أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، ورزقاً طيباً ، وعملاً متقبلاً           

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 02-02-2011
  #29
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: الكلمات

الكلمة السابعة والعشرون



رسالة الاجتهاد

قبل حوالى خمس سنوات او اكثر كتبتُ بحثا حول (الاجتهاد) في رسالة بالعربية(1) واستجابة لرغبة اخوين عزيزين كتبت هذه (الكلمة) ارشاداً لمن لا يعرف حدّه في هذه المسألة ليدرك ما يجب ان يقف عنده.

بسم الله الرحمن الرحيم

] وَلَو رَدّوه الى الرسول والى أولي الامرِ منهُم لَعَلِمه الذين يَستنبطونَه منهم[

(النساء: 83)

ان باب الاجتهاد مفتوح، الا ان هناك ستة موانع في هذا الزمان تحول دون الدخول فيه.

اولها:

كما تُسَد المنافذ حتى الصغيرة منها عند اشتداد العواصف في الشتاء، ولا يستصوب فتح أبواب جديدة، وكما لا تفتح ثغور لترميم الجدران وتعمير السدود عند اكتساح السيول، لانه يفضي الى الغرق والهلاك.. كذلك من الجناية في حق الاسلام فتح ابواب جديدة في قصره المنيف، وشق ثغرات في جدرانه مما يمهّد السبيل للمتسللين والمخربين باسم الاجتهاد، ولا سيما في زمن المنكرات، ووقت هجوم العادات الاجنبية واستيلائها، واثناء كثرة البدع وتزاحم الضلالة ودمارها.

ثانيها:

ان الضروريات الدينية التي لا مجال فيها للاجتهاد لقطعيتها وثبوتها، والتي هي في حكم القوت والغذاء، قد اُهملت في العصر الحاضر واخــذت بالتصــدع، فالواجب يحتم صرف الجهود وبذل الهمم جميعاً لاحياء هذه الضروريات واقامتها، حيث ان الجوانب النظرية للاسلام قد استثرت بافكار السلف الصالحين وتوسعت باجتهاداتهم الخالصة حتى لم تعد تضيق بالعصور جميعاً؛ لذا فان ترك تلك الاجتهادات الزكية والانصراف عنها الى اجتهادات جديدة اتباعاً للهوى انما هو خيانة مبتدعة.

ثالثها:

مثلما يروّج لمتاع في السوق حسب المواسم ويرغّب فيه، كذلك اسواق الحياة الاجتماعية ومعارض الحضارة البشرية في العالم، فترى متاعاً يرغّب فيه في عصر، فيكون له رواج، فتُوجَّه اليه الانظار، وتجذب نحوه الافكار، فتحوم حوله الرغبات. فمثلاً: ان المتاع الذي تُلفت اليه الانظار في عصرنا الحاضر وتُرغّب فيه هو الانشغال بالامور السياسية واحداثها، وتأمين الراحة في الحياة الدنيا وحصر الهمّ بها، ونشر الافكار المادية وترويجها. بينما نرى ان السلعة الغالية النفيسة، والبضاعة الرائجة المقبولة في عصر السلف الصالح واكثر ما يرغَّب فيه في سوق زمانهم هو ارضاء رب السموات والارض والوقوف عند حدوده، واستنباط اوامره ونواهيه من كلامه الجليل، والسعي لنيل وسائل الوصول الى السعادة الخالدة التي فتح ابوابها الى الابد القرآن الكريم ونور النبوة الساطع. فكانت الاذهان والقلوب والارواح كلها متوجهة - في ذلك العصر - وبكل قواها الى معرفة مرضاة الله سبحانه وادراك مرامي كلامه، حتى باتت وجهة حياتهم واحوالهم المختلفة وروابطهم فيما بينهم وحوادثهم واحاديثهم مقبلة كلها الى مرضاة رب السموات والارضين، لذا ففي مثل هذه الحياة التي تجري بشتى جوانبها وفق مرضاة رب العالمين سبحانه تصبح الحوادث بالنسبة لصاحب الاستعداد والقابليات الفطرية دروساً وعبراً له من حيث لا يشعر، وكأن قلبه وفطرته يتلقيان الدروس والارشاد من كل ما حوله، ويستفيدان من كل حادثة وظرف وطور، وكأن كل شئ يقوم بدور معلم مرشد يعلم فطرته ويلقنها ويرشدها ويهيؤها للاجتهاد، حتى يكاد زيت ذكائه يضئ ولو لم تمسسه نار الاكتساب. فاذا ما شرع مثل هذا الشخص المستعد في مثل هذا المجتمع، بالاجتهاد في اوانه، فان استعداده ينال سراً من اسرار (نور على نور) ويصبح في اقرب وقت واسرعه مجتهداً.

بينما في العصر الحاضر: فان تحكم الحضارة الاوروبية، وتسلط الفلسفة المادية وافكارها، وتعقد متطلبات الحياة اليومية.. كلها تؤدي الى تشتت الافكار وحيرة القلوب وتبعثر الهمم وتفتت الاهتمامات، حتى اضحت الامور المعنوية غريبة عن الاذهان.

لذا، لو وجد الآن مَن هو بذكاء (سفيان بن عيينة)(1) الذي حفِظ القرآن الكريم وجالس العلماء وهو لا يزال في الرابعة من عمره، لاحتاج الى عشرة امثال ما احتاجه ابن عيينة ليبلغ درجة الاجتهاد، اي انه لو كان قد تيسر لسفيان بن عيينة الاجتهاد في عشر سنوات فان الذي في زماننا هذا قد يحصل عليه في مائة سنة، ذلك لان مبدأ تعلم (سفيان) الفطري للاجتهاد يبدأ من سن التمييز ويتهيأ استعداده تدريجاً كاستعداد الكبريت للنار، اما نظيره في الوقت الحاضر فقد غرق فكرُه في مستنقع الفلسفة المادية وسرح عقلُه في احداث السياسة، وحار قلبُه امام متطلبات الحياة المعاشية، وابتعدت استعداداته وقابلياته عن الاجتهاد، فلا جرم قد ابتعد استعداده عن القدرة على الاجتهادات الشرعية بمقدار تفننه في العلوم الارضية الحاضرة، وقصر عن نيل درجة الاجتهاد بمقدار تبحره في العلوم الارضية، لذا لا يمكنه ان يقول لِمَ لا استطيع ان ابلغ درجة سفيان بن عيينة، وانا مثله في الذكاء؟ نعم، لا يحق له هذا القول، كما انه لن يلحق به ولن يبلغ شأوه ابداً.

رابعها:

ان ميل الجسم الى التوسع لاجل النمو إن كان داخلياً فهو دليل التكامل. بينما ان كان من الخارج فهو سبب تمزق الغلاف والجلد، اي انه سبب الهدم والتخريب لا النمو والتوسع.

وهكذا، فان وجود ارادة الاجتهاد والرغبة في التوسع في الدين عند الذين يدورون في فلك الاسلام ويأتون اليه من باب التقوى والورع الكاملَين وعن طريق الامتثال بالضروريات الدينية فهو دليل الكمال والتكامل. وخير شاهد عليه السلف الصالح. اما التطلع الى الاجتهاد والرغبة في التوسع في الدين إن كان ناشئاً لدى الذين تركوا الضروريات الدينية واستحبوا الحياة الدنيا، وتلوثوا بالفلسفة المادية، فهو وسيلة الى تخريب الوجود الاسلامي وحل ربقة الاسلام من الاعناق.

خامسها:

هناك ثلاث نقاط تدعو الى التأمل والنظر، تجعل اجتهادات هذا العصر ارضية وتسلب منها روحها السماوي، بينما الشريعة سماوية والاجتهادات بدورها سماوية، لاظهارها خفايا احكامها. والنقاط هي الاتي:

اولاًـ ان (علّة) كل حكم تختلف عن (حكمته) فالحكمة والمصلحة سبب الترجيح وليست مناط الوجود ولامدار الايجاد، بينما (العلة) هي مدار وجود الحكم.

ولنوضح هذا بمثال: تُقصر الصلاة في السفر، فتصلّى ركعتان فعلّة هذه الرخصة الشرعية السفر. اما حكمتها فهي المشقة. فاذا وجُد السفرُ ولم تكن هناك مشقة فالصلاة تُقصر، لان العلة قائمة وهي السفر. في حين ان لم يكن هناك سفر وكانت هناك اضعاف اضعاف المشقة، فلن تكون تلك المشقات علة القصر.

وخلافاً لهذه الحقيقة يتوجه نظر الاجتهاد في هذا العصر، الى اقامة المصلحة والحكمة بدل العلة، وفي ضوئها يصدر حكمه، فلا شك ان اجتهاداً كهذا ارضي وليس بسماوي.

ثانياًـ ان نظر هذا العصر متوجه اولاً وبالذات الى تأمين سعادة الدنيا، وتوجّه الاحكام نحوها، والحال ان قصد الشريعة متوجه اولا وبالذات الى سعادة الآخرة، وينظر الى سعادة الدنيا بالدرجة الثانية، ويتخذها وسيلة للحياة الاخرى، اي ان وجهة هذا العصر غريبة عن روح الشريعة ومقاصدها، فلا تستطيع ان تجتهد باسم الشريعة.

ثالثاً ـ ان القاعدة الشرعية (الضرورات تبيح المحظورات) ليست كلية، لان الضرورة ان كانت ناشئة عن طريق الحرام لا تكون سبباً لإباحة الحرام. والاّ فالضرورة التي نشأت عن سوء اختيار الفرد، او عن وسائل غير مشروعة لن تكون حجة ولا سبباً لإباحة المحظورات ولا مداراً لأحكام الرُخص.

فمثلاً: لو اسكر احد نفسه - بسوء اختياره - فتصرفاته لدى علماء الشرع حجة عليه، اي لا يُعذَر، وان طلّق زوجته فطلاقُه واقع، وان ارتكب جريمة يعاقب عليها، ولكن ان كانت من دون اختيار منه، فلا يقع طلاقه، ولا يعاقب على ما جنى. فليس لمدمن خمر - مثلاً - ان يقول انها ضرورة لي، فهي اذن حلال لي، حتى لو كان مبتلىً بها الى حد الضرورة بالنسبة له.

فانطلاقاً من هذا المفهوم فان هناك كثير من الامور في الوقت الحاضر ابتلي بها الناس وباتت ضرورية بالنسبة لهم، حتى اخذت شكل (البلوى العامة) فهذه التي تسمى ضرورة، لن تكون حجة لاحكام الرُخَص، ولا تباح لاجلها المحظورات، لانها نجمت من سوء اختيار الفرد ومن رغبات غير مشروعة ومن معاملات محرمة.

وحيث ان اهل اجتهاد هذا الزمان قد جعلوا تلك الضرورات مداراً للاحكام الشرعية، لذا اصبحت اجتهاداتهم ارضية وتابعة للهوى ومشوبة بالفلسفة المادية، فهي اذن ليست سماوية، ولا تصح تسميتها اجتهادات شرعية قطعاً؛ ذلك لان اي تصرف في احكام خالق السموات والارض واي تدخل في عبادة عباده دونما رخصة او إذن معنوي فهو مردود.

ولنضرب لذلك مثالاً:

يستحسن بعض الغافلين القاء خطبة الجمعة وامثالها من الشعائر الاسلامية باللغة المحلية لكل قوم دون العربية ويبررون استحسانهم هذا بسببين:

الاول: (ليتمكن عوام المسلمين من فهم الاحداث السياسية)! مع انها قد دخلها من الاكاذيب والدسائس والخداع ما جعلها في حكم وسوسة الشياطين! بينما المنبر مقام تبليغ الوحي الإلهي، وهو ارفع واجل من ان ترتقى اليه الوسوسة الشيطانية.

الثاني: (الخطبة هي لفهم ما يرشد اليه بعض السور القرآنية من نصائح).

نعم؛ لو كان معظم المسلمين يفهمون المسلّمات الشرعية والاحكام المعلومة من الدين بالضرورة، ويمتثلون بها، فلربما كان يستحسن عند ذاك ايراد الخطبة باللغة المعروفة لديهم، ولكانت ترجمة سور من القرآن لها مبرر - ان كانت الترجمة ممكنة(1) - وذلك ليفهموا النــظـــريات الشــرعية والمســائــل الدقيقة والنــصائـح الخــفية. امـــا وقد اهملت في زماننا هذا الاحكام الواضحة المعلومة؛ كوجوب الصلاة والزكاة والصيام وحرمة القتل والزنا والخمر، وان عوام المسلمين ليسوا بحاجة الى دروس في معرفة هذا الوجوب وتلك الحرمة بقدر ما هم بحاجة الى الامتثال بتلك الاحكام واتباعها في حياتهم. ولا يتم ذلك الا بتذكيرهم وحثهم على العمل وشحذ الهمم واثارة غيرة الاسلام في عروقهم، وتحريك شعور الايمان لديهم كي ينهضوا بامتثال واتباع تلك الاحكام المطهرة.

فالمسلم العامي - مهما بلغ جهله - يدرك هذا المعنى الاجمالي من القرآن الكريم، ومن الخطبة العربية. ويعلم في قرارة نفسه بان الخطيب او المقرئ للقرآن الكريم يذكّره - ويذكّر الاخرين معه - باركان الايمان واسس الاسلام التي هي معلومة من الدين بالضرورة. وعندها يفعم قلبه بالاشواق الى تطبيق تلك الاحكام.

ليت شعري اي تعبير في الكون كله يمكنه ان يقف على قدميه حيال الاعجاز الرائع في القرآن الكريم الموصول بالعرش العظيم.. واي ترغيب وترهيب وبيان وتذكير يمكن ان يكون افضل منه؟!

سادسها:

ان قرب عهد المجتهدين العظام من السلف الصالحين لعصر الصحابة الكرام الذي هو عصر الحقيقة وعصر النور يسَّر لهم ان يأخذوا النور الصافي من اقرب مصادره، فتمكنوا من القيام باجتهاداتهم الخالصة، في حين ان مجتهدي العصر الحديث ينظرون الى كتاب الحقيقة من مسافة بعيدة جداً ومن وراء كثير جداً من الاستار والحجب حتى ليصعب عليهم رؤية اوضح حرف فيه.

فان قلت: ان مدار الاجتهادات ومصدر الاحكام الشرعية هو عدالة الصحابة وصدقهم، حتى اتفقت الامة على انهم عدول صادقون، علما انهم بشر مثلنا، لا يخلون من خطأ!

الجواب: ان الصحابة رضوان الله عليهم اجمعين هم روّاد الحق وعشاقه، وهم التواقون الى الصدق والعدل. ولقد تبين في عصرهم قبح الكذب ومساوؤه، وجمال الصدق ومحاسنه بوضوح تام، بحيث اصبح البون شاسعاً بين الصدق والكذب كالبعد بين الثريا والثرى وبين العرش والفرش!! اذ يوضح ذلك الفارق الكبير بين الرسول الاعظم e الواقف على قمة درجات الصدق وفي اعلى عليين وبين مسيلمة الكذاب الذي كان في اسفل سافلين وفي اوطأ دركات الكذب.

فالذي اهوى بمسيلمة الى تلك الدركات الهابطة الدنيئة هو الكذب والذي رفع محمداً الامين e الى تلك الدرجات الرفيعة هو الصدق والاستقامة.

لذا فالصحابة الكرام رضوان الله عليهم الذين كانوا يملكون الهمم العالية والخلق الرفيع واستناروا بنور صحبة شمس النبوة، لا ريب انهم ترفعوا عن الكذب الممقوت القبيح الموجود في بضاعة مسيلمة الكذاب ونجاساتها الموجبة للذلة والهوان - كما هو ثابت - وتجنبوا الكذب كتجنبهم الكفر الذي هو صنوه، وسعوا سعياً حثيثاً في طلب الصدق والاستقامة والحق، وتحروه بكل ما اوتوا من قوة وعزم. فشغفوا به ولا سيما في رواية الاحكام الشرعية وتبليغها، تلك الاحكام المتسمة بالحسن وبالجمال القمينة بالمباهاة والفخر، والتي هي وسيلة للعروج صعداً الى الرقي والكمال، والموصولة السبب بعظمة الرسول e الذي تنورت بنور شعاعه الحياة البشرية.

اما الآن، فقد ضاقت المسافة بين الكذب والصدق، وقصرت حتى صارا متقاربين بل متكاتفين، وبات الانتقال من الصدق الى الكذب سهلاً وهيناً جداً بل غدا الكذب يفضل على الصدق في الدعايات السياسية.

فان كان اجمل شئ يباع مع اقبحه في حانوت واحد جنباً الى جنب وبالثمن نفسه، ينبغي على مشتري لؤلؤة الصدق الغالي الاّ يعتمد على كلام صاحب الحانوت ومعرفته دون فحص وتمحيص.

الخاتمة

تتبدل الشرائع بتبدل العصور، وقد تأتي شرائع مختلفة، وترسل رسل كرام في عصر واحد، حسب الاقوام. وقد حدث هذا فعلاً.

اما بعد ختم النبوة، وبعثة خاتم الانبياء والمرسلين عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تعد هناك حاجة الى شريعة اخرى. لان شريعته العظمى كافية ووافية لكل قوم في كل عصر.

اما جزئيات الاحكام غير المنصوص عليها التي تقتضي التبديل تبعاً للظروف، فان اجتهادات فقهاء المذاهب كفيلة بمعالجة التبديل. فكما تبدل الملابس باختلاف المواسم، وتغيّر الادوية حسب حاجة المرضى، كذلك تبدل الشرائع حسب العصور، وتدور الاحكام وفق استعدادات الامم الفطرية، لان الاحكام الشرعية الفرعية تتبع الاحوال البشرية، وتأتي منسجمة معها وتصبح دواء لدائها.

ففي زمن الانبياء السابقين عليهم السلام كانت الطبقات البشرية متباعدة بعضها عن بعض، مع ما فيهم من جفاء وشدة في السجايا، فكانوا اقرب ما يكونون الى البداوة في الافكار، لذا اتت الشرائع في تلك الازمنة متباينة مختلفة، مع موافقتها لأحوالهم وانسجامها على اوضاعهم، حتى لقد اتى انبياء متعددون بشرائع مختلفة في منطقة واحدة وفي عصر واحد.

ولكن بمجىء خاتم النبيين وهو نبي آخر الزمان e ، تكاملت البشرية وكأنها ترقت من مرحلة الدراسة الابتدائية فالثانوية الى مرحلة الدراسة العالية واصبحت اهلاً لان تتلقى درساً واحداً، وتنصت الى معلم واحد، وتعمل بشريعة واحدة. فرغم كثرة الاختلافات لم تعد هناك حاجة الى شرائع عدة ولا ضرورة الى معلمين عديدين.

ولكن لعجز البشرية من ان تصل جميعاً الى مستوى واحد، وعدم تمكنها من السير على نمط واحد في حياتها الاجتماعية فقد تعـددت المـذاهب الفقهــية في الفروع.

فلو تمكنت البشرية - باكثريتها المطلقة - ان تحيا حياة اجتماعية واحدة، واصبحت في مستوى واحد، فحينئذ يمكن أن تتوحد المذاهب.

ولكن مثلما لا تسمح احوال العالم، وطبائع الناس لبلوغ تلك الحالة، فان المذاهب كذلك لا تكون واحدة.

فان قلت: ان الحق واحد، فكيف يمكن ان تكون الاحكام المختلفة للمذاهب الاربعة والاثني عشر حقاً؟

الجواب: يأخذ الماء احكاماً خمسة مختلفة حسب اذواق المرضى المختلفة وحالاتهم:

فهو دواء لمريض على حسب مزاجه، اي تناوله واجب عليه طباً. وقد يسبب ضرراً لمريض آخر فهو كالسم له، اي يحرم علـيه طـــباً، وقد يولد ضـــرراً اقل لمريض آخر فهو اذن مكروه له طباً، وقد يكون نافعاً لآخر من دون أن يضره، فيسنّ له طباً، وقد لا يضر آخر ولا ينفعه، فهو له مباح طباً فليهنأ بشربه.

فنرى من الامثلة السابقة:

ان الحق قد تعدد هنا، فالاقسام الخمسة كلها حق، فهل لك ان تقول: ان الماء علاج لا غير، او واجب فحسب، وليس له حكم آخر؟.

وهكذا ـ بمثل ما سبق - تتغير الاحكام الإلهية بسَوْقٍ من الحكمة الإلهية وحسب التابعين لها. فهي تتبدل حقاً، وتبقى حقاً ويكون كل حكم منها حقاً ويصبح مصلحة.

فمثلا: نجد ان اكثرية الذين يتبعون الامام الشافعي رضى الله عنه هم اقرب من الاحناف الى البداوة وحياة الريف، تلك الحياة القاصرة عن حياة اجتماعية توحدّ الجماعة. فيرغب كل فرد في بث ما يجده في نفسه الى قاضي الحاجات بكل اطمئنان وحضور قلب، ويطلب حاجته الخاصة بنفسه ويلتجئ اليه، فيقرأ سورة الفاتحة بنفسه رغم انه تابع للامام. وهذا هو عين الحق، وحكمة محضة في الوقت نفسه. اما الذين يتبعون الامام الاعظم (ابو حنيفة النعمان) رضى الله عنه، فهم باكثريتهم المطلقة اقرب الى الحضارة وحياة المدن المؤهلة لحياة اجتماعية، وذلك بحكم التزام اغلب الحكومات الاسلامية لهذا المذهب. فصارت الجماعة الواحدة في الصلاة كأنها فرد واحد، واصبح الفرد الواحد يتكلم باسم الجميع، وحيث ان الجميع يصدقونه ويرتبطون به قلباً، فان قوله يكون في حكم قول الجميع، فعدم قراءة الفرد وراء الامام بـ(الفاتحة) هو عين الحق وذات الحكمة.

ومثلاً: لما كانت الشريعة تضع حواجز لتحول دون تجاوز طبائع البشر حدودها، فتقوّمها بها وتؤدبها، فتربى النفس الامارة بالسوء، فلابد ان ينقض الوضوء بمس المرأة وقليل من النجاسة يضر، حسب المذهب الشافعي الذي اكثر اتباعه من اهل القرى وانصاف البدو والمنهمكين بالعمل اما حسب المذهب الحنفي الذين هم باكثريتهم المطلقة قد دخلوا الحياة الاجتماعية، واتخذوا طور انصاف متحضرين فـ(لا ينقض الوضوء من مسِّ المرأة، ويسمح بقدر درهم من النجاسة). ولننظر الآن الى عامل والى موظف، فالعامل بحكم معيشته في القرية معرض للاختلاط والتماس بالنساء الاجنبيات والجلوس معـــاً حول مـــوقــد واحــد، والـــولــــوج في اماكن ملوثة فهو مبتلى بكل هذا بحكم مهنته ومعيشته، وقد تجد نفسه الامارة بالسوء مجالاً امامها لتتجاوز حدودها؛ لذا تلقي الشريعة في روع هذا صدى سماوياً فتمنع تلك التجاوزات بامرها له: لا تمس ما ينقض الوضوء، فتبطل صلاتك. اما ذلك الموظف، فهو حسب عادته الاجتماعية لا يتعرض للاختلاط بالنساء الاجنبيات - بشرط ان يكون نبيلاً - ولا يلوث نفسه كثيراً بالنجاسات، آخذاً باسباب النظافة المدنية. لذا لم تشدد عليه الشريعة، بل اظهرت له جانب الرخصة - دون العزيمة - باسم المذهب الحنفي وخففت عنه قائلة: ان مست يدك امرأة اجنبية فلا ينقض وضوءك، ولا ضرر عليك ان لم تستنج بالماء حياء من الحاضرين، فهناك سماح بقدر درهم من النجاسة فتخلصه بهذا من الوسوسة، وتنجّيه من التردد.

فهاتان قطرتان من البحر نسوقهما مثالاً، قس عليهما، واذا استطعت ان تزن موازين الشريعة بميزان (الشعراني) على هذا المنوال فافعل.

] سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم[

اللّهم صل وسلم على مَن تمثّل فيه انوارُ محبتك لجمال صفاتك واسمائك، بكونه مرآةً جامعة لتجليات اسمائك الحسنى.. ومَن تمركز فيه شعاعاتُ محبتك لصنعتك في مصنوعاتك بكونه اكملَ وابدعَ مصنوعاتك، وصيرورته انموذج كمالات صنعتك، وفهرستة محاسن نقوشك.. ومَن تظاهر فيه لطائف محبتك ورغبتك لاستحسان صنعتك بكونه أعلى دلالي محاسن صنعتك وأرفع المستحسنين صوتاً في اعلان حسن نقوشك وأبدعهم نعتاً لكمالات صنعتك.. ومَن تجمّع فيه اقسامُ محبتك واستحسانك لمحاسن اخلاق مخلوقاتك ولطائف اوصاف مصنوعاتك، بكونه جامعاً لمحاسن الاخلاق كافة بإحسانك وللطائف الاوصاف قاطبة بفـضلك.. ومَن صار مصداقاً ومقياساً فائقاً لجميع من ذكرتَ في فرقانك انك تحبهم من المحسنين والصابرين والمؤمنين والمتقين والتوابين والاوابين وجميع الاوصاف الذين احببتهم وشرفتهم بمحبتك، في فرقانك حتى صار امام الحبيبين لك، وسيد المحبوبين لك ورئيس اودّائك وعلى آله واصحابه واخوانه اجمعين آمين برحمتك يا ارحم الراحمين.

ذيل

رسالة الاجتهاد

يخص الصحابة الكرام

رضوان الله تعالى عليهم اجمعين

اقول كما قال مولانا جامي:

يا رسول الله جه باشد جون سك اصحاب كهف

داخـل جنـت شوم در زمـرهء اصحـاب تـو؟

او رود درجنـت ومـن درجهنم كـى رواســت

او سك اصحـاب كهف ومن ســك اصحـاب تو؟.

يا رسول الله ما ضر لو دخلت الجنة مع الداخلين،

ككلب اصحاب الكهف في زمرة اصحابك الاولين.

أيـُّنا أليَق بالجنة انا أم مَن حرس الكهف سنين

هو كلب اصحاب الرقيم وانا كلب اصحاب الامين(1).



باسمه سبحانه

] وان من شئ إلاّ يسبح بحمده[

بسم الله الرحمن الرحيم

] مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله وَالذِينَ مَعَهُ أشدّاءُ على الكفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجّداً يَبْتَغُونَ فـَضْلاً مِن الله ِوَرِضْوَاناً سيمَاهُمْ فى وُجُوهِهِمْ مِن اَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فى التَّوراةِ وَمَثَلُهُمْ فىِ الانْجِيلِ كَزَرعٍ اَخْرَجَ شَطْئهُ فَآزَرَهُ فَاستَغلَظَ فَاسْتَوى علَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغيظَ بِهِمُ الكُفّار وَعَدَ الله الّذينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَات مِنْهُمْ مَغْفِرةً واَجْراً عَظيماً[ (الفتح:29).

تسأل يا اخي: ان هناك روايات تفيد انه عند انتشار البدع يمكن ان يبلغ مؤمنون صادقون درجة الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وربما يسبقونهم، فهل هذه الروايات صحيحة؟ وان كانت كذلك، فما حقيقتها؟

الجواب: ان اجماع اهل السنة والجماعة لهو حجة قاطعة بان الصحابة الكرام هم افضل البشر بعد الانبياء عليهم السلام. فالصحيح من تلك الروايات يخص الفضائل الجزئية وليس الفضائل الكلية، اذ قد يترجح المرجوح على الراجح في الفضائل الجزئية وفي كمال خاص معين، والاّ فلا يبلغ احد من حيث الفضائل الكلية منزلة الصحابة الكرام الذين اثنى الله تعالى عليهم في قرآنه المبين ووصفَهم في التوراة والانجيل، كما هو في ختام سورة الفتح.

وسنبين ثلاثاً من الحكم المنطوية على اسباب ثلاثة من بين الكثير من الاسباب والحكم.

C الحكمة الاولى:

ان الصحبة النبوية اكسير عظيم، لها من التأثير الخارق ما يجعل الذين يتشرفون بها لدقيقة واحدة ينالون من انوار الحقيقة ما لا يناله من يصرف سنين من عمره في السير والسلوك، ذلك لان في الصحبة النبوية انصباغاً بصبغة الحقيقة، وانعكاساً لانوارها، اذ يستطيع المرء بانعكاس ذلك النور الاعظم ان يرقى الى مراتب سامية ودرجات رفيعة، وان يحظى بالتبعية والانتساب بارفع المقامات. مثله في هذا مثل خادم السلطان، الذي يستطيع ان يصل الى مواقع رفيعة لا يقدر على بلوغها قواد السلطان وامراؤه.

ومن هذا السر نرى انه لا يستطيع ان يرقى اعظم ولي من اولياء الله الصالحين الى مرتبة صحابي كريم للرسول الاعظم e ، بل حتى لو تَشرف اوليـاء صالحـون مراراً بصحبة النبي e في الصحوة، كــجلال الديـن السيوطي - مثلاً - واُكرموا بلقائه يقظة في هذا العالم، فلا يبلغون ايضاً درجة الصحابة لان صحبة الصحابة الكرام للنبي e كانت بنور النبوة، إذ كانوا يصحبونه في حالة كونه نبياً رسولاً. اما الاولياء الصالحون فان رؤيتهم له e انما هي بعد وفاته، اي بعد انقطاع الوحي، فهي صحبة بنور الولاية، اي ان تمثل الرسول e وظهوره لنظرهم انما هو من حيث الولاية الاحمدية، وليس باعتبار النبوة.

فما دام الامر هكذا، فلا بد ان تتفاوت الصحبتان بمقدار سمو درجة النبوة وعلوها على مرتبة الولاية.

ولكي يتوضح ما للصحبة النبوية من تأثير خارق ونور عظيم، يكفي ملاحظة ما يأتي:

بينما اعرابي غليظ القلب يئد بنته بيده، اذا به يكسب خلال حضوره مجلس الرسول e ومن صحبته ساعة من الزمان، رقة قلب وسعة صدر وشفافية روح ما يجعله يتحاشى قتل نملة صغيرة.

أو آخر يجهل شرائع الحضارة وعلومها، يحضر مجلس الرسول الكريم e فيصبح معلماً لأرقى الامم المتحضرة - كالهند والصين - ويحكم بينهم بالقسطاس المستقيم، ويغدو لهم مثلاً اعلى وقدوة طيبة.

C لحكمة الثانية:

لقد اثبتنا في رسالة (الاجتهاد) ان الصحابة الكرام هم في قمة الكمال الانساني، حيث ان التحول العظيم الذي احدثه الاسلام في مجرى الحياة في ذلك الوقت، سواء في المجتمع او في الفرد، قد ابرز جمال الخير والحق واظهر نصاعتهما الباهرة، وكشف عن خبث الشر والباطل وبيّن سماجتهما وقبحهما، حتى انجلى كل من الحق والباطل والصدق والكذب بوضوح تام، يكاد المرء يلمسه لمس اليد، وانفرجت المسافة بين الخير والشر وبين الصدق والكذب، ما بين الايمان والكفر، بل ما بين الجنة والنار.

لذا فالصحابة الكرام رضى الله عنهم الذين وُهبوا فطراً سليمة ومشاعر سامية، وهم التواقون لمعالي الامور ومحاسن الاخلاق شدوا انظارهم الى الذي تسنَّم قمة اعلى عليي الكمال والداعي الى الخير والصدق والحق، بل هو المثال الاكمل والنموذج الاتم، ذلكم الرسول الكريم حبيب رب العالمين محمد e ، فبذلوا كل ما وهبهم الله سبحانه من قوة للانضواء تحت لوائه، بمقتضى سجيتهم الطاهرة وجبلتهم النقية، ولم يُر منهم اي ميل كان الى اباطيل مسيلمة الكذاب الذي هو مثال الكذب والشر والباطل والخرافات.

ولتوضيح الامر نسوق هذا المثال:

تعرض احياناً في سوق الحضارة البشرية ومعرض الحياة الاجتماعية اشياء لها من الآثار السيئة المرعبة والنتائج الشريرة الخبيثة ما للسم الزعاف للمجتمع. فكل من كانت له فطرة سليمة ينفر منها بشدة ويتجنبها ولا يقربها.. وتعرض كذلك اشياء اخرى وامتعة معنوية في السوق نفسها، لها من النتائج الطيبة والآثار الحسنة ما يستقطب الانظار اليها، وكأنها الدواء الناجع لامراض المجتمع، لذا يسعى نحوها المفطورون على الخير والصلاح.

وهكذا، ففي عصر النبوة السعيد وخير القرون على الاطلاق، عرضت في سوق الحياة الاجتماعية امور. فبديهي ان يسعى الصحابة الكرام نحو الصدق والخير والحق لما يملكون من فطر صافية وسجايا سامية، وبديهي كذلك ان ينفروا ويتجنبوا كل ماله نتائج وخيمة وشقاء الدنيا والآخرة كالكذب والشر والكفر، فالتفوا حول راية الرسول الكريم e وتجنبوا مهازل مسيلمة الكذاب الذي يمثل الكذب والشر والباطل.

بيد ان الامور تغيرت تدريجياً وبمرور الزمن فلم تبق على حالها كما هي في قرون الخير، فتقلصت المسافة بين الكذب والصدق رويداً رويداً كلما اقتربنا الى عصورنا الحاضرة حتى اصبحا مترادفين متكاتفين في العصر الحاضر، فصار الصدق والكذب يعرضان معاً في معرض واحد، ويصدران معاً من مصدر واحد ففسدت الاخلاق الاجتماعية واختلت موازينها. وزادت الدعايات السياسية اخفاء قبح الكذب المرعب وستر جمال الصدق الباهر.

فهل يقوى احد على الجرأة في عصر كهذا ويدّعي: استطيع ان ادنو من مرتبة اولئك الكرام العظام الذين بلغوا من اليقين والتقوى والعدالة والصدق وبذل النفس والنفيس في سبيل الحق مالم يبلغه احد، فضلاً عن ان يسبقهم؟

سأورد حالة مرت علي توضح جانباً من هذه المسألة:

لقد خطر على قلبي ذات يوم سؤال وهو: لِمَ لا يبلغ اشخاص امثال محي الدين بن عربي مرتبة الصحابة الكرام؟ ثم لاحظت في اثناء قولي في سجودٍ في صلاة: (سبحان ربي الاعلى) ان شيئا من الحقائق الجليلة لمعاني هذه الكلمة الطيبة قد انكشف لي، لا اقول كلها، بل انكشف شئ منها. فقلت في قلبي: ليتني احظى بصلاة كاملة تنكشف لي من معانيها ما انكشف من معاني هذه الكلمة المباركة فهي خير من عبادة سنة كاملة من النوافل. ثم ادركت عقب الصلاة ان تلك الخاطرة وتلك الحال كانت جواباً على سؤالي، وارشاداً الى استحالة ادراك احد من الناس درجة الصحابة الكرام في العبادة، ذلك ان التغيير الاجتماعي العظيم الذي أحدثه القرآن الكريم بأنواره الساطعة قد ميَّز الاضداد بعضها عن البعض الآخر، فالشرور بجميع توابعها وظلماتها اصبحت في مجابهة الخير والكمالات مع جميع انوارها ونتائجها. ففي هذه الحالة المحفزة لانطلاق نوازع الخير والشر من عقالها، تنبهت لدى اهل الخير نوازعه فغدا كل ذكر وتسبيح وتحميد يفيد لديهم معانيه كاملة ويعبر عنها تعبيراً ندياً نضراً. فارتشفت مشاعرهم المرهفة ولطائفهم الطاهرة بل حتى خيالهم وسرهم رحيق المعاني السامية العديدة لتلك الاذكار ارتشافاً صافياً يقظاً حسب اذواقها الرقيقة. وبناء على هذه الحكمة، فان الصحابة الكرام الذين كانو يملكون مشاعر حساسة مرهفة وحواس منتبهة ولطائف يقظة، عندما يذكرون تلك الكلمات المباركة الجامعة لانوار الايمان والتسبيح والتحميد يشعرون بجميع معانيها ويأخذون حظهم منها بجميع لطائفهم الزكية.

بيد ان الامور لم تبق على ذلك الوضع الندي والطراوة والجدة فتبدلت تدريجياً بمرور الزمن حتى غطت اللطائف في نوم عميق، وغفلت المشاعر والحواس وانصرفت عن الحقائق ففقدت الاجيال اللاحقة شيئاً فشيئاً قدرتهم على تذوق طراوة تلك الكلمات الطيبة والتلذذ بطعومها ونداوتها. فغدت لديهم كالثمار الفاقدة لطراواتها ونضارتها، حتى لكأنها جفت ويـبست ولم تعد تحمل لهم الا نزراً يسيراً من الطراوة، لا تستخلص الا بعد اعمال الذهن والتفكر العميق، وبذل الجهد وصرف الطاقة، لذا فالصحابي الجليل الذي ينال مقاماً وفضيلة في اربعين دقيقة لا يناله غيره الا في اربعين يوماً، بل في اربعين سنة، وذلك بفضل الصحبة النبوية الشريفة.

C لسبب الثالث:

لقد اثبتنا في كل من الكلمات (الثانية عشرة والرابعة والعشرين والخامسة والعشرين):

ان نسبة النبوة الى الولاية كنسبة الشمس المشهودة بذاتها الى صورتها المثالية الظاهرة في المرايا، لذا فان سمو منزلة العاملين في دائرة النبوة وهم الصحابة الكرام الذين كانوا اقرب النجوم الى تلك الشمس الساطعة، وعلو مرتبتهم على الاولياء الصالحين هو بنسبة سمو دائرة النبوة وعلوها على دائرة الولاية، بل حتى لو كسب احد الاولياء مرتبة الولاية الكبرى، وهي مرتبة ورثة الانبياء والصديقين وولاية الصحابة، فانه لا يبلغ مقام اولئك الصفوة المتقدمين في الصف الاول، رضوان الله تعالى عليهم اجمعين.

سنبين ثلاثة اوجه فقط من بين الوجوه العديدة لهذا السبب الثالث:

الوجه الاول:

لا يمكن اللحاق بالصحابة الكرام في الاجتهاد، اي في استنباط الاحكام، اي ادراك مرضاة الله سبحانه من خلال كلامه؛ لان محور ذلك الانقلاب الإلهي العظيم الذي حدث في ذلك الوقت كان يدور على مرضاة الرب من خلال فهم احكامه الإلهية. فالاذهان كلها كانت مفتوحة متوجهة الى استنباط الاحكام، والقلوب كلها كانت متلهفة الى معرفة: ماذا يريد منا ربنا؟ فالمحادثات والمحاورات كانت تتضمن هذه المعاني، والظروف والاحداث تجري في ضوئها.

وحيث ان كل شئ في ذلك الوقت وكل حال وكل محاورة ومجالسة ومحادثة وحكاية تجري بما يرشد الى تلك المعاني ويدل عليها، لذا كانت - تلك الظروف - تكمل قابليات الصحابة الكرام وتنور افكارهم وتهئ استعداداتهم لقدح زنادها للاجتهاد واستنباط الاحكام، اذ كانوا يكسبون من الملكة على الاستنباط والاجتهاد في يوم واحد او في شهر واحد ما لا يمكن ان يحصل عليها في هذا الوقت من هو في مستوى ذكائهم واستعدادهم في عشر سنوات، بل في مائة سنة، لان الانظار في الوقت الحاضر متوجهة الى نيل حياة دنيوية رغيدة دون سعادة الآخرة الابدية وحياة النعيم المقيم فيها، فالانظار مصروفة عنها. فهموم العيش التي تتضاعف بعدم التوكل على الله تلقي ثقلها على روح الانسان وتجعلها في اضطراب وقلق، والفسلفة المادية والطبيعية تكل العقل وتعمي البصيرة. فترى المحيط الاجتماعي الحاضر مثلما لا يمد ذهن ذلك الشخص (الذكي) ولا يؤازر استعداده الفطري نحو الاجتهاد فضلاً عن انه يشتته ويرهقه اكثر.

ولقد عقدنا موازنة في رسالة (الاجتهاد) بين سفيان بين عيينة ومَن هو في مستوى ذكائه في هذا العصر، وخلصنا من الموازنة الى ان ما حصل عليه سفيان في عصره من القدرة على الاستنباط في عشر سنوات لا يمكن ان يحصل عليه من هو بمستوى ذكائه في هذا العصر في مائة سنة.

الوجه الثاني:

لا يمكن اللحاق بالصحابة الكرام في قربهم من الله بخطى الولاية؛ ذلك لان الله سبحانه وتعالى هو اقرب الينا من حبل الوريد، اما نحن فبعيدون عنه بعداً مطلقاً، والانسان يمكنه ان ينال القرب منه بالصورتين الآتيتين:

الصورة الاولى: من حيث انكشاف اقربيته سبحانه وتعالى للعبد. فقرب النبوة اليه تعالى هو من هذا الانكشاف. والصحابة الكرام من حيث انهم ورثة النبوة والصحبة النبوية يحظون بهذا الانكشاف.

الصورة الثانية: من حيث بُعدنا عنه سبحانه، فالتشرف بشئ من قربه سبحانه يكون بقطع المراتب اليه. واغلب طرق الولاية، وما فيها من سير وسلوك تجري على هذه الصورة سواء منها السير الانفسي او الافاقي.

فالصورة الاولى التي هي انكشاف اقربيته سبحانه - اي قربه سبحانه من العبد - هبة محضة منه تعالى وليس كسباً قط، بل هو انجذاب إلهي وجذب رحماني، ومحبوبية خالصة. فالطريق قصير، الا انه ثابت رصين، وهو عال رفيع سام جداً، وخالص طاهر لا ظل فيه ولا كدر.

اما الصورة الاخرى من التقرب الى الله، فهي كسبية، طويلة، فيها شوائب وظلال، ورغم ان خوارقها كثيرة فانها لا تبلغ الصورة الاولى من حيث الاهمية والقرب منه تعالى.

ولنوضح ذلك بمثال:

لاجل ادراك الامس من هذا اليوم هناك طريقان:

الاول: الانسلاخ من وقائع الزمن وجريانه بقوة قدسية، والعروج الى ما فوق الزمان، ورؤية امس حاضراً كاليوم.

اما الثاني: فهو قطع مسافة سنة كاملة لملاقاة الامس من جديد، ومع ذلك لا يمكن ان تمسك به، لانه يدعك ويمضي.

وهكذا الامر في النفوذ من الظاهر الى الحقيقة، فانه بصورتين:

الاولى: الانجذاب الى الحقيقة مباشرة ووجدان الحقيقة في عين الظاهر المشاهد، من دون الدخول الى برزخ الطريقة.

الثانية: قطع مراتب كثيرة بالسير والسلوك.

فاهل الولاية رغم انهم يوفقون الى فناء النفس الامارة بالسوء ويقتلونها، فانهم لا يبلغون مرتبة الصحابة الكرام، لان نفوس الصحابة كانت مزكاة ومطهرة، فنالوا كثيراً من انواع العبادة وضروباً مختلفة من الوان الشكر والحمد باجهزة النفس العديدة، بينما عبادة الاولياء - بعد فناء النفس - تصبح يسيرة وسهلة.

الوجه الثالث:

لا يمكن ادراك الصحابة الكرام في فضائل الاعمال وثواب الافعال وجزاء الاخرة، لان الجندي المرابط لساعة من الزمن في ظروف صعبة تحيطه، وفي موقع مهم مخيف، يكسب فضيلة وثواباً يقابل سنة من العبادة، واذا اصيب بطلقة واحدة في دقيقة واحدة، فانه يسمو الى مرتبة لا يمكن بلوغها في مراتب الولاية الا في اربعين يوماً على اقل تقدير. كذلك الامر في جهاد الصحابة الكرام عند ارساء دعائم الاسلام، ونشر احكام القرآن، واعلانهم الحرب على العالم اجمع باسم الاسلام، فهو مرتبة عظيمة وخدمة جليلة لا ترقى سنة كاملة من العمل لدى غيرهم الى دقيقة واحدة من عملهم، بل يصح ان يقال:

ان دقائق عمر الصحابة الكرام جميعها - في تلك الخدمة المقدسة - انما هي بمثل الدقيقة التي استشهد فيها الجندي، وان ساعات عمرهم كلها هي بمثل الساعة لذلك الجندي الفدائي المرابط في موقع خطر مرعب. فالعمل قليل، الا ان الاجـر عظيـم والثواب جزيل، والاهمية جليلة.

نعم! ان الصحابة الكرام انما يمثلون اللبنة الاولى في تأسيس صرح الاسلام، وهم الصف الاول في نشر انوار القرآن، فلهم اذن قسط وافر من جميع حسنات الامة، حسب قاعدة (السبب كالفاعل). فالامة الاسلامية اثناء ترديدها: (اللهم صلِّ على سيدنا محمد وعلى آله واصحابه وسلم) انما تبين ماللآل والصحب الكرام من حظ وافر في حسنات الامة جميعها.

ولكي نوضح ما يترتب من نتائج عظيمة على اثر ضئيل في البداية نسوق الامثلة الآتية:

خاصية صغيرة مهمة في جذر النبات تأخذ صورة عظيمة في اغصانها، فتلك الخاصية في الجذر اذن هي اعظم من اعظم غصن.. وارتفاع ضئيل في البداية يكون تدريجياً عظيماً في النهاية.. وان الزيادة الطفيفة في نقطة المركز - ولو بمقدار انملة - تكون احياناً بمقدار متر كامل في الدائرة المحيطة.

وهكذا فلأن الصحابة الكرام هم مؤسسو الاسلام، وجذور شجرة الاسلام المنيرة، وبداية الخطوط الاساسية لبناء الاسلام، وركيزة المجتمع الاسلامي وائمته، واقرب الناس الى شمس النبوة المنيرة وسراج الحقيقة.. فعمل قليل منهم هو عظيم جليل. وخدمة ضئيلة يقدمونها هي جسيمة كثيرة، فلا يمكن اللحاق بهم وادراكهم الا ان يكون المرء صحابياً مثلهم.

اللّهم صلِّ على سيدنا محمد الذي قال: (اصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم(1) و خيرالقرون قرني..)(2) وعلى آله واصحابه وسلم.

] سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا اِلاّ ما عَلَّمْتَنا اِنَّكَ اَنْتَ الْعَليمُ الْحَكيم[

سؤال: يقال ان الصحابة الكرام قد رأوا الرسول e عياناً ثم آمنوا به وصدّقوه، اما نحن فقد آمنا به من دون ان نراه، فايماننا اذن اقوى من ايمانهم، فضلاً عن ان هناك روايات تؤيد ما نذهب اليه!!

الجواب: ان الصحابة الكرام - رضوان الله تعالى عليهم اجمعين - قد وقفوا امام جميع التيارات الفكرية في العالم اجمع والتي كانت تعادي حقائق الاسلام وتصدها. فآمنوا ايماناً راسخاً صادقاً خالصاً مع انهم لم يروا من الرسول الكريم e بعد الا ظاهر صورته الانسانية، بل آمنوا به - أحياناً - من دون ان يروا منه معجزة، واصبح ايمانهم من الرسوخ والمتانة ما لا تزعزعه جميع تلك الافكار العامة المناهضة للاسلام، بل لم تؤثر ولو بأدنى شبهة او وسوسة.

اما انتم فمع انكم لم تروا صورته الظاهرة وشخصيته البشرية التي هي بمثابة نواة لشجرة طوبى النبوة، فان افكار عالم الاسلام تشد من ايمانكم وتمده وتعززه، فضلاً عن انكم ترون - بعين العقل - شخصية الرسول الكريم المعنوية e المنورة بانوار الاسلام وحقائق القرآن، تلك الشخصية المهيبة بألفٍ من معجزاته الثابتة..أفيوازن ايمانكم هذا مع ايمانهم العــظيم؟. فاين ايمانــكم الذي يـهوي في شباك الشبهات بمجرد كلام يطلقه فيلـسـوف مــادي اوربــي، من ايمانــهم الذي كــان كالطود الشـــامـخ لا يتزعزع امام الاعاصير التي يثيرها جميع اهل الكفر والالحاد واليهود والنصارى والحكماء؟

فيا ايها المدعي! اين ايمانك الواهي الذي قد لا يقوى لاداء الفرائض على وجهها من صلابة وقوة ايمانهم وعظيم تقواهم وصلاحهم الذي بلغ مرتبة الاحسان؟

اما ما ورد في الحديث الشريف بما معناه ان الذين لم يروني وآمنوا بي هم افضل منكم(1).. فهو يخص الفضائل الخاصة، وهو بحق بعض الاشخاص. بينما بحثنا هذا هو في الفضائل الكلية وما يعود الى الاكثرية المطلقة.

السؤال الثاني: يقولون:

ان الاولياء الصالحين واصحاب الكمال قد تركوا الدنيا وعافوا ما فيها، بمضمون ما ورد في حديث شريف: حب الدنيا رأس كل خطيئة(2)، بينما الصحابة الكرام قد اخذوا بامور الدنيا واقبلوا عليها ولم يدَعوها، بل قد سبق قسم منهم اهل الحضارة في اخذهم بمتطلبات الدنيا. فكيف تقول: ان اصغر صحابي من امثال هؤلاء هو كأعظم ولي من اولياء الله الصالحين؟

الجواب: لقد اثبتنا اثباتاً قاطعاً في الموقف الثاني والثالث من الكلمة الثانية والثلاثين:

ان للدنيا ثلاثة وجوه: فابداء المحبة الى وجهي الدنيا المتطلعين الى الاسماء الحسنى والآخرة ليس نقصاً في العبودية، بل هو مناط كمال الانسان وسمو ايمانه، اذ كلما جهد الانسان في محبته لذينك الوجهين كسب مزيداً من العبادة ومزيداً من معرفة الله سبحانه. ومن هنا كانت دنيا الصحابة الكرام متوجهة الى ذينك الوجهين، فعدوها مزرعة الآخرة وزرعوا الحسنات وجنوا الثمرات اليانعة من الثواب الجزيل والاجر العظيم، واعتبروا الدنيا وما فيها كأنها مرايا تعكس انوار تجليات الاسماء الحسنى، فتأملوا فيها وفكروا في جنباتها بلهفة وشوق، فتقربوا الى الله اكثر، وفي الوقت نفسه تركوا الوجه الثالث من الدنيا وهو وجهها الفاني المتطلع الى شهوات الانسان وهواه.

السؤال الثالث: ان الطرق الصوفية هي سبل الوصول الى الحقائق، واشهرها واسماها هي الطريقة النقشبندية التي تعدّ الجادة الكبرى، وقد لـخّص قواعدها بعض اقطابها هكذا: (در طريق نقشبندي لازم آمد ضار ترك: ترك دنيا ترك عقبى ترك هستي ترك ترك) اي: يلزم في الطريقة النقشبندية ترك اربعة اشياء: ترك الدنيا بأن لا تجعلها مقصوداً بالذات. وترك الآخرة بحساب النفس. وترك النفس، أي أن تنساها، ثم الترك. اي: ان لا تتفكر بهذا الترك، لئلا تقع في العجب والفخر. بمعنى ان معرفة الله والكمالات الانسانية الحقيقيتين انما تحصل في ترك ما سواه تعالى..

الجواب: لو كان الانسان مجرد قلب فقط، لكان عليه ان يترك كل ما سواه تعالى، بل يترك حتى الاسماء والصفات ويرتبط قلبه بذاته سبحانه. ولكن للانسان لطائف كثيرة جداً كالقلب، منها العقل والروح والسر، كل لطيفة منها مكلفة بوظيفة ومأمورة للقيام بعمل خاص بها.

فالانسان الكامل هو - كالصحابة الكرام - يسوق جميع تلك اللطائف الى مقصوده الاساس وهو عبادة الله. فيسوق القلب كالقائد كل لطيفة منها ويوجهها نحو الحقيقة بطريق عبودية خاص بها. عند ذلك تسير الكثرة الكاثرة من اللطائف جنوداً في ركب عظيم وفي ميدان واسع فسيح، كما هو لدى الصحابة الكرام رضوان الله عليهم.

والاّ فان ترك القلب جنوده دارجاً وحده لانقاذ نفسه، ليس من الفخر والاعتزاز، بل هو نتيجة اضطرار ليس الاّ.

السؤال الرابع: من اين ينشأ ادعاء الافضلية تجاه الصحابة الكرام؟ ومن هم الذين يثيرون هذا الادعاء؟ ولماذا تثار هذه المسائل في الوقت الحاضر؟ ومن اين ينبعث ادعاء بلوغ المجتهدين العظام؟

الجواب: ان الذين يقولون بهذه المسائل هم قسمان:

قسم منهم: رأوا بعض الاحاديث الشريفة ونشروها كي يحفزوا الشوق لدى المتقين واهل الصلاح في هذا الوقت ويرغّبوهم في الدين.. فهؤلاء هم اهل دين وعلم، وهم مخلصون. وليس لنا ما نعلق به عليهم، وهم قلة وينتبهون بسرعة.

اما القسم الآخر: فهم اناس مغرورون جداً، ومعجبون بانفسهم ايما اعجاب، يريدون ان يبثوا انسلاخهم من المذاهب الفقهية تحت ادعاء انهم في مستوى المجتهدين العظام، بل يحاولون امرار الحادهم وانسلاخهم من الدين بادعاء انهم في مستوى الصحب الكرام، فهؤلاء الضالون قد وقعوا:

اولاً: في هاوية السفاهة حتى غدوا معتادين عليها، ولا يستطيعون ان يتركوا ما اعتادوه، وينهضوا بتكاليف الشرع التي تردعهم عن السفاهة. فترى احدهم يبرر نفسه قائلاً: (ان هذه المسائل انما هي مسائل اجتهادية، والمذاهب الفقهية متباينة في امثال هذه المسائل، وهم رجال قد اجتهدوا ونحن ايضاً رجال امثالهم، يمكننا ان نجتهد مثلهم، فلربما يخطأون مثلنا، لذا نؤدي العبادات بالشكل الذي يروق لنا نحن، اي لسنا مضطرين الى اتباعهم!!). فهؤلاء التعساء يحلُّون ربقة المذاهب عن انفسهم بهذه الدسيسة الشيطانية. فما أوهاها من دسيسة وما ارخصها من تبرير! وقد اثبتنا ذلك في رسالة (الاجتهاد).

ثانياً: انهم عندما رأوا ان دسيستهم لا تكمل حلقاتها عند حد التعرض للمجتهدين العظام بدأوا يتعرضون للصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، حيث ان المجتهدين يحملون النظريات الدينية وحدها، وهؤلاء الضالون يرومون هدم الضروريات الدينية وتغييرها، فلو قالوا: نحن افضل من المجتهدين لم تنته قضيتهم، حيث ان ميدان المجتهدين النظر في المسائل الفرعية، دون النصوص الشرعية، لذا تراهم وهم منسلخون من المذاهب يبدأون بمس الصحابة الاجلاء الذين هم حاملو الضروريات الدينية. ولكن هيهات! فليس امثال هؤلاء الانعام الذين هم في صورة انسان، بل حتى الانسان الحقيقي، بل الكاملين منهم وهم اعاظم الاولياء الصالحين، لا يمكنهم ان يكسبوا دعوى المماثلة مع اصغر صحابي جليل. كما اثبتناه في رسالة (الاجتهاد).

اللّهم صلِّ وسلم على رسولك الذي قال:

((لا تسبوا اصحابي لا تسبوا اصحابي فوالذي نفسي بيده لو ان احدكم انفق مثل أُحدٍ ذهباً ما أدرك مُدَّ احدهم ولا نصيفه))(1).
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عاتب نفسك بهذه الكلمات هبة الله المواضيع الاسلامية 5 09-01-2010 11:05 PM
عاتب نفسك بهذه الكلمات عبدالرحمن الحسيني السِــيرْ وتـراجم أعــلام الإســـلام 1 06-21-2010 01:11 PM
كلمات فوق الكلمات عبدالقادر حمود القسم العام 8 01-09-2009 01:58 PM
كلمات ليست كا الكلمات بنت الاسلام القسم العام 11 10-27-2008 10:48 AM


الساعة الآن 03:58 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir