إليها من قراها المحيطة، وقد سيطرت على 85% من منازلها ما تعرف ب “دائرة أراضي إسرائيل”.


في حديث ل “الخليج” قال خالد سالم وهو ابن اسرة ذات جذور ضاربة في المدينة: إن السلطات “الإسرائيلية” لم تتوقف عن تضييق الخناق على عكا العربية لكي يضطر سكانها الى الرحيل من خلال انذار السكان العرب ومنعهم من ترميم بيوتهم التي بات معظمها يعاني من التصدعات بل والانهيار كما حصل مع قاسم ابو خزنة الذي تهدم بيته عليه وقضى جراء ذلك قبل اربع سنوات. وأفاد سالم ان “إسرائيل” طالما حلمت بإفراغ المدينة من المواطنين العرب ولما فشلت في ذلك سعت الى تقليل اعدادهم بالوسيلة ذاتها عبر منع بناء البيوت الجديدة أو ترميم القديمة ما ادى الى حالة ازدحام شديدة ارغمت الكثيرين من الاسر على العيش في ظروف غير انسانية وخطيرة.


تواصل اوساط يهودية متطرفة في المدينة اثارة ضجة اعلامية في الاذاعات والصحف المحلية ضد عملية الترميم التي يخضع لها مسجد اللبابيدي في هذه الايام وهو المسجد الوحيد الذي يقع خارج اسوار عكا القديمة.


بني المسجد في سنوات الثلاثين واستخدم حتى نكبة عام ،1948 وفي عام 1968 تم تحريره من يدي “حارس الاملاك المتروكة” واصبح تابعا للجنة امناء الوقف الاسلامي في عكا. وفي عام 2000 قدمت الخرائط المطلوبة لبلدية عكا بغية اصدار ترخيص لإعمار وترميم المسجد وحصلت لجنة امناء الوقف الاسلامي على الترخيص المناسب من بلدية عكا وبوشر رأساً بترميمه.


ووصف الحاخام “يوسي شطيرن” رئيس كنيس “يشيفات ههسدير”، عملية الترميم بأنها “أمر خطير جداً تجب متابعتها”. فيما وصفها الراب نحشون كوهن، رئيس النواة التورانية في عكا “بأنها تدل على ضعف الدولة الآخذة بالتفكك من جميع النواحي”.


وفي حديث ل “الخليج” أكد رئيس لجنة امناء الوقف الاسلامي في المدينة كمال الجيوسي ان عكا للعكيين وان من حقهم الاعتناء بمقدساتهم لافتا الى ان الكنس اليهودية في الدول العربية كانت ولا تزال بالحفظ والصون. وتساءل جيوسي “لماذا يحتجون على ترميم المسجد رغم ان 60% من سكان الحي الذي يوجد فيه المسجد هم من العرب؟ لماذا لا يحتج المواطنون العرب في حي “فولفسون” والبالغة نسبتهم 80%، على وجود كنيس يهودي؟


محاولات طمس الهوية


وفيما تسعى “إسرائيل” لحرمان العكيين من مصادر العمل وتفضيل اليهود في عملية التوظيف فإنها تستخدم مختلف المخططات لطمس الهوية العربية الإسلامية للمدينة وتهميش اصحاب الدار. ويظهر ذلك حتى في تسميات الشوارع والساحات للعامة اذ تحول السوق الشعبي الى “سوق ماركو بولو” والميناء الى “رصيف الرمبام” وساحة الصيادين الى “فنيسيا” وساحة الكنيسة الى “جنوا” وحي الفاخورة الى “البيزاني” وساحة الكراكون الى شارع “الهجناه”. وهذا أنموذج لتزوير التاريخ وتزوير الثقافة وخلق حالة من الاغتراب بين الانسان والمكان مثلما حصل لسائر مدن فلسطين.


كما تعيش المؤسسات التعليمية في المدينة حالة من الفشل والتخلف ولذلك يضطر البعض الى تعليم ابنائهم في حيفا والقرى المحيطة. كما تنعكس ملاحقة الاهالي في محاربة جمهور صيادي الاسماك من خلال اغلاق مناطق واسعة من البحر امامهم بذرائع مختلفة الى جانب فرض الضرائب والرسوم الباهظة عليهم و”التي تجعل مهنة الصيد ضربا من العبث” كما يقول صيادوها.


وإزاء تفاقم الاوضاع المعيشية الخانقة شهدت عكا في الآونة الاخيرة مبادرات من ابنائها لتمكين السكان العرب من الحفاظ على بقائهم وهويتهم الثقافية الوطنية من خلال جمعيات اهلية منها جمعية “الياطر” للتنمية الثقافية والاجتماعية. في حديث ل”الخليج” قال مديرها العام سامي هواري: “علاوة على تغييب الخدمات البلدية والمدنية من قبل السلطات “الإسرائيلية” استولت هذه السلطات على معظم البيوت وتحظر على ساكنيها ترميمها والأهم انها تحول دون قيامهم بالحصول على القروض لشرائها اما القصور القديمة فنحرم من استخدامها كمراكز جماهيرية ثقافية، وتعود ملكية أي بيت فور وفاة ساكنه الى الشركة الحكومية التي تؤجره الى جهات يهودية فقط بحجة انها ترمي الى تخصيص الاحياء المطلة على البحر للفنانين أو ما الى ذلك.. هذه في الواقع طرق “الترانسفير” بماركة ““إسرائيلية”..”.


وأضاف الهواري: في ظل تردي الاوضاع الاقتصادية الاجتماعية استفحل وباء المخدرات في اوساط الشباب اما السلطات فتغض الطرف عن تجار السموم وجرائمهم في الليل والنهار…”.


شعرة الرسول الأكرم


وكما في كل عام ستحيي عكا في هذا الشهر الفضيل ليلة القدر على طريقتها التقليدية الخاصة بتبرك المسلمين فيها بشعرة من رأس الرسول صلى الله عليه وسلم محفوظة في مسجد الجزار التاريخي منذ قرون.


وبهذه المناسبة يقام احتفال ديني كبير في مسجد الجزار في المدينة بمشاركة حشد كبير من المصلين من المدينة وسائر أراضي 48 يتضمن مواعظ دينية ومدائح نبوية وابتهالات إسلامية، ويستمر حتى مطلع الفجر.


ومع اقتراب الساعة الثانية عشرة ليلا يبدأ المصلون بالاستعداد بتلهف وشوق لإخراج شعرة الرسول صلى الله عليه وسلم المحفوظة داخل صندوق محكم في الطابق العلوي للمسجد، حيث يتناولها الشيخ سمير عاصي إمام مسجد الجزار ويعرضها أمام الحشد الذي تفيض مشاعره الى حد البكاء.


ويظل الإمام يطوف بالشعرة المحفوظة في زجاجة في صندوق من الخشب بين جموع المصلين لتقبيلها والتبرك بهذا الأثر النادر.


يشار إلى أن قضية التبرك بآثار الرسول صلى الله عليه وسلم تثير جدلا واسعا بين صفوف علماء المسلمين، حيث أجاز الاحتفال بها كثير من العلماء مع ذكر الدليل الشرعي فيما اعتبرها الآخرون بدعة غير جائزة.


وتعتبر هذه الشعرة أثرا نادرا في البلاد للرسول الأكرم منذ العهد العثماني ويتم عرضها على المصلين مرة كل عام في ليلة القدر، وكان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قدمها هدية للشيخ سعد الدين الشقيري المقيم في مدينة عكا وهو والد الرئيس الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، أحمد الشقيري.


منع الأذان


ويخشى سكان مدينة عكا هذا العام أيضا من تكرار قيام السلطات الإسرائيلية بمنع رفع أذان المغرب خلال شهر رمضان الفضيل للسنة الثانية على التوالي بحجة المحافظة على “جودة الحياة” للمواطنين اليهود في المدينة.


وكان سكان المدينة المسلمون ممن يعيشون خارج أسوار مدينة عكا التاريخية، ضمن أحياء مختلطة لهم ولليهود قد منعوا من قبل رئيس البلدية اليهودي قبل عامين من رفع صوت أذان المغرب موعد الإفطار كونه “يزعج” غير المسلمين.


وكان سكان حي “وولفسون” شمال مدينة عكا الذي تقطنه بضعة آلاف من المسلمين قد شهد خلال رمضان الماضي مشادات بينهم وبين اليهود الرافضين للأذان عبر مكبر صوت كادت أن تفضي لشجارات واسعة.


وكانت عصابات مسلحة من الشبان اليهود المتدينين قد جابت شوارع المدينة وهددت بإطلاق النار صوب كل من يخرق التعليمات بمنع الأذان واعتدت على مواطنين عرب ودعتهم للرحيل.


ويتهم عضو البلدية العربي أحمد عودة السلطات “الإسرائيلية” باتخاذ موقف غير إنساني و”عنصري” يتنافى مع الحد الأدنى من حرية العبادة ولفت إلى أن كل ما يطالب به الأهالي العرب هو رفع الأذان مرة واحدة في اليوم في شهر رمضان فقط لتيسير مواعيد الإفطار.


وأشار عودة إلى أنه سبق وتوجه وعدد من وجهاء المدينة إلى رئيس البلدية “شمعون لانكري” ولفت إلى قطعه الوعود لهم بالموافقة على رفع الأذان وأضاف “قام رئيس البلدية بمخادعتنا حيث أبدى موافقة لفظية وسرعان ما حث وزير الشرطة على إصدار قرار بمنع رفع الأذان بشكل قاطع”.


وقال خير خميس سقا أحد ساكني الحي الجديد شمال عكا إن الأهالي العرب أوكلوه العام الماضي مهمة تشغيل مكبرات للصوت عند رفع الأذان عند صلاة المغرب في رمضان لعدم سماعهم الأذان من البلدة القديمة لافتا إلى فعله ذلك مرات عدة قبل أن توقفه الشرطة.


وأوضح سقا أن الشرطة أنذرته مسبقا هذا العام بعدم محاولة رفع الأذان واستذكر قيامها العام الماضي بدهم منزله فور رفعه الأذان في بداية رمضان، وقال “دهمت الشرطة المنزل ثلاث مرات وقام أفرادها بمصادرة بعض الأجهزة، بدعوى أنها تتسبب بإزعاج المواطنين اليهود”.


وعبر سقا عن سخطه وأشار إلى أن السبب الحقيقي خلف منع رفع الأذان يكمن بتفشي الكراهية للعرب والخوف من تنامي أعدادهم والحرص على فرض الصبغة اليهودية على مدينة عكا بمختلف أحيائها وأضاف “نحن لا ننزعج من صراخهم ورقصهم خلال الأعياد وفي سوريا والعراق والمغرب ومصر وتونس وغيرها هناك المئات من الكنس القديمة والجديدة وهي بالحفظ والصون”.


وشكا سقا من تجوال شبان يهود مدججين ببنادق أوتوماتيكية في شوارع الحي وأصابعهم على الزناد لترهيب المواطنين العرب والمضي في إقصائهم وتهميشهم، موضحا أن الشرطة في الحي أبلغته بوجود أمر بمنع رفع الأذان هذا العام أيضا وأنذرته بذلك. وطالبت حياة زريف ماضي من سكان شمال عكا رئيس البلدية بإنزال يافطة تم تثبيتها على مدخل الحي قبل أيام يقدم فيها تهانيه بحلول شهر رمضان متهمة إياه بالنفاق. وتابعت الماضي: كيف يقوم رئيس البلدية بمنع رفع الأذان مرة واحدة كل يوم ولمدة دقيقة طيلة شهر رمضان فقط وفي الوقت نفسه يتمنى لنا رمضانا كريما وعيدا سعيدا وعلى هذه الخلفية المتوترة يخشى من تجدد الاشتباكات بين العرب واليهود في عكا ومن وقوع مجزرة جديدة.


وعن حالة الاغتراب ومحاولات التمسك بالحلم قالت مديرة “دار الاسوار” للطباعة والنشر حنان حجازي “اليوم وبعد 61 عاما على النكبة والتهجير يحاول المنزرعون في عكا ان يستنهضوا الهمم لترميم زوايا الذاكرة وازالة غبار الحزن. عكا تعيش الاغتراب والعذاب لكن أسوارها وحماة تاريخها ينبشون الماضي لإضاءة المستقبل وزرع الوعي في الاجيال الصاعدة فقد تنادي المخلصين من اهلها ليقيموا مشاريع ثقافية ونهضوية آخرها “ارشيف عكا” الذي يوثق تاريخ المدينة وتراثها واختتمت بسؤالها الاستنكاري: عكا تبيع حزنها على اعتاب اليونسكو فمتى تجف دمعتها؟”.