أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 04-06-2011
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي الشعاعات - الشعاع الخامس عشر


الشعاع الخامس عشر - ص: 626

الشعاع الخامس عشر
الحجة الزهراء
"عبارة عن مقامين"


يبدو هذا الدرس ظاهراً رسالة صغيرة، الاّ انها في الحقيقة رسالة عظيمة وقوية وواسعة جداً. وهي فاكهة ايمانية وثمرة قرآنية فردوسية أينعت من حياتي التفكرية ومن اتحاد علم اليقين وعين اليقين في حياة النور المعنوية التحقيقية.

سعيد النورسي
الشعاع الخامس عشر - ص: 627
المقام الاول
"
على ثلاثة اقسام"

القسم الاول
من الدرس الذي اُلقي في المدرسة اليوسفية الثالثة. وهو خلاصة الخلاصة للمكتوب العشرين.
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
ان الذي قضى خمساً وثلاثين سنة معتزلاً الناس، وودّع الدنيا ونسيها، ولاسيما في الليالي، حتى استوحش من الناس، لكثرة ماعانى من المراقبة المستديمة والترصد الدائم لأعماله ترصداً ينطوي على حقد وضغينة وسوء طوية، طوال ثلاثٍ وعشرين سنة، حتى اصبح يتضايق من ان يقضي ساعة من وقته مع أحدٍ من الناس وفي مكان واحد، سوى من يشتاق الى رسائل النور ومَن يقوم بمعاونته.. اقول: لقد نقلوا هذا الضعيف - انا العاجز - الى الزنزانة الخامسة كرهاً، حيث الازدحام على أشده. ومنعوا اخوتي من التردد اليّ، بحجة رفعي دعوىً الى محكمة التمييز حول وضعي في السجن المنفرد احد عشر شهراً.
فحينما كنت مضطرباً وقلقاً على عدم تحمل العيش في هذا الازدحام الكثيف، اذا بالجو يبرد برداً شديداً - علامة على الغضب - بحيث لو كنت في مكاني السابق لما تحملته قطعاً. فانقلب لي العُسر يسراً، ونزلت بي تلك الشدة رحمة منه تعالى. فخطر للقلب:
الشعاع الخامس عشر - ص: 628
على الرغم من قيام طلاب النور باداء وظيفتهم - ونيابة عنك - في تبليغ حقائق رسائل النور بجد واخلاص، في كل ردهة من ردهات السجن، فان هذه الردهة الخامسة الشبيهة بموضع إنزواء الزاهدين يتجدد دائماً ويتبدل، فهي اذن احوج ماتكون الى دروس النور.
وكذا الشباب والشيوخ لاشك أنهم بأمس الحاجة الى دروس يقينية وراسخة في اثبات وجوده تعالى واثبات وحدانيته سبحانه. حيث يقرأون ماتكتبه الصحف من هجوم الروس على الايمان بهجمات الالحاد الرهيبة، وانكار الخالق العظيم.
فالذي ورد الى القلب اثناء الاذكار عقب الصلاة هو هذا. وذكرت بدوري التهليل الذي اذكره منذ السابق عقب صلاة الفجر عشر مرات، وهو:
(لا اله الاّ الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لايموت بيده الخير وهو على كل شئ قدير واليه المصير.) 1
هذا التهليل العظيم والتوحيد الجليل الذي يحمل الاسم الاعظم - حسب رواية - قد فصّله (المكتوب العشرون) العظيم تفصيلاً واضحاً ساطعاً كالشمس، وذلك في احدى عشرة كلمة من كلماته في احد عشر برهان من براهين وجوب وجوده تعالى ووحدانية ربوبيته وأورد احدى عشرة بشارة من البشارات السارة.
نعم، كنت اكرر هذه الجملة المقدسة بتدبر عميق مع التفكر في خلاصة موجزة للمكتوب العشرين، فخطر للقلب فجأة: إلق هذه الخلاصة الموجزة درساً للعالم الفاضل "نادر" ومن يقيم هنا من الشباب. وانا بدوري قلت: بسم الله.. وبدأت بإلقاء الدرس:

_____________________
"كان صلى الله عليه وسلم يقول في دُبر كل صلاة مكتوبة [حين يسلم]: لاإله إلا الله وحده لاشريك له، له الملك وله الحمد (يحيي ويميت، وهو حي لايموت بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير).
«ثلاث مرات» اللهم لامانع لما اعطيت ولامعطي لما منعت ولاينفع ذا الجدّ منك الجدّ./ صحيح: انظر تفصيل التخريج وعزو هذه الزيادات في الاحاديث الصحيحة (196) - الاحاديث التي هي خارج الاقواس موجودة في البخاري ومسلم. والزيادة الاولى المحصورة بين القوسين لأحمد وابي داود، والثانية للطبراني والثالثة للنسائي وابي خزيمة. أقول: وهذا الحديث الذي أورده الاستاذ النورسي من العجائب، اذ عندما تتبعت احاديث الورد في الصباح والمساء وبعد الصلاة وجدتها تختلف بالسياق. وجمع الزيادات بهذه الطريقة صعبة للغاية تحتاج الى مصادر واسعة وطول باع في الحديث، فياترى ما تفسير ايراد الاستاذ لهذا النص وبتلك الزيادات دونما رجوع او توفر مصادر كالتي يمتلكها المحدّثون.. ان التفسير الوحيد هو: إكرام إلهي.

الشعاع الخامس عشر - ص: 629
ان في هذا الكلام التوحيدي احدى عشرة بشارة، واحدى عشرة حجة ايمانية. سأشير الى الحجج وحدها باشارة قصيرة جداً محيلاً ايضاحاتها وبشاراتها الى "المكتوب العشرين" والى اجزاء رسائل النور.
وعندما كتبت هذا الدرس، رأيت من الانسب ايضاً ادراج ما لم افصح عنه للمسجونين من كلمات ونكات فيه.
وهكذا، فالكلمات الاحدى عشرة من ذلك الكلام التوحيدي هي الآتية:

الكلمة الاولى: "لا اله الاّ الله"
ان الحجة الايمانية في هذه الكلمة هي رسالة "الآية الكبرى" تلك الرسالة الخارقة التي لانظير لها.
فقد أدت الى نيل طلاب النور بالبراءة من المحكمة، وظهورهم في سجن "دنيزلي" وانتصارهم في كل من محاكم "انقرة ودنيزلي" وانتشارها بالخفاء انتشاراً مؤثراً. مثلما اصبح طبعها سراً سبباً لاعتقال طلابها تسعة اشهر.
نعم ان شعاع "الآية الكبرى" اظهر ثلاثةً وثلاثين اجماعاً عظيماً وحججاً كلية في الكون كله، مع اشارته في كل حجة كلية الى براهين غير محدودة تثبت وجود واجب الوجود، ووحدانيته اثباتاً ساطعاً واضحاً وضوح النهار. فيستنطق السموات بكلمات النجوم في المقدمة ثم الارض بجمل الحيوانات والنباتات وهكذا حتى يستنطق الكون كله بكلمات حقائق الحدوث والامكان والتغيّر..
فعلى الذين يطلبون ايماناً راسخاً لايتزعزع والباحثين عن سيف لاينثلم تجاه الفوضى الملحدة ان يراجعوا رسالة "الآية الكبرى".

الكلمة الثانية: "وحده"
والاشارة الوجيزة الى الحجة التي فيها هي:
ان في كل جهة من جهات هذا الكون وفي كل ناحية من نواحيه تشاهد وحدةً واضحة:
الشعاع الخامس عشر - ص: 630
فمثلاً: الكون كله اشبه مايكون بمدينة عامرة، وقصر شامخ وكتاب بليغ مجسم، بحيث أن كل آية فيه، بل كل حرف من حروفه، بل كل نقطة من نقاطه في حكم معجزة وقرآن مجسّد.
نعم فكما يبين هذا وحدةً واضحة في الكون، فان مصباح ذلك القصر مصباح واحد، وقنديله الذي يبين الاوقات واحد ايضاً، وطبّاخه المالك للنار.. واحد. وساقيه بالماء.. واحد، وهكذا واحد.. واحد.. واحد. حتى يبلغ الألف وواحد من الواحد والوحدة.
وبإظهار الكون هذه الوحدة في كل شئ، يثبت أن صاحب ذلك القصر وتلك المدينة وذلك الكتاب، ذلك القرآن الكبير المجسم، وكاتبه ومصنّفه، موجود وواحد أحد.

الكلمة الثالثة: "لاشريك له"
والاشارة المختصرة جداً الى ما فيها من حجة هي:
الآية الجليلة: (قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا الى ذي العرش سبيلاً) (الاسراء: 42) التي هي منبع شعاع "الآية الكبرى" واستاذه، واساسه.
نعم لو كان معه آلهة ولها مداخلة في الخلق والايجاد والربوبية لفسد نظام الكون كله واختل. بينما يشاهد أكمل نظام وادقه في كل شئ ابتداءاً من جناح ذبابة صغيرة، ومن بؤبؤ عينها ومن حجيرتها الصغيرة وانتهاء الى الطائرات الجوية، تلك هي الطيور التي لاتعد ولاتحصى، والى المنظومة الشمسية، ففي كل شئ في الوجود يُرى أكمل نظام سواءً أكان جزئياً أم كلياً، صغيراً ام كبيراً. مما يثبت هذا النظام الاكمل اثباتاً لا يحتمل الشك ان الشرك محال وجوده، وانه معدوم اصلاً، ويثبت ايضا إثباتا واضحاً وجود واجب الوجود ووحدته.
الشعاع الخامس عشر - ص: 631
الكلمة الرابعة: "له الملك"
واشارة قصيرة جداً الى ما فيها من حجة طويلة هي:
اننا نشاهد بأبصارنا أن وراء حجاب الغيب من هو متصرف بالامور مالك لقدرة مطلقة لايحدها حد ويملك من العلم مالايحده حدود، اذ جعل وجه الارض مزرعة واسعة سعة الارض كلها، ينثر فيها كل ربيع بذوراً تزيد على مائة الف نوع من النباتات، ينثرها جميعاً معاً ومختلطاً بعضها ببعض، ثم يجني محاصيلها جنياً متمايزاً دون اختلاط ولا التباس مع انتظام كامل، ويوزع بيد الرحمة والحكمة على مائتي الف نوع من الحيوانات مايلائمهم من رزق معين على حسب حاجتهم. وهكذا يصرّف الامور على سعة ملكه الواسع الفسيح، الغني المعطاء. ولاسيما مزرعة الارض.
فالذي لايؤمن بهذا المتصرف الحكيم والملك الرحيم يضطر الى انكار هذه الارض مع محاصيلها ويكون كالسوفسطائيين الحمقى.

الكلمة الخامسة : وهي " وله الحمد "
ان إشارة مختصرة جدا ً الى ما فيها من حجة واسعة جدا ً هي :
اننا نشاهد بابصارنا وندرك بعقولنا ادراكا ً لحد البداهة : ان رزاقا ً رحيما ً ومحسنا ً كريما ً يتصرف ويدبر امور مدينة الكون ويرعى شؤون حي الارض، ويربي معسكر الانسان والحيوان، حتى انه حوّل الارض الى سفينة تجارية، والى قطار لجلب الارزاق ، ليبعث على الشكر والحمد بما يغدق من نعمه التي لاتعد ولاتحصى جاعلا ً من الربيع المبسوط على وجه الارض ما هو بمثابة عربة القطار، المشحونة بمائة الف نوع ونوع من انواع الاطعمة ، وملأ الاثداء الشبيهة بالمعلبات باللبن السائغ لإمداد ذوى الحياة المعوزين الذين نفدت ارزاقهم نهاية الشتاء. فمن يملك ذرة من عقل يؤمن بلاشك أن هذا الأمر انما هو من افعال رزاق رحيم. ومن لايؤمن بهذا و يضل ضلالا ً بعيدا ً يضطر الى انكار جميع النعم المنضودة والارزاق المعينة الباعثة على الحمد والشكر، وليس هو الاّ احمق حيوان مضر.
الشعاع الخامس عشر - ص: 632
الكلمة السادسة : وهي " يحي".
ان اشارة مختصرة جدا ً الى ما فيها من حجة هي :
ما اثبت في "الكلمة العاشرة " وفي اجزاء رسائل النور بالبراهين القوية انه :
يبعث على سطح الارض في كل ربيع جيش سبحاني ضخم مؤلف من ثلاثمائة الف نوع من انواع ذوى الحياة وبما لايحد من الافراد في اشكال متنوعة وانماط مختلفة. فتوهب لها الحياة، ويجهز بكل ما يلزم الحياة وبانتظام كامل، مما يبين لنا مائة الف نموذج من نماذج الحشر الاعظم، بل من اماراته.. فالذي يحي كل تلك المخلوقات المتنوعة غير المحدودة معاً، وهي مختلطة ومكتنفة ومتشابكة بعضها في بعض، بلا سهو ولاخطأ ولانقص، ومن دون تحيّر، ويميّزها برغم اختلاطها وامتزاجها، وبلا نسيان لأحد منها، ويهب لها الحياة بكمال الميزان والنظام ويبعثها من نطفها التي هي قطرات ماء متماثلة، ومن نواها المتشابهة، ومن حبيبات لايتميز بعضها عن بعض الاّ قليلاً، ومن بويضات الحشرات التي هي عين الاخرى ومن نطف الطيور، ومن بويضاتها التي هي عين بعضها او بفروق طفيفة، فالذي يحيي تلك المئات من الالوف من ذوى الحياة التي تضم افرادا ً لاتعد ولاتحصى، المتباينة صورة، وصنعة ومعيشة، ويبعث تلك المئات من الالوف من الاحياء. ويكتب مائة الف كتاب مختلف بعضها عن بعض على صحيفة الارض والربيع، يكتبها معا ً ومتداخلا ًوبلا خطأ كتابة في اتم اتقان، ويتصرف فيها بعناية لا حدّ لها ويعمل فيها بحكمة لا منتهى لها.. نعم.. ان الذي يفعل هذا انما هو الخلاق العليم وهو المحيي والحي القيوم.. فمن لا يعتقد بهذا لاشك انه مضطر الى انكار نفسه وانكار جميع الاحياء المنتشرة على الارض كافة والمعلقة على شريط الزمان في جميع مواسم الربيع الماضية والموجودة على وجوه الارض الحية والفضاء الحي.. وما هو الاّ احمق الاحياء واشقاهم.

الكلمة السابعة : وهي "ويميت"
ان اشارة في منتهى الاختصار الى حججها هي :
اننا نشاهد عندما تسرّح ثلاثمائة الف نوع من الاحياء من وظائفها باسم الموت في الخريف، فان كل نوع وكل فرد يودع بذوره الى يد الحكمة للحفيظ الجليل ، تلك
الشعاع الخامس عشر - ص: 633
البذور التي هي عليبات صحائف اعماله، وفهارس افعاله، وقوائم ما سيعمله في الربيع المقبل، وهي شبيهة بروحه الباقية من جهة - كبذيرات التين المتناهية في الصغر التي تحمل جميع قوانين الحياة لشجرتها، فهى بمثابة روح باقية لها - فيكتب فيها الخلاق الحكيم، الحى الذي لايموت، بقلم القدر - كالكتابة في القوة الحافظة - تأريخ حياة الشجرة وكأنها كتاب ضخم.. فمن لايؤمن بهذا الخلاق الحكيم الحي الذي لايموت ليس هو انسان احمق وحيوان فاقد الشعور وحده بل هو كذلك اشقى من شيطان تضرم به نار جهنم ومحكوم عليه بالموت الابدي.
نعم، ان هذه الافعال المذكورة والتي تشير الى حجج هذه الكلمات، وهي افعال حكيمة كلية محيطة وفي منتهى الاعجاز وتضم ما لا يتناهى من المعجزات والخوارق.. هذه الافعال لا يمكن ان تكون بلا فاعل قطعاً، بل ذلك محال بمائة محال، وباطل اطلاقاً، فاسنادها الى الاسباب العمياء الصماء العاجزة الفاقدة للشعور، الجامدة المختلطة المستولية غير المنتظمة، ممتنع بالف مرة ومرة ولا أساس له قطعاً.
فلو فوضت تلك الافعال الحكيمة الى غيرالفاعل الحكيم للزم وجود قدرة مطلقة وحكمة مطلقة واتقان بديع كلى تخص تشكل جميع الاعشاب والازاهير في كل ذرة من ذرات التراب.. ويلزم وجود قابلية فهم وإفهام اقوال ومكالمات وكلمات جميع الهواتف والراديوات في كل ذرة من ذرات الهواء. كما ذكر في نكتة توحيدية في لفظ "هو" في "مرشد الشباب" ـ
وهذا المفهوم الغريب العجيب لا يسع اى شيطان كان ان يقنع به احدا ً قط، فالكفر والانكار الذي هو خارج عن نطاق العقل الى هذا الحد وبعيد كل البعد عن الحقيقة وهو اهانة للكائنات كلها وتعدّ على حقوقها.. لاجزاء له الاّ النار، وهو عين العدالة. فينبغي القول :"لتعش جهنم لمثل هؤلاء المنكرين".

الكلمة الثامنة : "وهو حي لايموت "
ان اشارة مختصرة جدا ً الى ما فيها من حجة هي:
ان الشميسات المشاهدة مثلا ً اثناء النهار على حباب وجه البحر وعلى سطح النهر الجاري، تختفى بذهاب تلك الحباب، فتُظهر التي تعقبها الشميسات نفسها
الشعاع الخامس عشر - ص: 634
كسابقاتها، فتشير بهذا الى الشمس التي في السماء وتشهد عليها. وتدل بزوالها ووفاتها على وجود شمس دائمية وعلى بقائها.
كذلك المخلوقات على وجه بحر الكون المتبدل دوماً وفي فضائه المتجدد الذي لايحد، وفي مزرعة ذراته، هذه المخلوقات تسيل سراعا ً وباستمرار في نهر الزمان الذي يتموج محتضنا ً جميع الحوادث والموجودات الفانية، وتموت مع اسبابها الظاهرية. فيذوق كونٌ الموتَ كل سنة ،وكل يوم، ويحل آخر جديد محله، وتموت دنى ً سيارة باستمرار وعوالم سيالة في مزرعة الذرات بعد اخذ المحاصيل منها .
فكما تبين الحباب والشميسات بزوالها الشمس الدائمة ، فان وفاة تلك المخلوقات غير المحدودة وزوال تلك المحاصيل، وتسريحها مع اسبابها الظاهرية تسريحاً بكمال الانتظام تدل دلالة قاطعة كالنهار الابلج والشمس في وضح النهار على وجوب وجود الحى الذي لايموت، على الشمس السرمدية، على الخلاق الباقي، على الآمر الاقدس، وعلى وحدانيته جل وعلا وعلى وجوده، دلالة ظاهرة أظهر من وجود الكائنات نفسها بألف مرة.. والشاهد على هذا كل موجود بحد ذاته وكل الموجودات معاً.
فلاشك ان قد ادركتم مدى حماقة وصمم وجناية من لايسمع هذه الاصوات العالية التي تملأ فضاء الكون كله وهذه الشهادات القاطعة الصادقة.

الكلمة التاسعة : وهي " بيده الخير "
ان اشارة في منتهى الاختصار الى ما فيها من حجة هي :
اننا نشاهد في كل دائرة من دوائر هذا الكون وفي كل نوع من انواعه وفي كل طبقة من طبقاته حتى في كل فرد من افراده ، بل في كل عضو من اعضائه ، بل حتى في كل حجيرة من حجيرات جسمه، مخزناً احتياطىاً ومستودعاً لإدخار الرزق، ومزرعة وخزينة تهيئ ما يلزمه ويقيه ، وتسلم - ما فيها - يدٌ غيبية الى يد ذلك المخلوق في أنسب وقت ومن حيث لايحتسب بل بشكل خارج عن طوقه وارادته، ضمن انتظام تام على وفق ميزان دقيق، ويتم ذلك كله في منتهى الحكمة وغاية
الشعاع الخامس عشر - ص: 635
العناية.. فالجبال مثلا ً تدخر كل ما يلزم الاحياء والانسان من معادن وادوية وكل ما يلزم متطلبات الحياة. فهى خزائن ملئت في غاية الكمال بأمر الواحد الاحد وبتدبيره. مثلما الارض مزرعة وبيدر ومطبخ تهيئ ارزاق جميع الاحياء وبكمال الانتظام والميزان وذلك بقوة الرزاق الحكيم، بل ان في كل انسان، وفي كل عضو من اعضائه مخزنا ً ومستودعا ً للإدخار، بل حتى في كل حجيرة من حجيرات الجسم ايضاً مخزن صغير يناسبه لخزن الاحتياطي من الارزاق.. وهكذا في كل موجود مخزن؛ حتى ان مخزن الاخرة هو دار الدنيا، ومزرعة الجنة ومستودعها هو عالم الاسلام وعالم الانسانية الحقة، الذي تنبعث منه الحسنات والحسن والانوار. ومخزن من مخازن جهنم هو المواد الفاسدة والطوائف الملوثة التي تنتج حناظل الشرور والقبح والكفر، تلك الشرور الناتجة من العدم والملوثة لعوالم الوجود التي هي الخير. ومخزن حرارة النجوم وموردها جهنم، وخزينة انوارها ومصدرها الجنة..
وهكذا فان كلمة " بيده الخير" باشارتها الى جميع تلك الخزائن غير المحدودة تبين حجة ساطعة جداً.
نعم، ان هذه الكلمة، وكذا عبارة: "بيده مقاليد كل شئ " حجتان للربوبية والوحدانية لا منتهى لسعتهما، وهما ذات خوارق ومعجزات لاحدود لها، تبينها هاتان الجملتان لمن لم يطمس على عينه.
فانظر مثلاً من تلك الخزائن والمقاليد غير المحدودة الى هذه فحسب :
ان المدبر الحكيم المالك لمفاتيح البذور والنوى، تلك المخازن الصغيرة التي يضم كل منها اجهزة منهاج مقدرات شجرة ضخمة او زهرة فوّاحة، كما يوقظ بواب بذرة بأمره "أفق" بمفتاح الارادة، وبميزان نظام تام، كذلك يفتح خزينة الارض الهائلة بمفتاح الغيث، فيفتح جميع المخازن الصغيرة أي الحبيبات التي هي نطف النباتات وجميع مبادئ الحيوانات، والقطرات التي هي نطف الطيور والحشرات المتشكلة من هواء وماء، يفتحها جميعا ً ومعا ً وبلاخطأ وذلك بتلقيها أمر الإنفتاح والانكشاف.. ويفتح سبحانه في الوقت نفسه جميع خزائن الكون الكلية والجزئية، المادية والمعنوية، بمفتاح خاص لكل منها بيد الحكمة والارادة والرحمة والمشيئة.
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشعاعات - الشعاع الثاني عشر عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 1 04-06-2011 03:35 PM
الشعاعات - الشعاع التاسع عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 0 04-06-2011 03:15 PM
الشعاعات - الشعاع السابع عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 8 04-06-2011 03:13 PM
الشعاعات - الشعاع السادس عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 0 04-06-2011 02:55 PM
الشعاعات - الشعاع الخامس عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 0 04-06-2011 02:51 PM


الساعة الآن 11:24 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir