أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           لا إله إلا الله وحده لا شريك له،له الملك وله الحمد،يُحيي ويُميت،وهو حي لا يموت،بيده الخير وهو على كل شئ قدير           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > الآذكار والآدعية

إضافة رد
قديم 03-09-2009
  #1
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

بسم الله الرحمن الرحيم


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



الاحبة الكرام حفظكم الباري

هذا الموضوع( ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة )للاخ في الله الحسين اشبوكي
وقد وجدت فيه روحا طيبة فنقلته لكم واخذت اذنه بنشره فسمح لي بذلك مشكورا


ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

--------------------------------------------------------------------------------

تمهيد:

الحمد لله الذي جعل نبيه الكريم نور الوحي والرسالة، فكان أول من أصابه من نوره عز وجل العظيم ليخرج الناس من الضلالة، وصلى وأمر الملائكة بالصلاة عليه فنفذوا الأمر دون ملالة، وأمر المؤمنين بذلك في كتابه العزيز فكان لهم في ذلك وللناس أجمعين أعظم دلالة.

فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله الذي أخرجته للناس من أطهر سلالة، ومكنت ذريته من الظهور والانتشار، رغم أنوف أصحاب النذالة، فكانوا نبراسا منيرا لأجيال الأمة أصحاب مهابة وجلالة.

أما بعد،
فإن عنوان هذا المشروع لم يكن إلا أملا من أمالي الجسام، لأصل إلى أكثر من ألف دلالة في موضوع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وليتني في هذا الجهد المتواضع وصلت إلى جمع مائة دلالة، ذلك لأن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محور عظيم وأصل جسيم يضم مواضيع عديدة ومتنوعة، فالتأمل في قضاياها والتمعن في مسائلها والتدبر في تفاصيلها سيثمر العديد من الدلالات التي تنير لنا طريق المتابعة النبوية أكثر فأكثر.

وقد استعنت في جمع هذه الدلالات بكتب نفيسة في الموضوع، كمطالع المسرات بشرح دلائل الخيرات للإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله، والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للحافظ السخاوي رحمه الله، وجلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام للإمام ابن القيم رحمه الله.. .

والله أسأل أن ينفع به، ويكون استمرارية لغيره من الكتب التي ألفت في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولبنة جديدة في سياق تنوير الأمة بفضائل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وخصائصه.


(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)

بين يدي الآية الكريمة:

هذه الآية الكريمة من أعظم الآيات القرآنية التي شرف الله بها رسوله عليه الصلاة والسلام حياته وكذلك موته، ذلك لأن بعثة الحبيب المصطفى لم تكن لأهل وقته وزمانه فحسب بل هي خالدة إلى يوم القيامة، كما أن التبشير به كان على لسان كل الأنبياء والرسل الذين سبقوه من جهة الزمن وسبقهم هو في سائر الفضائل والمزايا والخصائص وخصوصا من جهة ختمه لكل الرسالات السماوية.

وهذا التشريف المحمدي بقوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي) أعظم وأجمع من تشريف سيدنا آدم عليه السلام بأمر الملائكة له بالسجود، لأنه لا يجوز أن يكون الله مع الملائكة وباقي أهل العالمين العلوي والسفلي في ذلك التشريف الآدمي.

فالتشريف المحمدي نص في الفعل الإلهي ثم الفعل الملائكي التابع للأمر الإلهي، أما التشريف الآدمي فهو نص في الأمر الإلهي للملائكة فقط.

وكذا يقال في المقارنة بين هذا التشريف بالصلاة الإلهية على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبين سائر ما خص الله أنبياءه ورسله من فضائل وخصائص.

يكفي في الإشارة إلى ذلك ما أخذه الله من عهد وميثاق على الأنبياء جميعا أن يؤمنوا بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاتما للنبوة وأن يتبعوه إن أدرك أحدهم زمانه.

قال سيدنا علي كرم الله وجهه: لم يبعث الله نبيا من آدم فمن بعده إلا أخذ عليه العهد في ـ سيدنا ـ محمد صلى الله عليه وآله وسلم لئن بعث وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، ويأخذن العهد بذلك على قومه هـ.

ولا شك أن المرحلة التي عرفتها البشرية منذ ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى غاية وفاته كانت مرحلة استثنائية إذ حل بين الناس من عظمه الله وزكاه وجعله خليلا له وحبيبا واختاره خاتما للرسل وخصه بآخر الكتب الإلهية القرآن الكريم.

ولجلال هذه الحياة المحمدية ورفعتها أقسم الله تعالى بمدة حياة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبحانه: (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون)، وهذه من نهايات التعظيم ومنتهى غايات البر والتشريف.

قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما خلق الله تعالى وما ذرأ وما برأ نفسا أكرم عليه من ـ سيدنا ـ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وما سمعت الله تعالى أقسم بحياة أحد غيره هـ.

ومن ثم كانت وفاة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم بداية العد العكسي لوجود الحياة على ظهر هذه الأرض وعلامة من علامات قرب الساعة وفناء العالم.

فما المئات الأربعة عشر التي هي مدة الأمة المحمدية إلى اليوم إلا أمارة على دنو يوم الدين.

ففي صحيح البخاري عن عَوْفَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ مَوْتِي ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمِ ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنْ الْعَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا.

ولذلك جاءت الآية الكريمة لتؤكد بطريق غير مباشر أن موت الرسول الإنسان لا يعني موت الرسالة، بل لا يعني حتى موت الرسول الحبيب والخليل، ما دام الله سبحانه وتعالى يصلي عليه هو وملائكته في كل وقت وحين.

فعَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ:
إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ قُبِضَ وَفِيهِ النَّفْخَةُ وَفِيهِ الصَّعْقَةُ فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ.
قَالَ: قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تُعْرَضُ صَلَاتُنَا عَلَيْكَ وَقَدْ أَرِمْتَ؟ يَقُولُونَ: بَلِيتَ. فَقَالَ:
إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ.
وفي رواية:
لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس.

وفي حديث آخر:
صلوا علي وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم.

وفي حديث آخر:
إن لله في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام.

وعن بكر بن عبد الله المزني: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم فإذا أنا مت كانت وفاتي خيرا لكم تعرض علي أعمالكم فإن رأيت خيرا حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم.

فبقدر ما كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة مهداة للعالمين جميعا، بقدر ما كانت وفاته أيضا رحمة بأمته.

فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
إذا أراد الله رحمة بأمة قبض نبيها قبلها فجعله لها فرطا وسلفا.

ولا شك أن جلسات الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترسخ في نفوسنا هذه المرجعية بكل ما لها من حقوق على الأمة، فسلفنا الأول المقدم هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

هذا من جهة الزمان، أما من جهة المكان فقد كان حلول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على وجه هذه البسيطة وتحديدا في البلد الأمين حدثا عظيما. ولهذا أقسم الله عز وجل فقال: (لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد).

كما أن حلول جسده الطاهر في مضجعه وقبره الشريف بالمدينة المنورة جعل هذه البقعة الطاهرة مركزا لكل الأنوار الظاهرة في أمته من بعده صلى الله عليه وآله وسلم.

ومن ثم أعلن سبحانه إعلاءا لمقام سيدنا محمد أن العذاب مرفوع عن مكة المكرمة جمعاء ما دام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي بين ظهراني قومه: (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم)، فلما خرج صلى الله عليه وآله وسلم مهاجرا من مكة إلى المدينة وبقي بمكة من بقي من المؤمنين، أعلن سبحانه أن العذاب سيبقى مرفوعا عن مكة ما دام فيها من يستغفر الله من أمة سيدنا محمد وصحابته: (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون).

ومن ثم كانت الآية الكريمة الآمرة بالصلاة على رسول الله واضحة في بيان منزلة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الله عز وجل. وهي، أي هذه المنزلة، من وسع عظمتها وعلو رفعتها لا يعرفها على الحقيقة إلا الله سبحانه.

يكفي في الدلالة على ذلك أن الله قد أمر فيها أهل العالم السفلي بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعا.

بل أين صلاة العالم السفلي من صلاة العالم العلوي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحصينا أعداد الملائكة التي هي ملائكة الله، إذ منهم الملائكة المقربين، وحملة العرش، وسكان سبع سموات، وخزنة الجنة والنار، وملائكة الرحمة وملائكة العذاب، والحفظة على الأعمال، والحفظة على بني آدم، والموكلين بالبحار والجبال والسحاب والأمطار والأرحام والنطف والتصوير، ونفخ الأرواح في الأجساد، وخلق النبات، وتصريف الرياح، وجري الأفلاك والنجوم، وكتابة الناس يوم الجمعة، والتأمين على قراءة المصلين، والتأمين على قول: ربنا ولك الحمد، والداعين لمنتظر الصلاة، والسياحين في الأرض المتتبعين لمجالس الذكر، والمكلفين بإبلاغ صلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وفي هؤلاء وغيرهم ملائكة الليل وملائكة النهار، إلى آخر لائحة أصناف الملائكة.

ولهذا امتن الله سبحانه على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فخاطبه عز وجل وقال:
(ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك).

قال قتادة رحمه الله: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله هـ.

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
أتاني جبريل عليه السلام فقال: إني ربي وربك يقول: تدري كيف رفعت ذكرك؟ قلت: الله ورسوله أعلم، قال: إذا ذكرت ذكرت معي.

ومن ذكره سبحانه أن قرن طاعته صلى الله عليه وآله وسلم بطاعته: (من يطع الرسول فقد أطاع الله)، ومبايعته بمبايعته: (إن الذين يبابعونك إنما يبايعون الله). والرجوع إليه بالرجوع إليه سبحانه: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول)، والإيمان به بالإيمان به عز وجل: (فآمنوا بالله ورسوله)، وعصيانه بعصيانه تعالى: (ومن يعص الله ورسوله..).

فإن كانت ملائكة الله عز وجل ترابط منتشرة في كل ذرات هذا الكون بل وفي الوجود بأسره فكيف لنا أن نعي كنه وحقيقة هذه المنزلة المحمدية والله سبحانه ما فتئ يصلي عليه هو وملائكته يوما بعد يوم وساعة بعد ساعة ودقيقة بعد دقيقة وثانية بعد ثانية إلى ما لا حصر له ولا عد؟!

وهو ما أشار إليه فعل المضارع من قوله تعالى: (إن الله وملائكته يصلون على النبي)..

قال الحافظ السخاوي رحمه الله: والآية بصيغة المضارعة الدالة على الدوام والاستمرار، لتدل على أنه سبحانه وتعالى وجميع الملائكة يصلون على نبينا صلى الله عليه وآله وسلم دائما أبدا. وغاية مطلوب الأولين والآخرين صلاة واحدة من الله تعالى، وأنى لهم بذلك؟! هـ .

وقال: بل لو قيل للعاقل: أيما أحب إليك: أن تكون أعمال جميع الخلائق في صحيفتك أم صلاة من الله تعالى عليك؟ لما اختار غير الصلاة من الله تعالى، فما ظنك بمن يصلي عليه ربنا سبحانه وتعالى وجميع ملائكته على الدوام والاستمرار هـ.

قال الشيخ محمد عوامة حفظه الله في التعليق على هذا القول: وكأن ذلك لأن الأعمال بين القبول والرد ـ يقصد أعمالنا ـ، أما الصلاة من الله تعالى فلا هـ.

ولهذا قرر تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه العزيز أن أجره دائم وثوابه لا ينقطع بل ولا يأخذه عد ولا من فقال له سبحانه: (وإن لك لأجرا غير ممنون).

فالتحقيق في زمن نزول الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهل كان في ليلة الإسراء أو في السنة الثانية من الهجرة كما اختلف في ذلك المحدثون لا يلتفت إليه أمام حقيقة الصلاة الإلهية الدائمة المستمرة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم التي توحي بأنها كانت ولازالت صلاة أزلية أبدية.

ولهذا انعقد الإجماع على أن في هذه الآية من تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتنويه به ما ليس في غيرها.

ولهذا تأول بعض العلماء قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
وجعلت قرة عيني في الصلاة.
أي في صلاة الله عليه صلى الله عليه وآله وسلم وملائكته وأمره الأمة بذلك إلى يوم القيامة. فافتخر صلى الله عليه وآله وسلم بصلاة الله عز وجل وصلاة ملائكته.

ومن كرامات هذه الآية الكريمة ما ذكره ابن أبي الدنيا عن ابن أبي فديك: سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتلا هذه الآية: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، ثم قال: صلى الله عليك يا سيدنا محمد، حتى يقولها سبعين مرة، ناداه ملك: صلى الله عليك، يا فلان لم تسقط لك حاجة هـ.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #2
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

مقام المحمودية:

مهما حاولنا التسلق والجري بأذهاننا وراء معرفة الحقيقة المحمدية والمقام المحمدي المحمود فإن محاولاتنا عاجزة عن تحديد درجة محمودية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن مقامه الشريف بفعل صلاة الله عليه الدائمة يرقى في كل لحظة وحين وفي أقل من اللحظة والحين.

فمن عظم مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن عقول البشرية كلها لا تستطيع إدراك ذلك، ولا أن يحوموا حول حماه.

ويكفي في الدلالة على ذلك التمعن في معرفة أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم وخصوصا في معرفة اسمه محمد.

قال أبو عبد الله البكي في شرح الحاجبية:
وهو في اللغة الذي يحمد حمدا بعد حمد، ولا يكون "مفعل" إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد مرة، فهو اسم مطابق لذاته ومعناه صلى الله عليه وآله وسلم إذ ذاته محمودة على ألسنة العوالم من كل الوجوه حقيقة وأوصافا وخلقا وخلقا وأعمالا وأحوالا وعلوما وأحكاما، وجميع عوالمه المتنزل لها والظاهر بها.
فهو محمود في الأرض وفي السماء، وهو أيضا محمود في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا ما هدى إليه ونفع به من العلم والحكمة وفي الآخرة بالشفاعة، فقد تكرر معنى الحمد ـ كما يقتضي اللفظ ـ، ومع ذلك فهو الحامد إذ ما حمده أحد إلا بما علمه إياه إذ هو نبي الجميع فهو الحامد.
وإن شئت قلت: هو الحامد لله تعالى على الإطلاق بالتحقيق، وبحمده لله حمده الله على ألسنة عباده، فهو الحامد المحمود إلا أنه أخص من حيث تنزل الأمر ومبتدأ الفاعلية بالأحمدية ومن حيث بلوغ الأمر ومنتهى المفعولية بالمحمودية، فكان اسمه في السماء "أحمد" وفي الأرض "محمد"، فهو صلى الله عليه وآله وسلم خير من حمد وأفضل من حمد.
وعلى التحقيق لم يحمد ولم يحمد إلا هو، وكيف لا؟! ولواء الحمد بيده وهو صاحب المقام المحمود الذي يحمده فيه الأولون والآخرون هـ.

وقال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه عند شرحه لاسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: وحيد:
يقال فلان واحد ووحيد، أي منفرد. وهو صلى الله عليه وآله وسلم الوحيد في مقامه وحاله وعلومه وأسراره وأنواره وأخلاقه وسيره وشمائله وفضائله وحسنه وإحسانه ومعراجه وارتقائه إلى حيث لم يبلغه سواه، وشريعته وعقله وجاهه وتعلق سائر الخلق به، لا ثاني له في شيء من ذلك كله، وهو أول المخلوقات، فكان واحدا أيضا لا ثاني له قبل خلق الخلق، والله أعلم هـ.

وقال أيضا عند شرحه لاسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: طاهر: فهو الطاهر في نفسه حسا ومعنى، المنزه عن كل ما لا يناسب علي منصبه، والطهارة: النظافة والنقاء والنزاهة والخلوص من العيب.
أما الطهارة الحسية فكل شيء منه صلى الله عليه وآله وسلم طاهر، وقد نص العلماء على طهارة النطفة التي تكون منها صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجوها من الخلاف الذي في طهارة المني، ونصوا أيضا على أن جسده الطاهر الشريف طاهر بعد الموت وأخرجوه من الخلاف الذي في طهارة جسد الآدميين بعد الموت، ونصوا أيضا على طهارة جميع فضلاته، وأخذوا ذلك من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لمالك بن سنان وعبد الله بن الزبير على شرب دمه، وأم أيمن وأم يوسف على شرب بوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأما الطهارة المعنوية فقد برأه الله تعالى من كل خلق ذميم ونزهه عنه وأكرمه بكل خلق كريم وأثنى عليه به، وعصمه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله وجميع أحواله عن كل ما لا يرضاه له صلى الله عليه وآله وسلم هـ.

وقال أيضا عند شرحه لاسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: مطهر: فهو بمعنى اسمه طاهر، إلا أن الطاهر منظور فيه إلى طهارته صلى الله عليه وآله وسلم في نفسه، ومخبر فيه بذلك من غير نظر إلى الذي فعل به ذلك، والمطهر منظور فيه إلى الذي طهره ومفيد أن تلك الطهارة هي بفعل فاعل أرادها منه وخصه بها وإظهارا للعناية به، وذلك الفاعل لا تمتري العقول في أنه الله سبحانه، ومشير إلى قوله تعالى: (ويطهركم تطهيرا) هـ.

وقال أيضا عند شرحه لاسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: طيب: فلا ريب أنه صلى الله عليه وآله وسلم أطيب الطيبين ولا أطيب منه، وحسبك أن عرقه كان أطيب الطيب، وكان من توصل إليه يجعله في طيبه، ومن تطيب به عبقت رائحته وشمها أهل المدينة وعلموا به، ولا يجدون له شبها في الطيب، وكان لا يمر في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه من طيب عرقه وعرفه هـ.

وقال أيضا عند شرحه لاسم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم: جامع: لأنه صلى الله عليه وآله وسلم الجامع لما افترق في غيره من الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام وكذا الأولياء والعلماء رضي الله عنهم، وكيف لا؟! وهم صور تفصيله وخلفاؤه ومظاهره وتعيناته، فما منهم إلا وهو سابح في نوره وممتد من بحره، كل على حسب مقامه، وكل خير وبركة قلت أو جلت منه حصلت، وبطلعته ظهرت، وعنده امتد للوجود كله كما امتدت الشجرة عن البذرة، وهو بذرة الوجود، وأقرب موجود، ويعسوب الأرواح، وهو الروح الأعظم وآدم الأكبر، وهو ذو الكلمة الجامعة والرسالة المحيطة، وهو الجامع للخلق على الله والجامع لشملهم بتأليفه بينهم وجمع شتاتهم، والجامع لدوائر الخيرات والرسالات والنبوات والحقائق العيانية وأسرار التوحيد الربانية وجوامع الغيوب الفردانية هـ.

وهكذا نستشف درجة محمودية النبي صلى الله عليه وآله وسلم التي لا تحد ولا تدرك بالحس ولا بالمعنى من خلال سائر الأسماء المحمدية التي جعلت حبيبنا صلى الله عليه وآله وسلم كما أشارت إلى ذلك بعض أسمائه مقف لجميع الخلق، وهو، أي هذا الاسم الكريم: مقفي، بدوره من أعظم أسمائه الدالة على كرم ذاته وفضله.
قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في ذلك: وهو على وزن مفعل، أي جعلني الله مقفيا حتى نهضت في الفضائل ودرجات القرب حتى قفيت الكل وجعلتهم خلفي وورائي يتبعوني في كل عمل وفضل جسماني وروحاني.. هـ.

وهو نفس مدلول ما جاء في اسمه صلى الله عليه وآله وسلم باللغة السريانية بقولهم المنحمنا، وهي كما سيدي عبد العزيز الدباغ رضي الله عنه عبارة عن كلمتين: المن وحمنا، ومعناها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو النعمة التي بلغت الغاية ولم يدركه سابق ولاحق.


***

لا إله إلا الله سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

وفي غياب مثل هذا البيان يظل الإنسان على طبيعته من استصحاب أفكار وتصورات مشوبة بألوان الشك والحيطة والحذر حول شخصيات العالم المحيط به، مهما علت في الفضل وتميزت بالمكرمات.

فطبيعة الإنسان في أصل خلقتها ميالة إلى التحرر من ربقة تقديس الأشخاص مهما ظهر كمالهم وبرز إلى الوجود فضلهم. إلا إذا اعتلت هذه الطبيعة فسقطت في فخ الاستعباد البشري.

فالشهادة أن سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم رسول الله لا تكون إلا بعد الشهادة أن لا إله إلا الله. وهو النسق الإلهي يأتي في نفس السياق الطبيعي الذي خلقت فيه النفس البشرية.

فالإنسان مجبول بطبيعته للاقتداء والتخلق بربه وخالقه، وهو وجه من وجوه صياغة الله لتشريع الصلاة على رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم، وكأن الله عز وجل يقول لنا: إذا كان ربكم سبحانه يصلي على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فتخلقوا أنتم بذلك فصلوا عليه. وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة من تقديم الإعلام بصلاته تعالى عليه هو وملائكته على أمر المؤمنين بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم.

ويقول الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالع المسرات بجلاء دلائل الخيرات في سياق الدلالة على هذا المعنى وبيان مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم:
وللأداء لبعض ما يجب له صلى الله عليه وآله وسلم إذ هو الواسطة بين الله سبحانه وتعالى وبين العباد، وجميع النعم الواصلة إليهم التي أعظمها الهداية للإسلام إنما هي ببركته وعلى يديه، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم:
لا يشكر الله من لا يشكر الناس.
والقيام برسم العبودية بالرجوع لما يقتضي الأصل نفيه، فهو أبلغ في الامتثال، ومن أجل ذلك كانت فضيلة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل عمل.
والذي يقتضي الأصل نفيه هو كون العبد يتقرب إلى الله تعالى بالاشتغال بحق غيره لأن قولنا: اللهم صل على سيدنا محمد، هو اشتغال بحق سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأصل التعبدات أن لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بالاشتغال بحقه.
ولكن لما كان الاشتغال بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بإذن من الله تعالى كان الاشتغال بها أبلغ في امتثال أمر الآمر بها هـ.

قلت: هذا في مجرد الامتثال للأمر الإلهي. أما إذا انتبهنا للطريقة التي شرعها وسنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحمة بنا لنكون بذلك ممتثلين لهذا الأمر الرباني، فإنها لا تعدو أن تكون دعاءا وتوجها إلى الله وتضرعا إليه ووقوفا بين يديه واعتمادا عليه وتوحيدا له.

ولهذا كانت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل العبادات، فقد قال أبو الليث السمرقندي رحمه الله: إذا أردت أن تعرف أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل من سائر العبادات فانظر هذه الآية، فأمر الله عباده بسائر العبادات، وصلى الله بنفسه أولا، وأمر ملائكته بالصلاة عليه، ثم أمر المؤمنين بأن يصلوا عليه هـ.

إذن، لقد كانت الآية الكريمة الآمرة بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتؤكد عن طريق بيانات السنة المحمدية أن التعلق بالحبيب صلى الله عليه وآله وسلم لن يكون إلا على أساس التوحيد لله عز وجل الذي لا يتم إلا بنبذ كل ند يتأله ويتقدس دون الله سبحانه.

وهذا هو المراد من قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم:
لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم.

ذلك لأن النصارى مآخذون على تأليههم لسيدنا عيسى عليه السلام وليس على تقديسهم إياه. فالمبالغة في الإطراء والمدح المذمومة شرعا في حق الأنبياء هي المبالغة التي تجعل الأنبياء أو تجعل غيرهم من البشر أندادا لله تعالى.

وهذا هو الدور الذي يقوم به شيخ التربية مع مريديه وتلامذته الذين سلموا أنفسهم له، فيوجههم نحو هذا المعنى بكل ما أوتيه من علم وحكمة وهمة، ليقدمهم إلى حبيبنا وسيدنا محمد وهم مستشعرون حضوره عليه الصلاة والسلام بينهم واستغفاره لهم وترحمه عليهم، عبدا لله ورسولا مبعوثا من عند الله إلى الأحمر والأسود.

قال ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام:
وكل محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رسوله وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لحب الله تعالى له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله من موجبات محبة الله. وكذلك محبة أهل العلم والإيمان ومحبة الصحابة رضي الله عنهم وإجلالهم تابع لمحبة الله ورسوله لهم هـ.

ومن ثم كان الدعاء بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقوم مقام شيخ التربية عند الصوفية الكرام.

فأهمية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتوجه أيضا عند الحديث عمن يبحث عن طرائق القرب من الله عز وجل لما فيها من التوسل إلى الله تعالى وبه عز وجل، وأيضا لما فيها من التوسل إلى الله بحبيبه ومصطفاه صلى الله عليه وآله وسلم، إذ لا وسيلة أقرب ولا أعظم من الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #3
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

وسنحاول أن نعالج هنا بعدا أساسيا في صيغة الصلاة على النبي الكريم المشروعة منه عليه الصلاة والسلام.. وارتأيت أن أسمي هذا الفصل بــ :

أنى لنا الصلاة عليك يا رسول الله:

أما الصحابة رضوان الله عليهم وخاصة الأعراب منهم الذين كانوا يفهمون جيدا معاني الكلمات العربية فقد وقفوا وقفة دهشة واستفسار حول كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فور نزول هذه الآية الكريمة، فدلهم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام دلالة تفيد كل الأجيال القادمة بعده إلى طريق العبودية السيار: الدعاء.
وقفوا وقفة دهشة واستفسار لأنهم يعرفون أن الصلاة على سيدنا محمد، حسبما يقتضيه فضاء اللغة العربية، تعني تعظيمه في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دعوته وتقديم سنته حبا وكرامة وليس بالإكراه والجبر.

قال شيخنا أبو الفتوح حفظه الله في بداية الوصول:
وهي ـ يقصد الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ـ محتملة للرحمة والدعاء والثناء، غير أن المشهور بين العلماء أن صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم زيادة تشريف وتعظيم وتكريم هـ.

قلت: إذا كانت الصلاة لغة تعني الدعاء، فإن الصلاة على المرء تعني الدعاء له برفع شأنه ومقامه من شأن إلى شأن أعلى منه ومن مقام إلى مقام أحمد منه، وهذا يقتضي أن يكون القائم بالصلاة على إنسان ما مدركا لمقام هذا الأخير ليتمكن من الرفع منه إلى ما هو أعلى وأرقى وأعظم.

ومن ثم استعملت الصلاة على المرء بمعنى الاستغفار، ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
إني بعثت إلى أهل البقيع لأصلي عليهم.

فإنه فسر في رواية بقوله صلى الله عليه وآله وسلم:
أمرت أن أستغفر لهم.

فالاستغفار للشخص هو دعاء له برفعه من شأن وحال المتلبس بالمعصية والذنب إلى شأن وحال من لا ذنب له.

وكذا يقال لمعنى البركة ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
اللهم صل على آل أبي أوفى.

فإنه عليه الصلاة والسلام قد دعا لهم بالصلاة عليهم من أجل البركة في أرزاقهم وأموالهم.

فالبركة انتقال ورفعة من شأن إلى شأن مزيد فيه من الخير.

ومن ذلك استعمال لفظ الصلاة على النبي أو العبد بمعنى الثناء عليه، فالثناء على المرء انتقال أيضا من مقام ثناء إلى مقام ثناء أعلى منه.

فالصلاة على العبد لها وجوه عديدة لتحقيق مقتضاها كالرحمة والعفو والمغفرة والثناء والتشريف.. .

فقد كان، إذن، تساؤل الصحابة رضوان الله عليهم عن الكيفية تعبيرا صادقا عن عجزهم لبلوغ قدر الواجب من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما دام المسلم لا يستطيع مهما بلغ إيمانه إدراك مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فسؤالهم كما قال القرطبي رحمه الله: سؤال من أشكلت عليه كيفية ما فهم أصله، وذلك أنهم عرفوا المراد بالصلاة، فسألوا عن الصفة التي تليق بها ليستعملوها هـ.

قلت: ولقد عرفوا رضي الله عنهم مع ما عرفوا من مراد لفظ الصلاة على النبي أنهم عاجزون عن أداء معنى ذلك وهو الرفع من مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الحافظ السخاوي رحمه الله: والحامل لهم على ذلك أن السلام لما تقدم بلفظ مخصوص، وهو: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، فهموا منه أن الصلاة أيضا تقع بلفظ مخصوص وعدلوا عن القياس لإمكان الوقوف على النص، ولا سيما في ألفاظ الأذكار، فإنها تجيء خارجة عن القياس غالبا، فوقع الأمر كما فهموه، فإنه لم يقل لهم: كالسلام، بل علمهم صفة أخرى هـ.

قلت: فأحالهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الله سبحانه.

أحالهم سيد الوجود على واجب الوجود. فكأنه قال لهم:
اطلبوا من الله عز وجل أن ينوب عنكم في الصلاة علي لأنه أعلم بما يليق بي كما علم بما يليق بسيدنا إبراهيم عليه السلام.

فقد يغيب المرء في التوحيد فيتوه عن التعلق بأذيال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أو أذيال غيره من الربانيين الوارثين لأسرار النبوة، وهو وجه آخر للعقلانية المتحررة من كل متعلقات العاطفة والوجدان.

كما قد يستغرق المرء في معرفة ومحبة النبي الكريم فيقف عند ذلك دون أن يتمكن من فعل أي شيء فيه تعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لعلمه بقصور أي جهد عن بلوغ ذلك التعظيم المطلوب.

فكانت الصيغة النبوية بلسما شافيا لكلا الحالتين وهدية روحية لكل المسلمين إذ بها يحقق المرء توحيده لله عز وجل باعتقاده من خلال دعائه أن لا أحد يعلم ما يليق بسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلا الله سبحانه، كما تمكنه هذه الوصفة النبوية من استحضار عظمة الرسول عند الله عز وجل وفضله على سائر البشر.

فعن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ لَقِيَنِي كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ فَقَالَ: أَلَا أُهْدِي لَكَ هَدِيَّةً سَمِعْتُهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى فَأَهْدِهَا لِي، فَقَالَ: سَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ؟ فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلَّمَنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ قَالَ:
قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: أُمِرْنَا أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ وَنُسَلِّمَ أَمَّا السَّلَامُ فَقَدْ عَرَفْنَاهُ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ:
قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.
وفي رواية: فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال: قولوا اللهم صل على محمد.. الحديث.

حق لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يسكت لأن المقام بعد هذا السؤال-الدهشة هو مقام تأمل واستبصار، ولأن الصحابي السائل قد عبر عن عجز طبيعي قهري لا يد للمسلم المكلف في معالجته.

فالكيفية المسؤول عنها لم تكن كيفية توصيف وتحديد بقدر ما كانت كيفية اعتراف بالعجز عن بلوغ المقصود الواجب من أمر الله بالصلاة على نبيه الكريم.

لقد علم الصحابة، وهم أعرف بلغة قريش التي نزل بها القرآن، أن من فيه معائب ونقائص لا يثني على من هو طاهر مطهر لا عيب فيه، ومن ثم كانت مرتبة العبد تقصر عن أن تكتفي بالقول: صليت على محمد، أو ما قارب ذلك من الألفاظ.

فكان جواب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأن بين للأمة طريق الدعاء والسؤال، ليكون الله هو المتولي بهذا التشريف نيابة عنا، فهو المصلي في الحقيقة، أما العبد فنسبة الصلاة إليه مجازية.

وقد أشار ابن أبي حجلة إلى شيء من ذلك فقال رحمه الله: الحكمة في تعليمه الأمة صيغة: اللهم صلى على محمد: أنا لما أمرنا بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه عليه ـ يعني الله سبحانه ـ، لأنه أعلم بما يليق به، وهو كقوله: لا أحصي ثناء عليك كما أثنيت على نفسك هـ.

قال الحافظ السخاوي رحمه الله:
وسبقه أبو اليمن ابن عساكر فقال: حسن قول من قال: لما أمر الله سبحانه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم نبلغ معرفة فضيلة الصلاة عليه، ولم ندرك حقيقة مراد الله عز وجل فيه، فأحلنا ذلك إلى الله سبحانه، فقلنا: اللهم صل أنت على رسولك، لأنك أعلم بما يليق به وأعرف بما أردته له صلى الله عليه وآله وسلم هـ .

قلت: وقول ابن عساكر رحمه الله حسن قول من قال.. إلخ، يدل على أن هذا المعنى المشار إليه مما توارثه العلماء عن أئمتهم، إلى عهد التابعين والصحابة رضوان الله عليهم.

فنحن في الصيغة النبوية مستشعرون أن الله قد أمرنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه لا يأمرنا إلا بما هو كمال لنا وكامل في نفسه، ونحن لا قدرة لنا على توفية حق ذلك الكمال لقصورنا الطبيعي إلا بإقدار الله عز وجل.

فنحن في دعائنا بالصلاة على نبينا وحبيبنا وسيدنا محمد نناجي ربنا ونتوسل قائلين:
كن أنت يا ربنا المتولي للصلاة على سيدنا محمد بتلك الصلاة الكاملة التي أمرتنا بها ليكون نقصنا مغفورا بكمالك، ولأنك أولى بذلك منا لأنك البر المحسن، وما يظهر علينا فإنما هو من آثار أوصافك تباركت وتعاليت.
وكن أنت يا ربنا المتولي للصلاة عليه كما ينبغي في حكمة المنعم الحكيم الذي يراعي كل أحد وما يناسبه، فينعم على كل أحد على قدره ويصلي عليه الصلاة التي تناسب قدره، فقد علمت بما يليق بسيدنا إبراهيم فصليت عليه في العالمين، وأنت أعلم بما يليق بسيد الأولين والآخرين فصل عليه صلاة تناسب منزلته عندك وأهليته فيكون فضل صلاتك عليه على صلاة غيرك طبق فضله صلى الله عليه وآله وسلم على سائر الخلق.

إذن، فالله سبحانه في هذه الآية الكريمة يأمرنا بمكافأة النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ما أحسن به إلينا وأنعم، وقد عجزنا عنها ولم يكن لنا سوى أن ندعو الله ليقوم بذلك نيابة عنا، فلذلك أرشدنا الرسول الحكيم صلى الله عليه وآله وسلم إلى سبيل الدعاء لما علم عجزنا عن مكافأته.

قال الإمام الحليمي: فإذا قلنا: اللهم صل على سيدنا محمد، فإنما نريد: اللهم عظم سيدنا محمدا في الدنيا بإعلاء ذكره وإظهار دينه وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وإجزال أجره ومثوبته، وإبداء فضله للأولين والآخرين بالمقام المحمود، وتقديمه على كافة المقربين والشهود هـ.

قلت: وهذه الأمور والخصائص وإن كان الله قد أوجبها وخص بها نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم فإن ما من شيء منها إلا وفيها درجات ومراتب، فإذا دعا واحد من أمته بالصلاة عليه فاستجيب دعاؤه فيه زيد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك الدعاء في كل شيء منها.

فنحن في الحقيقة لا نملك إيصال ما يعظم به أمره ويعلو به قدره إليه، إلا إذا كان الحق عز وجل لساننا. فحينئذ تصح الصلاة التي أمرنا بها. وبهذه المثابة كانت صلاة الملائكة في هذا المقام الذي جمع بينهم وبين الله في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فإن في تلك الصلاة كان نطقهم بالله عز وجل.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #4
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

وجب التمييز أثناء الحديث عن حكم الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهل هي واجبة أو مستحبة، بين مستويات ما نعنيه من هذه الصلاة.

فإن كان مرادنا حكم الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصلاة عليه متى ما ذكر، فإننا لن نقول إلا بوجوبه نظرا للأحاديث الواردة في ذم من يترك هذا الدعاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكر اسمه.

بل قد أمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على دعاء سيدنا جبريل بالإبعاد لمن ترك الدعاء بالصلاة عليه عند ذكره، تعظيما لقدر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتفخيما لأمره.

فعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: احضروا المنبر، فحضرنا فلما ارتقى الدرجة قال: آمين، ثم ارتقى الثانية فقال: آمين، ثم ارتقى الدرجة الثالثة فقال: آمين، فلما فرغ نزل عن المنبر، فقلنا: يا رسول الله لقد سمعنا منك اليوم شيئا ما كنا نسمعه، فقال:
إن جبريل عليه السلام عرض لي، فقال: بعد من أدرك رمضان فلم يغفر له، فقلت: آمين، فلما رقيت الثانية، قال: بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك، فقلت: آمين، فلما رقيت الثالثة قال: بعد من أدرك أبويه الكبر، أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة، فقلت: آمين.

فتارك الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما ذكر قد نظم في سلك عقوق الأبوين، وفي سلك المستحل لانتهاك حرمة شهر رمضان الذي صومه وتعظيمه فرض عين.

كما أن هذا الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من واجبات الصلاة المكتوبة التي بها تتم الصلاة وتختتم، بعد التشهد وقبل دعاء الاستعاذة من المحذورات الأربع وسلام التحليل. وهو قول الإمام الشافعي رحمه الله. وهو مذهب الإمام أحمد في أحد قوليه في المسألة وبعض أصحاب مالك.

ويقول الإمام ابن حجر رحمه الله في الفتح عن القول بوجوب الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة بعد التشهد:
ورد عن أبي جعفر الباقر والشعبي وغيرهما ما يدل على القول بالوجوب. وأعجب من ذلك أنه صح عن ابن مسعود هـ.

وقال أيضا:
فعند سعيد بن منصور وأبي بكر بن أبي شيبة بإسناد صحيح إلى أبي الأحوص قال : قال عبد الله يتشهد الرجل في الصلاة ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه بعد. وقد وافق الشافعي أحمد في إحدى الروايتين عنه وبعض أصحاب مالك، وقال إسحاق بن راهويه أيضا بالوجوب لكن قال : إن تركها ناسيا رجوت أن يجزئه، فقيل إن له في المسألة قولين كأحمد، وقيل بل كان يراها واجبة لا شرطا هـ.

وممن انتصر للإمام الشافعي ابن القيم رحمه الله في كتابه "جلاء الأفهام" حيث قال:
أجمعوا على مشروعية الصلاة عليه في التشهد، وإنما اختلفوا في الوجوب والاستحباب، وفي تمسك من لم يوجبه بعمل السلف الصالح نظر، لأن عملهم بوفاقه، إلا إن كان يريد بالعمل الاعتقاد، فيحتاج إلى نقل صريح عنهم بأن ذلك ليس بواجب، قال: وأنى يوجد ذلك؟ قال: وأما قول عياض: إن الناس شنعوا على الشافعي فلا معنى له، فأي شناعة في ذلك؟ لأنه لم يخالف نصا ولا إجماعا ولا قياسا ولا مصلحة راجحة، بل القول بذلك من محاسن مذهبه، ولله در القائل:
إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبا، فقل لي كيف أعتذر
وقال:
وأما دعواه أن الشافعي اختار تشهد ابن مسعود: فيدل على عدم معرفته باختيارات الشافعي، فإنه اختار تشهد ابن عباس. ثم إن ما احتج به جماعة من الشافعية من الأحاديث المرفوعة المصرحة في ذلك هي ضعيفة، كحديث سهل بن سعد وعائشة وأبي مسعود وبريدة وغيرهم هـ .

ومن أجمع ما رأيت في موضوع حكم الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما أنشده الشهاب ابن أبي حجلة رحمه الله من قصيده له:
صـــلوا عليه كـلما صليتم لتروا به يـوم النجاة نجاحا
صلوا علـــيه كل ليلة جمعة صلوا عـليه عشية وصباحا
صلوا عليه كـلما ذكـر اسمه في كـل حين غدوة ورواحا
فعلى الصحيح صلاتكم فرض إذا ذكر اسمه وسمعتموه صراحا
صلى عليه الله مــا شب الدجى وبدا مشيب الصبح فيه ولاحا

أما إن كان مرادنا من هذا التعبير حكم تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا، فإنه مما لا شك فيه أن الإيمان الحقيقي لا يتم لنا إلا إذا كانت محبتنا للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أكبر من محبتنا لأبنائنا وآبائنا بل وحتى لذواتنا.

وهذه المحبة كما يعلم الجميع لا تتحقق إلا بالتعظيم والتوقير لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. مما يعني أن صلاتنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما تحمله كلمة الصلاة من معاني التعظيم والإجلال واجبة علينا في كل وقت وحين.

وهي مسؤوليتنا جميعا أن نسعى جاهدين لإعلاء ذكر النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإظهار سنته ومنهاجه وشريعته وتقديم قوله على قول أي إنسان وبيان فضله على سائر البشر.

قال الإمام الحليمي في "شعب الإيمان" : إن تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من شعب الإيمان، وهي منزلة فوق المحبة، فحق علينا أن نحبه ونجله ونعظمه أكثر وأوفر من إجلال كل عبد سيده، وكل ولد والده.. وبمثل هذا نطق الكتاب ووردت أوامر الله تعالى هـ.

قلت: وحق علينا أن نحبه صلى الله عليه وآله وسلم أكثر وأوفر من إجلال كل إنسان لرئيسه وزعيمه لأن الإنسان لا يخلو من محبة غير نفسه وولده ووالديه من القرابة والمعارف وأصحاب الجاه والرياسة، وقد يبالغ في حب أحد هؤلاء حتى يؤثره على ذويه إما بأمر ديني أو دنيوي لإحسان أو نحوه أو هوائي لاعتقاد جمال أو كمال.

ومن قصص العلماء الذين يحرصون على زرع هذا المعنى ما يروى عن جعفر ابن برقان قال : كتب عمر بن عبد العزيز : أما بعد فإن أناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة وإن الناس من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاءك كتابي هذا فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ودعاؤهم للمسلمين عامة ويدعوا ما سوى ذلك هـ.


***

الصلاة على رسول الله وعلى آله محور سورة الأحزاب:

عود على بدء. فعند التأمل في مقصود سورة الأحزاب التي تعد آية الصلاة على رسول الله قلبها النابض، نستشف أنه بإمكاننا تسمية السورة بسورة تعظيم وإجلال النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وتنزيه وتشريف آله الكرام رضي الله عنهم.

وإذا عمدنا إلى منهج شيخنا أبي الفتوح حفظه الله في تفسيره القيم: الجواهر واللآلئ المصنوعة في تفسير القرآن العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة، لنتلمس ما حدده من خصائص كل سورة على حدة من سور القرآن الكريم، كنوع فريد من أنواع علوم القرآن، فإننا نجد ما اختصت به سورة الأحزاب من آيات محددة، تدور كلها حول محور تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممهدة لأمر الله تعالى للمؤمنين بالصلاة على نبيهم عليه الصلاة والسلام.

وسنحاول أن نتبين خصائص سورة الأحزاب مع الاستعانة بعلم تناسب الآيات كما أفادنا بذلك الإمام البقاعي رحمه الله في تفسيره نظر الدرر في تناسب الآيات والسور.
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #5
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

ويمكن تجميع هذه الخصائص في ثلاث:

أما الخاصية الأولى، فتشريع ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم على المؤمنين جميعا وولاية آله وذريته على سائر الأمة بالتبعية مع بيان أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هن أمهات للمؤمنين في الاحترام والتعظيم، وإبطال التبني وإلحاق الأولاد بغير آبائهم ولو كان ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فقال تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض..).

وقال تعالى في موضع آخر من السورة معليا من جناب النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما).

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أولى بالمؤمنين من أنفسهم فضلا عن آبائهم في نفوذ حكمه فيهم ووجوب طاعته عليهم لأنه في مهمة عليا ربانية ومقدسة يختم فيها كل الرسالات السماوية السابقة، ولأنه لا يدعوهم إلا إلى العقل والحكمة، ولا يأمرهم إلا بما ينجيهم، وأنفسهم إنما تدعوهم إلى الهوى والفتنة فتأمرهم بما يرديهم.
ولهذا قال تعالى في نفس السورة: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا).

فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم يتصرف في المؤمنين تصرف الآباء بل الملوك بل أعظم، بفضل هذا السبب الرباني.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
ما من مؤمن إلا وأنا أولى الناس به في الدنيا والآخرة، واقرؤوا إن شئتم: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)، فأيما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فإن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه.

قال شيخنا حفظه الله في الجواهر واللآلئ:
معناه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أحق بهم من أنفسهم في كل شيء من أمور دينهم ودنياهم، وأنه أرأف بهم وأعطف عليهم، ولذلك كان حكمه أنفذ وطاعته أوجب. والحديث يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتكفل بديون المديونين والقيام بالضائعين الذين لا مال لهم ولا ممول هـ.

الخاصية الثانية، شرف أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلا يحل انتهاك حرمتهن بأي وجه من الوجوه، ولا الدنو من جنابهن بأي نوع نقص أو انتقاص، لأن حق النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أمته أعظم من حق الوالد على ولده، وهو قبل ذلك وبعده حي في قبره ومضجعه.

ولهذا نزههن الله سبحانه عن أن يكون حكمهن حكم غيرهن من النساء مزية لهن وتخصيصا وإجلالا لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما)، وقد تبين من سيرتهن أن قول الله تعالى: منكن، للبيان، إذ أحسن كلهن واخترن جميعا الله ورسوله والدار الآخرة.

فعن عائشة رضي الله عنها قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي، فقال:
يا عائشة، إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تستعجلي حتى تستأمري أبويك.
قال: وقد علم أن أبواي لم يكونا ليأمراني بفراقه، قالت: ثم قال:
إن الله قال: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما).
قلت: في أي هذا أستأمر أبوي؟ فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، وفعل أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما فعلت.

وقال تعالى متهددا على ما قد أعاذهن منه: (يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على الله يسيرا)، فذكر الأفعال المسندة إليهن اعتبارا بلفظ من للتنبيه على غلط من جعل صحبة الأشراف دافعة للعقاب على الإسراف، وللإعلام بأن هذه الصحبة قد تكون سببا لمضاعفة العقاب، فعلى قدر علو المقام يكون الملام.

وقال تعالى: (ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين وأعتدنا لها رزقا كريما)، فكما جعل سبحانه حد الحر ضعفي ما للعبد جعل سبحانه عقابهن مضاعفا وأجرهن مرتين، لمكانهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقال تعالى: (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن)، ومعلوم أننا إذا تقصينا أمة النساء جماعة جماعة لم توجد فيهن جماعة تساوي جماعة نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الفضل لما خصهن الله به من قربة بقرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزول الوحي الذي بينه وبين الله في بيوتهن.

وقال تعالى مبينا أمر التقوى وتفاصيله: (فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولا معروفا وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله).

فظهر فضلهن من خلال سيرتهن وذلك ببعدهن التام عن الرذائل واتصافهن بالتقوى، فبين سبحانه أن ذلك إنما هو لتشريف أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال تعالى: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا)، فكلما كان الإنسان من أهل البيت أقرب وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أخص وألزم كان بهذه الإرادة الإلهية الربانية أحق وأجدر.

ودخل بذلك ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم من باب أولى، لأنهم من صلبه ونسله الشريف.

فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما ربيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا) في بيت أم سلمة، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة وحسنا وحسينا فجللهم بكساء وعلي خلف ظهره فجلله بكساء ثم قال:
اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
قالت أم سلمة: وأنا معهم يا نبي الله؟، قال:
أنت على مكانك، وأنت على خير.

قال شيخنا حفظه الله في الجواهر واللآلئ:
وإن كانت الآية الكريمة نزلت في شأن نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل عليه سياق الآية الكريمة، ولكن هؤلاء المجللين عليهم يدخلون فيها بالأولى هـ.

ولهذا ورد في أحاديث صحيحة في بعض صيغ الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أزواج النبي وذريته بدل التنصيص على مصطلح الآل، فنقول مثلا:
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على سيدنا إبراهيم..

وقال تعالى منبها لهن على أن بيوتهن مهابط الوحي ومعادن الأسرار: (واذكرن في بيوتكن من آيات الله والحكمة إن الله كان لطيفا خبيرا).

ولما كان النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وكان المراد الأعظم في سائر آيات سورة الأحزاب بيان ما شرفه الله به من ذلك، بين سبحانه بعض ما خصه من أمر التوسعة في النكاح، فقال تعالى:
(يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك).

ولما كان المقصود من هذه السورة بيان مناقبه صلى الله عليه وآله وسلم وما خصه الله به مما قد يطعن فيه المنافقون من كونه أولى من كل أحد بنفسه وماله، بين سبحانه أنه مع ذلك لا يرضى إلا بالأكمل فبين أنه كان يعجل المهور ويوفي الأجور فقال تعالى: (التي آتيت أجورهن وما ملكت يمينك مما أفاء الله عليك وبنات عمك وبنات عماتك وبنات خالك وبنات خالاتك).

ولما بين سبحانه شرف أزواجه من جهة النسب لما علم واشتهر أن نسبه صلى الله عليه وآله وسلم من جهة الرجال والنساء أشرف بحيث لم يختلف في ذلك اثنان من العرب، بين جل جلاله شرفهن من جهة الأعمال فقال تعالى: (التي هاجرن معك وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي).

ولما ذكر تعالى وصف النبوة لأنه مدار الإكرام من الخلق والمحبة من الخلائق تشريفا له به وتعليقا للحكم بالوصف، لأنه لو قال: لك، كان ربما وقع في بعض الأوهام أنه غير خاص به صلى الله عليه وآله وسلم، كرره تعالى بيانا لمزيد شرفه في سياق رافع لما ربما يتوهم من أنه يجب عليه القبول فقال عز من قائل: (إن أراد النبي أن يستنكحها).

ولما كان ربما فهم أن غيره صلى الله عليه وآله وسلم يشاركه في هذا المعنى، قال تعالى مبينا لخصوصيته واصفا لمصدر: أحللنا، مفخما للأمر بهاء المبالغة ملتفتا إلى الخطاب لأنه معين للمراد رافع للارتياب: (خالصة لك من دون المؤمنين).

وختم هذه الآيات فبين أن أزواجه لا تحل بعده، فهن كمن عدتهن ثابتة لا تنقضي أبدا، أو كمن زوجها غائب عنها وهو حي، ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره ومضجعه الشريف، فقال تعالى مخاطبا المؤمنين: (وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا إن ذلكم كان عند الله عظيما).

الخاصية الثالثة، ذكر غزوتي الخندق وقريظة، من أجل تأكيد ضرورة الإخلاص في التوجه إلى الخالق من غير مراعاة بوجه ما للخلائق، إلا ما كان من مراعاة وتعظيم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه الواسطة بيننا وبين الله تعالى.

قال تعالى في الآيات الأخيرة من سورة الأحزاب واصفا حالة الكافرين بالرسالة المحمدية في الجحيم، وقد اختاروا محاربة النبي في الدنيا إلى جانب كبرائهم وساداتهم مراعاة للمنصب والجاه: (يوم تقلب وجوههم في النار يقولون يا ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا).

ومن ثم قرر تعالى في نفس السورة: (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه) أي حتى يتمكن من أن ينزع بكل قلب إلى جهة غير الجهة التي نزع إليها القلب الآخر، فإما أن نكون في ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أو لا نكون، قاطعا بذلك رب العزة طريق النفاق والشقاق.

ولهذا تخلل في سرد وقائع هاتين الغزوتين العظيمتين بيان أصل عظيم بموجبه قضى الله سبحانه لنبيه أن يكون أسوة حسنة لكل مؤمن فقال تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا).

فقد كان المنافقون لعنهم الله يساوون أنفسهم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو أعلى الناس قدرا، ويجب على كل مسلم أن يفدي ظفره الشريف ولو بعينه فضلا عن أن يسوي نفسه بنفسه، وينبغي أن يكون المسلم معه في كل أمر يكون فيه لا يتخلف عنه.

وجاء تأكيد هذا الأصل العظيم في آية أخرى من سورة الأحزاب فقال تعالى بعد بيانه لخصال المغفور لهم التي لخصها الله في الإسلام والإيمان والقنوت والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصوم والحفاظ على الفرج والذكر بكثرة: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).

فبعدما بين الله سبحانه في آيات سابقة أن النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأنه للمؤمنين أسوة حسنة تسبب عن ذلك ما تقديره: وما كان لمؤمن ولا مؤمنة أن يكون لهما ولي غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقرن سبحانه بين قضائه وقضاء رسوله عليه الصلاة والسلام إجلالا لمقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

كما قرن سبحانه أيضا في آية أخرى من سورة الأحزاب بين طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما).

فمهما بلغ كمال العبد واجتمعت له الفضائل والمكرمات فإنه لن يخرج بذلك عن ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليه.

وكما نزه الله نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقربهن منه وحسن صحبتهن له، نزه أيضا في سورة الأحزاب المؤمنين الذين جاهدوا إلى جانب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ووقفوا وقفة صمود وبطولة في وجه الأحزاب الظالمة رغم ما ابتلاهم الله من كثرة عدوهم المزلزلة لنفوسهم وقالوا: (هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله).

وقال الله في حقهم: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا)، مبينا تعالى أنهم ما وصلوا إلى ما وصلوا إليه لولا ولاية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عليهم التي تفانوا لتحقيقها في نفوسهم.

وقال تعالى في حقهم أيضا مخاطبا إياهم في سياق التكريم والتشريف والتعظيم:
(يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيما تحيتهم يوم يلقونه سلام وأعد لهم أجرا كريما).

وفي سياق السورة كلها نجد أن الله سبحانه يخاطب أو يصف سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالنبي، وهو وصف يشي بالارتفاع والعلو والمكانة العظمى التي حظي بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

على أن من تدبر عند قراءته لسورة الأحزاب ما رتبه الله من آياتها البينات من أولها إلى آخرها فسيعلم أن الآية الكريمة: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)، هي قلبها النابض، وهي محور السورة بكاملها.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #6
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

دلالات الصلاة على أزواج وذرية النبي عليه الصلاة والسلام:

جاء تحديد آل سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام في أحاديث تبين كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم أزواج النبي عليه الصلاة والسلام وذريته كما روى ذلك الإمام البخاري والإمام مسلم في صحيحهما عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه أن بعض الصحابة قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال:
قولوا: اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ومرجعنا في ذلك أيضا حديث الكساء الذي مر بنا في الفصل السابق.

والدلالة الأولى في تفسير آل النبي بأزواجه وذريته صلى الله عليه وآله وسلم هي أننا عند دعائنا بالصلاة على رسول الله عليه الصلاة والسلام مؤمنون بأن أزواج النبي هن أمهات لكل المؤمنين سواء كانوا ممن رأوا النبي وصدقوا بما جاء به وآمنوا بدعوته أو من جاء بعد موت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فآمن به ولم يره.
كل ذلك لمقامهم من رسول الله عليه الصلاة والسلام.

كما أننا مؤمنون كذلك بأن ذرية النبي عليه الصلاة والسلام هم أعلام الهدى والدين وورثة جدهم في أخلاقه وشمائله وفضائله، وأنهم استمراريته وامتداده في أمته التي كتب لها أن تعيش وتنمو وتتوسع من بعده.
فمسؤولية إقامة الحق والقيام بالقسط بين الناس وهداية الأمة جمعاء مسؤولية كبيرة تحتاج إلى أخلاق عالية من سلامة صدر، وقوة تحمل، وصبر، وحلم، وكظم غيظ، وعفو، وما إلى ذلك من أخلاق الكمل، ولهذا نحن ندعو الله عز وجل ونقول في دعائنا بالصلاة على سيدنا محمد:

يا ربنا نحن نؤمن بأن سيدنا محمدا صلى الله عليه وآله وسلم عبدك ورسولك ونؤمن بأن آل سيدنا محمد هم ورثة كتابك، ونحن مع هذا الإيمان موقنون بأن مسؤوليتهم على مدار تاريخ الأمة وفي آفاق مستقبلها جسيمة وعظيمة، ومهمتهم كبيرة وخطيرة، فإياك نطلب يا ربنا أن ترفع من شأنهم وتعلو من قدرهم وتمكنهم من المقامات العليا التي بها المكانة والمجد والحظوة والسؤدد وأن تمنحهم من ذلك في العالمين جميعا وفي مشارق الأرض ومغاربها ما منحته لسيدنا إبراهيم وآل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد.

ومن يتأمل في القرآن الكريم ويتدبر معاني آياته في آل سيدنا إبراهيم وكيف أن الله عز وجل قد أعلى من شأنهم ومكنهم المكانة العظمى وجعل فيهم الكتاب والحكم والنبوة، واختصوا بمزايا لم تحظ بها أي أمة من الأمم في عصورهم. فقد كانوا محط تمجيد وتحميد من الأمم جميعا، حتى في العصور التي كانوا فيها متمردين على الحق عاصين مهملين لأمر الله.

ولهذا نختم دعائنا بالصلاة على سيدنا محمد وآل سيدنا محمد بقولنا لله عز وجل معللين وراجين: إنك حميد مجيد. فأنت يا ربنا مصدر الحمد ومصدر المجد فامنح سيدنا محمد وآل سيدنا محمد من المجد والحمد ما أنت له أهل.
الدلالة الثانية، أنه لم يأت في أحاديث كيفية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الصحابة رضوان الله عليهم ولا مطلق الأولياء الربانيين وإن كانوا يدخلون في آل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في مفهومه الواسع إن اعتبرنا أن آل سيدنا محمد هم كل تقي.

إلا أن التنصيص هنا وفي كيفية الصلاة على رسول الله بما هي تعظيم لسيدنا محمد وآل سيدنا محمد، لم يكن إلا لأزواج النبي من جهة ولذرية النبي من جهة أخرى.

لقد حمى الشرع الكيفية النبوية من أن يطالها في فريضة الصلاة تغيير أو تحوير في لفظها. فلم يستطع أحد من أن يزيد ولو حرفا واحدا على ما ورد في الكيفية النبوية على اختلاف ألفاظها وصيغها. فحفظت الصلاة على سيدنا محمد وعلى آله داخل الصلاة المكتوبة بهذا التنصيص النبوي فلا أحد يدخل أصحاب رسول الله ولا أولياء الله ولا حزب الله ولا أي فئة أخرى قد يرى العقل والمنطق أن دخولها في دعائنا بالصلاة على رسول الله وعلى آله مستحق ومطلوب.

ذلك لتبقى الصيغة النبوية كما حددها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا حجة علينا. فإن كنا ندعو لأزواج النبي ولذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم برفعة المقام وعلو الشأن وبالمجد والحمد فلأنهم يستحقون ذلك أكثر من غيرهم لأن الله عز وجل قد جعلهم ورثة رسوله في الأمة واستمراريته وامتداده فيها.
وإن كنا في مناسبات غير الصلاة المفروضة والمكتوبة نذكر غير الأزواج والذرية الطاهرة في صيغ أخرى كخطاباتنا وكتاباتنا ومحاوراتنا المختلفة.

ولكل من يرى أن فئة ما من فئات الأمة الإسلامية دون أزواج النبي وذريته وعلى مدار التاريخ كله إلى يومنا هذا كانت تستحق الدخول في آل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، التأمل فيما أجاب به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حين سألته أم سلمة الدخول في المجللين بكسائه النبوي فقال لها:
أنت على مكانك وأنت على خير.

فلن نكون أكثر حبا لصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رسول الله نفسه. ومع ذلك فإنهم ما دخلوا في دعائه لأهل الكساء. فهم بذلك على مكانهم وهم إن شاء الله على خير كثير وفياض رضي الله عنهم.
الدلالة الثالثة، هي التنبه إلى حقيقة أن ذات النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تخللتها ذوات أزواجه عليهن السلام وكان من إحداها وهي السيدة خديجة عليها السلام أربع بنات اختار الله منهن بنتا واحدة وهي سيدتنا فاطمة الزهراء جعلها سبحانه سيدة نساء أهل الجنة، وزكاها هي وزوجها سيدنا عليا كرم الله وجهه ليكونا معا أب وأم الذرية النبوية الخالدة الطاهرة، ويكون بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جد الأشراف ورأس دوحتهم الخالدة.

فما كانت الأزواج لتذكر في معرض تحديد آل سيدنا محمد لولا الذرية النبوية. إذ الأزواج هنا امتداد في السلوك لما كانت عليه السيدة النبوية الأولى سيدتنا خديجة رضي الله عنها فهي جدة الأشراف وجدة الحسن والحسين ريحانتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنة.

فذكر سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحقيقة ذكر لسيدتنا خديجة: أول المؤمنات بالدعوة النبوية والتي منها سيكون هذا النسل المحمدي الشريف.

إن السيدة خديجة وابنتها المخصوصة بكرم الله وعنايته السيدة فاطمة الزهراء حاضرتان في الأمة الإسلامية على مدار التاريخ الإسلامي.

الدلالة الرابعة، هي أن الذرية النبوية قد حظيت بعناية إلهية وحماية ربانية من أن تنقرض أو تندثر، فقد كانت عناية الله بالغة بهم إذ بقراءتنا لتاريخ الدوحة الشريفة وفي القرن الأول من تاريخ الأمة تحديدا سنجد أنهم سطروا ببقائهم معجزة أخرى من معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن يبقى نسله وتبقى معه مختلف تجليات ذاته الطاهرة مغروسة في جسد الأمة الإسلامية.

فقد تعرضوا للسجن والقتل والتشريد، وقامت الدولة الأموية على أساس مطاردة آل سيدنا محمد ومحاربتهم ولو على المنابر. ففي كربلاء على سبيل المثال يصل الأمر أن لا يبقى من أولاد الإمام الحسين عليه السلام إلا واحد وهو الإمام زين العابدين.

وهكذا الأمر كان مع الدولة العباسية.. ومع ذلك بقيت الذرية النبوية، بل وانتشرت وامتدت بها تجليات الذات النبوية في سائر البقاع الإسلامية من الأندلس والمغرب الأقصى غربا إلى الصين وما وراء الصين شرقا.
وهو ما أشارت إليه الصيغة النبوية في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقولنا: اللهم بارك على سيدنا محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل سيدنا إبراهيم..

إنها بركة ربانية أن تتكاثر الذرية الطاهرة في الوجود وتحفظ من شتى أنواع الملاحقة الجسدية والعرضية ليتحقق موعود رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث الثقلين الذين هما الكتاب والعترة الطاهرة:
لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.

بل تجد ذرية الإمام علي من غير سيدتنا فاطمة الزهراء قليلة جدا ونادرة، لتنفرد ذرية كل من الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام بالانتشار الواسع تصديقا لحديث الكساء:
اللهم هؤلاء أهل بيتي..

وهذه أنسابهم معروفة ومشهورة يحفظها العلماء.

وها هم أحفاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم تجدهم في المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والحجاز واليمن والعراق والأردن وسوريا وأندونيسيا وغيرها من البلدان وبأعداد كبيرة.
حتى إنهم معروفون بألقاب خاصة، ففي اليمن والعراق والحجاز يعرفون بلفظ سيد، وفي مصر وتونس بلفظ حبيب، وفي المغرب وبلدان أخرى بلفظ شريف.. وهكذا.

فالمسلمون يميزون ذرية سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويعلون من قدرهم ويرفعون من شأنهم.
فليس من الطبيعي أن يتكاثر نسل من يتعرضون للقتل والتشريد والطرد والظلم في مئات من السنين من الحروب ضدهم.

الدلالة الخامسة، أن الصلاة على آل سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تابعة لصلاة الله على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ليكون داخل الدوحة النبوية بشتى فروعها الموجودة في سائر البلاد الإسلامية في كل زمان من يشبه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في شيء أو مجموع من خصائصه أو فضائله، على أن ثلة من الأشراف يتصدرون قائمة الصالحين في الأمة الحاملين لمنهاج النبوة والممثلين له في سلوكهم وتعاملهم وعبادتهم.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #7
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

مشروع تعظيم النبي وآله عليه وعليهم الصلاة والسلام في الدنيا:

لقد مر بنا أن الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعني لغة تعظيمه في الدنيا وفي الآخرة وفي الملأ الأعلى.

أما تعظيم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الآخرة وفي الملأ الأعلى فلا يد للمسلم فيه إطلاقا إلا إذا تولى الله سبحانه النيابة عنا في ذلك فيصلي لنا على نبيه ومصطفاه.

والله سبحانه لا ينتظر منا دعاءا من أجل تكريم وتشريف نبيه في الملأ الأعلى، لأنه جل جلاله قد اختار سيدنا ومولانا محمدا ليكون حبيبه ومصطفاه من خلقه جميعا، وقضى أن يصلي عليه صلاة كاملة دائمة.

ولهذا قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (وللآخرة خير لك من الأولى)، قال ابن إسحاق رحمه الله: أي مآلك في مرجعك عند الله تعالى أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا. وقال سهل رحمه الله: أي ما ذخرت لك من الشفاعة والمقام المحمود خير لك مما أعطيتك في الدنيا.

وأما تعظيم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في الدنيا فهي من مسؤوليتنا جميعا نحن المسلمين، بل هي من دعائم الدين وشعب الإيمان الأساسية كما مر بنا في قول للإمام الحليمي رحمه الله.

أما الصحابة رضوان الله عليهم فيكفي في الشهادة لهم بمدى تعظيمهم لجناب النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ما قاله عروة بن مسعود لقريش:

يا قوم، والله لقد وفدت على كسرى وقيصر والملوك، فما رأيت ملكا يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا صلى الله عليه وآله وسلم، والله ما يحدون النظر إليه تعظيما له، وما تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم، فيدلك بها وجهه وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه هـ.

والطائفة التي خصت بمزية تعظيم النبي عليه الصلاة والسلام بعد الصحابة رضوان الله عليهم هي طائفة المحدثين المتبعين لأثر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وحياته وسيرته وخصائصه وشمائله.

قال حماد بن زيد: كنا في مجلس أيوب، فسمع لغطا فقال: ما هذا اللغط؟ أما بلغهم أن رفع الصوت عند الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرفع الصوت في حياته؟!

ومعلوم أن رفع الصوت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممقوت عند الله تعالى وسوء أدب مع رسوله الكريم.

وقيل لمالك بن أنس: لم لم تكتب عن عمرو بن دينار؟ قال: أتيته والناس يكتبون عنه قياما، فأجللت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكتبه وأنا قائم.

وسأل عبد الرحمن بن مهدي مالك بن أنس عن حديث وهو يمشي معه في الطريق، فقال: هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأكره أن أحدثك ونحن نستطرق الطريق. فإن شئت أن أجلس وأحدثك به فعلت، وإن شئت أت تصحبني إلى منزلي وأحدثك به فعلت. قال: فصحبته إلى منزله فجلس وتمكن ثم حدثني به.

وسأل رجل سعيد بن المسيب عن حديث وهو مريض ومضطجع، فجلس فحدثه، فقال الرجل: وددت أنك لم تتعن ـ يعني لم تحمل نفسك عناء الجلوس، وأنت مريض ـ فقال: كرهت أن أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا مضطجع.

هذا من جهة تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في القلب والوجدان وبين الأهل والطلبة والناس.

وسنخصص هذا الفصل بإذن الله تعالى للحديث عن هذا التعظيم المطلوب شرعا كمشروع ينبغي التخطيط له وبرمجة محطاته ووسائله.

فلكل منا مشاريع في حياته، فمنها ما يأخذ كل أوقاتنا وجهدنا وطاقتنا، ومنها ما نعتبره ثانويا ليكتسح ما يتبقى من أوقات راحتنا ومتعتنا. لكن هل منا من يحمل في قرارة نفسه همة تحقيق مشروع كل مسلم ومسلمة في هذا الوجود؟!

إنه مشروع تعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإعلاء مقامه في الدنيا وتحبيبه للخلق مع التنافس في محبته والتقرب إليه.

ولتحقيق ذلك محطات ينبغي للمسلم أن يجعل محور كل برامجه الحياتية وديدنه الأول على الإطلاق في كل محطة منها هو استحضار عظمة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في قلبه ثم محاولة بث ذلك في قلوب الناس جميعا، لأنها ـ أي هذه العظمة المحمدية ـ هي الجالبة لحبه صلى الله عليه وآله وسلم والميل إليه، فيتزايد الشوق إليه ويستولي على قلبك وقلب من كنت سببا في تقريب صورة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم إليه.

وأولى هذه المحطات نفسك التي بين جنبيك، فإن كنت محبا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا شيء أقر لعين المحب من رؤية ومشاهدة محبوبه، ولا أقر لقلبه من ذكره وإخطار محاسنه في قرارة نفسه. فإذا قوي ذلك واشتد، جرى اللسان بمدح الحبيب المصطفى والثناء عليه وذكر محاسنه وفضائله، وإعلاء هديه وسنته على هواه ومزاجه.

قال الإمام زروق رحمه الله: المحبة أخذ جمال المحبوب بمحبة القلب حتى لا يجد مساغا للالتفات لسواه، ولا يمكنه الانفكاك عنه، ولا مخالفة مراده، ولا وجود الاختيار عليه لوجود سلطان الجمال القاهر للحقيقة بتخلية المستفيض عليه دون اختيار منه ولا مهلة ولا رؤية، فإن مغازلة الجمال لا يشعر بها، وأخذته لا يقدر عليها، وحقيقة ما يتولد عنه لا يعبر عنها، تنفي الأعراض والأغراض، وتنفي الحقائق والأعراض، فلا يبقى مع غير المحبوب قرار، ولا مع سواه اختيار هـ.

وقد يستعين المرء بشيخ من شيوخ التربية ليساعده بهمته العالية للدفع به نحو حضرة المحبة والقرب والاغتراف من معين المتابعة النبوية. فالصحبة هنا أساسية فيمن كانت نفسه عصية على الترويض والتهذيب.

المحطة الثانية أسرتك وذويك، فتسعى إلى إعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في كل مجلس عائلي، وفي كل بيت من بيوت عشيرتك، وبالتي هي أحسن ووفق الرفق والعطف النبويين.

وقد يرزق العبد المرأة الصالحة وهي هنا الزوجة المحبة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم والمريدة لتعظيمه وتبجيله. فيتلاحم معها على هذا الأساس جاعلين من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم متبوعهما المقدم في كل شيء.

المحطة الثالثة مدينتك التي تقيم بها وبلادك الذي تعيش فيه، فتسعى بكل جهد وبكل وسيلة ممكنة أن ترفع من شأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في كل المساجد والمحافل والأسواق ودور الإدارة والإمارة.

فيسعى الإنسان من خلال برامج مسبقة أن يمرر في كافة علاقاته ولقاءاته واجتماعاته المهنية والتعليمية والحياتية ضرورة التعلق بحبل النبوة وتقديم سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عند أي تشريع أو تنظير أو تفكير وإعلاء ذكره على ذكر أي مقدس من مقدسات البشر.

المحطة الرابعة في سائر أقطار الأرض، فيكون لك يد في إعلاء ذكر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في العالم بأسره.

وهي محطة يحتاج رائدها إلى وسائل مكلفة كدعم دور النشر لكتابك حول الشمائل النبوية مثلا أو كاحتضان بعض وسائل الإعلام لدعوتك إلى منهاج النبوة لتتمكن من إعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم تحت أنظار الملايين من المشاهدين.

إلا أن مثل هذا المشروع بمختلف محطاته وإن بدا في الوجود على يد متنورين ومتنورات من أمة الإسلام فإنه سيعاني حتما بالقصور والتقصير لأننا مهما خططنا وبرمجنا من أجل تعظيم وإعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أنفسنا وبين ذوينا وقومنا والناس أجمعين فإن النتائج كما تبدو على سطح الأحداث والعلاقات لا تعرف النجاح المطلوب والمنشود.

ومن ثم كان لجوء المسلم إلى رب العالمين بتوجيه من النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وقفة ضرورية ليتولى الله سبحانه جبر ما نقص في جهدنا وفتر في بذلنا لوسعنا فيصلي سبحانه على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالنيابة عنا صلاة إعلاء وتعظيم تليق بنبينا عليه الصلاة والسلام وتناسب قدره ومقداره.

فصلاة الله على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم نيابة عنا كفيلة بتسديد مثل هذه البرامج التنويرية وإنجاح مشروع الأمة جمعاء في إعلاء مقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ولو في بعض أصقاع هذا المعمور.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #8
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

سيرة محدث سيرة تعظيم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:

ولنتبين هذه المسيرة من خلال سيرة أحد العلماء الربانيين الذين عاينت منهم حملهم لمشروع تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياتهم دعاءا ومقالا وحالا ودعوة.

إنه شيخنا وقدوتنا إلى الله سيدي أبو الفتوح عبد الله بن عبد القادر التليدي حفظه الله.

بدأت مسيرة تعظيم النبي الكريم في نفس شيخنا حفظه الله يوم اقتنى كتاب تنبيه الغافلين للإمام أبي الليث السمرقندي الذي صار أنيسه الدائم أثناء طلبه العلم بالجامع الكبير بطنجة ابتداءا من سنة 1947، فختمه مرات عديدة مستفيدا منه تلك الومضات القلبية التي جعلته يحدد موقعه من خريطة الربانيين ليبدأ مسيره نحو المثال الأول والأسوة الحسنة العليا.

يقول شيخنا سيدي عبد الله حفظه الله في كتابه نصب الموائد الجزء الأول عن هذا الكتاب وعن كتب الرقائق عموما:

وقراءة الكتب الوعظية وأبواب الرقائق من كتب الحديث وغيرها لها تأثير ملموس في تنوير القلوب وتهذيب النفوس وتزكية الأخلاق وحب الآخرة والعمل لها، وكاتب هذه الحروف ممن جرب هذا ولمسه، فإنني لما أنهيت قراءة القرآن الكريم وهداني الله تعالى لطلب العلم وقد ناهزت العشرين من عمري وقع بيدي كتاب تنبيه الغافلين لأبي الليث السمرقندي فجعلته أنيس وحدتي وشغفت بقراءته فتأثرت به كثيرا وتغيرت أحوالي ورأيت فيه ما لم أكن أعلمه ـ لأني لم أكن آنذاك قد طلبت العلم لأني كغيري نشأت في وسط جاهل عمته الفتن من طرف الاستعمار ـ فلما من الله علي بطلب العلم واقتنيت الكتاب المذكور صادف الوعاء فارغا والقلب على الفطرة لم يتدنس بعد بشيء فكان النفع به عظيما. والكتاب وإن كان مزيجا من الأحاديث والآثار الصحيحة والموضوعة فهذا لا يمنع من الاستفادة منه والانتفاع به.. فعليك يا أخي به وبغيره من كتب الرقائق والزهديات تر ما رأيته.. وقد أكرمني الله بسبب قراءته وقراءة كتب أخرى أوسع فحفظني من طيش الشباب وتأثرت بسير الصالحين والزهاد والعباد والأولياء فكنت دائم التطلع إلى مراتبهم وكثير التعلق بأحوالهم وأخلاقهم هـ.

من هذا الكتاب بدأ مشروع تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأخذ طريقه في قرارات نفس شيخنا وعقله وروحه ومخيلته وذهنه وسائر كيانه.

من يومها وهو دائم التطلع إلى المراتب العليا وإلى أصحاب المراتب العليا.. بل كان تطلعه متجها اتجاها دقيقا وحثيثا نحو صاحب المقام المحمود سيد ولد آدم أجمعين حبيبنا ومولانا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ولا أدل على ذلك من أن في هذه السنة بالذات رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المنام في أولى مبشراته العظيمة التي حكاها بنفسه في كتابه "المبشرات التليدية".

كان ذلك بعد متابعته لدرس في النحو على الشيخ العالم الفقيه الحسن اللمتوني رحمه الله في الجامع الكبير ما بين الساعة العاشرة إلى الحادية عشر من الصباح. وكان من عادة شيخنا النوم بعد هذا الدرس لقلة ساعات النوم بالليل في ركن من هذا المسجد التاريخي.

قال حفظه الله في المنح الإلهية بالمبشرات التليدية:

رأيت سنة سبع وستين وثلاثمائة وألف كأنني بالمسجد الأعظم من طنجة فقيل لي: هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس، فقصدته فوجدته جالسا على صفة عالم عليه جلابة بيضاء وبرنس وعمامة ولحية سوداء، فقبلت يده الشريفة فقال لي:
قم لتجمع الزكاة،
فذهبت وجعلت أجمع القروش في حجري فأتيته بها فقال لي:
زكها، فقلت له: وكيف ذلك؟ فقال لي:
ألست تزكي القرآن وأنك تقرأ منه حزبا صباحا ومثله مساءا، فقلت: بلى، فقال:
وكذلك هذه،
ثم قلت في نفسي: الحمد لله الذي أتاني به لآخذ عنه العلم وأدرس عليه.
فاستيقظت فرحا والدموع تسيل على خدودي، فكانت فيها إشارة إلى أخذي العلم من سنته صلى الله عليه وآله وسلم وعملي بذلك لأن العمل هو زكاة الشريعة هـ.

إن ما بين قراءة كتاب تنبيه الغافلين إلى غاية ظهور النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في المنام أشواط ومسافات من تعظيم سيدنا محمد وإعلاء مقامه في النفس والعقل والوجدان.

فقد أصبح شيخنا حفظه الله يريد التتلمذ على الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم الذي تصدر مجلس التعليم في نفس الشيخ وعقله ووجدانه، وبات كل عالم من مشايخه خليفة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتتطلع النفس المزكاة إلى حضور النبي الكريم بذاته وصفته للأخذ عنه.

إن عتبة الاكتفاء التربوي هنا قد اجتازها شيخنا حفظه الله وبامتياز، ما دام مسلسل تعظيمه للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم مستمر، وبرنامج إعلاء ذكره ومقامه في خويصة نفسه لم يتوقف.

إنها حالة مستدامة وليست مجرد ومضة خاطفة لتختفي مع أول هم من هموم المعاش.

إن التتلمذ هنا على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة أقوى من أي ضرورات بقاء الروح في الجسد. إنها ضرورة المحبة المتفانية في الجناب النبوي التي لا قرار للذات معها إلا بمشاهدة المحبوب ومخاطبته.

إن هذا الجهد النفسي والعقلي من شيخنا حفظه الله عصامي بحت، إذ لم يكن له آنذاك انتساب إلى طريقة من الطرق الصوفية المنتشرة في مدينة طنجة.

فما الذي قام مقام شيخ التربية الروحية في ذات شيخنا حفظه الله، حتى نال ما ناله في بداية مشروعه من وسام التعلم بين يدي الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.

إنها، إلى جانب تفانيه في طلب العلم الشرعي، الصلاة والسلام على سيد المرسلين التي تعين على قلب الأحوال وتغيير النفوس إلى مقام عظيم في المحبة والمتابعة.

قال شيخنا في نصب الموائد الجزء الأول:

ومن أسباب محبة الرسول: الإكثار من النظر في سيرته وحياته وأيامه وشمائله وفضائله ومعجزاته والإكثار من الصلاة والسلام عليه مع استحضار شخصه الشريف وصورته الطاهرة.. ومن أقوى هذه الأسباب أيضا قراءة حديثه الشريف والاشتغال به على الدوام، فكل ذلك مما يوجب محبته صلى الله عليه وآله وسلم وينميها هـ.

فبعد كتاب تنبيه الغافلين مباشرة عرف شيخنا كتابا آخر داوم على قراءته مع التدبر في معانيه وأضحى وردا من أوراد يومه وليلته إلى جانب ورده من القرآن الكريم.

فقد كان شيخنا حفظه الله من الطلبة الأحرار الآخذين من التصوف جوهره ولبه، فكان يكثر من الصلاة على الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بكتاب دلائل الخيرات للإمام محمد بن سليمان الجزولي رحمه الله.

وإلى جانب هذا الورد اليومي كان حفظه الله مع ثلة من الطلبة يجتمعون أسبوعيا في محل بحي الدرادب بطنجة لقراءة دلائل الخيرات والبردة جماعة، ولم يكن لهم شيخ بالمفهوم التربوي الروحي، وكان يحضر معهم هذا الجمع الأسبوعي المبارك الفقيه عبد السلام الخنوس والفقيه أحمد الغيلاني رحمهما الله.

يقول شيخنا حفظه الله في كتابه المطرب عند ترجمته لسيدي محمد بن سليمان الجزولي وذكره لكتابه هذا العظيم:

والمقصود أن دلائل الخيرات قيم لا مثيل له في موضوعه، وكاتب هذه الحروف ممن شاهد ولمس بركته.. والكتاب بحمد الله تعالى ليس فيه ما يؤاخذ على مؤلفه إلا ما فيه من بعض أحاديث موضوعة أو التي لا أصل لها، وهذا مما لا يخلو منه كتاب لا يعرف صاحبه الحديث، .. أما ما انتقدوه عليه كقوله: وصل على سيدنا محمد عدد علمك، وقوله: عدد ما أحيط به علمك وأضعاف ذلك، وقوله: كنت حيث كنت، الخ فهي مؤولة ومحمولة على محامل حسنة كما يعرف من جواب أبي المحاسن سيدي يوسف الفاسي كما في ممتع الأسماع ومرآة المحاسن .. أما ما فيه من الاستشفاع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتوسل به وندائه باسمه: يا سيدنا محمد، فالاعتراض على ذلك من وساوس الوهابية وترهاتهم الباطلة، وفي السنة المطهرة ولغة العرب ما يدل على ذلك كما يعرفه أهل العلم الصحيح، وكما هو مذكور في كتب الرد على الوهابية وأذنابهم،.. .

إلى أن قال حفظه الله: وأنا أنصح كل مسلم بملازمة قراءة دلائل الخيرات، فإنه إن لازمه مع التفكر في عظمة الرسول الكريم والتحبب إليه فسوف يسعد إن شاء الله تعالى هـ.

قلت: كيف لا يسعد من شاهد طلعة الحبيب المصطفى سيدنا محمد صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله بل وخاطبه وأخذ عنه.. ؟!

هذا التطلع إلى المقام المحمدي سيفيض على عقل شيخنا بعدما غمر النفس والوجدان ليصبح الاغتراف من العلم والفقه عند أبي الفتوح حفظه الله مشدودا إلى معين النبوة.

ولابد من التذكير هنا بأن السمة المناهضة لهذا التطلع التي ميزت هذه الفترة هي التعصب للمذهب المالكي من طرف كثير من الفقهاء، حتى إن شيوخ الطرق الصوفية، لقوة تيار التقليد، ألغى أكثرهم أسا عظيما من أسس التربية وهو التزام السنة النبوية الصحيحة دون رأي الرجال خصوصا في مجال العبادات، كما سطره الإمام الجنيد رضي الله عنه حين قال:

من لم يحفظ القرآن، ولم يكتب الحديث لا يقتدى به في هذا الأمر لأن علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة هـ.

وقال أيضا: الطرق كلها مسدودة على الخلق إلا على من اقتفى أثر الرسول عليه الصلاة والسلام هـ.

ومع ذلك فقد كانت أكثر المصنفات تدريسا في تلك الفترة وقبلها: مختصر خليل بالخرشي أو الزرقاني أو بناني أو الدردير أو الرهوني، ومتن ابن عاشر المرشد المعين بميارة الصغير أو الكبير، ورسالة ابن أبي زيد القيرواني بشرح زروق .. ، بالإضافة إلى طالع الأماني وغيرها من كتب المالكية، فكان يختمها الواحد من الطلبة على شيخ من شيوخه مرات عديدة، وقليلا ما كان يدرس فقه الحديث بالكتب المصنفة فيه كسبل السلام شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام ونيل الأوطار شرح منتقى الأخبار وإحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام بل لم يكن على علم بها الطلبة المبتدئين ولا حتى بعض الفقهاء المدرسين.

فكيف تفاعل شيخنا مع هذا الوسط العلمي المتعصب والمتشنج والحال أن العقل بدأ يستجيب لنداءات الروح المتحررة من أوحال الذات في معراجها إلى يعسوب الأرواح ومعلمها الأول سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

فلم يكن شيخنا حفظه الله ليكتفي فقهيا بما كان يدرس في جل ،إن لم نقل كل، معاهد العلوم الشرعية. وفور اطلاعه بوجود كتابين هما أصح الكتب الحديثية بعد القرآن الكريم كما هو مقرر في بدايات كتب علوم الحديث، اشترى شيخنا حفظه أول كتاب حديثي له وهو شرح الإمام النووي لصحيح مسلم، فأخذ في قراءته فإذا به يقف على أمور يخالف فيها المالكية قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

إن الأمر في أولى انطباعاته وتأثيراته على نفس شيخنا لجلل وخطير !!

فالمسألة لا تحتمل المزيد من التأخير في البيان لأن وقت الحاجة قد تأكد وحان.

فسأل شيخنا أحد مشايخه عن هذه المخالفة وما سببها فكان جواب هذا الشيخ المتعصب للمذهب المالكي سقفا بشريا مانعا لمسلسل الاغتراف من معين النبوة أن يأخذ طريقه في تأصيل وتقعيد متابعة النبي الكريم وتقديم قوله وبيانه على قول وبيان أي إنسان.

أجابه الشيخ المتعصب بأن يترك جانبا كتب الحديث ويقتصر في طلبه للفقه على الفقه المالكي الذي "صفاه علماؤنا من كل شائبة خطأ أو نقص" في زعم هذا العالم.

وتكرر بروز هذا التطلع الفائر للمقام المحمدي مرة ثانية حين قرأ شيخنا كتاب زاد المعاد في هدي خير العباد فذهب إلى أحد مشايخه الذي أجابه قائلا: إن صاحب الكتاب حنبلي ونحن مالكية، وأخذ في مدح المذهب المالكي ورجالاته وفقهائه وأنه لا يجوز للمغاربة أن يعملوا بغير ما ذهب إليه مالك بن أنس رحمه الله.

واستمر حال شيخنا في شوق وتلهف لاستئناف مشروعه في تعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإعلاء ذكره وسنته إلى غاية سنة 1952 حيث سيلتقي بالإخوة الصديقيين سيدي محمد الزمزمي وسيدي عبد الحي وسيدي عبد العزيز رحمهم الله.

فقضى سنة كاملة إلى جانبهم يتعلم كيفية التخلص من تقليد أقوال الفقهاء المتعارضة مع بيانات السنة النبوية الصحيحة لتأخذ مسيرة إعلائه للمقام المحمدي في نفسه وعقله طريقها نحو التألق والتقدم.

وفي سنة 1953 سيتتلمذ شيخنا على شيخه الحافظ سيدي أحمد بن الصديق رحمه الله الذي سيصبح من أول يوم لقائه به شيخه في الحديث النبوي وشيخه أيضا في التربية الروحية. وكان هذا اللقاء في مدينة سلا المغربية.
أكمل الحافظ سيدي أحمد ما بدأه إخوته من مشروع تعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في ذات شيخنا فإذا ببوادر النجاح تلوح في أفق المنامات المبشرة التي جاءت الواحدة تلو الأخرى لتثبت قدمي شيخنا على طريق المواصلة في مشروعه العظيم.

ومن التوفيق الإلهي لشيخنا في هذه الصحبة، أن مشروعه لتعظيم النبي الكريم في ذاته وعقله ووجدانه ونفسه قد التقى بما كان عليه شيخه الحافظ سيدي أحمد رحمه الله من متابعة دقيقة للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وحب وهيام في جنابه وحديثه وكل ما يشد إليه.

فكان برهان هذا التلاقي الرباني واضحا في مبشرات شيخنا المنامية حيث سيرى سيدي عبد الله في المنام كأنه مع شيخه بداره بسلا وليس معهما أحد فقال له سيدي أحمد رضي الله عنه:

ادن مني فأنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشرف وعظم ومجد وكرم،

فدنا منه شيخنا وصار يقبل يده الشريفة وكان عليه لباس أبيض ووجهه مشرق يتلألأ نورا.

ولكم أن تواصلوا قراءة مسيرة هذا التعظيم التليدي للمقام المحمدي بقراءة كل من كتاب شيخنا: ذكريات من حياتي، أو كتابي المختصر في ترجمته: عبد الله التليدي العلامة الأثري والمحدث المربي، ريثما يأذن الله في طبع أصله وهو أنيس دربي وهداية ربي لسيرة الشريف والمحدث المربي سيدي أبي الفتوح عبد الله التليدي.

يكفينا هنا أن نتبين مستوى التعظيم التليدي للمقام المحمدي بالتعريج على مستويين مهمين في هذا الموضوع وهما: مستوى التدريس ومستوى الكتابة.
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #9
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

فمن ناحية التدريس فنوعية مجالس شيخنا ثلاثة:

1 - مجلس الإقراء لأصول الحديث : يقوم فيها بسرد وقراءة الكتب الحديثية المشهورة كالكتب التسعة واقفا عند كل حديث ليستنبط منه فوائد فقهية وعلمية وأصولية، وإذا كان في السند من تكلم فيه أشار إليه مع بيان درجة الحديث من جهة الصحة والضعف والقبول والرد.

وكثيرا ما يقف عند غريب الألفاظ ودقيق المعاني النبوية وجوامع كلمه صلى الله عليه وآله وسلم مع التنبيه على الناسخ والمنسوخ والخاص والعام والمطلق والمقيد .

وفي بعض الأحيان يتوقف عند شخصية عظيمة من رجال السند ليذكر مناقبه وسيرة حياته وبعضا من قصصه وحكاياته.

وقد ختم شيخنا بفضل هذا النوع من المجالس جل الكتب الحديثية: الصحيحين والسنن الأربعة وسنن الدارمي ومسند الإمام أحمد وموطأ الإمام مالك وسنن البيهقي..

2 – مجلس مدارسة للعلوم الدينية المختلفة: يجلس فيها الشيخ حفظه ليستمع إلى أحد طلبته يقرأ من كتاب له أو لأحد العلماء البارزين في أحد العلوم الشرعية، وكلما انتهى الطالب من قراءة فقرة من فقرات الكتاب يقوم شيخنا بشرح ما سمعه الحاضرون بأسلوب بسيط وبعبارات ميسرة مع تنبيهه للأخطاء العلمية أو التي وقع فيها مؤلف الكتاب سواء كانت أخطاء في تأدية المعنى والتعبير أو في ترجيح الأراء وإقامة الأدلة.. .

وقد ختم شيخنا بفضل هذا النوع من المجالس العديد من الكتب نذكر منها:

- تفسير الجلالين وتفسير ابن كثيرة وصفوة التفاسير وتفسير الخازن وتفسير ابن عجيبة والإتقان في علوم القرآن ومناهل العرفان في علوم القرآن..
- عمدة الأحكام وسبل السلام ونيل الأوطار وبداية المجتهد ونهاية المقتصد والشمائل المحمدية والأربعين النووية والمرشد المعين ورسالة ابن أبي زيد ونور اليقين وفقه السيرة للبوطي والخصائص النبوية والشفا وزاد المعاد والأدب المفرد..
- ألفية العراقي ونخبة الفكر وتدريب الراوي ومقدمة ابن الصلاح والباعث الحثيث..
- ألفية ابن مالك ومقدمة ابن آجروم..
- الورقات ومفتاح الوصول وأصول الفقه لخلاف ولشعبان..

ويتتبع الطلبة في كلا المجلسين كلام الشيخ كاتبين جل تحقيقاته حفظه الله على هوامش نسخهم من الكتب المدروسة.

وهكذا يكون مع الطالب بعد دراسة مؤلف من المؤلفات المراجع في السنة المحمدية أو فقهها، فهم مضمون الكتاب المدروس وبيان تام لجل الإخفاقات التي أغفلها صاحبه ومختلف التعليقات والتحقيقات التليدية النفيسة في علم من علوم ديننا الحنيف.

3 – والمجلس الثالث عفوي، يأتي غالبا دبر الصلوات الخمس وخاصة بعد صلاة العصر، يستمع فيه الطلبة لفائدة فقهية جليلة أو قصة غريبة أو موعظة مؤثرة، وكثيرا ما يأتي ذلك عقب سؤال يطرحه أحد الطلبة على شيخنا حفظه الله ليجيب عنه بما يفتح الله عليه من مواهب ومعارف.

أما من ناحية الكتابة فمجرد مراجعة عناوين كتبه الذي عمت الآفاق الإسلامية وبلغ صيتها دول الغرب وخصوصا الأندلس السليب، ستعطينا صورة واضحة لمعالم مشروعه المشرق في تعظيم النبي الكريم وإعلاء مقامه بين الدارسين والقارئين والمثقفين.

فقد اعتنى شيخنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عناية متنوعة:

أولا، حرص على وضع القارئ العربي أمام شخصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعيدا عما التصق بها من مقتضيات الأحاديث الموضوعة والباطلة، وبالاقتصار على صحيح الأحاديث وحسنها، فقام بتهذيب كل من كتاب: الخصائص النبوية للسيوطي، وكتاب: الشفا للقاضي عياض.

ثانيا، عمد شيخنا إلى الاعتناء بكتاب جامع في سنن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، واختار منذ تتلمذه على سيدي عبد العزيز بن الصديق رحمهما الله أن يتخصص في جامع الإمام الترمذي رحمه الله، فهذبه وخرج أحاديثه وتكلم على أسانيده تصحيحا وتحسينا وتضعيفا.

ثالثا، قرر شيخنا تقريب السنة المحمدية إلى القارئ العربي على اعتبارها هي المفسرة الأولى للقرآن الكريم فقام بتأليف كتاب نفيس في التفسير سماه: الجواهر واللآلئ المصنوعة في تفسير القرآن العظيم بالأحاديث الصحيحة المرفوعة.

رابعا، قرر شيخنا أيضا تقريب فقه السنة المحمدية إلى القارئ العربي في مجال العبادات فألف كتابا رائعا سماه: إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة.

خامسا، سهر شيخنا على توطيد علاقة الطالب للعلوم الشرعية بالحديث النبوي فألف كتابا ممتعا في ألفي حديث صحيح وقصير مع الشرح والتخريج سماه: جواهر البحار في الأحاديث الصحيحة القصار.

سادسا، بذل شيخنا قصارى جهده في سبيل إعلاء الحديث النبوي الصحيح فألف جامعا خاصا به في السنن النبوية سماه: بداية الوصول بلب صحيح الأمهات والأصول، في اثني عشر مجلد.

إلى غير ذلك من المؤلفات القيمة التي يدور محورها حول تعظيم النبي الكريم وإعلاء مقامه في عقول المسلمين ومشاعرهم وفي علاقاتهم فيما بينهم.

وقد كان شيخنا حفظه منذ أن بدأ مشروعه في تعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أي منذ سنة 1947 وهو لا يفارق كتاب دلائل الخيرات في حله أو ترحاله، بل قد أقام منذ زمن بعيد مجلسا أسبوعيا لقراءة أجزاء من دلائل الخيرات مع مريديه وطلبته في زاويته ومدرسته بمرشان.

وما زال هذا المجلس يعقد إلى يومنا هذا سواء في حضوره أو غيابه محطة تربوية مهمة استفدت منها شخصيا الكثير من معاني المحبة والوقار والمتابعة للجناب النبوي المكرم.

يقول شيخنا عن نعم الله عليه في كتابه ذكريات من حياتي:

ومنها أن الله تعالى ألهمه وهو لا يزال يطلب العلم لقيام الليل والإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى شغف بمحبته صلى الله عليه وآله وسلم وصار في ذلك الوقت كلما صلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم تهاطلت دموعه شوقا إلى الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم، وكان ذلك من الأسباب التي جعلته يدعو الله تعالى أن ييسر له الحج وزيارة البلاد المقدسة هـ.

قلت: بل كان من ثمرات حبه حفظه الله للنبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم أن جاءته بشارة من رسول الله ووعد نبوي، عن طريق أحد المشايخ الربانيين المقيمين بالحجاز، بتيسير زيارته للحج أو العمرة في كل سنة.
قال شيخنا في كتابه نصب الموائد الجزء الثاني:

لقد عشنا تحت الاستعمار ثلاثين سنة كاملة عندنا بشمال المغرب من الطفولة إلى وسط الشباب وشاهدنا أيامه وذقنا من المحن ورأينا من المناكير والويلات ما هو معروف في كل الأقطار التي استعمرت من طرف العدو الكافر، وعندما استقلت بلادنا وذلك عام 1376 هجرية وانتقل العدو بجيوشه وحكامه كنا نتوقع ونأمل أن تنقلب الأوضاع من تلك المخازي التي عشناها مع الاستعمار إلى مجتمع إسلامي طاهر نظيف يحكمه المسلمون ويطبق فيه شرع الله العزيز كما كان يعدنا به الزعماء الثرثارون المتفرنجون لكن خابت ظنوننا وطبق علينا ما لم نكن نعهده أيام الاستعمار حتى ضاقت بنا الأرض بما رحبت وفكرنا في المخرج ومفارقة هذه البلاد الظالم أهلها فلم نجد ملجأ نلتجئ إليه ولا بلدا إسلاميا نظيفا نقيم فيه ولم نر أمامنا إلا بلادنا المقدسة التي هي وطن كل مسلم مكة والمدينة التي تكفل الله عز وجل بحفظهما من قذر الاستعمار الكافر ولما شاهدنا فيها من الخير وظهور الدين ونظافتها في الجملة من المظاهر القذرة البغيضة التي نشاهدها ونعايشها في بلادنا، ولما كانت سنة 1387 هجرية وقد مر على الاستقلال قرابة من اثني عشر عاما عزمت على الهجرة إليها بزوجتي وطفلي الصغيرين آنذاك فشرعت في بيع مكتبتي والاستعداد للسفر واخترت أن تكون الإقامة بالمدينة المنورة مجاورة لحبيب الله صلى الله عليه وآله وسلم .
فسافرت أيام الحج لأبحث عن اللوازم المطلوبة لدى الحكومة السعودية لمن يرغب في الإقامة هناك، ولما زرت المدينة علمت بأن بها رجلا صالحا جزائريا مهاجرا بها من زمان فزرته في بيته واستشرته في الموضوع وأتذكر أنه لم يوافق.
ومن الغد رجعت إليه فأخبرني بأنه رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الليلة في المنام وأمره أن يبلغني بأنه لا إذن لي في الهجرة وأن الواجب علي أن ألزم بلادي لينتفع بي الناس، ولي الإذن في الزيارة كل سنة هـ.

قلت: وللقارئ أن يتأمل في أمر العزم على مجاورة النبي الكريم كنتيجة طبيعية للمحبة المتفانية في الجناب النبوي من طرف شيخنا حفظه الله.

ولا شك أن الصلاة على رسول الله تقرب المسافات بينك وبين حبيب الرحمن مهما بعدت وتعسرت سبلها أو ضاقت مسالكها.

ثم قال شيخنا حفظه الله:

وزاد هذا تأكيدا أني رأيت مرة كأن رجلا صالحا يقول لي: إنك بنور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تحج كل سنة وتفعل كذا وكذا لأشياء حسنة لم أتذكرها هـ.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-09-2009
  #10
أبو أنور
يارب لطفك الخفي
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 3,299
معدل تقييم المستوى: 19
أبو أنور is on a distinguished road
افتراضي رد: ألف دلالة ودلالة في الصلاة على نور الوحي والرسالة

شروط استجابة الدعاء:

يتوقف أمر نيابة الله عنا في الصلاة الكاملة التامة على نبيه الكريم على الوجه الذي يليق بمقام سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، على استجابة الله لهذا الدعاء الذي شرعه لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.

فالبشر يشتركون مع الملائكة في أداء واجب الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن الدعاء في حق الملائكة دعاء مستجاب وفي حق البشر دعاء يرجى له القبول إلا إذا كان نطق أحدنا بهذا الدعاء نطقا بالله عز وجل فإنه يكون دعاءا مستجابا قطعا.

وقد ذهب بعض العلماء إلى قطعية استجابة الله لدعائنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مطلقا دون تقييد، وهو رأي يحتاج لدليل يخرج صيغة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما هي دعاء من مطلق الدعاء الواجب توفره على شروط من أجل إجابته من الله تعالى.

فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحتاج إلى دعائنا بالصلاة عليه حتى يصلي عليه رب العزة جلت قدرته، لأن الله قد قضى بأن يصلي عليه بنفسه وأمر ملائكته بذلك وهم لا يعصونه في أمره أو نهيه ويفعلون ما يؤمرون به، ودعاؤهم قطعا مستجاب.

وإلى ذلك أشار سيدي عبد العزيز الدباغ رحمه الله في الإبريز حيث قال في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
لم يشرعها الله سبحانه بقصد نفع نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وإنما شرعها الله لنا بقصد نفعنا خاصة، كمن له عبيد فنظر إلى أرض كريمة لا تبلغها أرض في الزراعة فرحم عبيده فأعطاهم تلك الأرض على أن يكون الزرع كله لهم يستبدون به، ولم يعطهم ذلك على وجه الشركة، فهكذا حال صلاتنا عليه صلى الله عليه وآله وسلم فأجرها كله لنا.
وإذا شعل نور أجرها في بعض الأحيان واتصل بنوره صلى الله عليه وآله وسلم، تراه بمنزلة شيء راجع إلى أصله لا غير، لأن الأجور الثابتة للمؤمنين قاطبة إنما هي لأجل الإيمان الذي فيهم إنما هو من نوره صلى الله عليه وآله وسلم، فصارت الأجور الثابتة لنا إنما هي منه صلى الله عليه وآله وسلم.
ولا مثال له في المحسوسات إلا البحر المحيط مع الأمطار إذا جاءت بالسيول إلى البحر، فإن ماء الأمطار من البحر فإذا رجع إلى البحر فلا يقال إنه زاد في البحر هـ.

أما أمره سبحانه لنا بالصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم فتكليف يحتاج منا توفير إرادة مستدامة لتعظيم النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم وإعلاء مقامه ومكانته كما أرادها الله لرسوله، فإن عجزنا عن ذلك كما هو الواقع فإن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم قد أرشدنا إلى سبيل الدعاء لنتوجه إلى الله سبحانه ونطلب منه أن ينوب عنا في الصلاة الكاملة التامة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم كما ينبغي ذلك لسيد الأولين والآخرين.

ودون تحقيق ذلك، نكون بدعائنا بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صلينا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مجازا وليس على الحقيقة.

فصلاتنا على رسول الله مجازية وليست حقيقية !!

قال العارف بالله سيدي عبد العزيز الدباغ رحمه الله في الإبريز محذرا من مغبة اعتبار صلاتنا على رسول الله نفع منا لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم:
وترى الرجل يقرأ دلائل الخيرات فإذا أراد أن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم صوره في فكره وصور الأمور المطلوبة له كالوسيلة والدرجة الرفيعة والمقام المحمود وغير ذلك مما هو مذكور في كل صلاة وصور نفسه طالبا لها من الله تعالى، وقدر في فكره أن الله يجيبه ويعطيه ذلك لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم على يد هذا الطالب، فيقع في ظن الطالب أنه حصل منه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم نفع عظيم فيفرح ويستبشر ويزيد في القراءة ويبالغ في الصلاة ويرفع بها صوته ويحس بها خارجة من عروق قلبه، ويعتريه خشوع وتنزل به رقة عظيمة، ويظن أنه في حالة ما فوقها حالة وهو في هذا الظن على خطأ عظيم، فلا يصل بصلاته هذه على شيء من الله تعالى لأنها متعلقة بما ظنه وصوره في فكره، وظنه باطل والباطل لا يتعلق بالحق سبحانه، وإنما يتصل بالحق سبحانه ما هو حق في نفس الأمر بحيث أن الشخص لو فتح بصره لرآه في نفس الأمر، فكل ما كان كذلك فهو متعلق بالحق سبحانه، وكل ما لو فتح الإنسان بصره لو يره باطل، والباطل لا يتعلق بالحق سبحانه.
فليحذر المصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذه الآفة العظيمة، فإن أكثر الناس لا يتفطنون ويظنون أن تلك الرقة والحلاوة الحاصلة لهم من الله سبحانه، وإنما هي من الشيطان ليدفعهم بها عن الحق سبحانه ويزيدهم بها بعدا على بعد.
وإنما ينبغي أن يكون الحامل محبته صلى الله عليه وآله وسلم وتعظيمه لا غير وحينئذ يشتعل نورها..، وأما إن كان الحامل عليها نفع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن صلاته حينئذ لا تتعلق بالحق سبحانه ولا تبلغ إليه هـ.

وقبل تفصيل شروط استجابة الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابد من التنبيه إلى أن الصلاة على رسول الله بما هي دعاء كما أنها تحتاج إلى شروط هي بدورها تعد من أركان الدعاء وأجنحته. فالدعاء عموما يحتاج ضمن ما يحتاجه من شروط إلى تصديره واختتامه بدعاء خاص وهو الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الإمام ابن عطاء الله رحمه الله:
للدعاء أركان وأجنحة وأسباب وأوقات، فإن وافق أسبابه أنجح. فأركانه: حضور القلب والرقة والاستكانة والخشوع وتعلق القلب بالله وقطعه من الأسباب، وأجنحته: الصدق، ومواقيته: الأسحار، وأسبابه: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هـ.

وقال الإمام عبد الرحمن الفاسي رحمه الله في سر سؤال الحاجة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: وسر ذلك ـ والله أعلم ـ ملاحظة واسطته وكونه الباب والوسيلة، هذا مع المحافظة على ذكره صلى الله عليه وآله وسلم مع ذكر الله عز وجل تخلقا بقوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك)، وأن لا يغفل عن ذكره مع ذكر ربه عز وجل هـ.

وقال ابن شافع رحمه الله: إذا طلبت من الله شيئا فصل على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أول دعائك وآخره، فيكون مثالك كمن دخل بتجارته على الباب بين أميرين يحرسانه، فهل يتعرض له أحد ؟! بل ينبسط جاههما عليه هـ.

ولاستجابة الدعاء عموما من قبل الله عز وجل شروط ينبغي الوفاء بها وتحقيقها.

أولى هذه الشروط وهو الأصل في استجابة الدعاء كما فصل ذلك الإمام الغزالي في إحيائه: تحقيق التوبة مع رد المظالم إن كانت عالقة على عاتق التائب، والإقبال على الله عز وجل بكنه الهمة وبإنابة وتبتل، فذلك هو السبب القريب في الإجابة وكل الشروط التي ستأتي إنما هي فروع منبثقة عنه.

فكيف ينوب الله عز وجل عن أحدنا في الصلاة الكاملة التامة الزكية على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وهو نمام لا يبرح عن الخوض في أعراض المؤمنين والسعي في هدم العلاقات الاجتماعية عوض محاولة الإصلاح بين الناس؟!

وهو مثال بسيط لما عليه العديد من المنتسبين إلى طرق التصوف والإحسان لا يتورعون عن مثل هذه السفاسف والآثام في مجالس يظنون أنهم بكثرة ترتيلهم لدعاء الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ناجون، بل ومقربون إلى الله راقون.

وللإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه رأي نفيس في سياق هذا المعنى حيث قال: الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان أمرها عظيما وخطبها جسيما ومحلها من الدين عليما، لكن المصلي عليه حقيقة هو من اتبع السنة وهجر البدعة، فمن اتبع سنته فهو مصل عليه ولو لم يتلفظ بها، ومن حاد عن الطريق فليس بمصل على التحقيق وإن لم يفتر عنها طرفة عين في السعة والضيق إلا أن بركة ذلك ترجى له هـ.

قلت: نعم، ترجى بركة الصلاة على سيد الأولين والآخرين لمن داوم عليها ولو كان منتهكا لحرمات الله، بل وقد يغفر الله له ما يرتكبه من ذنب لاعتياده مثلا قراءة دلائل الخيرات الخاص في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وقت من أوقات يومه وليلته، إلا أننا هنا نؤكد على ضرورة استحضارنا لافتقار الناس جميعا وبدون استثناء إلى نيابة الله عنهم في الصلاة الكاملة التامة الزكية على من إذا رقى على مرأى منا ومشهد لم تكن لنا فرصة تحديد مقامه الذي ارتقى إليه حتى يكون قد ارتقى إلى مقام أعلى وأعظم وأحمد صلى الله عليه وآله وسلم.

ثاني هذه الشروط التضرع حتى البكاء، والخشوع حتى الاستغراق في محبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والرغبة في نيل أعظم صلاة كاملة باسمك على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والرهبة والخوف من عدم الظفر بهذا الفضل الكبير والمزية العظمى.

فكم من مجلس يدعو فيه أصحابه بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فإذا به مجلس تراتيل فقط لأنواع وصيغ مختلفة من الصلاة على النبي الكريم، قد يكسب المرتل فيهم أجر الذكر العام وينال بذلك حسنات ويتخلص من سيئات إلا أن غياب تركيزه وفقدان افتقاره لمعنى النيابة الإلهية في الصلاة على الحبيب الشفيع بتركه الخشوع لله سبحانه أثناء دعائه يفوت عليه فرصة الاستجابة الإلهية له في الواجب من الصلاة اللائقة بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم.

قال ابن القيم رحمه الله في جلاء الأفهام:
صلاة أهل العلم ـ العارفين بسنته وهديه المتبعين له ـ عليه صلى الله عليه وآله وسلم، خلاف صلاة العوام عليه، الذين حظهم منها إزعاج أعضائهم بها ورفع أصواتهم، أما أتباعه العارفون بسنته العالمون بما جاء به، فصلاتهم عليه نوع آخر، فكلما ازدادوا فيما جاء به معرفة، ازدادوا له محبة ومعرفة بحقيقة الصلاة المطلوبة له من الله تعالى هـ.

قلت: يقصد هنا بالعوام من كان طائعا لله تعالى في الجملة، ولولا بعده عن العلم وأسرار الشريعة لكان واعيا بما يقوله ويردده.

وعليه يكون أساس الدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو أن ير المسلم ولاية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليه في جميع الأحوال وير نفسه في ملكه عليه الصلاة والسلام.

وهذا الإيمان قد يستوي فيه العامي الذي ليست له فرصة التعرف على مقتضيات دينه وكذا المتعلم المتنور بأنوار السنة والهدي النبوي. وهو ـ أي هذا الإيمان ـ لا يتم إلا بإيثاره صلى الله عليه وآله وسلم على النفس لأن من أحب شيئا آثره وآثر موافقته، فمن لزم ذلك في كل حال وخاصة عند الصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو كامل المحبة، ومن خالف في بعض الأمور وخصوصا عند ورد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو ناقص المحبة ولا يخرج عن اسمها.

وفي حديث عمر رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت أحب إلي يا رسول الله من كل شيء إلا نفسي التي بين جنبي، فقال له عليه الصلاة والسلام:
لا تكون مؤمنا حتى أكون أحب إليك من نفسك.

فقال عمر رضي الله عنه: والذي أنزل عليك الكتاب لأنت أحب إلي من نفسي التي بين جنبي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
الآن يا عمر تم إيمانك.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه عند التعليق على هذا الحديث:
فعمر رضي الله عنه كان مؤمنا قبل ذلك ـ يقصد قبل قوله: إلا نفسي ـ محكوما له به، ومن إيمانه وصدقه قال ما قال، كأنه رأى نفسه مقصرا في محبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقيام ببعض ما يجب من حقه، وذلك لما استشعر من عظم قدره وفخامة أمره وكبر حقه، ووجد محلا لطلب الزيادة وإشارة من الحق لذلك وتعطشا في نفسه وارتفاعا في همته، فقال ما قال، والله أعلم هـ.

ومن الآثار التي يستفاد منها استحضار معنى الدعاء والتضرع في ورد الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما روي عن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أتاني آت من ربي فقال ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا.
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك؟ قال:
إن شئت.
قال: ألا أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال:
إن شئت.
قال: ألا أجعل دعائي لك كله؟ قال:
إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة.

فالصلاة على رسول الله كما في هذا الحديث الشريف أعظم دعاء له عليه الصلاة والسلام.

ولنا أن نسأل سؤال مراجعة ذاتية عن أحوالنا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية مع مقابلة ذلك بما اعتدنا على ترتيبه، أفرادا أو جماعات أو بأمر من السلطان، من حلقات ومجالس للدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

كيف أن الله لم يكفينا هم الدنيا بشتى مطالبها ومشاغلها رغم ما رتبناه من أوراد كثيرة للدعاء بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!

بل أين دعاؤنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ساعات التلاوة والترتيل مثلا لكتاب دلائل الخيرات الخاص في الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟!

الشرط الثالث وله علاقة مباشرة بالشرط الثاني أن يجزم الدعاء ويوقن بالإجابة ونيابة الله عنه ويصدق رجاؤه في ذلك فيكرر ويلح في الطلب ما أمكنه ذلك.

وهي اليقظة التامة والاستنفار الشامل لكل الحواس وسائر مناحي الجسم للوقوف بين يدي الله سبحانه المجيب لمن دعاه والموفي بوعده إذا وعد.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:
يستجاب لأحدكم ما لم يعجل فيقول قد دعوت فلم يستجب لي.
وفي رواية: فيتحسر عند ذلك فيدع الدعاء.

وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم:
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه.

وهذه الشروط الثلاثة واجبة وضرورية مجتمعة ولا يمكن فصل شرط منها عن بعضها. أما الشروط المقبلة فهي كمالية وليست أساسية.

الشرط الرابع أن يترصد لدعائه الأوقات الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السحر من ساعات الليل.

على أن شرف الأوقات كما قال الإمام الغزالي في إحيائه: يعود إلى شرف الحالات أيضاً كما سيأتي في الشرط الخامس، إذ وقت السحر وقت صفاء القلب وإخلاصه وفراغه من المشوشات. ويوم عرفة ويوم الجمعة وقت اجتماع الهمم وتعاون القلوب على استدرار رحمة الله عز وجل، فهذا أحد أسباب شرف الأوقات سوى ما فيها من أسرار لا يطلع البشر عليها هـ.

قال الإمام محمد المهدي الفاسي رحمه الله في مطالعه: وخص يوم الجمعة بالحض على الإكثار فيه من الصلاة عليه صلى الله عليه وآله وسلم لما فيه من الفضل، فهو يوم تشهده الملائكة، وتعرض عليه صلى الله عليه وآله وسلم فيه صلاة من صلى عليه صلى الله عليه وآله وسلم، وفيه ساعة الإجابة، إلى غير ذلك مما ذكر من فضائله.

وقال ابن القيم: إن الحكمة في ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنام ويوم الجمعة سيد الأيام، فللصلاة عليه فيه مزية ليست لغيره، مع حكمة أخرى، وهو أن كل خير نالته أمته في الدنيا والآخرة فإنما نالته على يده صلى الله عليه وآله وسلم، فهو عيد لهم في الدنيا، وأعظم كرامة تحصل لهم في الآخرة فإنها تحصل لهم في يوم الجمعة.

وقال غيره: إن فضل ليلة الجمعة ويومها بما أن فيها حل النور الباهر الشريف في بطن المكرمة آمنة، فيكون لليلة الجمعة ويومها نسبة من مولده الشريف من اتخاذه عيدا وإكثار الصلاة عليه فيه شكرا لله وفرحا به وتعظيما له هـ.
الشرط الخامس أن يغتنم الأحوال الشريفة، كزحف الصفوف في سبيل الله تعالى، وعند نزول الغيث، وعند إقامة الصلوات المكتوبة، وخلف الصلوات وآخرها، وبين الأذان والإقامة، وعند المرور بالمساجد ودخولها، وفي حال الصوم، وحال السجود، وفي حال استقبال القبلة مع خفض الصوت، وفي حال القنوت.

ومن هذا المعنى يستشف أن الصلاة ما كانت بخشوعها وركوعها وسجودها وسائر حركاتها إلا لتهيء المرء ليدعو الله عز وجل قبل الخروج منها بالصلاة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم على الوجه المطلوب، كما هي السنة المحمدية في الصلاة المكتوبة، فيتمكن العبد بإذن الله تعالى من استجابة ربه لدعائه ونيابته سبحانه عنه في الصلاة على النبي الكريم صلى الله عليه وآله وسلم.

ورحم الله شيخنا سيدي محمد بن علوي المالكي الحسني المكي إذ تنبه إلى هذا الأمر فاعتبر ورود الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة المكتوبة من خصائص أمة الإسلام في كتابه: خصائص الأمة المحمدية.

فالصلاة بركوعها وسجودها وسائر حركاتها تمرن القلب وتهيئ صاحبه ليقول اللهم..

الشرط السادس أن يعمد إلى أحد الصالحين المشهورين باستجابة الله لدعائهم ويطلب منه أن يدعو الله عز وجل له لينوب عنه في الصلاة الكاملة التامة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فالصالحون إن نطقوا فإنما يكون نطقهم بالله عز وجل.

فيروى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استسقى بالعباس رضي الله عنه فلما فرغ عمر من دعائه قال العباس:
اللهم إنه لم ينزل بلاء من السماء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه بي القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وآله وسلم وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا بالتوبة وأنت الراعي لا تهمل الضالة ولا تدع الكبير بدار مضيعة فقد ضرع الصغير ورق الكبير وارتفعت الأصوات بالشكوى وأنت تعلم السر وأخفى، اللهم فأغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.
قال: فما تم كلامه حتى ارتفعت السماء مثل الجبال.

فاستسقاؤنا بالصالحين لمكانهم من الله عز وجل أو مكانهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخص غيث الأمطار فقط بل كل أنواع الإغاثة الإلهية بما فيها استمطار الرحمة والحكمة النبويين.

ومن هذا الباب صحبة الصالحين واغتنام حضورك معهم لتدعو الله عز وجل وتسأله بجاههم وجاه من يعظمونه ويوقرونه أن ينوب الله عنك في الصلاة الكاملة على سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم.

يتبع..
أبو أنور غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
11 ألف حمامة تعيش في كنف الجامع «الأموي» في دمشق عبدالقادر حمود ركن بلاد الشام 2 10-02-2013 05:17 AM
الحديث عن الوحي عمرياسين المواضيع الاسلامية 1 07-17-2013 06:40 AM
حمامة الغار عبدالقادر حمود الانشاد والشعر الاسلامي 0 12-10-2010 10:56 AM
نزول الوحي هاجر المواضيع الاسلامية 1 03-04-2010 02:02 PM
الحج الشامي دلالة على مكانة دمشق عبدالقادر حمود ركن بلاد الشام 2 08-07-2009 08:29 PM


الساعة الآن 04:35 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir