مستشار الوزير: كل يوم تخسر الوزارة أكثر من مليون ليرة
حارس وحيد وحوادث ليلية في الأقبية المعتمة..!
يقف بناء مجمع يلبغا على قدميه "عاريا"ً قبالة ساحة المرجه وسط دمشق، كطفل هرم يحاول نسيان سنواته الـ25 التي قضاها منتظرا اكتمال مجرد بناء هيكله.
محيط المجمع وأقبيته تحولت إلى مكان لرمي القمامة، والحارس الوحيد يسكن غرفة في البناء الضخم،(كتلتين 14 طابق و8 طوابق نحو65 الف متر مربع) طلب عبر سيريانيوز مساعدة الشرطة خاصة في الليل متحدثا عن معارك ومطارده ليلية تجري بينه وبين الـ (المحبحبين) من متعاطي المخدرات والسكارى والمتشردين وغيرهم ممن يلوذون ليلا في أقبية المبنى المعتمة، خاصة بعد ان اصبح المشروع يسبح في ظلام دامس، حيث قامت مؤسسة الكهرباء بقطع التيار، منذ نحو اكثر من سنه وسحبت العداد بسبب تراكم الفواتير وعدم تسديد الذمم المالية.

بناء تتقاذفه شركات..
سنترك الدراسات التي وضعت أواخر ستينات القرن الماضي، وسنختار البداية الفعلية مطلع الثمانينات من القرن الماضي، حيث بدأت مؤسسة الإسكان ببناء المجمع وبعد مخاض طويل (25 سنه) سلمته لوزارة الأوقاف على الهيكل عام 2005، وبكلفه وصلت إلى 700 مليون وهي سبعة أضعاف الكلفة التي كانت مقدره عند البدء بتنفيذه.
الوزارة طرحته للتعاقد، ووقعت عقد مع شركة (ميسكا)، يقضي بان تقوم الشركة باكساء المجمع واستثماره لمدة 30 سنه، مقابل اجر سنوي تدفعه للوزارة (240 مليون)، لكن مماطلة الشركة في استلام أمر المباشرة، شكك بجديتها، بالمحصلة لم تصادق إدارة قضايا الدولة على العقد، وخرجت (ميسكا) أو أخرجت، واعتبر عقدها لاغيا رغم حفل التوقيع.
وعلى الفور(خلال خمسة ايام) قامت الوزارة بتوقيع عقد بالتراضي مع شركة (قصر الملكة) من اجل اكساء واستثمار المجمع(لمدة 30 عاما وفق نظام pot) ببدل سنوي قدره (475 مليون) وهو نحو ضعف ما تعاقدوا عليه مع الشركة السابقة..!
واستلمت الشركة أمر المباشرة لاكساء المجمع في 29 /3/2007، وجاء بالعقد(حصلت سيريانيوز على نسخة منه) بان مدة تنفيذ الاكساء 30 شهرا، وقيمته - اي ما يفترض ان تصرفه الشركة على المجمع- نحو(850 مليون)، لكن أين وصلت عملية الاكساء بعد مرور أكثر من سنتين..!









سؤال وجهناه لمستشار وزير الاوقاف السيد محمود الخباز فقال" وبعد أشهر قليلة ستنتهي الفترة المخصصة لأعمال الاكساء(30 شهرا) لكن المجمع مازال على حاله، التأخير كارثة، الأعمال متوقفة منذ نحو سنتين، وكل يوم يخسر المجمع أكثر من مليون ليره، قمنا بالقاء الحجز الاحتياطي على أموال المستثمر الإماراتي صاحب شركة قصر الملكة بالقرار رقم (22) اساس (972) وهي عبارة عن عقار(ارض) تقدر قيمتها بين 70-80 مليون"، نشير بهذا السياق إلى وجود العديد من إشارات الحجز على نفس العقار وفقا لوثيقة (حصلت سيريانيوز على نسخة منها)، والملفت ان بعض تلك الإشارات هي لصالح شركة قصر الملكة وبعضها باسم صاحب الشركة وغيره..!
وعن الوضع الحالي يتابع الخباز" ونعمل الآن للوصول لتسويه مع صاحب الشركة، تقضي بتسليمنا المجمع على حالة وإطلاق يدنا به، فنحن لا نستطيع التصرف طالما هو بعهدته، وللأوقاف مصلحة بهذه التسوية من اجل إعادة إطلاق المشروع، وللمستثمر أيضا مصلحة لوقف الضرر والنزيف الحاصل..".

قصر الملكة شركة سورية..!
في وثيقة صادرة عن وزارة الاقتصاد والتجارة في سوريا تبين بان شركة قصر الملكة للاستثمارات المحدودة تأسست بالقرار رقم (2098) في 21 /12/2006 وحصلت على شهادة تسجيل شركة برأسمال قدره 3 ملايين في 24/12/2006، برقم (7770) وبان مقرها ريف دمشق، ووقعت العقد مع وزارة الأوقاف بعد اقل من ثلاثة اشهر على ترخيصها وتحديدا في 22/3/2007.
وبالنظر إلى التفاوت الكبير بين رأسمال الشركة(3 مليون) وحجم الأعمال المطلوبة منها لاكساء المجمع وفق العقد مع وزارة الأوقاف(850 مليون) سألنا المستشار الخباز عن الأوراق التي تقدمت بها الشركة لتثبت ملاءتها المالية، فبحث السيد الخباز عن الأوراق ولم يجدها، وكذلك سألنا معاون الوزير السيد لؤي منصور، وبعد أيام اعتذر قائلا بأنه لم يصل إلى شيء بخصوص تلك الأوراق..!
كما لم نجد شيء لدى مديرية أوقاف دمشق المسؤولة مباشرة عن المجمع والمكلفة بالإشراف ومتابعة أعمال الاكساء فيه، حيث صرح المهندس مصطفى محمد بان الأوراق التي لديهم تتعلق بمرحلة ما بعد توقيع العقد.
وعن ظرف التعاقد وكيفية حصوله يقول الخباز" في البداية أرسل المستثمر الإماراتي فاكس من وزارة الثقافة السورية..، يقدم به العرض، وجرى الاتصال معه، ثم حضر برفقة السيد سفير الإمارات السابق في سوريا إلى مكتب السيد وزير الأوقاف السابق زياد الدين الايوبي وقام السفير بتزكيته".
وحول تردد السفير الإماراتي (السابق) مع المستثمر علي الخيلي اثناء ترتيبه للعقد إلى وزارة الأوقاف، أوضح المسؤول الإعلامي بالسفارة الإماراتية السيد عماد هرملاني بان هذا يعتبر "إجراء طبيعي كنوع من تسهيل عمل المستثمرين الإماراتيين في سوريا وتعريفهم بطبيعة المشاريع والجهات صاحبة تلك الأعمال"، واستبعد ان يكون السفير السابق وقع على ورقة تؤيد قدرة المستثمر الإماراتي بوصفه صاحب مشاريع تبدأ بإفريقيا وتنتهي بجنوب شرق آسيا، وتؤكد وملاءته المالية..!







المهندس المشرف على المشروع من وزارة الأوقاف مصطفى محمد يعتقد بان المستثمر الخيلي" كان يريد تسويق المشروع قبل إنهاء تنفيذه، وبالتالي العمل بالأموال التي كان يتوقع ان يحصل عليها، لكن من الواضح انه لم يتمكن من تأمين التمويل.."
نشير إلى ان مكتب الشركة في المزة قد أغلق منذ نحو سنه تقريبا بسبب خلافا مع شركاء سوريين، وبان المستثمر الإماراتي السيد علي الخيلي صاحب شركة قصر الملكة( النقيب السابق في الإمارات حتى نهاية 2005) غير موجود بسوريا منذ أشهر، وفي سؤال وكيله القانوني المحامي نذير سنان أوضح بان صاحب الشركة رجل أعمال وكل يوم في بلد، وبأنه علينا مراجعته، فهو غير مخول بالرد على أسئلة الصحافة عن سبب عدم قيام الشركة باكساء المجمع.

حارس وحيد..
ولا ينكر المهندس مصطفى محمد بان "شركة قصر الملكة عملت لمدة أربعة أشهر، بداية استلامها للمجمع، حيث قامت بوضع دراسات ومخططات الاكساء، لكن بعد ذلك توقفت الإعمال، وبقيت متوقفة لغاية صباح اليوم التالي لتغيير وزير الأوقاف السابق في 8/12/2007".
ويتابع "صباح ذلك اليوم ذهبت إلى المشروع ووجدت نحو عشرين عامل قاموا ببعض الأعمال الهامشية(تعديل غرفة الحرس وإغلاق باب وفتح آخر)، وبعد خمسة أيام انصرفوا وبقيت ورشة صغيره قامت برش جدران الأقبية والأعمدة(رشت مسطرين) لكنهم ثقبوا بلاطة سقف القبو السفلي في ثلاث مواضع لنقل الرمل بسرعة، مما أساء للبنية الإنشائية..وبعد ذلك غادر جميع العمال والمهندسين، ولم يبق سوى الحارس وفي 8/1/2008 توقفت الأعمال كلياً".
في مجموعة تقارير صادرة عن مديرية أوقاف دمشق ترصد وضع المجمع منذ تسلمه من قبل الشركة المتعاقدة قبل أكثر من سنتين جاء بإحداها" تم إنهاء تكليف مؤسسة جاد للحراسة منذ بداية عام 2008 وتكليف الحارس حسين عز الدين كحارس وحيد للمجمع وهذا تراجع ملحوظ في رغبة الشركة في متابعة استثمار المشروع".
"في 18/1/2008 اتصل حارس المشروع السيد حسين موسى واخبرني بأنه ليس لديه طعام أبدا ولم يبق معه مصروف وان أحدا من الشركة المستثمرة لم يحضر وطلب المساعدة، وقدمنا له ما طلب وأعطيته ألف ليره كمصروف".
" الأعمال ما زالت متوقفة..قامت بلدية سروجه بصب بيتون على دورات المياه المؤقتة وإغلاقها بسبب وجود تسرب مياه آسنة منها إلى الرصيف الشمالي للمشروع ولم يبادر المستثمر إلى إصلاحها مما جعل ارض المشروع مكانا لقضاء الحوائج..وأصبح منظر القمامة والأوساخ في المشروع يسيء كثيرا إلى حالته الفنية".

اكتشاف رجل بالقبو..







يكشف احد التقارير إلى التجاوزات وأعمال التخريب التي بدأ مراقبو الوزارة يلحظونها، والى تحوله إلى مصدر خطر"لاحظنا وجود تخريب في الأسلاك الكهربائية والإضاءة المؤقتة يدل على تسرب الشباب الطائش إلى المشروع..واخبرني حارس المشروع انه وجد أكثر من مرة شبابا يلوذون في أقبية المشروع المظلمة نظرا لفصل الكهرباء من المشروع بسبب عدم دفع فواتير الكهرباء، وكان بعض العمال ينامون بالمشروع سمعوا أنيناً لشخص في احد الأدراج المظلمة، ولما أحضرنا الضوء تفاجئنا بوجود رجل يزيد عمره عن الخمسين سنه وحالته يرثى لها قد سقط في غرفة المصعد للدرج الشمالي الغربي على عمق يزيد عن مترين وتبين انه مضى يومين على سقوطه وقام العمال بإخراجه وإحضار الطعام له"

خطر على الماره..
يذكر احد التقارير حادثة تشكل خطر على العابرين في الطريق المحاذي للمشروع "اخبرني احد الحراس انه سقط يوم الاثنين 25/2/2008 دعامة معدنية من الدعامات المثبته للوحات الخاصة بشركة قصر الملكة والمتوضعة في الواجهة الغربية من المشروع مقابل المستشارية الإيرانية وعلى ارتفاع يزيد عن الأربعين وان الدعامة المعدنية كادت ان تقتل امرأة كانت تسير في الشارع، ولدى الصعود إلى الطابق الذي تتواجد فيه اللوحة وجدت دعامة ثانية آيلة للسقوط وان وضع اللوحة والدعامات المعدنية الحاملة لها غير مستقر ويمكن سقوطها في اي لحظة لا سمح الله"، ثم يقترح التقرير توجيه كتاب خطي للمستثمر لتحميله ايه مخاطر او أضرار قد تحصل لأحد المارة في الطريق.
وجاء بنفس التقرير"وصلتنا معلومات ان السيد علي الخيلي غير الموجود في سوريا منذ شهرين، يحاول جاهدا بيع أملاكه في سوريا وهذا يدل على عدم جدية الشركة في متابعة تنفيذ العقد"، كما تشير التقارير إلى عدم مبادرة المستثمر إلى دفع طابع العقد لغاية تاريخه(وفق نظام العقود يجب دفعه خلال عشرة ايام) وينتهي التقرير الى "ضرورة قيام الوزارة بأخذ الضمانات القانونية على المستثمر خوفا من استمرار بقاء المشروع بدون اكساء وضياع الأموال الطائلة على الأوقاف".

وقف النزيف..
وبانتظار ان تصل وزارة الأوقاف إلى تسويه نهائية مع شركة قصر الملكة، كي تتمكن من طرح البناء للتعاقد عليه للمرة الثالثة، فان تقدير خسائر الزمن الضائع تصل إلى نحو مليار ليرة، فقط خسائر أخر سنتين، دون الحديث عن نحو 30 عاما الماضية والتي هي عمر المشروع، ودون فتح أبواب أخرى مثل الاهتراء الحاصل في الهيكل وغيره، وإلا سنكون أمام أرقام فلكية..
مستشار الوزير الخباز يشكك بإمكانية حصول الوزارة على أية أموال لتعويض خسائر العقد الأخير، باستثناء قطعة الأرض التي تم الحجز عليها، ويعتبر بان الانجاز الأهم وجل ما تسعى إليه الوزارة اليوم هو وقف النزيف عند هذا الحد.

جديع دواره – سيريانيوز