تجدد سحر الشرق وألقه في عاصمة الأمويين برفاهية القرن الحادي والعشرين
تجدد سحر الشرق وألقه في عاصمة الأمويين برفاهية القرن الحادي والعشرين
هدى العبود
على مر العصور بزغ اسم دمشق نجماً ساطعاً في سماء الشرق، دمشق الفيحاء أخذت بألباب زوارها وعشاقها والطامحين الى ولوج أبوابها السبعة .
وإن لم يتح هذا فأحد أبوابها تلك لأن دمشق كانت واستمرت وكما هي اليوم قبلة الأنظار شرقاً وغرباً وعلى امتداد تاريخها كانت حضناً دافئاً للعاشقين والمحبين ورافعة للطامحين لكنها كانت أيضاً صخرة صلدة في وجه الطامعين...
دمشق عبق التاريخ وعروس المدائن سحرت الكتاب والمؤرخين والفنانين والشعراء والرسامين فاستسقى كل من أريجها عبقاً وحاول كل منهم بثها حبه وعشقه وهيامه تألقت وعبرها تألقوا حتى إنهم رسموا صورة دمشق في قلوبهم ونقلوها الى مشارق الأرض ومغاربها، فكم دمشق ترى في الأندلس، وكم دمشق ترى في سمر قند وكم دمشق ترى حتى في الغرب الذي أنشب يوماًَ مخالبه لينال منها أو يرهبها لكنها كانت عصية أبداً، كما هي رقيقة دائماً.
تشرين أرادت أن تنقل قارئها الى داخل المدينة التاريخية ولاأقول القديمة لأنها متجددة بروحها وتراثها الأصيل فإلى هذه الزيارة الى بعض حواري دمشق التاريخية.
البيت الدمشقي
تاليسمان هو بيت دمشقي واسع وأصيل يضم مايسمى «أرض ديار» واسعة وسماوية« مفتوحة» تتوسطها البحرة الدمشقية الشهيرة المزينة بالنافورة وبأصص النباتات وتحيط بجدران الفسحة السماوية أشجار النارنج والكباد والليمون وشجيرات الورد الجوري والياسمين والفل والمنثور التي تنشر أريجها في أرجاء المكان فتضفي على سحره سحراً يذكر بحكايات شهرزاد وألف ليلة وليلة.
وإلى الجنوب من هذه الفسحة يقوم الليوان الذي هو مجلس العائلة ومكان سهراتها وما يبهرك فيه أنه يمتاز بمفروشاته الشامية والأندلسية المطرزة بخيوط الحرير الدمشقي البروكار وبأثاثه المصنوع من خشب الجوز أو السنديان المطعم بالصدف وبالرسوم النباتية والمزين بالخط العربي...
وما إن ترفع بصرك لتستعرض الرسوم والألوان التي تغطي جدران الليوان حتى تطل عليك النوافذ المطلية بالزجاج المعشق والملون وتلك الثريا المصنوعة بما يلائم الأجواء الدمشقية العريقة والتي تتلألأ منها الأنوار بشكل مدروس لايزعج العين ويبعث الراحة في النفس لحسن توزيع المصابيح بشكل دائري وعلى صفوف...
وما أن تتجاوز أرض الديار ـ كما يسميها أهل الشام ـ ونعني بها الفسحة السماوية التي سبق الحديث عنها حتى تطل عليك باحتان داخليتان تحتضن أولاهما مسبحا هو الوحيد في فنادق دمشق القديمة في حين تحتضن الثانية بحرة دمشقية صغيرة جميلة وقاعة استقبال كبيرة أبدع المعمار والنقاش الفنان في تزيينها وتجميلها بشكل مدروس يوحي لك أنك فعلا في دمشق الأمويين في أيامهم أو في احدى قاعات قصور غرناطة أو الزهراء الأندلسيتين ثم ينتهي بك المطاف الى مطعم راعى مصمموه أجواء الشرق واحتياجات السائح اوالزائر الغربي على حد سواء ثم ينعرج بك الطريق الى موزعين اثنين يقودانك الى17 غرفة وجناح ملكي....
فندق أم مرسم أم موتيل
تدهشك في تاليسمان اللوحات التشكيلية التي تتلون بها الغرف السبع عشرة والأجنحة الثلاثة التي أقيم اثنان منها وفق نظام الدوبلكس المكون من صالة استقبال رائعة ومبهرة في الطابق السفلي إضافة الى حمام لكل منها وأما الطابق العلوي أو الدور العلوي فيضم غرفة النوم الواسعة المريحة ...وللفن التشكيلي دور وبصمات واضحة في تاليسمان دمشق فقد فرض مناخ دمشق المدينة القديمة التي أبدع الفنانون التشكيليون السوريون عموماً والدمشقيون منهم على وجه الخصوص في تسجيل وقائع الحياة فيها وخصوصاً أن تاليسمان يقع في حي الأمين العريق والهادئ الذي يضم مراسم لعدد من أهم الفنانين التشكيليين في سورية مثل غسان سباعي ونذير اسماعيل والفنان مصطفى علي،وأفضى لمسات إبداعية فنية تشكيلية على أجواء هذا المكان الآسر.....
قصر الأميرات الملكي
أما قصر الأميرات الملكي في حي القنوات فهو حقا قصر وليس مجرد بيت دمشقي،كل شيء فيه يحمل قصصاً وحكايات تعود لعصور غابرة فربما من هذا المكان أعطيت أوامر بتحرك الجيوش وربما شهدت إحدى قاعاته حبك مؤامرات وفتن.. كل زاوية من زواياه لاشك أنها شهدت صراعات ومنافسات وربما قصص حب صامتة.
كل مافي المكان يفوح منه عبق التاريخ وعنفوانه باستثناء صوت الأغاني الحديثة التي تخدش هيبة التاريخ والتراث.
إذ كنا نتوقع أن نستمع منذ لحظة دخولنا الى قصر الأميرات الملكي في دمشق القديمة أنغاماً دمشقية أو قدوداً حلبية أو اندلسيات السيدة فيروز فربما كان المكان شاهداً على تحرك الجيوش الفاتحة للأندلس ربما.
قبل أن نجري جولتنا في المكان أردنا أن نتحدث مع الشخص المسؤول حتى يقدم لنا نبذة عن تاريخ المكان فأهميته تنبع من تاريخيته وهنا كانت المفاجأة إذ الشخص المسؤول عن المكان هو محمد أبو العينين مصري الجنسية وهو ممثل لشركة مصرية تستثمر المكان وفق عقد مدته 15 سنة قابلة للتجديد كما أنها تستثمر فندقاً آخر في منطقة بلودان السياحية.
الحقيقة ان المفاجأة ليست لأن الشخص المسؤول مصري ولكن المفاجأة أنه لايملك أي معلومة عن تاريخ المكان!!
المكان بيت دمشقي قديم مساحته تتجاوز الـ 700 م2 يحوي بين جدرانه كل جمال البيت الدمشقي بدءا من النوفرة والليوان والزخارف وصولاً الى شجرة النارنج الجميلة التي تتكىء على جدرانه وكأنها تحميها من البرد أو من أشعة الشمس.
يتألف قصر الأميرات الملكي من ثلاث طبقات خصصت فيهما 5 غرف للمنامة.
ولأن البيوت الدمشقية تتكىء على بعضها بحنان حاولنا أن نعرف قصة هذا البيت الجميل من شقيقه بيت الجيران طرقنا باب الجيران وإذا برجل مسن حفر الزمن في وجهه أخاديد جميلة كجمال حجارة دمشق ونسائها... الرجل المسن أكد أن هذا البيت يعود لعائلة حجازي وعمره أكثر من 400 عام واستدرك الرجل 400 عام على هذا الشكل...أما قبل ذلك فيقولون أنه كان بيتاً أثرياً قديماً ربما كان رومانياً أو يونانياً.
الحقيقة إذا كان للجمال اسم آخر فلايمكن إلا أن نسميه إلا البيت الدمشقي وإذا كنا لانتقن الوصف فلا أجمل من وصف ابن هذه البيوت نزار قباني:
شجرة النارنج تحتضن ثمارها والدالية حامل والياسمينة ولدت ألف قمر أبيض و علقتهم على قضبان النوافذ، وأسراب السنونو لاتصطاف إلا عندنا...
أسود الرخام حول البركة الوسطى تملأ فمها بالماء وتنفخه وتستمر اللعبة المائية ليلاً ونهاراً ،لاالنوافير تتعب ولاماء دمشق ينتهي..
الورد البلدي سجاد أحمر ممدود تحت أقدامك والليلكة تمشط شعرها البنفسجي والشمشير والخبيزة والشاب الظريف والمنثور والريحان والأضاليا وألوف النباتات الدمشقية التي أتذكر ألوانها ولاأتذكر أسماءها لاتزال تتسلق على أصابعي كلما أردت أن أكتب...
القصر الأموي
كلما اتجهت من حي القنوات شرقاً باتجاه المسجد الأموي غصت في أعماق التاريخ. وإذا كان قصر الأميرات الملكي يحمل طابع البيت الدمشقي المعروف فإن القصر الأموي يأخذك إلى عوالم مختلفة يأخذك الى أيام الخلافة الأموية فالمكان هو ماكان يعرف بقصر الخضراء وهو أحد قصور الخلافة الأموية.. يبعد عن المسجد الأموي قرابة الـ 150 متراً وقد هدم سقفه أيام الخلافة العباسية لكنه حافظ على قناطره القديمة التي تزيد المكان هيبة ووقاراً... ظل قصر الخضراء مهجوراً لقرون طويلة وبفعل الزمن وتراكم الأتربة فوقه تحول الى مكب نفايات الحارة الى أن جاء صاحبه الحالي الذي أكد علينا عدم ذكر اسمه وقام على مدار العام ونصف العام بإخراج التراب حتى وصل الى أرضية القصر التي تنخفض أكثر من 10 أمتار عن سطح المنطقة الموجود فيها.
المكان فضلا عن أنه مطعم إلا أنه عبارة عن متحف فهناك عدد كبير جداً من التحف الموزعة على جوانبه، ولعل المرء يشعر للوهلة الأولى أن المكان مخصص لبيع القطع الأثرية ولكننا عندما سألنا صاحبه قال: هذه هوايتي المفضلة، أنا أحب جمع الأشياء القديمة وهي غير مخصصة للبيع.
الرجل تكلم بحرقة وقال: هناك الكثير من البيوت القديمة التي إن رممت ستتحول الى تحف معمارية مذهلة يؤمها السياح من كل أنحاء العالم... يضيف: قالت لي سيدة اسبانية: نحن نعيش في اسبانيا على بقايا الحضارة العربية.
حاولنا الحديث مع بعض السياح الذين كانوا يزورون المكان وهم جميعاً أجانب وتكفل صاحب المطعم بالترجمة، سيدة فرنسية قالت: سمعت عن هذا المكان خلال زيارة قمت بها الى برشلونة الاسبانية،، وأحببت أن أزوره.. المكان جميل يعيد الإنسان الى مرحلة تاريخية قديمة كما أنه يتميز بهدوئه ويقدم وجبات جيدة.
صاحب المكان أكد أن أغلب الزوار أجانب مع وجود قلة من السوريين والعرب وهذا ـ حسب رأيه ـ لأن الأجانب يهتمون بالتاريخ والقيم الحضارية ربما أكثر من العرب.
يتابع ضاحكاً: أنا لا استقبل العشاق فالمكان ليس كافتيريا إنما استقبل عائلة أو مجموعات سياحية وهنا يشير إلى أن عدداً كبيراً من المسؤولين زار المكان ومن بينهم ملك اسبانيا وزوجته.
الحقيقة ان البيوت الدمشقية تحف معمارية أنتجتها أنامل مبدعة نهلت من تراكم حضاري لاينكره إلا جاهل ،وإن اشرنا الى هذه الأماكن الثلاثة فلأن المكان يضيق بذكر روائع أخرى منها ماهو معروف ومنها مايستحق إلقاء الضوء عليه.
__________________
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
08-18-2008
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
