زيد بن ثابت مفتي المدينة وجامع القرآن
كتبة الوحي.. دعا له الرسول وشهد له الصحابة بالسبق
زيد بن ثابت مفتي المدينة وجامع القرآن
عمرو أبو الفضل
كان زيد بن ثابت من أكثر الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن وتفانياً في جمعه، وباركه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء، وشهد له الصحابة بالسبق والتقدم في العلم والحكمة، وكان ضليعاً في المواريث والفقه، ولقب بالإمام الكبير وشيخ القراء ومفتي المدينة.
ويقول الدكتور محمد متولي منصور - الأستاذ بجامعة الأزهر - هو زيد بن ثابت بن الضحاك بن زيد بن لوذان بن عمرو بن عبد عوف بن غنم بن مالك بن النجار بن ثعلبة الأنصاري من بني النجار أخوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، والملقب بأبي سعيد وأبي خارجة.
كان يتيماً يوم قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة، فقد توفي والده يوم بُعاث وسنه لا تتجاوز إحدى عشرة سنة، وأسلم وهو صغير مع المسلمين من أهله، وعكفت أمه على تربيته وتعليمه وحثه على الجهاد في سبيل الله، ففي غزوة بدر ذهب إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - يرجوه أن يخرج معهم في سبيل الله في تلك الغزوة، فلما أشفق عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لصغر سنه ورده رداً كريماً، حزن حزناً شديداً فوعده الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالغزوة المقبلة.
وأذن له بالجهاد في غزوة الخندق، وفي يوم تبوك أمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بحمل راية بني النجار بدلاً من عُمارة بن حزم، فقال عُمارة: يا رسول الله بلغك عني شيء، قال الرسول - صلى الله عليه وسلم: “لا، ولكن القرآن مقدم، وزيد أكثر أخذاً منك للقرآن”.
صفاته
عرف زيد بالعقل الراجح وحدة الذكاء، وجودة الذهن ونعمة الحفظ الجيد والذاكرة القوية ومحبة العلم، ويروى أن بعض رجال قومه أتوا به إلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخبروه أنه قد حفظ سبع عشرة سورة من القرآن الكريم. فعرض عليه النبي - عليه الصلاة والسلام - أن يتعلم كتاب اليهود “التوراة” فقد قال له الرسول: “يا زيد تعلم لي كتاب يهود فإني والله ما آمنهم على كتابي”. ويروى أيضاً أنه تعلمه في نحو أسبوعين وأتقنه تماماً، وكان يكتب له إليهم، وإذا كتبوا إليه قرأ له - عليه الصلاة والسلام.
ويروى عن ثابت بن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه - وسلم: “أتحسن السريانية”، قلت لا، قال: “فتعلمها فإنه تأتينا كتب”، قال فتعلمتها في سبعة عشر يوماً، قال الأعمش كانت تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به، من هنا أطلق عليه لقب “ترجمان الرسول صلى الله عليه وسلم”.
وكان أكثر الصحابة إتقاناً لحفظ القرآن، وأداء لقراءته، وضبطاً لإعرابه ولغاته مع فهمه لما يقرأ، فكلفه الرسول - صلى الله عليه وسلم - لعدله ورويته وبراعته وإتقانه في التعلم والحفظ وأمانته ودقته في النقل، بكتابة الوحي الذي يتنزل عليه - صلى الله عليه وسلم - وداوم على كتابة وقراءة القرآن على الرسول - صلى الله عليه وسلم - بعضه أو كله وشهد العرضة الأخيرة للقرآن، وقال أنس: جمع القرآن على عهد رسول الله أربعة، كلهم من الأنصار: أبي، ومعاذ وزيد بن ثابت وأبو زيد.
حرب الردة
لما وقعت حرب الردة قتل عدد كبير من حفظة القرآن في معركة اليمامة، فبعث إليه خليفة المؤمنين أبو بكر، وكان عنده عمر بن الخطاب فقال له: يا زيد إن عمر أخبرني أن عدداً كبيراً من حفظة القرآن قد قتلوا، وإنه يعرض علي أن نقوم بجمع القرآن، وإنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، قد كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتتبع القرآن فأجمعه.
وقال زيد: كيف نفعل شيئاً لم يفعله الرسول - صلى الله عليه وسلم. ولكن عمر ظل يناقش زيداً حتى شرح الله صدره لذلك، كما شرح صدر أبي بكر، وقال: فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
وأخذ يتتبع القرآن، ويجمعه من اللخاف والرقاع وغيرها مما كان مكتوباً بين يدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - ومن صدور الرجال، وكان لا يكتب شيئاً حتى يشهد شاهدان على كتابته وسماعه من الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورتبه على حسب العرضة الأخيرة التي شهدها مع الرسول - عليه الصلاة والسلام - وأودعه عند أبي بكر حتى توفي وبقيت النسخة في رعاية عمر، ثم عند أم المؤمنين حفصة.
اختيار
وفي عهد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - كان الصحابة قد انتشروا في البلاد واتسعت الفتوحات، واختلفت القراءات بين الناس وخطأ بعضهم بعضاً، وكادت تحدث فتنة، فاستدعاه عثمان بن عفان وكلَّفه بكتابة مصحف، ويروى عن مصعب بن سعد، قال عثمان: من أكتب الناس؟ قالوا: كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن ثابت. قال: فأي الناس أعـرب - وفي رواية أفصح-؟ قالوا: سعيد بن العاص. قال: فليمل سعيد، وليكتب زيد. ولما انتهى من كتابته عرض عثمان المصحف على صحف حفصة، فلم يختلفا في شيء، فقرت نفسه رضي الله عنه.
وفي رواية لمحمد بن سيرين: أن عثمان جمع لكتابة المصحف اثني عشر رجلاً من المهاجرين والأنصار، منهم زيد بن ثابت، وفي روايات متفرقة منهم: مالك بن أبي عامر، وكثير بن أفلح، وأبي بن كعب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام.
واختلف في وفاة الإمام زيد - رضي الله عنه - وقال الواقدي وهو إمام المؤرخين مات سنة 45هـ، وقال أحمد بن حنبل وعمرو بن علي سنة 51 هـ، وقال المدائني والهيثم ويحيى بن معين إنه توفي سنة 55 هـ، والراجح أنه توفي بالمدينة سنة 45 في زمن معاوية.
منزلة زيد بن ثابت
حدث زيد بن ثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن صاحبيه، ولمناقبه الكثيرة كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يستخلفه إذا حج على المدينة، واستعمله على القضاء وفرض له رزقاً، وهو الذي تولى قسمة الغنائم يوم اليرموك، وعن سليمان بن يسار، قال: ما كان عمر وعثمان يقدمان على زيد أحداً في الفرائض والفتوى والقراءة والقضاء، فقد كان أحد أصحاب الفتوى الستة. وقال عبد الله بن عباس: أخذت لزيد بن ثابت بالركاب فقال تنح يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت هكذا نفعل بعلمائنا وكبرائنا.