فاس قاعدة إمبراطورية المرابطين في المغرب
حواضر الإسلام.. عاصمة سياسية وثقافية لدول متعاقبة
فاس قاعدة إمبراطورية المرابطين في المغرب
من المصدر ©صحن المدرسة البوعنانية
تاريخ النشر: الثلاثاء 31 أغسطس 2010
أحمد الصاوي
فاس من أقدم الحواضر الإسلامية النشأة في بلاد المغرب، ويكفيها أنها كانت حاضرة لأول دولة علوية ثم عاصمة لدولة المرابطين وخلافة المرينيين بل ولأول دولة مغربية في التاريخ الحديث.
وفاس اليوم هي ثالث أكبر مدن المملكة المغربية إذ يتجاوز عدد سكانها المليون وسبعمائة ألف نسمة وتحتفظ كتب الجغرافيين بتاريخ ميلاد هذه المدينة التي أسست في 4 يناير 808م أي في عام 182 للهجرة بأمر من إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأشراف الأدارسة العلويين بعد قرابة عشر سنوات من إعلان قيام هذه الدولة.
وقد شيدت المدينة أولا على الضفة اليمنى لنهر فاس ووفدت إليها عائلات عربية من مدينة القيروان لتقيم بأول أحياء المدينة الوليدة ولذا عرف هذا الحي تاريخيا باسم “عدوة القرويين”. وبعد أشهر قليلة قصدت فاس جموع من سكان قرطبة الذين أبعدوا عن المدينة الأندلسية بأمر من حاكمها الأموي وأقاموا بحي مجاور عرف بعد تلك الواقعة باسم “عدوة الأندلسيين”. وفضلا عن هاتين العدوتين كان هناك حي ثالث خاص باليهود وهو حي “الملاح”.
وفي بداية القرن الثالث الهجري أسس إدريس الثاني قسما ثانيا للمدينة على الضفة اليسرى لنهر فاس لتصبح حاضرة الأدارسة مدينة كبيرة عامرة على جانبي النهر الذي أعطاها اسمها الخالد.
وخضعت فاس لحكم الأمويين بالأندلس بعد انهيار دولة الأشراف الأدارسة ولعبت دوراً مهما في الصراع المحتدم بين الفاطميين بإفريقية والأمويين بالأندلس لقرابة ثلاثين عاماً وعقب سقوط دولة الخلافة الأموية بقرطبة وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء قبيلة زناتة المغربية، ثم استطاع المرابطون الاستيلاء عليها وعندئذ أمر “يوسف بن تاشفين” بضم قسمي المدينة على جانبي النهر في وحدة إدارية واحدة صارت حاضرة وقاعدة حربية لإمبراطورية المرابطين.
وعلى الرغم من أن فاس فقدت أهميتها السياسية والعسكرية بعد نجاح خلفاء دولة الموحدين في اقتحامها عقب حصار شديد وتحويل قاعدة البلاد إلى “مراكش” فإنها ظلت محتفظة بمكانتها العلمية والثقافية وسرعان ما استعادت مركزها كعاصمة سياسية للمغرب الأقصى مع دولة خلفاء بني مرين وشهدت في ظل حكمهم فترة طويلة من الازدهار العمراني والحضاري خاصة بعد أن قام أبو يوسف يعقوب المنصور ببناء مدينة فاس الجديدة في عام 1276م وحصنها بسور منيع وزودها بمسجد جامع كبير توسط القصور الملكية بحدائقها الغناء والأحياء السكنية الجديدة.
وفي ظل دولة الأشراف السعديين ظلت فاس مركزا للدولة العلوية في المغرب وغرب أفريقيا منذ عام 1649م وبقيت مركزا تجاريا مهما في شمال أفريقيا.
وفي التاريخ الحديث، كانت فاس عاصمة للمملكة المغربية في ظل الاحتلال الفرنسي إلى أن قررت سلطات الاحتلال في عام 1912م تحويل العاصمة إلى مدينة الرباط. فهاجر العديد من سكان فاس إلى المدن الأخرى وخاصة يهود المدينة، إذ أفرغ حي الملاح تماما من ساكنيه.
وتبعا لهذه السيرة التاريخية لفاس فإن المدينة تنقسم إلى ثلاثة أقسام هي فاس القديمة “أو البالي حسب تعبير أهل فاس” وفاس الجديدة أي مدينة المرينيين ثم القسم الأخير وهو يشمل الأحياء التي شيدت في ظل الاحتلال الفرنسي.
وتتميز مدينة فاس بموقعها الفريد الذي أتاح لها الحصول على المياه بلا عناء، حيث تمتص طبقات الأرض الجيرية المياه وتختزنها جوفيا وتتفجر هذه المياه في سهل يسمى سهل “سايس” على هيئة ينابيع تتجمع وتتحد لتغذي نهر فاس ولذا اعتمدت المدينة تاريخيا على تزويد منشآتها بالمياه عبر القنوات التي تبدو كشرايين تصل إلى كل مدرسة ومسجد وبيت في المدينة.
أسوار فاس
وتقع مدينة فاس في واد خصيب وكأنها واسطة العقد بين التلال المحيطة بها من كل الجهات. وتوجد قرب المدينة الغابات التي تتوفر فيها أشجار البلوط والأرز، وتحيط بها أراض كثيرة صالحة لكافة أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع عديدة من أشجار الفواكهة.
أما داخل أسوار فاس فيوجد نحو 10 آلاف مبنى أثري وتاريخي من عصور مختلفة وحوالي 70كم من القنوات المتدفقة من مياه العيون و4 آلاف نافورة وساقية ماء.
ومن أهم ما تضمه فاس من المواقع السياحية قصور بني مرين المشيدة على التلال بشمال المدينة ولا تقل المنازل القديمة عنها جمالا بأبوابها المزخرفة وبجدرانها المزدانة بتربيعات من البلاطات الخزفية وبما يحيط بها من حدائق وبساتين.
جامع القرويين
يعتبر جامع القرويين أشهر معالم فاس التاريخية والعلمية وقد قامت بتشييده في عام 245 للهجرة “859م” السيدة فاطمة بنت محمد الفهري وبعد أن وسعه أبو يوسف يعقوب المريني أصبح للجامع 17 بابا تكفي لدخول 22 ألف مصل تستوعبهم مساحته الجديدة وقد قام جامع القرويين بدور علمي كبير في الشمال الأفريقي وتخرج فيه علماء عرب وأفارقة بل وأوربيون قصدوه للدراسة ومنهم “جربرت دي لوفرينه الثاني” الذي تعلم فيه الصفر العربي في علم الحساب.
وفضلا عن القرويين تحتفظ فاس بعدد لا بأس به من أصل 785 مدرسة كانت بها ومن أهمها المدرسة البوعنانية التي أسسها أبو عنان المريني عام 756 للهجرة “1355م” ومدرسة العطارين التي تعتبر أصغر مدرسة في زمانها ولكنها من الناحية البنائية من أجملها وأبهاها.
معالم تاريخية
إضافة لطبيعة فاس الخلابة تحتفظ فاس بالعديد من المعالم التاريخية التي يقبل السائحون على زيارتها وفي مقدمتها أسوار المدينة القديمة وبواباتها الثمانية ذات العقود المزخرفة وهي من إنشاء المرينيين وإن جرى تجديد بعضها في عهود لاحقة. وهذه البوابات هي: الباب المحروق وباب الدكاكين وباب المكينة وباب أبي الجنود وباب الفتوح وباب البرجة وباب السمارين وباب جبالة وباب الكيسة وباب سيدي بو جيدة وباب الخوخة وباب زيات وباب الحديد.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
08-31-2010
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
