أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           أعوذ بكلمات الله التَّامَّة من غضبه وعقابه، وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأنْ يحضرون           

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 02-26-2010
  #1
نوح
رحمتك يارب
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 2,437
معدل تقييم المستوى: 18
نوح is on a distinguished road
الطوفان

الطوفان
قال تعالى: “وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون . واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون . ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون . فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه، ويحل عليه عذاب مقيم . حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلاّ من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل . وقال اركبوا فيها باسم الله مجراها ومرساها إن ربي لغفور رحيم . وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين . قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين . وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي، وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي . وقيل بعداً للقوم الظالمين . ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وان وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين . قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين . قال رب إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين” ( هود: 36 -47) .


ظل نبي الله نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، وما ترك وسيلة من الوسائل لدعوة قومه إلا واتبعها، ولا درباً من دروب الدعوة إلا وسلكه، ولكن على الرغم من كل تلك الوسائل والطرق، وهذا الزمن الممتد المتطاول في الدعوة فإن قومه أصروا على كفرهم وعنادهم، ولم يؤمن بدعوته إلا قليل، ونجد في صدر هذه الآيات تسرية عن نوح عليه السلام وتسلية له لعناد قومه “فلا تبتئس بما كانوا يفعلون” .


ويأمر الله تعالى نوحاً عليه السلام بأن يصنع سفينة وأن يحمل فيها زوجين من كل نوع، ويستجيب نوح عليه السلام لأمر ربه ويصنع السفينة، ويأمر ابنه وكان ممن كفر بدعوته بأن يركب معه على السفينة، ولكن الابن العاق الكافر يمتنع، ويأبى في إصرار متعللاً بأنه سيأوي إلى قمة أعلى جبل لينجو من الطوفان، وما هو إلا قليل حتى يبتلع الطوفان كل شيء، ويغرق الأرض بمن فيها إلا من كان على سفينة نوح عليه السلام .

صورة مفعمة بالحركة
إن الصورة الكلية في الآيات الكريمة تتناول أربعة مشاهد، المشهد الأول: أمر من الله تعالى لنوح عليه السلام ببناء السفينة . والمشهد الثاني: سخرية قوم نوح منه . والمشهد الثالث: محاورة بين نوح وابنه الكافر العاق . والمشهد الأخير: مجادلة نوح ربه في شأن الابن العاق الكافر . والآن تعالوا بنا أيها السادة القراء لنرى كيف كان التعبير القرآني عن هذه الصورة الكلية المفعمة بالحركة، مع التذكير بأننا سنقطف بعض ثمار البلاغة في تلك الآيات الكريمة من دون ولوج في التفاصيل؛ لأن المقام لا يتسع لذلك .


ففي الآية الأولى تيئيس لنوح من إيمان بقية قومه ودل على هذا استعمال حرف “لن” الدال على نفي الايمان في المستقبل وتأبيده “لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن” ولأن هذا الخبر شديد الأثر في نوح عليه السلام لذا أعقب بتسليته في قوله تعالى . . “فلا تبتئس بما كانوا يفعلون”، والمعنى: “لا تحزن مما فعلوه من تكذيبك وايذائك ومعاداتك فقد حان وقت الانتقام لك منهم” .


ونقف في المشهد الأول أمام قوله تعالى: “واصنع الفلك بأعيننا” وتأمل ظلال الباء في قوله “بأعيننا” حيث أومأت إلى أن نوحاً في كنف الله ورعايته، وحفظه وقربه الذي لم ينفك عنه، فهو ملاصق له ملتبس به، ثم تأمل استعارة العين للمراقبة والملاحظة والمتابعة، وتأمل التعبير بالجمع (بأعيننا) واضافة هذا الجمع لنون العظمة، وهذا كله كناية عن حفظه من الزيغ والخطأ في صنع السفينة .


ولتنصت إلى هذا اللطف الإلهي مع نوح عليه السلام وذلك في قوله تعالى: “ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون” فهنا تهيئة لنوح لاستقبال هلاك ابنه وغرقه مع من سيغرق قبل سؤال نجاته حتى لا يفاجأ بما يحزنه . وفي قوله تعالى: “إنهم مغرقون” إدماج حسن، ففيه إخبار بما سيقع أي بمصير الكفار، وبيان لسبب الأمر بصنع الفلك .


وعبر عن الماضي “صنع” بالمضارع “يصنع” في قوله تعالى “ويصنع الفلك” لاستحضار الصورة الماضية وكأنها شاخصة ماثلة يراها السامع، فبالمضارع يخيل لنا أننا نرى نوحاً عليه السلام وهو يؤمر بصنع السفينة، فيهب مشمراً عن ساعديه وهو يصنعها بتوجيه ربه في همة وعزيمة واصرار .


وفي المشهد الثاني تصوير لقوم نوح وهم يمرون عليه وهو يصنع الفلك في صحراء قاحلة في أبعد موضع من الماء فكانوا يسخرون منه لذلك، فكان جوابه عليهم “ان تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون” وسخرية نوح عليه السلام والمؤمنين من الكافرين إنما كانت بسبب جهلهم بالله تعالى وقدرته، وبسبب سفه أحلامهم وأرى ان الكاف في قوله “كما تسخرون” تفيد التعليل وتدل بذلك على التفاوت بين السخريتين، لأن السخرية المعللة أجدر وأحق من غير المعللة، فقوم نوح سخروا منه لعمل يجهلون غايته، ونوح عليه السلام وأتباعه سخروا من الكفار لعلمهم أنهم جاهلون في غرور .


وعدي الفعل ب “على” في قوله تعالى: “إلا من سبق عليه القول”، لأن “على” فيها معاني القهر والعلو والغلبة والسيطرة والاستيلاء على الشيء، لذا فهي تستخدم في معنى الضر، أما اللام فتستخدم في معاني النفع، ولكن كثيراً ما يخالف البيان القرآني هذا لأغراض بلاغية وهذا يحتاج إلى مقالات منفردة مستقلة لتزيد الأمر بياناً .


حوار الأب وابنه


ويبدأ المشهد الثالث بقوله تعالى: “وهي تجري بهم في موج كالجبال” . . فشبهت كل موجة من موجات الطوفان بالجبل في ضخامتها وارتفاعها وتراكبها وتراكمها .


وقدم المسند إليه (هي) على جملة الخبر الفعلية “تجري” لتوكيد الخبر وتحقيقه . وعبر بالفعل المضارع “تجري” لاستحضار تلك الصورة العجيبة وكأنها تتراءى أمام الأعين .


تأمل يرحمك الله هذ الحوار بين نوح عليه السلام وبين ابنه، حيث كان الدعاء الأخير من نوح لابنه العاق الكافر بالركوب الى السفينة قبل أن يغمره الطوفان ويغمر كل كافر على وجه الأرض، إلا أن الولد استمر في تكذيبه وغيه، ورد على أبيه بأنه سيحتمي بأعالي الجبال .


انظر الى الآية “ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين” .


اننا نكاد نرى نوحاً ونكاد نسمعه يرفع صوته بأعلى قوة، وينادي ويرفع صوته بالمناداة “يا بني اركب معنا” إنه صوت الأبوة، إنها شفقة الأب على ولده، شفقة فطرية غرست في قلب كل أب وكل أم كذلك . . نرى نوحاً عليه السلام يستخدم حرف النداء للبعيد “يا”؛ لأن ابنه كان بعيداً عنه في مكان عزلة منفرداً، لذا كان من المناسب استخدام هذا الحرف، وما فيه من استطالة صوت من خلال المد، وكأن نوحاً يستجمع كل طاقته ليبلغ ابنه البلاغ الأخير، فهو يناديه بأعلى صوته بقوله: “يا بني اركب معنا” تأمل كلمة “بني” فهي تصغير كلمة “ابن”، والتصغير هنا أفاد الشفقة والرحمة، فالولد في عين أبيه مهما كبر سنه يبدو صغيراً يحتاج إلى الشفقة والعطف والحنان والرعاية والاهتمام . ثم تأمل إضافة الكلمة إلى ياء المتكلم والتعبير ب”بني” من دون ذكر اسمه الصريح وما في هذا من اشعار برحمته به وخوفه عليه . وقوله “اركب معنا” كناية عن دعوته إلى الايمان بطريقة العرض والتحذير .


وقوله “ولا تكن مع الكافرين” إرشاد له بأن امتناعه عن الركوب في السفينة وما يستتبعه من تكذيب بالطوفان يجعله في عداد القوم المشهورين بالكفر والموسومين به . وكان رد الابن “سآوي إلى جبل يعصمني من الماء” تدبر بيان هذه الجملة حيث تجد فيها ثقة الابن بالنجاة من الطوفان، فالتعبير بالايواء يوحي بالمنعة والحماية، والتنكير في “جبل” يوحي بالتعظيم، فهو سيلجأ إلى جبل عظيم شاهق الارتفاع ليحميه من الماء، ثم تأمل قوله “يعصمني” حيث لم يقل “يحميني” مثلاً لأنه أراد الحماية الكاملة والحفظ والوقاية .


ولنوازن بين موقف هذا الابن العاق العاصي الذي دعاه أبوه لما فيه نجاته وفلاحه وهدايته فأبى وامتنع، وبين ذلكم الابن البار الصالح المطيع اسماعيل عليه السلام الذي دعاه أبوه ابراهيم عليه السلام لما فيه هلكته وذبحه فاستجاب واستسلم استسلام المؤمن الصادق الواثق بلطف ربه!


وكانت رجابة نوح لابنه “لا عاصم اليوم من أمر الله” قال: “من أمر الله” ولم يقل مثلا: من عذاب الله أو غضب الله أو ما شابه ذلك، كما لم ينسب له الهلاك مباشرة، فلم يقل: لست معصوماً اليوم من أمر الله لأنه من فرط رحمته به وشفقته عليه، وحرصه على نجاته وطمعه فيها لم يشأ أن يصرح له بمصيره المحتوم .


وانتهت المحاورة بين الأب وابنه بحيلولة الموج بينهما وكان ذلك رحمة بالأب حتى لا يرى ابنه والموج يبتلعه في جوفه . قال تعالى: “وحال بينهما الموج فكان من المغرقين” .


القدرة الإلهية


واحبس أنفاسك أخي القارئ وأنصت إنصات الخاشع الخاضع، وتأمل تأمل المتدبر الواعي وأنت تسمع قول ربك “وقيل يا أرض ابلعي ماءك . ويا سماء أقلعي وغيض الماء واستوت على الجودي وقيل بعداً للقوم الظالمين” .


فالطوفان قد أدى مهمته، وأغرق أهل الكفر والفساد والعناد، وربك يأمر بأن تعود الحياة إلى طبيعتها مع جيل مؤمن جديد، وهذا المعنى تراه في الآية السابقة، ولكن كيف عبر عنه بلاغيا؟ تأمل الاعجاز البلاغي، وتذوق هذا البيان الخالد، وانظر إلى تناسق الكلمات مع بعضها في الآية، وتدبر مبدأ القهر والعظمة والقدرة الإلهية في أن نوديت الأرض نداء العاقل المميز “وقيل يا أرض” ثم أمرت فنفذت “ابلعي ماءك” وإضافة الماء إلى “الأرض” لكونه على وجهها، ثم أتبع نداء الأرض وأمرها بما هو من شأنها نداء السماء وأمرها كذلك بما يخصها، فنوديت نداء العاقل أيضاً ثم أمرت فنفذت “ويا سماء أقلعي” والمراد بإقلاع السماء كف نزول المطر، فتأمل ذلك الاقتدار الإلهي المطلق في أمر السماء والأرض، بعظمتهما وضخامتهما وانقيادهما المطلق للخالق سبحانه من دون تردد ولا تريث ولا تلكؤ فلمَ نتلكأ نحن الضعفاء في تنفيذ أوامر الله تعالى ونواهيه؟! ولم نعرض عن منهجه ودينه؟! ولم نطبق هذا من شرع الله ولا نطبق ذاك؟! لم لا ننقاد نحن الموحدين المؤمنين العقلاء انقياد السماء والأرض لأمر ربهما؟!


وعد معي سريعاً إلى بلاغة الآية واعجازها حيث ترى تكرر الفعل المبني للمجهول في هذا الخبر العظيم تأمل تكرار “قيل” ومجيئه مبنياً للمجهول، وكذلك “غيض” بمعنى غاب في بطن الأرض، وهو فعل مبني للمجهول كذلك، والسر في تكرار المبني للمجهول هو الدلالة على الكبرياء والعظمة، وأن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل قادر، وتكوين مكون قاهر، ففاعلها واحد لا يشارك في أفعاله ولا يسأل عنها .


وجاء قوله سبحانه، “وقضي الأمر” لتأكيد الفعل وتقريره في قوله “وغيض الماء” فالماء لم يغض إلا بأمر آمر وبقدرة قادر، وجاء قوله “واستوت على الجودي” لبيان فائدة تلك الأوامر . ومعنى الجملة: ان السفينة استقرت على جبل يسمى الجودي .


توعد الظالمين


وقوله تعالى: “وقيل بعداً للقوم الظالمين” دعاء عليهم بالهلاك والموت . وأطلق الظلم ليعم ويشمل كل نوع من أنواع الظلم، فيدخل فيه ظلمهم لأنفسهم، وفي هذا الوصف “الظالمين” تعليل لسبب هلاكهم، وفي الجملة تعريض بكل ظالم في كل زمان ومكان ووعيد له بأن مصيره الطرد من رحمة الله، والبوار والخسران .


ولننظر إلى هذه الآية نظرة أخرى من حيث ترتيب جملها، حيث قدم أمر الأرض على أمر السماء لابتداء الطوفان منها، ثم أتبعها قوله “وغيض الماء” لاتصاله بذهاب الماء في الأرض، ثم اتبع ذلك بذكر الأمر الموعود وهو المقصود من القصة، وهذا هو قوله تعالى “وقضي الأمر” ثم اتبع ذلك بذكر السفينة ومآلها وهو قوله تعالى “واستوت على الجودي” ثم ختمت الآية ببيان مصير الكافرين . . وهكذا كان التناسق البديع، والالتئام المتقن، والترتيب العجيب بين جمل الآية .


وإذا شئت قارئنا العزيز أن نزيدك بياناً عن إعجاز هذه الآيات وبلاغتها، فتأمل معنا تلك المدود والحركات ومدى ارتباطها بالمعنى المراد . انظر إلى الكسرة والياء الساكنة في كل من “ابلعي” و”اقلعي” وما ترمزان إليه من انسحاب الماء ونقصانه شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى مستقره، ثم تأمل قوله “استوت” بالتاء الساكنة التي تصور لنا استقرار السفينة على الجبل وثبوتها بلا حركة، وتأمل (العين) ذات المخرج الحلقي البعيد في قوله “بعداً” وما يوحي به من بعد هؤلاء الكافرين في الهلاك، ومن شدة إقصائهم عن رحمة الله .


وأخيراً تأمل ما دل عليه المد في كلمة “الظالمين” لترى هؤلاء الكفار وهم مستقرون في جوف الظلم ما يدل على شدة انغماسهم فيه وتلبسهم به .


وبعد . . لا تظنن أننا ذكرنا كل ما في هذه الآيات من بلاغة، فما ذكر ما هو إلا غيض من فيض، فالعطاء القرآني لن ينضب معينه أبداً .


والله أعلى وأعلم
__________________

نوح غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
ماري عاصمة السلالة العاشرة بعد الطوفان نوح ركن وادي الفرات 2 10-13-2008 08:19 PM


الساعة الآن 12:42 PM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir