عشق آباد «مدينة الحب»
حواضر الإسلام.. نصفها عربي والآخر فارسي
عشق آباد «مدينة الحب» والمتاحف وقِبلة الفنانين
من المصدر ©السوق الروسي
د. أحمد الصاوي
عشق آباد اسم عاصمة دولة “تركمانستان”، ورغم قدم هذا الاسم المؤلف من كلمة عربية فصيحة تعني “الحب” وأخرى فارسية تعني “مدينة”، فإن هذه المدينة أسست في عام 1881م. على يدي سلطات الاحتلال الروسي القيصري لأراضي التركمان، وحملت اسم قرية قديمة كانت على مقربة من موقعها، والقرية بدورها كانت على بعد خطوات من مدينة إسلامية شهيرة هي “نسا” التي كانت عاصمة البارثيين القديمة، وهي مدينة ينتسب إليها عدد من علماء المسلمين في مقدمتهم الإمام النسائي. وعلى مقربة من “عشق آباد” توجد آثار مدينة بائدة هي “كنجي قلعة” أو القلعة المتقدمة وكانت خلال العصور الوسطى حاضرة مهمة على طريق الحرير الشهير.
دخل الإسلام تلك المنطقة بعد وصول جيوش الفتوحات لإقليم خراسان في عهد الخليفة عمر بن الخطاب عام 18 للهجرة واستقر الحكم الإسلامي هُناك في عام 24 للهجرة وانتشر بسرعة بين السكان المحليين. وسكنت هذه البلاد قبائل هاشمية عربية وهذه القبائل رائدة النشاط الديني المتمثل في الطرق الصوفية، وكان لتلك الطرق الفضل في تشييد المساجد والمدارس ونشر الوعي بتعاليم الإسلام، كما قادت المقاومة ضد الغزو الروسي ثم الغزو الثقافي السوفييتي.
وقد كانت، المدينة الحديثة، “عشق آباد” في بداية أمرها قاعدة عسكرية في أقصى شرق أراضي الإمبراطورية الروسية ثم حملت اسما روسيا خالصا هو “بولتور اتسك” بين عامي 1919 و1927م في أعقاب الثورة البلشفية، ولكنها استردت اسمها الأصلي حينما أصبحت عاصمة إدارية لإحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي وهي تركمانستان، وحافظت على وضعها هذا بعد استقلال تركمانستان عن الاتحاد السوفييتي عام 1991م.
جغرافيا المكان
ويبلغ عدد سكان عشق آباد 700 ألف نسمة غالبيتهم من التركمان وبقية السكان من الروس والأرمن والأذر، والتأثيرات الإيرانية بادية فيها باعتبار التاريخ القديم وباعتبار الجغرافيا أيضاً، حيث لا تبعد أكثر من 250 كم عن مدينة “مشهد” ثاني أكبر مدن إيران.
وتقع “عشق آباد” بين سلسلة جبال “كوبت داغ” وبين صحراء “قراقوم” المفازة الأشهر والأكثر صعوبة في أرجاء السهوب الآسيوية. ومناخ عشق آباد حار جاف صيفاً أما فصل الشتاء بها فهو قصير ومعتدل الحرارة نسبياً، وتصل درجات الحرارة صيفا إلى 40 درجة وبعد ذلك تنخفض تدريجيا لتصل إلى 30 درجة ليلاً في فصل الخريف. أما في فصل الشتاء الذي يمتد من ديسمبر إلى مارس فإن درجات الحرارة تتراوح بين 10 و15 درجة ونادراً ما تنخفض عن ذلك.
وقد أعطى موقع المدينة عند سفح جبل كوبت داغ لعشق أباد، إمكانية استخدام “التليفريك” في الزيارات السياحية، حيث يمكن للسائحين مشاهدة المناظر الطبيعية الخلابة من قمة الجبل الذي يعد أعلى نقطة في تركمانستان. وتجتذب مجموعات الغزلان المنتشرة حول عشق آباد اهتمام كل من يستخدم “التليفريك” لمشاهدة العاصمة وهي تتلألأ بالأضواء من ارتفاع شاهق.
ومن أجل التمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة في “عشق آباد”، صارت المدينة قبلة للكثير من الفنانين والرسامين حيث يقصدونها لرسم اللوحات الفنية ولالتقاط الصور النادرة ولتصوير الأفلام السينمائية، مما أعطى “عشق آباد” مكانة عالمية وشهرة واسعة.
وتتميز عشق آباد بين العواصم الإسلامية في الشرق الآسيوي بكثرة متاحفها، ومن أهمها متحف الفنون الجميلة الذي ينفرد بعرض أكبر مجموعة معروفة من السجاد التركماني المنسوج يدوياً، وتوجد بالمتحف أكبر سجادة في العالم إذ تغطي مساحة قدرها 193 متراً مربعاً وتزن 855 كيلو جراماً إلى جانب عدد من التحف الإسلامية التي اشتهر التركمان بإنتاجها. وهُناك أيضاً متاحف متنوعة للتراث الإسلامي ومتحف للتاريخ يعرض مجموعة من القطع الأثرية المتنوعة.
الهوية الإسلامية
ومضت “عشق آباد” قدما على درب ترسيخ هويتها كحاضرة إسلامية ذات صبغة عصرية بإنشاء المجمع الثقافي القائم اليوم مقابل النصب التذكاري، وهو مبنى ضخم تغطيه خمس قباب تضيئها الأنوار من كل جانب، وجرى السماح للدول العربية بإنشاء المزيد من المساجد بالعاصمة، وهي تعد الأكبر بالبلاد والأجمل تصميماً. ومن هذه المساجد، مسجد الشيخ “خليفة بن زايد”، ومسجد جيبو كديبي ومسجد كيبتشاك.
ومن المعالم السياحية التي تفخر بها “عشق أباد” أطول سارية علم في العالم ويرفرف علم تركمانستان من أعلى هذه السارية التي يبلغ طولها 133 متراً.
وتجري بالعاصمة عدة أنهار أهمها نهر “قراقوم” أكبر الأنهار الصناعية بالعالم، إذ يبلغ طول مجراه 1100 كيلو متر، ويربط بين ثلاثة أنهار طبيعية، هي: أموداريا، ومو رجاب وتيجين في نظام مائي واحد.
ويستطيع زوار العاصمة التركمانية شراء المنتجات التقليدية التي تشتهر بها البلاد، وهي تصنع يدوياً وفقاً للتقاليد الصناعية والأساليب الزخرفية القديمة، وتعرض الأسواق الشعبية الملابس التراثية ذات الألوان الزاهية، والحلي المرصعة بالفضة وهي تلقى إقبالاً كبيراً لجمالها الفني وأسعارها الزهيدة، ولكن هذا الإقبال لا يقارن بحجم الإقبال الذي تجده منتجات السجاد اليدوي التركماني صاحبة الشهرة العالمية.
وتولي عشق آباد اليوم اهتماماً كبيراً بالتنمية السياحية في المناطق القريبة منها ولا سيما في إقليم “أفازا”، حيث الإمكانيات السياحية الكبيرة لشواطئ بحر قزوين برمالها الذهبية ومناخها المعتدل، فضلا عن وجود المياه المعدنية والمصحات التي تستخدم هذه المياه،
وكذلك الطين لأغراض الاستشفاء. وثمة مشروعات قيد التنفيذ تشمل فنادق حديثة ومقراً لاتحاد لاعبات التنس المحترفات وناديا لليخوت ومركزاً للتزلج على الجليد.
«متحف الاستقلال»
إلى جوار النصب التذكاري لاستقلال تركمانستان، يقع “متحف الاستقلال” وهو تحفة معمارية رائعة، حيث تحيط به تماثيل ضخمة لأبطال تركمانستان على مر العصور ويتوسط مبنى المتحف حديقة واسعة تزدحم بأشجار الصنوبر وهي رمز الخضرة الدائمة والخلود في العديد من الثقافات الآسيوية. وجرت العادة عند زيارة رؤساء الدول لتركمانستان أن يقوم كل رئيس بغرس شجرة صنوبر في حديقة المتحف لتكون رمزاً حياً للصداقة بين الشعوب.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
09-02-2010
تعليمات المشاركة
المواضيع المتشابهه
العرض العادي
