نواعير حماة.. الزمن يهــــــددهـــا .. فهـــل يشـــفع لهــا تاريخهــــا ؟!.. صناعة حموية خالصة عمرها أكثر من 4500 عام



تحقيقات
الخميس 1-10-2009م
تحقيق: هلال عون

الحمويون وعشاق الآثار والسياحة يخشون من أن تصبح النواعير التي قال أحد الفنانين إنه يشتق من صوتها بين 120 إلى 170 نغمة موسيقية أثراً بعد عين.

أحد الباحثين تساءل: إن كانت توجد نواعير في غير مدينة حماة، وأجاب على تساؤله بالقول: نعم، أولاً بشكل محدود جداً، وثانياً: وهو الأهم أنها تختلف عن نواعير حماة بالكلية، إما لأنها ليست بالاتقان الحموي وإما هي من حديد، ويرى أنها سمّيت نواعير تجاوزاً وهي غير ذلك.‏





البعض ينسبها إلى الرومان ولكن ذلك على ما يبدو غير صحيح، إذ إن الحفريات في قلعة حماة دلت على أساليب للري تعود إلى 2500 عام قبل الميلاد على شكل ناعورة.‏

ويرى المؤرخ جورج كولان أن النواعير في حماة أكثر قدماً من الرومان والاغريق لأن هناك دوراً للتقنية الآرامية والنبطية في حضارة العالم العربي، يدعم التوجه إلى الأصل القديم لهذه النواعير والأرجح أن عمرها يزيد على 4500 عام.‏

النواعير وحماة والناس‏

يعتبر الحمويون الناعورة ابنة حماة..وحماة أم النواعير ولذلك تجدهم متعلقين بها وتجد صورها تزين منازلهم ومكاتبهم وصورهم التذكارية بجانبها..وقد أصبحت نماذج مصغرة من الناعورة عند الكثير من الحمويين تزين حدائقهم بل وحتى مكاتبهم ومنازلهم ولذلك نسجوا حولها الكثير من القصص والحكايا لدرجة أصبحت ملهمة للخيال حتى بلغ الأمر بنسج الكثير من الأساطير حولها وحول علاقتها بالعفاريت وأن لكل ناعورة عفريتاً يدورها.‏

كذلك تغنى بها الشعراء والمغنون حتى بلغ مجموع ما كتب بها من الأشعار ما يشكل عدداً كبيراً من الدواوين ومما قال فيها أحدهم يخاطبها:‏




لم الآنين وأنت في وادي حما‏

محفوفة بالروح والريحان‏

وقال شاعر آخر:‏

تبدي من الأزل الأنين كأنها‏

منذ البداية عاشق مهجور‏

كذلك وصفها أحدهم بالقول:‏

هذي النواعير تشدو عند عاصيها‏

تشكو الهوى والنوى والحب عاصيها‏

وما غناه المغنون بها:‏

سمعت عنين الناعورة‏

وعنينا شغل بالي‏

هي عنينا على المية‏

وأنا عنيني على الغالي‏

وكذلك:‏

ناعورة عنّي وغني‏

عنينك والله مجنني‏

وصف الناعورة‏

الناعورة لوحة فنية وأثرية، غاية في الجمال والفتنة والسحر ذات شدو متواصل وهي عبارة عن آلة خشبية-مائية دائمة الحركة مخصصة لرفع الماء من النهر وعبر القناطر إلى البساتين وتتكون من دولاب خشبي ضخم يدور حول محور من خشب الجوز حصراً يدعى القلب يرتكز على قواعد خشبية متوضعة على قواعد حجرية ثابتة وقوية في قاع النهر.‏

مكونات الناعورة‏

القلب: وهو مركز دائرة الناعورة.‏

الكفت «بكسر الكاف»: ساندات كالوسائد تحت القلب تصنع من خشب الجوز.‏






الصر: قطع خشبية سميكة في محيط القلب تصنع من خشب المشمش.‏

الأعتاب: وعددها 16 عتبة مهما اختلف حجم الناعورة من خمسة أمتار وحتى 25 متراً.‏

الوشاحات: تصنع من شجر الحور وعددها 32 وشاحاً في كل ناعورة.‏

القيود: تصنع من خشب الجوز أو التوت تصل بين الوشاح والآخر.‏

الدائرة: في كل ناعورة دائرتان تصنعان من خشب الجوز.‏

الأطابيع: تصنع من خشب السنديان تصل بين الدائرة والوشاح.‏

الرادين: جمع رادينة وخشبها من التوت وتدق رؤوسها العليا عبر ورشة من الأسافين.‏

أسافين: جمع اسفين وهي أخشاب صغيرة تدق في الأسفل الداخلي للدائرة العليا من الناعورة.‏

قبون: وهو عبارة عن طبقتين من الأخشاب تشكل أسفل وأعلى الصندوق.‏

القراعات: أخشاب مصنوعة بغاية الدقة وتثبت الرادين من الأطراف الأربعة.‏

الميازب: منها ينصب الماء في الناعورة.‏

الصندوق: لجمع وحمل الماء من النهر إلى أعلى الناعورة ليصب في القناة.‏

الطبق: هو الذي يشكل جانبي الصندوق.‏

الريش: وهي من خشب الجوز لاعطاء قوة دوران للناعورة.‏

الجامعات: تصنع من خشب الشوح أو الحور وهي مخصصة لزيادة دوران الناعورة.‏

عضايض: خشب واصل من الجامعات وما حولها.‏

الأبواب: تصنع من خشب الشوح وهي عريضة تثبت واحدة فوق وشاحين متقابلين تتحرك عند دخول دوران الناعورة إلى الماء.‏

دورها من الزراعة .. إلى السياحة الاقتصادية‏

كان للناعورة دور كبير وأساسي في سقاية المزروعات وقد حولت عبر تاريخها الأرض البعلية إلى أرض مروية لأنها في الأساس آلة مبتكرة للسقاية والري وقد بدأ دورها يقل شيئاً فشيئاً مع ظهور مضخات الماء الكهربائية (الموتورات).‏




وقد انتقل دور الناعورة من المساهمة في الاقتصاد الزراعي إلى الاقتصاد السياحي وأهميتها السياحية لا تقل عن أهميتها في الزراعة سابقاً، وتشير الاحصائيات إلى أن عدد السياح في مدينة حماة الذين يؤمون المدينة للتمتع بمنظر النواعير أو لدراسة حركتها يزيدون يوماً بعد يوم.‏

ومن المدهش أن نرى أن هناك كتباً تصدر بالفرنسية والإنكليزية وغيرهما عن الناعورة..كآلة مدهشة خدمت الإنسان عبر آلاف السنين ولا تزال.‏

وظيفتها‏

وظيفة الناعورة هي حمل الماء إلى مستوى أعلى من مستوى النهر لتيسير الاستفادة منه، نظراً لانخفاض مجرى نهر العاصي في أراضي حماة عن مستوى الحوض الذي ينساب فيه انخفاضاً كبيراً يصل إلى 70 متراً، في بعض الأماكن فقد أصبح من المتعذر الاستفادة من مياهه إلا باستخدام وسائل الري التي تلائم هذا الانخفاض الكبير، فكانت الناعورة خير وسيلة توصل إليها الإنسان.‏

وتدور الناعورة دورة كاملة كل عشرين ثانية تعطي خلالها 2400 ليتر من الماء أي 432000 ليتر في الساعة، فهل هناك مصدر للماء يأتي من آلة يفوق هذا العطاء دون نفط أو زيت أو كهرباء أو جهد بشري؟‏

النواعير في نظر القدماء‏

لاحظ الرحالة وجود النواعير في حماة منذ أقدم العصور.‏

فقد ذكرها ابن جبير في سياق ذكره لحماة بالقول: هي مدينة شهيرة في البلدان، قديمة الصحبة للزمان، فيها نهر كبير يتسع في تدفقه أساليب وتتناظر في شطه دواليبه وقد انتظمت على طرفيه بساتين تتهدل أغصانها عليه.‏

ويقول ابن بطوطة عن حماة: تحفّها البساتين والجنات عليها النواعير كالأفلاك الدائرات.‏

وقال ملكها أبو الفداء: بها نواعير على العاصي تسقي أكثر بساتينها ويدخل منها الماء إلى كثير من دورها.‏

من ينقذ النواعير؟!‏

مواطنو المحافظة الذين يعتزون بوجود النواعير عندهم ويعتبرون مدينتهم أم النواعير يعز عليهم تعطل وتلف عدد منها، وبقاءها دون إصلاح ويخشون أن تصبح تلك النواعير أثراً بعدعين‏

رمضان والطلب الخجول‏

الثورة التقت مديرآثار حماة الأستاذ جمال رمضان وطرحت عليه مخاوف البعض على النواعير فأوضح أن مديرية الاثار مسؤولة عن ترميم وإصلاح القسم الحجري من الناعورة، وأن المديرية تقوم فعلاً بذلك من خلال الكشف الدوري، وشارك رمضان المواطنين هواجسهم، مبيناً أن له مطالبة يتقدم بها على استحياء، وهي ضرورة نقل مبنى الشبيبة من أمام أكبر ناعورة موجودة في حماة وفي العالم كله وهي الناعورة المحمدية القريبة أيضاً من القلعة، الأمر الذي يجعلها مقصد السياح من جميع بقاع الأرض، ولا بد أن يكون في المكان حولها متسع من الحركة، خاصة أن النواعير هي أهم عنصر جذب سياحي، رغم وجود مئات المواقع الأثرية في المحافظة.‏

رحيم: إصلاحها دون وجود المياه لا ينفع‏

وأوضح مدير السياحة في محافظة حماة الأستاذ مرهف رحيم أن إصلاح الجزء الخشبي من الناعورة يقع على عاتق مديريته، وأن إصلاح أو ترميم الناعورة يكلف حوالي مليون ليرة سورية،ورغم ذلك تقوم المديرية بالاصلاح والترميم لعدد من النواعير، ولكن هذا لا يقدم الحل للمشكلة، لأن الناعورة التي لا تدور- أي التي لا تصلها مياه النهر قد تتعطل بعد بضعة أشهر من إصلاحها.‏

وتحدث رحيم عن بعض الظواهر السلبية الموجودة في منطقة العاصي والنواعير، ومنها النفايات التي يتم إلقاؤها من قبل البعض في النهر، مبيناً أن تعزيله وتنظيفه عملية مكلفة، ولا بد من حملة توعية للمواطنين الذين يلقون أكياس النايلون والنفايات الأخرى ضمن النهر.‏

كذلك لفت إلي مشكلة السباحة ضمن العاصي وحول النواعير من قبل الأطفال دون سن 15 سنة، إذ إن ذلك إضافة إلى خطورته علي حياتهم، يعد مظهراً طارداً للسياح وغير حضاري.‏

وبين أنه سيتم خلال الشهر العاشر هذا العام، ضمن فعاليات مهرجان طريق الحرير افتتاح مخفر شرطة سياحة في حماة للمساعدة على ضبط ومنع المخالفات والمظاهر السلبية، مؤكداً أن مديرية السياحة بصدد وضع مخطط/ مسار السائح/ لزيادة النواعير وتقديم المعلومات الكاملة عن كل ناعورة‏

محافظ حماة: ستدور على مدار العام‏

الثورة طرحت مشكلة النواعير وما يهدد واقعها على السيد محافظ حماه عبد الرزاق قطيني الذي أكد أنه سيتم قريباً ضخ مياه عن سد الرستن إلى مدخل نهر العاصي في حماة وأنه تم التعاقد بين المؤسسة العامة للإنشاءات العسكرية والشركة/يكم/ الإيرانية لدراسة مشروع إقامة حلقة مغلقة لنهر العاصي يتم من خلالها الاستفادة من قسم من المياه المخزنة في سد الرستن والمياه الناتجة عن الصرف الصحي بعد معالجتها، وفق المواصفات المطلوبة، وضخها إلى خزان تجميعي، ليعاد عبر أنابيب في أول مدخل نهر العاصي في حماة، وليتم من خلال ذلك تأمين استمرار جريان نهر العاصي، وبالتالي دوران النواعير على مدار العام.‏

وأضاف السيد المحافظ أن هذا المشروع في غاية الأهمية لأنه يساهم بالحفاظ على البيئة النظيفة وإزالة الروائح الكريهة من جهة ويسهم في استمرار دوران النواعير التي ارتبط اسم حماة بها لما لها من أهمية أثرية وسياحية في المحافظة كونها عامل جذب سياحي مهم.‏

وبين أنه تم إنجاز المرحلتين الأولى والثانية من الدراسة وتم تكليف فرع نقابة المهندسين لإنجاز اللازم لهذه الدراسة، ليصار إلى تنفيذها موضحاً أن مدة الدراسة أربعة أشهر، مضى نصفها، ومدة تنفيذ المشروع عام واحد، وكلفته التقديرية بين 400 إلى 500 مليون ليرة سورية.‏

أخيراً‏

هل ستعود النواعير إلى الدوران لتأخذ دورها وتكون رافداً سياحياً واقتصادياً وأثراً تاريخياً جمالياً هذا مانأمله ؟ .