أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك           

القسم العام المواضيع العامة التي ليس لها قسم مخصص

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 09-04-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي سوق الحرامية


إسماعيل ديب

كنت مغرماً منذ الصغر بالتراث وكل ما يتعلق به، وكانت لي جولة يومية في سوق شعبي تباع فيه أشياء تراثية يدعى “سوق الحرامية” في دمشق، وهي تسمية قديمة يقال إنها بسبب أن اللصوص “الحرامية” منذ زمن كانوا يبيعون ما يسرقونه في هذا السوق، إلا أنه في حقيقته سوق للفقراء الذين جار عليهم الزمن وتضطرهم ظروف الحياة الصعبة والقاهرة إلى بيع محتويات بيوتهم من أثاث وثياب، وربما بيع أعزّ ما يملكون من أشياء ثمينة، قد تمثل أجمل الذكريات، وأحياناً بيع ثيابهم التي يرتدونها، وأحياناً أشياء وخردوات ليس لها قيمة مادية تذكر، فقد تجد من يبيع أغطية القوارير وملاعق، وأشياء لا تخطر على بال، ولكل بائع من هؤلاء قصة أشد حزناً من الأخرى، وكثيراً ما كنت أتوقف لأتأمل وجوهاً شاخت وهي في مقتبل الشباب، وقد حفر فيها الزمن المرّ أخاديد عميقة تؤرخ لأيام من العذاب والبؤس والألم، وتقرأ فيها معاني قهر الرجال، وقد ابيّض شعر الرأس من شدة الكرب وحلكة الأيام.

رجل يعرض صورة طفلة صغيرة في إطار خشبي “برواز” صنع بيدين ماهرتين للبيع، يمر المتسوقون من أمام شبح رجل، يحمل أحدهم الصورة، فيأخذ البائع الشبح نَفَساً عميقاً، متمنياً ألا يعجب “البرواز” بصورته الزبون، ويتنفس الصعداء حين يعيد هذا الزبون الصورة إلى الأرض، حامداً الله في نفسه على أنها لم تعجبه، مع غصة في الحلق حين يتذكر “أفواها وأرانب” جائعة تنتظره، ليعود بالخبز وما تيسّر من فلافل أو فول.

ولا أدري ما الذي اعتراني حين انحنيت لألتقط تلك الصورة في الإطار الخشبي، شعرت بأن يدي ترتجف، وتكاد تُشل، وأنا أنظر في عينين غائرتين في وجه بائع شبح هو أشبه بأهل الكهف، أو وجه شيخ البحر وقد تكسرت عليه أمواج الحياة، مع طيبة تسع الأرض وما عليها، وصورة طفلة في الإطار تبدو في عينيها براءة ممزوجة بالحزن والألم، ووجدته يلاحق بنظراته يدي المرتجفة، وأنا أتأمل تارة الصورة التي تشبه شبهاً كبيراً وجه رجل رأيته من قبل، وتارة أخرى وجه عارض الصورة، لتنحدر دموع عينيه مجيبة عن تساؤل يدور في خلدي: نعم إنها صورة حفيدتي ولو أردت الإطار فخذه، ولكن رجاء أعطني الصورة، وفجأة وجدت نفسي وصديقي واقفين وحيدين والناس من حولنا يتراكضون، هرباً من شيء ما، ليقف رجل شرطة البلدية يصادر محتويات “البسطة”، فدسست الصورة تحت معطفي، راجياً إياه ترك هذا المسكين، ولكن دون جدوى فقد كان بلا أذنين فانتظرت حتى ذهبت دورية “البلدية”، لأعيد للجد صورة حفيدته وبقيت أتردد يومياً إلى السوق، ولكنه لم يعد بعد ذاك اليوم!




أبو العلاء المعري:
إذا صاحبتَ في أيام بؤسٍ ............. فلا تنسَ المودّةَ في الرّخاء

ومن يُعْدِمْ أخوه، على غناه ............. فما أدّى الحقيقةَ في الإخاءِ

ومن جعلَ السخاء لأقربِيه .............. فليس بعارِفٍ طُرُقَ السّخاءِ


عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:37 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir