أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله           
العودة   منتديات البوحسن > التزكية > رسائل ووصايا في التزكية

رسائل ووصايا في التزكية كلّ ما يختص بعلوم السلوك وآداب القوم وتزكية النفس والتصوف الإسلامي

إضافة رد
قديم 07-28-2011
  #1
admin
مدير عام
 الصورة الرمزية admin
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: uae
المشاركات: 717
معدل تقييم المستوى: 10
admin تم تعطيل التقييم
افتراضي تهذيب واختصار لشرح الإمام زروق الفاسي على حزب البحر

تهذيب واختصار لشرح الإمام زروق الفاسي على حزب البحر



بسم الله الرحمن الرحيم
تهذيب واختصار شرح حزب البحر .
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ،والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد :
فهذا تهذيب واختصار لشرح سيدنا الإمام زروق الفاسي المالكي رحمه الله تعالى لحزب البحر لسيدنا الإمام الشاذلي رحمه الله تعالى اختصرته مع التهذيب وبعض زيادات الإيضاح لتعم به الفائدة ،والله الموفق لا رب سواه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
الشرح والتحليل :
قال سيدنا الإمام الشاذلي رضي الله عنه ( اللهم يا علي , يا عظيم , يا حليم ، يا عليم , أنت ربي , وعلمك حسبي , فنعم الرب ربي , ونعم الحسب حسبي , تنصر من تشاء وأنت العزيز الرحيم)
افتتح الإمام الحزب بهذه الجملة لأنها تشعر بعظمة الربوبية , وذلة العبودية , والاكتفاء بعلمه ـ عز وجل ـ , والرجوع إليه بكل حال , والتفويض له في الأمر سواء كان موافقاً للغرض الذي يريده المخلوق أو مخالفاً له , مع الثناء عليه بكل بكمال الوصف الذاتي أولاً[كالعلم والعظمة ] والفعلي أخراً [كالنصر ] , لأن كمال التوجه إنما يكون بشعور المتوجه بعظمة الربوبية , وذلة العبودية ،والاكتفاء بعلمه تعالى , مع حسن الظن به , والتفويض إليه في الإجابة والعطاء،لأن هذا من آداب الدعاء .
ثم الذي تضمنته الجملة من الأسماء عشرة , سبعة ظاهرة , وثلاثة باطنة - اي تفهم فهما ولم يصرح بها تصريحا كالسبعة الظاهرة - .
فأما السبعة الظاهرة التي صرح بذكرها في الدعاء فهي اسمه : العلي , العظيم , الحليم , العليم , الرب , العزيز , الرحيم .
واما الثلاثة الباطنة التي تفهم من دعاءه ولم يصرح بألفاظهافهي اسمه : الكافي , النصير , الفعال لما يريد . [فيفهم الكافي من قوله فنعم الحسب حسبي ،ويفهم النصير من قوله تنصر ،ويفهم الفعال لمايريد من قوله من تشاء، فهو فعال لما يشاء كما قال تعالى في سورة البروج ((فعّال لمايريد )) ]
معانيها :فالعلي:هوالذي يصغرعندذكروصفه كل شيء سواه.
والعظيم :هو الذي لا نسبة لأحد معه في علو شأنه , وجلالة قدره , ذاتاً , وصفة , واسماء ، وافعالاً .
ثم هو العلي في عظمته فوق كل عظمة لغيره , والعظيم في علوه عن كل علو لا يليق بذاته .
والحليم : هو الذي لا يدعوه الغضب لتعجيل العقوبة على من عصاه , فيمهل العاصي وإن كان لا يهمله , ثم إذا ترك العقوبة فهو غفور رحيم .
والعليم : هو المحيط حلمه بالكائنات , وغيرها , إحاطة لا يدخلها قصور , ولا شرط , فهو يعلم ذنوب عباده ولايعاجلهم بالعقوبة حلماً منه .
وكل ذلك من علو شأنه تعالى في ذاته , وصفاته , وأفعاله , إذ لا أعظم من حلم مع علم , ولا أقوى من عظمة في علو شأن .
وقد قيل إن هذه الجملة هي اسم الله الأعظم , ورجحه ابن عبد البر , وهو مقتضى الأصل في الأولين , ومرجع الفروع في الآخرين .
وقيل لبعض الناس في المنام : كل اسم سرى معناه في الأسماء فهو الأعظم , وذلك في الأسماء الحسنى بسبعة او ثمانية منها العظيم , وليس منها الرحمن . قلت : وعلى ذلك الأحاديث , إذ لا يوجد ما جاء فيه أنه الاسم الأعظم إلا كذلك , مع اختلاف الألفاظ وتعدد الأسماء والأوصاف , مرة بالبسط والجمع كاسمه (الله ), ومرة بالإفراد والتركيب ,كقول (الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم ) .
فاسمه تعالى ( العلي العظيم ) سار في اسمه ( العليم ) و ( الحليم ) لأنه علا في حلمه وعلمه , وعظيم في ذلك كله , ولاجل سريانها في كل معنى تعلق بالذات والصفات والأفعال , جعلا خاتمة آية الكرسي [وهو العلي العظيم] التي افتتحها بأسماء الذات [الله ،الحي ،القيوم ], ثم جوامع الصفات , ثم ما يجري في الأفعال وتجري به , فافهم . ثم من علم أنه العلي العظيم لزم التعظيم والإجلال قلبه , وانطبعت به روحه , وانبسط به سره , فلم يبق له عن نفسه إخبار , ولا يقر له مع غير الله قرار , ومن علم أنه عليم , حليم تعلق به , راجياً إحسانه , ومحسنا الظن به في جميع الأحوال فلم يبقى للبحر ولا لغيره في عينه أي نسبة , شغفاً بمولاه , وفناء فيه دون ما سواه ،فلا أبالي بغيره , ولا أتوجه لسواه , ولا أرجو النفع وأخشى الضر من غيره .[فهو المانع المعطي ،المعز المذل]
والرب : هوالمالك الذي يرعى عباده بإحسانه فلا ملك غيره , ولا مدبر سواه . فكلمة الشيخ - أنت ربي ـ هي برآة من التعلق بسواه .
وقول الشيخ : (علمك حسبي) اكتفاء بعلم الله , ومن لازم ذلك التفويض إليه عزوجل.
ومعنى (حسبي ) : أي يكفيني فيما أنا فيه .
أنواع التوجه إلى الله بالدعاء
واعلم أن التوجهات عند الاحتياج ثلاثة :
أولها : التوجه بالاستسلام , وذلك عند تعذر الأسباب كما تقدم .
الثاني : التوجه بالسؤال والطلب , وذلك عند انشراح القلب , وجريانه بالمعتاد , وموقف تذكر النفوس بالافتقار , حيث غفلتها عن التوحيد والاضطرار , أو يكون انبساط تعليم أو تذكير أو نحوه .
الثالث : التوجه بالتفويض , وذلك حين يغلب حسن الظن والاكتفاء بعلم الله بحاله , وبتحقيق التوحيد , والاشتغال بالذكر , كقول إبراهيم عليه السلام( والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ) , وقول موسى عليه السلام ( رب أني لما أنزلت ألي من خير فقير ) , وقول نبينا صلى الله عليه وسلم :( لا غنى لي عن عافيتك , عافيتك أوسع لي ) إلى غير ذلك .
أذكر حاجتي أم قد كفاني ## حياؤك، إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما ## كفاه من تعرضه الثناء
وقول الشيخ رضي الله عنه ( فنعم الرب ربي .ونعم الحسب حسبي ) : أتى به الشيخ للاستشعار بعظيم الثناء , حتى تسكن النفس له تعالى مما يريد طلبه والتوجه فيه , لشعورها بالعظمة فيما هي به , وإلا فهي جملة متحققة , اذ هو نعم المولى ونعم النصير , ومن كان كذلك لا يخذل من تعلق به قال تعالى (( ومن يتوكل على الله فهوحسبه)) , آي كافيه , وواقيه , وناصره .
وقدأخبر الله سبحانه وتعالى عن قوم قائلا (( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله )) .
فجعل خاصية هذا الذكر لمن قاله بإخلاص ؛جريان النعمة والفضل , وصرف السوء , وحصول التوفيق , ثم عرض بالزيادة على ذلك إذ قال تعالى (( والله ذو فضل عظيم )) .
وقول الشيخ ( تنصر من تشاء )) : هو موقف التفويض بالرجوع إلى أنه يفعل ما يشاء , فلا ينازع في حكمه , ولا يكون إلا ما يريد , لأنه العزيز , أي الغالب الذي لا يُغلب , والقادر الذي لا يرد أمره , فلا يسع إلا الاستسلام له , والرحيم الذي يرحم عباده بإيصال إمداده من نصر وغيره , بظهور العزة في المنصور عليهم , وظهور الرحمة في المنصورين، فرحم هؤلاء بعين ما به نصر على هؤلاء , قال تعالى ( يعذب من يشاء ويرحم من يشاء واليه تقلبون )) . وبالجملة فالشيخ رضي الله عنه قد أتي في هذه الجملة بجوامع التوحيد , وينابيع الإيمان , وخالص الحقيقة , على بساط تعظيم الربوبية , وافتقار العبودية .فأشعر باتساع الرحمة في عين الجلال , وبالجلال الواسع في عين الرحمة .
ثم يسأل الشيخ مولاه ـ عز وجل ـ العصمة التي هي منع الوصول إلى الذنب بعد القدرة على وجه لا يمكن تخلفه , لا إيجابه من الله , وإن كان جائزاً في أصله .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( نسألك العصمة في الحركات , والسكنات , والكلمات , والإرادات ، والخطرات , من الظنون , والشكوك , والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب )
سئل العصمة من أي شيء يسبب الحجاب عن مقام الإحسان ، لأن الحجاب أصل كل بلية , كما أن العصمة أصل كل وقاية . ثم أن العصمة تقع في نفس الأمر لمن خصه الله بها من نبي , أو ولي، أو غيرهما عموما , إلا أنها واجبة للأنبياء فلا يصح تخلفها عنهم , ولا دعواها من غيرهم، لجواز النقيض عليهم , وإنما يصح وصف غيرهم بالحفظ الذي هو انتفاء النقيض مع إمكان الوقوع فيه , فالإنبياء معصومون , والأولياء محفظون في حكم الظاهر. فقول الشيخ رضي الله عنه - نسألك العصمة - نريد أن نطلب منك أن تمنعنا من الذنوب بالستر عنها حتى لا نعرف طريقها , ولا تخطر لنا على بال , ولاتنزل بنا في حال من الأحوال , فتعصمنا في الحركات , التي هي التقلبات يميناً وشمالاً , وخلفاً وإماماً , والسكنات هي : الثبات في محل واحد , دون تقلب , وجمعها كالحركات اعتبارا بتعددها في الحالات .
والكلمات , والحركات التي هي حركات اللسان , والقلب , كالنطق بالحروف , والأصوات .
والارادات : التي هي الميل إلي الأفعال , والأقوال بحركات القلب في الاختيار . والخطرات : التي هي حركات الضمائر في التقلبات , أولها الهاجس , وهو غير مأخوذ به , وآخرها العزم والصحيح المؤاخذة به , وفيما بينهما اختلاف . وهذه الخمسة هي مجاري الحسنات والسيئات , والذي يطلب العصمة منه فيها إنما هو الظنون , والشكوك , والأوهام الساترة للقلوب عن مطالعة الغيوب , غيوب الأسرار العرفانية , والأسرار الربانية , والحقائق الإيمانية , التي من حجب عنها وقع في الغموم والهموم , كما أشار إليه سيدي ابن عطاء الله في حكمه بقوله :ما تجده القلوب من الهموم والأحزان فلأجل ما منعت من وجود العيان.[ والعيان هو أعلى مقامات الإحسان فمن كان نظره إلى مقام المشاهدة بأن يعبد الله كأنه يراه لم يبق له هم ولا غم]
ثم قوله رضي الله عنه ( الساترة ) : إلى آخره وصف للظنون والشكوك والأوهام , فهي تارة تكون ساترة , وتارة لا تكون ساترة , وقد استعاذ من هذه لاعتراضها , وترك الأخرى لأنها موافقة للحق , أو غير ضارة فيه .
وقد ذكر الشيخ رضي الله عنه في هذه الجملة جميع الحركات النفسية وما فيها من النقص , فهو قد أتى فيها بتعريف النفس ونقصها ، كما أتى في التي قبلها بذكر الرب تعالى بكماله , وهذا هو العلم النافع , والحقيقة التامة , فقد سئل الجنيد رضي الله عنه عن العلم النافع , فقال : هو أن تعرف ربك , ولا تعدو قدرك . وعليه مدار كلام الشيخ هنا فتأمله راشدا , وبالله التوفيق .
ثم اعلم أن الظنون , والشكوك , والأوهام جمع ظن , وشك , ووهم :
فالظن : ما ترجح من طرفي الممكن .
والشك : ما استوى الراجحية والمرجوحية من الممكن . والوهم : المرجوح من الطرفين . وكلاهما مبادي الخير والشر , فيطلب صرفها , لئلا تتمكن فلا يصح نفيها , كما قيل : ادفع ردى الخواطر قبل أن يسري الهم لئلا يعييك . ومما قيل أيضا : أول الذنب الخطرة , كما أن أول السيل قطرة . [والخطرة جمعها خواطر وهي هواجس القلب فلابد من دفع السيء منها قبل أن يتمكن ويزيد]وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :( إياكم والظن , فإن الظن أكذب الحديث) وإنما ينشأ الظن الخبيث عن القلب الخبيث , لافي جانب الحق , ولا في جانب الخلق , كما قيل :
إذا ساء فعل العبد ساءت ظنونه ــ وصدق ما يعتاده من توهم وعادى محبيه بقول عدوه ــ وأصبح في ليل من الشك مظلم وقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال ( خصلتان ليس فوقهما شيء من الشر , سوء الظن بالله ، وسوء الظن بعباد الله , وخصلتان ليس فوقهما شيء من الخير حسن الظن بالله , وحسن الظن بعباد الله ).
وقال الشيخ أبو الحسن رضي الله عنه : قرأت ليلة , قل أعوذ برب الناس , فقيل لي : شر الوسواس ؛وسواس بينك وبين حبيبك, يذكرك الشر , وينسيك الحسن , ويقلل عندك ذات اليمين. ويكثر عندك ذات الشمال , ليعدل بك عن حسن الظن بالله وكرمه إلى سوء الظن بالله , ورسوله , فاحذر هذا الباب فقد أخذ منه كثير من العباد والزهاد وأهل الطاعة والسداد , انتهى .
والعافية الكاملة هي سكون القلب إلى الله باليقين الموجب للرضا , والتسليم , والبلية كلها في الشك , والاضطراب , والتردد بين الخواطر المتزاحمة التي لا يهنا لصاحبها عيش , ولا يقر له قرار .ومظاهر هذه الظنون والشكوك والأوهام , إنما هي البلايا الظاهرة , والمحن العارضة ، وقد اجراها الله تعالى لعباده المؤمنين , ليميز الخبيث من الطيب , فيزداد اللذين آمنوا إيمانا , ويظهر على المنافقين كفراً وطغياناً .
ومن مقتضى ذلك أن يرجع المؤمنين إلى الله بالرجاء , والإلتجاء , وتصديق وعد الله في الامتحان , والابتلاء ، اذ قال تعالى : ( ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم (وقال سبحانه وتعالى : ( أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتيكم مثل اللذين خلوا من قبلكم ) . وقال تعالى : ( ألم *أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ) . وإلى هذا أشار الشيخ بقوله: (فقد ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديداً , وإذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض ما وعدنا الله ورسوله إلا غرورا ) .
قلت:أتى الشيخ بهذه الجملة كالمتعذر عن سؤال العصمة , وتعريضاً مما هو فيه من الشدة التي تحرك أثر النفس المثير لظهور المرض الكامن في القلب , المؤدي إلى سوء الظن بالله , كما وقع للمنافقين في غزوة الخندق إذ جاءهم العدو من فوقهم , ومن تحتهم , ومن أسفل منهم , وزاغت الأبصار , وبلغت القلوب الحناجر , وظن من في قلبه شيء بالله الظنونا , هنالك ابتلى المؤمنون وزلزلوا زلزالا شديدا , وظهر ما في قلوب المؤمنين على ألسنتهم , قال تعالى ( هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليما ) فكأن ، الشيخ رضي الله عنه يقول : إنما سألت العصمة خوفاً من الزيغ عند الابتلاء الذي لابد منه للمؤمنين حتى يميز الخبيث من الطيب , لأنه لا عاصم من أمر الله إلا من رحم , وذلك من الشفقة على الإيمان , الذي هو رأس المال , وأساس الأعمال , قال تعالى ( ومن يعتصم بالله فقد هدى إلى صراط مستقيم ) .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( فثبتنا وانصرنا , وسخر لنا هذا البحر كما سخرت البحر لموسى عليه السلام , وسخرت النار لإبراهيم عليه السلام , وسخرت الجبال والحديد لداود عليه السلام , وسخرت الريح والشياطين والجن لسليمان عليه السلام ) . قلت :فالتقدير فثبتنا في محل الزلل , وهو موقف الشدائد والأهوال , وانصرنا على أعدائنا من المنافقين والذين في قلوبهم مرض , وسخر لنا هذا البحر الذي نحن فيه معرضون لذلك ؛ تسخيرا ينفي كل ما يخشى , ويأتي بكل ما يطلب ويرتجى .
وقد يقال :ثبتنا على الإيمان , وانصرنا باليقين , وسخر لنا هذا البحر من أمر الدنيا والدين حتى نسلم من الشكوك , والظنون , والأوهام , ونتأيد بحقائق الإيمان والإسلام،إذ من علامات التأييد حفظ التوحيد في أوقات الحكم , كما قال سيدي ابو علي الدقاق . والتشبيه في التسخير من جهة التيسير والكرامة , لامن جهة المقابلة والمناظرة ، لأن ذلك التسخير كان بكرامة الله , ومع إحسان الله , فكان مقويا للإيمان , كما أنه مظهر للإحسان . فسخر البحر لموسى عليه السلام في نجاته أولاً حين ألقته أمه فيه , ثم سخره له ثانية بنجاته مع إهلاك مكذبه وغرق عدوه . وسخرت النار لإبراهيم عليه السلام فجعلتها عليه برداً وسلاماً . وسخرت الجبال لداود عليه السلام والحديد بأن تسبح معه بالعشي والإشراق وتؤوب معه إلى ربها , وتسخير الحديد له بتليينه له , ولمن حضر معه , يعينه في أعمال الدروع حتى صار كالعجين بين أيديهم . وسخرت الريح لسليمان غدوها شهر ورواحها شهر .قال تعالى ( ومن الشياطين من يغصون له ويعملون عملا دون ذلك ) بل ( يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات ) كما أخبر الله سبحانه وتعالى عن ذلك . والشياطين نوع من الجن لم يعمل خيراً قط , ولا أهل له , عكس الملك , فذكره الشياطين من قبل الجن من ذكرالخصوص قبل العموم . والله ورسوله اعلم .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه : ( وسخر لنا كل بحر هو لك في الأرض , والسماء , والملك والملكوت ، وبحر الدنيا , وبحر الآخرة , وسخر لنا كل شيء يا من بيده ملكوت كل شيء (
قلت : فسؤال تسخير كل بحر في الأرض والسماء من باب إظهار الفاقة لكل شيء ، وفي كل شيء , وفي ذلك تحقيق الافتقار إلى الله تعالى بكل حال .
ثم المُلك :هوعالم الشهادة والحس , فهو ما شأنه أن يدرك بالحس والوهم . والملكوت: عالم الغيب , والخفا , وهو من شأنه أن يدرك بالعقل والفهم . وهذا تفصيل بعد إجمال , وإجمال بعد تفصيل , يدل على تعظيم الربوبية , وتحقيق العبودية , ولأنه من باب اعظام المسئلة , لقوله صلى الله عليه وسلم ( إذا سألتم الله فعظموا المسئلة , فان الله لا يتعاظمه شيء ) , قالوا : إذن نكثر يا رسول الله , قال ( الله أكثر)آداب الدعاء : وقد استعمل الشيخ في هذا الطلب من آداب الدعاء البدء بالآحاد قبل الأعداد , فقد قال الأستاد ابو القاسم القشيري رحمه الله : كثرة المسائل قفل على الباب , وإنما يسأل الخير شيئًا بعد شيء .ومن معنى ذلك أن أدعية القران قليلة مرتبة في الغالب , بل غاية ما انتهى إليها عددها سبع دعوات في آخر سورة البقرة , وخمسة في سورة آل عمران , ولم يرد أكثر منها في محل واحد , فافهم .واعرف ذلك .
ومن آدابه ألا يسال إلا الأليق به في وقته , والمحتاج إليه قبل المستغنى عنه , كما فعله الشيخ رضي الله عنه , وأن لا يسأل محالاً شرعاً , ولاعقلاً , ولا عادة .
تعدد البحور
وفي كلام الشيخ تعدد البحور واختلافها حسا ومعنى , وذلك أوضح من مسمى البحر , فإنه عبارة عن كل أمر هائل , محتو على منافع ومضار غير محصورة حسا في الحسيات , ومعنا في المعنويات .وبحر الدنيا وبحر الآخرة ، يعني البحر الذي هو بالدنيا , والبحر الذي هو في الآخرة ، فإنهما هائلان ومهيلان , بل هما أعظم البحور , وفيهما معنوي وحسي , وكل ذلك لا يجري فيه إلا بتسخير الله , فوجب أن يرجع إلى الله فيه . وانما قال ( بيده ملكوت كل شيء ) ولم يذكر ملكه , اكتفاء بالأقوى عن الأضعف , فمن يملك ملكوته يملك ملكه ضرورة بخلاف العكس , والله اعلم .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه : ( كهيعص , كهيعص , كهيعص ) لقد اختلف العلماء في هذه الفواتح المعجمة في أوائل السور , فقال قوم : هي من المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله وحده . وقال ابن السبكي : وقد يطلع الله عليه بعض أصفيائه . وقيل : هي اسم الله الأعظم . [قال ابن جرير في تفسير الآية الأولى من سورة البقرة حدثنا محمد بن المثنى قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي قال حدثنا شعبة قال سألت السدي عن {حم } و{طسم }و{الم }فقال :قال ابن عباس :هو اسم الله الأعظم .انتهى وهذا السند ثابت والسدي مختلف فيه وقد وثقة الإمام أحمد بن حنبل فقال هو ثقة ثبت .]
والذي يتحقق من ذلك أنها رموز لا يعلم حقيقتها غير واضعها , ولا يمنع اختلاف الفهم فيها من أن يكون لها معنى لا يدركه أحد من الخلق . ومن وجوه الفهم , إنها تراجم على ما تضمنته السورة من معاني ، والى ذلك نحا الشيخ برمزها , والله اعلم . وهي خمسة أحرف : كاف الكفاية , وهاء الهداية , وياء الولاية , وعين العناية , وصاد الصدق{كهيعص} . وكل هذه الأسماء الخمسة ظاهرة في كل قصة من هذه السورة المباركة (سورة مريم), ألا تراه كفى زكريا الموالي من ورائه، وهداه لدعائه , وشكره في حاله , باعترافه بعجزه عن ما أولاه من إصلاح زوجه ، وإتيانه ولداً مع ضعفه , واظهر عنايته عليه , وعلى زوجه وولديه فيما تولاهم به , ثم فعل ذلك بمريم وولدها , وإبراهيم وولديه , وموسى وأخيه , وما منّ به على أدريس , ونوح ، وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام وتفصيل ذلك يطول , ووجه الفهم فيه بالبصائر أتم من الرسم . وعلى هذا الوجه , فذ كر الشيخ لها إنما هو تعريض بطلب الكفاية , والهداية , والولاية , والعناية , وتحقيق الوعد في الإجابة في طي التسخير المذكور على وجه لا يحصره الحد , ولا يحصيه العد , ولاتمكن الإشارة إليه إلا بالرموز . وكون ذلك على الوجه الواقع لمن ذكر كما تقدم في قوله (كما سخرت البحر لموسى.. ) إلى آخره فافهم . وقد تكون الحروف من أسماؤه جل وتعالى :الكافي , والهادي ، والولي , والعظيم , والصادق وعده .[ذكر ابن جرير في تفسيره عن الشعبي في أول آية من سورة البقرة أنه قال :فواتح السور من أسماء الله تعالى.انتهى]
وتكرير الشيخ الكلمة ثلاثاً ,اما اعتبار لحصول المعنى المقصود في جسمه. وقلبه , وروحه , أو اعتبار بطلب ذلك في الظاهر والباطن , أو فيهما , أواعتبار بالحال , والماضي , والاستقبال . وقد يكون اعتبارا بالمنفصلات , والمتصلات , والأمور المشتركة .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( انصرنا فانك خير الناصرين , وافتح لنا فانك خير الفاتحين , واغفر لنا فانك خير الغافرين , وارحمنا فانك خير الراحمين , وارزقنا فانك خير الرازقين , واهدنا ونجنا من القوم الظالمين , وهب لنا ريحا طيبة كما هي في علمك ، وانشرها علينا من خزائن رحمتك , واحملنا بها حمل الكرامة , مع السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة , إنك على كل شيء قدير) . هذا تفسير لموقع التسخير بماذا يكون ،فهذه الجملة تفصيل وتفسير في تفضيل , فالنصرة من بساط الكفاية , والفتح من بساط الهداية , والرزق من وجوه الولاية , والرحمة والهداية من عين العناية , والنجاة من صدق الوعد , قال تعالى ( وكان حقا علينا نصر المؤمنين ) , وذكر الريح الطيبة رجوع للحاجة المناسبة , وكونها ريحا طيبة هو المقصود لا مطلق الريح , إذ قد تكون مهلكة , بل كل ما جاء في القران من الريح بالأفراد , إنما جاء بالإهلاك غير ما قيد في قوله تعالى ( وجرين بهم بريح طيبة ) في مقابلة قوله تعالى ( جاءتها ريح عاصف ) فافهم . وقوله ( كما في علمك ) : كأنه يقول : الريح الطيبة في علمك هبها لنا , كان ذلك موافقا لعلمنا أو مخالفا له , لأنه لا يعلم النافع والأنفع على الحقيقة إلا أنت .
ثم قوله رضي الله عنه :( وانشرها علينا من خزائن رحمتك ) : يعني , واجرها لنا بالرحمة , ومن عين الرحمة , لا بالغضب , ولا من عين الغضب , لأنه تعالى قد يرحم بما به يعذب , وبعذب بما به يرحم , وقد اهلك الله قوم عاد بالريح , وسخرها لسليمان عليه السلام , فكانت من النعم في ملكه ,و أجراها كذلك في البر والبحر. وكذا سائر الأسباب الجارية , يرحم بها قوما ويعذب بها قوما آخرين ، فإذا جرت من بساط الرحمة كانت نعمة , وإذا جرت من بساط الغضب كانت نقمة , ولذلك كان عليه الصلاة والسلام يقول عند هيجان الريح : ( اللهم لا تهلكنا بسخطك وعقابك وعافنا قبل ذلك ) وقد يكون طلبه من بساط الرحمة لا بسبب ولا بعلة .
وقوله رضي الله عنه :( واحملنا بها حمل الكرامة مع السلامة والعافية في الدين والدنيا والآخرة ) يعني واحملنا بالريح حمل الكرامة التي حملت بها آدم وبنيه , ونوحاً وذريته , فقلت وقولك الحق : ( ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) . احترز بحمل الكرامة من حمل الإهانة الذي سلط على قوم عاد , إذ كانت تحمل البعير بحمله , قال تعالى : ( ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ) .
ولا يتم أمر الدنيا والآخرة إلا بالهناء، حتى أن أهل الجنة في الجنة لولا قوله تعالى (هنيئا ) بعد قوله ( كلوا واشربوا ) ما صح كونه منّة عليهم .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( اللهم يسر لنا أمورنا مع الراحة لقلوبنا وأبداننا , والسلامة والعافية في ديننا ودنيانا , وكن لنا صاحبا في سفرنا , وخليفة في أهلنا , واطمس على وجوه أعدائنا , وامسخهم على مكانتهم فلا يستطيعون المضيء ولا المجيء إلينا) . لماسأل الشيخ ـ رضي الله عنه ـ العافية والسلامة في الدين والدنيا والآخرة , سأل التيسير مع ذلك في الأمور , لأنه ليس لازم لهما . ولا عبرة به إلا معهما , وكل ذلك دون راحة القلب والجوارح لا فائدة فيه . وإنما قدم ذكر الدنيا على الآخرة لأن السلامة والعافية فيها أصل في تحصيل الآخرة , وكمال فضائلها،إذ لا كمال مع فساد الطبيعة , ولا راحة من مزعجات النفس , ولابد من علم , وعقل , وعيش في جميع الأحوال , ولذلك قال سيدي بن عطاء الله في الحكم : من تمام النعمة عليك أن يرزقك ما يكفيك , ويمنعك ما يطغيك , ليقل ما تفرح به , ويقل ما تحزن عليه . انتهى .
وقول الشيخ رضي الله عنه ( وكن لنا صاحبا في سفرنا وخليفة في أهلنا ) : يعني لا نظلم ولا نضام، ويجري الخير فيما خلقنا كما هو معنا , وهذا مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم (( اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل )) . والخليفة , هو كافل الأمر وكافيه بعد مستحقه بتوكيله .
والصاحب : الملازم بإبداء المنافع ودفع المضار , واطلاقها في حق الباري سبحانه على معنى الكفاية , والكفاية بزيادة الرحمة , والإعانة ، وإجراء المنافع , ودفع المضار , ولولا أن الشارع أتى بهذين اللفظين ما صح إطلاقها على أحد , وإنما أطلقها الشارع تقريبا للإفهام . ثم اختلف العلماء في جواز ذلك لغيره اعتبارا بالمعنى وعُرف التخاطب , أو اتقاء مواقف الشبهة والإشكال , فتدبر ذلك , واعرفه .
وقول الشيخ رضي الله عنه ( واطمس على وجوه أعدائنا ) : معناه رد وجوههم على أدبارهم , حتى لا يمكنهم التصرف على وجه يريدونه .
وقوله ( وامسخهم على مكانتهم ) : يعني الزمهم إياها عجزا وضعفا فلا يستطيعون المضي عن أماكنهم لغيرها , ولا المجيء إلينا فيستريح غيرنا منهم كما نستريح.
ثم قال الشيخ رضي الله عنه , آية الطمس , والمسخ , والتغشية , فقال : قال تعالى ( ولو نشاء لطمسنا على أعينهم فاستبقوا الصراط فأنى يبصرون , ولو نشاء لمسخناهم على مكانتهم فما استطاعوا مضيا ولا يرجعون ) . وإنما تلي هذه الآية بعد الدعاء بمقتضاها تحقيقا لما تقتضيه من جواز إيقاع ذلك , واستدلالاً لطلبه إياه , وتبركاً بالآية في حصول المقصود منها في حق الأعداء , وإشارة , لأن وقوع ذلك من خاصيتها ؛لأن كل ذكر فخاصيته في معناه , وتصريفه في مقتضاه , وسره في عدده والله أعلم .
وقد تقدم معنى الطمس , والمسخ , ومتى طمست الأبصار امتنع الإبصار , فاستبق أهلها الصراط لينفذوا فلم يجدوه , وان وجدوا لم يصلوه , وان وصلوه لم يقدروا النفوذ عليه , ولكنهم ممنوعون من ذلك لطمسهم ومسخهم .
( فأنى ) آي : كيف يبصرون مع ذلك , ثم رجع الشيخ رضي الله عنه لأول السورة فقال قال تعالى ( بس والقران الحكيم ....................... وإنما تلي الشيخ هذه الآية ,لأن سر الافتتاح يسري في كل السورة , ومدار السورة على مقدمتها , فالحرفان الأولان ترجمة ما تدور عليه السورة من الولاية , والسلامة , وظهور معنى اسمه السلام بعد الولي , وبيان ذلك: أنه افتتح بعد ذلك بقسمه بالقرآن الحكيم على أنه صلى الله عليه وسلم من المرسلين , وأنه على صراط مستقيم , وأن ذلك الصراط المستقيم تنزيل الذي لا يذل من والاه , الرحيم الذي يسلم من تولاه , وأن ذلك لينذر قوماً لم يسبق إليهم ولا لآبائهم إنذارا , فهم قول غفل , وأن ذلك إنذار , وإعذار , وتنبيه لمن أراد الله نفعه , وإلا فقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون . وانما يؤمن ويرجع الأقل الذي أراد الله به الإحسان ، فهو إخبار عن تسليمه لنبيه وسلامته وولايته له , ولعامة المؤمنين من عباده . ثم انظر كذلك إلى آخر السورة تجده متتابعا , مسترسلاً في المعنى , ومتحداً في السر والمبنى إلى قوله تعالى ( فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء واليه ترجعون ) . نعم , وجميع ما في القران يدور على ما ذكر من الولاية , والتسليم بمعنى أنه مقصود له , ومن ثم جاء في الحديث الشريف ( قلب القرآن يس ) كما رواه الترمذي وغيره . قيل : وقلب يس ( سلام قولاً من رب رحيم , وامتازوا اليوم أيها المجرمون ) . فإن قلت : فلم أخر السورة عن الآية التي بعدها , وقدم الآية التي بعدها قبلها ؟ قلت :إنما أتى بالآية أولاً استطرادا , ثم ذكر أول السورة استذكاراً , وكأنه تنبيه على أن معنى ما ذكر سارياً في كل ما ذكر , والآخذ منه بحسب المقاصد , ولا يضر التقطع إذا لم يكن مقصوداً للتحويل. ولم يفهم تغير النظم , والله اعلم .

ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( شاهت الوجوه , شاهت الوجوه , شاهت الوجوه{ وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما } ).
قلت : شاهت الوجوه يعني ذلت , وخضعت , وخابت , وخسرت , فانصرفت بغير مرادها , مقهورة , مغلوبة . وهذه الكلمة قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد حين قابل الجيش بعد جولة المسلمين ، وافتراقهم عنه لظنهم موته , إذ صرخ الشيطان , فأخذ صلى الله عليه وسلم كفا ًمن الحصى , ورمى بها وجوههم قائلا : ( شاهت الوجوه ) فما منهم رجل إلا وجاء في عينيه الحصى المرمي به , وانهزموا فارين وهو صلى الله عليه وسلم يقول : أنا النبي لا كذب ـ أناابن عبد المطلب
وأنزل الله سبحانه وتعالى في ذلك ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ) الآية , فهي موضوعة لهزم الجيوش , وصرف العدو تأسيا ًبالسنة ،وعلى ذلك جرى الشيخ في سياقها , إذ الحقها بآية صرفها الأعداء ,وطمسهم طلبا ًللنصرة في الجملة , واتباع ذلك بقوله ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) , واستطرادا لذلك وتنبيهاأن كل من دونه محتقر , إذ معنى (عنت ) ذلت وخضعت . والحي القيوم ، هو الله سبحانه وتعالى. فالحي الذي يموت حياته مستعارة لا حقيقة لها إلا بالحي الذي لا يموت .
والقيوم: هو القائم بنفسه الغني عن كل ماسواه ،وكل شيء فقير إليه . فالحي القيوم من الأسماء العظيمة , أسماء الذات الكريمة وقد قيل هو اسم الله الأعظم , وهو الذي دلت عليه الأحاديث , وشهدت به حقائق المعاني . وفي حديث أسماء بنت عميس رضي الله عنها - : اسم الله الأعظم في آل عمرن والبقرة - . وقو الشيخ رضي الله عنه ( وقد خاب من حمل ظلما ) يعني في الدنيا بعدم النصر ، وانتفاء التأييد , وفي الآخرة بالطرد والعذاب الشديد , فهو متوعد بالخيبة في الدارين ، ثم لابد من أخذة لا ينفعه فيها شيء , ولا يزال الله ينتقم من ظالم بظالم حتى ينتقم منهم جميعاً , قال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون ) . وهذا كله على معنى الخبر في الآية , ويكون الشيخ رضي الله عنه أتى بها استطرادا وبناء على حسن الظن بالله , ويكون بمعنى الدعاء عليهم بالخيبة فيما هم به ، فانظر ذلك .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه (طس , حمعسق , مرج البحرين يلتقيان , بينهما برزخ لا يبغيان , حم ,حم ,حم , حم , حم ,حم ,حم ,حُم الآمر , وجاء النصر , فعلينا لا ينصرون ) .
قلت :هذه الرموز للتبرك , وعلى الوجه الذي تقدم في ( كهيعص ) و ( يس ) من الإشارة والتنبيه إن شاء الله , فالطاء للطهارة , والسين للسلامة , والقاف للقدرة، لأن سورة النمل قد أفادت كل قصصها طهارة المؤمنين وسلامتهم , وكذا كل ما ذكر فيها : فأول ذلك طهارة موسى عليه السلام وسلامته من فرعون وقومه . وسلامة سليمان وداود عليهما السلام في ملكهما من كل نقص , وظلم , وقصور , وتقصير ،ثم سلامة الهدهد وطهارته من المخالفة فيما هو به . ثم سلامة بلقيس وطهارتها بالإسلام . وسلامة جند سليمان عليه السلام وطهارتهم في مقابلة قومها . ثم طهارة صالح عليه السلام وسلا مته من قومه . ثم طهارة هود عليه السلام وسلامته من فعل قومه وآذاهم . ثم طهارة عباد الله المخلصين , وسلام الله عليهم . واجر على ذلك بقية السورة , واعتبر ظهور سر الملك والرمز له بالميم في بقية الطواسيم , وسقوطها من هذه لظهور معناها بوجه جلي , وإنما يرمز للأمور الخفية حتى يكون سر المعنى ظاهراً من وجه الرمز , ومن ذلك إسقاطه البسملة من سورة التوبة , إذ إنما أسقطت فيها تنبيهاً على أنها اختصت من الرحمة ما لم يختص به غيرها , وهو تنزل الحق لعباده بالاشتراء , وتعريفهم بأحوال آهل الافتراء , حتى لا يقع مواقع الصد والامتراء . وقس على هذا , واعتبر في الحواميم بما هو معناها ، واعتبر قوله : ( حمعسق ) لأن (حم ) للحماية , ولذلك قال صلى الله عليه وسلم للصحابة يوم أحد : ( ليكن شعاركم حم لا ينصرون ) , إذ أن الله يدافع عن اللذين آمنوا . وترجمة ذلك في قولهم " الله مولانا ولا مولى لكم " في مقابلة قولهم " لنا العزى ولا عزى لكم " وقولهم " الله أعلى وأجل " في مقابلة قول قائلهم " أعل هبل " وقوله ( عسق ) إشارة لاسمه العليم , السميع , القيوم , فتحصل العناية بالحماية ، والسلامة , والقيام في الأمور , اذ الحماية مرجوة بعلمه , وتسليمه , وقدرته بالحماية من حضرة الأفعال . وما ذكر في العين , والسين , والقاف من معاني الصفات , وهما بحران جاريان في المخلوقات , ممتزجان في ظهور الأثر , غير ممتزجين بالحقيقة , والخبر بينهما
برزخ هو الفعل والانفعال .
( لا يبغيان )أي لا يبغي واحد منهما على الأخير فينفيه أو ينافيه .
ثم ذكر الشيخ الحواميم السبعة وعددها على أن وجوب الحمايات سبعة , يختلف أصلها , وفرعها ، وبساطها , وانبساطها باختلاف في ظهورها ومظاهرها . وقد جمع ما في ترجمة أولها من قوله تعالى ( حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا اله إلا هو إليه المصير ) . كل واحد بسط على ما وقعت عليه بما فيها من القصص وغيرها , وتنبيه على ما دلت عليه , وفي كل سورة نكتة جامعة , وآية واضحة:كظهور عزه وعلمه في السورة الأولى ـ سورةغافرـ التي نكتتها ( إنا لننصر رسلنا... ) الاية ، وخاتمتها قوله تعالى ( سنة الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون ) . وظهور غفرانه وعطفه في السورة الثانية ـ فصلت ـ التي بدايتها ذكر الرحمة ونكتتها قوله تعالى ( ما يقال لك إلا ما قيل للرسل من قبلك أن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ) , وخاتمتها قوله تعالى ( أولم يكف بربك أنه على كل شيء حفيظ ) إلى قوله تعالى ( محيط ) . وظهور توبته وعفوه في السورة الثالثة التي طالعتها ذكره تعالى أنه علي , عظيم , ونكتتها قوله تعالى ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما يفعلون ) , وخاتمتها قوله تعالى ( وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ). وظهور عقابه للكافرين وزجرهم في سورة الزخرف , وهي الرابعة , واعتبر ذلك بما في طالعتها من قوله تعالى ( وكم أرسلنا من نبي في الأولين ) ونكتتها في ذكر تفاصيل عذاب أهل النار , وندائهم بقوله تعالى ( ليقض علينا ربك ) إلى غير ذلك , وخاتمتها قوله تعالى ( فاصفح عنهم وقل سلام فسوف تعلمون ) , وظهور طوله أي غناه. ووجود الخير في بداية السورة الخامسة , التي هي سورة الدخان التي طالعتها قوله تعالى ( فيها يفرق كل أمر حكيم ) ونكتتها قوله تعالى ( إن يوم الفصل ميقاتهمأجمعين ) إلى قوله تعالى ( ذق إنك أنت العزيز الكريم ) , ثم إلى آخر السورة ظاهر في تعريف الغنى والعز , وظهور الألوهية وبرهانها في سورة الجاثية , إذ بدايتها وجه الاعتبار ، وأوسطها قوله تعالى ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ) وخاتمتها قوله تعالى ( فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين ) . ثم ذكر أن الأمور تصير إليه سبحانه وتعالى في سورة الأحقاف , إذ جعل طالعتها مبدأ الخلق وإليه المنتهى أولاً , وجملتها بسط وجودهم وموجودهم , وخاتمتها قوله تعالى ( فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) .
فتأمل ذلك , وانظر ببصر بصيرتك , تجده تام الاعتبار , على وجه لا أقدر على استيفائه , ولا يستوفيه إلا ذو القلوب والأبصار , وأهل النظر والاعتبار ، وربك الفتاح العليم .
وقوله ( حُم الآمر ) معناه اشتد , واستوى , وتتابع .
وقوله ( وجاء النصر ) : آي الإعانة بيد القدرة . وقوله( فعلينا لا ينصرون ) يعني الأعداء , ومن في معناهم , وقد جاء في الحديث الشريف [(من قرأ حم المؤمن إلى { الله المصير } وآية الكرسى حين يصبح حفظ بهما حتى يمسى ومن قرأهما حين يمسى حفظ بهما حتى يصبح قال الإمام السيوطي رحمه الله رواه (الترمذى ، وابن السنى ، وأبو الشيخ ، والبيهقى فى شعب الإيمان عن أبى هريرة)انظر سنن الترمذي (5/157 ، رقم 2879) وقال : غريب ]. وقد تقدم الكلام عليها , فتأمله راشدا , وبالله التوفيق .
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( بسم الله بابنا , تبارك حيطاننا , يس سقفنا , كهيعص كفايتنا , حم عسق حمايتنا , فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم )
قلت : يقول الشيخ : بسم الله ندخل الأمور , ونخرج منها , وبه نتحصن من كل آفة وفتنة , لأن الباب هو المدخل , والحصن من كل آفة وفتنة , فهي باب الأمور ومفاتيحها. وقدأمر سبحانه وتعالى بذكر اسمه الكريم في البدايات , تارة مع تكميل البسملة , وتارة دون تكميلها . فالبسملة باب , وتبارك حيطان - يعني سورة تبارك - لأنها حصن من الأعداء , وجامعة للمنافع , كما جاء في فضلها - أعني سورة تبارك - الملك , ولأنها موقف التوكل،والمجادلة , والحراسة لمن تبرك بقراءتها . قالوا وعليها كان سلوك الشيخ سيدي أبي مدين رضي الله عنه , ويناسبها من الأذكار ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك , وله الحمد , وهو على كل شيء قدير ) فلذلك كانت خلوته بها . وسورة )قل أعوذ برب الناس ) من معنى ذلك .والله أعلم ويس هي السقف الذي به الستر , ودفع الأمور النازلة , فسورة يس لمن تلاها ستر وحماية. [قال الدارمي حدثنا عمرو بن زرارة ثنا عبد الوهاب ثنا راشد أبو محمد الحماني عن شهر بن حوشب قال قال بن عباس : من قرأ يس حين يصبح أعطي يسر يومه حتى يمسي ومن قرأها في صدر ليلة أعطي يسر ليلته حتى يصبح )) انظر سنن الدارمي حديث رقم 3419].
وقد تقدم ما في ( كهيعص ) من المعنى والمبنى , وأن خاصية كل اسم من معناه , وتصريفه في مقتضاه وسره في عدده . وقد تقدم ايضا ما في قوله ( حم عسق ) وأنها حماية , وعناية , وسلامة , وقيام . وانما ذكرها ثلاثا , لأن سنة الذكر ثلاثا , والله اعلم.
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( ستر العرش مسبول علينا , وعين الله ناضرة إلينا , بحول الله لا يقدر علينا * والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ * فالله خيرحافظا وهو ارحم الراحمين * )
قلت : هذه الجملة تعوذ وتحصن , واستناد إلى الله في طلب الستر والحفظ ,
فستر العرش هو الستر الشامل الكامل , الذي عم الخلائق، لأنه سقف الجنة .
وعين الله: رحمته وافضاله .
وقوله تعالى ( بل هو قران مجيد ) يعني عظيم , رفيع القدر , في لوح محفوظ من التبديل والتغير , أي فكما حفظ يكون الحفظ به ،تم تلي آية الحفظ , وهي قوله تعالى ( فالله خير حافظا ) ويعني حفظه خير من حفظ الأسباب وغيرها , لأنه أرحم الراحمين , بل لا رحمة إلا منه سبحانه وتعالى , فالرحمة بساط الحفظ , وكمال الحفظ بكمال الرحمة ( لا اله إلا هو الرحمن الرحيم ).
ثم قال الشيخ رضي الله عنه ( إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) ثلاثاً. ( حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ) ثلاثاً . ( و لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ) ثلاثاً
قلت : لما ذكر في الجملة التي قبل هذه استناده إلى الله وأن ما سواه تعالى لا يساوي شيئا , ذكر في هذه الجملة انقطاعه مما سوى الله بالرجوع إلى ولايته , لأنه هو الذي يتولى الصالحينأي المنقطعين إليه , الذين لا يلوون على غيره , فلم يدعهم لسواه , إذ لم يبق فيهم بقية لغيره . قال الله تعالى : ( ومن يتول الله ورسوله واللذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون ) . وقال عز من قائل : ( ومن يتوكل على فهو حسبه ) آي : كافيه , وواقيه , وناصره . والصالحون هم اللذين صلحت أحوالهم , واعمالهم , فلم تصلح قلوبهم لغيره , ولا جوارحهم لغير اتباع أمره , فيدخل فيهم الأعلى والأدنى ومن خاصته وأهله , وهم اللذين تحققوا وتخلقوا بمقتضى قوله تعالى ( حسبي الله ) أي اكتفيت به , فلا أطلب غيره , ولا أطلب من غيره , لأنه لا إله إلا هو .
وقوله ( لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) يعني لا حركة , ولا ثبات , إلا بالله وبأذنه , وتقديره . وجاء في الحديث : ( أنها كنز من كنوز الجنة , وأنها تدفع سبعين بابا من البلاء أدناهم الهم ).
وإنما وصف الأولياء بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون , لأنهم قد استسلموا إلى الله , ورضوا عنه , فلا يختارون غير مختاره , وذلك أمر لا يصح معه حزن ولا خوف . والله أعلم وقد تقدم معنى ( العلي , العظيم ) أول الكتاب فانظره هناك . وانما ذكر الأوراد ثلاثاً ثلاثاً لما ذكرناه من أن سنة الدعاء والتعوذ والرقي , ونحوه أن يكون ثلاثاً , والله أعلم .
انتهى ما أردته من تهذيب واختصار لشرح حزب البحر لسيدنا الإمام العلامة أحمد زروق رحمه الله تعالى وجزاه خيراً . وصلى الله وسلم على سيدنا محمد صلاة تخرجنا من ظلمات الوهم وتكرمنا بنور الفهم وتوضح لناما أشكل حتى نفهم ،إنك تعلم ولا نعلم إنك أنت علام الغيوب والحمد لله رب العالمين.

هذبه واختصره :نعمة الله الشاذلي

http://menaralgalo.blogspot.com/2009/12/blog-post.html

__________________
اللهم يا من جعلت الصلاة على النبي قربة من القربات نتقرب اليك
بكل صلاة صليت عليه من اول النشأة الى ما لا نهاية الكمالات
admin غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مفتاح الفلاح في تهذيب النفوس عبدالقادر حمود المكتبة الاسلامية 2 09-26-2012 02:04 PM
سيدي أحمد زروق عبدالقادر حمود تراجم أصحاب السلسلة الذهبية للسادة الشاذلية 14 09-05-2012 07:15 AM
حزب البحر - صوت عبدالقادر حمود الصوتيات والمرئيات 0 12-14-2010 04:01 PM
أحمد بن عبد الله الفاسي عبدالقادر حمود تراجم أصحاب السلسلة الذهبية للسادة الشاذلية 5 05-24-2009 01:14 AM
سيدي يوسف الفاسي رضي الله عنه عبدالقادر حمود تراجم أصحاب السلسلة الذهبية للسادة الشاذلية 6 04-12-2009 07:28 AM


الساعة الآن 09:39 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir