أُبي بن كعب حبر اليهود الذي صار سيد المسلمين
كتبة الوحي.. أقرأ الناس للقرآن وأوَّل كاتب له
أُبي بن كعب حبر اليهود الذي صار سيد المسلمين
كان أُبي بن كعب الأنصاري سيد القراء، وأحد الذين أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم- بأخذ القرآن عنهم، وهو أول من كتب الوحي بين يدي النبي- عليه الصلاة والسلام - في المدينة، وجمع القرآن على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم، وكان رأساً في العلم والعمل ومن فقهاء الصحابة وأكثرهم تفسيراً لكتاب الله تعالى.
ويقول الدكتور محمد متولي منصور، الأستاذ بجامعة الأزهر، ولد أُبي بن كعب بن قيس بن عبيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو في ديار يثرب، وينتهي نسبة إلى الخزرج، وأمه صهيلة بنت النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري، وكان يكنى أبا المنذر وكناه بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأبا الطفيل وكناه بها عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بابنه الطفيل، وكان عمر يسميه سيد المسلمين.
سفير الإسلام
وذكرت كتب التراجم أنه كان قبل الإسلام حبراً من أحبار اليهود، ونشأ في يثرب ساخطاً على حياة قومه، معترضاً على سلوكياتهم متفكراً في الكون من حوله، ولم تجب الكتب القديمة التي اطلع عليها على تساؤلاته ولم تهدأ حيرته، وفي إحدى الليالي خرج يطوف بديار المدينة، فسمع حواراً في دار سعد بن الربيع عن الإسلام ونبيه - صلى الله عليه وسلم - وعلم أن مصعب بن عمير أتى سفيراً ليعلم الناس الإسلام، فما أن سمع الحوار حتى طرق الباب على سعد - رضي الله عنه - وأعلن إسلامه ليحظى بالسفر إلى مكة ليشهد بيعة العقبة، وعندما هاجر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة آخى - عليه الصلاة والسلام - بينه وبين سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل، ولازم الرسول - صلى الله عليه وسلم - فاشترك في بناء المسجد، وشهد غزوة بدر فكان من أهلها، ولم يتخلف عن غزوة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط، بل حضر المشاهد كلها.
أول الكُتاب
وكان أُبي بن كعب من كتبة الوحي بين يدي النبي - عليه الصلاة والسلام - في المدينة، ومن أحرص الناس على حفظ القرآن الكريم، كما كان ممن جمعوا القرآن على عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ففي البخاري بسنده عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
وأسند إليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهمة تعليم الوفود القرآن وتفقيهها في الدين، وكان النبي إذا غاب عن المدينة يستخلفه لإمامة المسلمين في الصلاة. كما كان - رضي الله عنه - واحداً من الستة أصحاب الفتيا الذين أذن لهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالحكم في حوائج الناس، وفض المنازعات التي تحدث بينهم، ورد المظالم إلى أهلها. قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - يوماً: “يا أبي بن كعب، إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب) “البينة 1”، فقال أُبي في نشوة غامرة: يا رسول الله: بأبي أنت وأمي، الله سماني لك؟ فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم: “نعم”، فجعل أُبي يبكي من شدة الفرح.
صفاته
عرف أُبي بن كعب بالتقوى والورع والغيرة على الدين وشدة الخوف من الله تعالى والزهد في الدنيا، وكان يبكي إذا ذكر الله، ويهتز كيانه حين يرتل آيات القرآن أو يسمعها، وكان إذا تلا أو سمع قوله تعالى: (قل هو القادر على أن يبعث عليكم عذاباً من فوقكم أو من تحت أرجلكم أو يلبسكم شيعاً ويذيق بعضكم بأس بعض انظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون) “الأنعام، 65”، يغشاه الهم والأسى.
وروي أن جندب بن عبد الله البجلي، قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم، فدخلت مسجد رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فإذا الناس فيه حلق يتحدثون، فجعلت أمضـي الحلق حتى أتيت حلقة فيها رجل شاحب عليه ثوبان كأنما قدم من سفر. فسمعته يقول: “هلك أصحاب العُقدة ورب الكعبة، ولا آسي عليهم”، أحسبه قال مراراً، فجلست إليه فتحدث بما قضي له ثم قام، فسألت عنه بعدما قام قلت: من هذا؟. قالوا: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب، فتبعته حتى أتى منزله، وإذا هو رث المنزل رث الهيئة، فإذا هو رجل زاهد منقطع.
وروى عنه بعض الصحابة والتابعين منهم بنوه محمد والطفيل وعبد الله، وأنس بن مالك، وابن عباس، وسويد بن غفلة، وزر بن حبيش، وأبو العالية الرياحي وغيرهم.
وبعد انتقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى، ظل أبي على عهده في عبادته وقوة دينه، وجلس يعلم الناس أمر دينهم، وكان دوماً يذكر المسلمين بأيام الرسول - عليه الصلاة والسلام - ويقول: “لقد كنا مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووجوهنا واحدة، فلما فارقنا اختلفت وجوهنا يميناً وشمالاً”.
منزلة رفيعة
وبلغ أُبى بن كعب في المسلمين الأوائل منزلة رفيعة، ويذكر أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان يجله ويستفتيه في النوازل والقضايا، وأمره أن يجمع الناس، فيصلي بهم في المسجد صلاة التراويح في رمضان، وقبلها كان يصلي كل مسلم وحده، وخطب عمر بالجابية فقال: “أيها الناس من كان يريد أن يسأل عن القرآن فليأت أبى بن كعب”، وقال عنه أبيّ سيد المسلمين. وقال أبيّ بن كعب لعمر بن الخطاب: مالك لا تستعملني؟، قال: أكره أن يدنس دينك.
وكان أبي - رضي الله عنه - مستجاب الدعوة، فيحكى ابن عباس أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال لجمع من الصحابة: أخرجوا بنا إلى أرض قومنا. فكان ابن عباس مع أبي بن كعب في مؤخرة الناس، فهاجت سحابة، فدعا أبي قائلاً: اللهم اصرف عنا أذاها. فلحق ابن عباس وأبي الناس، فوجدوا أن رحالهم ابتلت: فقال عمر: ما أصابكما؟ “أي: كيف لم تبل رحالكما؟” فقال ابن عباس: إن أبيا قال: اللهم اصرف عنا أذاها. فقال عمر: فهلا دعوتم لنا معكم.
واختلفت المصادر التاريخية في سنة وفاته - رضي الله عنه - فقيل توفي في خلافة عمر سنة 19، وقيل سنة 20، وقيل سنة 22 هـ، وقيل إنه مات في خلافة عثمان سنة 32 هـ، وذكر في المستدرك أن هذا أثبت الأقاويل لأن عثمان أمره بأن يجمع القرآن.
أُبي .. رأساً في العلم والعمل
كان - رضي الله عنه - رأساً في العلم والعمل، عالمـا بأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وأحد فقهاء الصحابة وقرائهم، ومن أكثر الصحابة تفسيراً لكتاب الله تعالى، فقد خصه الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء، حين سأله ذات يوم: “يا أبا المنذر أتدرى أي آية من كتاب الله معك أعظم؟”، فأجاب قائلاً: الله ورسوله أعلم. فأعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - سؤاله: “يا أبا المنذر أتدرى أي آية من كتاب الله معك أعظم؟”، فأجاب أُبي: “الله لا إله إلا هو الحي القيوم”، فضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - صدره بيده ودعا له بخير، وقال له:” ليهنك العلم أبا المنذر” أي هنيئاً لك العلم،
عمرو أبو الفضل