أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           اللهم إني أسألك علماً نافعاً ، ورزقاً طيباً ، وعملاً متقبلاً           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > الرد على شبهات المخالفين

إضافة رد
قديم 10-15-2012
  #1
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاةوالسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . هذا بحث مختصر أذكر فيه بعض آثار الأخذ بظواهر النصوص المتشابهة في انحراف بعض الطوائف من أمة نبينامحمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
وقد عرضت إلى ثلاث طوائف هم:القدرية ،والحلولية ،والجهوية، ليرى الواقف على ذلك كيف يكون الزيغ عن الحق إذا أخذ الإنسان بنصوص المتشابه وترك المحكم من البراهين والأدلة القاطعة.
أنواع المتشابه:قال الإمام الراغب جميع المتشابه على ثلاثة أضرب:
1ـ ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه ،كوقت الساعة وخروج الدابة ونحو ذلك .
2ـ وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته، كالألفاظ العربية والأحكام الغلقة .
3ـ وضرب متردد بين الأمرين يختص بمعرفته بعض الراسخين في العلم ويخفى على من دونهم ،وهو المشار إليه بقوله صلى الله عليه و سلم لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل ..قال :وإذا عرفت هذا عرفت أن الوقوف على قوله وما يعلم تأويله إلا الله ووصله بقوله والراسخون في العلم جائزان وأن لكل واحد منهما وجهاً حسبما دل عليه التفصيل المتقدم .
وقال أيضا: والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف القيامة فإن تلك الصفات لا تتصور لنا إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه أو ليس من جنسه. انتهى
ولابد أن أذكر بعض الأصول المسلمات عند أهل القبلة قبل أن أدخل في موضوع البحث .
الأصل الأول: أن الله جل جلاله هو القديم بلاابتداء لم يكن شيء معه ،فكل ماسواه حادث أحدثه الله تعالى .قال الله تعالى ((هو الأول والأخر والظاهر والباطن))
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((كان الله ولا شيءمعه)) صححه ملا على قارىء وغيره قال العجلوني رواه ابن حبان والحاكم وابن أبي شيبة عن بريدة وفي رواية : ولا شيء غيره وفي رواية ولم يكن شيء قبله . انتهى‏.‏ بحروفه من كشف الخفاء للعجلوني (1162)مادة حرف الكاف.وهو أيضاً في البخاري أيضاً بلفظ غيره ولفظ قبله ،وذكر الحافظ ابن حجر في الفتح ثالثة بلفظ معه.
الأصل الثاني:أن من أدق الصفات التي يميز بها بين القديم والحادث هوأن القديم عزوجل لا يتغير ،بينما الحادثات تتغير فكل متغير حادث .وقد استدل نبي الله إبراهيم عليه السلام بأفول الشمس والقمر على عدم أولهيتها {فلما أفلت قال لاأحب الآفلين} ولا معنى يستفاد من ذلك إلا أن التغير يدل على عدم كونها أرباباًحقيقة .ولا يعني ذلك أن المشاهد الذي لا يغيب عن العين يصح كونه رباً .فتبين أنه أراد معنى التغير الدال على الحدوث.ولاشك أن التغير لايكون إلا من حال نقص إلى كمال أو العكس وهذا يدل على الحدوث.فسبحان الله الذي لايتغير ولا يتبدل .
الأصل الثالث:أن الله سبحانه وتعالى لايشبهه شيء، والأشياء الحادثة: إما أنها غير مركبة وهي ما تسمى اصطلاحاً بالجواهر أو مركبةمؤلفة وهي ما تسمى بالأجسام ،أو أعراض تقوم بهذه الأجسام والجواهر كالألوان،والتغيرات والاضطربات الحركية ونحو ذلك ،فالله جل جلاله ليس بجوهر ولا جسم ولا عرض فلا يشبه شيء من هذه الأشياء.لأن الله سبحانه وتعالى يختلف اختلافاً تاماً من جميع الوجوه عن الحادثات.قال تعالى((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)) وقال((ولم يكن له كفوا أحد))وقال((هل تعلم له سمياً))أي شبيهاً.
الأصل الرابع:أن إثبات العقيدة لا يكون إلا بالأدلة القطعية الثبوت والدلالة ،ويصح كذلك إثباتها بالأدلة الظنية الثبوت والدلالة لكن بشرط ألا تخالف الأدلة القطعية ،فإن خالفت الأدلة القطعية فهي إما أدلةغير ثابتة الإسناد ،أو أن دلالتها غير قطعية على معنى بعينه ولذا فلها تأويل على معنى صحيح في اللغة يليق بالله تعالى ويتوافق مع الأدلة القطعية ولا يخالفها.
الأصل الخامس:أن ماخالف الأدلة النقلية القاطعةوالأدلة العقلية القاطعة فهو من المتشابه الذي لا يجوز فهم معناه على الظاهرالمتبادر إلى بعض الأذهان،بل له معنى آخر في لغة العرب يفسر به .
الأصل السادس :أن كل نقص فهو منفي عن الله تعالى.وكل كمال ليس فيه نقص بأي وجه من الوجوه فنثبته لله تعالى.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك

التعديل الأخير تم بواسطة عبدالرزاق ; 10-15-2012 الساعة 07:20 PM
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-15-2012
  #2
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


إذا علمنا هذه الأصول فنشرع في عرض موضوع البحث وبالله التوفيق.
أولاً :أخذ القدرية بظاهر النصوص في صفة العلم:
هذه من الضلالات التي وقع فيها المبتدعة من غلاة القدرية حيث قالوا أن بعض الأمور لايعلمها الله_ سبحانه وتعالى_ إلا بعد وقوعها واستدلوا على ذلك بالنصوص التالية:
1ـ قوله تعالى في سورة البقرة { وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه } فأخذوا الآية بظاهرها وقالوا جعل الله القبلة لغرض أن يعلم من يتبع الرسول صلى الله عليه وسلم لأنه سبحانه وتعالى لم يكن يعلم بهذا الشيءفيريد أن يعلم.
2ـ وقوله تعالى { أفحسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم}
[ آل عمران : 142 ] قالوا لا يعلم من الذي من عباده سيجاهد ويصبر ليدخل الجنة،إلا بعد حصول ذلك من العبد !!.تعالى الله عن ذلك.
3ـ وقوله تعالى{ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا}قالوا :هو يريد أن يبعثهم حتى يعلم مالم يكن يعلم من قبل!!!
4ـ وقول الله تعالى { ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم } قالوا:فهو لا يعلم بما سيفعلون إلا بعد أن يبتليهم . سبحانه وتعالى عما يقولون.!!
5ـ وقوله تعالى((وما كان له عليهم من سلطان الا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ ))سورة سبأ- آية 21 فقال القدرية:يريد الله أن يعلم من يؤمن بالأخرةلأنه لم يكن يعلم بذلك فحدث له العلم بذلك . سبحانه وتعالى عما يقولون.
6ـ وقوله تعالى ((ومااصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين)) سورة آل عمران آية166قالوا يريد أن يعلم المؤمنين وهم الذين يثبتون في الجهاد لأنه يحصل له العلم بذلك إلا بعد أن يرى ما يفعلون بعد الابتلاء.!!
7ـ وقوله تعالى (( يا أيها الذين آمنوا ليبلونكم الله بشيء من الصيد تناله ايديكم ورماحكم ليعلم الله من يخافه بالغيب فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم))
المائدة آية 94 قالوا:لا يعلم من يخافه بالغيب إلا بعد هذا الابتلاءكما هو نص الآية.!
8ـ ((لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز )) سورة الحديدوهكذا فقد أخذوا النصوص الواردة على ظاهرها ،فوقعوا في بدعة كفرية عظيمة.

وجواب أهل السنة والجماعة كان جواباً واضحاً صريحاً وهو: أن هذه الآيات من المتشابه الذي لايؤخذ على ظاهره بل يأّول تأويلاً صحيحاً لغة وشرعاً .ليدفع شبهةالقدرية الجفاة وذلك لايمكن إلا بتأويل الآيات على معنى صحيح يليق بالله تعالى .
فكان جواب أهل الحق والسنة عن هذه الآيات بالأجوبةالتالية:
أولاً:أننا نقطع يقيناً بأن الجهل نقص عظيم والله سبحانه وتعالى له الكمال المطلق وما ينبغي له سبحانه وتعالى النقص في ذاته ولا صفاته ومنها العلم،وهذا أصل قطعي وما ورد من الآيات التي توهم منها المبتدعة أن الله لايعلم بعض الأمور إلا بعد وقوعها مؤولة بمعاني أخرى لا تنافي كمال الله تعالى فلا يجوز أخذ هذه النصوص على ظاهرها.
ثانياً: أن أدلة النقل الصحيحة وأدلة العقل القاطعةتدل على أن الله تعالى قديم غير حادث وصفات الله ملازمة له فهي قديمة غير حادثةومنها العلم.
ثالثاً:أنه قد ورد في كتاب الله تعالى آيات محكمة تدل على كمال الله تعالى المطلق وعلى أن علمه غير محدود فلا يترك النص المحكم من أجل النص المتشابه لأن هذا طريق أهل الضلال كما قال الله تعالى ((فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم))
وقد وردت نصوص محكمات تدل على أن الله قد علم كل الأمور قبل وجودها فقال تعالى ((وهو بكل شيء عليم))وقال تعالى ((يعلم مابين أيديهم وما خلفهم ولايحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض))
وقال تعالى ((عالم الغيب والشهادة )) وقال تعالى ((يعلم مافي السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون وهو عليم بذات الصدور )). وقال النبي صلى الله عليه وسلم((لما خلق الله القلم قال له اكتب، فكتب ماهو كائن إلى يوم القيامة))
رابعاً :إذا تحقق ما ذكرناه في النقاط السابقة فهذا سرد لبعض أقوال أهل السنة في تأويل معاني هذه النصوص التي تعلق بها القدرية.
التأويل الأول:قال الإمام ابن جريرالطبري في تفسير آية الكهف ( ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى) يقول:ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أووا إلى الكهف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث، أي الطائفتين اللتين اختلفتا في قدرمبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودا أحصى لما لبثوا أمدا ). انتهى كلام ابن جرير.وهو نفس الوجه الثاني من الوجوه التي ذكرها البيهقي في ما يأتي قريباً.
التأويل الثاني: ما ذهب إليه جماعة من العلماء ومنهم الفراء : وهو أن حدوث العلم في هذه الآية راجع إلى المخاطبين ، ومثاله أن جاهلاً وعاقلاً اجتمعا ، فيقول الجاهل: الحطب يحرق النار ، ويقول العاقل : بل النار تحرق الحطب ، وسنجمع بينهما لنعلم أيهما يحرق صاحبه معناه : لنعلم أينا الجاهل ، فكذلك قوله : { إلا لنعلم } إلالتعلموا والغرض من هذا الجنس من الكلام : الاستمالة والرفق في الخطاب ، كقوله: { وإنا أو إياكم لعلى هدى } [ سبأ : 24 ] فأضاف الكلام الموهم للشك إلى نفسه ترقيقاللخطاب ورفقا بالمخاطب ، فكذا قوله : { إلا لنعلم } .وقد ذكر نحوه الإمام البيهقي في الأسماء والصفات .حيث قال الإمام البيهقي بسنده إلى :يحيى بن زياد الفراء ، فقوله عز وجل : {وما كان له عليهم من سلطان} أي حجة يضلهم بها إلا أنا سلطناه عليهم لنعلم من يؤمن بالآخرة قال : فإن قال قائل : إن الله خبرهم بتسليط إبليس وبغيرتسليطه قلت : مثل هذا في القرآن كثير.قال الله عز وجل : {ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين} وهو يعلم المجاهدين والصابرين بغير ابتلاء ففيه وجهان: أحدهما أن العرب تشترط للجاهل إذا كلمته شبه هذا شرطا تسنده إلى أنفسها وهي عالمة ،ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم : من ذلك أن يقول القائل : النار تحرق الحطب ، فيقول الجاهل : بل الحطب يحرق النار فيقول العالم : سنأتي بحطب ونار لنعلم أيهما يأكل صاحبه ، أو قال : أيهما يحرق صاحبه ، وهو عالم فهذا وجه بيّن.
والوجه الآخر أن يقول: ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم ، معناه حتى نعلم عندكم ، فكأن الفعل لهم في الأصل ومثله مما يدلك عليه قوله : {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} أي عندكم يا كفرة ، ولم يقل عندكم ـ وإن كان ـ ذلك معناه ومثله : {ذق إنك أنت العزيزالكريم} أي ـ كريم ـ عند نفسك إذا كنت تقوله في دنياك ، ومثله قال الله لعيسى: {أأنت قلت للناس} وهو يعلم ما يقول وما يجيبه ، فرد عليه عيسى ، وعيسى يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته ، فكما صلح أن يسأل عما يعلم ويلتمس من عبده ونبيه الجواب ،فكذلك يشترط ما يعلم من فعل نفسه حتى كأنه عند الجاهل لا يعلم ، وحكى المزني عن الشافعي رضي الله عنه في قوله تعالى : {وما جعلنا القبلةالتي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول} يقول : إلا لنعلم أن قد علمتم من يتبع الرسول ، وعلم الله تعالى كان قبل اتباعهم وبعده سواء وقال غيره : إلا لنعلم من يتبع الرسول بوقوع الاتباع منه كما علمنا قبل ذلك أنه يتبعه. انتهى كلام الإمام البيهقي
التأويل الثالث: تأويل بثمرة العلم وهو: التمييز فمعنى الآيات إلا لنميز هؤلاء من هؤلاء بانكشاف ما في قلوبهم من الإخلاص والنفاق ، فيعلم المؤمنون من يوالون منهم ومن يعادون ، فسمي التمييز علماً ، لأنه أحد فوائد العلم وثمراته.

التأويل الثالث: { إلا لنعلم } معناه : إلا لنرى، ومجاز هذا أن العرب تضع العلم مكان الرؤية ، والرؤية مكان العلم كقوله تعالى : { ألم تر كيف فعل ربك بعاد} [ الفجر : 6] أي ألم تعلم.وقوله تعالى {ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } ومعناه ألم تعلم .
إذن كلمت رأيت ، وعلمت ، وشهدت ، ألفاظ متعاقبة.
التأويل الرابع : أي كما يقول الملك : فتحنا البلدة الفلانية بمعنى: فتحها أولياؤنا ، ومنه يقال : فتح عمر السواد رغم أن عمر لم يفتح ولم يحضر وإنماالفاتح هو جيشه والعرب تستعمل هذا في لغتهم والقرآن جاء بلغة العرب.فهذا أحد التأويلات فلا تحمل الآية على ظاهرها بل تأول بما يليق بالله تعالى لأن حملها على ظاهرها كفر .ولذا كفر العلماء هؤلاء القدرية الجفاة.
فتلك بعض تأويلات أهل السنة رداً على القدرية ويجرى هذا التأويل في جميع الآيات السابقة حسب الإمكان .
وفيه فوائد:
1ـ أن القدرية ضلوا لأخذهم بظواهر النصوص وتفسيرها بالمعنى المتبادر إلى الذهن.
2ـ أنه يجب صرف الآيات عن المعنى المتبادر إلى الأذهان،وذلك لأن حملها على ظاهر المعنى لايليق بالله تعالى لأنه يقتضي نسبة النقص لله سبحانه وتعالى .وقد علم استحالة ذلك نقلاً وعقلاً.فكان الرجوع للنصوص المحكمة وترك المتشابهة واجب محتم.
3ـ أنهم عالجوا هذه الشبهات بالتأويل على معنى لآئق بالله تعالى سائغ في لغة العرب لتتفق مع الأصول القطعية الثابتة لله تعالى وتتفق مع نصوص أخرى كأخباره تعالى في التوراة والإنجيل ببعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى فيما يحكيه عن سيدنا عيسى عليه السلام ((ومبشربرسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ..)).
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-15-2012
  #3
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


المبحث الثاني:الحلولية
ممن ضل بسبب الأخذ بالنصوص على ظاهرها ما يسمى بالحلولية فكانوا يعتقدون أن الله تعالى يحل في مخلوقاته السفلية والعلوية وقد استدلوا على هذه العقيدة بالنصوص التالية:
قول الله تعالى ((ما يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍإِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَمَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)) فالثلاثة شيء مجتمع محسوس والرابع معهم إذاً فهي معيّة حسّية .وقوله تعالى ((وهو معكم إذ تبيتون مالايرضى من القول)) وقوله تعالى((وهو معكم أينما كنتم ))قالوا وكل هذا يدل على أنها معية حقيقية ،أي حسية.
وقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}فيحمل على الحقيقة وهي المعية الحسية لأن الأصل في الكلام الحقيقة.
قوله تعالى {وناديناه من جانب الطور الأيمن} وقوله تعالى {فلما أتاها نُودِيَ من شَاطِئِ الوادِ الأَيْمَنِ في البُقعَةِ المُبَارَكِةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنا الله ربُّ العالمين} قالوا ظاهر الآية إثبات وجود ذات الله في الأرض في وادي طوى عند الشجرة.
.!! وقوله سبحانه وتعالى: { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16
فقالوا:حبل الوريد محسوس في جسم الإنسان وقربه قرب حسي فالله كذلك يقول أنه أقرب منه فهو قرب حسي وإن لم نشاهده قالوا لأننا نصدق الله تعالى فيما أخبر.!!
وقوله تبارك وتعالى: { وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لاتُبْصِرُونَ}
قالوا:فالله يخبرنا أنه أقرب إلى الميت منا ووجودنا عند الميت محسوس فهذا يعني أنه قرب حسي ولكن المانع من رؤيتنا لله تعالى هو عدم إبصارنا له عند تواجده ،وعدم إمكان رؤيته بيننا لا يدل على عدم وجوده بيننا ،كما أن أهل الملةيؤمنون بوجود الملائكة بيننا وإن كنا لانراهم.!!!

واستدلوا بالأحاديث الدالة على ماذهبوا إليه من ضلالة فمنها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد((رواه مسلم وقوله صلى الله عليه وسلم ((اربعوا على أنفسكم إنكم لاتدعون أصماًولاغائباً إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته )) فظاهر الحديث يدل على القرب الحسي لأن عنق الراحلة شيء حسي والله أقرب منه .واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم في المصلي (إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ، ولكن عن يساره أو تحت قدميه)) خرجه البخاري برقم (450)
كل هذه النصوص جعلت الحلولية يعتقدون بحلول الله في الأماكن والجهات مع مخلوقاته.

الرد عليهم:هذه النصوص لايجوز أخذها على ظاهرهاللأدلة النقلية والعقلية الدالة على ذلك:منها :أولاً:استحالة حلول الله تعالى في مخلوقاته لأنه نقص ينزه الله تعالى عنه.
ثانياً: أن هذه النصوص من المتشابه ولا يجوز الأخذ بالمتشابه في تقرير العقائد القطعية ،وقد تقررقطعاً أن الله تعالى منزه عن كل نقص ،وأن الله تعالى له الكمال المطلق ،وأنه لا يشبهه شيء من مخلوقاته كما قال تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقال تعالى ((هل تعلم له سميا) أي يساميه في ذاته وصفاته وقال تعالى ((ولم يكن له كفوا أحد((
وإذاقيل بحلول الله تعالى في خلقه فهذا يعني أنه محدود والمحدود جسم له أبعاد بلا ريب،أو أنه وصف يتصف به جسم من الأجسام وهو ما يسمى بالعرض وعلى كلا الاحتمالين فإنه يؤدي إلى أن الخالق سبحانه وتعالى يشبه مخلوقاته ولو بوجه من الوجوه .!وهذا نقص عظيم ومناقض للنّصوص المبيّنة لكون الله تعالى ليس له ند ،ولا مثيل ،ولا سمي يساميه في ذاته وصفاته ،ولا كفأ له سبحانه جل شأنه.
ثالثاً:نعلم قطعاً أن الله تعالى موجود قبل خلق هذا العالم وأنه قديم أزلي وأن من أخص خصائصه أنه لايتغير ولايتبدل ،لأنه إما أن يتغير من نقص إلى كمال ،أو من كمال إلى نقص والنقص لايجوز على الله تعالى قطعاً وحلوله في مخلوقاته يدل على أنه يتغير سبحانه وتعالى عن ذلك.
رابعاً:أن تأويل هذه النصوص ممكن بلاريب فلا يجوز التمسك بمعناها الظاهر،بل لها تأويل يليق بالله تعالى وهو سائغ في لغة العرب.
فهو مع خلقه بعلمه وحفظه لهم وليس المقصود معية حسية.
واما المقصود بقوله تعالى ((فلولا إذابلغت الحلقوم ،وأنتم حينئذ تنظرون ،ونحن أقرب إليه منكم ولكن لاتبصرون ))فهو قرب ملائكته وهو قرب حسي لقبض الروح وليس هو قرب الله تعالى كما قد يتبادر لبعض الأذهان.
واما قول الله تعالى { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}ق:16]
قال ابن جرير في تفسير هذه الآية : وقد اختلف أهل العربية في معنى قوله( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) فقال بعضهم: معناه: نحن أملك به، وأقرب إليه في المقدرة عليه.
وقال آخرون: بل معنى ذلك( ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ) بالعلم بما توسوس به نفسه.انتهى فهو قرب بعلمه لابذاته.
وقال الإمام الرازي:والوريد العرق الذي هو مجرى الدم يجري فيه ويصل إلى كل جزء من أجزاء البدن والله أقرب من ذلك بعلمه ، لأن العرق تحجبه أجزاء اللحم ويخفى عنه ، وعلم الله تعالى لا يحجب عنه شيء.
وقال الإمام ابن جماعة :إذا ثبت تنزيه الرب تعالى عن الحيز والجهة والقرب الحسي والبعد العرفي وجب تأويل ذلك على ما يليق بجلاله وهو قرب علمه ورحمته ولطفه ويؤيده قوله تعالى ((إن رحمت الله قريب من المحسنين)) أو قرب المنزلة عنده كما يقال السلطان قريب من فلان إذا كانت له عنده منزلة رفيعة ،والسيدقريب من غلمانه إذا كان يتنازل معهم في مخاطبتهم وملاطفتهم وليس المراد ههنا قرب مسافة ولا مكان وإذا كان ذلك مستعملاً في لسان العرب والعرف وجب حمله عليه لاستحالةظاهر المسافة في حق الرب تعالى.انتهى وهذه النصوص قد سيقت في بعض مواردها مقرونةبالعلم فعلم أن المعية معية العلم لا المعية الحقيقية بالحس.قال الله تعالى ((ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم،ولاخمسة إلا هو سادسهم ..))المجادلة آية 7 .فإن الآية تتكلم عن العلم فيجب حمل المعية هنا على العلم فهو معنا بعلمه لابذاته ،وعليه تحمل النصوص الأخرى حسب الإمكان ،فإن لم يمكن حمل الأخرى على العلم فتأول بما يناسب موردها.
وقد يقول قائل :إن أمكن تأويل بعض ما استدلوا به من نصوص على الحلول في الأمكنة فلا يمكن تأويل كل ما استدلوا بها إلا بتعسف .!
فنقول:كل نص لايمكن تأويله فإنه يقطع بأنه ليس معناه حلول الله في مخلوقاته ثم نترك ما لايمكن تفسيره إلى الله تعالى ونترك الخوض في المتشابهات لأنه أسلم وأفضل ولأن الأدلةالقاطعة قد دلت أن الله موجود قبل كل شيء ولا يتغير ولا يتبدل ولا يشابه خلقه ولذافلا يتصف بالجسمية ولا يحصره شيء سبحانه وتعالى ولا يحويه مكان ولا غيره.
وقد اعترض على الحلولية بأنه يلزم من قولهم بالحلول في المخلوقات أن يخالط سبحانه وتعالى النجاسات .!
ولكن قد يمكن للحلولية أن يحتجوا بأنه ليس فيما ذهبوا إليه من أدلة ذكر للنجاسات بل هو منزه سبحانه عن ذلك ولذا فالمسلمون يؤمنون بوجود الملائكة معنا ونحن لا نراهم ،ولا يعني ذلك أنهم يخالطون النجاسات فكما أن معية الملائكة الحسية لا يلزم منها مخالطة النجاسة فكذلك معية الله الحسية بذاته لا يلزم منها مخالطة النجاسة سبحانه وتعالى عن ذلك.!
كذلك قد يحتج بعضهم بأنه إذا جاز أن يحل فوق العرش فيجوز أن يحل في أي مكان من مخلوقاته ؟!وجواب هذه الشبهة :أن هذا القول لا يرد على أهل السنة بل يرد على الكرّامية ونحوهم ممن يعتقد أن الله في جهة ومكان .وسيأتي الرد على هؤلاء قريباً إن شاء الله.
وجواب أهل السنة الذي لايمكن أن يدفعه الحلولية:بجوابين:الأول : هو أن في اعتقاد المعية الحقيقية الحسية تجسيم صريح ،وهوضلال مبين لأنه تشبيه للخالق بالمخلوق ،وخلط بين صفات القديم والحادث .
الثاني:أن دعوى حلول الله في مخلوقاته حلولاً يليق بجلاله كما يقول الحلولية يفيد أن الله متغير وأن وجود المخلوقات أثر على خالقها فتغير من حال إلى حال فلا فرق بين الخالق والمخلوق مادام أنه يتغير كما يقول الحلولية لأن كل متغيرحادث فصار القديم كالحادث في صفاته وخصائصه.فأي شناعة أعظم من قوم لا يفرقون بين القديم والحادث فاختلطت عليهم خصائص الخالق بالمخلوق.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-15-2012
  #4
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


المبحث الثالث:بدعة الجهوية :
وهم القائلون بحلول الله تعالى في جهة من مخلوقاته وحدّدوها بأنها جهة فوق.
وقد أسس هذا الفهم عبدالله بن كرّام رأس الفرقة الكرامية،وتجد الكلام عنهم مبسوطاً في كتاب الملل والنحل للإمام الشهرستاني وكتاب الفرق بين الفرق للإمام البغدادي وكذا كتاب التبصير في الدين للاسفراييني رحمهم الله جميعاً.ثم تأثر بها آحاد من الناس بعد الكرّامية إلى يومنا هذا فكانت تشيع أقوالهم في بعض العصور ثم يجّلي العلماء شبههم ويفندوها فتندحر بإذن الله تعالى.
وقد استدلوا على ماذهبوا إليه بفهمهم لظاهر بعض النصوص المتشابهة:
فمنها قوله تعالى ((الرحمن على العرش استوى )) قالوا والعرش فوق السموات والاستواء معناه استقرار الله تعالى واعتلاءه فوق هذا العرش الذي خلقه علو حقيقي؛أي علو حسي .
بل قال بعضهم :إن الله جالس في هذا العرش جلوساً يليق به .!سبحانه وتعالى عما يقولون ،وقال بعضهم أنه له حدود تحده سبحانه وتعالى .
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى ((سبح اسم ربك الأعلى )) قالوا هو علو حسي حقيقي في الجهة .وقوله تعالى (( يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه )) وقوله تعالى ((تعرج الملائكة والروح إليه )) فدل أن الملائكة يعرجون حتى يصلون إلى جهةيوجد الله فيها ،لأن حرف إلى يفيد ابتداء من شيء وهو مكان تواجد الملائكة وانتهاءإلى غاية وهو جهة يكون الله فيها سبحانه وتعالى عما يقولون.
وقوله تعالى)) أم أمنتم من في السماء)) قالوا فالله تعالى يوجد في السماء ،وفي تأتي بمعنى على،فهو على السماء.
وقوله تعالى (( بل رفعه الله إليه )) قالوا فالله تعالى رفع عيسى عليه السلام إليه فدل على أن الله في جهة معيّنة فرفع عيسى إليه.
وأيضاً تمسكوا بالأدلة التي فيها النزول ومنه قول النبي صلى الله عليهوسلم ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا ثلث الليل الأخر فيقول هل من مستغفر فأغفر له..))فدل أنه نزل من مكان إلى مكان أخر وهو السماء الدنيا وفهموا أنه نزول حسي بانتقال حتى أنهم اختلفوا بينهم هل يخلو منه العرش إذا نزل أم لايخلوا!!فبفهمهم وعقولهم أدخلوه جل جلاله في عرشه المخلوق ثم اختلفوا في خلو ذلك المخلوق منه سبحانه وتعالى عما يقولون.!


فكان جواب أهل السنة على هذا الفهم للأدلة بالأجوبة التالية:
أولاً: استحالة حلول الله تعالى في مخلوقاته لأنه نقص ينزه الله تعالى عنه .وهذا أمر مقطوع به.
ثانياً: أن هذا النصوص من المتشابه ولا يجوز الأخذ بالمتشابه في تقرير العقائد القطعية ،وقد تقررقطعاً أن الله تعالى منزه عن كل نقص ،وأن الله تعالى له الكمال المطلق ،وأنه لا يشبهه شيء من مخلوقاته كما قال تعالى ((ليس كمثله شيء وهو السميع البصير )) وقال تعالى ((هل تعلم له سميا) أي يساميه في ذاته وصفاته وقال تعالى ((ولم يكن له كفوا أحد))
وإذاقيل بحلول الله تعالى في جهة فهذا يعني أنه محدود ،والمحدود جسم بلا ريب وهو يؤدي إلى أن الخالق سبحانه وتعالى يشبه مخلوقاته وأن له أبعاد محدودة وأن العرش المخلوق يحد الله تعالى وقد قرر ذلك بعضهم فقال الشيخ تقي الدين بن تيميةغفر الله له في تقريره لكون الله محدود سبحانه وتعالى :فقال حاكياً عن القاضي أبي يعلى أن الله محدود من جهة ثم قرر هو أن الله محدود من جميع الجهات فقال مانصه:ثم قال (أي القاضي)ويجب أن يحمل اختلاف كلام أحمد في إثبات الحد على اختلاف حالتين فالموضع الذي قال إنه على العرش بحد معناه أن ما حاذى العرش من ذاته هو حد له وجهة له ، والموضع الذي قال هو على العرش بغير حد معناه ما عدى الجهةالمحاذية للعرش وهي الفوق والخلف والأمام واليمنة واليسرة ، وكان الفرق بين جهةالتحت المحاذية للعرش وبين غيرها مما ذكرنا أن جهة التحت تحاذي العرش بما قد ثبت من الدليل ،والعرش محدود فجاز أن يوصف ما حاذاه من الذات أنه حد وجهة ،وليس كذلك فيماعداه لأنه لا يحاذي ما هو محدود بل هو مار في اليمنة واليسرة والفوق والأمام والخلف إلى غير غاية فلذلك لم يوصف واحد من ذلك بالحد والجهة.وجهة العرش تحاذي ماقابله من جهة الذات ولم تحاذ جميع الذات لأنه لا نهاية لها.
قلت (ومازال الكلام لابن تيمية):هذا الذي جمع به بين كلامي أحمد وأثبت الحد والجهة من ناحية العرش والتحت دون الجهات الخمس يخالف ما فسر به كلام أحمد أولاً من التفسير المطابق لصريح ألفاظه حيث قال فقد نفى الحد عنه على الصفة المذكورة وهو الذي يعلمه خلقه والموضع الذي أطلقه محمول على معنيين :أحدهما: يقال على جهة مخصوصة وليس هو ذاهباً في الجهات بل هو خارج العالم متميز عن خلقه ،منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حدّ لايعلمه إلا هو.
والثاني :أنه على صفة يبين بها عن غيره ويتميز فهو تعالى فرد واحدممتنع عن الاشتراك له في أخص صفاته .قال منعنا من إطلاق القول بالحد في غير موضع من كتابنا ويجب أن يجوز على الوجه الذي ذكرناه فهذا القول الوسط من أقوال القاضي الثلاثة هو المطابق لكلام أحمد وغيره من الأئمة وقد قال إنه تعالى في جهة مخصوصةوليس هو ذاهبا في الجهات بل هو خارج العالم متميز عن خلقه منفصل عنهم غير داخل في كل الجهات وهذا معنى قول أحمد حد لا يعلمه إلا هو ولو كان مراد أحمد رحمه الله الحدمن جهة العرش فقط لكان ذلك معلوماً لعباده فإنهم قد عرفوا أن حده من هذه الجهة هوالعرش ،فعُلم أن الحد الذي لا يعلمونه مطلق لا يختص بجهة العرش.انتهى!!من كتابه نقض أساس التقديس (1/437)
وسأشرح الكلام الذي قاله الشيخ تقي الدين ابن تيمية غفر الله له:فالقاضي كما يقول ابن تيمية يرى أن الله محدود من جهةواحدة وهي التحت حيث أن العرش يحد الله من هذه الجهة.!واما بقية الجهات وهي خمسةجهات وهي الفوق والخلف والأمام واليمنة واليسرة فهذه غير محدودة.!
فالقاضي كمايحكي الإمام ابن تيمية أصدر حكماً يثبت فيه الحد من جهة التحت وحكماً أخر ينفي فيه بقية الحدود من اليمين واليسار والفوق والأمام والخلف!
والشيخ تقي الدين ابن تيمية يؤيد القاضي على وجود الحد من جهة التحت وهذا حدمعلوم لكل أحد كما يقول ابن تيمية!.
لكنه يخالف القاضي في الجهات الأخرى لأن لله حد مطلق معلوم لله وليس للبشر.!! فأثبت أن لله تعالى محدود من الجهات الأخرى أيضاً ،وإن كان لايعلمه إلا الله.فصار الله تعالى عند ابن تيمية محدوداً من جميع الجهات حتى لا يفضي إلى تمدده في جميع الجهات كما عبر عنه بقوله وليس هو ذاهبا في الجهات).!وهذا نقص عظيم ومناقض للنصوص المبيّنة لكون الله تعالى ليس له شبيه ، ولا سمي يساميه في ذاته وصفاته ،ولا كفأ له سبحانه جل شأنه.ولا ند له.ومن قرر أن الله محدود بشيء فقد أقر أن الله سبحانه له أبعاد متناهية سواء كان متناهياً من جهة واحدة فقط كما ينسب الإمام ابن تيمية للقاضي أو من الجهات الست كلها كما قرر ابن تيمية.
مع أن عقيدة أهل السنة أنه ليس بجسم أصلاً حتى يتوهمون أن له تمددات غير متناهية أو له نهايات محدودة .! ،بل لا يقاس بشيء من الموجودات سبحانه وتعالى . وما زاد عن ذلك فهو دخول فيما لا يمكن الخوض فيه .فآمنا بوجوده تعالى ،وأنه وجود يليق به لا يمكن للعقل تصوره ولا قياسه على وجود غيره، ونجزم بأنه ليس له شبيه في ذاته وصفاته فليس بجسم ولا نحوه كما تم بيانه في المقدمة ،ثم نسكت عن الخوض في ذلك ،لأنه خوض فيما لا يجوز الخوض فيه.
ثالثاً:نعلم قطعاً أن الله تعالى موجود قبل خلق هذا العالم وأنه قديم أزلي وأن من أخص خصائصه أنه لايتغير ولا يتبدل ،لأن التغير من أظهر العلامات الدالة على الحدوث ،ثم إن المتغير إما أن يتغير من نقص إلى كمال ،أومن كمال إلى نقص. والنقص لايجوز على الله تعالى قطعاً وحلوله في المخلوقات يدل على أنه يتغير سبحانه وتعالى عن ذلك.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-15-2012
  #5
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


رابعاً:أن كل رد يرد به الجهوية على الحلولية القائلون بحلوله تعالى في الأمكنة سيرد به على الجهوية القائلون بأنه في جهة من العالم .فإنه لايحل في الأرض لكونه غير جسم ،ولامحدود،ولا محصور فكذلك لايحل في الجهة لأن ليس بجسم ولا محدود ولا محصور.
خامساً: كما أن للأدلة الشرعيةالتي استدل بها القدرية تأويل ممكن بلاريب فلا يجوز حمل معناه على حدوث علم الله تعالى ،وكذلك الأدلة التي استدل بها الحلولية على حلول الله في الأمكنة لها تأويل ممكن فكذلك النصوص التي استدل بها الجهوية لها تأويل ممكن ، وكل نص لا يمكن تأويله فإنه يقطع بأنه ليس معناه حلول الله في الجهة ثم نترك ما لايمكن تفسيره إلى الله تعالى ونترك الخوض في المتشابهات لأنه أسلم وأفضل .
سادساً:هذه الأدلة التي تمسكوا بهافي إثبات حلول الله في الجهة لها تأويل يليق بالله تعالى وهو سائغ في لغة العرب.
1ـ فأما آيات الاستواء:فقد سيقت في بعض مواردها مقرونة بذكر أفعال الله تعالى في مخلوقاته.كما وجدنا أن نصوص المعية الحسية سيقت في بعض مواردها مقرونة بالعلم ،فكما حملنا معنى المعية على العلم لوروده في بعض النصوص فكذلك نحمل معنى لاستواءعلى فعل فعله الله في العرش لا في ذاته جل جلاله.
وإن مما يدل على أن الاستواء صفة فعل فعلها الله في العرش ،وليس بصفة لله من صفاته الذاتية هو أن ثم للتراخي ، والتراخي إنما يكون في الأفعال ولاشك أنه يقصد في قول الله تعالى{رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَوَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فهي كلها أفعال خلق واستوى وأغشى .هي أفعال فعلها الله تعالى في مخلوقاته لافي ذاته سبحانه وتعالى .وكما قلنا في صفة المعية أنها معية العلم لأنه ورد في بعض الآيات الدالة على أن المقصود هو معية العلم لا المعية الحسية بالذات فكذلك الاستواء ورد في آيات يدل على أنه فعل فعله الله تعالى في العرش يسمى استواءوليس معناه أن الله جلس على العرش أو استقر عليه كما يفهم المخالفون لأهل السنة.
وسيقت بعض آيات الاستواء لبيان الملك التام لله وحده فقال تعالى ((تنزيلاًممن خلق الأرض والسموات العلى .الرحمن على العرش استوى .له مافي السموات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى ))فهو ساق الآية لبيان كمال قدرته وتمام ملكه على جميع الأشياء صغيرها وكبيرها ومنها العرش وكلها تحت قهره وتصرفه جل جلاله وهو الخالق المالك لها ،وليس المراد أنه حل في العرش أو جلس عليه كما يقول المخالفون.فتأمل كيف فهموا الاستواءبمعزل عن سياق وسباق الآيات التي سيق فيها وبمعزل عن القرائن الدالة على خلاف مافهموه ،كما أن الحلولية فهموا المعية بمعزل عن القرائن الدالة على صرف الآيات عن المعية الحسية إلى المعية المعنوية فهي معية علم لاذات ،وكذلك هنا هو علو قهر وقدرةوسلطان لا علو حسي كما يدّعون .
وإنه سبحانه وتعالى لو حصل في العرش ،كان له طرف ونهاية وزيادة ونقصان . وكل ذلك على الله تعالى محال .وأما سبب تخصيص العرش بالذكرمن بين المخلوقات ، فذلك لأنه أعظم المخلوقات ، فخص بالذكر لهذا السبب، كما أنه خصه بالذكر في قوله
{ هو رب العرش العظيم } لهذا المعنى. فهو دال على أن مادونه تحت قهر الله من باب أولى ، وإن كان كل شيء عليه هين جل جلاله.
2ـ أما الذي ذكروه ثانياًوهو التمسك بالآيات المشتملة على ذكر الفوقية . فجوابه : أن لفظ الفوق (يستعمل) في الرتبة والقدرة . فقد قال الله تعالى : { وفوق كل ذي علم عليم }وقال تعالى{ وإنافوقهم قاهرون } { يد الله فوق أيديهم }والمراد بالفوقية في هذه الآيات : الفوقيةبالقهر والقدرة والذي يدل على أن المراد بلفظ الفوق ههنا : الفوق بالقدرة والمكنةأنه قال :{ وهو القاهر فوق عباده } والفوقية المقرونة بالقهر ، هي الفوقية بالقدرةوالمكنة، لا بمعنى الجهة.
ثم إن الفوقية الحاصلة بسبب الجهة ، ليست صفةالمدح ، لأن تلك الفوقية حاصلة للجهة والحيز بعينها وذاتها ، وحاصلة للمتكن في ذلك الحيز بسبب ذلك الحيز فكأن الله تعالى اكتسب الكمال بسبب تحيزه في الجهة وهذا باطل بلا ريب لأن المولى تبارك وتعالى كماله من ذاته لا من تحيزه في مخلوقاته.
فثبت : أن الكمال والفضيلة إنما يحصلان بسبب الفوقية ، بمعنى القدرةوالسلطة فكان حمل الآية عليه واجب.
3ـ وأما قوله تعالى : { تعرج الملائكةوالروح إليه } فنقول : ليس المراد من حرف "إلى" في قوله "إليه" : المكان . بل المراد : انتهاء الأمور إلى مراده . ونظيره : قوله تعالى { وإليه يرجع الأمر كله}وقوله {وإلى الله ترجع الأمور} و كقول إبراهيم عليه السلام كما في القرآن الكريم { إني ذاهب إلى ربي سيهدين } حين هاجر بدينه عن بلاد قومه وليس المقصود به وجود الله في مكان حسي يذهب إليه إبراهيم عليه السلام،فكذلك يقال هنا.
4ـ واما تمسكهم بقوله تعالى : { أم أمنتم من في السماء}
فليس في الآية التصريح بأن الله في السماء ولم تنطق الآية بذلك قط ،ولذا فقد يكون المراد ملك من جنوده كما ثبت أن جبريل عليه السلام خسف بقوم لوط بعد أن رفعهم إلى السماء ولما لم يكن في الآيةتصريح بأن الله هو الذي في السماء لم يكن هناك وجه في استنباط ذلك ،بل إنما فهمواذلك بعقولهم من قوله ((أن يخسف بكم الأرض))وهو ليس بدليل قاطع على ما فهموه لأن جنود الله أيضاً قادرون على أن يخسفوا بهم الأرض إذا أراد الله تعالى فلما لم يكن في الآيةتحديد للمراد كان لاوجه للفهم الذي حملوها عليه وكان فهمهم اتباعاً للمتشابه وترك للقطعيات الدالة على امتناع حلول الله في حيز ومكان.
واما حديث الجارية فقد ورد بلفظ أخر وهو قوله ((أتشهدين أن لا إله إلا الله ))وحمله على هذا اللفظ أولى من حمله على لفظ اين الله ؟لأن المعتاد في من يختبر بدخول الإسلام أن يمتحن بالشهادتين لا بلفظ اين الله ؟فلو أتى كافر فقال الله في السماء فلا يعتبر ذلك لدخول الإسلام بل لا بد من الشهادتين كما يعلمه كل مسلم.
بل على فرض عدم اضطراب حديث الجارية فإنه يمكن تأويله بمعنى اين الله مكانة وقدراً ،لا بمعنى حلوله أو تحيزه في جهة كما يفهم المخالفون لأهل السنة ،فلماذا الإصرار على حمله على معنى التحيز في الجهة مع أن الحمل على القدر والمكانة أقرب للتنزيه من التجسيم وهو سائغ في لغة العرب التي نزل بها القرآن الكريم .
كما أن بعض أهل السنةجزاهم الله عن الأمة خيراً قد بيّن الجواب الموفق لمثل هذا السؤال بأين الله .فقدروى عبد الرزاق بن همام الصنعاني في تفسير قوله تعالى {وإذا سألك عبادي عني ..} قال : ناجعفر بن سليمان عن عوف عن الحسن قال: سأل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم النبي فقالوا : أين ربنا؟ فأنزل الله: (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان) الآية.وهذا الإسناد الصحيح يحتج به في هذا المقام فالسائل هم الصحابةوالمجيب هوالله جل جلاله.
ولا يقال إن الحسن البصري يروي المراسيل ،لأن الإسناد متصل يرويه الحسن عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فليس من المرسل ،ولا يشترط التصريح باسم الصحابي كما هو معلوم لأن الصحابة كلهم عدول.
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-15-2012
  #6
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


أخيراً:فقد رأينا كتب علماء السنة التي شرحوا بها كتب الحديث الستة كشروح صحيح البخاري ومسلم ،وسنن أبي داود ،والنسائي ،وجامع الترمذي،وسنن ابن ماجة فوجدناهم اتفقوا على أن الله لايحل في الجهات.
كما وجدناهم صرفوا نصوص حدوث العلم عن ظاهرها وصرفوا نصوص حلول الله في الأرض عن ظاهرها ،وكذلك صرفوا نصوص توهم وجود الله في الجهة عن ظاهرها.
والقاعدة في ذلك أننا آمنابوجود شيء هو المؤثر في العالم كله إيجاداً وإمداداً ولا يتأثر بشيء وهو غني عن مخلوقاته ولا يشبها ،فلا يتغير ولا بتبدل فكل متغير حادث .فكل ما ورد من فهم للنصوص على خلاف هذه القاعدة فهذا الفهم مردود على صاحبه.
وعلمنا أن المخلوقات أجسام لها حدود ،وأيقنا أن الله ليس مثلها فهو ليس بجسم . ومن زعم أن العرش يحدالله تعالى بل وزعم أنه محدود بحدود أخرى لانعلمها فهو غلط واضح لا ينكره عاقل. ولذا تجد بعض من تبنى معتقد الجهة قد التزم أغلاطاً شنيعة وسأذكر بعض الأمثلة:
مسألة النزول :جاء في شرح الطحاوية لابن أبي العزالحنفى ـ وهو من الكتب المعتمدة عند من يعتقد الجهة ـ في 1/280 ما نصه:
الثاني عشر : التصريح بنزوله كل ليلة إلى سماء الدنيا والنزول المعقول عند جميع الأمم إنمايكون من علو إلى سفل.!!!
وجاء في مجموع الفتاوى للإمام ابن تيمية 4/348
قال:نزل العسكر بأرض كذا ونزل القفل بأرض كذا لنزولهم عن الدواب ولفظ النزول كلفظ الهبوط فلا يستعمل هبط الا اذا كان من علو الى سفل....انتهى
وقال أيضاً فى مجموع الفتاوى الجزء 12 صـــــــ257
قد تبين أنه ليس فى القرآن ولا فى السنة لفظ نزول إلا وفيه معنى النزول المعروف وهذا هو اللائق بالقرآن فإنه نزل بلغة العرب ولاتعرف العرب نزولا إلا بهذاالمعنى ولو أريد غير هذاالمعنى لكان خطاباً بغير لغتها ثم هواستعمال اللفظ المعروف له معنى فى معنى آخر بلا بيان وهذا لا يجوز بما ذكرنا وبهذايحصل مقصود القرآن واللغة الذى أخبر الله تعالى أنه بيّنه وجعله هدى للناس.....انتهى
فانظر إلى قوله :ولاتعرف العرب نزولاً إلا بهذاالمعنى !يقصدالنزول الحسي من علو إلى سفل.
وجاء في أعلام الموقعين لابن القيم2/301
الثاني عشر: التصريح بنزوله كل ليلة إلى السماء الدنيا والنزول المعقول عند جميع الأمم إنما يكون من علو إلى أسفل.....انتهى
بل قال ابن القيم _ وهو يرد على من يتهمهم بأنهم يقولون أن الله في السماء الدنيا _كما جاء في حاشية ابن القيم 13/29
وقد جاءت الأخبار أن الله تبارك وتعالى ينزل إلى سماء الدنيا كل ليلةفكيف يكون فيها وهو ينزل إليها....انتهى كلام ابن القيم .
ومعلوم مما سبق أن ثلث الليل الأخر يتنقل على مدار الساعة في جميع جهات الأرض فلا تخلو الأرض من زمن يكون على أهل تلك البقعة ثلث الليل فدولة مصر مثلاً يدخل عليها ثلث الليل بعد السعودية بساعة وهكذا بالتدرج من مكان إلى مكان. فلازم ذلك قطعاً أن الله حال في السماء الدنيا دائماً .! وهذا كله بسبب التشدد في فهم النصوص على ظاهرها رغم أن لها معان تليق بالله وتسوغ في لغة العرب وتصرفاتهم .
بينما أهل السنة يتأولون أحاديث النزول بما يليق بالله تعالى فإن حملها على ظاهرها لا يقره العقل ولا النقل بل هومخالف للقطعيات:
فمن يعتقد حلول الله في الجهة يقول:أن الله تعالى ينزل بذاته نزولاً يليق به سبحانه وتعالى كما أن الحلولية تقول هو معنا بذاته معية تليق بجلاله ويقول الجهوية أنه جل جلاله في جهة فوق العرش.! وكل هذه الطوائف يستدلون بنصوص من الوحي وفق فهمهم لها .
فإذاتأملنا في كلامهم وجدناه ينقض بعضه بعضاً فإذا كانوا يقولون :ينزل بذاته إلى السماءالدنيا في وقت محدد وهو ثلث الليل الأخر وعلمنا قطعاً أن ثلث الليل الأخر مستمر على أجزاء الكرة الأرضية في جميع الأوقات ،فهو ينتقل من جزء من الأرض إلى جزء أخر وهكذا على مدار الساعة ،فيلزم منه أن الله تعالى في السماء الدنيا دائماً . وهذا ينقض دعواهم أنه في جهة فوق العرش .فأي (عاقل مكلف ) يقبل هذا الكلام المتناقض؟!واما من جهة النقل :فقد روى النسائي في سننه الكبرى :بسنده إلى مسلم الأغر قال سمعت أبا هريرة وأبا سعيد الخدري رضي الله عنهما يقولان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"إن الله يمهل حتى يمضي شطر الليل الأول ثم يأمر منادياًينادي ويقول هل من داع يستجاب له هل من مستغفر يغفر له هل من سائل يعطى " صححهالحافظ أبو محمد عبدالحق و ممن ذكر ذلك الإمام القرطبي في تفسيره (19 – 35)
ويؤيده الحديث الصحيح عن جبير بن مطعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال((تفتح أبواب السماء نصف الليل فينادي مناد : هل من داع فيستجاب له ؟ هل من سائل فيعطى ؟ هل من مكروب فيفرج عنه ؟ فلا يبقى مسلم يدعو بدعوة إلا استجاب الله تعالى له إلا زانية تسعى بفرجها أو عشار )رواه حمد والنسائي فالنازل إلى السماء الدنياهو مخلوق من مخلوقات الله تعالى وهو ملك من الملائكة يأمره الله تعالى بذلك ، ويصح في استعمالات العرب ولغتهم أن ينسب الفعل إلى الآمر به فتقول العرب مثلاً : فتح الخليفة بلاد كذا وكذا ،ونادى الخليفة الناس إلى الجهاد مع أنه لم يفارق مكانه ولاناداهم بل الذي فتح البلاد هم الجيش والذي نادى هم رسله.
ولذا تجد الناس يقولون (الملك نادى في الرعية) مع أن المنفذ لذلك النداء هم خدمه ونوابه.ولذافأحاديث هل من مستغفر فأغفر له المنفذ للنزول والنداء هم الملائكة عليهم السلام كماتدل عليه الأحاديث ويؤيده العقل ولغة العرب وتصرفاتهم.
وأما ماجاء بلفظ (عبادي أتوني شعثاً غبراً )فالملائكة يحكون كلام الله ولا يعني أن الملائكة هم الذين يدّعون أن الناس عباد لهم .ألا ترى أن القارىء يقرأ في القرآن ((وأنا ربكم فاعبدون )) وكل عاقل يعلم أن القارىء إنما يقرأكلام الله وليس يزعم أنه هو الله سبحانه وتعالى .
قال الحافظ ابن حجر في شرح صحيح البخاري: قال ابن العربي: حكي عن المبتدعة ‏ردّ هذه الأحاديث, وعن السلف إمرارها, وعن قوم تأويلها وبه أقول. فأما ‏قوله:{ ينزل} فهو راجع إلى أفعاله لا إلى ذاته, بل ذلك عبارة عن مَلَكِهِ الذي ‏ينزل بأمره ونهيه, والنزول كما يكون في الأجسام يكون في المعاني, فإن حملته في ‏الحديث على الحسي فتلك صفة المَلَك المبعوث بذلك, وإن حملته على المعنوي بمعنى أنه لم ‏يفعل ثم فعل فيسمى ذلك نزولا عن مرتبة إلى مرتبة, فهي عربية صحيحة انتهى. ‏والحاصل أنه تأوّله بوجهين: إما بأن المعنى ينزل أمره أوالمَلَك بأمره, وإما بأنه ‏استعارة بمعنى التلطّف بالداعين والإجابة لهم ونحوه. انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
وصدق الإمام ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى حيث قال: في فتح الباري(6/136) (و لايلزم من كون جهتي العلو و السفل محال على الله أن لايوصف ـ بالعلو ـ لأن وصفه بالعلو من جهة المعنى و المستحيل كون ذلك من جهةالحس)اهـ أي أن الله يوصف بالعلو المعنوي وهو علو القدر والقهر والسلطة لابمعنى العلو الحسي وهو كونه في جهة من الجهات فالجهة العلوية والسفلية مستحيلة في حق الكامل ـ جل جلاله ـ .
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-15-2012
  #7
عبدالرزاق
عضو شرف
 الصورة الرمزية عبدالرزاق
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 329
معدل تقييم المستوى: 14
عبدالرزاق is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية


وقد جاء في تفسير الإمام ابن جرير الطبري 1/192 عندتأويل قوله تعالى:{ثم استوى إلى السماء}قال ابن جرير ما نصه(والعجب ممن أنكر المعنى المفهوم من كلام العرب في تأويل قول الله:{ثم استوى إلى السماء}الذي هو بمعنى العلو والارتفاع هربا من عند نفسه من أن يلزمه بزعمه إذا تأوله بمعناه المفهوم كذلك أن يكون إنماعلا و ارتفع بعد أن كان تحتها إلى أن تأوله بالمجهول من تأويله المستنكر,ثم لم ينج مما هرب منه ,فيقال له زعمت أن تأويل قوله (استوى):أقبل,أفكان مدبرا عن السماء فأقبل إليها ؟فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير,قيل له :فكذلك فقل:علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال) انتهى كلام ابن جرير.فاتضح بهذاأن السلف كانوا يؤولون الاستواء بعلو الملك والسلطان والقهر وهوعلو رتبة (معنوي) لاحقيقي بذاته تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

إذن لأهل السنة في المسألة مسلكان:المسلك الأول : الإيمان بنصوص النزول والعلو مع تنـزيه الله تعالى عن خصائص المخلوقات من حلول في جهة أو مكان أو نزول انتقال ونحوذلك من خصائص الأجسام ثم السكوت عن تأويل وبيان معنى النزول والعلو .وهذا يكفي في ذلك كما فعل الإمام مالك وغيره من السلف.
المسلك الثاني: الإيمان بنصوص النزول والعلو مع تنزيه الله تعالى عن خصائص المخلوقات من حلول في جهة أو مكان أونزول انتقال ونحو ذلك من خصائص الأجسام مع تأويل وبيان معنى النزول والعلو حسب قواعد اللغة العربية والنصوص الشرعية التي يقبلها العقل ويؤيدها النقل كما فعل الكثير من علماء الأمة من شراح الصحيحين والسنن والمسانيد.
ومن النقول في المسألة عن أهل السنة والجماعة :قال الله تعالى{ليس كمثله شىء} [سورة الشورى/11] فلو كان له مكان لكان له أمثال وأبعاد وطول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدَثًا محتاجًا لمن حدَّه بهذا الطول وبهذا العرض وبهذاالعمق، هذا الدليل من القرآن.
أما من الحديث فقال الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات: استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم :"أنت الظاهر فليس فوقك شىء وأنت الباطن فليس دونك شىء" وإذا لم يكن فوقه شىء ولا دونه شىء لم يكن في مكان اهـ. فالنبي صلى الله عليه وسلم يبّين أنه ليس فوق الله شيء ولا دونه شيء وهؤلاء ـ هداهم الله ـ يعتقدون أن له جهات وأنها تحدّه بما يعلمون من مخلوقاته وهو العرش وبما لايعلمون فسبحان الله عما يقولون.ومارواه البخاري وابن الجارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولم يكن شىء غيره" ومعناه أن الله لم يزل موجودًا في الأزل ليس معه غيره لا ماء ولا هواء ولا أرض ولا سماء ولا كرسيّ ولا عرش ولا إنس ولا جن ولاملائكة ولا زمان ولا مكان، فهو تعالى موجود قبل المكان بلا مكان، وهو الذى خلق المكان فكيف يحل في مخلوقاته وكيف تحده مخلوقاته ؟!! .
وقال الإمام أبو جعفرالطحاوى المولود سنة 227هـ فى عقيدته عقيدة أهل السنّة والجماعة: في تنزيه الله تعالى ما نصه "تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات لا تحويه الجهات الستّ كسائرالمبتدعات".
وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني المولود سنة419هـ رحمه الله تعالى في كتابه الإرشاد: "مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات" اهـ.
وقال القاضي عياض كما نقل عنه الإمام النووي في شرح صحيح مسلم تحت باب تحريم الكلام في الصلاة ونسخ ما كان من اباحته في كتاب المساجد ومواضع الصلاة: (قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم ....إلى أن قال:ويا ليت شعري ما الذي جمع أهل السنة والحق كلهم على وجوب الامساك عن الفكر في الذات كما أمروا وسكتوا لحيرة العقل ،واتفقوا على تحريم التكييف والتشكيل ،وأن ذلك من وقوفهم وامساكهم غير شاك في الوجود والموجود ،وغير قادح في التوحيد بل هو حقيقته، ثم تسامح بعضهم باثبات الجهة خاشيا من مثل هذا التسامح وهل بين التكييف واثبات الجهات فرق لكن أطلاق ما أطلقه الشرع من أنه القاهر فوق عباده وأنه استوى على العرش مع التمسك بالآية الجامعة للتنزيه الكلى الذي لا يصح في المعقول غيره وهو قوله تعالى{ ليس كمثله شيء }عصمة لمن وفقه الله تعالى)انتهى
والخلاصة :أن الجهوية تصوروا أن الله في جهة فوق العرش ،ثم ظنّوا أنه في العرش أو محاذيا له وأنه جل جلاله له مساحة معينة ,ثم قررواأنه محدود على خلاف بينهم في عدد الجهات التي ينحد بها سبحانه وتعالى ،ثم قالوا أنه ينزل ثلث الليل الآخر،ومنهم من أدخله في العرش ثم اختلفوا بينهم هل يخلو العرش منه إذا نزل في ثلث الليل أم لا يخلو العرش منه.واختار الإمام ابن تيمية وأتباعه أنه لا يخلو العرش منه عند النزول واما ابن منده ونحوه فقال أنه يخلو العرش منه . ومنهم من توقف .فلهم ثلاثة مذاهب بعد أن فهموا أنه داخل العرش ـ عز وجل ـ إلى أخر ما فهموه بعقولهم غفر الله لنا ولهم . وأهل السنة قاطبة وفقهم الله تعالى إلى الإيمان بالنصوص الواردة في النزول والاستواء والعلو والفوقية وهذا هو التوفيق الأول خلافاً لمن رد هذه النصوص من المعطلة ،ثم وفقهم الله إلى الجزم بعدم حملها على المعنى المحذور الذي وقع فيه الكرّامية وغيرهم كبعض الحنابلة ومن وقع في ذلك من الحنابلة يعدّون على الأصابع والأصل أنهم مفوضة وهذا التوفيق الثاني ،ثم وفق الله أهل السنة إلى بيان معناها بالجمع بينها وبين النصوص الشرعية الأخرى بمقتضى لغة العرب، أو السكوت عن الخوض في معناها إذا تعددت الاحتمالات الصحيحة غير الحسية فالمعنى الحسي مستبعد أصلاً . والله الهادي وحده ونسأله الثبات على الهدى .
وفي الختام أسأل الله العظيم أن ينفع بهذا المكتوب وأن يجعله ذخراً عنده وأن يهدينا ويهدي بنا إلى صراطه المستقيم . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
كتبه :غيث بن عبدالله الغالبي

منقول
__________________
رفيقك علم الله فلابد ان لا تنسى رفيقك
عبدالرزاق غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 10-22-2012
  #8
فراج يعقوب
عضو شرف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
المشاركات: 1,269
معدل تقييم المستوى: 16
فراج يعقوب is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية

جزاك الله خيرا وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم
__________________
اللهم صل على سيدنا محمد صاحب الكوثر صلاة لاتعد ولاتكيف ولاتحصر ننال بها الرضوان الأكبر وجواره يوم المحشر وعلى آله وسلم
فراج يعقوب غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-09-2012
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: اتباع المتشابه بين القدرية والحلولية والجهوية

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عاقبة عدم اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم عبدالقادر حمود رسائل ووصايا في التزكية 0 01-22-2012 02:12 PM


الساعة الآن 02:00 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir