أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك           
العودة   منتديات البوحسن > الصوتيات والكتب > المكتبة الاسلامية

المكتبة الاسلامية كل ما يختص بكتب التراث الإسلامي الصوفي أو روابط لمواقع المكتبات ذات العلاقة على الشبكة العالمية...

إضافة رد
قديم 12-03-2012
  #81
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نرغب إخواننا أصحاب الأموال بأن يعطفوا على فقراء بلدهم ويخرجوا زكاتهم، ونبين لهم مرتبة الزكاة من الدين والإيمان، فربما كان المانع لهم من إخراج زكاة أموالهم جهلهم بما ورد فيها من الآيات والأخبار لقلة مجالستهم للعلماء فإذا بينا لهم مرتبة وجوب الزكاة ولم يخرجوا هجرناهم وجوبا لقوله تعالى: {فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين}.


ومفهومه أن من لم يقم الصلاة ولم يؤد الزكاة فليس هو من إخواننا في الدين، ولا يخفى حكمه فوالله لقد صارت أفعال غالب الخلق كأفعال من لا يؤمن بيوم الحساب، ولا بما توعد الله تعالى عليه عباده، فإن من لم يكن عنده ما توعده الله عليه أو وعده من الأمور المغيبة عنه كالحاضر فإيمانه مدخول.


وتأمل يا أخي لو أن السلطان أوقد نارا لمانع الزكاة، وقال إن لم تخرج زكاتك أحرقتك في هذه النار كيف يخرجها ولا يتوقف أبدا؟ ولو قال له صديقه لا تخرج زكاتك لا يطيعه، وذلك لشهود النار وتعذيبه بها عاجلا غير آجل، فهكذا فليكن الأمر فيما توعد به الحق تعالى عباده على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.


ثم تأمل يا أخي في تسمية الله تعالى إخراج الإنسان حق الله تعالى في ماله زكاة:أي نمو وزيادة تعرف أن ذلك إنما هو امتحان لمن يدعي الإيمان، وتصديق الله عز وجل فيما أخبر به هل يصدقه في زيادة المال إذا أخرج حق الله منه، ويكون في شهوده كالزيادة أم لا؟ وتأمل لو جلس يهودي بشكارة ذهب وقال لكل من مر عليه من المؤمنين كل من أعطى هذا الفقير درهما أعطيته دينارا، كيف يتزاحم الناس على إعطاء هذا الفقير، لأجل زيادة العوض؟ وقد قال الله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة} وقال تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه} وقال صلى الله عليه وسلم ( ما نقص مال من صدقة).


فليمتحن المدعي للتصديق بكلام الله ورسوله نفسه، فإن رآها لا تمل من الإعطاء أبدا للفقراء ولو طلبوا منه جميع ما معه أعطاه لهم فليحكم لها بكمال الإيمان، وإن رآها تمل من ذلك فليحكم عليها بنقص الإيمان، وربما كان أحدهم يعطي الفقراء لكثرة ما جرب من إضعاف التوسعة عليه كما أعطى، فهذا عبد تجربة، فربما كان الحاث له على العطاء كون الحق تعالى يخلف عليه أضعاف ما أعطى، والمؤمن الكامل من أعطى عباد الله تعالى امتثالا لأمر الله لا لعلة إخلاف الله عليه ولا غير ذلك، اللهم إلا إن يريد بكثرة الإعطاء كثرة الإنفاق في مرضاة الله تعالى فهذا لا مانع منه وربما كان الإنسان يخف عليه إعطاء الدينار للسائل أول مرة، ثم إذا طلب منه السائل دينارا ثانيا أعطاه ولكن ببعض ثقل، ثم إذا سأله ثالثا أعطاه بثقل لكن أعظم من الثاني، وهكذا حتى ربما لا يصل إلى الدينار العاشر ومعه بقية داعية للعطاء، فلو أن مثل هذا كان كامل الإيمان لكان آخر دينار في الخفة عليه كأول دينار على حد سواء في الخفة.


وقد أخبرني الشيخ جمال الدين ابن شيخ الإسلام زكريا أن الشيخ فرجا المجذوب لقيه ومعه أربعون نصفا فسأله الشيخ فرج نصف فأعطاه ثم سأله آخر فأعطاه، فما زال يسأله حتى بقي معه نصف واحد من الأربعين فقال أعطني النصف الآخر، فقال: يا شيخ فرج أنا محتاج إليه، فقال: قد كتبت لك وصولا على شموال اليهودي بتسعة وثلاثين دينارا، فقال: قف خذ النصف الآخر فقال ما رضيت، قال الشيخ جمال الدين: فبينما أنا جالس في أثناء النهار فإذا يهودي يدق الباب فقلت له من هذا فقال يهودي، فقلت له أدخل، فقال: إن والدك كان أعطاني أربعين دينارا قرضا وما بيني وبينه إلا الله تعالى، وقد عجزت عن دينار منها فأبرئ ذمتي، ووضع الدنانير بين يدي، فمن ذلك اليوم ما سألني الشيخ فرج شيئا ومنعته إياه، قال سيدي جمال الدين: فندمت أني ما كنت أعطيته النصف الآخر، فإنه عوض لي في كل نصف واحد أربعين نصفا ثم قال تبت إلى الله تعالى أن أحدا من أولياء الله يطلب مني شيئا ولا أعطيه له اهـ.


فانظر يا أخي كيف صار إيمان سيدي جمال الدين في آخر نصف من توقفه، ولو أنه كشف حجابه لم يتوقف في آخر نصف بل كان يعطيه من غير توقف، قال سيدي جمال الدين: ثم إني لقيت الشيخ فرجا بعد ذلك فذكرت له القصة فقال: إنما فعلت ذلك معك لأمرنك على معاملة الله عز وجل، فإذا كنت وأنا عبد قد وفيت لك أضعاف ما أعطيتني فالحق تعالى أولى بذلك {ومن أوفى بعهده من الله}. فقلت له لأي شيء ما قلت لي أعطني درهما أعطك بدله دينار؟ فقال: كانت تبطل فائدة الامتحان لأنه حينئذ يصير العوض مشهودا لك ولا تظهر ثمرة المحنة إلا إذا لم يذكر الممتحن العوض، وأوهمه أنه لا يعوض عليه بدل ذلك شيئا اهـ.


فاعلم أن الواجب على العبد أن يعطي الله ما أمره به محبة في ربه عز وجل لا طلبا للعوض الدنيوي أو الأخروي، فإن ذلك سوء أدب وجهل بعظمة الله تعالى.


فأخرج يا أخي زكاتك طوعا وامتثالا لأمر ربك، وإن لم تطاوعك نفسك فاتخذ لك شيخا يرقيك إلى كمال الإيمان، فهناك لا تتوقف على توعده لك بحرقك بالنار إن لم تخرج زكاتك، فإنك تصير كمن آمن كرها فلا يصح إيمانك والله يتولى هداك.

========

روى الإمام أحمد واللفظ له وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (العامل على الصدقة بالحق لوجه الله تعالى كالغازي في سبيل الله عز وجل حتى يرجع إلى أهله).


وفي رواية للطبراني مرفوعا: (العامل إذا استعمل فأخذ الحق وأعطى الحق لم يزل كالمجاهد في سبيل الله حتى يرجع إلى بيته) .


وروى الإمام أحمد ورواته ثقات مرفوعا: (خير الكسب كسب العامل إذا نصح) .


وروى الإمام أحمد مرفوعا وفي إسناده مجهول: (ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها وإن عمالها في النار إلا من اتقى الله عز وجل وأدى الأمانة) .


وروى أبو داود مرفوعا: (من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فأخذ فوق ذلك فهو غلول) .


وفي رواية لمسلم وأبي داود وغيرهما مرفوعا: (من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة) . والله تعالى أعلم. "اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-03-2012
  #82
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نساعد الفقراء بالعمالة إذا طلب منا الفقراء أن نكون عمالا لهم على الزكاة إلا إذا لم نثق بنفوسنا في جميع ذلك وإعطائه للفقراء من غير غلول، فإن خفنا ذلك تركنا العمالة تقديما لمصلحة نفوسنا على مصلحة الغير، وهذا العهد يخل به كثير من الفقراء والعلماء، ويقولون: أي شيء لنا في ذلك؟ فإن شاءوا يعطون الفقراء، وإن شاءوا يمنعوهم، وغاب هؤلاء عن قول الله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها}.


يعني اطلبها منهم ولا تتوقف على أنهم يعطونها لك بغير سؤال فإن المال محبوب للنفوس، وقليل من الناس من يوق شح نفسه، فكان على هذا القدم سيدي الشيخ أبو بكر الحديدي رحمه الله تعالى، فكان يأخذ من الناس الزكاة بالإلحاح ويعطيها للفقراء والمساكين، فقيل له إنهم يصيرون يكرهونك، فقال سوف يحبوني في الآخرة حين يرون ثواب أعمالهم اهـ.


وقد قال أخي أفضل الدين لشخص مرة لا تترك فعل الخير ولو خفت أن يذمك الناس،فقال له سيدي علي الخواص ولو ذموك وفرغوا من الذم اهـ.


فافعل يا أخي كل شيء ندبك الشرع إليه ولا تتعلل بعذر عادي من حياء أو خوف ذم، فإن العذر لا يقبل إلا إن كان شرعيا كخوفه على نفسه من الغلول لما يعلم من شدة محبة نفسه للدنيا وميله إليها، فروض يا أخي نفسك مدة قبل دخولك في جباية الأموال والله يتولى هداك.


روى الشيخان واللفظ للبخاري مرفوعا: اليد العليا خير من اليد السفلى، ومن يستعفف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله. قال الخطابي وقد اختلف الناس في المراد باليد العليا، فقال بعضهم هي المنفقة والأشبه أن يكون المراد بها المتعففة لأنها أوضح من حيث المعنى. والله تعالى أعلم.


وروى البزار مرفوعا: (إن الله تعالى يحب الغني المتصدق والفقير المتعفف) .


وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (أول ثلاثة يدخلون الجنة: الشهيد، وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده، وعفيف متعفف ذو عيال) .


وروى الطبراني مرفوعا: (ومن يقنع يقنعه الله) . وفي رواية له مرفوعا: (عز المؤمن استغناؤه عن الناس) .


وروى الشيخان مرفوعا: (ليس الغنى عن كثرة العرض وإنما الغنى غنى النفس. والعرض كل ما يقتنى من المال وغيره) .


وروى مسلم وغيره مرفوعا: (اللهم إني أعوذ بك من نفس لا تشبع) .


وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: (إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب) .


وروى الشيخان مرفوعا: (ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس) .


وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: (قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه) . والكفاف من الرزق ما كف عن السؤال مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة.


وروى مسلم والترمذي وغيرهما مرفوعا: (يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك، وإن تستكثر فشر لك، ولا تلام على كفاف) . يعني أن تطلب من الدنيا ما يكفيك ويغنيك عن سؤال الناس.


وروى البيهقي مرفوعا: (القناعة كنز لا يفنى) . قال الحافظ المنذري ورفعه غريب.


وروى الترمذي، وقال حديث حسن مرفوعا: (من أصبح آمنا في سربه معافى في بدنه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها) . والمراد بسربه: نفسه.


وروى البخاري وابن ماجه وغيرهما مرفوعا: (لأن يأخذ أحدكم أحبله فيأتي بحزمة حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه).


وروى البخاري مرفوعا: (ما أكل أحد طعاما خير له من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده). قال بعضهم كان يضفر الخوص ويعمل أدراع الحديد.


وروى أبو داود والترمذي: (أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: أما في بيتك شيء؟ فقال بلى حلس؟؟ نلبس بعضه ونبسط بعضه وقعب؟؟ نشرب فيه الماء فقال ائتني بهما، فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال: من يشتري هذين؟ فقال رجل: أنا آخذهما بدرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يزيد على درهم مرتين أو ثلاثا؟ فقال رجل: أنا أخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فائتني به، فلما أتاه به شد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال: اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما، ففعل وجاء فأصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تحل إلا لثلاث: لذي فقر مدقع، ولذي غرم مفظع، ولذي دم موجع) . والمدقع هو الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء يعني الأرض التي لا نبات بها والغرم هو الذي يلزم صاحبه أداؤه يتكلف فيه لا في مقابلة عوض، والمفظع هو الشديد الشنيع، والدم الموجع هو الذي يتحمل عن قريبه أو حميمه أو نسيبه دية إذا قتل نفسا ليدفعها إلى أولياء المقتول. ولو لم يفعل قتل قريبه أو حميمه الذي يتوجع لقتله. والله تعالى أعلم،" اهـ


__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #83
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن يكون سدانا ولحمتنا القناعة والتعفف، والأكل من الكسب الحلال بطريقة الشرع الشامل لمد اليدين بالدعاء إلى حضرة الله تعالى، إذا عجزنا عن عمل الحرفة المعتادة، ولا نأكل بديننا، وهذا العهد لا يعمل به على وجهه إلا من سلك الطريق على يد شيخ، وإلا فلا يشم من العمل به رائحة، فإن العبد ما لم يصل إلى معرفة الله تعالى لا يصح له في القناعة والتعفف قدم، وذلك أنه إذا عرف الله تعالى فمن لازمه الرضا به من الكونين ولا يطلب قط فيهما نعيما غير مجالسة الحق جل وعلا، ولا يبالي بما فاته منهما إذا كان الحق تعالى له عوضا من كل شيء، وأما من لم يصل إلى معرفة الله تعالى، فمن لازمه شراهة النفس لأن الدنيا مشهودة فلذلك كان هذا العهد يخل به كثير من الناس في هذا الزمان حتى لا يكاد الإنسان يرى متعففا ولا قانعا ولا متورعا في اللقمة أبدا بل غالب الفقراء يقولون وخلق لكم وغيرهم، يقول هات لنا ولا تفتش، وبعضهم يقول الحرام علينا هو ما لم تصل يدنا إليه، وهذا كلام لا يجوز لمؤمن أن يتلفظ به لئلا يسمعه بعض العوام فيتبعه على ذلك.


ومن هنا قال العارفون: يجب على من لم يكن لديه ورع أن يتفعل في التورع، فإن لم يكن له نية صالحة في الورع فربما صلحت نية من يتبعه في الورع، وقالوا أيضا: يجب على العالم إذا لم يعمل بعلمه أن يعلمه لمن يعمل به.


وقالوا إذا رأيت عالما لا يعمل بعلمه فاعمل أنت به يحصل لك وله الخير(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) .


ثم لا يخفى أن من أقبح الصفات عدم تعفف العالم والصالح وطلبهما من الولاة جوالي أو مسموحا أو مرتبا على بساط السلطان، ثم يطلبان بعد ذلك تمشية شفاعتهم عندهم في أمور المسلمين، وهذا أمر لا يتم لهم، فإن شرط الشافع العفة والورع عما بأيدي الولاة فإنهم إذا رأوه زاهدا فيما رغب فيه ملوكهم فضلا عنهم عظموه ضرورة وأحبوه وقبلوا شفاعته وتبركوا به، وقد كثر طلب الدنيا من طائفة الفقراء وغيرهم وصاروا يسافرون من نحو مصر إلى بلاد الروم والعجم ويتعللون بضيق المعاش، وربما يكون أحدهم كاذبا، لأن عنده في بلده ما يكفيه الكفاية اللائقة بأمثاله، وكان من الأدب لكل من عمل رئيسا في الناس أن يرد جميع ما يعرضه عليه أعوان الظلمة والسلطان، ويقول لهم: أعطوه لمن هو أنفع مني للمسلمين من الجند الذين يسافرون في التجاريد ونحوهم، فأما أنا فجالس أذكر الله تعالى في زاويتي أو أشتغل بعلم ما أحد يعمل به، والأمر في زيادة من حيث قلة العمل بالعلم فكيف أزاحم عسكر السلطان على ماله.


فاسلك يا أخي طريق الفقراء والعلماء الذين مضوا ولا تتبع أهل زمانك تهلك.


وقد بلغنا عن أبي إسحاق الشيرازي أنه كانت تعرض عليه الأموال فيردها، مع أن القمل سائح على وجهه ورأسه ولحيته، وعليه فروة كباشية؟؟، وكان يتغذى بماء الباقلا فيفت الكسرة اليابسة ويغمسها بماء الفول رضي الله تعالى عنه فاعلم ذلك.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: لله تعالى رجال يجمعون المال ولا يظهرون قناعة ويلحون في السؤال ثم يعطون كل شيء حصل بأيديهم لمن هو محتاج إليه ولا يذوقون منه شيئا.


فإياك يا أخي والمبادرة بالإنكار عليهم.


وبعضهم يجمع من الدنيا عنده حتى لا تستشرف نفسه لما في أيدي الناس أو يقف لهم على باب وكان على ذلك سفيان الثوري رضي الله تعالى عنه.


وسمعت سيدي عليا الخواص رضي الله تعالى عنه يقول: إذا ضاق على فقير أمر معيشته فليسأل الله تعالى في تيسير رزق حلال مما قسمه الله تعالى له، ولا يعين جهة، ليكون ذلك معدودا من جملة الرزق الذي لا يحتسبه، فإن كان شيء جاء باستشراف نفس فهو غير مبارك فيه، كما صرحت به الشريعة ثم نقل عن الشبلي أنه كان إذا جاع مد يده وسأل الله تعالى، وقال هذا كسب يميني.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: لا ينبغي لفقير أن يأكل مما وعده به أحد، لأن نفسه تصير متشوقة إليه حتى يحضر.


وجاءه مرة إنسان وقال قد خرجت لكم عن قنطار عنب فأرسل معي أحدا يحمله فأبى وقال لا نحب أن نأكل إلا ما لم يكن في حسابنا، فإذا خرجت بعد ذلك عن شيء للفقراء فلا تعلمهم به قبل حضوره إن طلبت أنهم يأكلون منه.


وبلغنا عن إبراهيم أنه فقد الحلال فسف من التراب مدة أربعين يوما حتى وجد الحلال اللائق بحاله ومقامه.


وسمعت أخي أفضل الدين رحمه الله تعالى يقول: ينبغي لكل مؤمن في هذا الزمان إذا حضر عنده طعام أو شراب أن لا يأكل منه حتى يقول بتوجه تام: اللهم إن كان في هذا الطعام شبهة حرام فاحمني منه، وإن لم تحمني منه فلا تجعله يقيم في بطني، وإن جعلته يقيم في بطني فاحفظني من المعاصي الناشئة من أكله، فإن لم تحفظني منها فمن علي بالتوبة النصوح، فإن لم تمن علي بالتوبة فالطف بي، ولا تؤاخذني يا أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.


وكان يقول: لا ينبغي لفقير السؤال حتى يبيع آلات الدار الزائدة على الضرورة كالطراحة والمخدة والعمامة الزائدة والثوب الزائد والأواني كلهم حتى نعله الزائد.


وكان يقول لا ينبغي لفقير في هذا الزمان إذا وجد الحلال الصرف أن يشبع منه، بل يأكل بقدر سد الرمق فقط خوفا أن يقع في الحرام.


وسمعته أيضا يقول: ليست القناعة أن تأكل كل ما وجدته ولو كسرة يابسة كل يوم، وإنما القناعة أن تطوي الثلاثة أيام فأكثر مع وجود الأكل عندك. ولعل مراده رضي الله عنه الطي الذي لا يضر الجسم فإن جوع المحققين إنما هو اضطرار لا اختيار، وذلك لأن الكامل يجب عليه إعطاء كل ذي حق حقه من جسمه أو غيره، ولا يظلم شيئا من رعيته سواء الجوارح وغيرها


وبالجملة فلا بد لمن يريد العمل بهذا العهد من شيخ يسلك به حتى يخرجه من حضرات الاتهام ويدخله حضرات اليقين، فيعرف إذ ذاك أن ما قسمه الله تعالى لعبد لا يمكن أن يفوته وما لم يقسمه له لا يتبعه نفسه.


ومن هذا الباب أيضا الأقدار الجارية على العبد فإنها لا تخلو عن كون ذلك الأمر الذي دافع العبد الأقدار في عدم وقوعه مقدرا أو غير مقدر، فإن كان مقدرا فلا فائدة في المدافعة إلا تعظيم انتهاك محارم الله تعالى لا غير، وقد كلف الله تعالى العبد بذلك وجعل له الثواب فيه سواء كان مقدرا أو غير مقدر، حتى أنه لو كشف له أن الله تعالى كتب عليه الزنا أو شرب الخمر لا يجوز له المبادرة إلى ذلك، لأنها مبادرة إلى ما يسخط الله عز وجل، فيجب عليه الصبر حتى يقع ذلك في حالة غفلة أو سهو كما أشار إليه خبر: (إذا أراد الله تعالى إنفاذ قضائه وقدره سلب من ذوي العقول عقولهم). يعني عقولهم الحافظة عن الوقوع لا عقول التكليف فافهم، لئلا يؤدي إلى إبطال الحدود كلها، فتأمل في هذا المحل واعمل به.


وقد كان أخي الشيخ عبدالقادر رحمه الله تعالى على هذا القدم فأرسلت مرة أن يجعل على مقثأة البطيخ حارسا حتى يحضر له بالمركب يوسقه، فأرسل يقول لي: المؤمن لا يحتاج إلى مثل ذلك، فإن ما قسمه الله تعالى لأهل الريف أن يأكلوه لا يقدر أحد يحمل منه إلى مصر بطيخة واحدة، وما قسمه الله تعالى لأهل مصر لا يقدر أحد من أهل الريف يأكل منه بطيخة واحدة، ومن كان إيمانه كذلك لا يحتاج إلى حارس. هذا في ملك الإنسان نفسه أما مال الغير فيجب على الحارس حفظه وإن لم يحرسه إثم ولم يستحق أجره، فافهم والله يتولى هداك.


روى أبو داود والترمذي وقال حديث حسن، والحاكم وقال صحيح الإسناد، مرفوعا: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن نزلت به فاقة فأنزلها بالله فيوشك الله تعالى له برزق عاجل أو آجل).


وفي رواية للحاكم: (أرسل الله له بالغنى، إما بموت عاجل أو غنى آجل) .


وفي رواية للطبراني مرفوعا: (من جاع أو احتاج فكتمه عن الناس وأفضى به إلى الله كان حقا على الله أن يفتح له قوت سنة من حلال) . والله تعالى أعلم." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #84
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن ننزل جميع فاقاتنا ومهمات أمورنا في الدنيا والآخرة بالله تعالى في سرائرنا قبل ذكرها للخلق لأنه تعالى: {بيده ملكوت كل شيء}. فإن لم يجبنا سبحانه وتعالى إلى رفعها علمنا حينئذ أن المانع إنما هو منا لعصياننا لأوامره وعدم اجتنابنا لمناهيه، فنكثر من الاستغفار، ثم نسأل فإن لم يجبنا توسلنا بالخلق فنسألهم من غير وقوف معهم، ونراهم كالأبواب التي يخرج منها صدقات الحق تعالى.


وهذا العهد قل من يتنبه له من الفقراء فيسبق لهم الطلب من الخلق قبل الطلب من الله تعالى، والخلق كلهم مفسدون فلا يعطونهم شيئا فيعسر الله تعالى عليهم أرزاقهم عقوبة لهم على سوء أدبهم معه سبحانه وتعالى، وقد رأيت في واقعة أنني نزلت تحت الأرض فوجدت الأموات في فضاء واسع وهم جالسون حلقا، حلقا يتحدثون على كثيب من رمل أبيض، فسلمت عليهم فلم يردوا علي السلام، وقالوا لسنا في دار تكليف، فقال لي شخص منهم اسمع مني هذا الدعاء لتدعوا به إذا رجعت إلى الدنيا فقلت له نعم، فقال إذا أصابك أمر يهمك من أمور الدنيا والآخرة فقل اللهم: إني أنزلت بك ما يهمني من أمور الدنيا والآخرة، فحفظتها منه، فلم أزل أدعو بها في كل أمر مهم إلى وقتي هذا.


ويحتاج من يريد العمل بهذا العهد إلى شيخ يسلك به إلى حضرة التوحيد حتى يكون الغالب عليه ذكر الله عز وجل فيرى الحق تعالى أقرب إليه من الخلق فيسأله قبل كل أحد ومن لم يسلك كما ذكرناه فمن لازمه البداءة بسؤال الخلق لكون الغالب عليه شهودهم قبل الحق، كما أن من لازمه أيضا عداوتهم إن لم يعطوه، ولو قلت له إنما لم يعطوك لأن الله تعالى لم يقسم لك على أيديهم شيئا لم يلتفت إلى قولك، وهذا كله جهل بالله تعالى وبالشريعة، فإن الله لو قسم لأحد شيئا عند ذلك البخيل مثلا لوصل إليه ولو بالغصب والنقب، فاعلم أن الكريم ليس منة على أحد والمنة في ذلك لله وحده وإنما مدحه الله تحريضا له على التكرم لما هو عليه في نفسه من البخل والشح، فلولا المدح لربما كان بخيلا لم يعط أحدا شيئا ولكان الحق تعالى ذمه كما ذم البخيل، فاعلم أن الحق تعالى ما ذم البخيل إلا تحريضا للمؤمن على الإنفاق وإن لله عبادا رفع درجاتهم بعدم إطعامهم الطعام لأن في ذلك رائحة منه تطرق العبد وعبيد الله الخلص لا يرون أنهم يشاركون الحق تعالى في المنة على عباده، بقوله تعالى حكاية عن لقمان: إن الشرك لظلم عظيم فافهم.


واعلم أن مدح الكريم إذا من فضل الله وذم البخيل إذا من عدل الله من حضرتي اسميه المعطى والمانع كما أوضحنا ذلك في رسالة الأنوار القدسية. فاسلك يا أخي على يد شيخ إن أردت العمل بهذا العهد، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}.


روى الشيخان والنسائي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيني العطاء فأقول له أعطه لمن هو أفقر إليه مني فقال: إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مستشرف ولا سائل، فخذه فتموله، فإن شئت فكله وإن شئت فتصدق به، وما لا (أي وما لم يأتك من غير استشراف نفس)، فلا تتبعه نفسك. قال سالم فلأجل ذلك كان عبدالله بن عمر لا يسأل أحدا شيئا ولا يرد شيئا أعطيه. وفي رواية لمالك مرسلا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى عمر عطاء فرده فقال لم رددته؟ فقال يا رسول الله أليس أخبرتنا أن خيارنا من لا يأخذ من أحد شيئا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما ذلك عن المسألة فأما ما كان من غير مسألة فإنما هو رزق يرزقكه الله تعالى فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لا أسأل أحدا شيئا ولا يأتيني بشيء من غير مسألة إلا أخذته.


وروى أبو يعلي والإمام أحمد بإسناد صحيح والطبراني وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: <<من بلغه عن أخيه معروف من غير مسألة ولا استشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه>>.


وروى الإمام أحمد والطبراني والبيهقي وإسناد أحمد جيد قوي مرفوعا: <<من عرض عليه من هذا الرزق شيء من غير مسألة ولا استشراف فليتوسع به رزقه فإن كان غنيا فليتوجهه؟؟ إلى من هو أحوج إليه منه>>. قال شيخنا يعني بشرط الحل في ذلك الرزق. وفي الحديث بيان جواز [ توسع] العبد ما زاد على رزقه بنية التوسعة به على غيره. والله تعالى أعلم. قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: سألت والدي عن الاستشراف فقال هو قولك في نفسك سيبعث إلى فلان سيصلني فلان. والله تعالى أعلم." اهـ



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #85
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقبل كل ما جاءنا من الحلال من غير استشراف نفس ولا نرده، وذلك لأنه جاءنا من عند الله تعالى من غير تعمد وقع منا أو اجتلاب، قال تعالى: {ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب}. ولا يمتن الحق تعالى على العبد إلا بما هو حلال محمود.


وكانت طريقة سيدي أبي الحسن الشاذلي، أنه لا يسأل ولا يرد ولا يدخر، وكذلك كانت طريقة سيدي أحمد بن الرفاعي رحمهم الله تعالى.


وفي الحديث: من تورع عن الحلال وقع في الحرام. وهذا أمر ربما يخل به كثير من المشايخ فضلا عن غيرهم، وكذلك كان دأب سيدي علي الخواص إلى أواخر عمره، ثم قبل من الناس قبل موته وصار يضع الدراهم والدنانير عنده في قدرة، فكل من مر عليه من العميان والعاجزين والمديونين يعطيه من ذلك ويقول ما في الكون مال إلا وله ناس يستحقون الأكل والملبس منه من أصحاب الضرورات.


وسمعته رضي الله عنه يقول: لو كشف للمحجوبين لرأوا جميع ما يأتيهم من الناس إنما هو هدية من الحق تعالى وهو الذي قدمه إليهم فكيف يصح لصاحب هذا المشهد أن يرد. فقلت له: فأين ميزان الشريعة حينئذ؟ فقال: موجود، وهو أنه لو شهد أن الحق تعالى هو المعطي لا يقبله إلا إن رأى وجه رضاه به فإن المعاصي كلها بتقدير الله وإرادته، ومع ذلك فيردها العبد وجوبا ويدافعها جهده حتى لا يقع في هلاكه، فاعلم أنه ما وقع لأحد رد إلا وهو محجوب في حجاب ظاهر الشريعة المطهرة، فإن لسان حالها يقول: إذا جاءكم مال من غير طيبة نفس الخلق فردوه، ولو شهدتم أن الله تعالى هو المعطي فإنه هو الذي نهاكم عن قبوله فما رددتموه إلا بأمره، ولسان الحقيقة يقول: ما ثم أحد يملك مع الله شيئا كشفا ويقينا فخذوا كل ما وصل إليكم عن الله لا عن خلقه، ولسان الجامعين بين الحقيقة والشريعة يقولون: لا نقبل شيئا للشرع عليه اعتراض لأن كون الأمور ملكا لله تعالى محل وفاق بين جميع الملل، وما جعل الله تعالى الرقي في الدرجات إلا بالورع عما حرم الله، فإياكم أن تخرقوا سور الشرع، فإن الذي قال لكم الوجود كله ملكي هو الذي نهاكم عن قبول الحرام والشبهات، وكأنه تعالى يقول: ولو شهدتم أنه ملكي فلا تأخذوه إلا بطيبة نفس من عبدي فلان، فإن أخذتموه بغير طيبة نفس منه عذبتكم، فالعذاب إنما هو من أجل مخالفة ما حده الله لنا لا من جهة أن العبد يملك مع الله تعالى فإنه لا يصح أن يتوارد ملكان حقيقيان على عين واحدة أبدا.


فيجب على صاحب الحقيقة مراعاة الشريعة وعكسه، ومن لم يكن كذلك فهو أعور لا يصح أن يقتدي به في طريق أهل الله تعالى.


وأجمع العارفون على أن من شرط الكامل أن لا يطفئ نور معرفته نور يعني أن نور معرفته يحجبه عن شهود الملك لغير الله، ونور ورعه لا يكون إلا مع شهود نسبة الملك للخلق، فالكامل من يتورع عن أكل ما بأيدي الناس إلا بطريقه الشرعي مع شهوده جزما أن ذلك ملك الله عز وجل. فالزم يا أخي طريقة الشريعة وإلا هلكت والسلام.


روى الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يقبلها بيمينه، ويربيها لصاحبها، كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل) .


وفي رواية لابن خزيمة: ( إن العبد إذا تصدق من طيب، تقبلها الله منه وأخذها بيمينه فرباها كما يربي أحدكم مهره أو فصيله، وإن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو في يد الله، أو قال في كف الله حتى تكون مثل الجبل، فتصدقوا).


وروى مسلم والترمذي مرفوعا: (ما نقصت صدقة من مال).


وروى الترمذي وقال حديث حسن صحيح: (عن عائشة أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما بقي منها؟ فقالت عائشة: ما بقي إلا كتفها؟ فقال صلى الله عليه وسلم: بقي كلها إلا كتفها) . ومعناه أن ما تصدقوا به هو الباقي.


وروى مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الإنسان مالي، مالي. وإنما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فأبقى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس) .


وروى أبو يعلي بإسناد صحيح مرفوعا: (والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار).


وروى الترمذي وابن حبان في صحيحه: (إن الصدقة ولو قلت لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء).


وفي رواية: (إن الله تعالى ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء).


وقد روى الإمام أحمد وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال صحيح الإسناد مرفوعا: (كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس) .


وقال يزيد بن حبيب: وكان أبو مرة العبدري لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أو بصلة.


وفي رواية لابن خزيمة: كان يزيد بن عبدالله أول أهل مصر دخولا المسجد بمصر، فما رؤي داخلا قط المسجد إلا وفي كمه صدقة أو فلوس إما قمح وإما خبز حتى ربما حمل البصل، فإذا قيل له إنه ينتن ثيابك فيقول إني لم أجد في البيت ما أتصدق به غيره، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ظل المؤمن يوم القيامة صدقته).


وروى الطبراني والبيهقي مرفوعا: (ان الصدقة تطفئ عن أهلها حر القبور).


وروى الإمام أحمد والبزار وابن خزيمة من صحيحه مرفوعا: (لا يخرج رجل شيئا من الصدقة حتى يفك عنها لحي سبعين شيطانا). زاد في رواية البيهقي: كلهم ينهى عنها.


وروى الطبراني مرفوعا: (الصدقة تسد سبعين بابا من السوء) .


وروى البيهقي مرفوعا: (باكروا بالصدقة، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة) . وروى موقوفا عن أنس وهو الأشبه قاله الحافظ المنذري والأحاديث في ذلك كثيرة. والله أعلم." اهـ


__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #86
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بكل ما فضل عن حاجتنا ولا ندخر منه شيئا إلا لضرورة شرعية سواء كان مالا أو طعاما أو ثيابا عملا بأخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تخلى يوم واحدا من صدقة، فإن لم نجد شيئا مما ذكرناه تصدقنا بالتسبيح وقراءة القرآن والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك من صنائع المعروف. وفي الحديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء) . ومعنى التصدق بالتسبيح وشبهه أن يجعل ثواب ذلك في صحائف المسلمين، وهذا العهد يتعين العمل به على كل من كان قدوة في دين الله من العلماء والصالحين، فينبغي لأحدهم أن يكون مقداما للناس في كل خير.


وفي ذلك فوائد: منها امتثال أوامر الله تعالى ومنها عكوف الطلبة والمريدين على شيخهم إذا رأوه يعينهم على أمر معاشهم فيتقيدون عليه ويحصلون العلم وينشرون ذلك بعده، ومنها دفع البلايا والمحن عنه في ذلك اليوم. ومن هنا قالوا: أقبح من كل قبيح صوفي شحيح، وفي المثل السائر أن فلانا وفلانا جلسوا يأكلون كذا وكذا وتركوني مثل قط الفقيه فلم يعزموا علي، يعني أن غالب الفقهاء يشح على القط أن يرمي له ورك دجاجة أو رقبتها، والأمثال لا تضرب في شيء إلا إذا كان تكرر ذلك الشيء من أهله. ويقولون في المثل: يد تأخذ لا تعطي، يعني أن كل من تعود الأخذ من صدقات الناس فهو يشح على غيره.


وقد كان سيدي علي الخواص إذا سأله فقير شيئا ينقسم [أي يمكن تقسيمه] كالطعام والفلوس، قسم ما عنده في ذلك اليوم بينه وبين ذلك الفقير نصفين، ويقول: إن الله تعالى يكره العبد المتميز عن أخيه. وكان الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه يقول: إذا طلب منك أحد أن يؤاخيك فاسأله نصف ماله، فإن أعطاك النصف فهو أخ وإلا فلا تجبه لصحبة.


ثم اعلم يا أخي أن من الأولياء من لم يجعل الله تعالى على يديه شيئا من أرزاق الخلائق لإقامته في حضرة اسمه تعالى المانع فيقول الناس حاش أن يكون هذا من أولياء الله تعالى، فإن من شرط الولي السخاء والتكرم، ولو كان هذا من أولياء الله تعالى لكان كريما سخيا، وذلك لا يقدح في كمال ولاية ذلك الولي لأنه لم يمنع ذلك بخلا وإنما هو يود أن لو جعل الله على يديه رزقا لأحد وأعطاه له والإثم إنما هو في حق من يمنع بخلا وشحا في الطبيعة، وأما من يمنع لحكمة فلا إثم عليه، إذ الأولياء على الأخلاق الإلهية درجوا، وقد سمى تعالى نفسه المانع ولم يسمه نفسه بخيلا، وربما كان ذلك الولي الذي ليس له سماط ولا يطعم أحدا لقمة أعلى في المقام ممن سفرته ممدودة ليلا ونهارا، وقد قدمنا قبل هذا العهد قريبا أن من عباد الله الكمل قوما حماهم الله تعالى من مشاركة الحق تعالى في خطور منتهم على أحد من خلقه، فلذلك لم يجعل على يدهم رزقا لأحد يتميزون به على أقرانهم خوفا أن يخطر على بالهم المنة على من أخذ منهم ولو في حال العطاء فقط، ورأوا أن سلامتهم من مزاحمة الحق في المنة أرجح من ثواب ذلك العطاء كما هو مشهد الكمل من الملامتية في تركهم كثيرا من النوافل التي يرى العبد بها أن قد وفى بحق الربوبية وزاد عليه، فافهم.


واسلك يا أخي على يد شيخ ليخرجك من حكم الطبيعة عليك بالشح ويخلصك إلى حضرات الكرم والسخاء، فلا تكاد تبخل على فقير كما درج عليه السلف الصالح رضي الله عنهم. وسمعت سيدي عليا الخواص رحمه الله تعالى يقول: إذا علمت شيخا يقتدي بك فإياك أن تدع أبناء الدنيا يخرجون عليك في البخل بأن لا تشح بشيء مطلقا، إذ من شرط الشيخ أن يكون الألف دينار عنده إذا أعطاها لفقير حكم الحصاة من التراب على حد سواء، ومتى استعظمت يا أخي شيئا مما أعطيته فأنت لم تشم من طريق الصالحين شمة. قال: وتأمل الإمام الأعظم محمد بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه لما دخل اليمن أتوه بعشرة آلاف دينار ففرقها في المجلس، فصار يفرق منها ويعطي الناس حتى فرغت.


وقد حلق شخص لإبراهيم الخواص رأسه على ما يفتح الله به فجاءه وهو يحلق ألف دينار فدفعها إلى المزين فرماها المزين، وقال للخواص أما تستحي تقول لي احلق رأسي لله ثم تعطيني شيئا من الدنيا، والله ما حلقت لك إلا لله ورماها للناس.


وسأل شخص علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضوان الله عليهم أجمعين شيئا فأخرج بدرة فيها عشرة آلاف دينار وقال: والله ما وجدت لك غيرها، فقال له الشخص أعطني أجرة حملها إلى منزلي، فأعطاه طيلسانه فولى وهو يقول أشهد أنك من أولاد المرسلين حقا. وكان علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إذا وجد على بابه سائلا يقول مرحبا بمن يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة مني حتى يضعه بين يدي الله عز وجل.


قلت: وممن أدركته على هذا القدم الشيخ عبدالحليم بن مصلح ببلاد المنزلة غربي دمياط وسيدي محمد بن المنير المدفون بخارج الخانقاه السرياقوسية، والشيخ محمد الشناوي رضي الله تعالى عنهم، فرأيت الشيخ عبدالحليم وقد لقيه شخص وهو ذاهب إلى صلاة الجمعة فقال أعطني هذه الثياب، فأعطاها له ولم يرجع إلى البيت، وصلى بفوطة حمامي في وسطه. ورأيت الشيخ محمد بن منير أعطى شخصا في طريق الحجاز ماتت جماله خمسمائة دينار، فلما وصل الرجل إلى مكة أتى بها، فقال له ما أعطيتها لك إلا لله ولم يكن له به معرفة قبل ذلك. وأما الشيخ محمد الشناوي فلا يحصى ما أعطاه للناس من البهائم والخيل والغنم والقمح والنقود والثياب، وكان يصرح ويقول: جميع ما يدخل يدي من الدنيا ليس هو خاص بي، وإنما أراه مشتركا بيني وبين المحتاجين، فكل من كان أحوج قدم مني أو منهم، وقد من الله تعالى علي بذلك فلم أر لي بحمد الله تعالى شيئا يخصني من المحتاجين به، فالحمد لله رب العالمين.


فاسلك يا أخي على يد شيخ صادق ليخرجك من شح الطبيعة بأفعاله وأقواله، وإلا فمن لازمك الشح وبتقدير أنك تعطي الناس ما يسألون فلا يخلو ذلك من علة تؤثر في الإخلاص كما يعرف ذلك أرباب السلوك، فإن الشيخ إذا لم يكن فعله سابقا على قوله كان قدوة لهم في الضلال كما إذا أمرهم بقيام الليل ونام هو، وبالزهد في الدنيا ورغب هو، والله إني لأصلي بالقرآن كاملا في ركعة واحدة في بعض الليالي وأود لأن لو اطلع على ذلك بعض المريدين ليقتدوا بي في ذلك، فإني أعلم أني إذا نمت ناموا فبمن يقتدون إذا كنت بالليل نائما، وربما أخالف ما آمر الناس به فيعملون معدلي ولو في أنفسهم، ويقولون الشيخ يأمرنا بالصلاة في الليل وينام، ويأمرنا برمي الدنيا ويجمعها هو، ويزهدنا في الدنيا ويأمرنا بإخراجها والتصدق بها ولا نراه يفعل هو شيئا من ذلك، بخلاف ما إذا زهد الشيخ وأنفق أو تصدق أمامهم فإنهم ربما يتبعونه، و والله إني لأتصدق في بعض الأوقات بالدينار والقميص وأنا أحوج إليه أشد من الآخذ له تنشيطا للإخوان حتى يخرجوا عن مسك اليد، وأرى ذلك مقدما على نفع نفسي، فاعلم ذلك واعمل عليه والله يتولى هداك {وهو يتولى الصالحين}.


روى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه والحاكم، وقال صحيح على شرط مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل أي الصدقة أفضل. قال: (جهد المقل وابدأ بمن تعول) .


وروى النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا: (سبق درهم مائة ألف دينار؟ فقال رجل كيف ذلك يا رسول الله؟ قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف دينار تصدق بها، ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ واحدا فتصدق به) . وقوله من عرضه أي من جانبه.


وروى الترمذي وابن خزيمة عن أم بجيد أنها قالت: يا رسول الله إن المسكين ليقوم على بابي فما أجد شيئا أعطيه، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لم تجدي إلا ظلفا مجردا فادفعيه إليه في يده) .


وروى ابن حبان في صحيحه مرفوعا: (تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله تعالى في صومعته ستين عاما فأمطرت الأرض واخضرت فأشرف الراهب من صومعته فقال: لو نزلت فذكرت الله، فازددت خيرا، فنزل ومعه رغيف أو رغيفان، فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها وتكلمه حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات فوزنت عبادة ستين سنة مع حسناته بتلك الزنية فرجحت الزنية بحسناته، ثم وضع الرغيف أو الرغيفان مع حسناته فرجحت حسناته فغفر له) .


وفي رواية للبيهقي موقوفا عن علي بن مسعود: أن الراهب نزل إلى المرأة فواقعها ست ليال ثم سقط في يده فهرب فأتى مسجدا فأوى فيه ثلاثا لا يطعم شيئا فأتى برغيف فكسره فأعطى رجلا عن يمينه نصفه، وأعطى آخر عن يساره نصفه، فبعث الله إليه ملك الموت فقبض روحه، فوضعت عبادة الستين في كفة ووضعت الست ليال في كفة فرجحت يعني الست ليال، ثم وضع الرغيف فرجح، يعني على الستين سنة.


وروى البيهقي مرفوعا: (إن الصعلوك كل الصعلوك الذي له مال لم يقدم منه شيئا. ) يعني لم يتصدق منه بشيء. والله تعالى أعلم." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #87
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بما وجدنا ولا نستقل من الصدقة شيئا لما تقدم من الأحاديث الصحيحة من: أن الحق تعالى يقبلها بيمينه فيربيها كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله. ولما سيأتي من الأحاديث، وهذا العهد يخل به كثير من الناس، فيستحيون أن يتصدقوا بمثل تمرة أو لقمة أو زبيبة وهو حياء طبيعي لا شرعي، وليس اللوم إلا على من يمنع الصدقة بالكثير بخلا، وأما من يخرج ما وجد بعد جوع وقلة فهو مأجور وربما يسبق الدرهم منه ألف درهم من غيره كما يأتي وقال تعالى: {لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها}.


فانظر يا أخي إلى ما وسع الله تعالى به على عباده حيث لم يأمرهم بالصدقة تكليفا مع حاجتهم إليها بل نهاهم عن ذلك، لأن كل من تصدق بما فوق طاقته فمن لازمه أن نفسه تتبع ذلك ثم يندم على إعطائه، وفي الحديث: نحن معاشر الأنبياء براء من التكلف فافهم. وقد تصدقت عائشة رضي الله عنها مرة بحبة عنب فكأن السائل استقلها، فقالت مالك لا تفقه، كم في هذه من مثقال ذرة؟ وفي القرآن: {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره - والله عليم حكيم}.


روى أبو داود وابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وبيده عصا وقد علق رجل قنو حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو شاء رب هذه الصدقة تصدق بأطيب من هذا، إن رب هذه الصدقة يأكل حشفا يوم القيامة.


وروى ابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: ( خير الصدقة ما أبقت غني، واليد العليا خير من اليد السفلى ) . والله تعالى أعلم." اهـ

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #88
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نتصدق بما نحب أدبا مع الله تعالى وعملا بقوله تعالى: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. ونحن نحب أن ننال مقام البر عند الله تعالى ونكره أن نكون ناقصي المقام لما فيه من الجفاء والبعد في شهودنا له في نفس الأمر، ولا يقوم بالعمل بهذا العهد إلا كمل الرجال الذين يغلب عليهم حضور مع الله تعالى.


وقد بلغنا أن المنادي ينادي يوم القيامة ألا من أعطى شيئا لله فليأت به فيأتي الرجل بالثياب البالية والكسر اليابسة والأمور التي تزهدها النفوس، ثم ينادي ثانيا: ألا من أعطى شيئا لغير الله فليأت به فيأتي الرجل بالثياب الفاخرة والأطعمة النفيسة والأمور التي تهواها النفوس فيكاد الرجل من الحياء أن يذوب ويسقط لحم وجهه. وبالجملة فمعاملة الله تعالى تابعة لمعرفته كثرة وقلة.


فاسلك يا أخي على يد شيخ ناصح إن طلبت أن تعرف صفاء المعاملة مع الله تعالى، وإن لم تسلك كما ذكرنا فمن لازمك عدم صفاء المعاملة كما هو مشاهد فيمن يسأل الأغنياء بالله من الفقراء أن يعطوه رغيفا أو درهما فلا يعطونه، ويمر على نحو الألف نفس أو أكثر فلا يلتفتون إليه، ولو أنهم كانوا جالسين بحضرة ملك من ملوك الدنيا وسألهم أرذل الناس بحياة رأس الملك أن يعطوه رغيفا أو درهما لأعطوه المائة رغيف أو الدينار الذهب أو أكثر، مراعاة لوجه العظيم، فأيهما أعظم عند هؤلاء قدرا حينئذ: الله أو ذلك الملك؟ فانظر وتأمل في نقص إيمانك وقلة تعظيمك لله تعالى، يا أخي وتب واستغفر وتشهد، لتسلم الإسلام الكامل، فإن الله تعالى يعامل العبد بحسب ما في قلبه من التعظيم وغيره، ولو أن إنسانا قال السلطان أعظم عندي من الله تعالى لحكم الشرع بقتله أشر قتلة لكفره بعد إيمان فتأمل. {والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم}.


روى الشيخان وغيرهما مرفوعا: (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. فذكر منهم ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) .


روى الترمذي واللفظ له والبيهقي وغيرهما مرفوعا: ( لما خلق الله الأرض جعلت تميد فأرساها بالجبال فاستقرت فعجبت الملائكة من شدة الجبال، فقالت: يا ربنا هل خلقت خلقا أشد من الجبال؟ قال: نعم الحديد، قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من الحديد؟ قال النار؟ قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من النار؟ قال: الماء قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من الماء؟ قال الريح، قالوا: فهل خلقت خلقا أشد من الريح؟ قال: ابن آدم، إذا تصدق بصدقة فأخفاها عن شماله) .


وروى الطبراني بإسناد حسن مرفوعا: (صدقة السر تطفئ غضب الرب) .


وروى الإمام أحمد والطبراني مرفوعا: (أفضل الصدقة ما كانت سرا إلى فقير أو جهدا من مقل، ثم قرأ: { إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم} ).


وروى أبو داود وابن خزيمة في صحيحه مرفوعا: (ثلاثة يحبهم الله، فذكر منهم ورجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينه وبينهم فمنعوه فتخلف رجل بأعقابهم فأعطاه سرا لا يعلم بعطيته إلا الله) . والله تعالى أعلم." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #89
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نسر بصدقاتنا المندوبة دون المفروضة على وزان الصلاة إلا ما استثنى مما تسن الجماعة فيه امتثالا لأمر الله عز وجل، لا لطلب الأجر والثواب، فإن الشارع صلى الله عليه وسلم قد وعد بذلك وهو لا يخلف وعده، ولا يضيع أجر من أحسن عملا، اللهم إلا أن نطلب الأجر من باب الفضل والمنة فلا حرج على العبد في ذلك، إذ لا يستغني عبد عن فضل سيده طوعا أو كرها. واعلم أن الشارع ما أمر العبد بصدقة السر إلا لما يعلم من نفس العبد من محبة المال وإنفاقه ليقال، فلا يكاد يسكت على ما أعطاه لأحد أبدا لعظمته عنده، ولو أنه سلك الطريق لكان إخراج الألف دينار صدقة عنده كحبة عنب على حد سواء، وما رأينا أحدا قط أعطى حبة عنب وصار يذكرها في المجالس ويفتخر بها أبدا لهوانها عنده وكذلك الألف دينار عند الفقير الصادق إذا تصدق بها لا يحتفل بها ولا يذكرها في المجالس أبدا، وما سمي الفقير فقيرا إلا لكونه لا يملك شيئا مع الله تعالى، فكيف يرى نفسه بشيء ليس هو له؟ وفي الحديث: إن الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة. فما قدر ما يخص الفقير من ذلك الجناح إذا فرق أجزاء صغارا حتى عم جميع الخلق من الملوك إلى السوقة، فالفقير الصادق يستحي من الله تعالى أن يرى نفسه على الفقراء، ولو تصدق بجميع الدنيا لو تصور أنه ملكها كلها، لأنه يراها كجناح البعوضة، وإنما لم نقل لأنه يراها قدر جناح بعوضة أدبا مع الله تعالى أن يشترك العبد مع ربه في صفة من الصفات، فلذلك قلنا كجناح بكاف التشبيه، فافهم.


فعلم أنه يتعين على كل من يريد العمل بهذا العهد أن يسلك على يد شيخ مرشد يسلك به حتى يخرجه عن الرغبة والمحبة في الدنيا ويدخله حضرة الزهد فيها، وإلا فمن لازمه أنه يكره الإسرار بالصدقة ويحب إظهارها لما عنده من العظمة والمحبة لها ولجهله بالله تعالى، فإنه لا يعامل الله إلا من يعرف عظمة الله تعالى.


وقد صحبني شخص من ذوي الأموال فذكرت له ما ورد في صدقة السر من الأحاديث فقال لي تبت إلى الله تعالى عن إظهار شيء من الصدقات للناس ورؤية المنة على آخذيها، فقلت له: هذا لا يكون إلا بعد سلوك الطريق، فقال لي قد تحققت بحمد الله بذلك فأرسلت له فقيرا سرا وقلت له اسأله في دينار ولا تسأله إلا ليلا أو حيث لا يعلم بذلك أحد، فسأله فأعطاه الدينار فلم يزل به أبو مرة يوسوس له بإظهار ذلك حتى جاءني وصار يذكر شدة احتياج الناس إلى الصدقة في هذا الزمان، إلى أن جاء إلى ذلك الفقير وقال إن فلانا محتاج وقد بلغنا أنه جاء إلى بعض التجار وسأله دينار فأعطاه له، ثم لم يزل له إبليس حتى ذكره لي وقال إنما ذكرته لك يا سيدي لكوني لا أحب أخفي عنك شيئا، فانظر كيف أخرجه إبليس من صدقة السر وأوقعه في تزكية نفسه، ودعوى أنه لا يخفي عني شيئا من أحواله، ولو أني قلت له أعلمني بعدد ما عندك من الدنيا ما سمح بذلك، فوالله لقد صار الصدق أعز من الكبريت الأحمر، ولو أنه كان دخل طريق الفقراء من بابها على يد شيخ لصار دخوله النار أهون عليه من إظهار ما أمره الله بكتمه.


قلت: وقد بلغنا أن شخصا صام أربعين سنة لا يشعر به أحد فلم يزل به إبليس حتى أوقعه في التحدث بها، وذلك أن إبليس جاء إلى القصاب في هيئة فقير وفي عنقه سبحة وعلى كتفه سجادة وصار يقول للجزار أعطني هذه القطعة اللحم المليحة لأن لي ثلاثة أيام صائما، فلم يزل يكرر ذلك حتى تحرك في قلب ذلك العابد داعية إلى إظهار صومه، وقال اكتم صومك أنت أفضل لك فإني صائم أربعين سنة ما شعر بذلك أحد، فقال له إبليس أنا إبليس وما لي حاجة باللحم إلا حتى أوقعتك في إظهار صيامك، ثم قال له إبليس، كيف تقول لي اكتم صومك فإنه أفضل وتقع أنت في إظهاره؟ فندم العابد وفارقه إبليس.


واعلم أني ما رأيت في عمري كله أكثر صدقة سرا من شيخنا شيخ الإسلام زكريا شارح البهجة، والشيخ شهاب الدين ابن الشلبي الحنفي، لا تكاد تجدهما يظهران من صدقتهما شيئا. وقد جاء شخص من الأشراف إلى شيخنا الشيخ زكريا وقال له يا سيدي قد خطفوا عمامتي الليلة فأعطني ثمن عمامة فأعطاه فلسا فرده الشريف فأخذه الشيخ، فقلت له إن الفلس لا يكفي في مثل ذلك، فقال الذنب له الذي جاء بحضرة الناس وقد رغبني الله تعالى في الإسرار بالصدقة فلا أظهر ذلك لأحد من الخلق، ولو أنه جاء من غير أن يكون عندي أحد لأعطيته ثمن العمامة أو أكثر لأجل جده صلى الله عليه وسلم، ثم لقيت الشريف بعد ذلك فأخبرته بما قال الشيخ فقال:إن الشيخ أرسل لي عمامة في الليل وهاهي على رأسي.


وكذلك بلغنا عن سيدي علي النبتيتي بن الجمال أنه كان يرسل كل سنة المائة حمل قمحا وأرزا وغير ذلك إلى مكة في البحر، ويسافر هو في البر مع الحجاج، ثم يجلس يبيعها في المسعى ويخبر بالسعر الغالي زيادة على الناس وينظر، فكل من اشترى منه بالزيادة على السعر يعرف أنه مضطر فيعطيه ما اشتراه بلا ثمن ويأمره بالكتمان، فعلم بذلك غالب أهل مكة فكان يعطيهم كذلك حتى أنه لم يأخذ درهما واحدا في بعض السنين، فقيل له إن كان ولا بد لك من العطاء للناس بلا ثمن فتصدق أنت به، فقال البيع أستر لنا من الصدقة وكذلك كان يفعل في الثياب التي يفرقها يأمرهم بالكتمان فيها، وكل من تكلم بذلك يرسل يأخذ الثوب منه ويقول: يا ولدي غلطنا والثوب لشخص غيرك، حتى لا يصير يتكلم بعد ذلك بشيء.


وكان أخي أفضل الدين رحمه الله يأخذ صدقات أصحابه ويجمعها عنده للفقراء ويقول لهم: إن جماعة من التجار أرسلوا لي على اسمكم شيئا من الفضة والذهب لأفرقه عليكم ثم يخلط على ذلك أضعافه ويفرقه عليهم بحيث لا يعلم أحد من الخلق بذلك، ولولا أني رأيته فعل ذلك وهو لا يشعر بي ما أعلمني به، وكان بعض من لا يعرف مقامه يتهمه بأنه اختلس من مال الفقراء لنفسه ويبلغه ذلك عنه فيتبسم ولا يجب عن نفسه شيئا. فبهدى هذه الأشياخ يا أخي اقتده بمضاعفة الأجور ورضا الرب، والله يتولى هداك وهو يتولى الصالحين}.


روى الإمام أحمد والترمذي واللفظ له وابن حبان في صحيحه مرفوعا: (من منح منحة لبن أو ورق أو أهدى رفاقا كان له مثل عتق رقبة). ومعنى قوله منحة ورق: عني به قرض الدرهم، وقوله أو أهدى رفاقا: عني به هداية الطريق وإرشاد السبيل.


وروى الطبراني إسناد حسن والبيهقي مرفوعا: (كل قرض صدقة) .


وروى الطبراني وابن ماجه والبيهقي مرفوعا: (دخل رجل الجنة فرأى على بابها مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر) . قال بعضهم: وذلك أن الصدقة قد تقع في يد غني في الباطن والقرض لا يأخذه إلا محتاج.


وروى مسلم وابن ماجه والترمذي وأبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعا: (ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرة إلا كان له كصدقتها مرتين) . والله تعالى أعلم." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 12-04-2012
  #90
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: لواقح الأنوار القدسية في العهود المحمدية للشعراني

أخذ علينا العهد العام من رسول الله صلى الله عليه وسلم) أن نقرض كل من استقرضنا من المحتاجين، سواء كان مشهورا بحسن المعاملة أم لا امتثالا لقول الله تعالى: {أقرضوا الله قرضا حسنا}. ومن أقرض الله تعالى من الخلق لا يطلب جزاء.


واعلم يا أخي أن الله تعالى لم يأمر بالقرض إلا الأغنياء، فهم الذين فازوا بلذة خطاب الله تعالى بقوله لهم: {أقرضوا}. وأما الفقراء ففاتتهم تلك اللذة وذلك الأجر، ومن هنا سارع الأكابر من الأولياء إلى التكسب والتجارة والزراعة والحرفة ليفوزوا بلذة ذلك الخطاب لا لعلة أخرى من طلب ثواب أو غيره قال تعالى: {رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة}. فوصفوا بالرجولية لأجل أكلهم من كسبهم وإقراضهم من فواضل كسبهم كل محتاج، ومفهومه أن من لا كسب له والناس ينفقون عليه فهو من جنس النساء وإن كان له لحية كبيرة وسجادة وعذبة ومرقعة وشفاعات عند الحكام وغير ذلك، وليس له في الرجولية نصيب قال تعالى: {الرجال قوامون على النساء}.


واعلم أن طلب التلذذ بخطاب الله تعالى كما ذكرنا محمود بالنسبة لمن هو تحته في المقام، وإلا فلله تعالى رجال يتوبون من التلذذ بخطاب الله تعالى إلا على وجه الشكر لا غير فإن من كان الباعث له التلذذ بخطاب الله تعالى فهو عبد لذته لا يكون عبد الله تعالى. وقد أخبرني أخي أفضل الدين رحمه الله أنه كان يقوم الليل مدة كذا وكذا سنة وهو لا يشعر به أحد، قال: فكنت أظن بنفسي الإخلاص في ذلك، فسمعت هاتفا يقول: إنما تقوم الليل للذة التي تجدها حال مناجاتك، ولولا هي ما قمت للحق بواجب عبوديته، قال: فاستغفرت الله تعالى وتجردت من تلك اللذة وعلمت أن تلك اللذة تجرح في إخلاصي فالحمد لله رب العالمين.


فاعلم أنه لا يقدح في شيخ الزاوية أن يكون تاجرا ولا زراعا بل ذلك أكمل له. فإياك يا أخي أن تنكر على فقير الكسب والتجارة والزراعة أو معاملة الناس أواخر عمره وتقول فلان كان من الصالحين أول عمره وقد ختم عمره بمحبة الدنيا وشهواتها، بعد أن كان زاهدا فيها وفي أهلها، فربما يكون مشهد ذلك الفقير ما قلناه أو غير ذلك من النيات الصالحة، فإن زهد الكمل ليس هو بخلو اليدين من الدنيا، وإنما هو بخلو القلب، ولا يتحقق لهم كمال المقام إلا بزهدهم فيما بأيديهم وتحت تصريفهم من غير حائل يحول بينهم وبين كنزه. وأما زهدهم مع خلو اليد، فربما يكون لعلة الفقر. وقد قالوا: من شرط الداعي إلى الله تعالى أن لا يكون متجردا عن الدنيا بالكلية، بأن تخلو يده منها وذلك لأنه يحتاج ضرورة إلى سؤال الناس إما بالحال وإما بالمقال، وإذا احتاج إلى الناس هان عليهم وقل نفعهم به بخلاف ما إذا كان ذا مال يعطي منه المحتاجين من مريده وغيرهم، فإن فقد الحال الذي يميل به قلوب المريدين إليه كان معه المال يميلهم إليه به، ومن لا حال له ولا مال لا ينفعه المقال، وفي الحديث: عز المؤمن استغناؤه عن الناس، وشرفه في قيام الليل.


وممن جاهد نفسه بالتجرد عن الدنيا زمانا طويلا ثم مسك الدنيا من أشياخ العصر وتاجر فيها الشيخ عبدالرحيم البيروتي والشيخ علي الكازروني نفعنا الله ببركاتهما، فأساء الناس بهما الظن وأخرجوهما عن دائرة الفقراء، والحال أنهما الآن أكمل مما كانا عليه في بدايتهما على ما قررناه آنفا. فإياك يا أخي وسوء الظن بأهل الطريق أو بمن لبس الزيق، والله يتولى هداك: {وهو يتولى الصالحين}. ومن محك صدق من طلب الدنيا لله تعالى طلبا للفوز بلذة خطابه أن لا يشح بشيء منها على محتاج إليه لأن من أحب شيئا وتلذذ به أحب تكراره، ومتى تكدر من كثرة السائلين لما عنده فهو كاذب في دعواه أنه يحب الدنيا للالتذاذ بخطاب الله أو لنفع عباد الله فاعلم ذلك، واخرج بقولنا أن لا يشح ما لوشح ومنع لحكمة شرعية فإن ذلك لا يقدح في صدقه. {والله غفور رحيم}.


روى مسلم والطبراني مرفوعا: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه


وفي رواية للطبراني: من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة وأن يظله تحت ظل عرشه فلينظر معسرا


وروى الشيخان وغيرهما مرفوعا: تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم فقالوا أعملت من الخير شيئا؟ قال: لا، قالوا تذكر، قال: كنت أداين الناس، فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن الموسر، فقال الله تجاوزوا عنه، ومعنى تجوزوا عن الموسر: أي خذوا ما تيسر معه بقرينة الحديث الآتي. والله أعلم.


وفي رواية للشيخين: كان رجل يداين الناس، وكان يقول لفتاه: إذا أتيت معسرا فتجاوز عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فلقي الله فتجاوز عنه.


وفي رواية للنسائي مرفوعا: أن رجلا لم يعمل خيرا قط، وكان يداين الناس فيقول لرسوله خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، فلما هلك قال الله له؟ هل عملت خيرا قط؟ قال لا، إلا أنه كان لي غلام وكنت أداين الناس، فإذا بعثته يتقاضى قلت له خذ ما تيسر واترك ما عسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله تعالى قد تجاوزت عنك،


وروى الإمام أحمد وغيره مرفوعا: من أنظر معسرا قبل أن يحل الدين فله كل يوم مثله صدقة، فإذا حل فأنظره فله كل يوم مثليه صدقة. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين.


وروى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه مرفوعا: من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.


وروى الترمذي وقال حسن صحيح مرفوعا: <<من أنظر معسرا أو وضع له، أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظل إلا ظله. ومعنى وضع له: أي ترك له شيئا مما له عليه.


وروى ابن أبي الدنيا والطبراني مرفوعا: <<من أنظر معسرا إلى ميسرته، أنظره الله بذنبه إلى توبته والأحاديث في ذلك كثيرة. والله تعالى أعلم." اهـ

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الأنوار القدسية في شرح اسماء الله الحسنى واسرارها الخفية عبدالقادر حمود المكتبة الاسلامية 177 02-27-2019 11:56 AM
الانوار القدسية ودلائل النور-وصية سيدي الشيخ أحمد الجامي قدس سره محب الاحباب الآذكار والآدعية 7 09-23-2016 08:19 PM
القصيدة المحمدية صوت عبدالقادر حمود الصوتيات والمرئيات 0 12-14-2010 02:39 PM
لواقح الأنوار القدسية في بيان العهود المحمدية هيثم السليمان المكتبة الاسلامية 3 02-06-2010 02:13 PM
الشمائل المحمدية علاء الدين المواضيع الاسلامية 3 10-09-2009 06:14 PM


الساعة الآن 07:24 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir