موقعه : يقع جامع الحنابلة خارج أسوار المدينة القديمة، في صالحية دمشق الشام بحي (أبو جرش) في زقاق الحنابلة. محاذياً لشارع الشيخ عبد الغني النابلسي، عند السفح الشرقي لجبل قاسيون.
أسماؤه : قال يوسف بن عبد الهادي، له أربعة نسب:
الأولى: الجامع المظفري، نسبة للسلطان مظفر الدين كوكبوري (صاحب إربل)، زوج شقيقة السلطان صلاح الدين الأيوبي، الذي تمم بناءه, وهي أقدم تسمية للجامع وأكثرها استعمالاً عند المؤرخين .
الثاني: جامع الجبل، لأنه في مصاعد جبل قاسيون.
الثالث: جامع الحنابلة، لأنه كان وقفاً حنبلياً.
الرابع: جامع الصالحين.
خصائصه وما قيل فيه: هو أول جامع كبير بني في دمشق بعد الجامع الأموي. قال ابن عبد الهادي (الجامع المظفري أول مباني الصالحيّة, وتاليه المدرسة العمرية). وقال ابن كنان عنهما: ((وخصهما بالذكر لما هو مشاهد من بركتهما لكل أحد، ولأنه كثر فيهما اشتغال الدروس، وهما محل الحفَّاظ والمحدثين، واجتمع فيهما ما لايجتمع في غيرهما )).
بناؤه : تشير النصوص التاريخية إلى أن الذي بدأ في بناء الجامع المظفري هو الإمام محمد بن أحمد بن قدامة القدسي، الذي هاجر مع أهله سنة 550 هـ (1155م) من فلسطين، واستقر بصالحية دمشق، وباشر بناءه سنة (598هـ – 1202م) بعد انتهائه من بناء دير الحنابلة، وجعله رديفاً له بمساحة (37*25).
وأنفق على بنائه تاجر يقال له أبو داود الفامي، ثم نفد ماله فتوقف العمل ولمَّا يرتفع البناء عن مستوى القامة. بلغ ذلك الملك المظفر كوكبوري (صاحب إربل)، فبعث لهم ثلاثة آلاف دينار لتتميم عمارته، كما قام بحفر بئر ماء، ووقفت عليه. وانتهى بناء بناء الجامع في 17 رجب سنة 610 هـ.
ويذكر أن الذي تولى عمارة الجامع وأبدع فيه هو الشيخ أحمد بن يونس بن حسن المقدسي المرداوي (ت،622هـ) وهو من مهاجري المقادسة.
وصف الجامع وتطوره: يُلاحظ أن مخطط الجامع وشكله العام قُصد به إلى حد بعيد محاكاة الجامع الأموي ومخططه وشكله, وللجامع جبهة حجرية عربية فيها الباب الغربي الكبير الذي يؤدي إلى صحن الجامع المربع الشكل الذي تتوسطه بركة ماء مربعة، وللمسجد باب آخر يواجه الباب الغربي.
كما يتوسط الجدار الجنوبي للجامع محراب حجري بديع الصنع، يكتنفه عمودان من الرخام الأبيض المجزّع، ويقوم إلى يمين المحراب منبر خشبي، وهو آية من آيات الفن ، وهو هدية من الملك كبوري، وقد زُين بمواضيع نباتية وهندسية تعد من روائع الفن الإسلامي، وتشير الدراسة التاريخية إلى أن منبر المسجد كان في البدء شبيهاً بمنبر مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة، من ثلاث درجات، إلى أن تم صنع المنبر الحالي آنف الذكر سنة 604 هـ.
والخلاصة أن الجامع أحد روائع دمشق بمخططه وزخارفه الفريدة من نوعها.
وقد رمم الجامع في السبيعينيات، وفيه أعمال ترميم حالياً، ولايزال يحافظ على مخطط بنائه القديم، وعلى معظم أقسامة الرئيسية.
التاريخ العلمي للجامع : التاريخ العلمي للجامع المظفري يمثل نهضة عليمة شاملة، قام بها المهاجرون المقادسة في الصالحية، على أن ظاهرة سماع الحديث، ثم قراءته رواية ودراية كانت من الأمور التي تميز بها المقادسة في الصالحية، حيث كانوا يُسمعون أولادهم منذ الصغر، فكانوا يسعون إلى كبار العلماء من سكان دمشق والواردين إليها، يتلقوا عنهم في الجامع المظفري الذي درِّس فيه طائفة عظيمة من العلماء لايمكن حصر أسمائم في هذا المقال. فمن مشاهير العلماء الذين سكنوا الصالحية, وسممعوا وأسمعوا في الجامع المظفري:
1_ أحمد بن عبيد الله ابن أحمد المقدسي الحنبلي (ت:613هـ).
2_ العماد بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي (ت:614هـ).
3_ عبد الرحمن بن عبد الجبار القدسي الحنبلي (ت:635هـ).
4_ أحمد بن علي بن الحسن الجزري (ت:743هـ).
5_ يوسف بن محمد بن عبد الله المرداوي (ت:769هـ).
6_ محمد بن علي بن طولون الدمشقي (ت:953هـ).
وكان لمجالس السماع الجماعي نصيب في الجامع المظفري وهي مجالس يشترك فيها عدد من الشيوخ، وربما شاركتهم بعض الشيخات في مجلس واحد لإسماع بعض كتب الحديث الشريف، وهذه الطريقة فريدة تميز بها علماء الصالحية.
وقد ورد إلى الجامع المظفري كوكبة عظيمة من كبار العلماء والحفاظ من شتى أنحاء العالم، فأسمعوا الحديث فيه، ومن أشهرهم:
1_ أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام (ابن تميمة) الحراني (ت:728هـ)، وقد درّس رحمه الله في المدرسة السكرية والمدرسة الحنبلية بدمشق, وقد سمع من شيخه الإمام عبد الرحيم بن عبد الملك القدسي، وإسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني، بالجامع المظفري سنة (675هـ) ووُجد نص السماع بخطه رحمه الله.
2_ إسماعيل بن عمر المعروف بابن كثير الدمشقي (ت: 774هـ)، الإمام المفتي المحدث البارع، صاحب البداية النهاية، سمع أحاديث أبي الحسين بن المظفر على شيخه أحمد بن المحب سنة (730هـ) بالجامع المظفري.
3_ أحمد بن علي بن محمد (ابن حجر العسقلاني) صاحب الفتح (ت:852هـ)، خاتمة الحفاظ وقاضي القضاة, أقام بالصالحية مائة يوم حصّل فيها ألف جزء غير الكتب الكبار، واجتمع فيها مع الإمام إبراهيم بن مفلح الحنبلي بالجامع المظفري.
يتبين لنا مما سبق ذكره الدور الريادي الرفيع الذي كان يحتله هذا الجامع في النهضة الدينية العلمية في بلاد الشام، حيث جذب كبار العلماء.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
التعديل الأخير تم بواسطة عبدالقادر حمود ; 12-25-2010 الساعة 04:28 PM