أوراق مسافر.. أرض حافلة بالتراث



ربما كان المغرب العربي من أهم المحطات التي ازدهرت فيها الحضارة العربية، وقد تجلى ذلك واضحاً في الآثار التي مازالت شامخة تحكي عن عبقرية العربي في ذلك الحين وإبداعه، في فترة كانت فيها شمس الحضارة تلقي بنورها على العالم فتضيء الظلمة وتطهر النفوس وتزرع فيها الخير والمحبة..

بدأ الفن المعماري العربي في المغرب مع دولة الأدارسة في بدايات القرن الثالث الهجري التاسع الميلادي، وتطور هذا الفن الذي يظهر جلياً في أعظم مآثرنا التاريخية (جامع القرويين). ‏

وحين وحد يوسف بن تاشفين المغرب في منتصف القرن الخامس الهجري إلى الرابع عشر الميلادي، ظهرت مراكش التي تحفل بالآثار الاسلامية أيضاً... كما ترك المرابطون قبة أثرية تعتبر من أهم المآثر القديمة هناك.. وأتى الموحدون بعد المرابطين بنحو قرن من الزمن واستمروا في اغناء العمارة وفنونها في المغرب. ‏

ويطلق المستشرقون على الفن الذي ازدهر في هذه الفترة اسم (اسبانو ـ موريسك) أو الفن الأندلسي المغربي. ‏

إن تحليل صفات هذا الفن يؤكد على أنه كان فناً أندلسياً، امتزج بالمظاهر والعناصر المبتكرة الشرقية التي انتشرت في عموم العالم الاسلامي من المقرنصات إلى النقش على الجص واستخدام الخزف الملون ، وتتصف العمارة المغربية في تلك الفترة بالفخامة، وفيها الابداع والتجديد الذي يتوضح في العقود وتيجان الأعمدة أو الكسوة الزخرفية.. ‏

جامع القرويين في فاس مثلاً، وقد وسعه (علي بن يوسف بن تاشفين) يقوم الحرم فيه على أساس البلاطات الموازية للقبلة وقد أضيفت إليه أربعة صفوف من القناطر تتعاقد مع بعضها، وهو من أجمل أعمال المرابطين حيث تغطيه القباب الغنية بالمقرنصات والزخارف الجصية. ‏

وقبة المرابطين هي الأثر الوحيد الباقي منهم في مراكش، وهي تقوم على بناء مستطيل من الحجر زود أعلاه بسلسلة من النوافذ وتوجت جدرانه بالشرفات المسننة وبنيت القبة فوق قاعدة مربعة.. ‏

أما عمائر الموحدين فلم يبق منها سوى جامع المكتبية في مراكش، وصومعة (مسجد) حسان في الرباط اضافة لأسوار مدينة الرباط.. ‏

هذه الآثار التي تركها الموحدون تؤكد على اهتمامهم الكبير ببناء المساجد والقلاع التي كانت إحدى أهم مآثرهم الفنية البديعة.. مثل باب (أغناد) في مراكش وباب (الرواح) في الرباط وقصبة الأوداية في الرباط أيضاً.. قال لي عبد الهادي التازي ـ المؤرخ المغربي ـ في المغرب الكثير من الآثار الباهرة تدل على اهتمام الحقب المتتالية من الحكام بالفن والعمارة وهذا مازاد من مستوى الفن الرفيع لهذه الآثار.. ‏

تبادلنا حديثاً مطولاً عن هذه الحقب التي تتالت على حكم المغرب.. فبعد الموحدين قامت دولة (المرينيين) بني مرين، الذين اتخذوا من فاس عاصمة لهم وقد بسطوا سلطانهم على مراكش عام 688 للهجرة (1229) للميلاد واشتهروا ببناء المدارس في فاس (كالعطارين ـ والصفارين ـ والصباغين...) اضافة للمدارس البوعنانية التي توزعت في فاس ومكناس وسلا الملاصقة للرباط.. ‏

كانت مدارسهم تعتمد الصحن الواسع الذي تتوسطه بركة ماء تحيط بها أروقة من ثلاث جهات من العمد والقناطر.. وتتوسطها قاعات التدريس وخصص الطابق العلوي لسكن الطلاب والأساتذة.. ‏

وبعد المرينيين أتى الوطاسيون أبناء عمومتهم الذين أنهوا دولة المرينيين عام (876) للهجرة (1471) للميلاد واتخذوا من فاس عاصمة لهم أيضا.ً ‏

وبعد الوطاسيين أتى السعديون فحكموا من (1075) للهجرة (1661) للميلاد ثم أتى الفلاليون الذين مازالوا يحكمون حتى اليوم... ‏

والسعديون تركوا قصوراً ومقابر كما في قصر البديع في مراكش ومقبرة السعديين المشهورة هناك... ‏

هو تاريخ حافل للعمارة الإسلامية العريقة هناك فالاهتمام بالتراث له أهميته الكبيرة أليس التراث هو الأرض التي نقف عليها اليوم؟ والطريق الى مكناس جنة رحبة واسعة تحف بها الخضرة والدخول إليها يبدو أشبه بالدخول لمدينة تحوي التراث والحداثة في الوقت نفسه... ‏

لعل مكناس اليوم من أجمل مدن المغرب أيضاً رغم أنها لم تكن بالمدينة الهامة للأسر المتعاقبة التي حكمت الغرب إلا في ابان حكم السلطان اسماعيل الذي وسعها وترك بصماته واضحة في كل مكان منها من الأسوار الى الضريح الى الأسواق القديمة الى جامع مكناس الذي وسعه ليصبح جامعاً كبيراً... ‏

انتصر السلطان اسماعيل على الاسبان عام (1703) ميلادية وعاد الى مكناس مظفراً ووسع عمارتها وترك اسمه على العديد من آثارها التي تحمل الطابع الاسلامي في العمارة والنقش والزخرفة... ‏

ونحن ندخل مكناس التي لاتبعد اكثر من 60 كيلو متراً عن فاس بدأنا مغامرة أخرى كانت أيضاً هامة وشيقة تحمل بصمات السحر المغربي الفتان ..وللحديث بقية......