وصية سيدنا علي رضي الله عنه: (ستٌّ من المروآت)
يقول سيدنا علي رضي الله عنه: ست من المروآت, ثلاث في الحضر, وثلاث في السفر.
فأما اللاتي في الحضر:
1. فتلاوة كتاب الله تعالى.
2. وعمارة مساجد الله تعالى.
3. واتِّخاذ الإخوان.
وأما اللاتي في السفر:
1. فبذل الزاد.
2. وحسن الخُلُق.
والمزاح في غير معصية.
المروءة: آداب نفسانية تَحمِلُ مراعاتُها الإنسانَ على الوقوف عند محاسن الأخلاق, وجميل العادات, أو هي كمال الرجولة.
فمن محاسن الأخلاق وجميل العادات وكمال الرجولة في الحضر:
أولاً: تلاوة القرآن العظيم, يقول سيدنا علي رضي الله عنه:
من الناس من يؤتى الإيمان ولا يؤتى القرآنَ, ومنهم من يؤتى القرآن والإيمانَ, ومنهم من لا يؤتى القرآنَ ولا الإيمانَ.
ثم ضرب لهم مثلاً, فقال: فأما من أوتي الإيمان ولم يؤت القرآن, فَمَثَلُهُ مثلُ التمرة حلوة الطعم لا ريح فيها. وأما مثل الذي أوتي القرآن ولم يؤت الإيمان, فمثل الآسَةِ طيبة الريح مرَّة الطعم, وأما الذي أوتي القرآن والإيمان فمثل الأُترجَّة طيبة الريح حُلْوة الطعم. وأما الذي لم يؤت القرآن ولا الإيمان, فمثل الحنظلة مرة الطعم لا ريح لها.
وتقول السيدة عائشة رضي الله عنها: القرآن أكرم من أن يزيل عقول الرجال.
وروي عن أم الدرداء رضي الله عنها أنها قالت: دخلت على عائشة فقلت: ما فضل من قرأ القرآن على من لم يقرأه ممن دخل الجنة؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: إن عدد درج الجنة على عدد آي القرآن, فليس أحد ممن دخل الجنة أفضل ممن قرأ القرآن. رواه ابن أبي شيبة.
ثانياً: عمارة مساجد الله تعالى, وذلك بالمحافظة على صلاة العشاء وصلاة الفجر, كما روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أَثْقَلَ صَلاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاةُ الْعِشَاءِ وَصَلاةُ الْفَجْرِ, وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا, وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَتُقَامَ, ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ, ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ, إِلَى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلاةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ).
ثالثاً: اتخاذ الإخوان, فالأخ الصالح خير لك من نفسك, لأن النفس أمَّارة بالسوء, والأخ الصالح لا يأمر إلا بالخير.
ويقول سيدنا علي رضي الله عنه: عليك بإخوان الصفاءِ فإنَّهم عمادٌ إذا استَنجدتَهُم وظُهُور, وليس كثيراً ألفُ خِلِّ وصاحب, وإن عدوّاً واحداً لكثير.
وقال بعض الصالحين: ما بلغ أحد إلى حالة شريفة إلا بملازمة الموافقة, ومعانقة الأدب, وأداء الفرائض, وصُحبة الصالحين.
ومن محاسن الأخلاق, وجميل العادات, وكمال الرجولة في السفر:
أولاً: بذل الزاد, يقول سيدنا علي رضي الله عنه: البخل جلباب المسكنة, وربما دخل السخي بسخائه الجنة.
ويقول رضي الله عنه: إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق منها فإنها لا تغني, وإذا أدبرت عنك فأنفق منها فإنها لا تبقى.
ويقول سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما : سادات الناس في الدنيا الأسخياء, وفي الآخرة الأتقياء.
ثانياً: حسن الخلق: يقول سيدنا الحسن رضي الله عنه: حسن الخلق: الكرمُ والبَذْلةُ والأحمال. ويقول الإمام أحمد رحمه الله تعالى: حسن الخلق أن لا تغضبَ ولا تَحقِدَ.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين تقوى الله وحسنِ الخلق, لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه, وحسن الخلق يُصلح ما بينه وبين خلقه, فتقوى الله تعالى توجب له محبةَ الله, وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته.
وقال الماوردي: إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مُصَافُوه, وقلَّ مُعادُوه, فتسهلت عليه الأمور الصعاب, ولانت له القلوب الغضاب.
ثالثاً: المزاح في غير معصية, لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يمزح, ولكنه صلى الله عليه وسلم لا يقول في مزاحه إلا حقاً, فلا يأتي بباطل ولا بعبث أو لعب, عَنْ مُعَاوِيَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَسْتُ مِنْ دَدٍ، وَلا دَدٌ مِنِّي) رواه البيهقي. أي لست من أهل اللهب واللهو, ولا هما مني.
فالمزاح المباح: هو المباسطة مع الغير من غير أذى ولا ترويع ولا ضرر, ولا قذف, ولا غيبة, ولا شين في عرض أو دين, ولا استخفاف بأحد من خلق الله تعالى.
فكمال الرجولة في حضرك أن تكون من أهل القرآن العظيم, ومن رُوَّاد المساجد ممن تعلَّقت قلوبهم ببيوت الله عز وجل, وخاصة في صلاة العشاء والفجر, وأن يكون جلساؤك من أهل الصلاح.
وأما في سفرك ألاَّ تبخل بزادك على أصحابك, وأن تكون صاحب خلق حسن, مع ملاطفة ومزاح بصدق دون الكذب, وأن يكون مزاحك كالملح للطعام.
اللهم اجعلنا من أهل المروآت. آمين. آمين. آمين.