أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > المواضيع الاسلامية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 10-05-2010
  #1
محمّد راشد
رحمه الله
 الصورة الرمزية محمّد راشد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 404
معدل تقييم المستوى: 16
محمّد راشد is on a distinguished road
افتراضي دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وىله وصحبه أجمعين
وبعد فهذه دروس في علم المنطق للمبتدئين من تأليف الأستاذ الفاضل بلال النجار, منقولة من منتدى الأصلين
وضعتها للفائدة
ودراسة المنطق وفهم مسائله مقدمة لدراسة العقائد والأصول بل وسائر العلوم لأنه من علوم الآلة.


بسم الله الرحمن الرحيم
قسم التصورات
مبادئ المنطق العشرة

الحمد لله والصلاة والسلام على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فأحمد الله الذي أنطق كل شيء بالحق، وجعل العالم عليه برهاناً ساطعاً، أن بلغني للشروع بإنجاز ما وعدت في رسالة الترحيب، وأسأله جل وعلا أن يخرجنا من ظلمات الوهم، ويفتح علينا بمعرفة العلم، إنه سميع مجيب.
وهذا كلام في علم المنطق أنجمه تقريباً للفهم، وتيسيراً للمبتدي لكي تحسن متابعته، وتتمكن من نفسه معرفته. والله الموفق للسداد، وهو حسبي ونعم الوكيل.

مقدمة

بكسر الدال بمعنى مُتَقَدِّمَة على غيرها. والتقدير هذه مقدمة، فتكون خبراً مرفوعاً لمبتدأ محذوف.
وقد جرت العادة أن يأتي المصنفون ببعض كلام قبل أن يشرعوا في المقصود ويسمونه مقدمة.
وَحَذْوُنا حَذْوَهُم تزبب قبل التحصرم، وهو من علامات الساعة.
ونقول:
نظم أبو العرفان الصبان، مبادي العلوم قال:
إن مبادي كل فن عشرة
وفضله ونسبة والواضع
مسائل والبعض بالبعض اكتفى الحد والموضوع ثم الثمرة
الاسم الاستمداد حكم الشارع
ومن درى الجميع حاز الشرفا
والمنطق فن -أي علم- كغيره من العلوم , فنذكر في هذه المقدمة ما تيسر من مبادئه.
فأما اسمه : فهو المنطق.
وهذا الاسم لفظ مشترك بين ثلاثة معاني:
الأول: مصدر ميمي بمعنى الإدراك الكلي من نطق بمعنى فهم المعاني الكلية.
الثاني : اسم مكان وهو القوة العاقلة التي هي محل صدور تلك الإدراكات.
والثالث : مصدر ميمي بمعنى اللفظ الذي يبين ويظهر فهم المتكلم لهذه الإدراكات أي المدرَكات.
ولما كثر في هذا العلم أمثال هذه المدرَكات، ولما كان يحصل مع تعلمه زيادة وكمال في القوة العاقلة.
ولما لوحظ أن محصِّله عند مراسه تحدث فيه ملكة يُقتدر معها على إدراك معان كثيرة من دالات تبدو فجة وقليلة.
وعلى التعبير عن مراداته من المعاني، بألفاظ توافقها، وتحددها، بأخصر عبارة من دون إخلال، حُقَّ لهذا العلم عند اجتماع ذلك كله فيه أن يسمى بالمنطق.
ويسمى أيضاً معيار العلوم، وعلم الميزان، وسيتبين لك سبب تسميته بذلك، عما قريب إن شاء الله تعالى حين نتناول بالنقد بعض القضايا على أساس من قواعد المنطق.
أما ثمرته أي فائدته وبيان الحاجة إليه: فلما كان العقلاء يناقض بعضهم بعضاً في القضايا التي يحتاج فيها إلى النظر والاكتساب، حتى إن الإنسان الواحد ربما يقول ما يناقض مقالة سابقة له، برزت الحاجة إلى آلة قانونية تفيد في عصمة الأذهان عن الخطأ في الفكر، وتفيد في معرفة طرق تحصيل القضايا النظرية من القضايا الضرورية المسلّمة. ويحتكم إليها في معرفة صحة أو فساد نظر الناظرين.
وعليه فيعرّف المنطق تعريفاً رسمياً بأنه: قانون تعصم مراعاته الذهن عن الوقوع في الغلط.
وسمي المنطق قانوناً لأن مسائله قوانين أي قواعد كلية تنطبق على جزئياتها. وهذه القوانين في الحقيقة هي عبارة عن الإدراكات الكلية للنفس، وهي ما سميناه نطقاً أو منطقاً عند الحديث عن اسم هذا العلم.
ويدل على هذا النطق النفساني أو الباطني النطق بالألفاظ الظاهرة أي الكلام بالحروف والأصوات والمقاطع المعروفة في كل لغة من اللغات.
ويلاحظ مع تعلم المنطق حدة في الأذهان وتفتقها عن دقائق المعاني، وقوة عارضة تتمكن شيئاً فشيئاً في النفس.
ومما يدل على اكتساب النفس لهذه الصفات، ما يظهر معها من اقتدار على اقتناص اللفظ الدال على متعلقه من المدرَكات الكلية، وحسن تفهم المقروء والمسموع، والبراعة في نقده، وطول التأمل وإدمان النظر، وكثرة استخدام القوة الفكرية، والحد من استخدام القوة المخيلة، فيكثر في الصمت الفكر، ويندر الاشتطاط في الخيال وأحلام اليقظة كما يسمونها. وكل ذلك وأضعافه يورثه علم الكلام، فمعه بدء الارتفاع من سفساف الأمور إلى معاليها في كل فعل يكتسب.
وأما نسبته: فإن نسبة المنطق للعقل تشبه نسبة علم النحو للسان المتكلم. فكما أن متعلم النحو كلما ازداد منه تمكناً قل خطؤه ولحنه في تحريك أواخر الكلمات التي يلفظها، حتى إذا رسخت قواعده في نفسه ندر بل ربما استحال عادة عليه أن يلحن.
فكذا المنطقي كلما رسخ في هذا العلم، ندر وقوعه في الخطأ في الفكر، فتعصم مراعاة قواعده الذهن عن الغلط في فكره.
وأما موضوعه : فاعلم أولاً أن موضوع كل علم هو الشيء الذي يُبحث في ذلك العلم عن عوارضه الذاتية .
فمثلاً: الكلمة هي موضوع علم النحو، فإنه يبحث في علم النحو عما يعرض لها من إعراب وبناء.
والبدن هو موضوع علم الطب لأنه يبحث في علم الطب عما يعرض له من صحة واعتلال.
والعناصر موضوع علم الكيمياء فإنه يبحث في الكيمياء عما يعرض لهذه العناصر من تفاعلات وما ينتج عنها من تركب وانحلال، وما ينشأ عن ذلك من صفات للمواد الناتجة، وما يصاحب ذلك من تحولات في الطاقة إلى غير ذلك.
إذا توضح ذلك فنقول: موضوع علم المنطق هو المعلومات التصورية والتصديقية من حيث صحة إيصالها إلى المجهولات . لأن المنطقي يبحث عن أحوال تلك المعلومات التي معها يتوصل إلى المجهولات أي إلى تصورات وتصديقات لم تكن معلومة لديه، فعلمت عند عروض أحوال معينة على المعلومات الأولى، كما يبحث فيما يتوقف عليه هذا الإيصال.
ولا ريب أن هذه الأحوال التي يبحث عنها في المنطق هي أمور عارضة على المعلومات التصورية والتصديقية.
فمثال البحث عن الأحوال العارضة على معلومين تصوريين للتوصل إلى مجهول تصوري: الحكم بأن الجنس كالحيوان والفصل كالناطق إذا ركبا على الوجه المخصوص توصل مع المجموع إلى مجهول تصوري وهو هنا الإنسان.
ومثال البحث عن الأحوال العارضة على معلومين تصديقيين للتوصل إلى مجهول تصديقي: الحكم بأن القضيتين كقول المتكلم: العالم متغير، وكل متغير حادث؛ إذا ركبا على الوجه المخصوص حصل قياس يتوصل معه إلى مجهول تصديقي وهو العلم بأن العالم حادث.
ومثال البحث فيما يتوقف عليه هذا الإيصال والذي هو أيضاً من الأحوال العارضة للمعلومات، فنتركه الآن لأن شرحه يتوقف على فهم مقدمات أكثر لم نأت على ذكرها بعد، وسنأتي على إعادة شرح ما وضعناه في هذه الفقرة.
والمثال الذي تركناه بتفصيل وشرح مطول إن شاء الله تعالى، حين تتوفر للقارئ مقدمات كافية لبحث هذا الأمر معه.
فلا تسأم أيها الأخ الكريم المبتدي، ولا تظنن أن هذا العلم أصعب من أن يفهم. وما عليك في هذه المرحلة إلا أن تقرأ وتجتهد في فهم ما هو موجود، فإن أرتج عليك فهم شيء منه بعد عدة محاولات، فاتركه وامش، لأنا سنعود إلى الكلام في كل ما نقوله مراراً، ونعرضه بطرق مختلفة، ولك أن تسأل وتبحث في الكتب، ونحن بدورنا لن نسأم أو نكل بإذن الله من الكلام مع من يظهر اهتماماً وحرصاً على التعلم.
أما واضع هذا العلم فهو إرسطو الفيلسوف اليوناني الشهير، بمعنى أنه أول من ألّف فيه كتباً.
ووقع في بعض الكتب أن اسمه إرسط بكسر الهمزة وفتحتين على الراء والسين، وهو مختصر من تمام اسمه إرسطاطاليس.
ولا يعيب هذا العلم أن أول من حرر فيه مؤلفاً فيلسوف يوناني؛ كما أننا لا نعيب على الرياضيات ما حرره فيها بعض نوابغ البشر من أمثال فيثاغورس ونيوتن وليبنز وديكارت، ولا على الفيزياء ما توصل إليه آينشتاين وغاليليو وشرودينغر وفارادي وغيرهم. فإن هؤلاء قوم عقلاء، يحترم ما أضافوه لمعارف الإنسان، ولا يلتفت إلى كونهم مسلمين أو لا؛ فإذا برهنوا على قضية ادعوها فاعلم أنها صارت علماً، وكل علم فهو محمود من حيث ما هو علم وهبة من الله سبحانه وتعالى، ولا يخلق بالعاقل أن ينتقص من أي علم من العلوم، وإنما شرف العلوم بشرف المتعلَّم فيها، أي بشرف متعلقاتها ومواضيعها والمبحوث عنه فيها.
واعلم أن كل علم فلا يمكن أن يتنافى مع الشرع، لأن الشرائع لا يمكن أن تأتي بما تحيله وتبطله العقول.
والعلوم كلها تلتقي مع بعضها، ويلتقي مجموعها مع الشرع في تناغم عجيب، يقف العقل أمامه مندهشاً، والجلد مقشعراً، والعين دامعة، واللسان حامداً لمدبر هذا الكون. فسبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم، ودله على نفسه بما لا يحصى من الدلائل التي تحيط بنا وتأسرنا وتملأ سمعنا وبصرنا وحواسنا وأنفسنا، ويمر عليها أكثر من ثلاثة أرباع البشر مصبحين وبالليل دون أن يلقوا لها بالاً، قتل الإنسان ما أكفره!
إذاً فهذا علم شريف، وفضله يعرف بمعرفة أنه من مبادئ علم الكلام الذي هو أشرف العلوم، وأنه من مبادئ علم أصول الفقه، وأن منفعته وفائدته عامة في كل علم من العلوم، فمن ذلك أنه مفيد في إثبات بعض العقائد الدينية بالبراهين العقلية، وتزييف العقائد الباطلة الفاسدة.
واستمداده من العقل كما لا يخفى على المتأمل، فإن النفس تذعن لمسائله، والعقل يوافق عليها ويجدها مغروسة فيه.
ومسائله هي القضايا النظرية الباحثة عن هيئة التعريف والقياس وما تعلق بهما. وسنأتي إلى بيان ذلك إن شاء الله بتفصيل حين نشرع في مسائله.
أما حكم الاشتغال به شرعاً، بعد أن انتهى إلينا منقحاً غير مشوب بكلام الفلاسفة الذي فيه الحق وفيه الباطل، فهذا المنطق المحرر المحمود الذي منه السلم وشروحه، ومختصر الإمام السنوسي، ورسالة إيساغوجي لأثير الدين الأبهري، والرسالة الشمسية للكاتبي، وكتاب تهذيب المنطق لسعد الملة والدين العلامة المحقق التفتازاني: لا خلاف في جواز الاشتغال به، ولا يمنع من طلبه وتحصيله إلا البله ممن لا فهم لهم. بل هو فرض كفاية كما وقع في بعض الكتب.
وأما ذاك المخلوط بالفلسفة فحكي فيه الخلاف على ثلاثة أقوال:
الحرمة وهو قول الإمام النووي وابن الصلاح رحمهما الله تعالى.
والقول الثاني قول الإمام الغزالي رحمه الله تعالى والذي فهم من كلامه إما فرض الكفاية أو الاستحباب، وعبر عن ذلك صاحب السلم بقوله: (وقال قوم ينبغي أن يعلما) يشير إلى ما قاله الإمام الغزالي في المستصفى: (من لا معرفة له بالمنطق لا يوثق بعلمه) وسماه حجة الإسلام معيار العلوم.
والقول الثالث التفصيل: أي جوازه لذكي القلب المتمسك بالكتاب والسنة ومنع غيره.
والله أعلم بالصواب.
محمّد راشد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-10-2010
  #2
الـــــفراتي
عضو شرف
 الصورة الرمزية الـــــفراتي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,649
معدل تقييم المستوى: 18
الـــــفراتي is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

جزاك الله خيراً على الطرح القيم
بارك الله فيك وجعله في موازين حسناتك
وفقك الباري
الـــــفراتي غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #3
محمّد راشد
رحمه الله
 الصورة الرمزية محمّد راشد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 404
معدل تقييم المستوى: 16
محمّد راشد is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

حفظكم الله يا سيدي الفاضل
محمّد راشد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #4
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاك الله خيرا ونفعنا الله بما تتكرمون به علينا من مواضيع نفيسه
اللهم اجعلنا ممن يستمع فيتبع فينتفع باذن الله *
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #5
محمّد راشد
رحمه الله
 الصورة الرمزية محمّد راشد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 404
معدل تقييم المستوى: 16
محمّد راشد is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عبدالرزاق مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
جزاك الله خيرا ونفعنا الله بما تتكرمون به علينا من مواضيع نفيسه
اللهم اجعلنا ممن يستمع فيتبع فينتفع باذن الله *
مرحبا بمرورك أخي الكريم

والعذر منك ومن الأعضاء عن الأخطاء الإملائية فإنها من النسخ واللصق,فالنسخة التي أنقل عنها غير مدقق إملائياً
محمّد راشد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #6
محمّد راشد
رحمه الله
 الصورة الرمزية محمّد راشد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 404
معدل تقييم المستوى: 16
محمّد راشد is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

في معنى العلم الحادث

قيدنا العلم بالحادث لأن العلم القديم الذي هو صفة لله سبحانه وتعالى وحده، لا يمكن لنا إدراك كنهه، كباقي صفات الله سبحانه.
وهو ليس كالعلم الذي نعلمه، كما سيأتي بيانه في آخر هذا الفصل.

والعلم هو: الإدراك الجازم المطابق للواقع.
أي أنه الفهم أو التعقل الصحيح الذي يشهد له الواقع.
ولا يوصف الإنسان بأنه عالم بأمر ما وإن قام في نفسه التصور الصحيح عن ذلك الأمر على ما هو به في الواقع إلا إذا كان إدراكه لذلك الأمر جازماً.
لأن من أهم خصائص العلم الجزم وعدم التردد.
والخصيصة الثانية هي المطابقة للواقع فإن كان المرء جازماً بأمر غير صحيح، فلا يسمى إدراكه علماً. واختلف في أنه هل يحصل الجزم بدون دليل يوجبه، بحيث تقطع النفس بصحة إدراكها، أو لا يحصل إلا بدليل؟.
فقال البعض : إن الدليل شرط كمال للعلم.
وقال بعضهم غير ذلك.
وهذا الأمر مبحوث باستفاضة في كتب المنطق والأصول، وسأكتب إن شاء الله بحثاً صغيراً يتناول تعريفات العلم، وبيان ما نقل عن بعض كبار الأئمة من أنه لا يعرف لعسر ذلك، أو لبداهته، وغير ذلك مما له علاقة بتمييز العلم، وأطرحه للمناقشة في المنتدى قريباً.
وعلى أي حال، يكفينا أن نعرف الآن أن العلم إدراك مخصوص للمعلوم.
وأن الإدراك مطلقاً أعم من العلم.
لأن من الإدراكات أو التعقلات ما هو علمي تقطع النفس بثبوته.
ومنها ما هو ظني تغلّب النفس ثبوته ولكنها لا تقطع، بمعنى أنها تجوز صدقه تجويزاً راجحاً وتجوز عدم صدقه تجويزاً مرجوحاً، ومنها ما هو وهمي يغلب عند العقل أنه غير صحيح.
بمعنى أن العقل يرجح عدم صدقه مع تجويز صدقه تجويزاً مرجوحاً.
ومن الإدراكات ما هو كاذب مخالف قطعاً للواقع، ويسمى جهلاً مركباً.
وقد لا تدرك النفس أمراً معيناً يذكر لها، ويسمى عدم الإدراك هذا جهلاً بسيطاً بذلك الأمر.
أما الشك: فهو توقف النفس في أمر معين بحيث لا تستطيع أن تغلب صدقه أو كذبه.
وهل يسمى الشك إدراكاً أو لا، سنأتي إلى نقاشه في بحثنا الذي أشرنا إليه إن شاء الله تعالى، حيث سنتعمق هنالك بقدر الوسع.
فتحصّل عندنا حتى الآن أن:
العلم إدراك مخصوص , ويلازم هذا العلم على الأقل الجزم ، والمطابقة للواقع.
فإذا فقد أياً من هاتين الخصيصتين فلا يسمى ما قام في النفس علماً.
والظن أدنى منه، لفقده ميزة الجزم، وقد يكون مطابقاً للواقع أو غير مطابق.
ودونه الشك، حيث تتوقف النفس فيه فلا تدري ما تختار من المحتملات عندها.
وهو يختلف عن الجهل في أن توقف الجاهل في إدراك أمر ما سببه أن نفسه لا تعلق بينها وبين ذلك المذكور مطلقاً، فكأنها لم تسمع به مطلقاً، كما تقف مثلاً أمام كلمة مكتوبة بلغة صينية على ورقة بيضاء فاقداً لكل قرينة يمكن أن توحي لك بمعناها، فإنك عندها تتوقف فيها توقف الجاهل بمعناها لا توقف الشاك فيه.
والوهم دون الشك، وقد بيناه.
ودونه الجهل البسيط وهو عدم إدراك الشيء أي عدم العلم به، وقد بيناه.
أما الجهل المركب فهو إدراك الشيء على خلاف ما هو به في الواقع، كمن يعتقد أن الله تعالى له حد، أو أنه جسم، أو أن العالم قديم.
فهذا وإن جزم بهذه الأقوال فإنه لا يمكن أن ينقلب جهله هذا علماً، لأنه غير مطابق للواقع، لقيام الدليل العقلي القاطع على بطلان اعتقاده.
ويمكن أن يعرّف الإدراك بتقسيمه:
إلى تصور , وإلى تصديق.
فأما التصور فهو إدراك الذوات.
وأما التصديق : فهو إدراك نسبة هذه الذوات بعضها إلى بعض بالنفي أو الإثبات.
مثال التصور: إدراكك لمعنى جسم، وحركة ، وسكون، وزيد، وعالم، وحيوان، ونبات، وقديم، وحادث، إلى غير ذلك من الأسماء المفردة، التي وضعها واضع اللغة للدلالة على الذوات التي تعرف عليها عقل الإنسان. تأمل.
والتصديق: هو أن تعلم مثلاً معنى مفرداً كالذرة ثم تعلم معنى مفرداً آخر مثل الانقسام، ثم تنسب الانقسام إلى الذرة.
فتقول: الذرة منقسمة. بمعنى أن الذرة قابلة للانقسام.
ولاحظ أن التصديق أو التكذيب لا يمكن أن يتطرق إلى الألفاظ المفردة الدالة على معاني الذوات، ولكنه يتطرق إلى اللفظ المركب من مفردين، نسب أحدهما إلى الآخر، وهو ما يسمى خبراً أو قضية كما ستعرف لاحقاً.
فهذا القدر الذي يمكنك أن تحكم عليه بالصدق أو الكذب، يسمى إدراكه تصديقاً، ويكون تصديقاً علمياً إذا كان مطابقاً للواقع وجزمت النفس به، بمعنى أنه انكشف للنفس انكشافاً تاماً وثبتت عليه واطمأنت إليه دون تردد.
وأما إدراكنا لمعنى كل واحد من اللفظين المفردين المنتسبين إلى بعضهما هنا، فيسمى تصوراً.
ويكون تصوراً علمياً إذا كان مطابقاً للواقع وجزمت النفس به، أي تحققت فيه خصيصتا العلم اللتين أشرنا إليهما سابقاً.
ودعونا نتقدم خطوة إلى الأمام، قلنا:
إن إدراك المفرد تصور.
وبعبارة أخرى: التصور هو الإدراك غير المشتمل على نسبة حكمية.
فكم من التصورات لدينا في قضيتنا التالية:
حبة الفول منقسمة؟
لدينا أولاً: تصور حبة الفول وهي المحكوم عليه. وكلنا والحمد لله يتصورها.
وثانياً: تصور الانقسام وهو المحكوم به.
وثالثاً: تصور النسبة بين المبتدأ والخبر، أي هذا التعلق بين حبة الفول والانقسام، أي تصور انقسام حبة الفول دون الحكم على هذه النسبة بأنها واقعة أو غير واقعة.
وزاد الإمام الرازي رضي الله عنه تصوراً رابعاً وهو: تصور هذه النسبة واقعة أو ليست بواقعة.
أي حكم الناظر بأن حبة الفول منقسمة، أو حكمه أنها ليست بمنقسمة.
وسمى الإمام مجموع هذه التصورات الأربعة تصديقاً.
فيكون التصديق عند الإمام مركباً وكل تصور من هذه التصورات هو جزء من التصديق.
أما عند الحكماء (الفلاسفة) فالتصورات الثلاثة الأولى أي تصور الطرفين والنسبة بينهما هي شروط غير داخلة في حقيقة التصديق، لأن التصديق عندهم هو الحكم الذي هو التصور الرابع عند الإمام.
فيكون التصديق بسيطاً عند الحكماء لا مركباً.
وقد نعرض عما قريب في منتدانا العامر إن شاء الله، إلى منشأ الخلاف بين الفريقين، وما ينبني على هذا الخلاف، كما سنحقق أكثر في مفهوم النسبة، وأنواعها، وما هي النسبة التي يسمى إدراكها تصوراً، وما هي النسبة التي يسمى إدراكها تصديقاً، وعلى أي وجه يتم ذلك.
وحبذا لو يبحث بعض المهتمين في ذلك فيكتب سطوراً يلخص لنا فيها هذه الأمور ثم نتباحثها جميعاً.
ثم بعد أن عرفنا ما هو العلم، وقسمناه إلى تصور وتصديق، ووقفنا على الفرق بينهما على عجل
فاعلم:
أن كلاً من التصور والتصديق إما أن يكون بديهياً أي يحصل للنفس بالاضطرار ودون تأمل ونظر واكتساب، أو يحتاج في حصوله إلى ذلك ويسمى نظرياً أو كسبياً.
ومثال التصور البديهي تصورك لوجودك، ولمعنى أرض أو سماء أو زيد المعروف لديك، أو الواحد، أو الكثير، وأمثال ذلك من المفردات، فإنه بمجرد ذكرها ينكشف معناها للنفس ودون روية وفكر.
ومثال التصور النظري إدراكك لحقيقة الإنسان أو الذرة أو الحاسوب الذي تجلس أمامه، وأمثال ذلك من الحقائق التي تحتاج إلى إدراك أشياء قد تقل أو تكثر قبل أن تتمكن من إدراك حقيقتها.
وذلك يحتاج منك إلى نظر وكسب وبذل جهد فلذلك سميت أمثال هذه التصورات كسبية أو نظرية.
ومثال التصديق البديهي التصديق بأن الواحد نصف الإثنين، أو أن الكل أكبر من جزئه، أو أن زيت الخروع مسهل، وأن الشمس تطلع في النهار، وتظهر من الشرق، وأمثال ذلك من القضايا التي بمجرد أن تتصور طرفيها تصدق بها دون نظر أو فكر.
وقد يحتاج فيه إلى التنبيه إذا لم يكن شيء من التصورات اللازمة له مألوفة للعقل، ففي مثالنا على زيت الخروع قد يتوقف السامع في التصديق بهذه القضية لأنه لم يألف اسم زيت الخروع، فإنه قد يستخدم في بلده اسماً آخر له فيقال له زيت الخروع هو ما تسمونه كذا وكذا في بلادكم، فإذا تصوره وافق على ما نقول. وهكذا في باقي التصورات التي تتألف منها القضية.
وأما مثال التصديق النظري فهو كقولنا: العالم حادث، فإن كثيراً من الناس سوف ينازعوننا في ذلك
وكقولنا: محمد رسول الله إلى العالمين.
أو قولنا: إن الإمام الحق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه.
وقولنا: إن الإمام لا تشترط فيه العصمة.
وغير ذلك من القضايا التي يخالفك فيها ملايين الناس.
فهذه تحتاج منهم لكي يوافقوا عليها أن يطلعوا على مقدمات ترتب في صورة معينة، بحيث إذا سلموا تلك المقدمات سلموا هذه القضايا الناتجة عنها.
فمثلاً إذا سلم لك الخصم أن (العالم متغير) وسلم لك أن (كل متغير فهو حادث) لزمه أن يسلم بأن (العالم حادث).
ويسمى ما يتوصل به إلى التصديق بالحجة، وسنأتي إليها بتفصيل لاحقاً.
ويسمى ما يتوصل به إلى تصور بالقول الشارح أي التعريف أو المعرّف أو الحد.
وسنأتي عليه بتفصيل قريباً عند بحثنا للمعرفات.
واعلم أن بعض العلماء المتقدمين سموا إدراك المفردات معرفة، وسموا إدراك النسب الخبرية علماً.
استناداً إلى قول النحاة: المعرفة تتعدى إلى مفعول واحد، والعلم يتعدى إلى مفعولين.
وهو نظر لطيف، ولا مشاحة في الاصطلاح، إذ لا اختلاف بيننا وبينهم في مفهوم قسمي العلم، وما أثبتناه هو ما استقر وجرى عليه المتأخرون.
وبعد أن بان لك ما بان، فإنك تعرف الآن أن:
العلم الذي نعلمه إنما ينقسم إلى تصور وتصديق، وعلم الله سبحانه لا ينقسم، فكيف يتعدد علمه
تعالى ويتنوع، وهو صفته الواحدة، وهو الواحد في ذاته وصفاته وأفعاله.
وتعرف الآن أن هذا العلم منه بديهي ومنه كسبي، والله تعالى عالم بجميع المعلومات علماً قديماً لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وليس شيء من علمه ليس بحاصل ليحصل ببديهة أو بكسب تعالى الله وتنزه عن ذلك.
ثم إن العلم الذي بين أيدينا مفسر بالإدراك، وهو وصول النفس إلى تمام المعنى، وهذا الوصف للعلم يتنافى مع القدم الموصوف به علم الله تعالى.
وكذلك فإن هذا الوصف إنما يتصور في الأجسام والأنفس حيث تنطبع صور المعلومات.
وفي وصف علمه تعالى بأنه تصور أو تصديق وإن أريد به معنى صحيح، إيهام بأنه تعالى جسم، أو أن له نفساً تنطبع فيها الصور، كيف وهو الذي ليس كمثله شيء سبحانه.
ومن أراد الاستزادة فليراجع مبحث العلم في محله من كتب الكلام. فإنه يجاب بأكثر من ذلك عن هذه المسألة.
وأخيراً: إذا لم تستطع أن تضبط المفرد، فلا تبتئس بما صنعنا، فسنعود إلى الكلام في المفرد والفرق بينه وبين المركب في الدرس القادم أو الذي يليه عند الشروع في إيساغوجي، أي مبحث الكليات الخمس.
وإنما نبذل جهدنا، والتوفيق من الله تعالى.
محمّد راشد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #7
حمامة المدينة
مشرفة القسم العام وقسم التراث والتاريخ
 الصورة الرمزية حمامة المدينة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2009
المشاركات: 645
معدل تقييم المستوى: 15
حمامة المدينة will become famous soon enough
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

موضوع قيم وجميل شكرا لكم على هذا النقل الطيب وبارك الله فيكم
__________________
حمامة المدينة غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #8
عبدالرحمن الحسيني
محب نشيط
 الصورة الرمزية عبدالرحمن الحسيني
 
تاريخ التسجيل: May 2010
المشاركات: 285
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرحمن الحسيني is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

بسم الله الرحمن الرحيم
موضوع قيم وجميل شكرا لكم على هذا النقل الطيب وبارك الله فيكم
__________________
ابو خالد الحسيني
عبدالرحمن الحسيني غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

بارك الله بكم سيدي راشد متابعون وننتظر البقية
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-11-2010
  #10
محمّد راشد
رحمه الله
 الصورة الرمزية محمّد راشد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 404
معدل تقييم المستوى: 16
محمّد راشد is on a distinguished road
افتراضي رد: دروس المنطق للمبتدئين_التصورات 1

حمامة المدينة
عبد الرّحمن الحسيني
الحسيني


أسعدني مروركم, وأرجو الله أن يتمم فننهي البحث.
محمّد راشد غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
دروس مستفادة من الهجرة محمد الميانى المواضيع الاسلامية 0 12-13-2014 01:11 AM
الإخلاص لله أهم دروس الهجرة المباركة ساره المواضيع الاسلامية 5 11-01-2013 01:16 PM
أهم دروس رحلة الإسراء والمعراج حمامة المدينة المواضيع الاسلامية 4 06-02-2013 01:59 AM
دروس في البرمجة اللغوية العصبية Nlp ... ابوعبدالله القسم العام 5 08-26-2009 04:54 PM
دروس في الحب مروه المواضيع الاسلامية 4 05-08-2009 04:11 PM


الساعة الآن 04:08 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir