أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > الرد على شبهات المخالفين

إضافة رد
قديم 04-22-2009
  #1
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم


الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الانبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين، وبعد:


قرأتُ لكم من كتاب (عوارف المعارف) لسيدي الشيخ العارف بالله السهروردي :

الباب التاسع في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم


فمن أولئك قوم يسمون نفوسهم قلندرية تارة وملامتية أخرى؛ وقد ذكرنا حال الملامتي، وأنه حال شريف ومقام عزيز، وتمسك بالسنن والآثار، وتحقق بالإخلاص والصدق، وليس مما يزعم المفتونون بشيء.

فأما القلندرية: فهو إشارة إلى أقوام ملكهم سكر طيبة قلوبهم حتى خربوا العادات، وطرحوا التقيـيد بآداب المجالسات والمخالطات، وساحوا في ميادين طيبة قلوبهم؛ فقلَّت أعمالهم من الصوم والصلاة إلا الفرائض، ولم يبالوا بتناول شيء من لذات الدنيا من كل ما كان مباحاً برخصة الشرع، وربما اقتصروا على رعاية الرخصة ولم يطلبوا حقائق العزيمة، ومع ذلك هم متمسكون بترك الادخار، وترك الجمع والاستكثار، ولا يترسمون بمراسم المتقشفين والمتزهدين والمتعبدين، وقنعوا بطيبة قلوبهم مع الله تعالى، واقتصروا على ذلك وليس عندهم تطلع إلى طلع مزيد سوى ما هم عليه من طيبة القلوب،

والفرق بـين الملامتي والقلندري: أن الملامتي يعمل في كتم العبادات، والقلندري يعمل في تخريب العادات، والملامتي يتمسك بكل أبواب البر والخير ويرى الفضل فيه، ولكن يخفي الأعمال والأحوال ويوقف نفسه موقف العوام في هيئته وملبوسه وحركاته وأموره ستراً للحال لئلا يفطن له، وهو مع ذلك متطلع إلى طلب المزيد باذل مجهوده، في كل ما يتقرب به العبـيد.

والقلندري لا يتقيد بهيئة ولا يبالي بما يعرف من حاله وما لا يعرف، ولا ينعطف إلا على طيبة القلوب وهو رأس ماله،

والصوفي يضع الأشياء مواضعها ويدبر الأوقات والأحوال كلها بالعلم، يقيم الخلق مقامه ويقيم أمر الحق مقامهم، ويستر ما ينبغي أن يستر ويظهر ما ينبغي أن يظهر، ويأتي بالأمور في موضعها بحضور عقل وصحة توحيد وكمال معرفة ورعاية صدق وإخلاص،

فقوم من المفتونين سموا أنفسهم ملامتية ولبسوا لبسة الصوفية لينتسبوا بها إلى الصوفية وما هم من الصوفية بشيء، بل هم في غرور وغلط، يتسترون بلبسة الصوفية توقيتاً تارة ودعوى أخرى، وينتهجون مناهج أهل الإباحة، ويزعمون أن ضمائرهم خلصت إلى الله تعالى، ويقولون: هذا هو الظفر بالمراد، والارتسام بمراسم الشريعة رتبة العوام والقاصرين الأفهام المنحصرين في مضيق الاقتداء تقليداً، وهذا هو عين الإلحاد والزندقة والإبعاد، فكل حقيقة ردتها الشريعة فهي زندقة، وجهل هؤلاء المغرورون أن الشريعة حق العبودية، والحقيقة هي حقيقة العبودية، ومن صار من أهل الحقيقة تقيد بحقوق العبودية وصار مطالباً بأمور وزيادات لا يطالب بها من لم يصل إلى ذلك، لا أنه يخلع عن عنقه ربقة التكليف ويخامر باطنه الزيغ والتحريف." اهـ.



يتبع إن شاء الله تعالى...
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #2
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

أخبرنا أبو زرعة عن أبـيه الحافظ المقدسي قال: أخبرنا أبو محمد الخطيب، حدثنا أبو بكر بن محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن أبـي داود، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس بن يزيد، قال: قال محمد يعني الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عتبة بن مسعود حدثه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله تعالى يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوى ذلك لم نأمنه وإن قال سريرتي حسنة، وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: من عرض نفسه للتهم فلا يلومنّ من أساء به الظن؛ فإذا رأينا متهاوناً بحدود الشرع مهملاً للصلوات المفروضات لا يعتد بحلاوة التلاوة والصوم والصلاة ويدخل في المداخل المكروهة المحرمة، نرده ولا نقبله ولا نقبل دعواه أن له سريرة صالحة.

أخبرنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب السهروردي إجازة، عن عمر بن أحمد، عن ابن خلف، عن السلمي؛ قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة، فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقوى إلى الله تعالى. فقال الجنيد: إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا؛ وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه يرجعون فيها، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة؛ إلا أن يحال بـي دونها؛ وإنها لآكد في معرفتي وأقوى لحالي. ومن جملة أولئك قوم يقولون بالحلول ويزعمون أن الله تعالى يحل فيهم ويحل في أجسام يصطفيها، ويسبق لأفهامهم معنى من قول النصارى في اللاهوت والناسوت." اهـ.


"أخبرنا أبو زرعة عن أبـيه الحافظ المقدسي قال: أخبرنا أبو محمد الخطيب، حدثنا أبو بكر بن محمد بن عمر، قال: حدثنا أبو بكر بن أبـي داود، قال: حدثنا أحمد بن صالح، قال: حدثنا عنبسة قال: حدثنا يونس بن يزيد، قال: قال محمد يعني الزهري، أخبرني حميد بن عبد الرحمن أن عبد الله بن عتبة بن مسعود حدثه قال: سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إن أناساً كانوا يؤخذون بالوحي على عهد رسول الله وإن الوحي قد انقطع، وإنما نأخذكم الآن بما ظهر من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيراً أمناه وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله تعالى يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوى ذلك لم نأمنه وإن قال سريرتي حسنة،

وعنه أيضاً رضي الله عنه قال: من عرض نفسه للتهم فلا يلومنّ من أساء به الظن؛ فإذا رأينا متهاوناً بحدود الشرع مهملاً للصلوات المفروضات لا يعتد بحلاوة التلاوة والصوم والصلاة ويدخل في المداخل المكروهة المحرمة، نرده ولا نقبله ولا نقبل دعواه أن له سريرة صالحة.

أخبرنا شيخنا ضياء الدين أبو النجيب السهروردي إجازة، عن عمر بن أحمد، عن ابن خلف، عن السلمي؛ قال: سمعت أبا بكر الرازي يقول: سمعت أبا محمد الجريري يقول: سمعت الجنيد يقول لرجل ذكر المعرفة، فقال الرجل: أهل المعرفة بالله يصلون إلى ترك الحركات من باب البر والتقوى إلى الله تعالى. فقال الجنيد: إن هذا قول قوم تكلموا بإسقاط الأعمال، وهذه عندي عظيمة، والذي يسرق ويزني أحسن حالاً من الذي يقول هذا؛ وإن العارفين بالله أخذوا الأعمال عن الله وإليه يرجعون فيها، ولو بقيت ألف عام لم أنقص من أعمال البر ذرة؛ إلا أن يحال بـي دونها؛ وإنها لآكد في معرفتي وأقوى لحالي." اهـ.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #3
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

"ومن جملة أولئك قوم يقولون بالحلول ويزعمون أن الله تعالى يحل فيهم ويحل في أجسام يصطفيها، ويسبق لأفهامهم معنى من قول النصارى في اللاهوت والناسوت. ومنهم من يستبـيح النظر إلى المستحسنات إشارة إلى هذا الوهم، ويتخايل له أن من قال كلمات في بعض غلباته كان مضمراً لشيء مما زعموه، مثل قول الحلاج: أنا الحق، وما يحكى عن أبـي يزيد من قوله: سبحاني، حاشا أن نعتقد في أبـي يزيد أنه يقول ذلك إلا على معنى الحكاية عن الله تعالى، وهكذا ينبغي أن يعتقد في قول الحلاج ذلك، ولو علمنا أنه ذكر ذلك القول مضمراً لشيء من الحلول رددناه كما نردهم،

وقد أتانا رسول الله بشريعة بـيضاء نقية يستقيم بها كل معوج، وقد دلتنا عقولنا على ما يجوز وصف الله تعالى به وما لا يجوز، والله تعالى منزه أن يحل به شيء أو يحل بشيء، حتى لعل بعض المفتونين يكون عنده ذكاء وفطنة غريزية. ويكون قد سمع كلمات تعلقت بباطنه فيتألف له في فكره كلمات ينسبها إلى الله تعالى وأنها مكالمة الله إياه، مثل أن يقول: قال لي وقلت له، وهذا رجل إما جاهل بنفسه وحديثها جاهل بربه وبكيفية المكالمة والمحادثة وإما عالم ببطلان ما يقول، يحمله هواه على الدعوى بذلك ليوهم أنه ظفر بشيء، وكل هذا ضلال، ويكون سبب تجرئه على هذا ما سمع من كلام بعض المحققين مخاطبات وردت عليهم بعد طول معاملات لهم ظاهرة وباطنة، وتمسكهم بأصول القوم من صدق التقوى وكمال الزهد في الدنيا، فلما صفت أسرارهم تشكلت في سرائرهم مخاطبات موافقة للكتاب والسنة، فنزلت بهم تلك المخاطبات عند استغراق السرائر، ولا يكون ذلك كلاماً يسمعونه بل كحديث في النفس يجدونه برؤية موافقاً للكتاب والسنة، مفهوماً عند أهله موافقاً للعلم، ويكون ذلك مناجاة لسرائرهم، ومناجاة سرائرهم إياهم، فيثبتون لنفوسهم مقام العبودية ولمولاهم الربوبـية، فيضيفون ما يجدونه إلى نفوسهم وإلى مولاهم، وهم مع ذلك عالمون بأن ذلك ليس كلام الله إنما هو علم حادث أحدثه الله في بواطنهم،

فطريق الأصحاء في ذلك الفرار إلى الله تعالى من كل ما تحدث نفوسهم به حتى إذا برئت ساحتهم من الهوى ألهموا في بواطنهم شيئاً ينسبونه إلى الله تعالى نسبة الحادث إلى المحدث لا نسبة الكلام إلى المتكلم، لينصانوا عن الزيغ والتحريف، ومن أولئك قوم يزعمون أنهم يغرقون في بحار التوحيد ولا يثبتون؟ ويسقطون لنفوسهم حركة وفعلاً يزعمون أنهم مجبورون على الأشياء وأن لا فعل لهم مع فعل الله، ويسترسلون في المعاصي وكل ما تدعو النفس إليه، ويركنون إلى البطالة ودوام الغفلة والاغترار بالله والخروج من الملة وترك الحدود والأحكام والحلال والحرام." اهـ.


"وقد سئل سهل عن رجل يقول: أنا كالباب لا أتحرك إلا إذا حركت، قال: هذا لا يقوله إلا أحد رجلين: إما صديق أو زنديق، لأن الصديق يقول هذا القول إشارة إلى أن قوام الأشياء بالله مع إحكام الأصول ورعاية حدود العبودية،

والزنديق يقول ذلك إحالة للأشياء على الله وإسقاطاً للأئمة عن نفسه وانخلاعاً عن الدين ورسمه، فأما من كان معتقداً للحلال والحرام والحدود والأحكام، معترفاً بالمعصية إذا صدرت منه معتقداً وجوب التوبة منها فهو سليم صحيح، وإن كان تحت القصور بما يركن إليه من البطالة ويتروح بهوى النفس إلى الأسفار والتردد في البلاد، متوصلاً إلى تناول اللذائذ والشهوات، غير متمسك بشيخ يؤدبه ويهذبه ويبصره بعيب ما هو فيه، والله الموفق." اهـ.





ويتبع من نقول اخرى ان شاء الله
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #4
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم





السلام عليكم ورحمة الله وبركاته



ومن الكتاب النفيس (حقائق عن التصوف) لسيدي الشيخ العارف بالله عبد القادر عيسى وقدّس سرّه ورفع درجاته ونفعنا وإياكم به وبعلومه وأنواره وبركاته وأسراره وإمداده في الدارين... اللهم آمين، اخترت لكم هذه المقاطع حول هذا الموضوع... أسأل الله تعالى أن يرزقني وإياكم وجميع السالكين حُسن الإتباع والعمل بقدر المستطاع...




1- "تصحيح الأفكار في موضوع الرضا:

هناك شبهات، أثارها بعض الجهلة حول موضوع الرضا، وما سببها إلا جهلهم وعدم تذوقهم لهذا المقام الرفيع، والإنسان عدو ما يجهل. أو يكون مَردُّها أنهم رأوا أُناساً من أدعياء التصوف، فاعتبروا أحوالهم الفاسدة ومفاهيمهم المنحرفة حجة على التصوف، دون أن يفرقوا بين السادة الصوفية الذين تحققوا بالإيمان والإسلام والإِحسان، وبين الدخلاء من أدعياء التصوف وإليك بعض هذه الشبهات مع الرد عليها.

أولاً: أنكر جماعة الرضا من أصله فقالوا: لا يُتصور الرضا بما يخالف الهوى، وإنما يُتصور الصبر فقط، فهل يعقل أن لا يحس الإِنسان بألم المصائب، ولا يشعر بوقع الخطوب ؟!
والجواب: إن الراضي قد يحس بالبلاء، ويتألم للمصيبة بحكم الطبع، ولكنه يرضى بها بعقله وإيمانه، لما يعتقد من عظم الأجر وجزالة الثواب على البلاء، فلا يعترض، ولا يتضجر، قال أبو علي الدقاق: (ليس الرضا أن لا تحس بالبلاء، إنما الرضا أن لا تعترض على الحكم والقضاء) ["الرسالة القشيرية" ص89].

ومثله في ذلك مثل المريض الذي يحس بألم حقنة الدواء، ويشعر بمرارة العلاج، ولكنه يرضى بذلك لعلمه أنه سبب الشفاء، حتى إنه ليفرح بمن يقدم له الدواء ولو كان مرَّ المذاق كريه الرائحة.

قال عمر رضي الله عنه: (ما ابتُليتُ ببلية إلا كان لله عليَّ فيها أربع نِعم: إذْ لم تكن في ديني، وإذ لم أحرم الرضا، وإذ لم تكن أعظم، وإذ رجوت الثواب عليها) ["شرح الطريقة المحمدية" ج2 ص105].

ومن ناحية أخرى: إن الراضي قد يحس بألم المصيبة بحكم الطبع، ولكنه يرضى بها حين يرجع إلى إيمانه بلطف الله تعالى وحكمته، وأن وراء كل فعل من أفعاله تعالى حِكماً خفية. ولطائف دقيقة، كما قال تعالى: {فعسى أنْ تكرَهوا شيئاً ويجعَلَ اللهُ فيه خيراً كثيراً}
[النساء: 19].

وبذلك يضمحل حزنه، ويزول تعجبه، ويعلم أن تعجبه كتعجب موسى عليه السلام من الخضر عليه السلام، لما خرق سفينة الأيتام، وقتل الغلام، وأعاد بناء الجدار، فلما كشف الخضر عن الحكمة التي اطلع عليها، زال تعجب موسى عليه السلام، وكان تعجبه بناء على ما أُخفي عنه من تلك الحكم ؛ وكذلك أفعال الله تعالى.

ومن جهة ثالثة: إن المؤمن الذي عمرت محبة الله تعالى قلبه، وأخذت عليه مجامع لبه لا يحس بوقع المصيبة، ولا يشعر بألمها، كما قيل:

. . . . . فما لجُرحٍ إذا أَرضاكم ألم ولا شك أن المحبة لا يحس بها إلا من ذاقها:

لا يعرف الوجد إلا من يكابدهولا الصبابة إلا من يعانيها ولذلك ينكرها من لم يصل إليها.

قال عامر بن قيس: (أحببتُ الله حباً هوَّن عليَّ كلَّ مصيبة، ورضَّاني بكل بليَّة، فلا أُبالي مع حبي إياه علام أصبحت وعلام أمسيت).

ثانياً: تسرَّعَ قوم فقالوا: إن الرضا يورث في المؤمن قبولاً لأعمال الفاسقين، واستحساناً لأوضاع العاصين، وهذا يؤدي إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

والجواب: أن هذا الفهم خطأ ظاهر، وجهل بيّن، فهل يعقل أن يهدم المؤمن حكماً من أحكام ربه، وركناً من دعائم دينه، وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟! مع العلم أن الله تعالى لا يرضى عن المؤمن إلا إذا أقام دينه، واتبع شريعته.

وهل يُتصور أن يرضى المؤمن بأفعال الكافر مع أن الله تعالى لا يرضى بها كما قال تعالى: {ولا يرضى لعبادِهِ الكفرَ} [الزمر: 7].

والحقيقة أنه لا تعارض بين الرضا بالله تعالى وبين إنكار المنكَر، لأن المؤمن يرضى بأفعال الله تعالى من حيث إنها صدرت من حكيم عليم، وأنها بقضائه ومشيئته، ولا يرضى بأفعال العصاة من حيث إنها صفتهم وكسبهم، ولأنها دلالة على أنهم ممقوتون من الله تعالى.


ثالثاً: ظن قوم خطأ أن من آثار الرضا بالله تعالى أن يترك الإنسان التضرع والدعاء، ويهمل اتخاذ الأسباب لجلب الخير ودفع البلاء، ويبتعد عن استعمال الدواء عند حصول الداء.

والجواب: أن هذا فهم غير صحيح، إذ في الحقيقة أن من جملة الرضا بالله تعالى؛ أن يعمل المؤمن أعمالاً يتوصل بها إلى رضاء محبوبه سبحانه، وأن يترك كل ما يخالف أمره ويناقض رضاه.

ومما يوصل إلى رضاء الله تعالى استجابة أمره في قوله: {ادعوني أستَجِبْ لكُم} [غافر: 60].

فالدعاء مخ العبادة، وهو يورث في القلب صفاءً وخشوعاً ورقةً تجعله مستعداً لقبول الألطاف والأنوار.

ثم إن ترك الأسباب مخالف لأمر الله تعالى ومناقض لرضاه، فالله تعالى أمر بالعمل فقال: {وقُلِ اعملُوا فَسَيَرى اللهُ عمَلَكُم ورسولُه والمؤمنون} [التوبة: 105]. ودعا إلى السعي في طلب الرزق فقال: {هوَ الذي جَعَلَ لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكِبِها وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: 15].

فليس من الرضا للعطشان أن لا يمد يده للماء؛ زاعماً أنه رضي بالعطش الذي هو من قضاء الله ؛ بل قضاء الله وحكمه وإرادته أن يُزال العطش بالماء

وحين أراد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أن يمنع جيش المسلمين من دخول الشام حذراً من الطاعون، قال له سيدنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه: (أفراراً من قدر الله ؟! فأجابه سيدنا عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة! نحن نفِرُّ من قدر الله إلى قدره) [رواه البخاري في صحيحه في كتاب الطب باب ما يذكر في الطاعون عن ابن عباس رضي الله عنهما. ورواه مسلم في صحيحه في كتاب السلام باب الطاعون].

فليس في الرضا بالقضاء ما يستلزم الخروج عن حدود الشرع، ولكن الرضا بقضاء الله تعالى معناه ترك الاعتراض عليه تعالى ظاهراً وباطناً، مع بذل الوسع للتوصل إلى ما يحبه الله تعالى ويرضاه، وذلك بفعل أوامره وترك نواهيه.

وختاماً: فإن في سيرة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وخلفائه وصحابته الكرام رضوان الله عليهم والتابعين والصالحين فيض من الحوادث التي تدل على تحققهم بأعلى درجات الرضا، مما يضيق المجال عن سرد الكثير منها، ضُرب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الطائف بالحجارة حتى أُدمي عقبه فتوجه إلى الله تعالى مخاطباً: ومما قال: "إن لم تكن ساخطاً عليَّ فلا أُبالي".
وكان الصحابة الكرام يُعَذَّبُون في مكة ويقلب عليهم ألوان التنكيل والإيذاء وهم يتلقون ذلك كله بقلوب راضية، ووجوه مبتسمة، وألسنة ذاكرة.

وروي أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما قطعت رجله ومات أعز أولاده في ليلة واحدة، فدخل عليه أصحابه وعزوه فقال: (اللهم لك الحمد، كان أولادي سبعة فأخذت واحداً وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحداً وأبقيت ثلاثة، فلئن كنتَ قد أخذت فلقد أعطيت، ولئن كنتَ قد ابتليتَ فقد عافيت).

وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (ما بقي لي سرور إلا مواقع القدر، قيل له: ما تشتهي ؟ قال: ما يقضي الله تعالى).

واعلم أن الله تعالى لا يرضى عن عبده إلا إذا رضي العبد عن ربه في جميع أحكامه وأفعاله، وعندها يكون الرضا متبادلاً كما أشار إلى ذلك الحق تعالى بقوله: {رضيّ اللهُ عنهُم ورَضُوا عنهُ} [البينة: 8].

ولقد أدرك السادة الصوفية سر هذا التلازم والترابط بين الرضاءين، فقد كان سفيان الثوري يوماً عند رابعة العدوية فقال: (اللهم ارض عني، فقالت: أما تستحي من الله أن تسأله الرضا، وأنت عنه غير راض ؟! فقال: استغفر الله) [إحياء علوم الدين للغزالي ج4. ص336].

ورضاء الله تعالى عن العبد هو أسمى منزلة وأرفع رتبة وأعظم منحة قال تعالى: {ومساكِنَ طيِّبَةً في جنَّاتٍ عدْنٍ ورضوانٌ مِنَ اللهِ أكبَرُ} [التوبة: 72]. فرضوان رب الجنة أعلى من الجنة، بل هو غاية مطلب سكان الجنة، كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! يقولون: لبيك ربنا وسعديك، فيقول: هل رضيتم، فيقولون: وما لنا لا نرضى وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحداً من خلقك فيقول: أنا أعطيكم أفضل من ذلك. قالوا: يا رب وأي شيءٍ أفضل من ذلك ؟ فيقول: أُحِلَّ عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً" [رواه البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق باب صفة الجنة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه]." اهـ



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #5
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

ولنواصل القراءة في الأقوال المأثورة عن الإنتماءات المشبوهة لطرق ساداتنا الصوفية :


ففي السفر العظيم (إحياء علوم الدين) لمولانا الإمام أبي حامد الغزالي رضي الله عنه ورفع درجاته في جناته ونفعنا وإيّاكم وجميع مَن أحبّه، به وبعلومه وأنواره وبركاته وأسراره وإمداده في الدارين... اللهم آمين، يقول في كتاب ذم الغرور
:




"الصنف الثالث: المتصوّفة وما أغلب الغرور عليهم والمغترون منهم فرق كثيرة.

ففرقة منهم: وهو متصوّفة أهل الزمان إلا من عصمة الله اغتروا بالزي والهيئة والمنطق، فساعدوا الصادقين من الصوفية في زيهم وهيئتهم وفي ألفاظهم وفي آدابهم ومراسمهم واصطلاحاتهم، وفي أحوالهم الظاهرة في السماع والرقص والطهارة والصلاة والجلوس على السجادات مع إطراق الرأس وإدخاله في الجيب كالمتفكر وفي تنفس الصعداء وفي خفض الصوت في الحديث إلى غير ذلك من الشمائل والهيئات، فلما تكلفوا هذه الأمور وتشبهوا بهم فيها ظنوا أنهم أيضاً صوفية ولم يتعبوا قط في المجاهدة والرياضة ومراقبة القلب، وتطهير الباطن والظاهر من الآثام الخفية والجلية، وكل ذلك من أوائل منازل التصوف، ولو فرغوا عن جميعها لما جاز لهم أن يعدوا أنفسهم في الصوفية؟ كيف ولم يحوموا قط حولها ولم يسوموا أنفسهم شيئاً منها؟ بل يتكالبون على الحرام والشبهات وأموال السلاطين ويتنافسون في الرغيف والفلس والحبة ويتحاسدون على النقير والقطمير، ويمزق بعضهم أعراض بعض مهما خالفه في شيء من غرضه.

وهؤلاء غرورهم ظاهر ومثالهم مثال امرأة عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال من المقاتلين ثبتت أسماؤهم في الديوان ويقطع لكل واحد منهم قطر من أقطار المملكة، فتاقت نفسها إلى أن يقطع لها مملكة فلبست درعاً ووضعت على رأسها مغفراً وتعلمت من رجز الأبطال أبـياتاً وتعودت إيراد تلك الأبـيات بنغماتهم حتى تيسرت عليها وتعلمت كيفية تبخترهم في الميدان وكيف تحريكهم الأيدي وتلفقت جميع شمائلهم في الزي والمنطق والحركات والسكنات، ثم توجهت إلى المعسكر ليثبت اسمها في ديوان الشجعان، فلما وصلت إلى المعسكر أنفذت إلى ديوان العرض وأمر بأن تجرد عن المغفر والدرع وينظر ما تحته وتمتحن بالمبارزة مع بعض الشجعان ليعرف قدر عنائها في الشجاعة، فلما جردت عن المغفر والدرع فإذا هي عجوز ضعيفة زمنة لا تطيق حمل الدرع والمغفر؟ فقيل لها أجئت للاستهزاء بالملك وللاستخفاف بأهل حضرته والتلبـيس عليهم خذوها فألقوها قدام الفيل لسخفها فألقيت إلى الفيل. فهكذا يكون حال المدعين للتصوف في القيامة إذا كشف عنهم الغطاء وعرضوا على القاضي الأكبر الذي لا ينظر إلى الزي والمرقع بل إلى سرّ القلب." اهـ



"وفرقة أخرى: زادت على هؤلاء في الغرور إذ شق عليها الاقتداء بهم في بذاذة الثياب والرضا بالدون، فأرادت أن تتظاهر بالتصوف ولم تجد بدّاً من التزين بزيهم فتركوا الحرير والإبريسم وطلبوا المرقعات النفيسة والفوط الرقيقة والسجادات المصبغة ولبسوا من الثياب ما هو أرفع قيمةً من الحرير والإبريسم، وظن أحدهم مع ذلك أنه متصوّف بمجرّد لون الثوب وكونه مرقعاً، ونسي أنهم إنما لونوا الثياب لئلا يطول عليهم غسلها كل ساعة لإزالة الوسخ، وإنما لبسوا المرقعات إذ كانت ثيابهم مخرقة فكانوا يرقعونها ولا يلبسون الجديد فأما تقطيع الفوط الرقيقة قطعة قطعة وخياطة المرقعات منها فمن أين يشبه ما اعتادوه؟

فهؤلاء أظهر حماقة من كافة كافة المغرورين، فإنهم يتنعمون بنفيس الثياب ولذيذ الأطعمة ويطلبون رغد العيش ويأكلون أموال السلاطين ولا يجتنبون المعاصي الظاهرة فضلاً عن الباطنة وهم مع ذلك يظنون بأنفسهم الخير وشر هؤلاء مما يتعدى إلى الخلق إذ يهلك من يقتدي بهم، ومن لا يقتدي بهم تفسد عقيدته في أهل التصوف كافة ويظنّ أن جميعهم كانوا من جنسه فيطول اللسان في الصادقين منهم، وكل ذلك من شؤم المتشبهين وشرهم." اهـ

__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #6
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

"وفرقة أخرى: ادعت علم المعرفة ومشاهدة الحق ومجاوزة المقامات والأحوال والملازمة في عين الشهود والوصول إلى القرب، ولا يعرف هذه الأمور إلا بالأسامي والألفاظ لأنه تلقف من ألفاظ الطامات كلمات فهو يرددها ويظن أن ذلك أعلى من علم الأولين والآخرين، فهو ينظر إلى الفقهاء والمفسرين والمحدثين وأصناف العلماء بعين الازدراء فضلاً عن العوام، حتى إن الفلاح ليترك فلاحته والحائك يترك حياكته ويلازمهم أياماً معدودة ويتلقف منهم تلك الكلمات المزيفة فيرددها كأنه يتكلم عن الوحي ويخبر عن سر الأسرار، ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء، فيقول في العباد إنهم أجراء متعبون، ويقول في العلماء إنهم بالحديث عن الله محجوبون؛ ويدعي لنفسه أنه الواصل إلى الحق وأنه من المقربـين، وهو عند الله من الفجار المنافقين، وعند أرباب القلوب من الحمقى الجاهلين لم يحكم قط علماً ولم يهذب خلقاً ولم يرتب عملاً ولم يراقب قلباً سوى اتباع الهوى وتلقف الهذيان وحفظه." اهـ

" وفرقة أخرى: وقعت في الإباحة وطووا بساط الشرع ورفضوا الأحكام وسووا بـين الحلال والحرام فبعضهم يزعم أن الله مستغن عن عملي فلم أتعب نفسي، وبعضهم يقول: قد كلف الناس تطهير القلوب عن الشهوات وعن حب الدنيا وذلك محال فقد كلفوا ما لا يمكن، وإنما يغتر به من لم يجرب، وأما نحن فقد جربنا وأدركنا أن ذلك محال.

ولا يعلم الأحمق أن الناس لم يكلفوا قلع الشهوة والغضب من أصلهما بل إنما كلفوا قلع مادتهما بحيث ينقاد كل واحد منهما لحكم العقل والشرع. وبعضهم يقول: الأعمال بالجوارح لا وزن لها، وإنما النظر إلى القلوب وقلوبنا والهة بحب الله وواصلة إلى معرفة الله وإنما نخوض في الدنيا بأبداننا وقلوبنا عاكفة في حضرة الربوبـية فنحن مع الشهوات بالظواهر لا بالقلوب، ويزعمون أنهم قد ترقوا عن رتبة العوام واستغنوا عن تهذيب النفس بالأعمال البدنية وأن الشهوات لا تصدهم عن طريق الله لقوتهم فيها، ويرفعون درجة أنفسهم على درجة الأنبـياء عليهم الصلاة والسلام إذ كانت تصدهم عن طريق الله خطيئة واحدة. حتى كانوا يبكون عليها وينوحون سنين متوالية، وأصناف غرور أهل الإباحة من المتشبهين بالصوفية لا تحصى، وكل ذلك بناء على أغاليط ووساوس يخدعهم الشيطان بها لاشتغالهم بالمجاهدة قبل أحكام العلم ومن غير اقتداء بشيخ متقن في الدين والعلم صالح للاقتداء به وإحصاء أصنافهم يطول." اهـ


" وفرقة أخرى: جاوزت حدّ هؤلاء واجتنبت الأعمال وطلقت الحلال واشتغلت بتفقد القلب وصار أحدهم يدعي المقامات من الزهد والتوكل والرضا والحب من غير وقوف على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها.

فمنهم من يدعي الوجد والحب لله تعالى ويزعم أنه واله بالله ولعله قد تخيل في الله خيالات هي بدعة أو كفر فيدعي حب الله قبل معرفته، ثم إنه لا يخلو عن مقارفة ما يكره الله عز وجل وعن إيثار هوى نفسه على أمر الله وعن ترك بعض الأمور حياء من الخلق، ولو خلا لما تركه حياء من الله تعالى.

وليس يدري أن أكل ذلك يناقض الحب، وبعضهم ربما يميل إلى القناعة والتوكل فيخوض البوادي من غير زاد ليصحح دعوى التوكل، وليس يدري أن ذلك بدعة لم تنقل عن السلف والصحابة وقد كانوا أعرف بالتوكل منه، فما فهموا أن التوكل المخاطرة بالروح وترك الزاد بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله تعالى لا على الزاد، وهذا ربما يترك الزاد وهو متوكل على سبب من الأسباب واثق به، وما من مقام من المقامات المنجيات إلا وفيه غرور وقد اغتر به قوم وقد ذكرنا مداخل الآفات في ربع المنجيات من الكتاب فلا يمكن إعادتها." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #7
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

" وفرقة أخرى: ضيقت على نفسها في أمر القوت حتى طلبت منه الحلال الخالص وأهملوا تفقد القلب والجوارح في غير هذه الخصلة الواحدة، ومنهم من أهمل الحلال في مطعمه وملبسه ومسكنه وأخذ يتعمق في غير ذلك، وليس يدري المسكين أن الله تعالى لم يرض من عبده بطلب الحلال فقط ولا يرضى بسائر الأعمال دون طلب الحلال، بل لا يرضيه إلا تفقد جميع الطاعات والمعاصي. فمن ظن أن بعض هذه الأمور يكفيه وينجيه فهو مغرور." اهـ





" وفرقة أخرى: ادعوا حسن الخلق والتواضع والسماحة فتصدّوا لخدمة الصوفية فجمعوا قوماً وتكلفوا بخدمتهم واتخذوا ذلك شبكة للرئاسة وجمع المال، وإنما غرضهم التكبر، وهم يظهرون الخدمة والتواضع وغرضهم الارتفاع، وهم يظهرون أن غرضهم الإرفاق وغرضهم الاستتباع، وهم يظهرون أن غرضهم الخدمة والتبعية ثم إنهم يجمعون من الحرام والشبهات وينفقون عليهم لتكثر أتباعهم وينشر بالخدمة اسمهم، وبعضهم يأخذ أموال السلاطين ينفق عليهم، وبعضهم يأخذها لينفق في طريق الحج على الصوفية ويزعم أن غرضه البر والإنفاق، وباعث جميعم الرياء والسمعة، وآية ذلك إهمالهم لجميع أوامر الله تعالى عليهم ظاهراً وباطناً ورضاهم بأخذ الحرام والإنفاق منه. ومثال من ينفق الحرام في طريق الحج لإرادة الخير كمن يعمر مساجد الله فيطينها بالعذرة ويزعم أن قصده العمارة." اهـ


" وفرقة أخرى: اشتغلوا بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق وتطهير النفس من عيوبها وصاروا يتعمقون فيها فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خدعها علماً وحرفة، فهم في جميع أحوالهم مشغولون بالفحص عن عيوب النفس واستنباط دقيق الكلام في آفاتها، فيقولون هذا في النفس عيب والغفلة عن كونه عيباً عيب، والالتفات إلى كونه عيباً عيب، ويشغفون فيه بكلمات مسلسلة تضيع الأوقات في تلفيقها ومن جعل طول عمره في التفتيش عن عيوب النفس وتحرير علم علاجها كان كمن اشتغل بالتفتيش عن عوائق الحج وآفاته ولم يسلك طريق الحج فذلك لا يغنيه." اهـ

" وفرقة أخرى: جاوزوا هذه الرتبة وابتدؤوا سلوك الطريق وانفتحت لهم أبواب المعرفة، فكلما تشمموا من مبادىء المعرفة رائحة تعجبوا منها وفرحوا بها وأعجبتهم غرابتها فتقيدت قلوبهم بالالتفاف إليها والتفكر فيها، وفي كيفية انفتاح بابها عليهم وانسداده على غيرهم، وكل ذلك غرور لأن عجائب طريق الله ليس لها نهاية، فلو وقف مع كل أعجوبة وتقيد بها قصرت خطاه وحرم الوصول إلى المقصد وكان مثاله مثال من قصد ملكاً فرأى على باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار لم يكن قد رأى قبل ذلك مثلها، فوقف ينظر إليها ويتعجب حتى فاته الوقت الذي يمكن فيه لقاء الملك." اهـ
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #8
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

" وفرقة أخرى: جاوزوا هؤلاء ولم يلتفتوا إلى ما يفيض عليهم من الأنوار في الطريق ولا إلى ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة ولم يعرجوا على الفرح بها والالتفات إليها جادين في السير حتى قاربوا فوصلوا إلى حدّ القربة إلى الله تعالى، فظنوا أنهم قد وصلوا إلى الله فوقفوا وغلطوا فإن لله تعالى سبعين حجاباً من نور لا يصل السالك إلى حجاب من تلك الحجب في الطريق إلا ويظن أنه قد وصل.

وإليه الإشارة بقول إبراهيم عليه السلام إذ قال الله تعالى إخباراً عنه: {فَلَمَّا جَنَّ عَليهِ اللَّيلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّـي} وليس المعنى به هذه الأجسام المضيئة فإنه كان يراها في الصغر ويعلم أنها ليست آلهة وهي كثيرة وليست واحداً، والجهال يعلمون أن الكوكب ليس بإله فمثل إبراهيم عليه السلام لا يغرّه الكوكب الذي لا يغرّ السوادية. ولكن المراد به أنه نور من الأنوار التي هي من حجب الله عز وجل وهي على طريق السالكين، ولا يتصوّر الوصول إلى الله تعالى إلا بالوصول إلى هذه الحجب، وهي حجب من نور بعضها أكبر من بعض وأصغر النيرات الكوكب فاستعير له لفظه وأعظمها الشمس وبـينهما رتبة القمر، فلم يزل إبراهيم عليه السلام لما رأى ملكوت السموات حيث قال تعالى: {وَكَذَلِكَ نُري إبْراهيمَ مَلَكُوتَ السَّمَواتِ والأرْضِ} يصل إلى نور بعد نور ويتخيل إليه في أوّل ما كان يلقاه أنه قد وصل، ثم كان يكشف له أن وراءه أمراً فيترقى إليه ويقول: قد وصلت فيكشف له ما وراءه حتى وصل إلى الحجاب الأقرب الذي لا وصول إلا بعده، فقال: {هذَا أكْبَرُ} فلما ظهر له أنه مع عظمه غير خال عن الهوى في حضيض النقص والانحطاط عن ذروة الكمال {قال لا أحب الآفلين} إلى أن قال: {إنِّي وَجَّهْتُ وَجْهي للَّذي فَطَرَ السَّمواتِ والأرْضَ}

وسالك هذه الطريق قد يغتر في الوقوف على بعض هذه الحجب وقد يغتتر بالحجاب الأول، وأوّل الحجب بـين الله وبـين العبد هو نفسه فإنه أيضاً أمر رباني وهو نور من أنوار الله تعالى؛ أعني سر القلب الذي تتجلى فيه حقيقة الحق كله حتى أنه ليتسع لجملة العالم ويحيط به وتتجلى فيه صورة الكل، وعند ذلك يشرق نوره إشراقاً عظيماً إذ يظهر فيه الوجود كله على ما هو عليه وهو في أوّل الأمر محجوب بمشكاة هي كالساتر له فإذا تجلى نوره وانكشف جمال القلب بعد إشراق نور الله عليه ربما التفت صاحب القلب إلى القلب فيرى من جماله الفائق ما يدهشه، وربما يسبق لسانه في هذه الدهشة فيقول: أنا الحق فإن لم يتضح له ما وراء ذلك اغتر به ووقف عليه وهلك، وكان قد اغتر بكوكب صغير من أنوار الحضرة الإلهية ولم يصل بعد إلى القمر فضلاً عن الشمس فهو مغرور وهذا محل الالتباس، إذ المتجلي يلتبس بالمتجلى فيه كما يلتبس لون ما يتراءى في المرآة بالمرآة فيظن أنه لون المرآة، وكما يلتبس ما في الزجاج بالزجاج كما قيل:




رقّ الزجاج ورقّتِ الخمرُ = فتشابها فتشاكل الأمر
فكأنما خمرٌ ولا قدحٌ = وكأنما قدحٌ ولا خمر



وبهذه العين نظر النصارى إلى المسيح فرأوا إشراق نور الله قد تلألأ فيه فغلطوا فيه كمن يرى كوكباً في مرآة أو في ماء فيظن أن الكوكب في المرآة أو في الماء فيمدّ يده إليه ليأخذه وهو مغرور،

وأنواع الغرور في طريق السلوك إلى الله تعالى لا تحصى في مجلدات ولا تستقصى إلا بعد شرح جميع علوم المكاشفة، وذلك مما لا رخصة في ذكره، ولعل القدر الذي ذكرناه أيضاً كان الأولى تركه إذ السالك لهذا الطريق لا يحتاج إلى أن يسمعه من غيره، والذي لم يسلكه لاينتفع بسماعه بل ربما يستضر به إذ يورثه ذلك دهشة من حيث يسمع ما لا يفهم، ولكن فيه فائدة وهو إخراجه من الغرور الذي هو فيه بل ربما يصدّق بأنّ الأمر أعظم مما يظنه ومما يتخيله بذهنه المختصر وخياله القاصر وجدله المزخرف ويصدّق أيضاً بما يحكى له من المكاشفات التي أخبر عنها أولياء الله، ومن عظم غروره ربما أصر مكذباً بما يسمعه الآن كما يكذب بما سمعه من قبل." اهـ (إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب ذم الغرور)



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #9
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

ونواصل في ذكر أمثلة المتصوفة الذين ينتسبون إلى القوم وهم ليسوا منهم، حيث يقول سيدّنا الإمام أبو حامد الغزالي في سفره العظيم (إحياء علوم الدين) :



"وأما السياحة في الأرض على الدوام فمن المشوشات للقلب إلا في حق الأقوياء، فإن المسافر وماله لعلى قلق إلا ما وقى الله، فلا يزال المسافر مشغول القلب تارة بالخوف على نفسه وماله، وتارة بمفارقة ما ألفه واعتاده في إقامته. وإن لم يكن معه مال يخاف عليه فلا يخلو عن الطمع والاستشراف إلى الخلق، فتارة يضعف قلبه بسبب الفقر، وتارة يقوى باستحكام أسباب الطمع. ثم الشغل بالحط والترحال مشوش لجميع الأحوال، فلا ينبغي أن يسافر المريد إلا في طلب علم أو مشاهدة شيخ يقتدي به في سيرته وتستفاد الرغبة في الخير من مشاهدته، فإن اشتغل بنفسه واستبصر وانفتح له طريق الفكر أو العمل فالسكون أولى به،


إلا أن أكثر متصوفة هذه الأعصار ـ لما خلت بواطنهم عن لطائف الأفكار ودقائق الأعمال ولم يحصل لهم أنس بالله تعالى وبذكره في الخلوة وكانوا بطالين غير محترفين ولا مشغولين ـ قد ألفوا البطالة واستثقلوا العمل، واستوعروا طريق الكسب وأستلانوا جانب السؤال والكدية، واستطابوا الرباطات المبنية لهم في البلاد، واستسخروا الخدم المنتصبـين للقيام بخدمة القوم واستخفوا عقولهم وأديانهم: من حيث لم يكن قصدهم من الخدمة إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت واقتناص الأموال بطريق السؤال تعللاً بكثرة الأتباع، فلم يكن لهم في الخانقاهات حكم نافذ، ولا تأديب للمريدين نافع، ولا حجر عليهم قاهر، فلبسوا المرقعات واتخذوا في الخانقاهات متنزهات، وربما تلقفوا ألفاظاً مزخرفة من أهل الطامات، فينظرون إلى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في خرقتهم وفي سياحتهم وفي لفظهم وعبارتهم وفي آداب ظاهرة من سيرتهم، فيظنون بأنفسهم خيراً ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويعتقدون أن كل سوداء تمرة، ويتوهمون أنّ المشاركة في الظاهر توجب المساهمة في الحقائق وهيهات فما أغزر حماقة من لا يميز بـين الشحم والورم؟


فهؤلاء بغضاء الله فإن الله تعالى يبغض الشاب الفارغ. ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ، إلا من سافر لحج أو عمرة في غير رياء ولا سمعة، أو سافر لمشاهدة شيخ يقتدي به في علمه وسيرته وقد خلت البلاد عنه الآن والأمور الدينية كلها قد فسدت وضعفت إلا التصوف فإنه قد انمحق بالكلية وبطل، لأنّ العلوم لم تندرس بعد، والعالم وإن كان عالم سوء فإنما فساده في سيرته لا في علمه، فيبقى عالماً غير عامل بعلمه، والعمل غير العلم." اهـ (إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب آداب السفر)


ومن أمثلة المتصوفة الذين ينتسبون إلى القوم وليسوا منهم، ما ذكره الشيخ إبن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه القيّم (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) :


"ومن كيده [أي إبليس اللعين]: ما ألقاه إلى جُهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم فى قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم فى أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم: أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى الكشف العيان، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها، وتصفية الأخلاق والتجافى عما عليه أهل الدنيا، وأهل الرياسة والفقهاء، وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شىء، حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم، فلما خلا من صورة العلم الذى جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل، وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفا وعيانا، فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا: لكم العلم الظاهر، ولنا الكشف الباطن، ولكم ظاهر الشريعة، وعندنا باطن الحقيقة، ولكم القشور ولنا اللباب، فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل عن النهار، ثم أحالهم فى سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها عن الآيات البينات، وأنها من قبل الله سبحانه إلهامات وتعريفات فلا تعرض على السنة والقرآن، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان.


فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات، وأنواع الهذيان. وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم. " اهـ




" فصل


ثم إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته. وقبلوا قوله، وأطاعوه، ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام أو صلى كصلاته، فوضوؤه باطل، وصلاته غير صحيحة. ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام فى مؤاكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين، أنه قد صار نجساً يجب عليه تسبيع يده وفيه، كما لو ولغ فيهما كلب أو بال عليهما هر. " اهـ (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية)


يتبع إن شاء الله تعالى.....
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 04-22-2009
  #10
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,181
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: في ذكر من انتمى إلى الصوفية وليس منهم

ونواصل في ذكر أمثلة المتصوفة الذين ينتسبون إلى القوم وهم ليسوا منهم، حيث يقول سيدّنا الإمام أبو حامد الغزالي في سفره العظيم (إحياء علوم الدين) :



"وأما السياحة في الأرض على الدوام فمن المشوشات للقلب إلا في حق الأقوياء، فإن المسافر وماله لعلى قلق إلا ما وقى الله، فلا يزال المسافر مشغول القلب تارة بالخوف على نفسه وماله، وتارة بمفارقة ما ألفه واعتاده في إقامته. وإن لم يكن معه مال يخاف عليه فلا يخلو عن الطمع والاستشراف إلى الخلق، فتارة يضعف قلبه بسبب الفقر، وتارة يقوى باستحكام أسباب الطمع. ثم الشغل بالحط والترحال مشوش لجميع الأحوال، فلا ينبغي أن يسافر المريد إلا في طلب علم أو مشاهدة شيخ يقتدي به في سيرته وتستفاد الرغبة في الخير من مشاهدته، فإن اشتغل بنفسه واستبصر وانفتح له طريق الفكر أو العمل فالسكون أولى به،


إلا أن أكثر متصوفة هذه الأعصار ـ لما خلت بواطنهم عن لطائف الأفكار ودقائق الأعمال ولم يحصل لهم أنس بالله تعالى وبذكره في الخلوة وكانوا بطالين غير محترفين ولا مشغولين ـ قد ألفوا البطالة واستثقلوا العمل، واستوعروا طريق الكسب وأستلانوا جانب السؤال والكدية، واستطابوا الرباطات المبنية لهم في البلاد، واستسخروا الخدم المنتصبـين للقيام بخدمة القوم واستخفوا عقولهم وأديانهم: من حيث لم يكن قصدهم من الخدمة إلا الرياء والسمعة وانتشار الصيت واقتناص الأموال بطريق السؤال تعللاً بكثرة الأتباع، فلم يكن لهم في الخانقاهات حكم نافذ، ولا تأديب للمريدين نافع، ولا حجر عليهم قاهر، فلبسوا المرقعات واتخذوا في الخانقاهات متنزهات، وربما تلقفوا ألفاظاً مزخرفة من أهل الطامات، فينظرون إلى أنفسهم وقد تشبهوا بالقوم في خرقتهم وفي سياحتهم وفي لفظهم وعبارتهم وفي آداب ظاهرة من سيرتهم، فيظنون بأنفسهم خيراً ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً، ويعتقدون أن كل سوداء تمرة، ويتوهمون أنّ المشاركة في الظاهر توجب المساهمة في الحقائق وهيهات فما أغزر حماقة من لا يميز بـين الشحم والورم؟


فهؤلاء بغضاء الله فإن الله تعالى يبغض الشاب الفارغ. ولم يحملهم على السياحة إلا الشباب والفراغ، إلا من سافر لحج أو عمرة في غير رياء ولا سمعة، أو سافر لمشاهدة شيخ يقتدي به في علمه وسيرته وقد خلت البلاد عنه الآن والأمور الدينية كلها قد فسدت وضعفت إلا التصوف فإنه قد انمحق بالكلية وبطل، لأنّ العلوم لم تندرس بعد، والعالم وإن كان عالم سوء فإنما فساده في سيرته لا في علمه، فيبقى عالماً غير عامل بعلمه، والعمل غير العلم." اهـ (إحياء علوم الدين للغزالي - كتاب آداب السفر)


ومن أمثلة المتصوفة الذين ينتسبون إلى القوم وليسوا منهم، ما ذكره الشيخ إبن القيّم رحمه الله تعالى في كتابه القيّم (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان) :


"ومن كيده [أي إبليس اللعين]: ما ألقاه إلى جُهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم فى قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم فى أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم: أن وراء العلم طريقا إن سلكوه أفضى بهم إلى الكشف العيان، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها، وتصفية الأخلاق والتجافى عما عليه أهل الدنيا، وأهل الرياسة والفقهاء، وأرباب العلوم والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شىء، حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم، فلما خلا من صورة العلم الذى جاء به الرسول نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له من أنواع الباطل، وخيله للنفس حتى جعله كالمشاهد كشفا وعيانا، فإذا أنكره عليهم ورثة الرسل قالوا: لكم العلم الظاهر، ولنا الكشف الباطن، ولكم ظاهر الشريعة، وعندنا باطن الحقيقة، ولكم القشور ولنا اللباب، فلما تمكن هذا من قلوبهم سلخها من الكتاب والسنة والآثار كما ينسلخ الليل عن النهار، ثم أحالهم فى سلوكهم على تلك الخيالات، وأوهمهم أنها عن الآيات البينات، وأنها من قبل الله سبحانه إلهامات وتعريفات فلا تعرض على السنة والقرآن، ولا تعامل إلا بالقبول والإذعان.


فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات، وأنواع الهذيان. وكلما ازدادوا بعدا وإعراضا عن القرآن وما جاء به الرسول كان هذا الفتح على قلوبهم أعظم. " اهـ




" فصل


ثم إن طائفة الموسوسين قد تحقق منهم طاعة الشيطان، حتى اتصفوا بوسوسته. وقبلوا قوله، وأطاعوه، ورغبوا عن اتباع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وصحابته، حتى إن أحدهم ليرى أنه إذا توضأ وضوء رسول الله عليه الصلاة والسلام أو صلى كصلاته، فوضوؤه باطل، وصلاته غير صحيحة. ويرى أنه إذا فعل مثل فعل رسول الله عليه الصلاة والسلام فى مؤاكلة الصبيان، وأكل طعام عامة المسلمين، أنه قد صار نجساً يجب عليه تسبيع يده وفيه، كما لو ولغ فيهما كلب أو بال عليهما هر. " اهـ (إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان لابن القيم الجوزية)


يتبع إن شاء الله تعالى.....
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الشهداء منهم محمد الميانى المواضيع الاسلامية 0 03-23-2015 12:31 PM
ديمقراطيتنا خادمة للإسلام وليس العكس admin الصوتيات والمرئيات 1 05-05-2012 05:02 PM
التعدد نعمة وليس نقمة عبدالقادر حمود القسم العام 9 01-11-2012 04:43 PM
النقاب عبادة وليس عادة ساره القسم العام 10 12-26-2009 06:27 PM
احذروا منهم أبو أنور القسم العام 11 09-10-2009 05:44 AM


الساعة الآن 07:05 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir