بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين, الذي تنزه عن الأشباه والنظائر وحارت دون إدراك جلاله الأحداق ودهشت في مجلى جماله النواظر
اللّهمّ صل وسلم وبارك وأنعم وتكرم على حبيبنا ونبينا وقدوتنا ووسيلتنا إلى ربنّا سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

لنبدأ الحديث عن الكاتب الانكليزي –ايرلندي الأصل-أوسكار وايلد

ولد الكاتب الإيرلندي أوسكار وايلد في دبلن في 16تشرين الأول (أكتوبر) 1854 . وهو ابن أحد الجراحين المتميزين . التحق بكلية ترينيتي - دبلن ، ثم انتقل إلى جامعة أكسفورد، حيث تلقى دروسه في علم الجمال على والتر باتر وجون راسكن . تميز بأناقته وسلوكه الغريب ، وكان من القاثلين بمذهب ´´الفن للفن ´´. نثسر له أول كاب ´´قصائد ´´ في العام 1881، وفي العام التالي ، ذهب لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة الأميركية . وبعد زواجه بالآنسة لونستانس لويد عام 1884، نشر عدة كتب قصصية للأطفال ، منها "الأميرالسعيد" (1888)، ثم تبعها بقصة "صورة دوريان غراي" (1891). كان نجاح وايلد الأول عندما اخرج جورج ألكسندر مسرحيته "مروحة السيدة ويندرمير"عام 1892. ثم تبعها .ب´´امرأة لا أهمية لها´´ في العام التالي. ئم أردفها .ب´´زوج مثالي´´ و´´اهمية أن أكون جادأ´´ في آن واحد عام 1895. أما مسرحية ´´سالومي´´ فقد رفضت أن تجاز في إنكلترا، لكنها نشرت في فرنسا عام1893. في العام 1865، كتب كراس تشهير ضد ماركيز كوينزيبري، وقد خسر القضية فأدين بسنتي سجن مع الأشغال الشاقة . ونتيجة لهذه الخبر ة ، فقد كتب ´´اغنية سجن القراءة " (1898). اطلق سراحه من السجن مفلسأ في العام 1897. ذهب إلى باريس وعاش هناك إلى أن مات في 30 تشرين الثاني (نوفمبر) 1977.


أما مسرحيته المشهورة "سالومي" فلنا وقفة معها

في التاريخ سالومي هو اسم البغي اليهودية التي كانت سبب قتل يوحنا المعمدان.

وهي تلك التي أخبر سيدنا النّبيّ صلى الله عليه وسلم بأن رأس يحيى على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسّلام, قُدّم مهرا لبغي من بغايا بني إسرائيل.

أثارات سالومي خيال الكتاب والشعراء, فألفت القصائد والمسرحيات والمقطوعات الموسيقية, والأوبرا.
وقصة المسرحية باختصار أن
هيرود الحاكم الروماني للقدس, تزوج زوجة أخيه –هيروديا اليهودية- بعد أن قتله واستأثر بالعرش لنفسه, وكانت لهيروديا ابنة جميلة تدعى سالومي, أثارت غريزة عمها هيرود.
هيرود كان قد أمر جنده أن يعتقلوا آيكونان النّبيّ-يوحنا المعمدان أو يحيى وأما الاسم في المسرحية فهو iokannan-
بالصدفة تسمع سالومي صوت آيكونان من سجن القصر, فيدفعها الفضول لأن تطلب من الحرس أن يروها هذا الرجل.
يحتج أحد الحرس بأنه مجنون ولا يليق بأميرة مثل سالومي أن تنظر للأمثاله, لكن أحد الحرس يظهر اعتقاده بأن آيكونان نبي وأنه يبشر بابن الانسان –أستغفر الله- وابن الانسان هو يسوع الناصري, ويدور حوار شيق يضفي عليه أسلوب وايلد الكثير من الجمال, فيزداد اصرار سالومي على رؤية آيكونان.
ويتدخل رئيس الحرس الضابط الشاب الروماني والذي ما فتئ منذ بداية المسرحية يلاحق سالومي بنظراته ويبدي اعجابه بها.
وتحت ضغط الفاتنة اليهودية يرضخ الضابط ويسمح لها برؤية آيكونان النّبيّ, وعندما ترى سالومي آيكونان تقع في حبه, ويذبح الضابط الشاب العاشق نفسه بسيفه كمدا وحزنا.
يرفض آيكونان النّبيّ الرضوخ للأميرة اليهودية, ويدور حوار بين آيكونان النّبيّ وبين سالومي, عن أمها هيروديا التي تآمرت على زوجها مع شقيقه, ثم تزوجته وصارت ملكة القدس –جودايا أو أورشليم-.
لا تطيق سالومي رفض آيكونان لها ويدفعها الحبّ الأعمى إلى الانتقام, فتثير عمها هيرود وتعقد معه صفقة, وهي أن ترقص عارية أمامه مقابل أن يهديها رأس آيكونان النّبيّ, ويقبل هيرود بعد تردد.
قبل هيرود المقايضة, جسد سالومي العاري أما رأس آيكونان النّبيّ.

وبالفعل تتم الصفقة, وتحصل سالومي على رأس آيكونان على طبق من الفضة, وهي التي طالما راودته أن يقبلها.
كتب أحدهم أن آيكونان النّبي "شجاعٌ بما فيه الكفاية ليدفعَ حياته ثمناً لرفضه لها. وَبعدَ أن يُقطعَ رأسُهُ بأمرٍ منها، تُقبِّلُ بغبطةٍ شفتيه الميتتين وَهما تقطران دماً"
فترضى بنصيبها من الحب أن تحضن رأسه الجميل, وتقبل شفتيه المدميتان.
وعندما يفيق هيرود من سكرة غريزته, يشعر بعظيم جرمه في حق الطاهر آيكونان النّبيّ –فقد كان في أعماقه يكن حبا واحتراما وتصديقا له- فيأمر هيرود جنوده بقتل سالومي, ويتراكض الجنود نحو سالومي ساحقين جسدها بتروسهم.

ويسدل الستار.

هذه المسرحية شبه ممنوعة في أوروبا -على الرغم من قيمتها الأدبية وكفاءة مؤلفها-, ومعتم عليها ضمن أرشيف الأدب العالمي, بحجة معاداتها للسامية.
حتى كتب أحدهم: وتعد مسرحية ( سالومي ) السبب الرئيسي الذي جعل السلطات يضعون أوسكار وايلد تحت مجهر المراقبة والإتهام ، ولعل أجمل ما قيل عن هذا الكاتب من قبل ( بير بوم ): (كان الجمال موجودا ً قبل 1881 لكن أوسكار وايلد أول من رآه).
ألهمت سالومي الكثير من الرسامين والموسيقيين الكتاب غير وايلد, فكانت سالومي موضوعا للوحة من لوحات المصور الفرنسي جوستاف مورو, وألهمت الموسيقار الرائع ريتشارد شتراوس أوبراه المشهورة: سالومي, وكتب كتب هرمن سودرمان مأساة بعنوان: نيران القديس يوحنا.
ورد ذكر سالومي في الكتاب المقدس دون التصريح باسمها, ففي نجيل متى (( ثم لما صار مولد هيردوس ، رقصت ابنة هيروديا في الوسط ، فسرت هيروديا. ومن ثم وعد بقسم انه مهما طلبت يعطيها . فهي إذا كانت قد تلقت من أمها ، قال أعطني هاهنا على طبق رأس يوحنا المعمدان . فاغتنم الملك . لكن من اجل الأقسام والمتكئين معه أمر أن يعطي فأرسل وقطع رأس يوحنا في السجن ، فأحضر رأسه على طبق ودفع للصبية )) ( إنجيل متى الإصحاح الرابع عشر :6-11 )
هذا الجانب يلقي الضوء على جزء من علاقة أوروبا باليهود, ومدى تأثر الأدب المسيحي بذلك.
وهي نقطة جدا حساسة, نقدر –كمسلمين- أن نستفيد منها لكشف أستار اليهود امام الغرب المتعصب, وإلا فهي لاتعدو مسرحية أدبية.
هناك نقاط أخرى سأحاول إن شاء الله اسقاط الضوء عليها في المستقبل, منها بغض اليهود للموسيقار الألماني ريتشارد فاجنر وأوبراه الرائعة غروب الآلهة, وهذه الأوبرا ممنوعة في اسرائيل حتى فترة قصيرة.
وكذلك على قصة طرد اليهود من انكلترا لمدة أربعمائة سنة بعد حادثة القديس هيو.
وغيرها كثير.
نسأل الله تعالى أن يوفقنا أن نتصف بصفات عباده الصالحين, وأن نتخلق بأخلاق سيد المرسلين سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلم. آمين. والحمد لله ربّ العالمين, ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم, وصلى الله وسلم على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.