لبنانيون يترجمون معاناتهم ويعكسون آرائهم على هياكل مركباتهم
«بانوراما» متنقلة مثقلة بالغزل والنقد والحكمة
لبنانيون يترجمون معاناتهم ويعكسون آرائهم على هياكل مركباتهم
عزيز طاهر ©شاحنة تحولت إلى دفتر يعبر عن مشاعر سائقها
عماد ملاح
يقال إن الكتابة على السيارات “صرعة” قديمة، وانتشارها كان محدوداً، لكن وهجها ازداد هذه الأيام، والسبب قد يكون التناقضات الاجتماعية، والتبدلات الحاصلة على صعيد مسار الحياة اليومية، للبنانيين المنكوبين بنار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، والحل هو بالتعبير عن مكنوناتهم، بأمثال شعبية وحكم مأثورة تلخص معاناة الشخص نفسه، الذي تعرض لفشل في قصة حب، أو وقوع الإنسان تحت عبء الأزمات الحياتية، فيقضي طوال عمره، يفتش عن لقمة الخبز لعائلته، فلا يصيبه إلا الشقاء والهم وتعب السنين.
تجارب الماضي
إعلانات صغيرة “مبوبة” أمثال شعبية شعارات ومصطلحات دخلت في باب النصح والإرشاد طبعت ونقشت على زجاج “البوسطات” والشاحنات وسيارات الأجرة (السرفيس)، لتشكل لوحات تجريدية متنقلة في الشوارع، فنافست في انتشارها لوحات الإعلانات.
وشكلت الكتابة على السيارات ظاهرة طريفة أخذت تلاقي رواجاً لافتاً نظراً لطرافة المثل والحكمة والشعارات المكتوبة، وما تمثله من مكنونات شعبية ترسخت بفعل السنين وتجارب الماضي.
عبارات مثل “للصبر حدود، سيري فعين الله ترعاك، لا تلحقني مخطوبة، من راقب الناس مات هماً، من جد وجد ومن زرع حصد، عين الحسود فيها عود، عين الحاسد تبلى بالعمى، سوق على مهلك، لا تسرع يا بابا نحن بانتظارك، الصبر مفتاح الفرج، المرء لا يرى عيب نفسه، ما شاء الله لا قوة إلاّ بالله، اركض وراء الليرة والليرة تركض أمامي”. عينة من الأمثال والحكم الشعبية التي اعتاد اللبنانيون كتابتها على سياراتهم، ولا يقتصر الأمر على العبارات بل أضيفت إليها رسومات وصور مثل رموز رد العين الحاسدة، أو وجه امرأة تنهمر دموعها، أو وشم طبع على زجاج السيارة، أو شعار نقش على زجاج شاحنة يدل على وجهة نظر السائق.
إن “بانوراما” الشوارع اليومية مليئة بعبارات الغزل والنقد والحكمة، والبارز هو في كيفية تعاطي بعض السائقين معها، فالعيون أصبحت شاخصة في اتجاه أي شاحنة لقراءة الأقوال المأثورة، والأمثال الخالدة التي جذبت جمهوراً كبيراً من المثقفين وأهل الفكر والفن. وهناك من اختار وضع دعايات مجانية مثل رقم الهاتف والمكتب تسهيلاً لعمله واختصاصه المهني، ومن أجل جذب الزبائن، كالدهان والنجار والمدرس الخصوصي. إلى ذلك، يقول قاسم فقيه إن هذه الظاهرة أصبحت فناً قائماً بحد ذاته، ويكفيني قول “يا راضي الله وراضي الوالدين”؛ فهذه الحكمة تجعل طريقي آمناً، وتبعد عني عين الحاسد والشر والحوادث المؤذية، عدا عن أن الزرق يأتيك من دون حساب، طالما أن الله والوالدين راضون عنك”.
رغبات السائقين
يقول بشير بغدادي، وهو سائق شاحنة، إن إيمانه ببعض الأمثال الشعبية، وتفاؤله بمضامينها، جعله يدمن على هذه الهواية إذا صح القول، فأصبحت شاحنته بمثابة لوحة متنقلة تضم الحكم والأمثال وحتى “المواويل” التي تهدف إلى التروي والتعقل. ويضيف أنه منذ صغره كان يحب الأمثال البسيطة والعفوية التي تدل على التراث والنخوة والشجاعة وحب المساعدة. ويقول علي قليط، الذي يدير أحد المحلات المتخصصة في تزيين الشاحنات وسيارات الأجرة، إنه “يحرص على تنفيذ رغبات السائقين، خصوصاً في الأقوال التي تجذب الجمهور والمارة، ويضيف “تزيين السيارات والشاحنات بالرسومات والنقوشات والأمثال يكون مختلفا بين مركبة وأخرى، لأنه في النهاية هي يعبّر عن ميول السائقين وآرائهم الفكرية والفنية”.
ويزيد قليط “لدي مجموعة ضخمة من الأمثال والأقوال والرسومات والعبارات المختلفة، يحدد الزبون من خلالها ماذا يختار في ضوء قناعاته، وما يناسبه منها، وكثيراً ما يعرض علينا حكمة أو قولاً إضافياً. وهنا تبدأ مرحلة الإعداد لوضع ما اتفق عليه على زجاج الآلية، أو على الأطراف الجانبية الخلفية باللون المطلوب وعادة ما يكون أبيض أو فضياً أو أحمر”.
وفي حديثه عن طلبات الزبائن، يشير عصام المصري إلى أن ذلك يحصل، حسب المثل الشعبي أو الرسمة وحجم المساحة، وأغلب الإقبال يكون على عبارات طلب الرزق وجلب الخير، وإبعاد الحسد والغيرة، وأيضاً هناك طلب على عبارات تتناول حب الوطن والقلب الطيب، وجراح السنين. وأغلب الأقوال والعبارات التي يطلبها السائقون تعبر عن حوادث وقصص حقيقية حصلت معهم، فأغنتهم بتجارب فكان عليهم تحذير الآخرين منها، مثل حوادث السرعة والسير والاستخفاف بالطرقات والمارة.
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا
01-17-2012
تعليمات المشاركة
العرض العادي
