من دفع مصاريف الطبع في "اسبارطة". ضايقتني الدوائر العدلية والحكومة من جراء هذه الرسالة، واجرت تحرياً في مسكن من اصبح وسيلة للطبع. اقول: ان جعل هذه الرسالة التي لا اهمية لها - حتى بقدر جناح بعوضة - والمراسلة التي لم تتم الاّ في غضون ستة أشهر... كأنها مسألة عظيمة لا تليق بلا شك بكرامة العدلية وشرفها.
الانموذج الثاني: ان ترويع الناس من شخصي الضيف، الضعيف، الغريب، الشيخ، الذي برّأته المحاكم، بل حتى ترويع من يعينه في اموره الشخصية باطلاق دعايات مغرضة، بصورة رسمية، ومن ثم اقحامي في وضع مؤلم، لا يليق بالغيرة القومية لحكومة هذه الولاية.
نعم ان اطلاق الدعايات المغرضة والقاء الرعب في قلوب الناس، وجعل ضرر موهوم لا يساوي شيئاً كأنه ضرر جسيم، والاستفسار الدائم: مع من يلتقي؟. من يأتيه؟... وامثالها... لاشك ان حكمة الحكومة وحاكميتها لا ينبغي أن تتنازلا الى هذه الحالة العجيبة... وعلى كل حال هناك مواد كثيرة تورث الحيرة لدى المطلعين عليها، كهذين الانموذجين.
ايها السادة!
ان دفع الضلالة والفساد سهل ويسير ان كانت آتية من الجهل، بينما إزالتها عسير جداً ان كانت آتية من العلم.
ففي هذا الزمان تأتي الضلالة من العلم، لذا لا يمكن ازالتها وإنقاذ من تردّى فيها من الجيل المقبل الاّ بان يكون لديهم مؤلفاً كاملاً كرسائل النور. والدليل على أن رسائل النور لها هذه القيمة هو:
انه لم يعارض رسائل النور - منذ عشرين سنة - احد من معارضي الاشداء الكثيرين ولا أحد من الفلاسفة المتعنتين ولم يستطيعوا - ولا يستطيعون -


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 236
جرحها... وكذا عدم عثور ثلاث دوائر عدلية والخبراء في مركز الحكومة على مادة تديننا بعد التحري في مئة كتاب طوال تسعة أشهر... وكذا ايراثها القناعة التامة لألوف المدققين من طلابها.
نعم ان عدم عثور محكمتين ومركز الحكومة وضباط امن لبضع ولايات ومحكمة دنيزلي على اية مادة توجب العقاب وتلحق الضرر بالامة والوطن في جميع الرسائل الخاصة والعامة منذ عشر سنوات. يثبت ان لرسائل النور حقوقاً عظيمة وكلية شاملة في هذا الوطن..
وحيث ان واجب دوائر العدل هو الحفاظ على الحقوق ومنع المتعدين من التجاوز، فان اهمال هذه الحقوق المهمة ومصادرة الرسائل كأنها اوراق اعتيادية، والاجحاف بحق الامة والمحتاجين الى انقاذ الايمان، مع وجوب الاخذ بنظر الاعتبار حق شخص اعتيادي باهتمام... ورغم ثبوت خدمة رسائل النور لسعادة مئة الف من الناس طوال عشرين سنة.. فاننا نذكركم ان هذا عمل لا ينسجم مع ماهية العدلية وحقيقة العدالة باي شكل من الاشكال.
اننا نخشى ان يكون التعرض لرسائل النور وعدم التعرض لمؤلفات كثيرة لزنادقة كالدكتور "دوزي"، وسيلة لنزول الغضب الالهي.
نسأل الله ان يرزقكم الانصاف والرحمة ويلهمنا الصبر والتحمل. آمين.
سعيد النورسي
في الحبس الانفرادي
بصورة غير رسمية
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 237
[وشاورهم في الأمر]
باسمه سبحانه
اتباعاً للأمر الالهي
(وشاورهم في الأمر) (آل عمران: 159) اجد نفسي بحاجة الى التشاور مع اخوتي.
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
انني الآن امام امر واقع، حيث امرت السلطات بتخصيص مبلغ قدره اثنان ونصف (بنكنوت) لمعيشتي اليومية، علاوة على منزل مؤثث حسبما اريده، علماً ان دستور حياتي الذي نفّذته طوال ما يقرب من ستين سنة يقتضي رفض هذا. فما قبلت مرتّباً الاّ لمدة سنتين تقريباً عندما كنت عضواً في "دار الحكمة الاسلامية" وهذا ايضاً صرفته لطبع كتبي وتوزيعها مجاناً على الناس، فرددت بضاعتهم اليهم.
ولكن لو قبلت الآن ذلك المبلغ مضطراً فسوف اقبله لئلا يصيبكم ورسائل النور الضرر وبشرط ان اعيده في المستقبل الى الناس. ولا اصرف منه الاّ القليل الذي تستوجبه الضرورة القاطعة.
وقد طرق سمعي انني اذا رفضت الامر، فسوف يستاء اذن اولئك الذين يسعون لصالحنا ولاسيما لاعاشتى. بينما المعارضون يقولون: ان معيشة هذا الشخص اذن ترد من مكان آخر. فما اجهلهم ببركة الاقتصاد العظيمة! انهم لم يشاهدوا ان رغيفاً بخمسة قروش يكفيني ليومين.
ولكن اذا ما قبلت بالأمر فستستاء سبعون سنة من العمر، فضلاً عن استياء الامام علي رضي الله عنه الذي أخبر عن علماء السوء في زماننا هذا الذين يجترحون السيئات ويتلوثون بالبدع اشباعاً للرغبات وطمعاً للمرتبات.
وهناك جهة اخرى وهي ان الاخلاص الحقيقي الصافي الذي تتمتع به رسائل النور سيتهمني بعدم الاخلاص. ولاجل هذا فانا في حيرة من هذا الامر.
وقد سمعت ايضاً انني لو رفضت الامر فسيزيدون مضايقاتهم عليّ، وربما يعرقلون نشر الرسائل واطلاق حريتها كلياً، بل علمت ان مضايقاتهم عليّ انما هي لحملي على قبول الاعاشة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 238
فما دام الامر هكذا وأن "الضرورات تبيح المحظورات" فنسأله سبحانه وتعالى الاّ يصيبنا الضرر اذا ما صار الامر في حد الضرورة.
ومع هذا رفضت الامر، فأحيل الموضوع الى مشاورتكم.
اخوتي الاعزاء!
لا تقلقوا عليّ لأنى اشاهد في كل امر عسير اثر الرحمة الالهية ولمعة عنايته تعالى. فلا تتضايقوا فان سعيكم وهمتكم ومعاونتكم لي تزيل كل ضيق وتنشر السرور والانشراح دوماً.
***

[اننا تحت العناية الربانية]
اخوتي!
لا تقلقوا ابداً، فقد اقتنعت قناعة تامة بأننا تحت العناية الالهية، ونستخدم بارادة غيبية خارجة عن اختيارنا واقتدارنا، وفي عمل جليل في منتهى الاهمية، فنحن كثيراً ما ننال سر الآية الكريمة
(وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216) نعم ان في عملنا تعباً قليلاً الاّ ان الثواب جزيل.
***

[اقضوا ما انتم قاضون]
عندما كنت اصحح الثمار الفرودسية واليوسفية للابطال الميامين، جلبت انتباهي تلك الرسالة "الثمرة" حيث بدت لي اهميتها. فصرخت:
"لو تضاعفت متاعب السجن كلها مئة ضعف فقد ادّت هذه الرسالة اضعافها من الوظائف، اذ تستقرئ نفسها فى شتى الاوساط العامة، وتسوق الى الإيمان حتى المتعنتين.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 239
ايها الشقاة! يا من تضيّقون عليّ الخناق! اعملوا ما شئتم واقضوا ما انتم قاضون، فلا اهمية لعملكم، كل المصائب التي تنزل بنا هينة تافهة، بل انها عناية إلهية محضة ورحمتها بعينها".
قلت هذا ووجدت السلوان الكامل.
سلامنا الى جميع طلاب النور، داعين لهم بالسلامة.
سعيد النورسي
***

[اننا نقيم سداً قرآنياً]
.....
الشكر لله شكراً لا منتهى له، فقد احسن اليّ حالة روحية بحيث اضحّي بالوف من كرامتي وشرفي في سبيل راحة الضعفاء ودفعاً للبلاء النازل بهم.
فقررت ان اتحمل جميع اهاناتهم وحقاراتهم وكل ما تنطوي عليه صدورهم من نيات فاسدة. واني مستعد لتلقي كل ذلك في سبيل استتباب الأمن والنظام في ربوع البلاد، ولا سيما لراحة الاطفال الابرياء والشيوخ الموقرين والمرضى الضعفاء والفقراء، وسعادتهم الدنيوية والاخروية...
اننا نسعى بما اوتينا من قوة لإقامة سد قرآنى شبيه بسد ذي القرنين امام الفوضى والارهاب، فالذين يتعرضون لنا انما يهيؤن الاوساط ويمهّدون السبيل للفوضى والشيوعية.
نعم! لو كنت على دأبي السابق في ان أردّ كل اهانة وتحقير حفاظاً على عزة العلم.. ولو لم تكن وظيفتي الحقيقية منحصرة في امور الآخرة وحدها وموجهة لانقاذ المسلمين من الاعدام الأبدي للموت.. ولو كان سعيي هو لاجل الحصول على حطام الدنيا واللهاث وراء شؤون السياسة السلبية، كما هو الشغل الشاغل للمعترضين عليّ..لكان هؤلاء المنافقون الذين يعملون في سبيل الفوضوية والارهاب


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 240
سبباً في حدوث عشرات الحوادث من امثال (منمن) 1 وحادثة (الشيخ سعيد) 2.
ولكن شخصاً مثلي واقف على عتبة القبر، لا علاقة له مع شئ من الدنيا، بل قد تجافى عنها، وفرّ من توجه الناس واقبالهم عليه، ولم تبق لديه رغبة في كسب الشهرة والعجب وامثالهما من الرياء، فلله الحمد والمنة بما لا يتناهى من الحمد والشكر.
ففي هذه الحالة لم تبق لإهانتهم غير القانونية لشخصي اية اهمية، احيل ذلك الى العلي والقدير. فأتفكر في الذين عذبوني بناء على شكوك و ظنون، وأتألم لحالهم تألماً حقيقياً فأقول: يا رب انقذ ايمان هؤلاء برسائل النور، وحوّل موتهم بسر القرآن من الاعدام الابدي الى تذكرة تسريح من الحياة. وانا بدوري اسامحهم واصفح عنهم واتنازل لهم عن حقي.
سعيد النورسي
***

[ لِمَ لم يُستجب الدعاء؟ ]
"جواب عن سؤال سألنيه باسم الكثيرين احد طلاب النور الصغار الذي يعاونني في اموري الشخصية"
سؤال: استاذي المحترم!
لِمَ لم يُستجب الدعاء والصلاة المقامة للاستسقاء، حيث تجمعت السحب عدة مرات ثم تفرقت دون انزال المطر؟
_____________________
1 هي حادثة مفتعلة في الاغلب، دبّرت من قبل حكومة مصطفى كمال اذ ادعت ظهور تمرد اسلامي انطلق من جامع في ناحية »منمن« كان يقوده شخص مختل العقل، وقد تم التنكيل باهالي تلك المدينة بقسوة، واستغلت الحادثة لضرب الشعور الاسلامي. - المترجم.
2 هو الشيخ سعيد المشهور بـ"بيران" كردي من شيوخ الطريقة النقشبندية، كان جده من خلفاء مولانا خالد الشهرزوري، قاد ثورة في الاقاليم الشرقية في تركيا ضد السلطة الحاكمة لاتجاهها المعادي للدين. نشبت ثورته في 1 / 2 / 1925 وتم القضاء عليها في 15 / 4 / 1925 وقُدم الشيخ الى محكمة الثورة فاصدرت عليه وعلى سبعة واربعين من مقربيه حكم الاعدام وتم تنفيذه عليهم في "دياربكر" في 29 / 6 / 1925 - المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 241
الجواب: ان انحباس المطر هو وقت هذا النوع من الدعاء والصلاة، وليس علّته وحكمته. فكما تُصلى صلاة الكسوف والخسوف عند الكسوف والخسوف، وكما تصلى صلاة المغرب عند غروب الشمس، كذلك انحباس المطر والجفاف هو وقت صلاة الاستسقاء ودعاؤه.
من المعلوم ان سبب العبادة والدعاء هو الامر الالهى، ونتيجتها رضاه تعالى، وفوائدها اخروية. فلو قُصدت من الصلاة والعبادة مقاصد دنيوية، وادّيت لاجلها فحسب فلا تقبل تلك الصلاة والعبادة. اذ كما لا تؤدى صلاة المغرب لاجل غروب الشمس ولا صلاة الخسوف لاجل انكشاف القمر، كذلك اداء صلاة الاستسقاء لأجل انزال المطر خطأ، اذ انزاله من امر الله، وواجبنا نحن تجاهه سبحانه العبودية والدعاء من دون التدخل بما هو موكول امره اليه تعالى.
ولكن على الرغم من ان النتيجة الظاهرة لصلاة الاستسقاء هي نزول المطر، فان نتيجتها الحقيقية والاصلية والنافعة وثمراتها الجميلة الطيبة هي:
ادراك الجميع ان الذي يربّيه ويغذّيه ليس والديه ولا محله ولا دكانه، بل من يرسل السحاب الثقال بالماء الثجاج، فهو الذي يرسل اليه الرزق. وحتى الطفل الصغير يدرك هذا المعنى الواسع بعقله الصغير، لما هو معتاد عليه من التوسل والرجاء كلما جاع. فالمعنى الذى ينطوي عليه الاستسقاء هو: ان الذى يدبّر أمر الدنيا الهائلة كدار صغيرة ويغذيني والاطفال جميعاً واهل الدار، ويبعث اليهم رزقهم انما هو سبحانه. فلا نفع من غيره إن لم يرزق هو سبحانه. فما علينا الاّ أن نتوسل اليه وحده.. وبهذا يقوى ايمان المرء.
ولهذه المناسبة ستُبين ست نقاط باختصار:
النقطة الاولى:
ان ثمن النعمة الالهية ورحمتها هو الشكر، ولكننا لم نؤد الشكر حقه. وكما لم نؤد ثمن الرحمة بالشكر جلبنا الغضب الالهي بظلمنا وعصياننا. وقد جعلت البشرية نفسها مستحقة للعقاب بما تقترف من ظلم ودمار وكفر وعصيان، وعوقبتْ من جراء ذلك بشتى انواع العقاب الصارم، فلا جرم ان يكون لنا حظ من ذلك العقاب.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 242
النقطة الثانية:
ورد في حديث شريف ما معناه انه حتى الاسماك في جوف البحر تشتكي الى الله من الظالمين والعاصين بانقطاع المطر، وقلة ارزاقها بسبب ظلمهم..
نعم ان المظالم والذنوب التي ترتكب في هذا الزمان لا تدع مجالاً لطلب الرحمة من الله. وحتى الحيوانات الابرياء تتأذى من جرائها.
النقطة الثالثة:
تقول الآية الكريمة:
(واتقوا فتنة لا تصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصة) (الانفال: 25) اذ لو نجا الابرياء من مهالك المصيبة العامة نجاة خارقة، لفسدت حكمة الدين، الذي هو امتحان واختبار. وعند ذلك يصدّق الفاسدون - كأبى جهل - تصديق ابي بكر الصديق رضي الله عنه. ولأجل هذا يقاسي الابرياء ايضاً البلايا في المصيبة العامة.
النقطة الرابعة:
انه لكثرة اختلاط الحرام في الاموال والارزاق بسبب تفشي الحيل والغش والرشوة.. يُسلب الناس حق الترحم عليهم، بسبب الظلم او عدم الشكر او خلط الحرام باموالهم.
النقطة الخامسة:
ان رسائل النور في الاناضول وسيلة مهمة لدفع البلايا، اذ كما تدفع الصدقة البلاء، فان نشر رسائل النور وقراءتها صدقة كلية ووسيلة لدفع بلايا سماوية وارضية. وقد تبين ذلك بأمارات كثيرة ووقائع كثيرة، بل تحقق ذلك باشارات من القرآن الكريم.
النقطة السادسة:
ان انقطاع المطر مصيبة وبلاء، وجزاء عمل، فينبغي مقابلة هذا بالالتجاء الى الله تعالى والدعاء مع العبودية الخالصة في حالة من بكاء وانكسار قلب وحزن وتضرع كامل وندامة جادة وتوبة نصوح واستغفار من كل الذنوب، وان يجري ذلك كله ضمن دائرة السنة النبوية ومن دون تدخل البدع، وعلى الصورة التي تعينه الشريعة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 243
فأمثال هذه المصائب العامة - لكونها آتية من ذنوب معظم الناس - تندفع بقيام القسم الاعظم منهم بالتوبة والندامة والاستغفار.
***

[لا نجعل من الدين وسيلة لمكاسب دنيوية]
باسمه سبحانه
السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخوتي الصديقين الاعزاء!
"جواب اضطررت الى كتابته عن سؤال
- مادي ومعنوي - ورد من عدة جهات"
سؤال:
لِمَ لا تكوّن علاقة ولا تمد وشائج ارتباط مع التيارات الجارية داخل البلاد وخارجها، ولا سيما مع الجماعات ذات الاهتمامات السياسية، بل ترفض ذلك وتمنع - ما وسعك - طلاب النور عن أي تماسٍ كان بتلك التيارات! والحال انك لو كونت علاقة معهم فان الوف الناس سيدخلون دائرة رسائل النور زرافات ووحداناً وسيسعون لنشر حقائقها الساطعة، فضلاً عن انك لا تكون هدفاً الى هذا الحد للمضايقات الشديدة التي لا مبرر لها؟
الجواب: ان أهم سبب لهذا الاجتناب وعدم الاهتمام بالتيارات الجارية، هو الاخلاص؛ الذي هو أساس مسلكنا، فالاخلاص هو الذي يمنعنا عن ذلك، لأن في زمن الغفلة هذا، ولاسيما من يحمل افكاراً موالية الى جهة معينة، يحاول ان يجعل كل شئ اداة طيعة لمسلكه، بل يجعل حتى دينه واعماله الأخروية وسائل لذلك المسلك الدنيوي. بينما الحقائق الايمانية والخدمة النورية المقدسة تأبى ان تكون وسيلة لأي شئ كان في الكون، ولا يمكن ان تكون لها غاية الاّ رضى الله سبحانه.
وفي الحقيقة، انه من الصعوبة بمكان، الحفاظ على سر الاخلاص في خضم الصراعات المتنافرة للتيارات الحالية، ومن العسير الحيلولة دون جعل الدين وسيلة


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 244
لمكاسب دنيوية، لذا فان أفضل علاج لهذا هو الاستناد الى العناية الالهية وتفويض الأمر الى توفيق رب العالمين بدلاً من الاستناد الى قوة التيارات الحالية.
وهناك سبب آخر - من جملة الاسباب الداعية لاجتنابنا هذا هو "الشفقة" - التي هي أساس من الأسس الاربعة لرسائل النور - اى عدم التلوث بظلم الآخرين واضرارهم.
اذ الانسان - بمضمون الاية الكريمة
(ان الانسان لظلوم كفار) (ابراهيم: 34) يرد معاملة المقابل له في هذا العصر بلا رحمة وبظلم شنيع مخالفاً بذلك الآية الكريمة:(ولا تزر وازرة وزر أخرى) (فاطر: 18) التي هي دستور الارادة الالهية. حيث تتغلب عليه العاطفة والانحياز الى جهة، وعندها لا يقصر عداءه على المجرم وحده ولا يأخذ بجريرته جميع اقاربه وحدهم، بل أيضاً يعاقب كل مَن له صلة بالمجرم من قريب أو بعيد، حتى انه اذا ما كان له سلطة أو حكم، يبيد قرية كاملة بالقنابل بجريرة مجرم واحد. بينما الانصاف يقتضي الاّ يُضحّى بحق برئ واحد بسبب مئة مجرم وان لا يُظلم ذلك البرئ بسببهم. ولكن الوضع الحالي يخالف الآية الكريمة فيقحم مئة من الأبرياء في بلايا واضرار بسبب بضع مجرمين، فمثلاً:
ان اهلاك والدين عجوزين لمن ارتكب خطأ، وتشريد أطفاله الصغار ودفعهم جميعاً الى هاوية الفقر والذل ومعاداتهم بالانحياز الى جهة ما مناف كلياً لأساس الشفقة على الخلق.
فمن جراء الانحياز الى التيارات الجارية - بين المسلمين - لا ينجو الابرياء من الظلم بل يشيع شيوعاً كلياً ولا سيما بالاسباب الداعية الى قيام الاضطرابات والثورات.
ولو كان الجهاد قائماً وهو جهاد اسلامي، فان حال أطفال الكفار تبقى على وضع آبائهم، وربما يكونون من الغنائم ويتمكن المسلمون ان يجعلوهم تحت امرتهم وملك يمينهم. ولكن لو ارتد احد داخل ديار المسلمين، فلا يُمتلك أطفاله قطعاً. ولا يجوز التجاوز على حقوقهم بأي شكل من الاشكال. لأن اولئك الأبرياء انما يرتبطون بالاسلام وبجماعة المسلمين، برابطة الاسلام، التي انقطعت عن والدهم.أما أولاد


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 245
الكفار فرغم انهم من أهل النجاة، فانهم يتبعون والدهم في الحقوق والحياة. لذا ربما يكونون اسراء أو مماليك عبيد في أثناء الجهاد الاسلامي.
***

[جواب قصير حول التوافق]
اذا كان في الشئ توافق، فانه يعدّ امارة صغيرة، بمعنى ان فيه قصداً وارادة، ولم يحدث مصادفةً. واذا حصل التوافق في عدة جهات فالامارة تتقوى. ولاسيما اذا كان التوافق بين شيئين خاصين من بين مئة احتمال وان بينهما علاقة قوية، فتصبح الاشارة الواردة من ذلك التوافق في حكم دلالة صريحة، وانه حصل بقصد وبارادة، ووجد لأجل مقصد معين، فلا احتمال فيه للمصادفة.
***

[حاجة الفطرة]
اخوتي الاعزاء الصديقين!
ان الأطفال الابرياء هم في مقدمة الذين سيكونون طلاباً حقيقيين لرسائل النور، وذلك وفق ما تقتضيه فطرتهم وتتطلبه الأوضاع الراهنة. لأن الطفل الذي لم يتلق في صغره درساً ايمانيا قويا يصعب عليه بعد ذلك أن يقر في روحه أركان الايمان والاسلام، بل يكون ذلك عسيراً عليه، شأنه شأن تقبل غير المسلم الاسلام، بل يستغرب من الاسلام اكثر منه، ولا سيما إن لم ير والديه على دين وتقوى، وربى ذهنه بالعلوم الدنيوية وحدها.
ففي هذه الحالة، يستثقل ذلك الطفل والديه بدل أن يبرّ بهما، ويكون بلاء عليهما، ويترقب موتهما! أما في الآخرة فلا يكون شفيعاً لهما، بل مدعياً عليهما قائلاً: "لِمَ لَمْ تنقذوا ايماني بتربيتي على الاسلام؟".
فبناء على هذه الحقيقة:


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 246
فان أسعد الأطفال هم أولاء الذين دخلوا ضمن دائرة رسائل النور، فيكونون أبناءبررة للوالدين وخداماً أمناء لهم، يقومون بين يديهم بالاحترام والتوقير اللائقين بهما، ويسجلون باعمالهم الصالحة حسنات في سجل حسنات والديهم بعد وفاتهم.. وفي الآخرة يكونون لهما شفعاء، كل حسب درجته.
ان القسم الثاني من طلاب النور: هم النساء اللائي يشعرن بحاجتهن الى رسائل النور في فطرتهن. ولاسيما من كان لهن شئ من التجافي عن الدنيا، وربما العزوف كلياً عنها، حيث قد بلغن من العمر مبلغاً.
فرسائل النور تكون لهن غذاء معنوياً؛ لأن احدى أسس رسائل النور، "الشفقة" التي هي من مظاهر اسم الله "الرحيم" وهي الخميرة والجوهر الخاص المغروز في فطرة النساء وميزتهن الأصيلة.
والقسم الثالث: هم المرضى والشيوخ المحتاجون الى رسائل النور- ولو بصورة غير فطرية - كحاجتهم الى الخبز والدواء. وذلك لأن رسائل النور توضح لهم الحياة الباقية وضوح الشمس في رابعة النهار، فضلا عن بيانها ماهية الحياة الدنيا من حيث فنائها. فالذين تأذت حياتهم الدنيوية بالمرض او بالشيخوخة والذين يظنون الموت اعداماً ابدياً، بما احاطت بهم من غفلة وضلالة. . فهؤلاء جميعاً بحاجة الى رسائل النورلما يجدون فيها من السلوان والعزاء ونور الرجاء،حتى يفضّل لديهم المرض والشيخوخة على الصحة والشباب.
سعيد النورسي
***

[نجاهد بنور القرآن]
اخواني الأعزاء الصدّيقين!
ان في موسم الصيف هذا، وفي زمن الغفلة هذا، وفي فترة الانشغال بهموم العيش، وفي اوان نيل الثواب الكبير من العبادات التي تؤدى في هذه الشهور الثلاثة، والصراع السياسي العاصف الذي يعصف في أرجاء الأرض كافة، دونه الصراع


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 247
بالسلاح.. في هذه الأثناء إن لم تكن هناك صلابة في منتهى القوة وثبات راسخ على اداء وظيفة النور المقدسة فسوف يعتري فتور وتعطل وتوقف في العمل. مما هو ليس بصالح رسائل النور.
اخوتي الاعزاء!
اعلموا يقيناً ان الوظيفة التي ينشغل بها طلاب رسائل النور مسألة أجلّ وأعظم من أعظم مسائل الكرة الارضية قاطبة، فلا تفتروا في مهمتكم الباقية، ملتفتين الى مسائل دنيوية مثيرة للاهتمام، اقرأوا كثيراً "المسالة الرابعة" من رسالة "الثمرة" كيلا تخور عزائمكم وتضعف قوتكم المعنوية.
نعم! ان جميع المسائل العظمى التي ينهمك بها أهل الدنيا انما تدور ضمن الدستور الظالم، دستور الجدال والصراع وفي نطاق الحياة الفانية، بابشع صورها واظلمها حتى يضحى في سبيلها بالمقدسات الدينية حصولاً على حطام الدنيا، لذا يلقيهم القدر الالهي في عذاب جهنم معنوية من خلال جرائمهم التي يرتكبونها.
اما رسائل النور وطلابها فان ما يسعون اليه وما هم مكلفون بادائه من مهمة انما هو لحياة باقية خالدة بدلاً من هذه الفانية. وهو اظهار حقيقة الموت أنه ستار امام الحياة الباقية، ذلك الجلاد الذي يرهبه عبدة الدنيا أشد رهبة..
ومن ثم اثبات ذلك بيقين جازم كمن يثبت حاصل ضرب الاثنين في اثنين يساوي أربعاً..
فقد أظهرت رسائل النور هذه الحقيقة الى الآن؛ من ان الموت أو الأجل ليس الاّ ستاراً ووسائل لبلوغ أهل الايمان السعادة الأبدية.
حاصل الكلام:
ان أهل الضلالة يكافحون في سبيل حياة دنيوية مؤقتة، اما نحن فنجاهد الموت بنور القرآن، لذا فان أعظم مسألة في نضالهم - لانها مؤقتة - لا تعادل أصغر مسألة من مسائلنا، لانها متوجهة الى البقاء والخلود..
وحيث انهم لا يتنازلون - ببلاهتهم - ويربأون بأنفسهم عن التدخل في مسائلنا العظمى، فلِمَ نتتبع بلهفة مسائلهم الصغيرة على حساب وظيفتنا المقدسة؟.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 248
تدبروا في هذه الآية الكريمة:
(.. لا يضركم من ضلّ اذا اهتديتم) (المائدة: 105) بمعنى: ان ضلال الآخرين لا يضر هدايتكم، فلا تنشغلوا بها. وتأملوا في الدستور المهم من دساتير اصول الشريعة: (الراضي بالضرر لا ينظر له). أي: لا ينظر بعين العطف والشفقة لمن رضي بنفسه الضرر.
فما دامت الآية الكريمة والدستور القويم يمنعاننا من العطف على الراضين بالضرر على علم. فلابد ان نحصر أوقاتنا وجميع قوتنا واهتمامنا في وظيفتنا المقدسة. ولابد أن نعد كل ما هو خارج عنها اموراً لا تعنينا بشئ، فلا نضيّع وقتنا بها. لأننا نملك النور وحده، لا المطرقة والصولجان، فلا يبدر منا تعدٍ على حقوق أحد قطعاً، ولكن اذا ما اعتدي علينا، نظهر النور ونبينه. فنحن في حالة نوع من دفاع نوراني.
***

[الحقيقة القرآنية في الرسائل]
ان اجزاء رسائل النور قد حلّت أكثر من مائة من أسرار الدين والشريعة والقرآن الكريم، ووضحتها وكشفتها وألجمت اعتى المعاندين الملحدين وافحمتهم، واثبتت بوضوح كوضوح الشمس ما كان يظن بعيداً عن العقل من حقائق القرآن كحقائق المعراج النبوي والحشر الجسماني، اثبتتها لأشد المعاندين والمتمردين من الفلاسفة والزنادقة حتى ادخلت بعضهم الى حظيرة الايمان، فرسائل هذا شأنها لابد ان العالم - وما حوله - بأجمعه سيكون ذا علاقة بها، ولا جرم انها حقيقة قرآنية تشغل هذا العصر والمستقبل، وتأخذ جل اهتمامه، وانها سيف الماسيّ بتار في قبضة أهل الايمان..
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 249
[اعذار في مسألتين]
اخوتي الأعزاء!
انقاذاً لطلاب رسائل النور الضعفاء او حديثي العهد بها من الشكوك والشبهات ابيّن الآتي:
يشيع بعض العلماء السذج او بعض المعارضين لرسائل النور والموالين للبدع - بما تحيكه منظمات سرية من مؤامرات - نقائص كثيرة واخطاء كثيرة - اعترف بها - صدرت من شخصي تهويناً لشأني لينزلوا بها ضربتهم القوية على رسائل النور، صداً للحقائق التي لا تُجرح لرسائل النور. فهناك عشرون حادثة مهمة منذ عشرين سنة تؤيد هذا.. حتى اصبحوا السبب في زجّنا السجن مرتين. ولهذا اُعلن لأصدقائي ولطلاب رسائل النور ما يأتي:
اني اشكر ربي كثيراً ان جعلني لا اعجب بنفسي، ناهيك عن الاطراء والمزايدة لنفسي واعلمني نقائصي وذنوبي، فاطلب العفو عنها والخجل يتملكني راجياً ان يكون اخلاص الطلاب الميامين لرسائل النور وتفانيهم في الخدمة الايمانية وشفاعتهم المعنوية لي، كفارة لذنوبي.
فالذين يعترضون علي يجهلون عيوبي المستورة بل يتـذرعون ببعض اخطائى الظاهرة ويظنون ظناً خطأ ان رسائل النور ملكي، فيرومون اسدال الستار امام انوارها، وإعاقة إنتشارها فيقولون:
ان سعيداً لا يأتي الى صلاة الجمعة، ولا يطلق لحيته.. وامثالها من الانتقادات.
الجواب: مع اعترافي بكثير من التقصيرات والذنوب الاّ ان لي في هاتين المسألتين اعذاراً:
اولاً:
انني شافعي المذهب، وان احد شروط صلاة الجمعة حسب هذا المذهب هو ان يقرأ الفاتحة اربعون شخصاً مأموماً مع شروط اخرى ايضاً، لذا فلا تفرض عليّ الجمعة هنا. الاّ اننى اقلد المذهب الحنفي فأؤديها نافلة.

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 250
ثانياً:
لقد منعوني لقاء الناس منذ عشرين سنة حتى انهم اوعزوا الى المسؤولين بعدم تقرب احد مني - منذ اربعة اشهر - فضلاً عن اني اعيش منذ خمس و عشرين سنة منزوياً ومعتكفاً. لهذا لا اجد الراحة والطمأنينة في الاماكن المزدحمة، فلا استطيع اداء الصلاة خلف كل إمام حسب مذهبي، إذ لا ألحق بالقراءة خلفه، فهو يسرع للركوع وانا لم اكمل بعدُ نصف الفاتحة، علماً ان قراءة الفاتحة فرض في هذا المذهب.
أما مسألة اطلاق اللحية:
ان اطلاق اللحية سنة نبوية، وليست خاصة بالعلماء. وقد نشأتُ منذ صغري عديم اللحية وعشتُ في وسط اناس تسعين بالمئة منهم لا يطلقون لحاهم.
هذا وأن الاعداء يغيرون علينا دائماً وقد حلقوا لحى بعض احبابي فأدركتُ عندها حكمة عدم اطلاقي اللحية، وانه عناية ربانية، اذ لو كنت مطلقاً اللحية وحلقتْ، لكانت رسائل النور تتضرر ضرراً بالغاً، حيث كنت لا اتحمل ذلك فأموت.
ولقد قال بعض العلماء: لا يجوز حلق اللحية. وهم يقصدون عدم حلقها بعد اطلاقها، لأن حلقها بعد اطلاقها حرام. اما اذا لم يطقلها فيكون تاركاً لسنة نبوية.
ولكن في الوقت الحاضر لأجل اجتناب كبائر عظيمة جداً قضينا طوال عشرين سنة حياة أليمة اشبه بالسجن الانفرادي، نسأله تعالى ان تكون كفارة لترك تلك السنة النبوية.
واعلن هذا ايضاً اعلاناً صريحاً قاطعاً:
ان رسائل النور ملك القرآن العظيم، فانّى لي الجراة ان ادّعي تملكها! لذا لا تسري أخطائي وتقصيراتي فيها قطعاً، فانا لست الاّ خادماً مذنباً لذلك النور الباهر،ودلالاً داعياً في متجر المجوهرات والالماس. فأحوالي المضطربة لا تؤثر فيها ولا تمسها أصلاً.
وفي الحقيقة ان الدرس الذي لقنتنا اياه رسائل النور هو التمسك بحقيقة الاخلاص، وترك الانانية، ومعرفة النفس انها مقصرة دائماً، والحذر الشديد من الاعجاب بالنفس. فنحن لا نظهر انفسنا بل نظهر الشخصية المعنوية لـرسائل النور ونبينها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 251
نحن نشكر من يرى نقائصنا ويريها لنا - بشرط ان تكون حقيقية - ونقول له: ليرضَ الله عنك. اذ كما نشكر من اذا وجد عقرباً في عنقنا ويرميها عنا قبل ان تؤذينا ونقدم له اجزل الشكر والامتنان، كذلك نقبل ونرضى بنقائصنا وتقصيراتنا ونظل في شكر وامتنان لمن نبهنا اليها، بشرط عدم تدخل الاغراض الشخصية والعناد وعدم جعله وسيلة لمعاونة اهل الضلالة والبدع..
***

[ ما تتطلبه خدمة الايمان ]
اخوتي الاعزاء الاوفياء والصامدين الثابتين المضحين الذين لايتزعزعون!
انتم تعلمون ان خبراء آنقرة لم يستطيعوا انكار الكرامات التي تخص رسائل النور والاشارات الغيبية اليها. الاّ انهم اعترضوا مخطئين لما ظنوا أن لي حظاً في تلك الكرامات. وقالوا: يجب الاّ تنشر مثل هذه الامور في الكتاب فالكرامات لا يُعلن عنها.
وتجاه هذا الانتقاد العابر قد قلت جواباً لهم في الدفاعات:
ان تلك الكرامات لا تعود لي، وليس من حدّي ان اكون صاحب تلك الكرامات، بل هي لرسائل النور التي هي ترشحات من المعجزة المعنوية للقرآن الكريم ولمعات منها وتفسير حقيقي له، متخذة شكل الكرامات، لأجل تقوية الروح المعنوية لطلاب النور، فهي من نوع الإكرامات الإلهية، واظهار الإكرام الإلهي شكر، وهو جائز ومقبول ايضاً...
والآن اوضح الجواب قليلاً بناء على سبب مهم؛ وقد ورد السؤال الآتي: "لمَ لم اُظهر تلك الإكرامات الإلهية، ولِمَ احشّد الكلام حولها، ولِمَ اُكثر البحث حولها، حتى ان اكثر المكاتيب متوجهة اليها؟".
الجواب : ان الخدمة الايمانية التي تقدمها رسائل النور في هذا الوقت تجابه بالوف المخربين، مما يلزم ان تكون في صفها مئات الالوف من المعمرين.. ويستدعي الامر ان يكون معي في الاقل مئات من المعاونين والكتاب.. وتقضي الضرورة على الامة


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 252
والمسؤولين في البلاد ان يمدّوا يد المساعدة بتقدير واعجاب وحض منهم على الخدمة الايمانية ويثمنوا قيمتها ويوثقوا الصلة بها، وألاٍ يتحرزوا من التماس بها فينسحبوا من الميدان.. بل وتطلب هذه الخدمة من اهل الايمان ان يفضّلوها على مشاغل الحياة الفانية وفوائدها، اذ انها خدمة ايمانية خالصة تبغي النجاة في الآخرة.
فبينما الامور تقتضي هكذا، اجعل من نفسي مثالاً فأقول:
ان منعي عن كل شئ، وحظر الاتصال معي، وقطع طريق العون اليّ، زد على ذلك تهوين قوة زملائي المعنوية ببث الدعايات المغرضة بكل ما اوتوا من قوة واستعمال شتى الوسائل ما استطاعوا اليها سبيلاً لتنفيرهم عنّي وعن رسائل النور. اقول: في مثل هذه الظروف وضمن هذه الشروط فان وضع مهمة ترزخ تحتها الوف الاشخاص، على كاهل شخص عاجز مثلي، وانا الضعيف المريض العجوز الغريب عن بلاده، والمحروم من الاهل والاقارب. فضلاً عن تجنيب الناس عن الاتصال معي وكأنني مصاب بمرض معدٍ، حتى اضطر الى الابتعاد وعدم الاختلاط.. زد على ذلك إلقاء الرعب والاوهام في قلوب الناس واحاطتهم بهالة من الذعر والخوف لإبعادهم عن خدمة الايمان، وذلك للفتّ من القوة المعنوية.. ففي مثل هذه الاحوال وتجاه جميع تلك الموانع فان الامر يقتضي حشد قوى معنوية حول رسائل النور ببيان الاكرامات الإلهية التي هي مدار القوة المعنوية لطلاب النور، وإظهار قوتها بقوة جيش عظيم لاتحتاج الى امداد أحد من الناس، بل هي التي تتحدى الاعداء.. فلأجل هذه الحكم المذكورة آنفاً كُتّبت الإكرامات وامثالها.
والاّ فنحن لانريد مزايدات على أنفسنا، وجلب اعجاب الناس بنا وحضهم على القيام بمدحنا والثناء علينا، وذلك حفاظاً على الاخلاص الذي هو اساس مهم من اسس رسائل النور.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 253
[حسّ مسبَق برسائل النور]
اخوتي الاعزاء!
لقد اقتنعت قناعة جازمة ان رسائل النور - قبل ظهورها بأربعين سنة - قد تظاهرت بحس مسبق احساساً واسعاً وباسلوب عجيب، في نفسي، وفي قريتنا "نورس" وفي ناحيتنا "خيزان". كنت ارغب ان ابوح بهذا السر الى كل من "شفيق" و"عبدالمجيد" من اخوتي وطلابي القدامى، والآن ابينه لكم لما وهب الله سبحانه وتعالى لكم كثيراً من امثال عبدالمجيد وعبدالرحمن..
كنت احمل حالة روحية تتسم بالفخر والاعتزاز، يوم كنت في العاشرة من عمري، بل حتى احياناً بصورة حب للمدح والثناء. فكنت اتقلد طور بطل عظيم ورائد كبير وصاحب عمل عظيم خلاف رغبتي. فكنت اقول لنفسي:
ما هذا الظهور والاختيال ولاسيما في الشجاعة، وانت لا تساوي شروى نقير؟ فكنت حائراً وجاهلاً بالجواب.
ولكن منذ شهرين، اجيبت تلك الحيرة، بأن رسائل النور كانت تُشعر بنفسها بحس مسبَق. اما انت فلست الاّ بذرة صغيرة لا تساوي شيئاً ولكن لإحساسك قبل الوقوع تعدّ تلك العناقيد الفردوسية "رسائل النور" كأنها ملكك، فتزهو وتتباهى.
أما قريتنا "نورس" فان اهلها وطلابي القدامي يعرفون: ان اهالينا كانوا يحبون المدح والثناء عليهم كثيراً لإظهارهم أنهم السابقون في الشجاعة والإقدام. فيرغبون تقلّد طور البطولة وكأنهم قد فتحوا مملكة كبيرة.
فكنت اعجب من نفسي ومن طورها هذا. والآن عرفت السر بإخطار حقيقي:
ان اولئك النورسيين، يتباهون لان قريتهم "نورس" ستكسب فخراً عظيماً بنور رسائل النور. حتى ان الذين لم يسمعوا باسم الولاية والناحية سيعرفون تلك القرية باهتمام بالغ.
فهؤلاء النورسيون يظهرون شكرانهم - بحس مسبق - لتلك النعمة الالهية على صورة زهو وتباهٍ.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 254
نعم انه عندما كان جميع كردستان يتخذ وضع المفتخر المختال بغزارة الطلاب والائمة والعلماء المتخرجين بهمة وجهود "الشيخ عبدالرحمن طاغي" الشهير والملقب بـ "سيدا" في ناحيتنا "اسباريت" التابعة لقضاء "خيزان" كنت اشعر بينهم ايضاً ضمن تلك المناظرات العالىة والهمة العالىة والدائرة الواسعة العلمية والصوفية، كأن اولئك العلماء سيفتحون الارض كلها. فكنت استمع - وانا لم اتجاوز العاشرة من عمري - مناقب العلماء القدامى المشهورين والاولياء العظام والسادة الاقطاب، ويرد الى قلبي: ان هؤلاء الطلاب العلماء سيفتحون آفاقاً عظيمة في العلم والدين. اذ لو تفوق احدهم بشئ من الذكاء فالاهتمام يوجّه الىه، وان ظهر احدهم في مسألة لدى مناظرة علمية يفتحر ويزهو كثيراً. فكنت اتحير من هذا، اذ كانت عندي تلك المشاعر ايضاً. حتى كان بين شيوخ الطرق الصوفية وضمن دائرتهم في ناحيتنا وقضائنا وولايتنا مسابقة تثير الحيرة لم اقف عليها في مدن اخرى الى هذا الحد.
والآن اقتنعت: ان ارواح اولئك؛ زملائي الطلاب واساتذتي العلماء ومرشديّ الاولياء والشيوخ، قد شعرت - بحس مسبق وبدون معرفة العقل - بأن نوراً ساطعاً سيظهر - في الوقت اللازم - من بين اولئك الطلاب والاساتذة ومريدي المرشدين، بحيث يغيث ذلك النور اهل الايمان. فهذه النعمة الالهية التي ستنعم في المستقبل، ضمن ظروف في منتهى القسوة والغرابة وتجاه معارضين الدّاء لا حدّ لهم ومقابل الضلالة التي تشتد منذ الف سنة وسط اعداء في منتهى الخبث والمكر والخديعة، هي رسائل النور التي تظهر ظهوراً خارقا بعد تدقيقات مستديمة لمحكمتين عدليتين. وتتنور سراً وتكسب الحرية في النشر وانف اعدائها راغم. مما تبين ان هذه الرسائل تستحق ذلك الموقع بحيث احسّ بمجيئها اهالي قريتي وناحيتي وولايتي فسّروا بها وانشرحوا لها. ولقد سردت لكم هذا السر لاني اعدّكم كطلابي السابقين واخواني وكأخي عبدالمجيد وكعبدالرحمن.
نعم انني كما استشعر بالمطر قبل اربع وعشرين ساعة من نزولها لقوة في شعوري وتحسس اعصابي بالرطوبة، كذلك فاني وقريتي وناحيتي قد شعرنا قبل اربع واربعين سنة ما في رسائل النور من شآبيب الرحمة، وذلك بحسّ مسبق.
سلامنا الى جميع اخواننا ومواطنينا وندعو لهم بالخير ونرجو دعواتهم.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 255
[تتمة الحس المسبق]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اكتب هذه التتمة لمناسبة الحس المسبق - احساساً كلياً - بظهور رسائل النور، حيث يشاهد في نمط حياة قسم من خواص طلاب رسائل النور واعتراف بعضهم، ان حياتهم جُهّزت وهُيئت لأجل القيام بهذه الخدمة الجليلة، كما هي الحال في تهيئة رسائل النور في اداء هذه الخدمة.
ان الحس المسبق موجود كلياً او جزئياً في كل شخص. بل حتى في الحيوانات. وان قسماً مهماً من الرؤيا الصادقة نوع من هذا الحس المسبق، ويرتقي عند بعضهم - من حيث قوة حساسيته - الى درجة الكرامة. وان احساسي بمجئ المطر قبل اربع وعشرين ساعة بما في اعصابي من احساس بالرطوبة يمكن ان يعدّ من جهة احساساً مسبقاً ومن جهة اخرى لا يعدّ.
ولقد استقصيت نمط حياة اخوتي الذين لهم شأن في خدمة رسائل النور فشاهدت ان سير حياتهم - كما هي عندي - قد جُهّزت وسيقت لأجل انتاج عمل عظيم كالعمل لرسائل النور.
نعم، ان طراز الحياة السابقة من اخوتي "خسرو، فيضي، الحافظ علي، نظـيف" قد اعطيت لها اوضاعاً لتثمر هذه الخدمة النورية. وهم انفسهم يشعرون بها، مثلما ارى واخوتي الخواص جداً - هاهنا - أن حياتهم قد نظمت لتثمر مثل هذه الثمرة النورانية كما هي في طراز حياتي، فالذين لا يشعرون بها. اذا ما انعموا النظر سيشعرون بها.
ولقد كنت اعدّ قسم الخوارق التي ظهرت في عهد حياتي السابق، انها من سلسلة كرامات الشيخ الكيلاني. بينما تبيّن الآن انها كرامة من سلسلة كرامات رسائل النور، فمثلاً:
في اثناء مجيئى الى استانبول قبل عهد الحرية، اقتنيت بضعة كتب قيّمة تخص علم الكلام فقرأتها بدقة. وبعد مجيئى اليها دعوت العلماء ومدرسي المدارس الدينية الى المناقشة باعلاني "اسألوا ما شئتم". الاّ ان الشئ المحير ان المسائل التي طرحها


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 256
القادمون كنت قد قرأت اجوبتها في طريقي الى استانبول او التي ظلت عالقة في ذهني.
وكذا الاسئلة التي طرحها الفلاسفة هي المسائل التي ظلت عالقة في ذهني.
والآن توضح الامر فادرك ان ذلك النجاح الباهر وذلك الاعلان واظهار الاعجاب والفضيلة التي تفوق حدي بكثير، انما كان لتهيئة الوسط الملائم لقبول رسائل النور لدى استانبول وعلمائها ومعرفة اهميتها.
كنت أرفض قبول أموال الناس وهداياهم منذ نعومة أظفاري. فما كنت أتنازل لإظهار حاجتي للآخرين رغم انني كنت فقير الحال وفي حاجة الى المال، وما كنت زاهداً ولا صوفياً ولا صاحب رياضة روحية، فضلاً عن انني ما كنت من ذوي الحسب والنسب والشهرة.
فازاء هذه الحالة كنت أحار من امري كما كان يحار من يعرفني من الأصدقاء. ولقد فهمت من قبل بضع سنين حكمتها، انها كانت لأجل عدم الرضوخ للطمع والمال، ولأجل الحيلولة دون مجئ اعتراض على رسائل النور في مجاهداتها، فقد أنعم عليّ الباري عزوجل تلك الحالة الروحية.. والاّ كان أعدائي الرهيبين ينزلون بي ضربتهم القاضية من تلك الناحية.
ومثلاً: على الرغم من ان سعيداً القديم قد توغل كثيراً في الامور السياسية، وان سعيداً الجديد بحاجة الى من يسنده وينحاز اليه كثيراً، لم تشغله اعاصير السياسة اصلاً وقطعاً ولم تغلبه - بتحريك الفضول لديه - للاهتمام حتى بمعرفة هذا الطوفان البشري الجارف الذي اشغل البشرية قاطبة طوال خمس سنوات واكثر...
فقد كنت احار من هذه الحالة، كما ان الذين يعرفونني يحارون، حتى كنت اقول لنفسي: هل انا الذي جننت بحيث لا انظر ولا اهتم بهذه الحالة التي هزت الدنيا اجمع، ام الناس اصبحوا مجانين؟. كنت اقول هذا وأظل محتاراً ولكن قد تحقق الآن - باخطار معنوي وبالحس المسبق المذكور وبتغلب رسائل النور واطلاق حريتها - ان تلك الحالة الروحية العجيبة، قد منُحت لاجل اثبات ان حقيقة


الملاحق - ملحق أميرداغ/1،ص: 257
الاخلاص التي تتحلى بها رسائل النور لايمكن ان تكون تابعة لأي شئ سوى مرضاة الله سبحانه وتعالى ولا ركيزة لها سوى القرآن الكريم.
سعيد النورسي
***

[ما يستحق الفضول والاهتمام]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
ذكر في المسألة الرابعة من رسالة " الثمرة" ما ملخصه الآتي:
ان سبب عدم تدخلي في الشؤون السياسية الدائرة في الارض، هو ان وظيفة الانسان ومهمته في تلك الدائرة الواسعة قليلة وصغيرة الاّ انها تثير الفضول لدى المهتمين بها والمتلهفين الى تتبع الاحداث. حتى ان الاهتمام بتلك الوظائف الثانوية تنسيهم وظائفهم الحقيقية الجليلة او تدعها ناقصة مبتورة، فضلاً عن انها تورث الانحياز والميل الى احدى الجهات، وعندها لا يجد المرء بأساً من ظلم الظالمين في الجهة التي انحاز اليها بل قد يرتاح اليه. فيكون عندئذٍ مشاركاً لهم في الاثم.
فيا ايها الشقاة الذين يتلذذون من الغفلة المسكرة الناشئة من متابعة الحوادث الخارجية نتيجة الفضول والاهتمام!
لو كان الفضول والاهتمام وحب الاستطلاع المغروز في فطرة الانسان هو الذي يدفعكم - من حيث الانسانية - الى هذا التتبع والاهتمام، وعلى حساب الوظائف الجليلة الضرورية المفروضة. نعم، لو قلتم ان هذه ايضاً حاجة فطرية معنوية. فانا أقول:
فكما ان الانسان يثار لديه الفضول وحب الاستطلاع عندما يشاهد انساناً ذا رأسين او ذا ثلاثة ارجل بينما لا يهتم بخلق الانسان السوي الحافل بالمعجزات ولا ينعم النظر فيه.
كذلك الحوادث الجارية في البشرية تلفت نظر الانسان اليها حيث تغطي مساحة واسعة من الاخبار بينما هي حوادث فانية موقتة بل مدمّرة في هذا العصر. علما ان


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 258
هناك مائة الف امة وامة من امثال نوع البشر تعيش معه على سطح الارض. فلو راقبنا مثلاً امة واحدة منها في فصل الربيع ولتكن النحل او العنب لرأينا انفسنا امام معجزات عظيمة جداً تستحق ان تلفت اليها الانظار اكثر مما تستحقه تلك الحوادث البشرية بأضعاف اضعاف المرات. بل هي تحرك الفضول والاهتمام - لدى انعام النظر فيها - وتورث الانسان لذائذ روحية واذواقاً معنوية.
لذا فليس صحيحاً الاّ يُعبأ بتلك اللذائذ المعنوية الحقيقية وتركها، والالتفات الى حوادث بشرية مضرة شريرة عرضية غير اصيلة، ومن ثم الالتصاق بها عقلاً وروحًا، وبذل الاهتمام البالغ بها.
نعم لا يصح ذلك قطعاً الاّ اذا كانت الدنيا خالدة ابدية، وتلك الحوادث دائمة مستمرة، والضر والنفع يأتيان منها، والقائمون بها لهم القدرة على الايجاد والخلق.. والحال ان تلك الحالات حالات طارئة مضطربة عابرة كهبوب الرياح، وتأثير المسببين فيها تأثير عرضي غير حقيقي فضلاً عن انه جزئي. اما منافعها واضرارها فلا تأتي من الشرق ولا من البحر المحيط، بل ممن هو اقرب اليك من حبل الوريد وممن يحول بين المرء وقلبه، وممن يربيك ويدبر شؤونك.. ذلك الرب الجليل .. أليس من البلاهة ألاّ تهتم بربوبيته وحكمته؟
واذا ما نظرنا الى المسألة من زاوية الايمان والحقيقة رأينا ان اهتمامات من هذا القبيل تولد اضراراً جسيمة، اذ تدفع الانسان الى ميدان فسيح لا ضوابط له حتى تورثه الغفلة فتغرقه في امور الدنيا وتنسيه واجباته الحقيقية نحو الآخرة.
ولا شك ان اوسع دائرة من تلك الدوائر الواسعة هي السياسة واحداثها. ولا سيما الحوادث العامة كالحرب، فانها تغرق القلب في الغفلة بل تخنقه خنقًا، حتى لا يمكن انقاذه الاّ بايمان ساطع كالشمس يقدر على مشاهدة اثر القدر الالهي والقدرة الربانية في كل شئ، في كل حال، في كل حركة وسكون، كي لا يغرق القلب في ظلام دامس من الظلمات ولا ينطفئ نور الايمان الوهاج ولا يزل العقل الى مفهوم الطبيعة والمصادفة.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 259
ومن هنا نرى ان ارباب الحقيقة يحاولون تناسي دائرة الكثرة بلوغاً الى الحقيقة ووجدان طريق الى معرفة الله. وذلك لئلا يتشتت القلب والاهتمام والذوق والشوق، وليصرفوها جميعاً الى ما يلزم لا الى ما لا يلزم من الفانيات.
ومن هذا السر الدقيق لا يكون قسم من السياسيين - على الاغلب - على تقوى كاملة، ولا يكون الذين هم على تقوى وصلاح تام سياسيين ما خلا الصحابة الكرام وامثالهم من المجاهدين من السلف الصالحين . بمعنى ان الذين اتخذوا السياسة هدفاً لهم يأتي الدين لديهم في المرتبة الثانية ويكون حكمه حكم التابع. اما المتدين حق التدين فيرى العبودية لله تعالى اعظم غايته في الكون، فلا ينظر الى السياسة نظر العاشق الولهان، بل ينظر اليها - حسب مرحلتها - في المرتبة الثانية والثالثة ويستطيع ان يجعلها اداة طيعة للدين والحقيقة. اذ بخلافه يهوّن من قيمة الالماس الثمينة الى قطع زجاجية تافهة.
حاصل الكلام : كما ان السُكر يولّد لذة مشؤومة ، ولفترة قصيرة حيث ينسي السكران الآلام الناشئة من ادائه الوظائف الحقيقية والحاجات الضرورية، كذلك الاهتمام الجاد بهذه المعارك والحروب الطاحنة والحوادث الفانية هو نوع من السُكر بحيث ينسي الانسان حاجته الى المهمات الحقيقية والآلام الناشئة من جراء القيام بها، ينسيه موقتا مانحاً لذة مشؤومة، او يقذف به في يأس مدمّر مخالفًا للامر الالهي في قوله تعالى
(لا تقنطوا من رحمة الله) (الزمر: 53) وعند ذاك يكون ممن يستحق التأديب والعقاب بالزجر الالهي الشديد (ولا تركنوا الى الذين ظلموا فتمسكم النار) (هود: 113) وذلك لمشاركته طوعاً وضمناً في ظلم الظالمين. فينال جزاءه الذي يستحقه في الدنيا والآخرة.
***

[انقاذ الايمان أعظم احسان في هذا الزمان]
اخوتي الاعزاء الصادقين!
ان اعظم احسان اعدّه في هذا الزمان وأجلّ وظيفة، هو انقاذ الانسان لإيمانه والسعي لإمداد ايمان الآخرين بالقوة. فاحذر يا أخي من الانانية والغرور وتجنب من


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 260
كل مايؤدي اليهما، بل ينبغي لأهل الحقيقة في هذا الزمان نكران الذات، ونبذ الغرور والانانية، وهذا هو الالزم لهم، لأن أعظم خطر يتأتى في هذا العصر، انما يتأتي من الانانية والسمعة، فعلى كل فرد من أفراد أهل الحق والحقيقة ان ينظر الى تقصيرات نفسه ويتهمها دائماً ويتحلى بالتواضع التام.
انه لمقام عظيم حفاظكم ببطولة فائقة على ايمانكم وعبوديتكم لله، تحت هذه الظروف القاسية ...
نعم ان رسائل النور لم تنهزم تجاه جميع الهجمات الشرسة في هذا العصر. بل ارغمت رسمياً أعتى المعاندين لها على قبول نشرها. حتى انه منذ سنتين وبعد اجراء التدقيقات صدّق المسؤولون الكبار وذوو المناصب الرفيعة في وزارة العدل على اطلاق حرية نشر رسائل النور فأعادوا الرسائل العامة والخاصة لأصحابها.
ان مما يثبت أن رسائل النور معجزة معنوية للقرآن الكريم في هذا العصر هو عدم انهزام مسلك رسائل النور - كسائر المسالك والطرق الصوفية - بل انتصاره وادخاله الكثيرين من اهل العناد الى حظيرة الاسلام، والشهود على ذلك حوادث كثيرة جداً. ولقد اقنعتنا الحوادث انه لن تكون خدمة الدين خارج دائرة رسائل النور خدمة كاملة - في الاغلب في هذه البلاد - حيث هو عمل خاص جزئي وحيد وشخصي أو مستتر منهزم، أو متساهل مع البدع ضمن تحريفات بتأويلات فاسدة.
ما دمت يا أخي تملك همة عالية وقوة راسخة من الايمان، فكن طالباً لرسائل النور واستمسك بها باخلاص تام وتواضع تام وثبات تام. كي تشارك المغانم الأخروية لألوف، بل مئات الألوف من الطلاب وذلك على وفق دستور الاشتراك المعنوي الأخروي في الاعمال. وبهذا تتحول حسناتك وخيراتك الى حسنات وخيرات كلية جماعية تكسبك تجارة رابحة في الآخرة بعد ان كانت حسنات جزئية فردية.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 261
[ما يدفع الى استنساخ الرسائل]
اخوتي الاعزاء الصديقين!
اطلعت اليوم على مجموعة تضم اجزاء من الرسائل التي استنسخها اطفال ابرياء وشيوخ كهول، وذلك ضمن المجموعات المعادة اليّ من قبل المحكمة بعد اجراء التدقيقات عليها لمدة سنتين.
وبمشاهدتي هذه المجموعة الخالصة النزيهة اقتنعت بأن هذه المجموعة المستنسخة من قبل الابرياء من الاميين صداً لشبهات الفلاسفة والضالين اعظم وسيلة للنصر والظهور على العنيدين وارغام غير المنصفين الى الانصاف.
وقد جمعنا هذه المجموعات والاجزاء المستنسخة من قبل الاميين في مجلدات ثلاثة.
ان في رسائل النور اذواقاً معنوية وانواراً جذابة وسروراً بالغاً يحمل الصغار والكبار على الانكباب على الاستنساخ اليدوي بحيث يتغلب على جميع المبتكرات والوسائل الحديثة لحث الصغار على القراءة وسوقهم اليها.
وهذا يعني ان رسائل النور تترشح وتمد جذورها في الاعماق وستدوم في الاجيال المقبلة بحيث لا تتمكن اية قوة كانت أن تجتثها باذن الله...
وكما ضُمتْْ مستنسخات هؤلاء الاطفال الابرياء في مجلدات كذلك ضمت في مجلدات مستنسخات اولئك الشيوخ الذين انضموا الى دائرة رسائل النور وباشروا بتعلم القراءة والكتابة بعد تجاوزهم الاربعين من العمر.
فهؤلاء الشيوخ الاميون وقسم منهم رعاة وبدو رحّل وفي هذه الظروف العصيبة يفضلون السعي لرسائل النور، ويسعون في خدمة الايمان بشوق رغم جميع المضايقات، مما يظهر بوضوح ان الحاجة الى رسائل النور اكثر من الحاجة الى الخبز حتى ان اهل الحصاد والفلاحين والرعاة والبدو يرون العمل لرسائل النور أولى من حاجاتهم الضرورية.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 262
وعندما كنت اصحح ما استنسخه الصبيان والشيوخ وانا اعاني من ضيق الوقت ورد على خاطري أنه لا داعي للضجر والضيق. فان قراءة ما استنسخه هؤلاء ترغم المسرعين في القراءة الى التأني والتروي حتى يتمكن كل من العقل والقلب والروح والنفس والشعور من تناول حقائق رسائل النور التي هي في حكم الغذاء والطعام. وبخلافه فان القراءة السريعة تجعل العقل وحده آخذاً حظه، بينما تظل الاخريات دون غذاء.
لذا ما ينبغي قراءة رسائل النور كسائر العلوم والكتب، لان مافيها من علوم الايمان التحقيقي لا يشبه العلوم والمعارف الاخرى، فهي نور وقوة ممدّة لكثير من اللطائف الانسانية فضلاً عن العقل.
حاصل الكلام: هناك فائدتان في الكتابة الناقصة لاولئك الابرياء والشيوخ الاميين:
اولاها: تلجئ القارئالى التأني والملاحظة الدقيقة.
ثانيتها: تدفع الى تلقّي الدروس باعجاب بمسائل رسائل النور الدقيقة اللطيفة اللذيذة والاستماع اليها من تلك الالسنة الطيبة الخالصة البريئة.
الباقي هو الباقي
اخوكم
سعيد النورسي
***

[ممن تلقيتُ درس الحقيقة؟]
ان حسن ظنكم المفرط نحوي هو فوق حدى بكثير فلا استطيع قبوله الاّ ان يكون باسم شخص رسائل النور المعنوي، والاّ فليس من حدّي وطوقي ان اظهر مزايا تلك المقامات الرفيعة.
ثم ان مسلك رسائل النور ليس مسلك الطريقة الصوفية بل هو مسلك الحقيقة، فهو مسلك مقتبس من نور مسلك الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم اجمعين.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 263
ان هذا الزمان ليس زمان الطريقة الصوفية بل زمان انقاذ الايمان. ولله الحمد فان رسائل النور قد انجزت وما تزال تنجز هذه المهمة وفي اصعب الظروف. ان دائرة رسائل النور في هذا الزمان هي دائرة طلاب الامام علي والحسن والحسين والشيخ الكيلاني رضوان الله عليهم اجمعين.. اذ تلقيتُ درس الحقيقة - على طريقة أويس القرني - مباشرة من الامام علي رضي الله عنه بوساطة الشيخ الكيلاني (قدس سره) والامام زين العابدين والحسن والحسين رضي الله عنهم، لذا فان دائرة عملنا وخدماتنا هي دائرتهم.
ثم انني اعترف انني لا استحق ذلك المقام الرفيع الذي يمنحني لأتملك هذا الأثر المقبول القيم باي وجه من الوجوه. ولكن خلقُ شجرة باسقة ضخمة من بذرة صغيرة جداً هو من شأن القدرة الإلهية ومن سنته الجارية وهو دليل على عظمتها. وأنا اطمئنكم مقسما بالله ان قصدي من الثناء على رسائل النور انما هو تأييد حقائق القرآن واثبات اركان الايمان ونشرها. وانني اشكر ربي الرحيم شكراً لا منتهى له، على انه لم يجعلنى اعجب بنفسي قط، وانه اظهر لي عيوب نفسي وتقصيراتي حتى لم تبق اية رغبة في اظهار تلك النفس الى الآخرين .
نعم ان من كان على شفير القبر لا ينظر الى الدنيا الفانية التي تركها وراء ظهره، واذا ما نظر الىها فهو حماقة يرثى لها وخسارة فادحة.
اللّهم احفظنا من مثل هذه الخسائر آمين.
تحياتنا الى جميع الاخوة فرداً فرداً مقرونة بالدعاء لهم راجين دعواتهم.
***

[الحقيقة الخالدة لا تبنى على فانين]
انه يسأل هذه المرة عن حقيقة جليلة هي فوق حدّي ومنزلتي بألف درجة يسألها استناداً الى حسن ظنه المفرط. انه يريد ان ينظر اليّ من زاوية الوظيفة الجليلة السامية للشخص المعنوي لـرسائل النور ومن زاوية احدى الوظائف الرفيعة السامية لخلافة النبوة، لرؤيته شعاعاً منها في شخصي الاعتيادي من حيث كوني استاذه، فيحاول ان


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 264
ينظر الى شخصي الاعتيادي من زاوية تلك الوظيفة المقدسة، فيريد ان يراني مظهراً لتلك الخلافة المعنوية!.
اولاً: ان حقيقة خالدة دائمة لاتبنى على اشخاص فانين زائلين. ولو بنيت عليهم لنجم ظلم واجحاف شديدان. اذ المهمة التي لها الدوام والكمال من كل جانب لاتربط بأشخاص معرضين للفناء، ومبتلين بالاهانات. فإن رُبط الامر بهم، تصاب المهمة نفسها بضرر بالغ.
ثانياً: ان رسائل النور ليست نابعة من بنات افكار المؤلف بفيض القرآن الكريم أو بلسان حاجته الروحية، فهي ليست فيوضات متوجهة الى حاجة المؤلف واستعداده وحده بل هي ايضاً نابعة من طلب مخاطبي ذلك المؤلف وزملائه في درس القرآن الافاضل الخالصين الصادقين الصلبين، وسؤالهم روحاً تلك الفيوضات وقبولها والتصديق بها وتطبيقها. فهي مستفاضة من القرآن الكريم من هذه الجهات وامثالها من جهات كثيرة اخرى. فهي فيوضات تفوق كثيراً استعداد المؤلف وقابليته. فكما ان اولئك المخاطبين اصبحوا السبب في ظهور رسائل النوركذلك هم الذين يشكلون حقيقة الشخص المعنوي لرسائل النور وطلابها. أما المؤلف فله حصة من تلك الحقيقة، وقد يكون له حظ شرف السبق إن لم يفسده بعدم الاخلاص.
ثالثاً: ان هذا الزمان زمن الجماعة، فلو بلغ دهاء الاشخاص فرداً فرداً حد الخوارق، فلربما يُغلب تجاه الدهاء الناشئ من شخص الجماعة المعنوي. لذا أقول كما كتب ذلك الاخ الكريم: ان مهمة ايمانية جليلة بحيث تنور عالم الاسلام من جهة وناشئة من انوار دهاء قدسي، لاتحمّل هذه المهمة على كاهل شخص واحد ضعيف مغلوب ظاهراً، يتربص به اعداء لا يعدّون و خصماء ألدّاء يحاولون التنقيص من شأنه بالإهانات. فلو حُمّلت، وتزعزع ذلك الشخص العاجز تحت ضربات اهانة اعدائه الشديدة، لسقط الحمل وتبعثر.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 265
[حاجة أهل الايمان الى حقيقة نزيهة ]
أخوتي الاعزاء الصديقين الثابتين المخلصين!
سؤال في منتهى الأهمية، يسألنيه من له علاقة بي، ويرد في نفسي أيضاً، فهو سؤال معنوي ومادي في الوقت نفسه. وهو:
لِمَ تقوم بما لم يقم به أحد من الناس، لمَ لا تلتفت الى قوى على جانب عظيم من الأهمية، تستطيع ان تعينك في أمورك، فتخالف جميع الناس. بل تظهر استغناءً عنهم؟.
ثم لِمَ ترفض بشدة مقامات معنوية رفيعة يجدك طلاب النور الخواص أهلاً لها، فتتجنبها بقوة في حين يتمناها الناس ويطلبونها، فضلاً عن انها ستقدم خدمات جليلة في سبيل نشر رسائل النور وتمهد السبيل لفتوحاتها.؟
الجواب:
ان أهل الايمان - في الوقت الحاضر - محتاجون أشد الحاجة الى حقيقة جليلة نزيهة بحيث لا يمكن ان تكون وسيلة للوصول الى شئ، ولا تابعة لأي شئ كان، ولا سلماً للوصول الى مآرب أخرى، ولا يتمكن أي غرض أو أي قصد كان من أن يلوثها، ولا تتمكن الفلسفة أو الشبهات أن تنال منها. فالمؤمنون محتاجون الى مثل هذه الحقيقة النزيهة لترشدهم الى حقائق الايمان، حفاظاً على ايمان المؤمنين في هذا العصر الذي اشتدت فيه صولة الضلالة التي تراكمت شبهاتها منذ ألف سنة.
فانطلاقاً من هذه النقطة فان رسائل النور لا تعبأ بالذين يمدّون لها يد المعاونة سواءً من داخل البلاد أو خارجها ولا تهتم بما يملكونه من قوى ذات أهمية بل ولا تبحث عنهم ولا تتبعهم. وذلك لكي لا تكون في نظر المسلمين عامة وسيلة للوصول الى غايات دنيوية ولن تكون الا وسيلة خالصة للحياة الخالدة الباقية. لذا فهي بحقيقتها الخارقة وبقوتها الفائقة تتمكن من ازالة الشبهات والريوب المهاجمة على الايمان.
اما المقامات النورانية والمراتب الأخروية التي هي درجات معنوية مقبولة لدى أهل الحقيقة قاطبة بل يرغبون فيها، ولا ضرر منها، وقد منحها لك اخواننا المخلصون


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 266
بما يحملون نحوك من حسن الظن، وهي لا تلحق ضرراً باخلاصكم - حتى لو قبلتها لا يرفضون قبولك لكثرة ما لديهم من حجج وبراهين عليها - الاّ انك ترفض تلك المقامات بغضب وحدّة لا تواضعاً او تجرداً وترفعاً منك، بل حتى تجرح مشاعر اخوانك الذين منحوك تلك المقامات، فتتجنبها بشدة..!
الجواب:
كما ان شخصاً غيوراً يضحِّي بنفسه انقاذاً لحياة اصدقائه، كذلك لأجل الحفاظ على الحياة الأبدية للمؤمنين من صولة اعداء خطرين، أضحي اذا لزم الأمر وهو يلزم لا بتلك المقامات التي لا استحقها، بل أيضاً بمقامات حقيقية لحياة أبدية. ذلك ما تعلمته من رسائل النور، الا وهو الشفقة على الخلق.
نعم! ان الأمر يقتضي هكذا في كل وقت، ولا سيما في هذا الوقت، وبخاصة عند استيلاء الغفلة التي انشأتها الضلالة، في خضم هيمنة التيارات السياسية والآراء الفلسفية، وفي عصر كعصرنا هذا الذي هاج فيه الغرور والاعجاب بالنفس، تحاول المقامات الكبيرة دائماً ان تجعل كل شئ اداة طيعة لها، وتستغل كل وسيلة في سبيل غاياتها، حتى تجعل مقدساتها وسيلة لبلوغ مناصب دنيوية. ولئن كانت هناك مقامات معنوية فهي تُستغل استغلالاً أكثر، وتُتخذ وسيلة أكثر طواعية من غيرها؛ لذا يظل دوماً تحت ظل الاتهام، اذ يقول العوام: انه يجعل خدمات مقدسة وحقائق سامية وسائل وسلالم لبلوغ مآربه، حفاظاً على نفسه أمام نظر الناس، ولكي يبدو أنه أهل لتلك المقامات.
وهكذا فلئن كان قبول المقامات المعنوية يفيد الشخص والمقام فائدة واحدة فانه يلحق ألف ضرر وضرر بالناس عامة وبالحقائق نفسها بما يصيبها من كساد بسبب الشبهات الواردة.
حاصل الكلام:
ان حقيقة الاخلاص تمنعني عن كل ما يمكن ان يكون وسيلة الى كسب شهرة لبلوغ مراتب مادية ومعنوية.
نعم، انه على الرغم من ان هذا يؤثر تأثيراً سيئاً في خدمة النور، الاّ أنني ارى أن ارشاد عشرة من الناس ارشاد خادم لحقائق الايمان إرشاداً خالصاً حقيقياً وتعليمهم


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 267
أن حقائق الايمان تفوق كل شئ، اهم من ارشاد الفٍ من الناس بقطبية عظيمة، لان النوعية تفضل على الكمية، ولأن اولئك الرجال العشرة يرون تلك الحقائق أسمى من أي شئ آخر. فيثبتون، ويمكن ان تتنامى قلوبهم التي هي في حكم البذرة الى شجرة باسقة. اما اولئك الألوف، فانهم بسبب ورود الشبهات المقبلة من أهل الدنيا والفلسفة وهجومها عليهم، ربما يتفرقون من حول ذلك القطب العظيم، اذ ينظرون اليه أنه يتكلم من زاوية نظره الخاصة، ومن مقامه الخاص ومن مشاعره الخاصة!
لذا أرجح الأتصاف بالخدمة، على نيل المقامات . حتى انني قلقتُ ودعوت الله الاّ يصيب شئ - في هذه المرة - ذلك الشخص المعروف الذي أهانني بغير وجه قانوني، وبخمسة وجوه من أوجه الاهانة والتحقير، وفي أيام العيد، تنفيذاً لخطط وضعها أعدائي. حيث ان المسألة انتشرت بين الناس، فخشيت ان يمنحوني مقاماً، فلربما يعدّوا حدوث شئ هو نتيجة كرامة خارقة. لذا قلت: "يارب اصلح شأن هذا، أو جازه بما يستحقه من دون ان يكون عقاباً يومئ الى كرامة معنوية".
***

الى السيد مدير الامن العام في آنقرة
"إن كنت تريد أن تقابل شخصاً ضعيفاً قاسى بصورة غير رسمية السجن المنفرد والعزل التام طوال عشرين سنة ولاقى من العنت والضيق ما لا نظير له، ثم آثر السكوت رغم كل ذلك.. فان كنت تريد مقابلته مقابلة حقيقية جادة - وليست مقابلة رسمية - فها انا اتكلم معكم قليلاً".
اولاً: بعد التدقيقات التي اجرتها محكمتان ودامت طوال سنتين حول مؤلفاتي وكتاباتي التي استغرقت عشرين سنة من حياتي، لم يستطيعوا ان يعثروا على اية مادة تمس الادارة ونظام البلاد. وهي غير موجودة اصلاً، والدليل القاطع والحجة التيلاتجرح على ذلك اعادتهم جميع الرسائل الخاصة منها والعامة.
أما حياتي السابقة لعشرين سنة التي خلت، فافضل دليل على انها مضت بتضحية وفداء في سبيل هذه الامة والبلاد هو تقدير القائد العام الذي كنت ازاول


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 268
قيادة (الانصار) المتطوعين تحت رعايته، في الحرب العالمية الاولى.. وتقدير الرؤساء في آنقرة لخدماتي في حرب الاستقلال.. وترحيب النواب في مجلس الامة بي في اثناء قدومي اليهم.. بمعنى ان التعذيب الذي لاقيته طوال هذه السنوات العشرين كان معاملة غير قانونية البتة وهي معاملة اعتباطية صرفة. فلقد امضيت اربعين عيداً مباركاً طوال السنوات العشرين وانا وحيد فريد...
والآن قد بلغ السيل الزبى، فلا تحملوني على النظر الى الدنيا وانا على شفير القبر.
ثم انكم لكونكم تشغلون منصب مدير الامن العام ينبغي لكم ان تتعاطفوا مع خدماتي. لانه كما ثبت في المحاكم، ان دروس رسائل النور، عندما تتطلّع على الدنيا، فانها ترشد طلابها الى الحفاظ على النظام بكل ما اوتوا من قوة والحيلولة دون تسرب فساد الثورات والفوضى فيه، والدليل على انهم في حكم ضباط أمن معنويين قد ادركه ضباط الامن في ثلاث ولايات.
ولقد علمت في الآونة الاخيرة ان كثرة تخويف الموظفين الناس من مقابلتي، انما كان للتهوين من اقبال الناس عليّ وتوجههم نحوي، بما هو فوق حدّي بكثير، وبما لا استحقه من مقام. فانا ابيّن لكم بياناً قاطعاً، مثلما كتبته لأخوتي الخواص في مكاتيب خاصة. انني لا اقبل توجه الناس لشخصي واقبالهم عليّ وأرفضه رفضاً باتاً، وذلك لمنافاته مسلكنا واخلاصنا. حتى انني جرحت شعور كثير من اخوتي الخواص في هذه الناحية. الاّ انني كتبتُ - في المؤلفات - الإخبارات المستقبلية التي قبلتُها للافاضل الذين بيّنوا قدر رسائل النور وأهميتها، والتي هي تفسّر القرآن الحكيم تفسيراً حقيقياً. واثبت انني خادم بسيط ليس الاّ. ولو افترض - فرضاً محالاً - انني ملت الى هذا الاقبال من الناس، فان هذا التوجّه سيخدم استتباب النظام،وستصيبكم فائدته ايضاً كما تصيب امثالكم من المسؤولين عن النظام.
فما دام الموت لا يُقتل، فهو اذن مسألة جليلة اعظم من الحياة نفسها. بينما تسعون بالمائة من الناس يسعون للحصول على السلامة في هذه الحياة، اما نحن طلاب رسائل النور، فنجاهد الهجمة القوية للموت التي ستصيب كل أحد من الناس. فللّه الحمد والمنة فقد استطاعت رسائل النور حتى الآن تحويل الاعدام الابدي للموت لمئات الالوف من الناس، الى تذكرة تسريح. ونستطيع ابراز مئات الالوف من الشاهدين على ذلك.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 269
فبينما ينبغي لكم ولأمثالكم من محبى الامة والوطن ان يشجعونا ويحثونا - من زاوية هذه الحقيقة - فان وضعنا تحت الاتهامات جرياً وراء الاوهام والشبهات، ومن ثم ازعاجنا بالترصد والمراقبة المستديمة، كم هو بعيد عن الانصاف والحمية.. هذا ما نحيله الى انصافكم.
سعيد النورسي
المسجون في السجن المنفرد
بصورة غير رسمية
***

[الى مدير الامن لولاية آفيون]
ثقة مني بوجدانكم وانسانيتكم ابيّن لكم اموري الخاصة جداً. فانتم مرتبطون بنا بروابط كثيرة بحكم وظيفتكم، حيث لم تقع اية حادثة تخل بالنظام، من قبل مئات الالوف من طلاب رسائل النور وفي مدى عشرين سنة. والدليل على هذا اعتراف كثير من ضباط الامن بذلك، وعدم تسجيلهم اي شئ ضدّنا.
سمعت من صبي بمجئ مدير الامن العام الى هنا، فقلت لاشك انه سيستفسر عن حالي. فكتبت له شيئاً عوضاً عن التحدث معه حيث اُعاني من الامراض. ولكن اذا بي اسمع فجأة انه غادر المدينة. لذا ارسل اليكم طي رسالتي هذه ما كتبته للمدير العام، فاذا ارتأتيم ارسلوه اليه كمعلومات.
انني لا اعلم من امور الدنيا لعدم ملاقاتي احداً من الناس، فلا أحد لي هنا غيرك كي استشيره في الامر.
والمسألة التي تخص شخصي بالذات ليست ذات اهمية، فهي جزئية، الاّ ان المسألة التي تخص رسائل النور لها اهميتها بالنسبة لهذه الامة والوطن.
انني ابلّغكم قطعاً بقناعتي الجازمة الناشئة من امارات كثيرة: ان هذه البلاد وهذه الامة والحكومة ستكون في اقرب وقت بحاجة الى مؤلفات من امثال رسائل النور


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 270
حاجة ماسة تجاه العالم الاسلامي وتجاه الدنيا باسرها. وستبين وجودها وكرامتها ومفاخرها التاريخية بابراز هذه المؤلفات.
سعيد النورسي
***

[حول صلاة الجنازة]
ان المقصود من الآية الكريمة: (ولا تُصلّ على احدٍ منهم مات ابداً ولا تقم على قبره..) (التوبة : 84) هو اولئك المنافقون المعروفون بالنفاق قطعاً في ذلك الوقت. لذا لا يمكن عدم صلاة الجنازة بناء على الظن بالنفاق. اذ لما كان ينطق بـ " لا اله الاّ الله" فهو اذن من اهل القبلة فيصلّى عليه ان تاب عن فعله و لم ينطق بكفر بواح.
ولوجود العلويين بكثرة في تلك القرية (على كوي) والتحاق قسم منهم بالرافضة. يلزم الاّ يدخل احدهم ضمن حقيقة المنافقين، لان المنافق لا ايمان له، ولا قلب له يخفق بالايمان، ولا ضمير له يتحرك، ويعادي النبي صلى الله عليه وسلم كما هو الحال لدى زنادقة الوقت الحاضر.
اما الغلاة من العلويين والشيعة، فلا يضمرون العداء للنبي بل يكنّون حباً مفرطًا لآل البيت. فهم يفرطون مقابل تفريط المنافقين في حبهم. وعندما يتجاوزون حدود الشريعة لا يكونون منافقين بل فسّاقاً من اهل البدع، فلا يدخلون ضمن زمرة الزنادقة ما لم يتعرضوا للخلفاء الراشدين الثلاثة "ابي بكر وعمر وعثمان" الذين رضي بهم بل عاونهم سيدنا علي رضي الله عنهم اجمعين، ويكفي ان يحترموهم كما كان سيدنا علي يحبّهم، ويؤدوا الفرائض.
ثم ان اعظم استاذ لطلاب رسائل النور بعد الرسول الاعظم صلى الله عليه وسلم هو سيدنا علي رضي الله عنه. لذا إن لم يستمع الشيعة والعلويون - الذين يدعون الى محبته - الى رسائل النور ازيد من اهل السنة فان دعوى محبتهم لآل البيت ليس في محلها.
ولقد سمعت - قبل سنتين - استنساخ الصبيان الابرياء لرسائل النور في تلك القرية، بهمة جادة لاخوتنا الثلاثة هناك وبشوقهم العظيم. فأدخلت تلك القرية


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 271
برمتها ضمن دعواتي . فتلك الدعوات التي دعوتها بحق تلك القرية لن تذهب هباء بفضل الله ثم بفضل مساعي اخواننا هناك. وسيتفق اهل السنة والعلويون هناك.
***

[ زواج الخواص]
يسأل اخونا صلاح الدين عن مسألة خاصة به، وهي رغبته في الزواج والدخول في الحياة الدنيوية والاجتماعية. فما دام انه من خواص طلاب النور فلا يمكنه الزواج ان كان فيه ما يضر العمل لرسائل النور، ولكن لو علم انه يستطيع ان يجعل صاحبته معينة له في العمل - كما هو لدى بعض اخوتنا الخواص - فله ان يتزوج.
ذلك لان حياة الطلاب الخواص تخص رسائل النور، وهي مقيدة بما يراه الشخص المعنوي لطلاب النور. وان كانت مقرونة بموافقة الوالدين فهو افضل ولا يضر باذن الله.
***

[موقع الكرامات في الرسائل ]
باسمه سبحانه
(وان من شىءٍ الا يسبح بحمده)
اخوتي الاعزاء الصديقين!
لقد اخطر على قلبي ان اُبين لكم اربع مسائل:
اولاها: جواب عن سؤال يرد بلسان الحال والمقال ومن حالات مختلفة ومظاهر متباينة. فيقال: مادامت رسائل النور ذات كرامة، وتورث قارئيها رقياً في انكشاف حقائق الايمان اكثر مما تورثه الطرق الصوفية، بل ان قسما من طلابها الصادقين هم اولياء صالحون من جهة، فلماذا لا تشاهد فيهم مظاهر واذواق روحية وكشفيات معنوية وكرامات مادية ملموسة كالاولياء، فضلا عن انهم لا يهتمون بمثل هذه الامور ولا يتعقبونها. فما الحكمة في هذا؟


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 272
الجواب:
اولا: سببه سر الاخلاص إذ ان الاذواق والكرامات المؤقتة في الدنيا تصبح مقصودة بالذات لدى اولئك الذين لم يتمكنوا من قهر نفوسهم الامارة بالسوء وتغدو لديهم هذه الاذواق داعيةً للقيام باعمالهم الاخروية. وهذا مما يفسد الاخلاص، لأن الاعمال الاخروية لا يُِتحرى فيها مقاصد دنيوية ولا يُسأل فيها عن اذواق. بل لو طُلبتْ فيها تلك الاذواق لفسد الاخلاص.
ثانياً: ان الكرامات والكشفيات انما هي لبث الثقة في نفوس السالكين في الطريقة من الناس العوام الذين يملكون ايماناً تقليديا ولم يبلغوا مرتبة الايمان التحقيقي، وهي احيانا لتقوية الضعفاء ممن تساورهم الشكوك والشبهات. بينما الحجج التي تسوقها رسائل النور فيما يخص حقائق الايمان لا تدع مجالا في اية جهة كانت لدخول الشبهات والاوهام، كما لا تدع داعياً للكرامات والكشفيات لتطمين القلب والاقتناع. فالايمان التحقيقي الذي تمنحه الرسائل هو أرفع بكثير من الكرامات والكشفيات والاذواق، لذا لا يتحرى طلاب رسائل النور الحقيقيون امثال هذه الكرامات.
ثالثاً: ان اساسا من اسس رسائل النور هو: معرفة الشخص بقصوره في قرارة نفسه. والاندفاع الى خدمة الايمان بتفان ابتغاء لمرضاة الله وحده دون الالتفات الى الآخرين.
بينما الاختلاف الموجود فيما بين اهل الطريقة من اصحاب الكرامات والمتلذذين من الكشفيات ووجود شئ من الحسد والمنافسة فيما بينهم، ولاسيما في هذا العصر الذي عمت فيه الانانية والغرور -كل ذلك - ساق اهل الغفلة الى اساءة الظن باولئك الطيبين المباركين واتهامهم بأنهم أنانيون.
ومن هنا نرى لماذا لا يسأل طلاب النور الكرامات والكشفيات لشخصهم ولماذا لا يلهثون وراء تلك الامور، وكيف ان هذا الطور هو الألزم لهم والأوجب عليهم.
ثم ان في مسلك رسائل النور لا تعطى الأهمية للشخص حيث يكتفي الجميع بما نالت رسائل النور - من حيث المشاركة المعنوية والفناء في الاخوان - من آلاف


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 273
الكرامات العلمية ومن يسر في نشر الحقائق الايمانية، وبما يجد اولئك الطلاب من بركة في معايشهم.. وامثالها من الإكرامات الإلهية.. لذا لا يفتشون عن كمالات وكرامات اخرى شخصية.
رابعاً: من المعلوم أن مئات من رياض الدنيا لا توازي شجرة من أشجار الجنة، وذلك لأن الأولى فانية والثانية خالدة.
وأن أحاسيس الانسان المادية وهي أحاسيس مطموسة تعجبها اللذة العاجلة، فتفضّل ثمرة حاضرة على روضة آجلة من رياض الجنة الباقية، لهذا لايسأل طلاب النور الاذواق الروحانية والكشفيات المعنوية في الدنيا. فلا تستغل النفس الامارة هذه الحالة الفطرية في الانسان.
وشبيه بحالة طلاب النور هذه ما يحكى:
أن وطأة العيش قد اشتدت على رجل صالح من الأولياء وعلى زوجته التقية الورعة وكان لهما مقام عند الله. ولكن شدة ما ألم بهما من الضرورة ألجأت الزوجة الصالحة ان تقول لزوجها:
- ان حاجتنا لشديدة!
واذا بهما يريان لبنة من ذهب خالص أمامهما.
فقال الزوج لزوجته:
- هذه لبنة قد أرسلت الينا من قصرنا في الجنة.
فانبرت له زوجته الصالحة قائلة:
- مع ان الفاقة قد انهكتنا ونعاني من شظف العيش ما ترى ولنا في الجنة كثير من مثل هذه اللبنة، ولكن اخشى ان نضيع لبنة الجنة في دنيا فانية. فأرجو يا زوجي العزيز ان تتضرع الى المولى الكريم ليعيد اللبنة الى موضعها في الجنة، فنحن في غنى عنها. وإذا بهما يريان كشفاً عودة اللبنة الى موضعها.
هكذا تروى الحادثة.
فهذان الرائدان من أهل الحقيقة، انما يمثلان نموذجا جيدا وقدوة حسنة لطلاب النور في عدم سعيهم وراء الاذواق والكرامات في الدنيا.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 274
[ما تقتضيه الابوة والبنوة ]
لقد سررت غاية السرور بالرسائل الجميلة الخالصة القادمة من اخواننا في مدينة "اينبولي" وما جاور تلك المدينة التي أخذت عنوان "اسبارطة الصغيرة" في وقت ما، وعانت أكثر من أية مدينة أخرى مصيبة السجن في قضيتنا السابقة. الاّ انني قلق على عدم الانسجام الحاصل بين الوالد والولد انسجاماً تاماً للاختلاف بين مشربيهما، وهما بطلان من ابطال النور، فالولد لابد له من كسب رضا الوالد حتى لو كان والده غير محق، وعلـى الوالد الاٍّ يحرم ولده من رأفته وإن كان عاقاً به، وحتى لو كان البون بين الولد والوالد بعيداً، بل لو كانا اعداءً، فلاجل رسائل النور والايثار الموجود فيما بين طلاب النور، وعدم انتقاد بعضهم البعض الآخر والتجاوز عن تقصيراته، وامثالها من دساتير رسائل النور تلجئهم الى المصالحة. فكيف بمثل هذا الوالد والولد الحاملين للخصال الحميدة والسجايا الراقية وهما من المتقدمين في صفوف طلاب رسائل النور. فعلى أخويّ هذين الاّ يجعلا أموراً دنيوية جزئية عاطفية موضع مناقشة. وعليهم ان يتحلوا بما تقتضيه الابوة والبنوة من الاحترام والرحمة فضلاً عما يقتضيه التتلمذ على رسائل النور من الصفح وغض النظر عن الاخطاء، فعلى أخويّ الحبيبين عندي حباً جماً ان يتركا نقد بعضهما البعض الآخر مراعاة لخاطري.
***

[ميزان القناعة والحرص]
اخواني الأوفياء الصادقين!
سؤال:
انك لا تريد ان ترتبط بعلاقة - خارج دائرة النور - مع الذين يحسنون الظن كثيراً بشخصك بالذات ويمنحونك مقاماً عظيماً، رغم انهم وثيقو الصلة بـرسائل النور وتتبادل معهم المحبة. بل تفضل المجالسة والمحاورة مع من لا يفرط في حسن الظن بشخصك، فتنبسط لهم وتنشرح وتبدي لهم من المحبة والاكرام أكثر من اولئك. فما السبب؟!.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 275
الجواب:
لقد ذكرنا في المكتوب الثاني من الكلمة الثالثة والثلاثين: ان الناس في زماننا هذا يبيعون احسانهم الى المحتاجين بثمن غالٍ، فمثلاً؛ يقدم لي رغيفاً من الخبز مقابل دعاء مستجاب، ظناً منهم اني رجل صالح. فإحساناً كهذا وبهذا الثمن الباهظ لا أريده. وقد بينت هذا سبباً من أسباب ردّ الهدايا. فالناس من غير طلاب النور الحقيقيين يظنونني ذا مقام عظيم، فيبدون علاقة قوية نحوي، واستعداداً للخدمة، ولكن يطلبون عوضها نتائج نورانية في الدنيا - كما هو لدى الأولياء - فيحسنون اليّ احساناً معنوياً بخدماتهم وعلاقاتهم!
ولما كنت عاجزاً عن ان أكون مالكاً لما يطلبونه من ثمن تجاه هذا النوع من الاحسانات المعنوية من أمثال هؤلاء، أظل خجلاً منهم، وهم بدورهم عندما يرون انى لست على شئ، يخيب ظنهم بي، وربما يفترون عن الخدمة.
وحيث ان الحرص في الأمور الأخروية والاستزادة منها مقبول - من جهة - إلاّ انه في مسلكنا، وفي خدمتنا، قد يكون لبعض العوارض سبباً للشكوى واليأس بدل الشكر، اذ قد يقع الحريص في خيبة الظن من عمله - لعدم رؤيته نتائجه - بل ربما يدع خدمة الايمان، لذا فنحن مكلفون في مسلكنا بالقناعة، وعدم الحرص على نتائج الخدمة وثمراتها على الرغم مما نبديه من حرص شديد وطلب المزيد في امور الخدمة ضمن الاخلاص، وذلك لأن القناعة في النتائج تورث دائماً الشكر والثبات والصلابة.
فمثلاً: ان ما نراه من حصيلة خدمتنا وجهودنا في ترسيخ الايمان وتحقيقه في قلوب الوف المؤمنين - حوالي ولاية اسبارطة - لكافٍ لخدمتنا هذه، بحيث لو ظهر من هو بمرتبة عشرة أقطاب من الأولياء الصوفية، واستطاع سوق ألفٍ من الناس الى مراتب الولاية، فان عمله هذا لا ينقص من أهمية عملنا وقيمته ولا من ثمراته شيئاً. لذا فان طلاب رسائل النور الحقيقيين واثقون كل الثقة ومطمئنون كل الاطمئنان بمثل هذه النتائج وحصيلة الاعمال هذه اذ ان القناعة القلبية لدى مريدي ذلك القطب العظيم يحققها ويضمنها المقام الرفيع لاستاذهم ومرشدهم، ويضمنها أحكامه في المسائل، الاّ ان رسائل النور تنشئ لدى طلابها درجة من القناعة أكثر بكثير مما عند


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 276
مريدي ذلك القطب العظيم، بما فيها من حجج قاطعة تسري الى الآخرين فتنفعهم أيضاً، بينما تبقى قناعة اولئك المريدين خاصة بهم وحدهم. اذ ان قبول أقوال الاشخاص العظام بغير دليل لا يفيد اليقين والقطعية - في علم المنطق - بل ربما تكون قضية مقبولة يقتنع بها الانسان بالظن الغالب. اما البرهان الحقيقي - كما هو في المنطق - فلا ينظر الى مكانة الشخص القائل وانما الى الدليل الذي لا يُجرح.
فجميع حجج رسائل النور هي من هذا القسم، اي من "البرهان اليقيني" لأن ما يراه اهل الولاية من الحقائق بالعمل وبالعبادة وبالسلوك وبالرياضة الروحية، وما يشاهدونه من حقائق الايمان وراء الحجب، فان رسائل النور تشاهدها مثلهم ايضاً، إذ شقت طريقاً الى الحقيقة في موضع العبادة ضمن العلم، وفتحت سبيلاً الى حقيقة الحقائق في موضع السلوك والاوراد ضمن براهين منطقية وحجج علمية، وكشفت طريقاً مباشراً الى الولاية الكبرى في موضع علم التصوف والطريقة ضمن علم الكلام وعلم العقيدة واصول الدين؛ بحيث انتصرت على الضلالات الفلسفية التي تغلبت على تيار الحقيقة والطريقة في هذا العصر. والشاهد هو الواقع.
وكما ان حقيقة القرآن - التي هي في منتهى القوة وسداد المنطق - قد نجّت سائر الأديان، من صولة الفلسفة الطبيعية وتغلبها عليها. وأصبح القرآن نقطة استناد لتلك الاديان حتى حافظت - الى حدٍّ ما - على اصولها التقليدية والخارجة عن العقل. فـرسائل النور كذلك - ولا مشاحة في الامثال - وهي معجزة من معجزات القرآن الكريم ونور مفاض منه في هذا الزمان، قد حافظت على الايمان التقليدي لدى عوام المؤمنين من صولة تلك الضلالة العلمية المخيفة الناشئة من الفلسفة المادية، واصبحت نقطة استناد لأهل الايمان كافة، وفي حكم قلعة حصينة لا تقهر للمؤمنين كافة القاصي منهم والداني على السواء، بحيث انها تحفظ أيضاً - في خضم هذه الضلالات الرهيبة التي لا نظير لها - ايمان عوام المؤمنين من ان تردهم شبهات على ايمانهم وتطفئ الشبهات الواردة على اسلاميتهم.
نعم، ان اي مؤمن كان في اية بقعة من أرجاء العالم، حتى في الهند والصين، ما ان تساوره شبهة من جراء ظهور الضلالة الرهيبة في هذا العصر العجيب حتى يتساءل:


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 277
تُرى هل في الاسلام شيء من باطل حتى آل أمره الى هذا؟ اذا به يسمع ويدرك انه قد ظهرت رسالة تثبت اثباتاً قاطعاً جميع حقائق الايمان، وتقهر الفسلفة، وتخرس الزندقة، واذا بتلك الشبهة تزول نهائياً فينقذ ايمانه ويقوى.
***

[لِمَ هذا الحشد من البراهين؟]
.......
ثانياً :
يسأل اخونا علي الصغير ذو الروح العالية، وهو بطل الميامين، وبمنزلة عبدالرحمن ولطفي والحافظ علي سؤالا ورد جوابه في مئات من المواضع من رسائل النور.
والسؤال هو:
لِمَ هذا الحشد الهائل من البراهين والادلة حول اركان الايمان في رسائل النور؟ فان ايمان المؤمن العامي هو كايمان الولي العظيم.. هكذا سمعنا من علمائنا السابقين!
فالجواب: ان مباحث المراتب الايمانية المذكورة في رسالة "الآية الكبرى".. وكذا ما قاله مجدد الألف الثاني الامام الرباني وقضى به: "أن أهم نتيجة للطرق الصوفية كافة هي انكشاف الحقائق الايمانية وانجلاؤها. وان وضوح مسألة ايمانية واحدة وانكشافها لهو أرجح من ألف من الكرامات".. وكذا ما جاء في أواخر "الآية الكبرى".. وكذا المسألة العاشرة - من رسالة الثمرة - المستلهمة من الملاحق التي تبين حكمة التكرار في القرآن الكريم وسبب اكثاره من حشد البراهين حول اركان الايمان ولاسيما التوحيد.. تلك الحكمة القرآنية جارية ايضا بتمامها في تفسيره الحقيقي، رسائل النور.. وهذا هو الجواب.
ثم ان اقسام الايمان المتضمنة للايمان التحقيقي والتقليدي والاجمالي والتفصيلي وثبات الايمان أمام جميع الشبهات والهجمات الشرسة التي يشنها الكفر.. قد تولت رسائل النور ايضاحها، فذلك الايضاح لا يدع لنا حاجة الى مزيد للاجابة عن سؤال اخينا العزيز.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 278
الجهة الثانية من المسألة:
ان الايمان لا ينحصر في تصديق اجمالي وتقليدي وحده، بل له انجلاء ومراتب كثيرة جدا كالمراتب الموجودة بين البذرة النامية الى الشجرة الباسقة أو كالمراتب الموجودة بين انعكاس الضوء من المرآة الصغيرة في اليد الى انعكاسه من سطح البحر بل الى انعكاسه من الشمس نفسها.
فإن للايمان حقائق غزيرة جداً اذ ترتبط حقائق كثيرة لأنوار ألف اسم واسم من الاسماء الحسنى، ولسائر أركان الايمان بحقائق الكون. حتى اتفق أهل الحقيقة على أن أجلّ العلوم قاطبة وقمة المعرفة وذروة الكمال الانساني انما هو في الايمان والمعرفة القدسية السامية المفصلة والمبرهنة النابعة من الايمان التحقيقي.
نعم ان الايمان التقليدي معرّض لهجمات الشبهات والاوهام. أما الايمان التحقيقي فهو أوسع منه واقوى وأمتن وله مراتب كثيرة جدا.
ومنها: مرتبة علم اليقين التي تقاوم الشبهات المهاجمة بقوة مافيها من براهين. بينما الايمان التقليدي لا يثبت أمام شبهة واحدة.
ومنها مرتبة عين اليقين التي تضم مراتب كثيرة جداً بل لها مظاهر بعدد الاسماء الالهية حتى تجعل الكون يتلو ايات الله كالقرآن الكريم.
ومرتبة اخرى منها هي مرتبة حق اليقين .. وهذه تضم مراتب كثيرة جداً. فصاحب هذا الايمان لا تنال منه جيوش الشبهات اذا هاجمته.
ولقد اوضح علماء الكلام الطريق العقلي والمبرهن لتلك المعرفة الايمانية، وذلك في الوف من مجلدات مؤلفاتهم المستندة الى العقل والمنطق.
أما أهل الحقيقة والتصوف فقد أوضحوا تلك المعرفة الايمانية من جهة اخرى وبشكل آخر في مئات من كتبهم المستندة الى الكشف والذوق.
أما المنهج القرآني المعجز، ذلك المنهج الأقوم فقد أوضح الحقائق الايمانية والمعرفة الالهية والمقدسة ايضاحاً أرفع بكثير واسمى بكثير واقوى بكثير مما اوضحه اولئك العلماء والاولياء.
فرسائل النور انما تفسر هذا المنهج القرآني الاقوم الجامع الرفيع. وبه تتصدى


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 279
للتيارات الفاسدة المضلة المدمرة والواردة على القرآن الكريم للاضرار - في سبيل عوالم العدم - بالاسلام وبالانسانية منذ الف سنة.
فلا ريب انها - اي الرسائل - بحاجة ماسة الى حشد براهين لا حد لها امام اولئك الاعداء غير المحدودين، كي تتمكن من ان تكون وسيلة - بهذه البراهين المفاضة من القرآن - للحفاظ على ايمان المؤمنين.
فلقد ورد في الحديث الشريف:
(فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من ان يكون لك حمر النعم) 1 وان (تفكر ساعة خير من عبادة سنة). ولبلوغ هذا النوع من التفكر يولي النقشبنديون أهمية عظيمة للذكر الخفي.
سلامي على جميع اخوتي الاحبة فردا فردا، وندعو لهم جميعا بالخير.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***

[منع الذهاب الى المسجد]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
منذ شهور والمكائد تكاد ضدي، والآن تبينت، ولكن بفضل العناية الإلهية مرت هينة.
كنت أتردد الى المسجد في الأوقات الخالية. وصنع الطلاب - بدون علمي - في المحفل غرفة خشبية صغيرة لحمايتي من البرد. وقد قررت ألاّ اذهب الى المسجد، ورفع ضابط الامن المعروف تلك الغرفة الصغيرة، وأبلغوني رسمياً: عليك ألاّ تذهب الى المسجد. ولكنهم أثاروا ضجة بين الناس باستهوالهم الأمر، جاعلين من الحبة قبة.
_____________________
1 جزء من حديث صحيح، اخرجه البخاري في المغازي: باب غزوة خيبر، وفي الجهاد: باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الى الاسلام والنبوة، وباب فضل من اسلم على يديه رجل، وفي فضائل اصحاب النبي ِصلى الله عليه وسلم: باب مناقب علي بن ابي طالب. واخرجه احمد 5 / 333 ، ومسلم برقم 2406 .

عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 280
ان الحادثة لا أهمية لها اطلاقاً فلا تقلقوا أبداً. انني اخال انهم يهينونني - بمثل هذه الحجج التافهة - لأجل الحدّ من توجّه الناس - من كل جهة - نحوي بما يفوق حدي بكثير.
انهم ينظرون الى حياتي السابقة، فيتوقعون انني لن أتحمل إهاناتهم علماً انني لو أهنت يومياً بألف إهانة وإهانة - بشرط الاّ تخل بسلامة نشر رسائل النور - وشدّوا عليّ الخناق، لشكرتُ الله كثيراً على ذلك.
فيا اخوتي: كما لم اهتم بهذه المسألة فالطلاب هنا ايضاً لم يهتزوا.
ولقد مرت الحادثة - التي كنا نتوقعها - بسلام والحمد لله.
تحياتنا الى كل اخ من اخواننا مع دعواتنا لهم.
***

[تثبيط الاخوة العاملين]
اخواني الاوفياء الصادقين الاعزاء!
لقد أخطر على قلبي اخطاراً معنوياً قوياً ان أكرر عليكم بيان مسألة في غاية الأهمية، رغم اني قد بينتها لكم مجملاً سابقاً، وهي الآتي:
ان اعداءنا المنافقين الذين يعملون من وراء ستار قد جعلوا - كما هو دأبهم - دوائر العدل والسياسة والادارة في الدولة اداةً طيعة للالحاد الظاهر، فشنوا هجمات علينا، لكن بفضل الله باءت مؤامرتهم بالاخفاق، وعقمت دسائسهم.
لذا تركوا خططهم السابقة التي سببت فتوحات لرسائل النور وبدأوا بحبك مؤامرات أشد خبثاً ونفاقاً من السابق بحيث يجعل الشيطان في حيرة منها، وقد ظهرت امارات منها هنا.
ان اهم اساس في تلك الخطط الرهيبة: تثبيط اخواننا الطلاب الخواص الثابتين، وإلقاء الفتور في نفوسهم لدفعهم - ان أمكن - الى التخلي عن رسائل النور. فاختلقوا اكاذيب وحاكوا دسائس يحار منها الانسان، مما يحتّم ثباتاً وصلابة ووفاءً خالصاً صادقاً متيناً كالحديدكما هو لدى ابطال اسبارطة، وقد يلبسون لبوس


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 281
الناصح الصديق فينبثون في صفوفكم. او يشيعون الاوهام والمخاوف ان كان التخويف مجدياً. فيستعظمون اتفه الامور كالحبة ويجعلونها كالقبة العظيمة ويوصون الضعفاء: لا تتقربوا من سعيد، فهو مراقب ومحاط بجواسيس الحكومة، ليدفعوهم الى التخلي عن رسائل النور بل حتى يسلطون فتيات يافعات على الطلاب الشباب لاثارة هوساتهم النفسانية!. ويبينون نقائص وضعف شخصي بالذات للاركان من طلاب النور، بجنب اشخاص ذوي دين مشهورين من اهل البدعة قائلين لهم: "ونحن ايضاً مسلمون. فليس الدين محصوراً بمسلك سعيد". ويستغفلون السذج من اهل الدين والعلماء ويجعلونهم اداةً للزندقة ونشر الارهاب والفوضى. سيخيب ظنهم و تبور خططهم باذن الله. قولوا يا اخوتي لأمثال هؤلاء السفلة:
نحن طلاب رسائل النور، وسعيد واحد مثلنا. وان منبع رسائل النور وكنزها واساسها هو القرآن الكريم، وقد اثبتت قدرها وظهورها حتى على ألدّ الاعداء مع ما بذلوا من تدقيق وملاحقة طوال عشرين سنة. وان مؤلفها وخادمها "سعيد" حتى لو اتخذ جبهة مضادة لها - والعياذ بالله - فلا يتزعزع وفاؤنا برسائل النور ولا تنحل علاقتنا الوثيقة بها. وبهذا النمط من الكلام تصدون الباب عليهم.
وعليكم الانشغال برسائل النور كتابةً وقراءة قدر المستطاع مع عدم الاكتراث بالاشاعات المضخمة، والاخذ بالحذر التام كما هو دأبكم.
سلامنا على اخوتنا فرداً فرداً
سعيد النورسى
***

[لا نقاش مع العلماء]
اخوتي الاعزاء الاوفياء، ويا وارثيّ الميامين وكلائي الأمناء!
اولاً: ابلّغكم يقيناً ان عناية الرب سبحانه وتوفيقه الصمداني مستمر بحقنا وبخدمة رسائل النور. فهناك تحت الأستار القبيحة ظاهراً نتائج في منتهى الجمال،


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 282
فبدلاً من ضرر واحد يلحق بنا يُنعم علينا مائة نفع ونفع. فلا ينبغي الاهتمام بالمضايقات العابرة والهزات الموقتة.
ثالثاً: مع انني اتضايق هنا كثيراً، الاّ انني كلما فكرت في سعيكم المتواصل الذي لا فتور فيه، وتسلمت رسائلكم المسلية زالت تلك المضايقات، بل قد تتحول الى افراح ومسرات.
خامساً: ......
اخوتي! عليكم بمنتهى الحيطة والحذر.. واياكم اياكم ان تفتحوا باب النقاش مع العلماء. بل يجب التعامل معهم بالحسنى والمصالحة على قدر الامكان، فلا تتعرضوا لغرورهم العلمي حتى لو كان احدهم ميّالاً الى البدع ومستحدثات الامور. لان الزندقة الرهيبة تجاهنا. فيجب عدم دفع هؤلاء المبتدعين الى صف الملحدين.
واذا ما صادفتم علماء رسميين أُرسلوا اليكم خاصة، فلا تفتحوا باب النزاع معهم، لأن اعتراضاتهم باسم العلم سيكون مستنداً بيد المنافقين.
انتم تعلمون مدى الضرر الذي أحدثه الشيخ العالم في استانبول. فحاولوا قدر المستطاع ان تحوّلوه في صالح رسائل النور.
تحياتنا الى اخواننا جميعهم فرداً فرداً.
***

[رحمة الهية تحت المصائب]
ثانياً: اخوتي! إن معاونتكم لي عظيمة وظاهرة جداً، وذلك بجهتين:
اولاها: ان سعيكم المتواصل دون فتور في خدمة النور، يزيل جميع مصائبي وضوائقي، ويحوّلها الى سرور وفرح.
ثانيتها: اعلموا يقيناً، انه بدعواتكم يتحول ظلمهم المعذّب الى رحمات ذات عناية ومصالح. انه لم تبق لي شبهة في هذا قط، فمثلاً: ان تخويفهم الناس مني وإلقاء الرعب في قلوب الموظفين لئلا يتقربوا مني، انقذني من كثير من الأخطاء،


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 283
والتصنعات، ومن حالات منافية للاخلاص، ومن ضياع الوقت. فلقد أظهر القدر الإلهي بحقي العدالة الالهية وعنايتها ضمن ظلم البشر. وقياساً على هذا فما من مصيبة تنزل بي إلاّ وتحتها رحمة إلهية. فان إنشغالهم بي فحسب ينقذ مئات من رسائل النور، ولو كان فيه ضرر واحد لي. ولذلك فيا اخوتي لا تقلقوا عليّ ابداً، حتى انني كلما نويت الدعاء عليهم - لدى اهانتهم لي اهانة شديدة تجرح مشاعري جرحاً اليماً - فان الموت الذي يعدمهم، وتعرضهم لعذاب القبر الذي هو سجن انفرادي لهم، وما ينتج من تلك الإهانة من المصالح لي والمنافع لخدمتنا.. كل ذلك يحول بيني وبين الدعاء عليهم فاتخلى عنه.
***

[عند سماع اخبار سيئة]
عندما يسمع ذلك الأخ اخباراً سيئة ليكن مثل والدي المرحوم "ميرزا" وليس مثل والدتي "نورية". اذ عندما كانت تُنقل اخبار سيئة الى والدي ووالدتي، كأن يقول احدهم: إن إبنكم قد قُتل او ضُرب أو سُجن. كان ابي يبتهج ويضحك كلما سمع مثل هذه الاخبار، ويقول: ماشاء الله... قد كبر اذن ابني حتى يُظهر بطولة أو عملاً عظيماً بحيث يتكلم عنه الناس. أما والدتي فكانت تبكي بكاءً مراً مقابل سرور والدي. ثم اظهر الزمان ان والدي كان محقاً في كثير من الاحيان.
***

[تأويل حديث شريف]
تبدو لي حقيقة ايمانية في غاية الأهمية اكثر من مئة مرة. وحيث ان زمن تأليف الرسائل قد انتهى، فمهما حاولت اقتناص تلك الحقيقة الجليلة لم اتمكن، فانتظرت كي استشعرها واتمكن من ان اعبرها بوضوح، ولكن لم اوفق، والآن سابحث عن تلك الحقيقة الواسعة جداً والطويلة جداً باشارة قصيرة جداً وفي منتهى الاختصار.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 284
ان الحديث الشريف (ان الله خلق آدم على صورة الرحمن) 1 هو من جوامع الكلم ومن الاحاديث المتشابهة كذلك. وقد ظهرت لقلبي نكتته الكلية العظيمة جداً اثناء قراءتي خلاصة الخلاصة والجوشن الكبير. وانا لأجل الاّ تفلت مني تلك النكتة الجميلة جداً والعجيبة جداً وضعت اشارات على صورة "شفرات" فى خلاصة الخلاصة بين المرتبة السابعة عشرة - وهي شهادة لسان القرآن - والمرتبة الثامنة عشرة وهي شهادة الكون.وقد وضعت الاشارات ذات الشفرة كالآتي:
لا اله الاّ الواجب الوجود الواحد الاحد بلسان الحقيقة الانسانية.. الخ.
وساوضح هذه الشفرة القصيرة في منتهى الاختصار. واجلعوها حاشية لخلاصة الخلاصة.
نعم، ان الكون العظيم يكون امامي بمثابة حلقة ذكر في اثناء قراءتي لخلاصة الخلاصة، ولكن لان لسان كل نوع من الانواع واسع جداً، يتحرك العقل عن طريق الفكر كثيراً كي يذعن بالاسماء الالهية وصفاتها بعلم اليقين، وبعد ذلك يتمكن أن يبصر ذلك بوضوح. وعندما ينظر الى الحقيقة الانسانية، في ذلك المقياس الجامع، في تلك الخريطة المصغرة، وفي ذلك النموذج الصادق، وفي ذلك الميزان الصغير، وفي ذلك الشعور بالانانية، فانه يصدق تلك الاسماء والصفات بإيمان واطمئنان ووجدان جازم شهودي واذعاني وبسهولة ويسر وبمرآته الحاضرة التي بقربه دونما حاجة الى سياحة فكرية، فيكسب الايمان التحقيقي ويدرك المعنى الحقيقي للحديث الشريف: (ان الله خلق الانسان على صورة الرحمن)(1). لأن المراد من الصورة، السيرة والاخلاق والصفات. حيث ان الصورة محالة بحقه تعالى.
نعم، فكما ان اصحاب الطريقة الصوفية قد سلكوا في المعرفة الالهية طريقين احدهما السير الانفسي والآخر السير الآفاقي. ووجدوا ان اقصر طريق وايسرها وامتنها واكثرها اطمئناناً هي الطريق الانفسي اي في القلب، وذلك بالذكر الخفي
_____________________
1 "خلق الله عز وجل آدم على صورته..."حديث صحيح اخرجه البخاري برقم 6227 ومسلم برقم 2841 واحمد 2 / 315 وابن خزيمة في التوحيد ص29 . أما حديث "ان الله خلق آدم على صورة الرحمن" فقد عزاه الحافظ في الفتح 5 / 183 لابن ابي عاصم في السنة والطبراني من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وقال الحافظ باسناد رجاله ثقات.



الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 285
القلبي، كذلك اهل الحقيقة الرفيعون قد سلكوا طريقين اثنين ليس بالمعرفة والتصور بل بما هو ارقى واجدر منهما بكثير وهو في الايمان والتصديق.
الاول: النظر الى الآفاق بمطالعة كتاب الكون. كما في "الآية الكبرى" و "الحزب الاكبر النوري" و "خلاصة الخلاصة" وامثالها.
والآخر: الصعود الى مرتبة الايمان الخالية من الشكوك والريوب بمطالعة خريطة الحقيقة الانسانية وفهرس الانانية البشرية وماهيتها النفسانية، وهي اقوى مرتبة وجدانية وشعورية وشهودية - الى حد ما - فهى بدرجة حق اليقين، بحيث ان هذه المرتبة متوجهة الى سر الاقربية الالهية والوراثة النبوية.
هذا وقد وضّحت جزءاً من حقيقة التفكر الايمانى الانفسي في الكلمة الثلاثين فى بحث "أنا" وفي "نافذة الحياة" "ونافذة الانسان" في المكتوب الثالث والثلاثين وفي اجزاء اخرى من رسائل النور.
***

[الرسائل تؤدي المهمة]
اخواني الأوفياء الصادقين!
لا تقلقوا أبداً، فاني لا اُبين لكم حالة مرضي الشديد الذي انتابني من جراء التسميم - بتدبير مقصود - الاّ لأنال دعواتكم. فلا داعي للاضطراب والقلق، اذ لله الحمد والشكر لم يمنعني ذلك المرض من قراءة اورادي ولا واجب تصحيح الرسائل. أسأله تعالى ان يكتب لي فيه أجراً عظيماً، فانا راضٍ عن هذا المرض - من جهة - فلا تتألموا أيضاً لحالي، ولقد أوشكت مهمتي في الحياة على الانتهاء. وتستطيع كل نسخة من نسخ رسائل النور ولا سيما المجموعات منها، ان تؤدي وظيفتي بما يفوق حسن ظنكم في "سعيد" بكثير، بل تؤديها فعلاً، وكل طالب فدائي من طلاب النور الخواص يمكنه ان يقوم بوظيفة ذلك "السعيد" على أتم وجه. فلئن نقص "سعيد" واحد فيما بينكم، فان مئات السعيدين المعنويين - أي الرسائل - وألوف السعيدين الماديين - أي طلاب النور - يستطيعون القيام بتلك المهمة خير قيام. وهم فعلاً يقومون بها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 286
وبناءً على هذه الحقيقة، لا تهتموا كثيراً بشخصي ولا بالحوادث التي تجري عليّ، بل اسألوا الله سبحانه، وادعوه متضرعين اليه ان يثبتنا على الاخلاص.
وعاونوني يا اخوتي بدعواتكم - التي لا ريب في استجابتها - لما ألمّ بي من شيخوخة ومن آلام كثيرة.
***

[الفلسفة التي تهاجمها الرسائل ]
باسمه سبحانه
(وان من شىءٍ الاّ يُسبّح بحمده)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ابداً دائماً
اخوتي الاعزاء الصديقين!
نظراً لشروع رسائل النور بالانتشار بآلة "الرونيو" والتفاف الكثيرين من الطلاب والمدرسين الذين يقرأون الفلسفة الحديثة في المدارس حول رسائل النور، لزم بيان الحقيقة الآتية:
ان الفلسفة التي تهاجمها رسائل النور وتصفعها بصفعاتها القوية، هي الفلسفة المضرة وحدها، وليست الفلسفة على اطلاقها، ذلك لأن قسم الحكمة من الفلسفة التي تخدم الحياة الاجتماعية البشرية، وتعين الاخلاق والمثل الانسانية، وتمهّد السبل للرقي الصناعي، هي في وفاق ومصالحة مع القرآن الكريم، بل هي خادمة لحكمة القرآن، ولا تعارضها، ولا يسعها ذلك؛ لذا لا تتصدى رسائل النور لهذا القسم من الفلسفة.
اما القسم الثاني من الفلسفة، فكما اصبح وسيلة للتردي في الضلالة والإلحاد والسقوط في هاوية المستنقع الآسن للفلسفة الطبيعية، فانه يسوق الانسان الى الغفلة والضلالة بالسفاهة واللهو. وحيث أنه يعارض بخوارقه التي هي كالسحر الحقائق المعجزة للقرآن الكريم، فان رسائل النور تتصدى لهذا القسم الضال من الفلسفة في اغلب اجزائها وذلك بنصبها موازين دقيقة ، ودساتير رصينة، وبعقدها موازنات


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 287
ومقايسات معززة ببراهين دامغة. فتصفعها بصفعاتها الشديدة، في حين انها لا تمس القسم السديد النافع من الفلسفة.
ومن هنا لا يعترض طلاب المدارس الحديثة على رسائل النور، بل ينضوون - وينبغي لهم ان ينضووا - تحت لوائها دونَ تردد واحجام .
بيد أن المنافقين المتسترين، الذين استغلوا عدداً من علماء الدين وجعلوهم في عداء مع رسائل النور- لأسباب تافهة جداً ولا معنى لها اطلاقاً - التي هي بضاعة المدارس الشرعية وهم اصحابها الحقيقيون، فلربما يستغلون ايضاً الغرور العلمى لدى بعض ارباب الفلسفة ويثيرونهم على رسائل النور، لذا ارى من الأنسب كتابة هذه الحقيقة في مستهل كلٍ من مجموعة "عصا موسى" و "ذوالفقار" .
سعيد النورسي
***
[مكاسب العمل لرسائل النور]
(يوزن مداد العلماء بدماء الشهداء) 1
(من تمسك بسنتي عند فساد امتي فله أجر مائة شهيد) 2
استلهاماً من هذين الحديثين الشريفين نبين عدداً من الفوائد الكثيرة - الدنيوية والاخروية - الناشئة من استنساخ رسائل النور، والمذكورة في اجزائها والثابتة بتجارب طلابها وتصديقهم اياها.
_____________________
1 نص الحديث: (يوزن يوم القيامة مداد العلماء ودم الشهداء، فيرجح مداد العلماء على دم الشهداء) رواه الشيرازي في كتاب الالقاب عن أنس والموهبي في فضل العلم عن عمران بن حصين وابن الجوزي في كتاب العلل عن النعمان بن بشير. قال المناوي في فيض القدير (6 / 466) اسانيده ضعيفة لكن يقوي بعضها بعضاً وذكره العجلوني في كشف الخفاء (2 / 561) واورده الغزالي في الإحياء في كتاب العلم قال العراقي: سنده ضعيف. وانظر السيوطي في الجامع الصغير (10026) وتمييز الطيب 201 وضعيف الجامع الصغير برقم 6464 .
2 رواه ابن عدي في الكامل وابن بشران في الامالى 2 / 193 و 141 وعزاه المنذري في الترغيب والترهيب للبيهقي. والثابت في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: »ان من ورائكم زمان صبر، للمتمسك فيه أجر خمسين شهيداً منكم« اخرجه الطبراني في الكبير 10394 والبزار 1 / 378 وقال الهيثمي في المجمع (7 / 282): ورجال البزار رجال الصحيح غير سهل بن عامر البجلى وثقه ابن حبان. ا هـ. وفي الصحيحة (494) قال عن اسناد الطبراني: وهذا اسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 288
خمسة انواع من العبادات:
1- انها جهاد معنوي تجاه اهل الضلالة، ذلك الجهاد الاهم.
2- انها خدمة لاستاذه ومعاونة له على نشر الحقيقة.
3- انها خدمة للمسلمين كافة من حيث الايمان.
4- انها تحصيل للعلم بالكتابة.
5- انها عبادة فكرية التي قد تكون ساعة منها بمثابة سنة من العبادة.

ولها خمسة انواع من الفوائد الدنيوية:
1- البركة في الرزق.
2- الانشراح والسرور في القلب.
3- اليُسر في المعيشة.
4- التوفيق في الاعمال.
5- المشاركة في الدعوات الخاصة لجميع طلاب النور، بنيله فضيلة طالب العلم.

نتيجتان مهمتان للعمل لرسائل النور بالقلم والتتلمذ عليها
الاول: حسن الخاتمة كما تشير اليها الآيات القرآنية الكريمة.
الثاني: الاشتراك بالمكاسب المعنوية لجميع طلاب النور، بمقتضى الاشتراك المعنوي ضمن دائرة رسائل النور، ونيل حظه من حسناتهم جميعاً.
وكذا الدخول ضمن حظيرة طلاب العلم - في هذا الزمان الذى فقد فيه طالب العلم - ونيل الاحترام اللائق بهم من قبل الملائكة، 1 بل نيل حياة الشهداء في عالم البرزخ - ان وفّق الى ذلك واوتي حظاً عظيماً - بمثل ما حظي بها طالب النور الشهير الحافظ علي، والمذكور في رسالة "الثمرة".
***
_____________________
1 الثابت قطعاً بمشاهدة بعض اهل الكشف من الاولياء. المؤلف.



الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 289
[هكذا تقتضي خدمة الايمان]
أولاً: انه يجب عليّ المجئ الى هنا حتى لو كنت في مكة المكرمة وذلك انقاذاً للايمان وخدمة للقرآن الكريم، فالحاجة هنا شديدة جداً.
فلو أملك الف روح وروح، وابتليت بألف مرض ومرض، وقاسيت الوفاً من صنوف الآلام والمصاعب، فان قراري - وقرارنا - هو البقاء هنا، خدمة لايمان هذه الأمة وسعياً لإكسابهم السعادة الأبدية، ذلك ما تعلمناه من دروس القرآن الكريم.
ثانياً: تكتب اليّ - يا أخي - عن الأهانة التي أقابل بها بدلاً من الاحترام والتقدير وتقول: "لو كنتَ في مصر أو أمريكا لكنتَ تُذكر في التاريخ باعجاب وفخر".
أخي العزيز الفطن!
نحن نهرب هروباًً من احترام الناس ايانا وتوقيرهم لنا وحسن ظنهم بنا واكرامهم لنا واعجابهم بنا، وذلك بمقتضى مسلكنا.
فاللهاث وراء الشهرة التي هي رياء عجيب، ودخول التاريخ بفخر وبهاء، وهو عُجب ذو فتنة، وحب الظهور وكسب اعجاب الناس.. كل ذلك مناف ومخالف للاخلاص الذي هو أساس من اسس مسلك النور وطريقه.
فنحن نجفل ونهرب مذعورين من هذه الامور باعتبارنا الشخصي؛ ناهيك عن الرغبة فيها.
ولكننا نرجو من رحمة الله الواسعة اظهار رسائل النور النابعة من فيض القرآن الكريم، والتي هي لمعات اعجازه المعنوي، ومفسرة حقائقه وكشافة اسراره.. فنرجو من رحمته تعالى الاعلان عن هذه الرسائل والرواج لها وشعور الناس بحاجتهم اليها واظهار قيمتها الرفيعة جداً، وتقدير الناس لها واعجابهم بها، وتبيان كراماتها المعنوية الظاهرة جداً واظهار غلبتها على الزندقة بجميع انواعها بسر الايمان، فنحن نريد اعلام هذه الأمور وافهام الناس بها واظهار تلك المزايا، ونرجو ذلك من رحمته تعالى.
***
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 290
[ذكرى وعبرة]
في هذه الأوقات التي نجد فيها الضيق والعنت، تزعجني نفسي الجزعة الفارغة من الصبر، فاسكتتها هذه الفقرة، والزمتها الحجة، ودفعتها الى الشكر لله.
أقدم هذه الفقرة الموضوعة فوق رأسي طي رسالتي هذه لعلها تفيدكم أيضاً.
1- يا نفسي! لقد أخذت نصيبك من الأذواق - في غضون ثلاث وسبعين سنة - اكثر مما أخذها تسعون بالمئة من الناس. فلم يبق لكِ بغية فيها.
2- انتِ ترومين دوام الأذواق وبقاءها وهي فانية آنية، لذا تبكين عشر ساعات عن ضحك دام دقيقة واحدة.
3- ان المظالم التي أتت عليك، والمصائب التي نزلت بك، تنطوي على عدالة القدر. فيظلمونك لما لم ترتكبيه، بينما القدر يؤدبك بيد تلك المصيبة - بناء على أخطاء خفية - ويكفّر عن خطاياك.
4- يا نفسي الجزعة! لقد اقتنعت قناعة تامة - بمئات من تجاربك - ان المصائب الظاهرية ونتائجها تنشق عن ثمرات عناية إلهية في منتهى اللذة. فالآية الكريمة:(وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) (البقرة: 216) تلقن درس حقيقة يقينية. تذكّري دائماً هذا الدرس القرآني. ثم ان الناموس الالهي الذي يدير عجلة الكون، ذلك القانون القدري الواسع العظيم لا يبدّل لأجلك.
5- اتخذي هذا الدستور السامي دليلاً "من آمن بالقدر أمِنَ من الكدر". لا تلهثي وراء لذائذ موقتة تافهة كالطفل الغرير. فكري دوماً ان الأذواق الفانية تورث فيك حسرات وآلاماً معنوية، بينما الآلام والمشقات تورث لذائذ معنوية وأثوبة أخروية. فان لم تكوني بلهاء يمكنك ان تتحري عن الاذواق الموقتة للشكر وحده، وما اُعطيت اللذات الاّ للشكر.
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 291
[حوار مع النفس]
اخواني الأوفياء الصادقين الاعزاء!
اولاً: لقد خطر على بالي ان اكتب لكم، لأطلعكم على ما جرى من مناظرة خاصة مع نفسي ، وهي الآتية:
ان اللوحة المعلقة فوق رأسي - المعروفة لديكم - تخرس نفسي الأمارة وتلزمها الحجة تماماً، ولكني - في هذه الليلة - تعرضت لهجوم شنته دوافع مشاعري واحاسيسي العمياء التي تستعمل سلاح النفس الامارة بالسوء باصرار أكثر، فأثرت تأثيراً بالغاً في عروقي واعصابي، وأنا أعاني من حالة عجيبة تولدت من آلام الأمراض وتألمات التسمم والاسقام ورهافة الحس، فضلاً عن القاءات الشيطان وايحاءاته، وحب الحياة المغروز في الفطرة.. ففي خضم هذه الحالات هاجمت تلك الأحاسيس والمشاعر العمياء - وهي في حكم النفس الامارة الثانية - قلبي وروحي، موحية باحتمال وفاتي ومغادرتي الحياة الدنيا. فنشرت يأساً قاتماً وتألماً عميقاً وحرصاً شديداً على الحياة مع استمراءٍ لها وتلذذ بها.
فقالت تلك النفس الامارة الثانية مع الشيطان:
لِمَ لا تسعى لراحة حياتك؟ بل ترفضها. ولِمَ لا تتحرى عن حياة ممتعة بريئة طيبة تقضيها طوال عمرك ضمن دائرة النور؟ بل ترضى بالموت وتطلبه!
وعلى حين غرة ظهرت حقيقتان صارمتان اخرستا النفس الامارة الثانية والشيطان معاً، وهما:
الحقيقة الاولى:
ما دامت الوظيفة المقدسة الايمانية لرسائل النور ستتوضح أكثر وتنكشف باخلاص أزيد بسبب وفاتي.
حيث لا تتهم من اية جهة كانت انها اداة لمكاسب الدنيا ووسيلة للانانية والعجب.. وان الوظيفة الايمانية ستدوم باخلاص أكثر وأقرب الى الكمال،اذ ليس هناك ما يثير حسد الحاسدين في حياتي الشخصية.
وعلى الرغم من ان بقائي على قيد الحياة قد يتيح نوعاً من المعاونة في سير الخدمة - خدمة الايمان والقرآن - فان شخصيتي البسيطة التي لها حسّاد ونقّاد لهم شأنهم


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 292
يمكنهم ان يلصقوا تهماً على تلك الشخصية ويهاجموا - بعدم الاخلاص - رسائل النور، ويتجنبوها ويجنّبوا الآخرين عنها.
ثم ان من يقوم بشئ من الحراسة في دائرة، اذا ما اخذته الغفوة وغلب عليه النوم، فالغيورون في تلك الدائرة النورانية يهبّون حذرين، فيبرز في الميدان الوف الحراس والمرابطين بدلاً من حارس واحد بسيط.
لذا ولأجل ما سبق؛ ينبغي ان يقال للموت المقبل: أهلاً ومرحباً.
ثم يا نفسي! لِمَ تريدين أن تتخلفي عن الكثيرين من طلاب النور في البذل والعطاء،ألم يبذلوا اموالهم وراحتهم ومتع الدنيا كلها، بل حياتهم - ان استوجب الأمر - في سبيل خدمة النور؟!
اعلمي قطعاً يا نفسي! انه لشرف عظيم في منتهى اللذة والرضى، توديع حياة الشيخوخة الفانية المرهقة - ان لزم الأمر أو آن أوانه - في سبيل اكساب حياة باقية لكثير من المنكوبين وانقاذها برسائل النور لئلا تفضي الى العدم.
الحقيقة الثانية:
لو وضعت عشرة أرطال من الحمل على كاهل شخص ضعيف عاجز عن حمل رطل واحد. واستعان به أصدقاؤه بدل ان يعينوه في حمله - لحسبانهم انه ذو قوة وقدرة على الحمل لخفاء ضعفه عليهم - فسوف يحاول ذلك الشخص الضعيف ان يظهر نفسه لهم بمظهر القوي جداً، لئلا يسقط في نظرهم ولئلا يخيب حسن ظنهم به، مما يؤدي به الى التكلف والتصنع والظهور بما ليس فيه، وامثالها من الأمور الثقيلة المقيتة الخالية من الذوق.
فكما ان الأمر هكذا في هذا الشخص، كذلك يا نفسي الأمارة الثانية الموغلة في أعماق المشاعر العمياء، اعلمي!
ان شخصيتي الاعتيادية البسيطة هذه، واستعدادي الذي لا أهمية له، كالبذرة.. ان هذا الشخص لن يكون مصدراً ولا منبعاً ولا مداراً للحقائق التي تتضمنها رسائل النور النابعة من صيدلية القرآن الكريم المقدسة، والتي سُلّمت الى ايدينا برحمة منه تعالى وبفضله وعنايته سبحانه في هذا العصر المظلم المثقل بالامراض والاسقام.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 293
وحيث انني فقير وضعيف عاجز، وسائل لدى باب القرآن ليس الاّ، ووسيلة لإبلاغه الى المحتاجين اليه، يبالغ طلاب النور المخلصون الخالصون الصديقون الصادقون الأصفياء الفدائيون، في حسن ظنهم بشخصيتي الضعيفة، بما يفوقني مئة درجة.
فلأجل الاّ أخيب ظنهم الحسن، ولا أمس مشاعرهم بسوء، ولا اثبط شوقهم للأنوار، ولا اظهر المستوى الواطئ لمن لقبوه بالاستاذ، ولا اضطر الى انواع التصنع المؤلم والتكلف المقيت.. أترك لقاء الناس بل أضطر الى تركه روحياً، لما أشعر من نفور قد تولد من العيش الانفرادي طوال عشرين سنة، بل اترك حتى اللقاء مع الأصدقاء الاّ ما يخص خدمة النور. فأدع التكلف، والتظاهر بما يفوق قيمتي الشخصية، واترك اظهار نفسي امام المغالين في حسن الظن، انها ذات مقام، واتخلى عن التكبر المنافي كلياً للاخلاص، واعاف التحري عن أذواق الأنانية المتسترة تحت ستار الوقار..
فيا نفسي المفتونة بتلك الأذواق، الا تزيل هذه الحالات تلك الأذواق كلها؟!
يا نفسي! ويا دواعي الحس الشقية العمياء، المبتلاة بالأذواق!
لو استمتعتِ بالوف اصناف المتع، وتذوقت ألوف أنواع الأذواق الدنيوية، فهي الى زوال في هذا الوضع، بل يتحول ذلك الذوق ألماً بعينه.
وما دام تسعون بالمئة من الأحباب الذين مضوا وصاروا في طوايا الماضي كانهم يستدعونني - بل حقيقة - الى عالم البرزخ، اضطر الى الفرار من عشرة اصدقاء حاليين. ولا جرم ان حياة البرزخ المعنوية تفضل ألف مرة هذه الحياة، حياة الشيخوخة والانفراد.
وهكذا، أسكتت هاتان الحقيقتان اسكاتاً نهائياً تلك النفس الأمارة الثانية.فللّه الحمد والمنة بما لا يتناهى من الحمد والشكر. اذ رضيت تلك النفس بالذوق الوارد من الروح والمنبعث من القلب.. وسكت الشيطان أيضاً. بل حتى المرض المادي المتوطن في عروقي قد خف كثيراً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 294
حاصل الكلام:
اذا متُ تزداد خدمة النور - للقرآن والايمان - وتتوضح وتتبين باخلاص أتم، بلا حسّاد ولا اتهامات، فضلاً عن النجاة من آلام التكلف الثقيلة المقيتة، والخلاص من أثقال العجب واضرار التصنع بدلاً من ذوق جزئي موقت لا أتحراه - في هذا الزمان - ولذة ناشئة من رؤية فتوحات النور بنظر الدنيا.
ثم يا نفسي لقد تجولت - انت والروح والقلب - في هذه السنة ولمرة واحدة في ارجاء الماضي، جولات حقيقية وخيالية لمشاهدة مَن تشتاقون اليه من المدن التي امضيتُ فيها حياتي السابقة الممتعة، ولقاء الأحبة الذين أنستُ بهم ردحاً من الزمن، والاخوان الذين حزنتِ على فراقهم حزناً أليماً. فلم تشاهدي في اوطاني المحبوبة تلك الاّ واحداً او اثنين من الأحبة، أما الباقون فقد ارتحلوا الى عالم البرزخ، فلقد تبدلت لوحات تلك الحياة التي كانت تطفح باللذة والمتعة الى لوحات أليمة تقطر الحزن والأسى، فلا تراد تلك البقاع الخالية من الأحباب ولا تطلب اذن!
لذا فقبل ان تطردنا هذه الحياة وهذه الدنيا قائلة لنا: اخرجوا عني. نقول بعزة كاملة: الوداع، وفي امانة الله وحفظه. نعم هكذا ينبغي ان ندع هذه الأذواق الفانية محتفظين بكرامتنا وعزتنا.
الف الف سلام ودعاء لجميع اخواننا، من اخيكم المريض والمسرور سروراً خالصاً.
سعيد النورسي
***

[الفرق بين الايمان وعدم الانكار]
اخوتي الاعزاء الصادقين الأوفياء، والابطال الميامين لطلاب النور!
لقد اشاعوا: "ان الناس يعرفون الله، فالشخص الاعتيادي يؤمن بالله كما يؤمن به ولي من الصالحين".. لأجل التهوين - ولو يسيراً - من قيمة رسائل النور العظيمة. وذلك ببيان عدم الحاجة الى المزيد من حشد البراهين الدامغة والدلائل القيمة الضرورية التي تسوقها رسائل النور وتكثر منها. وكأن هذه الحشود من البراهين الايمانية لا ضرورة لها، ولا داعي لها.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 295
ففي استانبول يروّج - وباسلوب رهيب جداً - قسم من المنافقين الذين تورطوا في الكفر المطلق - المشحون بالفوضوية والارهاب - كلاماً من هذا القبيل فيقولون: "لا داعي لنا لمزيد من دروس الايمان لان كل امة بل الناس جميعاً يعرفون الله". وذلك محاولة منهم لصد رسائل النور وحرمان الناس من الحقائق الايمانية التي فيها، التي يحتاجها الناس كلهم حاجتهم الى الماء والخبز.
والحال ان "معرفة الله سبحانه" والايمان بحقائق "لا إله الاّ الله"، يستلزم التصديق القلبي، والايمان المطلق الجازم بربوبيته سبحانه وتعالى، الشاملة المحيطة بكل ما في الكون، وان مقاليد الأمور - من الذرات الى المجرات - بجزئياتها وكلياتها في قبضته سبحانه، ولا تدار الاّ بقدرته، وتحت ارادته، فلا شريك له في ملكه.
أما النطق والتفوه بان "الله موجود" ثم اسناد تصريف الأمور في ملكه الى الأسباب التي لا عدّ لها والى "الطبيعة" واتخاذها شركاء لله تعالى، ومن ثم الجهل بارادته النافذة، وعلمه المطلق، ومثول كل شئ بين يديه، فضلاً عن عدم الاهتمام بأوامره ونواهيه، والجهل بصفاته الجليلة، وما أرسل من رسله.. لا شك ان هذا كله ليس من الايمان في شئ.
ولا ينطق بهذا ناطق الاّ ليسلّي به نفسه وينجيها من التعذيب الدنيوي الروحي الذي يعذّب به الكفر المطلق أصحابه في الدنيا قبل الآخرة.
نعم ان "عدم الانكار" شئ و"الإيمان" شئ آخر تماماً، اذ ما من ذي حس أو شعور يمكنه ان ينكر الخالق ذا الجلال الذي تشهد بربوبيته وعظمته وحكمته وجماله جميع أجزاء الكون.. فلو حاول الانكار لحال دونه الكون باجمعه، فيخرس، ويبقى وحيداً سائباً معزولاً شارداً دون سند.
اما الايمان، فلقد علّمنا القرآن الكريم انه: التصديق القلبي بوجود الخالق جل وعلا بصفاته المقدسة وباسمائه الحسنى، مستنداً الى شهادة الكون جميعاً.
انه - أي الايمان - تطبيق لما جاء به الرسل الكرام - عليهم السلام - من أوامره سبحانه وتعالى ونواهيه..


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 296
واذا سوّلت للانسان نفسه أمراً، فدونه باب الاستغفار والانابة.. اما ان يقترف كبيرة من الكبائر بلا اهتمام ولا مبالاة بالأوامر، ودون استغفار وانابة، فلا شك ان ذلك دليل خلوه من الايمان.
***

[حول محبة آل البيت]
اخي العزيز المحترم!
لقد قرأت باهتمام وانعام نظر رسالتكم المستفيضة التي هي بمثابة بحث كامل، والغزيرة بالعلم ودقة الملاحظة وحرارة الشوق، فاقول مقدماً:
ان الامام علياً رضي الله عنه هو استاذ رسائل النور، وهو الذي يولي اهتماماً بالغاً برسائل النور في قصيدته "البديعة" باشارات رمزية، وهو استاذي الخاص في الحقائق الايمانية.
وان محبة آل البيت قد نصّ عليها القرآن الكريم في قوله تعالى: (قُل لا أسئلكم عليه اجراً الاّ المودّة في القربى) (الشورى: 23) هذه المحبة اساس في مسلكنا وفي رسائل النور. ويلزم الاّ يكون لدى الطلاب الحقيقيين لرسائل النور أي ميل نحو معاداتها. فالضلالة والزندقة تستغل الاختلاف في هذا العصر، حتى أن هناك تيارات قوية تجعل اهل الايمان في حيرة من امرهم حيث تُبدل الشعائر الاسلامية ويُشنّ هجوم عنيف على القرآن والايمان، لذا لا ينبغي فتح باب المناقشة في الامور الفرعية الجزئية التي تسبب الاختلاف ازاء هذا العدو اللدود.
وكذا لايلزم قطعاً ذم الذين ارتحلوا وذهبوا الى الآخرة ودار الجزاء. فليس من مقتضى محبة آل البيت - المأمورون نحن بحبهم - بيان تقصيرات اولئك بياناً لاجدوى منه بل فيه ضرر.. لاجل كل هذا فقد منع اهلُ السنة والجماعة مناقشة الفتن التي وقعت زمن الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ولإشتراك الذين بُشّروا بالجنة كالزبير وطلحة وكذلك اُمنا عائشة الصديقة رضي الله عنهم اجمعين في واقعة الجمل، فقد حكم اهل السنة والجماعة على تلك الواقعة؛ انها نتيجة الاجتهاد، وان سيدنا علياً رضي الله عنه كان محقاً وعلى صواب


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 297
والآخرون ليس لهم الحق. ولكن لأن الامر ناشئ من الاجتهاد فهم معفوون. ثم انهم - اي اهل السنة والجماعة - يرون ان مناقشة امر البغاة في حرب صفّين فيها ضرر، اذ تثير المناقشة نزعتين متضادتين هما: نزعة تقف ضد محبة آل البيت، واخرى تغلو في حبهم "كالرافضة" فيتضرر الاسلام نتيجة ذلك.
لقد قال امام علم الكلام سعد الدين التفتازاني أنه: "يجوز لعن يزيد" وامثاله من الظالمين كالحجاج والوليد. ولكن لم يقل أن "اللعن واجب، او فيه خير وفضيلة، او فيه ثواب واجر" لان الذين ينكرون القرآن الكريم ويجحدون بالرسول صلى الله عليه وسلم ويرفضون صحبة الصحابة الكرام للرسول صلى الله عليه وسلم كثيرون جداً لايعدون ولايحصون. وهم يصولون ويجولون امامنا.
ومن المعلوم شرعاً أن المرء ان لم يتذكر احداً من الذين يستحقون اللعنة ولم يلعنهم فليس في هذا بأس قط، لان الذم واللعنة ليسا كالمدح والمحبة، فهما لايدخلان في الاعمال الصالحة، وان كان فيهما ضرر فهو ادهى.
وفي الوقت الحاضر، استغل المنافقون بعض العلماء فأثاروا فيهم نزعة - ضد أهل البيت - علماً ان العلماء هم المأمورون بالحفاظ على الاسلام والحقائق الايمانية، حتى وصل بهم الأمر الى مهاجمة أهل الحقيقة واتهامهم بانتحالهم نزعة التشيع، ونشب العداء بينهما بحيث أنزل اولئك المنافقون ضربتهم القاضية بالجهتين معاً، وذلك باستعمال كل منهما ضد الآخر ووضعه في مجابهته. فهؤلاء الذين يسعون في انزال الضربة القاضية بالاسلام ماثلون امامنا.. وقد دوّنتَ جزءاً من هذا في رسالتك وانت تعلم يا اخي ان اخبث الوسائل المؤثرة على رسائل النور وعليّ بالذات - والمستعملة حالياً - قد وجدوها لدى العلماء.
ان بعض العلماء الذين تلوثوا بالبدع، يمكنهم أن ينزلوا ضربتهم بك وبطلاب النور متذرعين باجتهادكم الناشئ من محبة آل البيت والذي لا داعي لإظهاره في الوقت الحاضر، فهؤلاء يتسترون بالوهابية الحاكمة على الحرمين الشريفين حيث تتداول فيما بينهم - منذ أمد بعيد في استانبول - كتب ملفتة للانظار وجذابة لابن تيمية وهو من العباقرة المشهورين وتلميذه ابن قيم الجوزية، ولاسيما بعد ان اُشيع أن نزعتهم ضد الاولياء ومشربهم متسم بشئٍ من التسامح للبدع!.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 298
فمادام ليس هناك أمر شرعي في عدم الذم وفي عدم التكفير، بينما في الذم والتكفير حكمٌ شرعي. فالذم والتكفير ان كانا على غير حق ففيهما ضرر كبير. وان كانا على حق فلا ثواب فيهما، لان هناك مالا يحد من الناس ممن يستحقون الذم والتكفير. اي إن عدم التكفير وعدم الذم ليس فيهما حكم شرعي وليس فيهما ضرر ايضاً.
ولاجل هذه الحقيقة فقد اتخذ اهل الحقيقة واهل السنة وفي مقدمتهم الائمة الاربعة والائمة الاثنا عشر من اهل البيت، اتخذوا لأنفسهم قاعدة سامية مستندين الى تلك الحقيقة. فقالوا: لايجوز مناقشة ماحدث بين المسلمين من الفتن وليس فيها نفع، بل فيها ضرر.
ثم ان هناك صحابة كرام قد وُجدوا - على اية حال - في كل من الطرفين، فان بحث تلك الفتن يورد الى القلب شيئاً من الانحياز الى جهة، مما يولد اعتراضاً او رفضاً لأولئك الصحابة العظام امثال طلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة. وحتى لو كان هناك خطأ سبب للاعتراض فهناك احتمال قوي للتوبة.
انه لايليق قطعاً بالمؤمن الحصيف ولا بوظيفته المقدسة في هذا الوقت أن يهمل الذين ينزلون ضرباتهم القاضية بالاسلام فعلاً ممن يستحقون اللعنة والذم بالوف المرات ويذهب الى ازمان غابرة ليتحرى في الاحوال التي لم يأمر الشرع بالتحري فيها والتي لاجدوى منها بل فيها ضرر..
اخي لا اخفي عنك ان مناقشتكم الطفيفة مع "صبري"، لها ضرر بالغ برسائل النور وبانتشار حقائق الايمان، فلقد شعرت بذلك هنا، وتألمت من جرائها. اذ فى الوقت الذي كنا ننتظر منكما خدمة ايمانية جليلة بمجئ "صبرى" اليكم والذي سيكون وسيلة جادة لرسائل النور هناك، وانت العالم المحقق. شعرت بخلاف ذلك، بضرر كبير في ثلاث جهات، بل رأيت ذلك الضرر.
وقلت: ترى ما الذى ادّى الى هذا الضرر؟ تلقيت الخبر بعد ثلاثة ايام، من ان "صبري" قد ناقشك مناقشة لا طائل من ورائها ولافائدة يرجى منها وانت بدورك قد اخذ منك الغضب والحدة مأخذاً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 299
فتأسفت قائلاً: اواه..! ودعوت الله: اللهم ياربنا ارفع المناقشة التي بين هذين الاخوين القادمين الينا من ارضروم، ليكونا معاونين لى في خدمتنا للايمان.
وكما جاء في رسالة الاخلاص:
"ان اهل الايمان والحقيقة في زماننا هذا ليسوا بحاجة الى الاتفاق الخالص فيما بينهم وحده، بل مدعوون ايضاً الى الاتفاق حتى مع الروحانيين المتدينين الحقيقيين من النصارى فيتركوا مؤقتاً كل مايثير الخلافات والمناقشات دفعاً لعدوهم المشترك المتعدي" لان الكفر المطلق يشن هجوماً عنيفاً. فارجو من غيرتك الدينية، وتجاربك في حقل العلم، وعلاقتكم القوية برسائل النور، ان تسعى لنسيان ماجرى بينكم وبين "صبري". اصفح عنه وسامحه، لان "صبري" لم يفكر بعقله بل بما سمع من مناقشات لا طائل من ورائها جرت بين علماء سابقين. فانت اعلم بان الحسنة العظيمة تكفّر عن سيئات كثيرة.
نعم ان اخانا "صبري" قد خدم النور خدمة عظيمة حقاً وبوساطتها خدم الايمان خدمة جليلة بحيث تكفّر عنه ألفاً من اخطائه.
فارجو ان تنظرو الى المسألة من زاوية نجابتكم، ومن زاوية خدماته العظيمة للنور وان تعدوه اخاً رفيقاً في خدمة النور.
ان قسماً من الصحابة قد ظهروا في الجهة المخالفة للامام علي في تلك الفتن نتيجة الأخذ بالعدالة النسبية (الاضافية) واتباعاً للرخصة الشرعية بدلاً من أن يكونوا مع الامام عليٍ الذي ألزم نفسه الاخذ بالعدالة الحقيقية (المحضة) والاخذ بالعزائم الشرعية مع مسلكه المتسم بالزهد الشديد والاستغناء عن الناس والتقشف، فاولئك الصحابة الكرام قد تركوا مسلك الامام علي ودخلوا في الصف المخالف له نتيجة هذا الاجتهاد حتى ان "عقيل" وهو اخو الامام علي و "ابن عباس" الملقب بحبر الامة كانا في الصف المخالف للامام لفترة. ولاجل كل هذا فقد اتخذ اهل السنة والجماعة القاعدة الاساسية الشرعية وهي عدم جواز فتح ابواب تلك الفتن فقالوا: "من محاسن الشريعة سدّ ابواب الفتن": وقد طهّر الله ايدينا فنطهر ألسنتنا 1. لانه: ان
_____________________
1 »طهر الله ايدينا فنطهر ألسنتنا« من قول عمر بن عبدالعزيز، انظر اليواقيت والجواهر للشعرانى /2 69 وشرح جوهرة التوحيد للباجوري 334 - المترجم.

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 03-23-2011 الساعة 05:49 PM
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 300
كان هناك بضعة افراد يستحقون الاعتراض عليهم، الاّ ان هذه النزعة، نزعة الانحياز الى جهة يسوق الى الاعتراض على اجلاّء الصحابة الكرام ممن هم من العشرة المبشرين بالجنة كالطلحة والزبير رضي الله عنهم وحتى على قسم من اهل البيت ممن هم في الصف المعارض، فينتبه لدى المعترض عرق العداوة والذم تجاههم. لهذا فاهل السنة يرجحون سد ابواب الفتن.
حتى أن سعد الدين التفتازاني وهو من ائمة علم الكلام واهل السنة الذي جوّز تلعين يزيد والوليد وتضليلهما، قد انبرى له السيد الشريف الجرجاني وهو من اجلّة علماء اهل السنة قائلاً:
"مع ان يزيد والوليد فاجران وظالمان غدّاران الاّ أن العلم بانهما قد رحلا الى الآخرة على غير الايمان من امور الغيب. ولأن هذا غيب ولايُعلم به علماً قاطعاً بأنهم قد تركوا الدنيا على غير الايمان وليس لنا دليل قطعي ولا نص جازم على ذلك، وهناك احتمال التوبة وذهابهما من الدنيا على الايمان، فلاجل هذا لاتجوز اللعنة بمثل هذا التخصيص والتلعين الشخصي، وانما تجوز اللعنة اذا كانت عامة كأن يقول: لعنة الله على الظالمين والمنافقين. والاّ فلا ضرورة لغير هذا النوع من اللعنة ولالزوم لها بل لها ضرر"...
وهكذا ردّ على سعد الدين التفتازاني .
هذا وان سبب عدم اجابتي لرسائلك العلمية الدقيقة جواباً مفصلاً والاقتصار على هذا القدر المستعجل، هو مرضي الشديد ومشاغلي المهمة.
الباقي هو الباقي
سعيد النورسي
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 301
[طهر الله ايدينا فنطهر ألسنتنا]
اخي العزيز المحترم!
ان طرق البحث او حتى التفكر في ذلك الجرح العميق الذي أبكي العالم الاسلامي قبل الف وثلاثمائة سنة والذي دفع اهل الحقيقة جميعاً الى اطلاق الزفرات والحسرات يُولمني الماً لا يطيقه مشربي الخاص. ولاسيما ان خدمة الايمان خدمة حقيقية بالاخلاص - منذ عشرين سنة - قد سحبتني كلياً من ميدان السياسة بكافة انواعها، ولم تدعني لقراءة جريدة واحدة طوال هذه المدة. لذا فاني احمل - مضطراً - حالة روحية تدفعني الى عدم الالتفات الى الحياة السياسية وإيثار حياة الاسر المعذب طوال عشرين سنة التي خلت. وعدم مراجعة الحكومة - سوى دفاعاتي امام المحاكم - لئلا يرد نقص الى خدمة الايمان وحفاظاً على الاخلاص من الانثلام بل لم اهتم بأخبار الحرب العالمية ولم اذكّر احداً بها طوال عشر سنوات، لئلا اتلوث بالسياسة. ان هناك ضرورة الآن انقاذ اهل الايمان من لدغات ثعابين ماردة تهاجمهم هجوماً شرساً من حيث حقائق الايمان وتنفث سمومها القاتلة في الكثيرين امام انظارنا...
فما دام الوضع هكذا، فان الانسلاخ من هذا الزمان الحالي والذهاب الى عصور سابقة ومشاهدة الظلم الرهيب الواقع على اهل البيت، يسحق روحي اكثر ، ويفتّ في القوة المعنوية ويعذبني عذاباً لا يوصف.
ان الدستور الغادر للسياسيين الظلمة الذين هو : "يُضحى بالفرد لأجل الجماعة" له وقائع واحداث قاسية ظالمة تحت اسم "أهون الشرين" الذي اتخذه بعض الحكام نوعاً من انواع العدالة الاضافية (النسبية) وابرزوه لمصلحة ادامة حكمهم. حتى في هذا العصر بموجب هذا الدستور الغادر يفني احدهم قرية كاملة بخطأ شخص واحد فيها، ويهلك الوف الناس لتوهم ضرر قد يلحق بسياستهم من جراء معارضة عشرة اشخاص...
وحيث ان هذا الدستور الغادر للسياسة قد دخل الى حد ما بين المسلمين في العصور الاسلامية، فقد آثر السلف الصالحون السكوت - مضطرين - أمام هذه الدساتير الرهيبة، فسدّ ائمة اهل السنة والجماعة تلك الابواب بقولهم: طهّر الله ايدينا فنطهّر ألسنتنا.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 302
وما دام الذين ظلموا اهل البيت يرون عقابهم الآن في الآخرة عقاباً أليماً بما لايدع حاجة الى معاونتنا بالهجوم على الظلمة، وينال اهل البيت المظلومون - ثواب ما قاسوا من عذاب موقت - درجة عظيمة لا تبلغها عقولنا لسعتها ورفعتها، فالأولى اذن تهنئتهم بألوف التهاني من حيث نيلهم تلك الرحمة الواسعة وليس التألم لحالهم الآن. اذ مثلما انهم حازوا ملايين المراتب والسعادات الباقية في الآخرة، مقابل بضع سنين من المتاعب والآلام، كذلك اصبح كل منهم سيداً وسلطاناً معنوياً واماماً في عالم الحقيقة بدلاً من سلطنة دنيوية فانية في مدة حياتهم الدنيوية وحاكميتها الموقتة وسياستها المضطربة، التي لا اهمية لها، وصاروا أئمة الاولياء والاقطاب بدلاً من ولاة الولايات. ففوزهم هذا هو فوز عظيم بملايين أضعاف مراتب الدنيا.
ولأجل هذا السر الدقيق فقد اخذت الحقيقة السابقة من اساتذة سعيد الجديد وهم الامام الرباني، الشيخ الكيلاني، الامام الغزالي والامام زين العابدين رضي الله عنهم - حيث تلقيت مناجاة "الجوشن الكبير" من هذين الامامين خاصة - وسيدنا الحسين والامام علي رضي الله عنهم جميعاً. فالدرس الذي تلقيته منهم لدى ارتباطي بهم ارتباطاً معنوياً دائماً - بواسطة الجوشن الكبير - هو تلك الحقيقة، لذا فالمشرب الحالي الوارد من رسائل النور اذن هو مشربهم الذي ارتشفته من منهلهم. لذا لاينسجم ومشربنا النظر الى غدر الظالمين، ولا حتى التفكر فيه، حيث قد نال الظالمون عقابهم، والمظلومون ثوابهم بما هو فوق طوق عقولنا، فالانشغال بمثل تلك المسائل يلحق الضرر بالوظيفة القرآنية التي كلّفنا بها، ولاسيما والمصائب تنزل تترى على الدين في الوقت الحاضر.
ان علماء علم الكلام وائمة اصول الدين والمحققين الافذاذ من علماء اهل السنة والجماعة، بعد اجراء تحقيقات وتدقيقات كثيرة حول العقائد الاسلامية واقامة المحاكمات العقلية والموازنات في ضوء الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة، ارتضوا بدساتير في اصول الدين، تلك الدساتير تأمر بالحفاظ على مشرب رسائل النور الحالي، وتمدّها بالقوة. ومن هنا لا يستطيع اي احد حتى لو كان من اهل البدع وفي اي مكان كان الاعتراض على مشربنا، ولما كانت حقيقة الاخلاص محفوظة فيه حفظاً تاماً يستطيع اي نوع من انواع اهل الاسلام الدخول في دائرة رسائل النور،


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 303
فالمتعصب في تشيعه، والمغالي في وهابيته، وأشد الفلاسفة مادية وعمقاً في العلم، واكثر العلماء انانية وتزمتاً، قد بدأوا بالدخول معاً في دائرة النور ويعيش قسم منهم الآن اخوة متحابين في تلك الدائرة، حتى ان هناك امارات بدخول مبشرين نصارى من الروحانيين الحقيقيين في تلك الدائرة، لما يشعرون بضرورة الترابط والمصالحة، طارحين مواد المناقشة والمنازعة جانباً.
بمعنى ان رسائل النور التي أخبر عنها الامام علي رضي الله عنه باشارات تبلغ حوالي الاربعين وبدرجة الصراحة احياناً، هي ضماد لجروح هذا الزمان. ولهذا كفتنا تلك الدائرة فلا نخرج منها.
ان التعرض لشخص سيدنا علي كرم الله وجهه، ونقد حياته وسياسته الجارية على العدالة المحضة شئ، والتعرض لشخصيته المعنوية ونقد كمالاته العلمية ومقام ولايته ووراثته للنبوة، التي تفوق الوف المرات شخصيته الظاهرية وحياته الدنيوية وسياسته الاجتماعية شئ آخر، وأنّى لأحد الدنو من التعرض لها أو نقدها. بل لم يرد ذلك قطعاً ولن يرد.
ومن هنا يبدو رهيباً جداً تعرض الذين يحاولون الجمع بين الجهتين معاً، حيث يورث الحيرة والدهشة في صفوف اهل الايمان من انه: هل يمكن ان تحدث فتنة كهذه بين اهل الايمان؟ علماً انه عدا اشخاص تافهين خبيثين كيزيد والوليد، فان القسم الاعظم ممن تعرضوا للامام علي رضي الله عنه تعرضوا لادارته الخاصة ولحياته الانسانية الاجتماعية، فأخطأوا، وليس لكمالاته وكراماته ووراثته للنبوة.
ان من الضروري ترك العداء الصغير الطفيف الداخلي لدى هجوم الاعداء الضخام الخارجيين. اذ بخلاف ذلك سيكون الامر في حكم العون للعدو الكبير الخارجي.
ولهذا فعلى المنحازين من المسلمين الى جهة من الجهات ضمن دائرة الاسلام، ان يتناسوا تلك العداوات الداخلية موقتاً، كما تقتضيه مصلحة الاسلام.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 304
[رسالة الى سكرتير حزب الشعب الجمهوري]
حضرة السيد حلمي اوران!
وزير الداخلية السابق وسكرتير الحزب "الشعب الجمهوري" 1 حالياً:
اولاً: في غضون عشرين سنة كتبت اليكم عريضة واحدة فقط - يوم كنت وزيراً للداخلية - الاّ انني لم اقدمها اليكم لئلا اخلّ بقاعدتي التى اسير وفقها. فان شئت فسأقرأها اليكم واتكلم معكم بصفتكم وزيراً سابقاً للداخلية وسكرتيراً عاماً للحزب. فاسمحوا لى الكلام لساعة او ساعتين، اذ الذي لم يتكلم مع الحكومة منذ عشرين عاماً لو تكلم عشر ساعات مع ركن من اركان الحكومة وباسمها ولمرة واحدة، فهو قليل.
ثانياً: أجدني مضطراً الى بيان حقيقة لكم لكونكم سكرتير الحزب حالياً، والحقيقة هي:
ان هذا الحزب الذي تقوم انت بمهمة سكرتاريته عليه مهمة أمام الشعب وهي:
ان الامة التركية ومن معها من اخوة الدين الحاملين لراية الاسلام منذ ألف سنة جعلوا الامة الاسلامية قاطبة ممتنة لها ببطولتها وصانوا الوحدة الاسلامية، و نجّوا البشرية بالقرآن العظيم وحقائق الايمان من الكفر المطلق والضلال الرهيب.
فإن لم تتبنّوا حالياً - ببسالة كالسابق - الحقائق القرآنية والايمانية، وان لم تقوموا وانتم اهل الغيرة بالحث على الحقائق القرآنية والايمانية مباشرة بدل قيامكم خطأ في عهد سابق بالدعاية للمدنية الغربية واضعاف الروح الدينية، فاني احذركم وأنذركم قطعاً، وابين ذلك بحجج قاطعة:
ان العالم الاسلامي سينفر من هذه الامة بدلاً من ان يوليها المحبة بل سيضمر العداوة لأخيه البطل، الامة التركية، وستقهرون امام الفوضى والارهاب الذي يتستر تحت ستار الكفر المطلق الذي يسعى لإبادة العالم الاسلامي، وستكون سبباً في
_____________________
1 حزب الشعب الجمهوري: اسسه مصطفى كمال سنة 1923 وظل يحكم البلاد بالقوة كحزب واحد دون معارض، وترأسه عصمت اينونو حتى سنة 1950 حيث لم يحز في الانتخابات سوى 69 نائباً من بين 487 نائباً. من المبادئ الاساس لهذا الحزب العلمانية بمعناها العداء للدين، والدعوة الى القومية التركية، أسس المعاهد القروية ومدارس الريف في ارجاء البلاد لتخريج المعلمين لتعليم الالحاد.- المترجم.



الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 305
تشتيت هذه الامة التركية التي هي قلعة العالم الاسلامي وجيشه البطل، وستمهدون لإستيلاء الغول الوحش، الشيوعية، على هذه البلاد.
نعم ان هذه الامة البطلة لا تصمد امام صدمات التيارين الرهيبين الآتيين من الخارج الاّ بقوة القرآن.
فلا يصد هذا التيار الجارف، تيار الكفر المطلق والاستبداد المطلق واشاعة السفاهة واباحة اموال الناس، الاّ الامة التي امتزجت روحها بحقائق الاسلام واصبحت جزءاً من كيانها، تلك الامة التي تعتزّ بالاسلام مجداً لماضيها.
وسيوقف هذا التيار باذن الله قيام اهل الغيرة والحمية لهذه الامة ببث روح الحقائق القرآنية - الموغلة في عروق هذه الامة - وجعلها دستور حياتها بدلاً من نشر التربية المدنية الغربية.
اما التيار الثاني: فهو استمالة العدو مستعمراته في العالم الاسلامي وربطهم به رباطاً وثيقاً، وذلك بزعزعة ثقتهم بمكانة هذه البلاد ومنزلتها المركزية للعالم الاسلامي، بعد وصمها باللادينية والالحاد، والذي يفضي الى انفصام العلاقة المعنوية بينها وبين العالم الاسلامي، وقلب روح الاخوة التي يحملها العالم الاسلامي تجاه هذه الامة الى عداء.. وغيرها من امثال هذه الخطط الرهيبة التي حازوا بها شيئاً من النجاح لحد الآن. ولكن لو استرشد هذا التيار وبدّل خطته الرهيبة هذه وعامل الدين الاسلامي بالحسنى داخل البلاد، مثلما يلاطف العالم الاسلامى، فانه يغنم كثيراً ويكون ممن حافظ على انجازاته، وعندئذٍ تنجو الامة والبلاد من كارثة مدمرة.
فلو سعيتم انتم الذين تتولون مقام سكرتارية اهل الحمية والقومية، للحفاظ على الاسس التي تسحق المقدسات الدينية وتعمم المدنية الغربية، ونسبتم الحسنات الحاضرة وحسنات الانقلاب الى اجراءات قلة من الاشخاص الذين قاموا باسم الانقلاب واحلتم النقائص المريعة والسيئات الجسيمة الى الامة، فعندئدٍ تعممون اذن ما ارتكبه اشخاص قلة من سيئات الى ملايين من السيئات. فتخالفون اذن آمال هذه الامة المتدينة البطلة وتجافون جيش الاسلام، وتعارضون اذن الامة جميعاً وتديرون ظهركم الى ملايين الابطال الميامين الذين نالوا شرف الشهادة، فتعذبون أرواحهم الطيبة وتحطون من شأنهم و تهونون من شرفهم.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 306
وكذا لو نُسبتْ تلك الحسنات التي أحرزتْ بهمة الامة وقوة الجيش الى اولئك القلة القليلة من الانقلابيين، تنحصر ملايين الحسنات في بضع حسنات فقط فتتضاءل وتزول، فلا تكون كفّارة لأخطاء فاحشة.
ثالثاً: لا شك ان لكم معارضين في جهات كثيرة داخلية وخارجية، وحيث اني لا انـظر ولا اهتم باحوال الدنيا والسياسة، فلا اعرف تلك الامور. ولكن لأنهم ضايقوني كثيراً في هذه السنة فاضطررت الى النظر الى سبب هذه المضايقة فعلمت ان معارضةً قد ظهرت. فلو وجدتْ هذه المعارضة زعيماً كفوءاً لها وانطلقت الى الميدان باسم الحقائق الايمانية لغلبتكم وانتصرت عليكم في الحال، ذلك لان تسعين بالمئة من هذه الامة مرتبطة روحاً وقلباً بالاعراف الاسلامية منذ الف سنة، وحتى لوانقادت ظاهراً الى ما يخالف فطرتها فانها لا ترتبط به قلباً.
ثم ان المسلم يختلف عن افراد الامم الاخرى، اذ لو تخلّى عن دينه فلا يكون الاّ ارهابياً فوضوياً لا يقيده شئ اياً كان، بل لا يمكن ادارته بأيٍ من وسائل التربية والادارة الاّ بالاستبداد المطلق والرشوة العامة. وهناك حجج كثيرة تثبت هذه الحقيقة وأمثلة كثيرة عليها اختصرها محيلاً الامر الى فطنتكم.
لا ينبغي لكم ان تتخلّفوا عن الدول الاسكندنافية التي شعرت بحاجتها الشديدة الى القرآن الكريم في هذا العصر، بل عليكم ان تكونوا قدوة لها ولأمثالها من الدول. فلو اسندتم ذنوب الانقلاب التي حصلت الى الآن الى بضعة اشخاص، وسعيتم لتعمير الدمار - ولاسيما بحق الاعراف الدينية - الذي نجم عن ظروف الحرب العالمية وانقلابات اخرى، لقلّدكم سعيكم هذا شرفاً عظيماً في المستقبل ولأصبح كفارة لذنوبكم العظيمة وتكونون اهلاً لصفة اهل الحمية والغيرة على الامة، لما تقدمون من خدمة للامة والوطن.
رابعاً: مادام الموت لا يُقتل وباب القبر لا يُغلق، وانتم ستهرعون الى القبر كاي انسان آخر، وان ذلك الموت الذي لا مناص منه اعدام ابدي لأهل الضلالة، لا تبدّله مئة الف من الدعوات الوطنية وحب الدنيا والإنجازات السياسية، الاّ القرآن الكريم الذي يبدل ذلك الاعدام الابدي الى تذكرة تسريح لأهل الايمان، كما اثبتت ذلك رسائل النور الموجودة بين ايديكم والتي لم يعارضها اي فيلسوف ولا أي ملحد


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 307
كان، بل هي التي جذبت الى حظيرة الايمان كل من قرأها من الفلاسفة بدقة وإنعام. وحتى في ظروف هذه السنين الأربع لم يملك الفلاسفة والعلماء الخبراء ولا محاكمكم الاربع إلاّ الاعجاب بها وتقديرها وتصديقها، فلم يعترضوا عليها لحججها الرصينة في إثبات الحقائق الايمانية فضلاً عن أنها لا ضرر يرد منها لهذا الوطن والامة، بل إنها سد قراني - كسد ذي القرنين - امام التيارات الرهيبة المهاجمة. ولي مائة الف شاهد على هذا من الامة التركية ولاسيما من الشباب المثقف.
فلأجل هذه الاسباب المذكورة فان واجبكم الاساس هو تبنّي افكاري هذه التي طرحتها لكم بجد واهتمام.
فانتم تستمعون دائماً الى الكثيرين من الدنيويين السياسيين، فيلزم الاستماع - ولو قليلاً - الى ضعيف عاجز مثلي واقف على شفير القبر يبكي على حال المواطنين ويتكلم معكم في سبيل الآخرة.
***

[لا احسن الظن بنفسي]
اخوتي الأوفياء الصادقين!
"جواب خطر على البال لمناسبة
سـؤال مادي ومعنوي"
يقال:
لِمَ لا تقبل مقاماً ومزايا لشخصك بالذات الذي هو موضع حسن ظن مفرط لطلاب النور وقناعتهم التامة بحق شخصك، علماً ان قبولك ذلك المقام يكون مثار شوقهم للعمل في خدمة الايمان. بل نجدك تصرف تلك المزايا عن شخصك الى رسائل النور وحدها، وتظهر نفسك خادماً كثير الذنوب؟!.
الجواب: حمداً لله وشكراً له لا منتهى لهما. فان لـرسائل النور مرتكزات قوية لا تتزعزع، وحججاً نافذة ساطعة لا تخبو بحيث تستغني عما يظن في شخصي من


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 308
مزايا وقابليات. فهي ليست كالمؤلمفات والآثار الأخرى تبني أهميتها على قابلية مؤلفها، وتستمد قوتها وحسنها منه، بل هي تستند على حججها القاطعة منذ عشرين سنة، حتى أرغمت اعدائي الماديين والمعنويين الى الاستسلام، والأمر واضح أمام الجميع. فلو كانت شخصيتي نقطة استناد مهم لها، فان اعدائي الملحدين ومعارضي الظلمة كان يمكنهم ان ينزلوا ضربتهم القوية بـرسائل النور وذلك بالنيل من شخصي المقصّر المذنب. بينما اولئك الأعداء لطيشهم وبلاهتهم يدبرون ما وسعهم من الدسائس والوسائل للحط من قيمتي والنيل من شخصيتي، واذ هم يسعون ليحولوا دون توجه الناس نحوي واقبالهم عليّ، لا يستطيعون ان يحولوا دون فتوحات رسائل النور الايمانية ولا التهوين من شأنها، بل يعجزون عن ان يجعلوا محبين جدداً يتخلون عن خدمة الايمان، رغم ما كدّروا من صفاء اذهانهم وقلوبهم.
فلأجل هذه الحقيقة، ولأجل طغيان الأنانية وهيمنتها الواسعة في هذا الزمان، ارفض حسن الظن المفرط بشخصي الذي يفوق كثيراً حدّي وطوقي، لاني كاخوتي، لا أحسن الظن بنفسي، فضلاً عن ان المقام الأخروي الذي منحه اخوتي اخاهم هذا الفقير ان كان مقاماً دينياً حقيقياً، وان كنت اعلم ان نفسي أهلاً لها - حاش لله - فهذا دليل على عدمه، ولو كنت ارى نفسي فارغاً عن ذلك المقام يلزم اذاً عدم قبول هداياهم ومنحهم كذلك، وذلك - حسب القاعدة المذكورة في المكتوب الثاني - فضلاً عن ان الذي يرى نفسه صاحب مقام فالانانية ربما تتداخل في الأمر.
***

[مسلك النور يحقق فوائد الطريقة]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
اخي العزيز البطل صبري!
نسأل الله ان يهيئ جنوداً مضحين كالسيد "غالب" للجيش الاسلامي، ان هذا الفاضل يخدم الايمان في الغرب والشرق كخدمة "خلوصي". ويحاول جذب اهل الايمان وانتشالهم من الضلالة عن طريق التصوف. ان هذا الفاضل قد حاول سابقاً


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 309
العمل في مسلك النور قبل اطلاعه على الرسائل ويتمكن ان يعمل اكثر عندما تقوى علاقته بالرسائل. الاّ ان اساس مسلك النور، الحقيقة، السنة النبوية الشريفة، الاهتمام بالفرائض والاجتناب عن الذنوب، وينظر الى التصوف بدرجة ثانية وثالثة. اما اخونا "غالب" فهو يعمل في صفوف العلويين فيفكر ان يلقنهم دروساً في طريقة صوفية هي خلاصة طرق القادرية والشاذلية والرفاعية وضمن السنة النبوية بشرط عدم التعرض للخلفاء الراشدين والعشرة المبشرين بالجنة، وضمن نطاق محبة آل البيت. وهذا السلوك له فوائد مهمة عدة باسم الحقيقة وفي سبيل انقاذ الايمان وصيانته من البدع.
اولاها: لها فائدة جليلة في الحيلولة دون كسب التيارات الاخرى العلويين، وصونهم من غلو الرافضة والتيار السياسى البكتاشي.
ثانيتها: ان العلويين الذىن اتخذوا حب آل البيت مسلكاً لهم لا يدخلون ضمن الكفر المطلق مهما افرطوا، بل حتى لو كانوا روافض. لانه كلما توغلت محبة آل البيت في قلوبهم فانهم لا يدخلون الكفر المتضمن العداء للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وآل البيت. بل يتمسكون بالاسلام بشدة بوساطة تلك المحبة. فجلب امثال هؤلاء الى دائرة السنة النبوية عن طريق الصوفية يُعدّ فائدة جلية.
ثم ان جلب العلويين الى دائرة النور فيه مصلحة عظيمة، وذلك للحيلولة دون استغلال تيارات سياسية شجاعتهم الفطرية، بما يضر وحدة اهل الايمان. ولما كان استاذ طلاب رسائل النور هو الامام علي رضى الله عنه وحب آل البيت اساس في مسلك النور فينبغي دخول العلويين الحقيقيين الى دائرة النور بشوق كامل.
ان هذا الزمان زمان انقاذ الايمان. ولأن هناك مشكلات في مسلك الطريقة الصوفية بالسير والسلوك وفي زمن البدع هذا. لذا تسلك دائرة النور مسلك الحقيقة محققة فوائد الطريقة الصوفية.
اكتبوا هذا الى اخينا ذاك مع سلامي ومع تهنئتي له بشهر رمضان المبارك وليدعُ لنا ايضاً.
***


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 310
[قد أغلقتُ منافذ النفس]
اخوتي الأوفياء الصادقين!
جاءني عدد من الأطباء من أركان طلاب النور، حينما اشتدت وطأة المرض عليّ. الاّ انني لم افاتح اولئك الصادقين المخلصين حول مرضي الشديد، ولم اتناول علاجاتهم، بل لم اشاورهم أصلاً في شؤون الأمراض التي الـمّت بي رغم ان الآلام كانت تعصرني وانا في أمسّ الحاجة اليهم.
فلما رأوني لا أدير الحديث حول المرض قطعاً، اعتراهم قلق واضطراب. لذا اضطررت الى بيان حقيقة ذات حكمة. وارسلها اليكم علّها تفيدكم أيضاً.
قلت لهم: ان اعدائي المتسترين، ونفسي الأمارة بالسوء، ينقبان معاً - بايحاء من الشيطان - عن طبع ضعيف عندي وعرق واهٍ في خلقي، ليستحوذوا عليه، ويُخلّوا به بخدمتي الايمانية المخلصة ويعرقلوا نشر الأنوار.
حقاً! ان أضعف جانب عند الانسان، واخطر مانع للعمل، انما هو المرض، لانه اذا اهتم المريض بمرضه كثيراً اشتدت احاسيس الجسد عليه وسيطرت حتى يجد نفسه مضطراً.. فتُسكت الروحَ والقلب عندئدٍٍَ وتجعل الطبيب كأنه حاكم مستبد، تلجؤه الى اطاعة توصياته وعلاجاته.
وهذا هو الذي يخلّ بخدمة الايمان المتسمة بالتضحية والفداء والاخلاص التام.
ولقد حاول اعدائي المتسترون استغلال هذا الجانب الضعيف عندي وما زالوا كذلك يحاولون، كما حاولوا استغلال طبع الخوف والطمع والشهرة الاّ انهم لم ينالوا شيئاً من هذه النواحي، فادركوا اننا لا نعبأ بشئ من أحكامهم حتى باعداماتهم.
ثم ان هناك خُلقاً ضعيفاً وعرقاً واهياً لدى الانسان، وهما الاهتمام بهموم العيش والطمع، فقد بحثوا عنهما كثيراً للاستفادة منهما، ولكن لم يجنوا شيئاً بفضل الله من ذلك الجانب الضعيف، حتى خلصوا الى ان متاع الدنيا الذي يضحون في سبيله بمقدساتهم، تافه لا يساوي شيئاً عندنا. وقد تحقق ذلك عندهم بحوادث كثيرة، حتى انه خلال هذه السنين العشر الماضية استفسروا اكثر من مئة مرة استفساراً رسمياً من الادارات المحلية: بِمَ يعيش؟.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 311
ثم ان طلب الشهرة والتطلع الى المراتب، عرق ضعيف في الانسان وجانب واهٍ فيه، فقد أمرت - السلطات - ان يُستغل ذلك العرق الضعيف عندي، فقاموا بالاهانات والتحقير والتعذيب المؤلم الجارح للشعور. ولكنهم - بفضل الله - لم يوفقوا الى شئ، وادركوا ادراكاً قاطعاً ان ما يتطلعون اليه - لحد العبادة - من الشهرة الدنيوية نفهمها رياءً واعجاباً بالنفس مضرّاً بالانسان. وان ما يولون من اهتمام بالغ نحوحب الجاه والشهرة الدنيوية لا يساويان عندنا شروى نقير، بل نعدّهم بهذه الجهة بلهاء مجانين.
ثم ان ما يعدّ فينا - من حيث خدمتنا - جانباً ضعيفاً وعرقاً لا يقاوم، مع انه - من حيث الحقيقة - جانب مقبول لدى الناس كلهم، بل يتلهفون الى ادراكه والظفر به، هذا الجانب هو كون الشخص يحرز مقاماً معنوياً ويعرج في مراتب الولاية، وينال تلك النعمة لنفسه بالذات. فهذا الجانب رغم انه لا ضرر فيه البتة، وليس له غير النفع، الاّ انه في زمان قد استولت فيه الانانية وطغت فيه الاثرة واستهدفت المنافع الشخصية حتى انحصر شعور الانسان في انقاذ نفسه.. اقول ان القيام بخدمة الايمان في هذا الزمان - تلك الخدمة التي تستند الى سر الاخلاص وتأبى ان تستغل لأي شئ كان - تقتضي عدم البحث عن مقامات معنوية شخصية، بل يجب الاّ تومئ حتى حركات المرء الى طلبها والرغبة فيها، بل يلزم عدم التفكير فيها أصلاً. وذلك لئلا يفسد سر الاخلاص الحقيقي.
ومن هنا ادرك الذين يسعون لاستغلال هذا الجانب الضعيف لديّ باني لا أتحرى خارج خدمة النور ما يتحراه كل انسان من كشف وكرامات وخوارق ومزايا أخرى روحية فرجعوا خائبين من هذا الجانب.
تحياتنا الى اخواننا فرداً فرداً.. ونسأله تعالى برحمته الواسعة ان يجعل ليلة القدر المقبلة بمثابة ثمانين سنة من العبادة لكل طالب من طلاب النور ونستشفع حقيقة تلك الليلة في دعواتنا هذه.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 312
[حول النظر الحرام]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد حان وقت تبيان حادثة عجيبة لحياتي، ومؤلمة ولطيفة، وفى الوقت نفسه نبين ما يبثه الاعداء من افتراء شنيع لا يمكن ان يقنع الشيطان نفسه احداً قط، مما يتوضح كيف ان الاعداء لم يبق لديهم اي سلاح كان تجاه النور.
انه من المعلوم لدى المطلعين على تأريخ حياتي:
انني مكثت سنتين في بيت الوالي المرحوم عمر باشا في "بتليس" بناء على اصراره الشديد ولفرط احترامه للعلم والعلماء.. كان له من البنات ست؛ ثلاث منهن صغيرات وثلاث بالغات كبيرات.. ومع اني كنت اعيش معهم في بيت واحد طوال سنتين الاّ انني لم اكن اميّز بين الثلاث الكبيرات؛ اذ لم اكن اسدد النظر اليهن كي اعرفهن واميّز بينهن. حتى نزل احد العلماء يوماً ضيفاً عليّ، فعرفهن في ظرف يومين فقط وميّز بينهن، فأخذت الحيرة الذين من حولي لعدم معرفتي اياهن. وبدأوا بالاستفسار:
- لماذا لا تنظر اليهن؟
- فكنت اجيبهم:
- صون عزة العلم يمنعني من النظر!.
وفي احد المهرجانات المقامة في استانبول، قبل اربعين سنة، كان الازدحام على اشده، اصطفت الوف من نساء استانبول ومن الروم والأرمن الكاسيات العاريات على طرفي الخليج (الذي يقسم جانب استانبول الى قسمين ).
ركبت مع السيد طه والسيد الياس (وهما عضوا المجلس النيابي) في قارب لينقلنا الى نهاية الخليج حيث الاحتفالات تقام هناك.
كان القارب يمر امام اولئك النساء ، ولم يكن لي علم اصلاً من ان الملاّ طه والحاج الياس قد اتفقا علىمراقبتي بالتناوب واختباري في النظر الى النساء، حتى اعترفا بذلك بعد ساعة كاملة من التجوال في القارب وبين اولئك النساء قائلين:
لقد حيّرنا أمُرك هذا، انك لم ترفع بصرك اليهن قط.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 313
قلت:
انا لا اريد اذواقاً موقتة تافهة مشوّبة بالآثام، لأن عاقبتها آلام وحسرات.
ثم ان الذين يصادقونني يعرفون جيداً انني تحاشيت كلياً قبول الهدايا والدخول تحت منّة المتصدقين طوال حياتي كلها ، فلاجل صيانة كرامة رسائل النور والخدمة القرآنية وحفاظاً على سلامتها تركت الاهتمام بكل ما يمت بصلة الى اذواق الدنيا المادية والاجتماعية والسياسية، ولم ابال بتهديدات اهل المآرب والاغراض الشخصية بل حتى باعدامهم. وقد ظهر هذا بجلاء خلال السنوات العشرين التي قضيتها في النفي والتشريد المعذب وفي السجن الرهيب وفي المحاكم.
وفى الوقت الذي املك هذا الدستور العظيم، والذي دام طوال خمس وسبعين سنة، واذا بموظف يشغل منصباً في الحكومة يشيع فرية شنيعة لا تخطر حتى ببال الشيطان تهويناً من شأن رسائل النور الرفيعة، حيث قال: "تتردد عليه ليلاً الفاحشات مع ما لذّ وطاب من المأكولات" علماً ان بابي مغلوق من الخارج ومن الداخل ليلاً، وان هناك من يسهر للصباح يراقب الباب بأمر ذلك الموظف الشقي. يعرف الجيران والاصدقاء جيداً اننى لا اقبل احداً للزيارة منذ العشاء حتى الصباح.
فالذى يفتري هذه الفرية لا شك انه سفيه واحمق بل لا يورد هذا الاحتمال حتى لو اصبح حماراً بل حتى لو اصبح شيطاناً.
فذلك الشخص المفتري قد علم خطأه فتخلى عن مثل هذه المكايد، مغادراً هذا المكان الى غير رجعة وبئس المصير.
***

[وظائف السيد المهدي]
اخوتي الاعزاء الاوفياء!
لقد سألني - باسم الكثيرين - من له شأن وبركة من طلاب النور قائلاً:
ان قسماً ممن لهم شأن واخلاص من طلاب النور يظنون بك - وباصرار - انك المرشد العظيم من آل البيت الذي يأتي في آخر الزمان وانت مهما تبالغ في تجنب هذا


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 314
فهم يزيدون الحاحاً واصراراً في ظنهم. وانت بدورك تصر على رفض فكرهم وتتحرز كثيراً منه. فلا جرم انهمً يملكون حقيقة ولديهم حجة قاطعة. وانت كذلك تستند الى حقيقة وحكمة فلا توافقهم في ظنهم. وهذا تضاد نطلب حله على كل حال.
وانا اقول جواباً لهذا الاخ الفاضل الذي ينطوي سؤاله على كثير من المسائل.
ان اولئك النوريين الخواص يملكون حجة، الاّ انها تحتاج الى تعبير وتأويل من جهتين:
الاولى: لقد أشرت عدة مرات في رسائلي الى ان السيد "المهدي" الذي يمثل الشخص المعنوي للجماعة السامية لآل محمد صلى الله عليه وسلم له ثلاث وظائف. فنحن نرجو من رحمته تعالى أن تقوم جماعته، وطائفة السادة الكرام بتلك الوظائف ان لم تقم القيامة فجأة، ولم تضل البشرية ضلالا بعيداً.
ووظائفه الثلاث ستكون الآتية:
الوظيفة الاولى:
انقاذ الايمان، وذلك بالقيام بدحض الفلسفة والفكر المادي قبل كل شئ. لانتشار أفكار الماديين والطبيعيين انتشار الطاعون في البشرية واستيلاء العلوم والفلسفة المادية على الاذهان.
ان حفظ أهل الايمان من شرور الضلالة، يقتضي اجراء تحقيقات علمية واسعة وابحاث متواصلة دائبة، التي تتطلب التجرد من هموم الدنيا ومشاغلها تجرداً كاملا، ولا يسمح الوقت والأحوال لقيام "السيد المهدي" بمهمته هذه بالذات، لأن اعباء الحكم في الخلافة الاسلامية لا تدع وقتاً له للانشغال بتلك الأمور. فلابد ان تنهض - بتلك المهمة - قبله طائفة في جهة ما . وسيجعل "السيد المهدي" ما دوّنه هؤلاء من أثر منهاجاً معداً له، فيكون قد أدى تلك المهمة على أتم وجه.
ان القوة التي تستند اليها هذه الوظيفة وجيشها المعنوي، ما هم الاّ طلاب يتصفون اتصافاً تاماً بالاخلاص والوفاء والترابط. فمهما كانوا قلة فهم يعدّون بقوة الجيش واهميته معنىً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 315
الوظيفة الثانية:
احياء الشعائر الاسلامية في المجتمع باسم الخلافة المحمدية، وانقاذ البشرية من المهالك المادية والمعنوية والغضب الالهي، مستنداً الى وحدة العالم الاسلامي.
ونقطة استناد هذه الوظيفة والعاملين لها يلزم ان يكون جيوشاً تعدادها الملايين.
الوظيفة الثالثة:
يسعى "السيد المهدي" لإقامة الشريعة الاسلامية و تنفيذ أحكام القرآن بعد ان لحق العطب بتطبيق كثير من أحكام القرآن، وبعد ان عطلت القوانين الشرعية بعض التعطيل من جراء الانقلابات التي حصلت بمرور الزمن. فيحظى لاداء مهمته الجسيمة هذه بالتأييد المعنوي من جميع المؤمنين، و بمؤازرة الوحدة الاسلامية، وبالتحاق جميع العلماء والأولياء به ولاسيما ملايين الأبطال المضحين من آل البيت الذين يوجدون وبكثرة وقوة في كل عصر من العصور، فيشدون جميعهم أزره و يسندون ظهره في سبيل قيامه بهذه الوظيفة العظمى..
ولما كانت حقيقة الامر هكذا فان انقاذ الايمان وارشاد الناس عامة الى الايمان ارشاداً تحقيقياً بل جعل ايمان العوام تحقيقياً هو اولى وظائف السيد المهدى وارفع مسلك من مسالكه، والذي يقتضى اسم المهدى والمرشد بمعناه وحقيقته، ولأن طلاب النور يرون هذه الوظيفة بتمامها في رسائل النور، تظل الوظيفتان الثانية والثالثة في المرتبة الثانية والثالثة عندهم بالنسبة لهذه الوظيفة الاولى. لذا ينظرون الى الشخص المعنوي لرسائل النور- وهم محقون - نظرة نوع من المهدي، وحيث انهم يظنون في مؤلف رسائل النور - هذا الضعيف - انه ممثل ذلك الشخص المعنوي الناشئ من ترابط طلاب النور، لذا يطلقون احياناً ذلك الاسم عليه ايضاً.
وعلى الرغم من ان هذا التباس وسهو، الاّ انهم ليسوا مسؤولين عنه، لأن الافراط في حسن الظن سارٍ منذ القدم ولا يعترض عليه. وانا كذلك انظر الى حسن الظن المفرط لاخوتى هؤلاء، كأنه دعاء منهم وامنية أن أكون كما يظنون، وأنه ترشح لكمال عقيدة طلاب النور، فلا اعترض عليهم كثيراً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 316
يفهم بهذه التحقيقات تأويل ما شاهده بعض الاولياء السالفين في كشفياتهم ان رسائل النور مهدي آخر الزمان. بمعنى ان هناك إلتباس في نقطتين، فيلزم التأويل:
اولاها: الوظيفتان الأخيرتان "الثانية والثالثة" رغم انهما ليستا في أهمية الوظيفة الأولى من زاوية الحقيقة، الا ان اقامة الحكم الاسلامي في الأرض بجيوش الخلافة المحمدية والوحدة الاسلامية تظهر أوسع ألف مرة من الوظيفة الأولى عند الناس، ولاسيما لدى العوام منهم ولدى أرباب السياسة وبالذات في افكار عصرنا هذا.
حتى اذا ما أطلق هذا الاسم "المهدي" على شخص ما، فان هاتين الوظيفتين هما اللتان تتبادران الى الذهن دون الاولى، مما يوحي - ذلك الاسم - الى معنى سياسي. وربما يورد الى الذهن معنى الاعجاب بالنفس، ولربما يظهر رغبات الشهرة، وذيوع الصيت، والتطلع الى المقامات الرفيعة.
وقد ادّعى قديما - والآن كذلك - كثيرٌ من السذج و المتطلعين الى المقامات العلىا انهم سيكونون "المهدي"!
وعلى الرغم من ان مجددين و مرشدين يهدون الناس الى سواء السبيل قد أتوا ويأتون، فإن أحداً منهم لا يتخذ عنوان "السيد المهدي" الكبير الذي سيأتي في آخر الزمان، وذلك لانه لا يؤدي سوى وظيفة واحدة من الوظائف الثلاث في جهة ما.
ثم ان الخبراء في محكمة دنيزلى قالوا عن طلاب النور حسب اعتقاد بعضهم:
"اذا ادّعى سعيد النورسي انه المهدي فان جميع طلابه يصدّقونه برحابة صدر".
وانا قد قلت لهم في المحكمة:
"انني لا استطيع ان اعدّ نفسي من آل البيت حيث الأنساب مختلطة في هذا الزمان بما لا يمكن تمييزها، بينما مهدي آخر الزمان سيكون من آل البيت. رغم انني بمثابة ابن معنوي لسيدنا علي كرم الله وجهه وتلقيت درس الحقيقة منه، وان معنىً من معاني آل محمد صلى الله عليه وسلم يشمل طلاب النور الحقيقيين، فأعدّ أنا ايضاً من آل البيت، الاّ ان هذا الزمان هو زمان الشخص المعنوي، وليس في مسلك النور - بأية جهة كانت - الرغبة في الانانية وحب الشخصية والتطلع الى المقامات والحصول على الشرف وذيوع الصيت، وكل ذلك منافٍ لسر الاخلاص تماماً.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 317
فأنا اشكر ربي الجليل بما لا نهاية له من الشكر انه لم يجعلني أُعجب بنفسي، لذا لا اتطلع الى مثل هذه المقامات الشخصية التي تفوق حدي بدرجات لا تعد ولا تحصى، بل لو اعطيت مقامات رفيعة اخروية فانني اجد نفسي مضطرة الى التخلى عنها لئلا اخلّ بالاخلاص الذي في النور".
هكذا قلت للخبراء وسكتوا..
***

[لِمَ تركت السياسة؟]
اخي العزيز الوفي السيد رأفت!
اولاً: لمناسبة حوادث جزئية تمسّنا معاً اُخطر على قلبي بشدة لابيّن حقيقة وهي الاتية:
ان طالباً خاصاً للنور من امثالكم لا شك يعرف ان رسائل النور لا تكون اداة لاي شئ كان ولا يُبتغى منها الاّ مرضاة الله سبحانه وتعالى، وهي تعمل على توضيح حقائق الايمان بالذات وقبل كل شئ، وذلك لانقاذ ايمان الضعفاء والحاملين للشكوك والشبهات.
ثانياً: ان اعظم قوة لرسائل النور تجاه معارضيها الكثيرين، هي الاخلاص. فالرسائل مثلما لا تكون اداة لاي شئ كان في الدنيا لا تهتم ايضاً بالتيارات التي تنبني على مشاعر الانحياز والموالاة ولاسيما للتيارات السياسية، وذلك لان عرق الانحياز يفسد الاخلاص ويغيّر لون الحقيقة. حتى ان السبب في تركي السياسة منذ ثلاثين سنة هو ان عالماً صالحاً قد اثنى بحرارة على منافق يحمل فكراً ينسجم مع فكره السياسي. وفي الوقت نفسه انتقد عالماً صالحاً يحمل افكاراً تخالف افكاره، انتقاداً شديداً حتى وصمه بالفسق.
بمعنى ان عرق المنافسة لو اختلط معه التحيز السياسي، لنشأت اخطاء عجيبة مثل هذا. ولهذا قلت: اعوذ بالله من الشيطان والسياسة، فتركت السياسة من ذلك الوقت.


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 318
ونتيجة لتلك الحالة - وانتم اعلم بها - فانني لم اقرأ منذ عشرين سنة جريدة واحدة ولم اهتم بحوادث الحرب طوال عشر سنوات ولم استمع الىها ولم اتلهف لها، بل لم احاول ان اعرف عنها شيئاً. وطوال اثنتين وعشرين سنة من سني الاسر والعذاب لم ادنُ من الانحياز والموالاة الى جهة او الدخول في السياسة، وذلك لئلا يتضرر الإخلاص الذي تحمله رسائل النور. فلم اراجع دوائر الدولة لاجل راحتي، سوى لعرض دفاعاتي امام المحاكم.
ثالثاً: تعلمون انني لا أقبل الصدقات والمعونات، كما لا أكون وسيلة لأمثالها من المساعدات، لذا ابيع ملابسي الخاصة وحاجياتي الضرورية، لأبتاع بثمنها - من اخوتي - كتبي التي استنسخوها وذلك لأحول دون دخول منافع دنيوية في اخلاص رسائل النور، لئلا يصيبها ضرر. وليعتبر من ذلك الاخوة الآخرون، فلا يجعلوا الرسائل وسيلة لأي شئ كان.
رابعاً: رسائل النور كافية لطلاب النور الحقيقيين، فليرضوا بها ويطمئنوا اليها، فلا يتطلعنّ احدٌ منهم الى مراتب اعلى وأسمى، أو منافع معنوية ومادية.
***


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 319
_[حول مصطفى كمال]
ذيل العريضة المقدمة الى رئىس الجمهورية
اضطررت الى كتابتها
ان السبب الاساس لهجوم الحاقدين عليّ هو انهم يسحقونني متذرعين بمودّتهم وموالاتهم لمصطفى كمال. وانا اقول لاولئك الحاقدين:
لقد قلت في حق شخص مات وانتهى امره وانقطعت علاقته بالحكومة: انه سيظهر في آخر الزمان شخص يلحق الاضرار بالقرآن الكريم. قلته قبل ثلاثين سنة استنباطاً من حديث شريف. ثم اظهر الزمان ان ذلك الرجل هو مصطفى كمال. وان الحاقدين الذين يوالونه يعذبونني بحجج واهية منذ عشرين سنة، حيث انني لا اُسند الى مصطفى كمال - خلافاً للحقيقة - مجد وشرف انتصارات الجيش الذي تحدّى العالم ببطولته وتفانيه في الحق منذ خمسمائة سنة.
نعم، وكما اثبتّ في المحكمة: ان الشرف والحسنات والغنائم المادية والمعنوية تسند الى الجماعة وتوزع عليهم، بينما تسند الذنوب والاجراءات الخاطئة الى الرئيس. ففي ضوء هذه القاعدة الحقيقية، فان امجاد الجيش والشرف الذي احرزه بانتصاراته - ولا سيما الضباط الاشاوس الذين تولوا ادارته - لا تسند الى مصطفى كمال. وانما الاخطاء والذنوب والنقائص هي التي تُسند اليه وحده. فالذين يتهمونني بعدم محبتى له انما يقومون بإهانة كرامة الجيش وقدح شرفه، لذا انظر الى هؤلاء انهم خونة الامة؛ واني على استعداد لاثبات هذه الحقيقة لاولئك العنيدين الموالين له كما اثبتّها امام المحكمة:
انني اكنّ حباً لملايين افراد وضباط الجيش المقدام، جيش هذه الامة الطيبة واسعى لصيانة عزته وكرامته وتوقيره ما استطعت الى ذلك سبيلاً. بينما معارضيّ الحاقدين الذين يواجهونني يهوّنون ضمناً من شأن ملايين الافراد بل يعادونهم في سبيل محبة شخص واحد.
نعم، لقد ادركنا بأمارات عديدة، ان الذي يحرّض الحاقدين عليّ بالهجوم، هو معارضتي لمصطفى كمال، وعدم مودّتي له. اما الاسباب الاخرى فهي حجج واهية ومجرد اختلاق. ولهذا اضطررت الى ان اقول لاولئك المعارضين:


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-23-2011
  #10
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: الملاحق - ملحق اميرداغ الاول

الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 320
لقد استدعاني مصطفى كمال الى آنقرة لاجل تكريمي وجعلي واعظاً عاماً لجميع الولايات الشرقية. فذهبت الى آنقرة، الاّ ان المواد الثلاث الآتية جعلتني اتخلّى عن محبته ومودته. فعانيت العذاب طوال عشرين سنة في حياة الانزواء ولم اتدخل في امورهم الدنيوية.
المادة الاولى:
لقد أظهر بأفعاله انه هو الذي اخبر عنه الحديث الشريف الوارد حول ظهور شخص في آخر الزمان يسعى للاضرار بالاعراف الاسلامية. وفسرت هذا الحديث الشريف قبل ست وثلاثين سنة، ثم ظهر معناه مطابقاً في هذا الشخص. وله ايضاح في المادة الثالثة في دفاعاتي امام المحكمة.
المادة الثانية:
ان وجود شئٍ ما وتعميره وحياته، قائم بوجود جميع اركان ذلك الشئ او شروطه، بينما عدمه وتخريبه وموته يكون بفساد شرط واحد. هذه قاعدة حقيقية حتى اصبحت مضرب الامثال في ألسنة الناس: "التخريب اسهل من التعمير".
فبناء على هذه القاعدة الرصينة فان النقائص الفاضحة والدمار الرهيب الظاهر نابعة من اخطاء ذلك القائد. اما الانتصارات الباهرة فهي صادرة من بطولة الجيش فبينما ينبغي ان يكون الامر اسناد السيئات اليه ومنح الحسنات الى الجيش، الاّ ان الامر يكون بخلاف هذا كلياً، اذ تُسند حسنات الجماعة الى من في رأس الامر ويسند شر ذلك الشخص الى الجماعة. وهذا ظلم شنيع.
المادة الثالثة:
ان اسناد حسنات الجماعة وانتصارات الجيش الى القائد الآمر، واعطاء ذنوب ذلك الآمر الى الجماعة بأكملها يعني التهوين من شأن الوف الحسنات وجعلها حسنة واحدة، وجعل الخطأ الواحد الوف الاخطاء. إذ كما ان فوجاً من الجيش لو قتلوا عدواً شرساً فان كل فرد من افراد ذلك الفوج يُمنحون مرتبة المجاهد، ولكن لو اعطيت تلك الرتبة الى آمرهم فقط فان ألف رتبة من رتب "المجاهد" تنزل الى رتبة واحدة فقط. فلو حصلت جريمة قتل نتيجة خطأ ارتكبه قائد ذلك الفوج ثم أُسندت


الملاحق - ملحق أميرداغ/1، ص: 321
هذه الجريمة الى الفوج كله، فان تلك الجريمة الواحدة تتضاعف وتكون في حكم الوف الجرائم، فيصبح الف جندي مثلاً مسؤولين عنها، ومستحقين العقاب عليها.
كذلك الأمر هنا، فان الاخطاء الجسيمة واضحة امام الأعين، فان لم تسند الى ذلك الرجل الميت الذي ارتكبها، واحيلت الى جيش عظيم كريم اظهر جهاده في سبيل احقاق الحق في العالم اجمع وصدّق بسيوفه ودمائه شهادة عزته وكرامته واعلائه لراية القرآن منذ خمسمائة سنة بل منذ الف سنة، فان تلك الذنوب تزداد الى الالوف بعدد اركان ذلك الجيش. فيلطخ الماضي المجيد لذلك الجيش ويشوهه تشويهاً رهيباً مسوّداً تاريخه بلون قاتم مما يجعل جيش هذا العصر مسؤولاً ويذوب خجلاً امام الجيش البطل للعصور السابقة.
وكذلك لو اسندت الانتصارات الباهرة والمفاخر المستحصلة الحاضرة الى رجل واحد فانها تبقى جزئية، وتصبح الحسنات والمجاهدات التي هي بعدد الاركان والافراد في حكم شخص واحد. وينطفئ ذلك الضياء الساطع ويزول ولا يصبح كفارة للذنوب.
فلأجل هذه الاسباب تركت مودّة ذلك الرجل، وكسبت مودة ذلك الجيش الذي خدمت في صفوفه خدمة فعلية مؤثرة، وفي زمان دقيق حرج، وسعيت برسائل النور للمحافظة على شرف ذلك الجيش الذي هو اسمى الف مرة من اي شخص كان.
سعيد النورسي
في اميرداغ
***
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ربيع الاول نوح الصوتيات والمرئيات 2 01-17-2012 07:45 AM
الملاحق - ملحق امير داغ الثاني عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 9 03-23-2011 06:12 PM
الملاحق - ملحق قسطموني عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 14 03-23-2011 05:34 PM
الملاحق - ملحق بارلا عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 8 03-23-2011 05:10 PM
من أسماء القرآن«عربي مبين» صفة لكتاب الله وحجة للحق نزل بلسان العرب ليتحدى فصاحتهم عبدالقادر حمود المواضيع الاسلامية 0 12-17-2010 09:55 AM


الساعة الآن 03:46 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir