المسلمون تبادلوا التهاني بحلول شهر رمضان المبارك نثراً وشعراً
المسلمون تبادلوا التهاني بحلول شهر رمضان المبارك نثراً وشعراً
أطلعَ اللهُ للصِيامِ هِلالاً...
عبدالمجيد عبدالحميد
تناول الكتّاب والأدباء والشعراء والمُعجميون العرب اسم رمضان والصوم والصيام في العديد من إنجازاتهم الإبداعية خلال العصور الإسلامية الزاهرة، حيث أسهبوا في بيان معانية وفضائله وعطائه وما يمنحه للصائم من فضل وأجر عميم. ولرمضان عند اللغويين العرب ابن منظور في لسان العرب، والخليل بن أحمد الفراهيدي في العين وسواهما معان عدّة، فهو عندهم: مشتق من الفعل رَمَضَ: الحجارة، والرَمْضَاء هي: الأرض الشديدة الحرارة من وهج الشمس. وقال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “صلاة الأوّابين إذا رَمَضَتْ الفصال”، أي إذا أحرقت الرمضاء لِخِفَافِها فَبُورِكت من شدة الحرِّ. وتكون صلاة الأوّابين في وقت الضحى”.
ذكروا أيضاً أنه قد شاءت المصادفات أن كان الوقت حاراً عندما أرادت العرب تسمية الشهور فسميّ الشهر ذاك بشهر رمضان. ويقال رَمَضَتْ النصل، إذا دفعته بين حجرين لِيَرُّقَ، وسميَّ رمضان؛ لأن العرب كانوا يَرْمِضُوْنَ فيه أسلحتهم استعداداً للقتال في شهر شوال الذي يسبق الأشهر الحرم، كم أطلق رَمَضَانُ على شهر الصيام؛ لأنه يَرْمِضُ الذنوب أي يحرقها أما عند الفراهيدي فإنه: مشتق من الرمضاء وهو: مطر يأتي قبل فصل الخريف. في حين اشتُق الصوم في لغتنا العربية من المصدر: صامَ يصوُمُ ومن مصادره: الصيام فتقول: رجل صائم وصَوْمَان على الوصف بالمصدر، وهو ما يوصف به المذكر والمؤنث والمفرد والمثنى والجمع. ويجمع الصائم على: صُوّام وصِيّام وصُوَّم وصِيَّم وصَيامَى، وتدور جميعها حول الأصل، ففي قولنا: صامَ الرجل، امتنع وفي قول الحق تعالى على لسان مريم في سورة (مريم/ 26): “إنّي نَذَرْتُ للرَّحْمَنِ صَوْمَاً فَلَنْ أُكَلِّمَ اليَوْمَ إنْسِيَّا”، بمعنى امتنع، لأن المراد بالصوم بالآية المباركة هو الصمت والامتناع عن الكلام.
«وبلغنا رمضان»
كان النبي العظيم محمّد صلى الله عليه وسلم إذا دخل شهر رجب يرفع يديه ليدعو خالقه بقوله الكريم: “اللّهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان”. ويُعدُ يوم الثلاثين من شهر شعبان يوم شك عند المسلمين، فقد يشاهد هلال رمضان جماعة ولم يشهد برؤيته من لم تقبل شهادتهم، فيبقى الشك يساور المسلمين: هل هو من رمضان وغرته، أو هذا اليوم مكمل لشهر شعبان؟
وقد فُرِضَ صيام شهر رمضان الكريم على المسلمين في أرض المدينة المنورة دار الهجرة والإيمان، حيث خرج سيد الكائنات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) من داره قاصداً المسجد ليخاطب أصحابه وليبشرهم بفرض صيام رمضان، ومنوِّها بفضائله ونفحاته المتجلية بقوله الكريم: “آتاكم شهر رمضان خير وبركة، يغشاكم الله فينزل فيه الرحمة ويحط الخطايا، ويستجيب الدعاء فأروا الله فيه من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عزّ وجل”. وكان النبي الكريم (عليه الصلاة والسلام) يقول عند رؤيته هلال الشهر الكريم: “اللهم اجعله هلال رشد وخيرا آمنت بالذي خلقك”، ثم يقول: “الحمد لله الذي ذهب بشهر شعبان وأتى بشهر رمضان”.
أظلكم شهر عظيم
حول واجب المسلمين في استقبال شهر رمضان، تناول الدكتور محمود إبراهيم الدويك في كتابه “الصيام في المفهوم الإسلامي”، ذلك حيث ذكر: أن رسول الله محمّد عليه الصلاة والسلام كان يقف ليخطب في المسلمين في آخر يوم من شهر شعبان ويقول: “يا أيها الناس... قد أظلكم شهر عظيم مبارك، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعاً مَنْ تَقَرَب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومَن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه... وهو شهر المواساة، وشهر يزداد فيه رزق المؤمنين، مَنْ فَطَرَّ فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار”.
أول تراءٍ للهلال بمصر
إنّ أول تراءٍ للهلال في أرض مصر ما ذكره علي الجندي نقـــلاً عن صاحب كتاب “التِبْر المسبوك”، والدكتور أحمد السيد الصاوي في “رمضان زمان”: كانت العادة خروج القاضي لرؤية هلال شهر رجب وما بعده احتياطاً. وقد اختلف المؤرخون في أول مَن خرج لرؤية هلال رمضان من قُضاة مصر، فذكر السيوطي في “حُسن المحاضرة” إنّ أول مَن خرج إلى رؤية الهلال في مصر، القاضي غوث بن سليمان الذي توفي في سنة ثمان وستين ومائة. وذكروا عنه: أن امرأة قدمت من الريف، فقابلته ـ القاضي ـ وهو ذاهب إلى المسجد، فشكت إليه حالها، فنزل عن دابته وكتب لها بحاجتها، ثم ركب إلى المسجد وانصرفت المرأة، وهي تقول: “أصابت والله أُمك حين سمتْكَ غوثاً، أنتَ عند اسمك”. وقيل رأي آخر فيمن خرج لأول مرّة من الناس إلى مسجد عبود، وقيل: محمود، بالقرافة لرؤية هلال رمضان، القاضي إبراهيم بن محمّد بن عبدالله. كذلك ذكر أنّ أول قاضٍ رَكِبَ في الشهود إلى رؤية هلال شهر رمضان، هو أبو عبدالرحمن عبدالله بن لهيعة، الذي تولى قضاء مصر بعد وفاة أبي خُزيمة سنة خمس وخمسين ومائة، الموافق سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، وكان القُضاة من بعده في العصر العباسي يخرجون إلى جامع محمود بسفح جبل المُقطّم لرؤية الهلال في رجب وشعبان. وقال الكندي: طلب الناس هلال شهر رمضان ـ وابن لُهيعة على القضاء ـ فلم يرَهُ أحد، وأتى رجلان فزعما أنّهما قد رأياهُ فبعث بهما الأمير موسى بن علي بن رباح إلى ابن لُهيعة؛ فسأل عن عدالتهما فلم يعرفا، واختلف الناس وشكوا.
فلما كان العام المقبل، خرج القاضي عبدالله بن لُهيعة في جماعة من أهل المسجد عُرِفُوا بالصَلاح، فطلبوا الهلال، وكانوا يطلبونه بالجيزة. ثم تعدّوا الجسر في زمن هشام بن أبي بكر البكري، وطلبوا الهلال في جنان ابن أبي حُبيش.
قال أبو خثيمة: ثم كان القضاة على ذلك، حتى كان ابن أبي الليث، فطلبه في أصل المُقطم، وبذلك برأي المؤرخين، كان القاضي ابن لُهيعة هو الذي سنّ لِمَن بعده من القُضاة السُّنة الحسنة، فكانوا يخرجون إلى جامع عبود ـ بسفح جبل المُقطّم ـ لترائى الهلال في شهري رجب وشعبان، احتياطاً؛ لإثبات هلال شهر رمضان المبارك.
موكب الرؤية في أبيار
وحول موكب الرؤية في مصر، ذكر الصاوي ما رواه الرحالة العربي ابن بطوطة عن مشاهداته لذلك في رحلته المعروفة، التي اسماها “يوم الرَكبة”، قائلاً: “يوم الرَكبة في مدينة ابيار، وهو يوم ارتقاب هلال رمضان، قال: ولقيت بابيار قاضيها عزالدين المليجي الشافعي، وهو كريم الشمائل، كبير القدر، حضرت عنده مرّة يوم “الرَكبة” وعادتهم فيه: أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر؛ من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضي، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة”. ويضيف ابن بطوطة وصفه ليوم الرَكبة كما اسماه قائلاً: “فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه؛ تلقّاه ذلك النقيب، ومشى بين قائلاً: باسم الله سيدنا فلان الدين، فيسمع القاضي ومَن معه فيقومون له، ويُجلسه النقيب في موضع يليق به، فإذا تكاملوا هنالك؛ رَكِبَ القاضي ورَكِبَ مَن معه أجمعون، وتبعهم جميع مَن بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان، وينتهون إلى موضع مُرتفع خارج المدينة، وهو مُرتقَب الهلال عندهم، وقد فُرِشَ ذلك الموضع بالبُسُط والفُرُش، فينزل القاضي ومَن معه، يترقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب، وبين أيديهم الشمع، والمشاعل والفوانيس، ويُوقِد أهل الحوانيت بحوانيتهم الشمع، ويصل الناس مع القاضي إلى داره ثم ينصرفون؛ هكذا فعلهم في كلّ سنة”.
وصف الأهلّة
كما استوجب صوم شهر رمضان الفضيل معرفة أوله وآخره معرفة دقيقة، العناية بأربعة أنواع من الأهِلّة، وهي: هلال شهر شعبان لارتباطه بأول رمضان، وهلال الشك، وهلال رمضان، وهلال شوال. واستشهد علي الجندي في كتابه “قُرّة العين في رمضان والعيدين” إلى هلال الشك عند الشعراء، ذاكراً قول الشاعر ابن الوردي في ذلك، بقوله:
قلتُ هلال الصوم ليس يُرى
فلا تصوموا وأرضُوا بقول ثقهْ
وهجا الشاعر ابن الرومي رجلاً يُعرف بابن رمضان قال فيه:
رأيتُك تُدعى رمضان دعوى
وأنتَ نظير يوم الشكِ فيه
فغالطوني وحققوا فرأوا
وكلّ هذا من قوّة الحدقهْ
وقال أحمد بن يوسف الكاتب إنّ الخليفة العباسي المأمون بن هارون الرشيد قد أمره بالكتابة ليحثوا الناس على الإكثار من المصابيح في شهر رمضان لما لها من فضل.
ويقول أحمد بن يوسف: فما دريت ما أكتب ولا ما أقول في ذلك، إذ لم يسبقني إليه أحد، فاسلك طريقه ومذهبه، وأضاف: فبعد أن نمت أتاني آت فقال لي: أكتب فإنّ في ذلك أنسا للسابلة وإضاءة للمتهجدين، ونفيا لرمضان الريب، وتنزيها لبيوت الله عز وجل من وحشة الظلم. فانتبهت وقد انفتح لي ما أريد، فابتدأت بهذا وأتممت عليه وصف ابن يوسف القيرواني صاحب العمدة هلال الصيام:
لاحَ لِي حاجِبُ الهِلالِ عَشِيَّا
فتَمَنَّيتُ أنّـهُ مِنْ سَحَابِ
قُلْتُ أهلاً، وليسَ أهلاً لما قُلْـ
تُ ولكن أسْمَعْتُها أصْحَابِي
أما الشاعر ابن حمديس الصقلي فرحب بهلال رمضان قائلا:
قُلْتُ والنّاسُ يَرقُبونَ هِلالاً
يُشْبِهُ الصَبَّ مِنْ نَحَافةِ جِسْمِهْ
مَنْ يَكُنْ صَائماً فذا رَمضانُ
خَطَّ بالنُّورِ للورى أوَّل اسْمِهْ
ومن القطع النثرية ما كتبه أبو الحسن سعد مُهنئاً أحد الأصدقاء بحلول شهر الصيام قائلاً فيها:
“جمع الله لمولاي في هذا الشهر الشريف، شروط آماله، وأحكام أماليه، في حاضر أمره وعاقبته، وعاجل دنياه وآخرته، وأبقاه لأمثاله بقاء لا يتناهى أمده في ظل عيش يرضاه ويحمده”.
وله أيضاً في تهنئة أحد الولاة بقوله: “عرف الله مولانا بركة هذا الشهر الشريف وأيامه، وأعانك على صيامه وقيامه، ووصل لكَ ما يزيد من فضله وإكرامه، وتابع لكَ المزيد من مَنائِحِه، وإنعامِهِ، وختم لكَ بالسعادة العظمى بعد الانتقال في الجّاهِ والرّياسةِ إلى أبعد المدى، وفي الخير والثروة إلى أقصى المُنى”.
كذلك تبادل الشعراء العرب قصائدهم الرقيقة بمناسبة مَقْدَم شهر رمضان المبارك، كقول الشاعر ابن حمديس الصقلي الذي هنأ بها الأمير أبا الحسن علي ابن يحيى بحلول شهر رمضان:
واقتَضَى الشَّهرُ من مَعَالِيكَ صُنْعَاً
مُعْلِياً مِنْهُ هِمّةً باهتِمَامِ
وهنأ الصقلي قدوم الشهر الفضيل بقوله أيضاً:
صُمْتَ للهِ صَوْمَ خَرْقٍ هُمَامٍ
مُفِطِّر الكَفايا بالعَطايا الجِسَامِ
أطلعَ اللهُ للصِيامِ هِلالاً
ولنا مِنْ عُلاَكَ بَـدْرَ تَمَامِ
وهنأ عبد الصمد بن بابك الصاحب بن عباد بحلول رمضان فكتب إليه:
كَساكَ الصّومُ أعمارَ اللَّيالي
وأعقبكَ الغنيمةَ في المَآبِ
ولا زالتْ سُعُودُكَ في خُلُوْدٍ
تَبَارِي بالمَدى يومَ الحِسَابِ
بينما كتب الشاعر ابن دراج القسطلي مهنئاً:
ويُهَنِيْكَ شهرٌ عند ذِي العَرشِ شَاهِدٌ
بأنّكَ بَرٌّ للصِّيامِ وُصَولُ
فَوَفَّيتَ أجْرَ الصّابرينَ ولا عَدَا
مَسَاعيكَ فَوزٌ عَاجِلٍ وقَبُولُ
أما تميم بن المعز فقال في تهنئته بالشهر الكريم:
ليُهنِئكَ أنِّ الصَوْمَ فَرْضٌ مُؤْكَدٌ
مِنَ اللهِ مَفْرُوْضٌ على كُلِ مُسْلمِ
وانّكَ مَفْرُوْضُ المَحَبَةِ مِثْلُهُ
علينا بِحَقٍ قُلْتَ لا بالتَّوَهمِ
كذلك بعث أحد الشعراء الأبيات التالية مُهنئاً صديقه بحلول شهر رمضان:
شَهْرُ الصِّيام جرى باليُمْنِ طَائِرُهُ
ودَامَ قَصْرُكَ مَرْفُوعاً مَجَالِسُهُ
عَليكَ مَاجِدُ بَادِيْهِ وحَاضِرِهِ
لِزَائِرِيْهِ وَمَنْصُوْبَاً مَوَائِـدُهُ
وقال ابن رشيق مُهنئاً بهلال الصيام الفضيل:
لاحَ لي حاجب الهلال عشيا
فتمنيتُ أنّه من سحاب
قلتُ: أهلاً، وليس أهلاً لما قلت
ولكن أسمعتها أصحابي
وأنشد ابن المعتز في هلال آخر شهر رمضان قائلاً:
يا قمراً صارَ مثل الهلالِ
مِن بعدِ ما صيرني كالخلالِ
الحمد لله الذي لم أمت
حتى رأيناك بداء السِلالِ!
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات