إشارات قرآنية ، من خلال فصوص الحكم لأبن عربي : lمقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله و صحبهه ، وبعد
- مقدمة:
يتسم الفكر التربوي عند ابن عربي قدس الله سره بالتنوع الخلاق ، فمباحثه متسقة منظمة في نسق معرفي متميز ، لكنه يطبع عليه الغموض أحيانا و التعقيد ، سرعان مايقع القارئ أو الباحث المتخصص عند منازلتها على نوع من الحيرة ؟ ينقص البعض ذالك الوجد كما قال ابن تيمية رضي الله عنه ، عند نصيحته لتلامذته مذكرا أياهم بالأمر الجلل و الصعب ، أمر إرادة وجه الله تعالى.
في فصوص الحكم ، إشارات ربانية تنبه القارئ إلى مسألة الإنسان الكامل الذي أنيط به وظيفة النيابة و مهام الأستخلاف و مقام الخلافة عن الله تعالى و رسوله صلى الله عليه و سلم.
وفي تلك الحضرات ، حضرة الوظيفة و المهام و المقام ، صرح ابن عربي قدس الله سره في فصوصه ما يلي : ( ...أما بعد : فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في مبشرة في العشر الأواخر من محرم سنة سبع و عشرون و ستمأئة بمحروسة دمشق ، و بيده صلى الله عليه وسلم كتاب ، فقال لي : هذا كتاب فصوص الحكم خذه و اخرج به إلى الناس ينتفعون به ، فقلت : السمع و الطاعة لله و رسوله و أولي الأمر كنا كما أمرنا.فحققت الأمنية ،وأخلصت النية و جردت القصد و الهمة إلى أبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة و لانقصان ، وسألت الله تعالى أن يجعلني فيه و في جميع أحوالي من عباده الذين ليس للشيطان عليهم سلطان ، و أن يخصني في جميع ما يرقمه بناني و ينطق به لساني و ينطوي عليه جناني بالألقاء السبوحي و النفث الروحي في الروع النفسي بالتأييد الأعتصامي ، حتى أكون مترجما لا متحكما ، ليتحقق من يقف عليه من أهل أصحاب القلوب أنه من مقام التقديس المنزه عن الأغراض النفسية التي يدخلها التلبيس.و أرجو أن يكون الحق قد سمع دعائي قد أجاب ندائي ، فما ألقي إلا ما يلقي إلي ، و لا أنزل في هذا المسطور إلا ما ينزل به علي.
ولست بنبي و رسول و لكني وارث و لآخرتي حارث).......شرج الجامي لفصوص الحكم ، ص 44،45،46.
حد الحبيب صلى الله عليه وسلم كما أشار المؤلف لخذيمه ابن عربي رضي الله عنه نصوص الكتاب ، و كتبها بلسان الترجمة بعيدا عن التحكم في معناها ، و لعله يقصد لسان القلب ، أو جنان الروح في تلقيها عن الغيب و عن الحضرات الأسمائية فهوما تفوق مدرك العقل. لكننا كما نعلم أن الحبيب صلى الله عليه وسلم أوتي جواع الكلم ، فكان الرسالة المحمدية معجزة كاملة في اللسان و الأسلوب ، بلغها صلى الله عليه وسلم لقومه و للعالمين بلسان سهل جزل كانت القلوب و العقول و الأفئدة عاجزة عن إدراك ذالك الجمال النبوي الواضح و تنقاد لكلام ألهي عظيم جذبت نورانية العام و الخاص للروضة المصطفوية الشريفة صلى الله عليه وسلم.
فهل حد الحبيب صلى الله عليه وسلم كتاب غامضا لآبن عربي قدس الله سره حتى عجزت عقول من سبقنا بالإيمان عن فهمه؟.
فابن عربي رضي الله عنه يصرح في أكثر من مرة في سائر كتبه أن علمه يتلقاه عن نفث روحي و إلقاء سبوحي و مدد رباني منزه عن تلبيس الشيطان معصوم إن صح التعبير عن الأغراض النفسية. فلم كانت عباراته سهلة ممتنعة و غامضة مستعصية ؟. ويرى غالب من درسوا الفصوص أنها أولا و أخيرا منظمة في الشكل ، مرتبة في المعنى ، مسترسلة في التعبير ، تنتقل بالقارئ من أول موجود الأنسان الخليفة في صورته الآدمية منتقلة عبر الأزمنة في دورات الملك و السيادة ،الى أن كانت السيادة المحمدية صلى الله عليه وسلم.تدرجت الخليقة بالتربية الإلهية بالفطرة ثم باسماعها و الإبلاغ و الأشهاد إلى أن استعدت أن تتلقى صورتها الكاملة و حقيقتها الفردية الحقيقية في النموذج الأكمل الكامل الخاص مولانا الحبيب صلى الله عليه وسلم.
يلخص ابن عربي رحمه الله تعالى في 27 فصا ما فهمه بلسان الحقيقة و تأويل يخالف ما نعرفه في تفاسير معتمدة سطرها العلماء ، وما أوتيه من فهم حول قصص الأنبياء عليهم السلام ، يستوحي في استحضاراته ، علوم الأسماء الألهية ، و تجليات الصفات ، و ألسنة مهيمة متدفقة ترى في الألوهية و الربوبية و العبودية و الخصوصية و في مسرح الوجود الأنساني مناح متجانسة . و لامناص من الأعتراف بنتيجوة أولية ، ان الحقائق االكبرى التي يضمها الكتاب لها آثار خطيرة في الفهم و الأعتقاد ، وكأنه رضي الله يكتب بلسان الذوق و السكر و المعرفة و البرهان لمن بعده من الأجيال أسسا اجتهادية علمية في تأويل القرآن و فهمه ، بلسان أشاري ، يسعى الإنضباط بقواعد اللسان العربي ، و اجتهاد علمائه ، و اختصاصه غيره من العلماء في المعارف ، لكنهترك في الحقيقة تراثا ملغما يحتاج الى من يملك مفتاح العلم الجامع و الرؤية الربانية الرشيدة و سعة الصدر و حلمه ليفك رموزه ، ليضع لما أسا علميا تربوية في الفهم و الإعتقاد و التسليم.