أنت غير مسجل في منتديات البوحسن . للتسجيل الرجاء إضغط هنـا

آخر 10 مشاركات
الأذكار           من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة           
العودة   منتديات البوحسن > الشريعة الغراء > الفقه والعبادات

الفقه والعبادات كل ما يختص بفروع الفقه الإسلامي والمذاهب الفقهية الأربعة والفتاوي الفقهية

إضافة رد
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع
قديم 03-02-2013
  #31
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب الثامن : صلاة المسافر ( القصر والجمع )
الفصل الأول : قصر الصلاة
- القصر هو صلاة الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين
دليله :
- قوله تعالى : { وإذا ضربتم ( 1 ) في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا } ( 2 ) . سأل عمر بن الخطاب رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم عن قوله تعالى : ( إن خفتم ) فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ( 3 ) أي أن القصر ليس من شرطه وجود الخوف
وروى يحيى بن أبي إسحاق قال : سمعت أنسا رضي الله عنه يقول : " خرجنا مع النبي صلى الله عليه و سلم من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة " ( 4 )
_________
( 1 ) ضريتم في الأرض : أي سافرتم برا أو بحرا
( 2 ) النساء : 101
( 3 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة ا لمسافرين وقصرها باب 1 / 4
( 4 ) البخاري ج 1 أبواب تقصير الصلاة باب 1 / 1031





الحكمة من القصر :
- التخفيف على المسافر لما يلحقه من المشقة . أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( السفر قطعة من العذاب يمنع أحدكم نومه وشرابه فإذا قضى أحدكم نهمته فليعجل إلى أهله ) ( 1 )
_________
( 1 ) البخاري ج 3 / كتاب الجهاد باب 134 / 2839 ، ونهمته : حاجته




حكم القصر :
- 1 - مباح : إذا كان السفر مرحلتين إلى دون الثلاث . لما روي عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كان يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف وفي مثل ما بين مكة وعسفان وفي مثل ما بين مكة وجدة . قال مالك : وذلك أربعة برد ( 1 )
لكن الإتمام أفضل خروجا من خلاف أبي حنيفة وغيره ممن لا يبيحون القصر إلا إذا كان السفر ثلاث مراحل فأكثر . كما يستحب الإتمام لمن يديم السفر بأهله في البحر
- 2 - سنة مؤكدة :
أ - إذا كان السفر ثلاث مراحل فأكثر من 121 كم فأكثر . لما روي عن عائشة رضي الله عنها " أنها اعتمرت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم من المدينة إلى مكة حتى إذا قدمت مكة قالت يا رسول الله بأبي أنت وأمي قصرت وأتممت وأفطرت وصمت قال . قال : ( أحسنت يا عائشة ) وما عاب علي " ( 2 )
ب - إذا وجد في نفسه كراهة القصر يقصر ليرغم نفسه على الحكم الشرعي
- 3 - واجب مع الجمع : في حالة تأخير الظهر لوقت العصر بنية الجمع وتأخير الصلاة إلى أن يبقى من الوقت وقت العصر ما يسع أربع ركعات فقط
_________
( 1 ) الموطأ ج 1 / كتاب قصر الصلاة في السفر باب 3 / 15 ، والبرد : جمع بريد والبريد أربعة فراسخ وقدروا المسافة بالكيلو مترات بعد التدقيق فبلغت ثمانين كيلو مترا ونصف الكليو متر ومائة وأربعين مترا
( 2 ) النسائي ج 3 / ص 122



شروط جواز القصر :

أولا - التلبس بالسفر بمفارقة موضع الإقامة فلا يكفي جرد العزم عليه لقوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } فعلق القصر على الضرب . ولا فرق في ذلك بين أن يكون وقت الصلاة قد دخل بدء سفره أو بعده ولا بين أن يكون قد مضى بعد دخول الوقت زمن يتمكن فيه من فعلها قبل سفره
ويكون الجواز من ابتداء السفر ويبدأ السفر منذ الخروج من السور في بلد أو قرية مسورة أو ما يقوم مقام السور من لوحات توضع على حدود المدينة أو البلدة وسواء كان داخل السور بساتين ومزارع أم لم يكن وسواء كان خارج السور دور ومقابر متصلة به أم لا أو من مجاوزة العمران وإن تخلله خراب والخراب المهجور أو المزروع أو الدارس بحيث لم يبق للعمران فيه أثر لا يعتبر من العمران ولا يشترط تجاوز البساتين والمزارع وإن اتصلت بالبلدة أو القرية التي سافر منها
وإذا كان سفره بحرا يبدأ السفر من بدء ركوب السفينة
وابتداؤه لساكن الخيام بمجاوزة الخيام كلها مجتمعة ومرافقها ( 1 ) إذا كانت الخيام حلة واحدة . فإن كانت متفرقة فبمجاوزة ما يقرب من خيمته
وينتهي السفر :
- 1 - ببلوغه مبدأ سفره من سور وغيره
- 2 - ببلوغ سور موضع أو ما يقوم السور إن نوى قبله الإقامة في هذا الموضع مطلقا أو نوى إقامة أربعة أيام صحيحة سوى يومي الدخول والخروج لحديث العلاء بن الحضرمي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا ) ( 2 ) فقد رخص رسول الله صلى الله عليه و سلم للمهاجر في إقامة الثلاثة بين أظهر الكفار وكانت الإقامة عندهم محرمة فالترخيص يدل على أنه بالثلاث لا يصير مقيما
أما إذا لم ينو قبل ذلك فينتهي سفره بإقامته أو بنزوله وترك سيره
- 3 - وإذا وصل إلى موضع يقصد فيه حاجة يرجو فيه حاجة يرجو قضاءها في كل يوم فلا يتيسر له فيتأخر إلى ما بعده رجاء قضاءها وهو لا يعلم أن قضاءها يتأخر أربعة أيام فله القصر والجمع أيضا ( 3 ) - ثمانية عشر يوما صحاحا ثم بعد ذلك يمتنع القصر على كل حال
- 4 - وينتهي السفر كذلك بنية الرجوع إلى الوطن إن نوى ذلك قبل أن يقطع مرحلتين في طريق سفره فعندها يمتنع عليه القصر من حين نيته فلو أراد السفر من دمشق إلى درعا مثلا يحق له أن يقصر من أول الطريق فإذا خطر بباله أثناء الطريق وقبل أن يقطع مرحلتين أن يعود إلى دمشق فيعتبر سفره منتهيا بدأ من هذه اللحظة وعليه ألا يقصر في طريق العودة لأن المسافة ليست مسافة قصر . أما إن سار أكثر من مرحلتين ثم نوى الرجوع فبل الوصول فله أن يقصر بالرجوع أيضا ولا ينتهي سفره بنية الرجوع
_________
( 1 ) كالملاعب ومعاطن الإبل ونحوها
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الحج باب 81 / 442
( 3 ) كما يستبيح كل رخص السفر الأخرى خلال هذه المدة




- ثانيا - أن يعزم في الابتداء على قطع مسافة القصر فلا يقصر طالب غريم - صاحب دين - ذهب يفتش عن مدينه ولا يعلم أين هو ولا طالب آبق لا يعرف موضعه كالأب الذي خرج يفتش عن ابنه العاق العاصي ولا الهائم الذي لا يدري أين يتوجه وليس له قصد في موضع ولا الأسير يسافر به آسروه وكذا كل من سافر دون أن يعلم مقصده فإذا قطع كل من هؤلاء مرحلتين في طريق سفره جاز له القصر منذئذ

- ثالثا - أن يكون السفر طويلا - مرحلتين فأكثر - ولا تحسب منها مسافة طريق الرجوع فلو يقصد محلا على بعد مرحلة واحدة ناويا ألا يقيم فيه بل يرجع لم يقصر ذهابا ولا إيابا وإن حصلت له مشقة مرحلتين متواليتين


- رابعا - ألا يكون السفر لمعصية فمن كان سفره واجبا كالمسافر لقاء دين أو مندوبا كالمسافر لصلة رحم أو مباحا كالمسافر لتجارة جاز له القصر ولا يضر إن دخل في سفره مكروه كسفر الشخص وحده أو سفر اثنين لا ثالث معهما ( 1 ) فهؤلاء يجوز لهم القصر . وكذلك يجوز القصر للعاصي في سفره كمن سافر لسبب مما تقدم لكنه في سفره عصى الله أن شرب خمرا أو زنى . أما العاصي بالسفر وهو الذي أنشأ سفره لمعصية كأن سافر لقطع طريق والعاصي بالسفر في السفر فكلاهما ليس له أن يقصر في السفر . فإن تاب العاصي في السفر اعتبر أول سفره من حين توبته فإن كان الباقي من السفر طويلا قصر وإلا فلا . وإن تاب العاصي بالسفر في السفر رخص له القصر مطلقا وإن كان الباقي من سفر قصيرا . وعلى العكس من خرج بنية سفر مباح ثن نقله إلى معصية فلا يترخص من حين أن نوى المعصية
_________
( 1 ) دليل الكراهة ما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب ) رواه أبو داود ج 3 / كتاب الجهاد باب 86 / 260



- خامسا - أن يكون مؤديا للصلاة الرباعية أو قاضيا لفائتة سفر رباعية لا فائته الحضر . ويقصر فائته السفر إن قضاها في السفر ولو كان غير السفر الذي فاتته فيه لكن بشرط أن يكو السفر الثاني طويلا أيضا . أما إن قضاها في الحضر أو في السفر قصير فيتمها . وأما فائتة الحضر فعليه أن يتمها ولو قضاها في السفر
وأما الفائتة المشكوك فيها : أهي فائتة حضر أم سفر فتقضى تامة للاحتياط سواء قضاها في الحضر أو السفر


شروط صحة القصر :
1 - أن ينوي القصر مع الإحرام بأن يقول مثلا : نويت أن أصلي فرض الظهر مقصورا فلو نواه بعد الإحرام لم ينفعه
فلو نوى الإتمام أو أطلق أتم ولو شك هل نوى القصر أو الإتمام وجب عليه الإتمام ولو تذكر على قرب نية القصر لأنه مضى جزء من صلاته على حكم الإتمام . وإذا لم ينو القصر ثم فسدت صلاته لم يجز له قصرها بعدئذ لأن الصلاة استقرت في ذمته تامة
2 - ألا يقتدي بمتم فلو اقتدى به ولو بجزء من صلاته كأن أدركه في التشهد الأخير لزمه الإتمام
وألا يقتدي بمن سفره مشكوك فيه فإن فعل لزمه الإتمام وإن تبين أنه مسافر قاصر . ولو اقتدى بمن ظنه أنه مسافرا فتبينت إقامته بأن أخبره شخص بذلك لزمه الإتمام . ولو اقتدى بمسافر ولكن شك بنيته في القصر فنوى هو القصر جاز له أن يقصر إن تبين أن الإمام قاصر أما إن تبين أنه متم أو لم تتبين حاله لزمه الإتمام ولو علق نية القصر على نية الإمام كأن قال : إن قصر قصرت وإلا أتممت صح التعليق وجاز له القصر إن قصر الإمام ولزمه الإتمام إن أتم

3 - العلم بجواز القصر
4 - أن يدوم سفره من أول الصلاة إلى آخرها فلو وصل قبل أن يفرغ من الصلاة لزمه الإتمام ولو كان ناويا القصر ويتم دون تجديد النية صورة ذلك أن يكون أحرم على سفينة في السفر ثم اتصلت السفينة بموضع الإقامة أو نوى الإقامة لزمه الإتمام





الفصل الثاني : جمع الصلاة

حكمه ودليله :
- يجوز للمسافر سفرا طويلا مباحا مبيحا للقصر الجمع بين العصرين أو العشائين تقديما أو تأخيرا . والدليل على ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء " ( 1 )
والجمع هو ضم إحدى الصلاتين إلى الأخرى في وقت إحداهما سواء كانتا تامتين أو مقصورتين أو كانت إحداهما تامة والأخرى مقصورة . عن أنس بن مالك رضي الله عنه : " كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا أراد أن يجمع بين الصلاتين في السفر آخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما " ( 2 )
ثم لهذا الحكم تفصيل :
- 1 - حالات الجواز وشروطه :
( 1 ) أن يكون مسافرا سفرا طويلا مباحا
( 2 ) أن يكون الجمع بين الظهر والعصر . وبين المغرب والعشاء فقط فلا يجوز جمع الصبح إلى غيرها ولا المغرب إلى العصر . ومثل الظهر الجمعة في جمع التقديم فقط بشرط أن تغني عن الظهر وإلا لم يصح الجمع معها جمع تقديم . وأما التأخير في الجمعة فلا يصح لأن شرطها أن تكون في وقت الظهر
ورغم جواز الجمع إلا أن تركه أفضل مراعاة للخلاف فيه ( 3 ) ولأن الجمع يؤدي إلى إخلاء أحد الوقتين من العبادة
- 2 - حالات يفضل فيها القصور والجمع :
( 1 ) حالة الحاج المسافر في مزدلفة وعرفة لما روى عبد الرحمن بن يزيد قال : " خرجنا مع عبد الله رضي الله عنه إلى مكة ثم قدمنا جمعا ( 4 ) فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول طلع الفجر وقائل يقول لم يطلع الفجر . ثم قال إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا . وصلاة الفجر هذه الساعة ) ( 5 ) "
( 2 ) لمن وجد في نفسه كراهة الجمع أو الشك في جوازه
( 3 ) لمن إذا جمع صلى جماعة أو خلا عن حدثه الدائم أو كشف عورته
- 3 - حالة وجوبهما معا : الأصل في القصر والجمع الجواز كما تقدمنا وقد يجبا لعارض وذلك إذا آخر صلاة الظهر ليجمعها مع العصر وقد ضاق وقت العصر على الإتيان بهما تامين فيجب عليه حينئذ القصر والجمع
_________
( 1 ) البخاري ج 1 / أبواب تقصر الصلاة باب 13 / 1056
( 2 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 5 / 47
( 3 ) إذ لا يوجد جمع عند الحنفية إلا بمزدلفة وعرفة لاحتياج الحجاج إليه لاشتغالهم بمناسكهم
( 4 ) جمع : مزدلفة
( 5 ) البخاري ج 2 / كتاب الحج باب 98 / 1599 ، وقوله : والعشاء بينهما دليل على عدم اشتراط الموالاة في جمع التأخير وقوله : صلاة الفجر هذه الساعة : يعني بغلس بعد طلوع الفجر بقليل



شروط جمع التقديم :
1 - نية الجمع في الصلاة الأولى بأن يقول مثلا : نويت أن أصلي فرض الظهر مجموعا مع العصر جمع تقديم . ويفضل أن تقرن نية الجمع بالتحريم في الأولى ولا يجزئ تقديمها على التحريم ويجوز أن يأتي بها أثناء الصلاة حتى عند السلام أما بعده فلا يصح

2 - البداءة بالأولى : لأن النبي صلى الله عليه و سلم جمع هكذا وقد قال : " صلوا كما رأيتموني أصلي " ولأن الأولى هي المتبوعة والثانية تابعة لها فقدمت الأولى على الثانية لتحقق التبعية . فإذا بدأ بالثانية قبل الأولى لم يصح الجمع إن كان عالما عامدا وعليه أن يعيد الثانية بعد الأولى فورا إن أراد الجمع فإن لم يرد أخر الثانية إلى وقتها ولا جمع
أما إن وصل الثانية قبل الأولى ناسيا أو جاهلا فتقع قضاء إن كان عليه فائتة من نوعها وإن لم يكن وقعت نفلا مطلقا


3 - الموالاة بين الأولى والثانية : لأنهما كالصلاة الواحدة فلا يجوز أن يفرق بينهما كما لا يجوز أن يفرق بين الركعات في صلاة واحدة . فلو تذكر بعدهما ترك ركن من الأولى أعادهما وجوبا لبطلان الأولى بترك ركن منها مع تعذر تداركه بطول الفصل وبطلان الثانية لفقدان الترتيب . أما إن تذكر ترك ركن من الثانية ولم يطل الفصل تداركه وصحت الصلاتان وإن طال الفصل بطلت الثانية فقط وأعادها في وقتها الأصلي لامتناع الجمع بفقد التوالي بتخلل الباطلة وأما إن لم يعلم هل كان الترك من الأولى أم من الثانية فعليه إعادتهما وجوبا بلا جمع تقديم بأن يصلي كل واحدة منهما بوقتها أو يجمعهما جمع تأخير وسبب ذلك أنه كان من الأولى بطلت الاثنتان وإن كان من الثانية بطلت الثانية وطال الفصل بالثانية الباطلة
وكذا لا تصح صلاة النفل ولو راتبة بينهما بل تصلى بعدهما ولو فعل بطل الجمع ولا ترتيب في الصلاة النافلة فبأيهما شاء بدأ . وكذا لا تصح الجنازة بينهما
وإن طال الفصل بينهما ولو بعذر كالنوم مثلا وجب تأخير الثانية إلى وقتها . ولو شك بطول الفصل بينهما ضر ذلك . أما الفصل اليسير فلا يضر مثل تجديد الوضوء أو التيمم للصلاة الثانية أو طلب يسير الماء أو زمن إقامة للصلاة الثانية والمقياس في كل ذلك أن يكون وقته أقل مما يسع ركعتين خفيفتين جدا


4 - دوام السفر إلى عقد الثانية أي إلى الإحرام بها فلو أقام أثناءها الجمع لأنه ليس شرطا لإتمامها أما إذا أقام قبل عقدها أي قبل الإحرام بها فلا جمع لزوال سببه وهو السفر ويتعين تأخير الثانية إلى وقتها وأما الأولى فصحيحة لأنها في وقتها غير تابعة


5 - صحة الأولى يقينا ولو مع لزوم الإعادة فيجمع فاقد الطهورين والمتيمم ولو بمحل يغلب فيه وجود الماء ولا تجمع المتحيرة جمع تقديم لانتفاء صحة الأولى يقينا أو ظنا إذ يحتمل أنها واقعة في الحيض وكذا لا يجمع مع الجمعة إن كانت لا تغني عن الظهر

شروط جمع التأخير :
1 - نيته قبل خروج وقت الأولى ولو لم يبق من الوقت إلا بقدر ما يسع ركعة وذلك ليتميز عن التأخير تعديا . فلو أخر النية إلى وقت لا تسع فيه ركعة فقد عصى وصارت الأولى قضاء
2 - دوام السفر إلى تمام الأولى لا عقدها فقط فلو أقام قبل ذلك صارت الأولى قضاء
ويسن في جمع التأخير والترتيب والموالاة أي البداءة بالأولى فالثانية بعدها بلا فاصل ولا تجب الموالاة لحديث عبد الرحمن بن يزيد المتقدم


جمع التقديم في المطر :

- يجوز جمع التقديم في المطر للجماعة تأتي من مكان بعيد ويتأذى أفرادها كلهم وكذا في حالة البرد والثلج إن ذابا حال نزولهما وبلا الثوب ومثل ذلك الشفان وهو ريح باردة فيها نداوة فإذا بل الثوب جاز الجمع . وخرج بذلك الحل والريح والظلمة والمرض والخوف وغير ذلك من الأعذار المبيحة لترك الجماعة فلا يجوز الجمع بسببها لأنها قد كانت في زمان النبي صلى الله عليه و سلم ولم ينقل أنه جمع لأجلها ولحديث المواقيت فلا تجوز مخالفته إلا بنص صريح أما جمع التأخير في المطر فلا يجوز . والدليل على جواز جمع التقديم في المطر ما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم الظهر والعصر جميعا والمغرب والعشاء جميعا في غير خوف ولا سفر ( 1 ) " . قال مالك رضي الله عنه " أرى ذلك في المطر " . بمثله قال الشافعي رضي الله عنه
وأجاز بعض الشافعية جمع التقديم والتأخير بالمرض كأن كان يحم في الأولى فيؤخرها إلى وقت الثانية أو كان يحم في وقت الثانية فيقدمها مع الأولى . على أن المشهور ما ذكرنا أن المرض والوحل والبرد والريح والظلمة لا تبيح الجمع للأسباب التي ذكرنا . واستدل المجيزون بحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " جمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر " ( 2 ) . قال النووي في المجموع : " ووجه الدلالة منه أن هذا الجمع إما أن يكون بالمرض وإما بغيره مما في معناه أو دونه ولأن حاجة المريض والخائف آكد من الممطور "
_________
( 1 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 6 / 49
( 2 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 6 / 54
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-02-2013
  #32
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب التاسع . صلاة الخوف
الحكمة من تشريعها دليل مشروعيتها حالات جوازها
- الحكمة من تشريعها :
لما كانت الصلاة أعظم أركان الإسلام ولا تسقط عن المكلف ما دام حيا وكان من العسير أداؤها في حالات الحرب ونحوها بكيفيتها المعروفة فقد شرعت صلاة الخوف رحمة بالناس ومحافظة على الصلاة على كل حال وعلى أدائها جماعة

- دليل مشروعيتها :
قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم . . . } ( 1 ) . وقوله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ( 2 )
_________
( 1 ) النساء : 102
( 2 ) البقرة : 239



- حالات جوازها :
تجوز في كل قتال ليس بحرام سواء كان واجبا كقتال الكفار والبغاة وقطاع الطرق إذا قاتلهم الإمام وكذا الصائل ( 1 ) على حريم الإنسان أو على نفسه أو مباحا كقتال من قصد مال الإنسان أو مال غيره وما أشبه ذلك . فلا تجوز في القتال المحرم بالإجماع كقتال أهل العدل وقتال أهل الأموال لأخذ أموالهم وقتال القبائل عصبية ونحو ذلك لأن ذلك رخصة وتخفيف فلا يجوز أن تتعلق بالمعاصي ولأن فيه إعانة على المعصية وهذا لا يجوز
_________
( 1 ) صال : سطا وتطاول




صورها : جاءت صلاة الخوف على ستة عشر نوعا نختار منها أربعا :



1 - صلاته صلى الله عليه و سلم بعسفان ( 1 ) :
وصورتها أن يكون العدو في جهة القبلة ولا ساتر بين المسلمين وبينه يمنع من رؤيتهم له وفيهم كثرة بحيث تستطيع كل فرقة مقاومة العدو فيصف الإمام المقاتلين صفين أو أكثر بحسب المصلحة ويحرم بهم جميعا ويقرأ ويركع ويعتدل بالجميع ثم إذا سجد سجد معه نصف القوم وبقي النصف الآخر قائما في الاعتدال يحرس من سجد مع الإمام فإذا قام الإمام للركعة الثانية سجد المتخلفون للحراسة وحدهم السجدتين وقاموا لمتابعة الإمام . حينئذ يتم الإمام قيام الثانية وركوعها واعتدالها بالجمع فإذا سجد الإمام فيها سجد معه من حرس في الأولى وحرس في الثانية من سجد في الأولى فإذا جلس الإمام للتشهد أتم الحراس ركعتهم الثانية وأدركوه في التشهد وحينئذ ينتظرهم ليتموا التشهد حسب ظنه ويسلم بالجميع . هذا إذا كانت الصلاة ثنائية فإذا كانت أكثر جرى المصلون في بقية الصلاة على حسب ما سبق . لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف فصفنا صفين صف خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه و سلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه و سلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه و سلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صلى الله عليه و سلم وسلمنا جميعا ) ( 2 )
_________
( 1 ) عسفان : قرية بينها وبين مكة أربعة برد
( 2 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 57 / 307




2 - صلاته صلى الله عليه و سلم بذات الرقاع :
وهي أول صلاة صلاها في الخوف . وصورتها :
أن يكون العدو في غير جهة القبلة أو في جهتها وبين المسلمين وبينه حائل بحيث لا يستطيع المسلمون مشاهدتهم أثناء الصلاة فيفرقهم الإمام فرقتين إذا كانت كل فرقة تقدر على مقاومة العدو فتقف فرقة تجاه العدو وتحرس المسلمين ويقف الإمام مع الفرقة الثانية في محل لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة فإذا قام الإمام للثانية فارق المقتدون بالنية حكما وفعلا ( 1 ) وأتموا صلاتهم وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو للحراسة وجاءت الفرقة الحارسة في الأولى واقتدت مع الإمام المنتظر لها في الثانية وهو يقرأ ويطيل القراءة في انتظارهم فإذا جلس الإمام للتشهد فارقه المقتدون بلا نية فعلا لا حكما ( 2 ) وأتموا صلاتهم وأدركوه في التشهد الذي ينتظرهم فيه فتشهدوا ثم يسلم بهم وذلك لتحوز الثانية فضيلة التحلل معه بالسلام كما حازت الأولى فضيلة التحرم معه ويحوز الجميع على فضيلة الجماعة لعظم فضلها وعدم سماح الصحابة بتركها
هذا إذا كانت الصلاة ثنائية فإذا كانت ثلاثية صلى بالأولى ركعتين وأتمت صلاتها وحدها وصلى بالثانية ركعة وأتمت صلاتها وتشهدت وسلمت معه . وإن كانت رباعية صلى بكل فرقة ركعتين كما سبق وإذا فرقهم أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة صح
روى صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم - سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف ( أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم ) ( 3 )
_________
( 1 ) أما حكما فلأنه لا يحمل سهوهم ولا يلحقهم سهوه ولا يسجدون لتلاوته ولا غير ذلك مما يلتزمه المأموم إلا سهو الإمام في الركعة الأولى فيلحق الطائفتين فتسجد له الطائفة الأولى إذا تمت صلاتها . أما فعلا فلأنهم يصلون الركعة الثانية منفردين مستقلين بفعلها
( 2 ) فيلزمهم سهوه ويتحمل عنهم سهوهم
( 3 ) مسلم / ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 75 / 310




3 - صلاته ببطن نخل ( 1 ) :
وصورتها أن يكون العدو في غير القبلة وأن يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل والأخرى بها جميع الصلاة ويسلم سواء كانت ركعتين أو ثلاثا أو أربعا فإذا سلم ذهبوا إلى وجه العدو وجاء الآخرون فصلى بهم تلك الصلاة مرة ثانية فتكون له نافلة ولهم فريضة
وعن جابر رضي الله عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف ( فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بإحدى الطائفتين ركعتين ثم صلى بالطائفة أخرى ركعتين فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع ركعات وصلى بكل طائفة ركعتين ( 2 )
وحمل السلاح في صلاة بطن نخل وصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان مأمور به في قوله تعالى : { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } وقد حمل الأمر هنا على الندب . والسلاح يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها من أسلحة الأمس واليوم فأما الترس والدرع ونحوها فليس بسلاح
وهذا الندب إلى حمل السلام مشروط بأمور :
( 1 ) طهارة السلاح فلا يجوز حمل سلاح ملطخ بالدم ولا الذي سقي سما نجسا ولا النبل المريش بريش ما لا يؤكل لحمه أو بريش ميتة
( 2 ) ألا يكون مانعا من بعض أركان الصلاة كالخوذة التي تمنع مباشرة الجبهة إلا إذا أمكن رفعها حال السجود
( 3 ) ألا يتأذى به أحد كرمح في وسط الناس
( 4 ) أن يكون في ترك الحمل خطرا محتمل فإن كان الخطر مقطوعا به أو مظنونا وجب حمله قطعا وحرم تركه فإن تركه فالصلاة صحيحة وهو آثم كالمصلي في أرض مغصوبة
وليس يتعين الحمل بل لو وضع السيف بين يديه بحيث تمتد اليد إليه بسهولة كان ذلك في معنى الحمل وله حكمه
_________
( 1 ) بطن نخل : من أرض غطفان - موضع من ارض نجد - هي وذات الرقاع [ لعله : " وهي ذات الرقاع " ؟ ؟ ]
( 2 ) مسلم / ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 57 / 312



4 - صلاة شدة الخوف :
وهذا النوع جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ( 1 ) . وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال : ( فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ) قال نافع : ( لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 2 )
متى ولمن ترخص : إذا اشتد الخوف من قتال العدو أو إذا التحم القتال المباح واشتد الاختلاط بين القومين بحيث يلتصق بعضهم ببعض فلا يتمكنون من ترك القتال ولا يقدرون على النزول إن كانوا ركبانا ولا على الانحراف إن كانوا مشاة . وفي حالة الهرب هربا مباحا من طريق أو سيل أو سبع أو صائل أو لص ونحو ذلك . أو المدين المعسر العاجز عن بينة الإعسار ولا يصدق غريمه ولو ظفر به لحبسه فإذا هرب منه فله أن يصليها وكذلك يصليها من طلب لا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شيء لأنه خائف من ظلم فأشبه خوف العدو ولو كان عليه قصاص ويرجو العفو إذا سكن غضب المستحق فله أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف هاربا لأنه يستحب للمستحق العفو فكأنه مساعد له على التواصل إليه إذا سكن غضبه وحيث جوزنا له صلاة شدة الخوف بهذه الأسباب غير القتال فلا إعادة عليه
ولو انهزم المسلمون من كفار فإن كانوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة أو كان بإزائهم أكثر من مثليهم فالهزيمة جائزة فلهم صلاة شدة الخوف وإلا فلا بل تحرم . ولو انهزم الكفار فتبعهم المسلمون وكانوا بحيث لو أكملوا الصلاة على الأرض إلى القبلة فاتهم العدو لم تجز صلاة شدة الخوف لأنهم ليسوا خائفين بل يطلبون وإنما جوزت هذه الصلاة للخائف فإن خافوا كمينا أو كر العدو فلهم صلاة شدة الخوف لوجود سببه
كيفيتها : يصلي كل من القوم كيف أمكنه بشرط ضيق الوقت بحيث لا يبقى منه إلا ما يسع الصلاة وذلك إذا كان يرجو الأمن قبل خروج الوقت . أما إن لم يرجه فيصلي كيف أمكنه ولو في أول الوقت . وإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما للضرورة . روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( فإذا كان خوف أكثر من ذلك - أراد المذكور في الحديث المتقدم - فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء ) ( 3 ) . ويجعل السجود أخفض من الركوع ليحصل التمييز بينهما
ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع الاختلاف في الجهة ومع التقدم على الإمام ومع عدم المشاهدة لأن المعتبر في الاقتداء العلم بصلاة الإمام لا مشاهدته . ويصلي سواء كان راكبا أو راجلا مستقبلا القبلة أو غير مستقبلها
ويعذر بالأفعال أثناء صلاته إن كانت هذه الأفعال متعلقة بالقتال كالضربات الكثيرة وكان محتاجا إليها وإلا بطلت صلاته أما الصياح فمبطل لصلاته ولو احتاج إليه وكذلك الكلام الكثير . ويجب عليه إلقاء السلاح إن تنجس بدم مثلا إلا إذا خاف من إلقائه ضررا فيجب حمله مع القضاء
وإذا أمن وهو في الصلاة أو زال خوفه أتم صلاته كما في الأمن ولا قضاء عليه . فإن كان يصلي راكبا فأمن وجب النزول مستقبلا القبلة في الحال ويبني على صلاته فإن استمر راكبا أو استدبر القبلة وهو نازل بطلت صلاته
ولو صلى متمكنا على الأرض إلى القبلة فحدث خوف في أثناء الصلاة فركب فإن كان مضطرا إلى الركوب لم تبطل صلاته ويبني وإن لم يضطر بل كان قادرا على القتال وإتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا بطلت صلاته ولزمه الاستئناف
_________
( 1 ) البقرة : 239
( 2 ) البخاري ج 4 / كتاب التفسير / البقرة باب 46 / 4261
( 3 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 57 / 306
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-02-2013
  #33
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب التاسع . صلاة الخوف
الحكمة من تشريعها دليل مشروعيتها حالات جوازها
- الحكمة من تشريعها :
لما كانت الصلاة أعظم أركان الإسلام ولا تسقط عن المكلف ما دام حيا وكان من العسير أداؤها في حالات الحرب ونحوها بكيفيتها المعروفة فقد شرعت صلاة الخوف رحمة بالناس ومحافظة على الصلاة على كل حال وعلى أدائها جماعة

- دليل مشروعيتها :
قوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم . . . } ( 1 ) . وقوله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ( 2 )
_________
( 1 ) النساء : 102
( 2 ) البقرة : 239



- حالات جوازها :
تجوز في كل قتال ليس بحرام سواء كان واجبا كقتال الكفار والبغاة وقطاع الطرق إذا قاتلهم الإمام وكذا الصائل ( 1 ) على حريم الإنسان أو على نفسه أو مباحا كقتال من قصد مال الإنسان أو مال غيره وما أشبه ذلك . فلا تجوز في القتال المحرم بالإجماع كقتال أهل العدل وقتال أهل الأموال لأخذ أموالهم وقتال القبائل عصبية ونحو ذلك لأن ذلك رخصة وتخفيف فلا يجوز أن تتعلق بالمعاصي ولأن فيه إعانة على المعصية وهذا لا يجوز
_________
( 1 ) صال : سطا وتطاول




صورها : جاءت صلاة الخوف على ستة عشر نوعا نختار منها أربعا :



1 - صلاته صلى الله عليه و سلم بعسفان ( 1 ) :
وصورتها أن يكون العدو في جهة القبلة ولا ساتر بين المسلمين وبينه يمنع من رؤيتهم له وفيهم كثرة بحيث تستطيع كل فرقة مقاومة العدو فيصف الإمام المقاتلين صفين أو أكثر بحسب المصلحة ويحرم بهم جميعا ويقرأ ويركع ويعتدل بالجميع ثم إذا سجد سجد معه نصف القوم وبقي النصف الآخر قائما في الاعتدال يحرس من سجد مع الإمام فإذا قام الإمام للركعة الثانية سجد المتخلفون للحراسة وحدهم السجدتين وقاموا لمتابعة الإمام . حينئذ يتم الإمام قيام الثانية وركوعها واعتدالها بالجمع فإذا سجد الإمام فيها سجد معه من حرس في الأولى وحرس في الثانية من سجد في الأولى فإذا جلس الإمام للتشهد أتم الحراس ركعتهم الثانية وأدركوه في التشهد وحينئذ ينتظرهم ليتموا التشهد حسب ظنه ويسلم بالجميع . هذا إذا كانت الصلاة ثنائية فإذا كانت أكثر جرى المصلون في بقية الصلاة على حسب ما سبق . لما روي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( شهدت مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف فصفنا صفين صف خلف رسول الله صلى الله عليه و سلم والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه و سلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه والعدو بيننا وبين القبلة فكبر النبي صلى الله عليه و سلم وكبرنا جميعا ثم ركع وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نحر العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا ثم تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدم ثم ركع النبي صلى الله عليه و سلم وركعنا جميعا ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعا ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرا في الركعة الأولى وقام الصف المؤخر في نحور العدو فلما قضى النبي صلى الله عليه و سلم السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا ثم سلم النبي صلى الله عليه و سلم وسلمنا جميعا ) ( 2 )
_________
( 1 ) عسفان : قرية بينها وبين مكة أربعة برد
( 2 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 57 / 307




2 - صلاته صلى الله عليه و سلم بذات الرقاع :
وهي أول صلاة صلاها في الخوف . وصورتها :
أن يكون العدو في غير جهة القبلة أو في جهتها وبين المسلمين وبينه حائل بحيث لا يستطيع المسلمون مشاهدتهم أثناء الصلاة فيفرقهم الإمام فرقتين إذا كانت كل فرقة تقدر على مقاومة العدو فتقف فرقة تجاه العدو وتحرس المسلمين ويقف الإمام مع الفرقة الثانية في محل لا تبلغهم سهام العدو فيصلي بهم ركعة فإذا قام الإمام للثانية فارق المقتدون بالنية حكما وفعلا ( 1 ) وأتموا صلاتهم وسلموا وذهبوا إلى وجه العدو للحراسة وجاءت الفرقة الحارسة في الأولى واقتدت مع الإمام المنتظر لها في الثانية وهو يقرأ ويطيل القراءة في انتظارهم فإذا جلس الإمام للتشهد فارقه المقتدون بلا نية فعلا لا حكما ( 2 ) وأتموا صلاتهم وأدركوه في التشهد الذي ينتظرهم فيه فتشهدوا ثم يسلم بهم وذلك لتحوز الثانية فضيلة التحلل معه بالسلام كما حازت الأولى فضيلة التحرم معه ويحوز الجميع على فضيلة الجماعة لعظم فضلها وعدم سماح الصحابة بتركها
هذا إذا كانت الصلاة ثنائية فإذا كانت ثلاثية صلى بالأولى ركعتين وأتمت صلاتها وحدها وصلى بالثانية ركعة وأتمت صلاتها وتشهدت وسلمت معه . وإن كانت رباعية صلى بكل فرقة ركعتين كما سبق وإذا فرقهم أربع فرق وصلى بكل فرقة ركعة صح
روى صالح بن خوات عمن صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم - سهل بن أبي حثمة رضي الله عنه - يوم ذات الرقاع صلاة الخوف ( أن طائفة صفت معه وطائفة وجاه العدو فصلى بالذين معه ركعة ثم ثبت قائما وأتموا لأنفسهم ثم انصرفوا فصفوا وجاه العدو وجاءت الطائفة الأخرى فصلى بهم الركعة التي بقيت ثم ثبت جالسا وأتموا لأنفسهم ثم سلم بهم ) ( 3 )
_________
( 1 ) أما حكما فلأنه لا يحمل سهوهم ولا يلحقهم سهوه ولا يسجدون لتلاوته ولا غير ذلك مما يلتزمه المأموم إلا سهو الإمام في الركعة الأولى فيلحق الطائفتين فتسجد له الطائفة الأولى إذا تمت صلاتها . أما فعلا فلأنهم يصلون الركعة الثانية منفردين مستقلين بفعلها
( 2 ) فيلزمهم سهوه ويتحمل عنهم سهوهم
( 3 ) مسلم / ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 75 / 310




3 - صلاته ببطن نخل ( 1 ) :
وصورتها أن يكون العدو في غير القبلة وأن يكون في المسلمين كثرة والعدو قليل والأخرى بها جميع الصلاة ويسلم سواء كانت ركعتين أو ثلاثا أو أربعا فإذا سلم ذهبوا إلى وجه العدو وجاء الآخرون فصلى بهم تلك الصلاة مرة ثانية فتكون له نافلة ولهم فريضة
وعن جابر رضي الله عنه أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة الخوف ( فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم بإحدى الطائفتين ركعتين ثم صلى بالطائفة أخرى ركعتين فصلى رسول الله صلى الله عليه و سلم أربع ركعات وصلى بكل طائفة ركعتين ( 2 )
وحمل السلاح في صلاة بطن نخل وصلاة ذات الرقاع وصلاة عسفان مأمور به في قوله تعالى : { وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم } وقد حمل الأمر هنا على الندب . والسلاح يقع على السيف والسكين والرمح والنشاب ونحوها من أسلحة الأمس واليوم فأما الترس والدرع ونحوها فليس بسلاح
وهذا الندب إلى حمل السلام مشروط بأمور :
( 1 ) طهارة السلاح فلا يجوز حمل سلاح ملطخ بالدم ولا الذي سقي سما نجسا ولا النبل المريش بريش ما لا يؤكل لحمه أو بريش ميتة
( 2 ) ألا يكون مانعا من بعض أركان الصلاة كالخوذة التي تمنع مباشرة الجبهة إلا إذا أمكن رفعها حال السجود
( 3 ) ألا يتأذى به أحد كرمح في وسط الناس
( 4 ) أن يكون في ترك الحمل خطرا محتمل فإن كان الخطر مقطوعا به أو مظنونا وجب حمله قطعا وحرم تركه فإن تركه فالصلاة صحيحة وهو آثم كالمصلي في أرض مغصوبة
وليس يتعين الحمل بل لو وضع السيف بين يديه بحيث تمتد اليد إليه بسهولة كان ذلك في معنى الحمل وله حكمه
_________
( 1 ) بطن نخل : من أرض غطفان - موضع من ارض نجد - هي وذات الرقاع [ لعله : " وهي ذات الرقاع " ؟ ؟ ]
( 2 ) مسلم / ج 1 كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 57 / 312



4 - صلاة شدة الخوف :
وهذا النوع جاء به القرآن الكريم في قوله تعالى : { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } ( 1 ) . وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سئل عن صلاة الخوف وصفها ثم قال : ( فإن كان خوف هو أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم أو ركبانا مستقبلي القبلة أو غير مستقبليها ) قال نافع : ( لا أرى عبد الله بن عمر ذكر ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه و سلم ( 2 )
متى ولمن ترخص : إذا اشتد الخوف من قتال العدو أو إذا التحم القتال المباح واشتد الاختلاط بين القومين بحيث يلتصق بعضهم ببعض فلا يتمكنون من ترك القتال ولا يقدرون على النزول إن كانوا ركبانا ولا على الانحراف إن كانوا مشاة . وفي حالة الهرب هربا مباحا من طريق أو سيل أو سبع أو صائل أو لص ونحو ذلك . أو المدين المعسر العاجز عن بينة الإعسار ولا يصدق غريمه ولو ظفر به لحبسه فإذا هرب منه فله أن يصليها وكذلك يصليها من طلب لا ليقتل بل ليحبس أو يؤخذ منه شيء لأنه خائف من ظلم فأشبه خوف العدو ولو كان عليه قصاص ويرجو العفو إذا سكن غضب المستحق فله أن يهرب ويصلي صلاة شدة الخوف هاربا لأنه يستحب للمستحق العفو فكأنه مساعد له على التواصل إليه إذا سكن غضبه وحيث جوزنا له صلاة شدة الخوف بهذه الأسباب غير القتال فلا إعادة عليه
ولو انهزم المسلمون من كفار فإن كانوا متحرفين لقتال أو متحيزين إلى فئة أو كان بإزائهم أكثر من مثليهم فالهزيمة جائزة فلهم صلاة شدة الخوف وإلا فلا بل تحرم . ولو انهزم الكفار فتبعهم المسلمون وكانوا بحيث لو أكملوا الصلاة على الأرض إلى القبلة فاتهم العدو لم تجز صلاة شدة الخوف لأنهم ليسوا خائفين بل يطلبون وإنما جوزت هذه الصلاة للخائف فإن خافوا كمينا أو كر العدو فلهم صلاة شدة الخوف لوجود سببه
كيفيتها : يصلي كل من القوم كيف أمكنه بشرط ضيق الوقت بحيث لا يبقى منه إلا ما يسع الصلاة وذلك إذا كان يرجو الأمن قبل خروج الوقت . أما إن لم يرجه فيصلي كيف أمكنه ولو في أول الوقت . وإن عجز عن الركوع والسجود أومأ بهما للضرورة . روى عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( فإذا كان خوف أكثر من ذلك - أراد المذكور في الحديث المتقدم - فصل راكبا أو قائما تومئ إيماء ) ( 3 ) . ويجعل السجود أخفض من الركوع ليحصل التمييز بينهما
ويجوز اقتداء بعضهم ببعض مع الاختلاف في الجهة ومع التقدم على الإمام ومع عدم المشاهدة لأن المعتبر في الاقتداء العلم بصلاة الإمام لا مشاهدته . ويصلي سواء كان راكبا أو راجلا مستقبلا القبلة أو غير مستقبلها
ويعذر بالأفعال أثناء صلاته إن كانت هذه الأفعال متعلقة بالقتال كالضربات الكثيرة وكان محتاجا إليها وإلا بطلت صلاته أما الصياح فمبطل لصلاته ولو احتاج إليه وكذلك الكلام الكثير . ويجب عليه إلقاء السلاح إن تنجس بدم مثلا إلا إذا خاف من إلقائه ضررا فيجب حمله مع القضاء
وإذا أمن وهو في الصلاة أو زال خوفه أتم صلاته كما في الأمن ولا قضاء عليه . فإن كان يصلي راكبا فأمن وجب النزول مستقبلا القبلة في الحال ويبني على صلاته فإن استمر راكبا أو استدبر القبلة وهو نازل بطلت صلاته
ولو صلى متمكنا على الأرض إلى القبلة فحدث خوف في أثناء الصلاة فركب فإن كان مضطرا إلى الركوب لم تبطل صلاته ويبني وإن لم يضطر بل كان قادرا على القتال وإتمام الصلاة راجلا فركب احتياطا بطلت صلاته ولزمه الاستئناف
_________
( 1 ) البقرة : 239
( 2 ) البخاري ج 4 / كتاب التفسير / البقرة باب 46 / 4261
( 3 ) مسلم ج 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 57 / 306
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-02-2013
  #34
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب العاشر : الجنائز
- معناها :
الجنائز بفتح الجيم جمع جنازة وهي بالفتح والكسر اسم للميت في النعش
ذكر الموت وعيادة المريض وخدمته :

- لئن كان الموت أعظم المصائب فإن الغفلة عنه أعظم من أجل هذا سنت كثرة ذكره
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أكثروا ذكر هاذم اللذات ) ( 1 ) يعني الموت . كما يجب الاستعداد له بالتوبة لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا ) ( 2 ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكبي فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) ( 3 )
والمريض بالاستعداد أولى
ومن السنة عيادة المريض السليم حتى الأرمد لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ( عادني رسول الله صلى الله عليه و سلم من وجع كان بعيني ) ( 4 ) . وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) ( 5 )
كما تسن عيادة الجار المريض ولو كان كافرا
ويسن تخفيف الزيارة ويدعو له بالعافية إن طمع في حياته . ومن الأدعية المأثورة ما روت عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه و سلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه : ( أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ) ( 6 )
فإن رأى حياته غير مرجوة رغبه بتوبة ووصية ويستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر على ما يشق من أمره وكذلك من قرب موته بسبب حد أو قصاص ويستحب للأجنبي أن يوصيهم بذلك لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إنها زنت وهي حبلى فدعا نبي الله صلى الله عليه و سلم وليا لها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها . . . ) ( 7 )
ويستحب طلب الموت في بلد شريف لما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال : ( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك ) ( 8 )
ويستحب ألا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام
ويستحب طلب الدعاء من المريض لحديث عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة ) ( 9 )
ويستحب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى من التوبة وغيرها من ضروب الخير . وينبغي له هو المحافظة على ذلك قال تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } ( 10 )
_________
( 1 ) ابن ماجه ج 2 / كتاب الزهد باب 31 / 4258 ، و هاذم : قاطع سمي كذلك لأنه يقطع لذات الدنيا قطعا
( 2 ) ابن ماجه ج 2 / كتاب الزهد باب 19 / 4195 ، و شفير القبر حرفه
( 3 ) البخاري ج 5 / كتاب الرقاق باب 3 / 6053
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 9 / 3102
( 5 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 2 / 1183
( 6 ) البخاري ج 5 / كتاب الطب باب 39 / 5418
( 7 ) أبو داود ج 4 / كتاب الحدود باب 25 / 4440
( 8 ) البخاري ج 2 / كتاب فضائل المدينة باب 11 / 1791
( 9 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 1 / 1441
( 10 ) الإسراء : 34


ما يسن للمريض :
- أن يحسن ظنه بالله تعالى بالمغفرة وبقرب التوبة لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قبل موته بثلاث : ( لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ( 1 ) . وتكره له الشكوى إلا لطبيب أو قريب أو صديق إن سألوه عن حاله أخبرهم بالشدة التي هو فيها لا على حالة الجزع . كما يكره له تمني الموت بلا خوف فتنة في الدين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) ( 2 )
ويسن له التداوي لما روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ) ( 3 )
كما ينبغي له أن يحرص على تحسين خلقه وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا وأن يستحضر في ذهنه أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير وأن يستحل زوجته وأولاده وسائر أهله وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصالحة أو تعلق ويرضيهم وأن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت . وأن يحافظ على الصلوات وغيرها من وظائف الدين وأن يوصي أهله بالصبر عليه وبترك النوح عليه وكثرة البكاء وما جرت عليه العادة من البدع فغي الجنائز وبتعاهده بالدعاء له لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( أن حفصة بكت على عمر رضي الله عنه فقال : مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) ( 4 )
_________
( 1 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 17 / 3113
( 2 ) البخاري ج 5 / كتاب المرضى باب 19 / 5347
( 3 ) البخاري ج 5 / كتاب الطب باب 1 / 5354
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 9 / 16




ما يسن عند الاحتضار :
- يسن إذا حضره الموت أن يضطجع على شقه الأيمن ووجه إلى القبلة فإن تعذر فعلى شقه الأيسر ووجهه للقبلة وإلا فعلى قفاه ووجهه وأخمصاه إلى القبلة ويرفع رأسه بشيء حتى يتوجه إلى القبلة لما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه فقالوا : توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله وأوصى أو يوجه إلى القبلة لما احتضر . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أصاب الفطرة وقد رددت ثلثه على ولده ) ثم ذهب فصلى عليه وقال : ( اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلت ) ( 1 )
ويسن أن يجلس أمامه أرفق محارمه به ليلقنه كلمات التوحيد والأفضل أن يكون غير وارث كيلا يتهمه بالطمع في الإرث فيخرج من تلقينه فإن لم يحضره إلا الورثة لقنه أشفقهم عليه يلقنه لا إله إلا الله وذلك بأن يقولها أمامه ليذكره بها لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لقنوا موتاكم ( 2 ) لا إله إلا الله ) ( 3 ) فإن نطقها المحتضر فلا يعيدها الجالس أمامه إلا إن نطق بها ثم تكلم فيعيدها له ليعود إلى قولها فتكون آخر كلامه من الدنيا لما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) ( 4 ) ولا يلح عليه ولا يقال له : قل لا إله إلا الله لئلا يضجر فيقول كلاما قبيحا فيأثم
_________
( 1 ) البيهقي ج 3 / ص 384
( 2 ) موتاكم : أي من قرب موتهم وهو من باب تسمية الشيء بما يصير إليه ومنه قوله تعالى : { إني أراني أعصر خمرا } يوسف : 36
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 1 / 1
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 20 / 3116




ما يسن بعد الوفاة :
- فإذا مات تولى أرفقهم به إغماض عينيه لئلا يقبح منظره ولأن البصر يتبع الروح فينظر أين تذهب لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر . . . ) ( 1 )
ويشد لحييه بعصابة عريضة ثم يشد العصابة على رأسه حتى لا ينفتح فمه فيقبح منظره وتدخل إليه الهوام ويلين مفاصله بالتحريك وبدهن إن احتيج إليه لأن ذلك يسهل غسله ولئلا تبقى أعضاؤه جافية فلا يمكن تكفينه
وينزع عنه ثيابه ويستره بثوب خفيف ويجعله على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ويضع على بطنه شيئا ثقيلا حتى لا ينتفخ لما روى البيهقي قال : ( مات مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس فقال أنس رضي الله عنه ضعوا على بطنه حديدة ) ( 2 )
ثم يستقبل به القبلة ويدعى له ويبادر إلى تبرئة ذمته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) ( 3 )
ويستحب إعلام أهله وأصدقائه بموته للصلاة عليه ولا يكون ذلك من النعي المكروه كما يستحب لأقربائه وجيرانه أن يصلحوا طعاما لأهله لما روى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال : ( لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( اصنعوا لأهل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم ) ( 4 ) . ثم يبادر إلى تجهيزه ثم إلى إنفاذ وصيته لما روى علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : ( يا علي ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا ) ( 5 )
فإن مات فجأة وجب تركه حتى يتعين موته بظهور أمارات الموت فيه من ميل أنف وانخفاض صدغ واسترخاء قدم . ولا عبرة برأي الطبيب إن لم تظهر هذه العلامات
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 4 / 7
( 2 ) البيهقي ج 3 / ص 385
( 3 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 76 / 1078
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 21 / 998
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 73 / 1075 ، والأيم : من لا زوج لها بكرا أو ثيبا





حق الميت على المكلفين :

- يجب على الناس في موتاهم وجوبا كفائيا تجهيز الموتى بحسب أقسام الموتى السبعة الآتية :
- 1 - مسلم غير شهيد : يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وإن كان سقطا ( 1 ) إذا علمت حياته بالاستهلال ( 2 ) أو الاختلاج أو التنفس أو التحرك . فإن مات محرما كان تكفينه غير كامل فلا يغطى رأس المحرم ولا يستر وجه المحرمة لأن الإحرام لا يبطل بالموت فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما من قوله صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي سقط عن راحلته فوقصته : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا ) ( 3 )
- 2 - مسلم شهيد ( 4 ) :
يجب تكفينه ودفنه والأولى تكفينه بثيابه الملطخة بالدم فإن لم تكفه وجب إتمامها بما يستر جميع بدنه ويجوز التكفين بغيرها . أما الثياب التي لا تلبس عادة إلا للحرب مثل الدرع والخف فيندب نزعها عنه كسائر الموتى لما روى ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم ) ( 5 )
ويحرم غسله لإبقاء أثر الشهادة وهو الدم لما ورد أن رائحته يوم القيامة تكون كرائحة المسك روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( . . . والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون الدم وريحه مسك ) ( 6 )
لكن إن أصابه نجس آخر وجبت إزالته ولو أدى ذلك إلى إزالة دم الشهادة
كما تحرم الصلاة عليه ولا تصح أما خبر أن الرسول صلى الله عليه و سلم خرج وصلى على قتلى أحد صلاته على الميت ففي تفسيره قولان : أحدهما : أنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه و سلم والثاني : أن المراد بصلاته صلى الله عليه و سلم أنه دعا لهم كدعائه للميت وقد تقدم أن الصلاة في اللغة الدعاء . يعضد هذا التفسير ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قتلى أحد : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بدفنهم في دمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا ) ( 7 )
- 3 - سقط مسلم بعد التخلق دون أن تظهر فيه بعد وضعه علائم الحياة : يجب غسله وتكفينه ودفنه بلا صلاة عليه
- 4 - سقط مسلم قبل التخلق : لا يجب فيه شيء بل تحرم الصلاة عليه ويسن ستره بخرقة ودفنه ويجوز طرحه لقطة ونحوها
- 5 - ذمي : يجب تكفينه ودفنه وتحرم الصلاة عليه
- 6 - الكافر : يجوز غسله ودفنه وإتباع جنازته على الإطلاق ولكن لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالمغفرة بل هما حرامان مطلقا ( 8 ) بنص القرآن والإجماع
ولو اختلط مسلم وكافر صلى عليهما ويقول في دعائه : اللهم اغفر للمسلم منهما أو يقول على كل واحد منهما : اللهم اغفر له إن كان مسلما
- 7 - الحربي والمرتد : يجوز لكل منهما الغسل فقط . ولا حرمة لهما بل يجوز إغراء الكلاب بجيفتهما أما إن تضرر الناس بروائحهما فيجب دفنهما
وتكون أجرة التجهيز كثمن الماء وأجرة الغسل وثمن الكفن وما إلى ذلك من تركة الميت تخرج منها قبل وفاء الدين وإخراج الوصايا والإرث ولكن بعد الرهن والزكاة المتعلقة بعين النصاب . أما الزوجة غير الناشزة وخادمها فتلزم مؤنة تجهيز كل منهما على الزوج الموسر ولو كانت غنية ولو بما يرثه منها وإلا فمن تركتها . فإن لم تكن للميت تركة فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقته ثم من موقوف على تجهيز الموتى ثم من بيت المال ثم على أغنياء المسلمين
_________
( 1 ) السقط : هو الجنين النازل قبل تمام أشهره
( 2 ) الاستهلال : رفع الصوت
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 31 / 1752
( 4 ) والشهيد هو من مات في المعركة مع الكفار والمشركين لإعلاء كلمة الله سواء قتله كافر أو مسلم خطأ أو عاد سلاحه إليه أو سقط عن دابته أو نحو ذلك . أما لو مات في قتال البغاة أو مات في المعركة لا بسببها بل بمرض فليس بشهيد
( 5 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 28 / 1515
( 6 ) مسلم ج 3 / كتاب الإمارة باب 28 / 103
( 7 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 28 / 1514
( 8 ) ولو كان الكافر صغيرا غير مميز




تغسيل الميت :
- أقل الغسل تعميم بدن الميت بالماء مرة واحدة
وأكمله : أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه - إن احتاج - ولولي الميت - وهو أقرب الورثة - أن يدخل وإن لم يغسل وإن لم يعن . وأن يلبس الميت قميصا رقيقا لا يمنع وصول الماء لما روت عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم ) ( 1 ) . ولما روى البيهقي ( أن عليا رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه و سلم وعلى النبي صلى الله عليه و سلم قميص وبيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص ) ( 2 ) . ولأن ذلك أستر له فإن أمكن الغاسل أن يدخل يده في كمه الواسع اكتفى بذلك وإن لم يمكن شقه من الجانبين فإن لم يكن القميص واسعا يمكن تقليبه فيه نزع عنه وطرح عليه مئزر يغطي ما بين سرته وركبتيه
ويجعل على مرتفع كلوح ويغسل بماء مالح بارد لأن الماء العذب يسرع إليه البلاء ولأن البارد يشد البدن إلا لحاجة كبرد ووسخ فيسخنه قليلا . وأن يجلسه على المرتفع برفق مائلا قليلا إلى ورائه ويضع يمينه على كافه وإبهامه في نقرة قفاه لئلا يميل رأسه ويسند ظهره بركبته اليمنى ويمر يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير مع التكرار ليخرج ما في بطنه من فضلات . ثم يضجعه على قفاه ويغسل سوأتيه بخرقة ملفوفة على يساره ثم يلقيها ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء وصابون وينظف بها أسنانه ومنخريه ثم يوضئه كالحي مع النية ثم يغسل رأسه فلحييه بنحو سدر ( 3 ) أو صابون ويسرح شعرهما - إن كان لهما شعر وتلبد - بمشط واسع الأسنان برفق ويرد شعرهما ندبا في الكفن أو القبر . ثم يبدأ بميامنه لحديث أم عطية رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في غسل ابنته : ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) ( 4 ) فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك مستعينا في ذلك بنحو سدر ثم يزيله بماء من فرق رأسه إلى قدمه . ثم يعممه كذلك بماء قراح ( 5 ) فيه قليل من الكافور حتى لا يتغير الماء
وهذه الغسلات كلها تعتبر غسلة واحدة لأن العبرة في العدد للغسل بالماء القراح ويسن الغسل ثانية وثالثة أو أكثر إن احتيج على أن يوتر لحديث أم عطية رضي الله عنها في رواية أخرى قالت : ( دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم حين توفيت ابنته فقال : ( اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا ) ( 6 )
ويندب ألا ينظر الغاسل من غير عورته إلا قدر الحاجة كما يندب ألا يمسه أما عورته فيحرم النظر إليها ومسها فيلف على يده خرقة أو يلبس قفازا ثم يغسل له فرجه وسائر بدنه لحديث علي رضي الله عنه المتقدم . ويندب أن يغطي وجهه بخرقة تزال بعد الغسل
وإذا كان الميت محرما فلا يقرب منه الطيب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم في المحرم الذي خر من بعيره ( . . . ولا تمسوه طيبا ) ومحل ذلك إذا توفي قبل التحلل الأول أما إذا توفي بعد التحلل الأول فهو كغيره في طلب الطيب . ويستحب أن يبخر عند الميت من حين يموت حتى نهاية غسله لأنه ربما ظهر منه شيء فيغلبه رائحة البخور
ومن تعذر غسله لفقد الماء أو غيره كما لو احترق بحيث لو غسل لهرئ يمم
_________
( 1 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 32 / 3141
( 2 ) البيهقي ج 3 / ص 388
( 3 ) السدر : نبات كان يستعمل في التنظيف بدل الصابون في عصرنا
( 4 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 1197
( 5 ) خالص صاف
( 6 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 8 / 1195




- ما يتعلق بالغاسل :
الأولى أن يغسل الرجال الرجل وأن يغسل النساء امرأة . ويجوز للرجل غسل زوجته غير الرجعية ( 1 ) لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه فقال : ( بل أنا يا عائشة وارأساه ) . ثم قال : ( ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ) ( 2 )
ويجوز للزوجة غير الرجعية غسل زوجها
ولو مات مسلم وكان هناك رجل كافر وامرأة مسلمة غسله الكافر وصلت عليه المرأة المسلمة وإن لم يحضر إلا أجنبي في الميتة أو أجنبية في الميت ييمهها الأجنبي أو تيممه الأجنبية من وراء حائل . بخلاف ما لو كان على بدن أحدهما نجاسة فالأوجه أن يزيلها الأجنبي أو الأجنبية لأن إزالة النجاسة لابد منها بخلاف الغسل
وأولى الناس بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وهم رجال العصبة من النسب ( 3 ) ثم الولاء ( 4 ) ثم الإمام أو نائبه ثم ذوو الأرحام وإن اتحدوا بالدرجة قدم للغسل الأفقه وقدم للصلاة الأسن
وأولى الناس بغسل المرأة قريباتها وأولاهن ذات المحرمية وبعد القريبات ذات الولاء فالأجنبية فالزوج فالرجال المحارم وإلا يممت من قبل الأجنبي
والصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة يغسله الرجال والنساء ومثله الخنثى الكبيرة عند فقد المحرم
ويسن أن يكون الغاسل أمينا لأنه إن رأى خيرا كاستنارة وجه وطيب رائحة سن ذكره أو ضده كسواد وتغير رائحة وانقلاب صورة حرم ذكره إلا لمصلحة . لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم ( 5 ) . وروى أبو رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من غسل ميتا فكتم عليه غفر له أربعين مرة ( 6 ) . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله : ( لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ( 7 )
_________
( 1 ) الزوجة الرجعية : هي المطلقة الطلقة الأولى أو الثانية خلال فترة عدتها
( 2 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 9 / 1465
( 3 ) العصبات هم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم
( 4 ) من أعتقهم من العبيد
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 34 / 1019
( 6 ) البيهقي ج 3 / ص 395
( 7 ) مسلم ج 4 / كتاب البر والصلة والآداب باب 21 / 72
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-02-2013
  #35
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

الباب العاشر : الجنائز
- معناها :
الجنائز بفتح الجيم جمع جنازة وهي بالفتح والكسر اسم للميت في النعش
ذكر الموت وعيادة المريض وخدمته :

- لئن كان الموت أعظم المصائب فإن الغفلة عنه أعظم من أجل هذا سنت كثرة ذكره
روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أكثروا ذكر هاذم اللذات ) ( 1 ) يعني الموت . كما يجب الاستعداد له بالتوبة لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال : ( كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم في جنازة فجلس على شفير القبر فبكى حتى بل الثرى ثم قال : ( يا إخواني لمثل هذا فأعدوا ) ( 2 ) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بمنكبي فقال : ( كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) ( 3 )
والمريض بالاستعداد أولى
ومن السنة عيادة المريض السليم حتى الأرمد لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه قال : ( عادني رسول الله صلى الله عليه و سلم من وجع كان بعيني ) ( 4 ) . وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( حق المسلم على المسلم خمس : رد السلام وعيادة المريض وإتباع الجنائز وإجابة الدعوة وتشميت العاطس ) ( 5 )
كما تسن عيادة الجار المريض ولو كان كافرا
ويسن تخفيف الزيارة ويدعو له بالعافية إن طمع في حياته . ومن الأدعية المأثورة ما روت عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان النبي صلى الله عليه و سلم يعوذ بعضهم يمسحه بيمينه : ( أذهب الباس رب الناس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما ) ( 6 )
فإن رأى حياته غير مرجوة رغبه بتوبة ووصية ويستحب لأهل المريض ومن يخدمه الرفق به واحتماله والصبر على ما يشق من أمره وكذلك من قرب موته بسبب حد أو قصاص ويستحب للأجنبي أن يوصيهم بذلك لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه : ( أن امرأة من جهينة أتت النبي صلى الله عليه و سلم فقالت إنها زنت وهي حبلى فدعا نبي الله صلى الله عليه و سلم وليا لها فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أحسن إليها فإذا وضعت فجئ بها . . . ) ( 7 )
ويستحب طلب الموت في بلد شريف لما روي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر رضي الله عنه قال : ( اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك ) ( 8 )
ويستحب ألا يكره المريض على الدواء وغيره من الطعام
ويستحب طلب الدعاء من المريض لحديث عمر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إذا دخلت على مريض فمره يدعو لك فإن دعاءه كدعاء الملائكة ) ( 9 )
ويستحب وعظ المريض بعد عافيته وتذكيره الوفاء بما عاهد الله تعالى من التوبة وغيرها من ضروب الخير . وينبغي له هو المحافظة على ذلك قال تعالى : { وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا } ( 10 )
_________
( 1 ) ابن ماجه ج 2 / كتاب الزهد باب 31 / 4258 ، و هاذم : قاطع سمي كذلك لأنه يقطع لذات الدنيا قطعا
( 2 ) ابن ماجه ج 2 / كتاب الزهد باب 19 / 4195 ، و شفير القبر حرفه
( 3 ) البخاري ج 5 / كتاب الرقاق باب 3 / 6053
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 9 / 3102
( 5 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 2 / 1183
( 6 ) البخاري ج 5 / كتاب الطب باب 39 / 5418
( 7 ) أبو داود ج 4 / كتاب الحدود باب 25 / 4440
( 8 ) البخاري ج 2 / كتاب فضائل المدينة باب 11 / 1791
( 9 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 1 / 1441
( 10 ) الإسراء : 34


ما يسن للمريض :
- أن يحسن ظنه بالله تعالى بالمغفرة وبقرب التوبة لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول قبل موته بثلاث : ( لا يموت أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله ( 1 ) . وتكره له الشكوى إلا لطبيب أو قريب أو صديق إن سألوه عن حاله أخبرهم بالشدة التي هو فيها لا على حالة الجزع . كما يكره له تمني الموت بلا خوف فتنة في الدين عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( لا يتمنين أحدكم الموت من ضر أصابه فإن كان لابد فاعلا فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي ) ( 2 )
ويسن له التداوي لما روي أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء ) ( 3 )
كما ينبغي له أن يحرص على تحسين خلقه وأن يجتنب المخاصمة والمنازعة في أمور الدنيا وأن يستحضر في ذهنه أن هذا آخر أوقاته في دار الأعمال فيختمها بخير وأن يستحل زوجته وأولاده وسائر أهله وغلمانه وجيرانه وأصدقائه وكل من كانت بينه وبينه معاملة أو مصالحة أو تعلق ويرضيهم وأن يتعاهد نفسه بقراءة القرآن والذكر وحكايات الصالحين وأحوالهم عند الموت . وأن يحافظ على الصلوات وغيرها من وظائف الدين وأن يوصي أهله بالصبر عليه وبترك النوح عليه وكثرة البكاء وما جرت عليه العادة من البدع فغي الجنائز وبتعاهده بالدعاء له لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ( أن حفصة بكت على عمر رضي الله عنه فقال : مهلا يا بنية ألم تعلمي أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه ) ( 4 )
_________
( 1 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 17 / 3113
( 2 ) البخاري ج 5 / كتاب المرضى باب 19 / 5347
( 3 ) البخاري ج 5 / كتاب الطب باب 1 / 5354
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 9 / 16




ما يسن عند الاحتضار :
- يسن إذا حضره الموت أن يضطجع على شقه الأيمن ووجه إلى القبلة فإن تعذر فعلى شقه الأيسر ووجهه للقبلة وإلا فعلى قفاه ووجهه وأخمصاه إلى القبلة ويرفع رأسه بشيء حتى يتوجه إلى القبلة لما روي عن أبي قتادة رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم حين قدم المدينة سأل عن البراء بن معرور رضي الله عنه فقالوا : توفي وأوصى بثلثه لك يا رسول الله وأوصى أو يوجه إلى القبلة لما احتضر . فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أصاب الفطرة وقد رددت ثلثه على ولده ) ثم ذهب فصلى عليه وقال : ( اللهم اغفر له وارحمه وأدخله جنتك وقد فعلت ) ( 1 )
ويسن أن يجلس أمامه أرفق محارمه به ليلقنه كلمات التوحيد والأفضل أن يكون غير وارث كيلا يتهمه بالطمع في الإرث فيخرج من تلقينه فإن لم يحضره إلا الورثة لقنه أشفقهم عليه يلقنه لا إله إلا الله وذلك بأن يقولها أمامه ليذكره بها لما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لقنوا موتاكم ( 2 ) لا إله إلا الله ) ( 3 ) فإن نطقها المحتضر فلا يعيدها الجالس أمامه إلا إن نطق بها ثم تكلم فيعيدها له ليعود إلى قولها فتكون آخر كلامه من الدنيا لما روى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) ( 4 ) ولا يلح عليه ولا يقال له : قل لا إله إلا الله لئلا يضجر فيقول كلاما قبيحا فيأثم
_________
( 1 ) البيهقي ج 3 / ص 384
( 2 ) موتاكم : أي من قرب موتهم وهو من باب تسمية الشيء بما يصير إليه ومنه قوله تعالى : { إني أراني أعصر خمرا } يوسف : 36
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 1 / 1
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 20 / 3116




ما يسن بعد الوفاة :
- فإذا مات تولى أرفقهم به إغماض عينيه لئلا يقبح منظره ولأن البصر يتبع الروح فينظر أين تذهب لما روت أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : ( إن الروح إذا قبض تبعه البصر . . . ) ( 1 )
ويشد لحييه بعصابة عريضة ثم يشد العصابة على رأسه حتى لا ينفتح فمه فيقبح منظره وتدخل إليه الهوام ويلين مفاصله بالتحريك وبدهن إن احتيج إليه لأن ذلك يسهل غسله ولئلا تبقى أعضاؤه جافية فلا يمكن تكفينه
وينزع عنه ثيابه ويستره بثوب خفيف ويجعله على سرير أو لوح حتى لا تصيبه نداوة الأرض فتغيره ويضع على بطنه شيئا ثقيلا حتى لا ينتفخ لما روى البيهقي قال : ( مات مولى لأنس بن مالك عند مغيب الشمس فقال أنس رضي الله عنه ضعوا على بطنه حديدة ) ( 2 )
ثم يستقبل به القبلة ويدعى له ويبادر إلى تبرئة ذمته لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ) ( 3 )
ويستحب إعلام أهله وأصدقائه بموته للصلاة عليه ولا يكون ذلك من النعي المكروه كما يستحب لأقربائه وجيرانه أن يصلحوا طعاما لأهله لما روى عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال : ( لما جاء نعي جعفر قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( اصنعوا لأهل جعفر طعاما فإنه قد جاءهم ما يشغلهم ) ( 4 ) . ثم يبادر إلى تجهيزه ثم إلى إنفاذ وصيته لما روى علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال له : ( يا علي ثلاث لا تؤخرها : الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا ) ( 5 )
فإن مات فجأة وجب تركه حتى يتعين موته بظهور أمارات الموت فيه من ميل أنف وانخفاض صدغ واسترخاء قدم . ولا عبرة برأي الطبيب إن لم تظهر هذه العلامات
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 4 / 7
( 2 ) البيهقي ج 3 / ص 385
( 3 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 76 / 1078
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 21 / 998
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 73 / 1075 ، والأيم : من لا زوج لها بكرا أو ثيبا





حق الميت على المكلفين :

- يجب على الناس في موتاهم وجوبا كفائيا تجهيز الموتى بحسب أقسام الموتى السبعة الآتية :
- 1 - مسلم غير شهيد : يجب غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه وإن كان سقطا ( 1 ) إذا علمت حياته بالاستهلال ( 2 ) أو الاختلاج أو التنفس أو التحرك . فإن مات محرما كان تكفينه غير كامل فلا يغطى رأس المحرم ولا يستر وجه المحرمة لأن الإحرام لا يبطل بالموت فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما من قوله صلى الله عليه و سلم في المحرم الذي سقط عن راحلته فوقصته : ( اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا ) ( 3 )
- 2 - مسلم شهيد ( 4 ) :
يجب تكفينه ودفنه والأولى تكفينه بثيابه الملطخة بالدم فإن لم تكفه وجب إتمامها بما يستر جميع بدنه ويجوز التكفين بغيرها . أما الثياب التي لا تلبس عادة إلا للحرب مثل الدرع والخف فيندب نزعها عنه كسائر الموتى لما روى ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم ) ( 5 )
ويحرم غسله لإبقاء أثر الشهادة وهو الدم لما ورد أن رائحته يوم القيامة تكون كرائحة المسك روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( . . . والذي نفس محمد بيده ما من كلم يكلم في سبيل الله إلا جاء يوم القيامة كهيئته حين كلم لونه لون الدم وريحه مسك ) ( 6 )
لكن إن أصابه نجس آخر وجبت إزالته ولو أدى ذلك إلى إزالة دم الشهادة
كما تحرم الصلاة عليه ولا تصح أما خبر أن الرسول صلى الله عليه و سلم خرج وصلى على قتلى أحد صلاته على الميت ففي تفسيره قولان : أحدهما : أنه من خصوصيات النبي صلى الله عليه و سلم والثاني : أن المراد بصلاته صلى الله عليه و سلم أنه دعا لهم كدعائه للميت وقد تقدم أن الصلاة في اللغة الدعاء . يعضد هذا التفسير ما ورد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في قتلى أحد : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم أمر بدفنهم في دمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا ) ( 7 )
- 3 - سقط مسلم بعد التخلق دون أن تظهر فيه بعد وضعه علائم الحياة : يجب غسله وتكفينه ودفنه بلا صلاة عليه
- 4 - سقط مسلم قبل التخلق : لا يجب فيه شيء بل تحرم الصلاة عليه ويسن ستره بخرقة ودفنه ويجوز طرحه لقطة ونحوها
- 5 - ذمي : يجب تكفينه ودفنه وتحرم الصلاة عليه
- 6 - الكافر : يجوز غسله ودفنه وإتباع جنازته على الإطلاق ولكن لا تجوز الصلاة عليه ولا الدعاء له بالمغفرة بل هما حرامان مطلقا ( 8 ) بنص القرآن والإجماع
ولو اختلط مسلم وكافر صلى عليهما ويقول في دعائه : اللهم اغفر للمسلم منهما أو يقول على كل واحد منهما : اللهم اغفر له إن كان مسلما
- 7 - الحربي والمرتد : يجوز لكل منهما الغسل فقط . ولا حرمة لهما بل يجوز إغراء الكلاب بجيفتهما أما إن تضرر الناس بروائحهما فيجب دفنهما
وتكون أجرة التجهيز كثمن الماء وأجرة الغسل وثمن الكفن وما إلى ذلك من تركة الميت تخرج منها قبل وفاء الدين وإخراج الوصايا والإرث ولكن بعد الرهن والزكاة المتعلقة بعين النصاب . أما الزوجة غير الناشزة وخادمها فتلزم مؤنة تجهيز كل منهما على الزوج الموسر ولو كانت غنية ولو بما يرثه منها وإلا فمن تركتها . فإن لم تكن للميت تركة فمؤنة تجهيزه على من تلزمه نفقته ثم من موقوف على تجهيز الموتى ثم من بيت المال ثم على أغنياء المسلمين
_________
( 1 ) السقط : هو الجنين النازل قبل تمام أشهره
( 2 ) الاستهلال : رفع الصوت
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 31 / 1752
( 4 ) والشهيد هو من مات في المعركة مع الكفار والمشركين لإعلاء كلمة الله سواء قتله كافر أو مسلم خطأ أو عاد سلاحه إليه أو سقط عن دابته أو نحو ذلك . أما لو مات في قتال البغاة أو مات في المعركة لا بسببها بل بمرض فليس بشهيد
( 5 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 28 / 1515
( 6 ) مسلم ج 3 / كتاب الإمارة باب 28 / 103
( 7 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 28 / 1514
( 8 ) ولو كان الكافر صغيرا غير مميز




تغسيل الميت :
- أقل الغسل تعميم بدن الميت بالماء مرة واحدة
وأكمله : أن يغسل في خلوة لا يدخلها إلا الغاسل ومن يعينه - إن احتاج - ولولي الميت - وهو أقرب الورثة - أن يدخل وإن لم يغسل وإن لم يعن . وأن يلبس الميت قميصا رقيقا لا يمنع وصول الماء لما روت عائشة رضي الله عنها : ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء فوق القميص ويدلكونه بالقميص دون أيديهم ) ( 1 ) . ولما روى البيهقي ( أن عليا رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه و سلم وعلى النبي صلى الله عليه و سلم قميص وبيد علي رضي الله عنه خرقة يتبع بها تحت القميص ) ( 2 ) . ولأن ذلك أستر له فإن أمكن الغاسل أن يدخل يده في كمه الواسع اكتفى بذلك وإن لم يمكن شقه من الجانبين فإن لم يكن القميص واسعا يمكن تقليبه فيه نزع عنه وطرح عليه مئزر يغطي ما بين سرته وركبتيه
ويجعل على مرتفع كلوح ويغسل بماء مالح بارد لأن الماء العذب يسرع إليه البلاء ولأن البارد يشد البدن إلا لحاجة كبرد ووسخ فيسخنه قليلا . وأن يجلسه على المرتفع برفق مائلا قليلا إلى ورائه ويضع يمينه على كافه وإبهامه في نقرة قفاه لئلا يميل رأسه ويسند ظهره بركبته اليمنى ويمر يده اليسرى على بطنه بتحامل يسير مع التكرار ليخرج ما في بطنه من فضلات . ثم يضجعه على قفاه ويغسل سوأتيه بخرقة ملفوفة على يساره ثم يلقيها ويلف خرقة أخرى على يده بعد غسلها بماء وصابون وينظف بها أسنانه ومنخريه ثم يوضئه كالحي مع النية ثم يغسل رأسه فلحييه بنحو سدر ( 3 ) أو صابون ويسرح شعرهما - إن كان لهما شعر وتلبد - بمشط واسع الأسنان برفق ويرد شعرهما ندبا في الكفن أو القبر . ثم يبدأ بميامنه لحديث أم عطية رضي الله عنها قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم في غسل ابنته : ( ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها ) ( 4 ) فيغسل شقه الأيمن ثم الأيسر ثم يحرفه إلى شقه الأيسر فيغسل شقه الأيمن مما يلي قفاه ثم يحرفه إلى شقه الأيمن فيغسل الأيسر كذلك مستعينا في ذلك بنحو سدر ثم يزيله بماء من فرق رأسه إلى قدمه . ثم يعممه كذلك بماء قراح ( 5 ) فيه قليل من الكافور حتى لا يتغير الماء
وهذه الغسلات كلها تعتبر غسلة واحدة لأن العبرة في العدد للغسل بالماء القراح ويسن الغسل ثانية وثالثة أو أكثر إن احتيج على أن يوتر لحديث أم عطية رضي الله عنها في رواية أخرى قالت : ( دخل علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم حين توفيت ابنته فقال : ( اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا ) ( 6 )
ويندب ألا ينظر الغاسل من غير عورته إلا قدر الحاجة كما يندب ألا يمسه أما عورته فيحرم النظر إليها ومسها فيلف على يده خرقة أو يلبس قفازا ثم يغسل له فرجه وسائر بدنه لحديث علي رضي الله عنه المتقدم . ويندب أن يغطي وجهه بخرقة تزال بعد الغسل
وإذا كان الميت محرما فلا يقرب منه الطيب لحديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدم في المحرم الذي خر من بعيره ( . . . ولا تمسوه طيبا ) ومحل ذلك إذا توفي قبل التحلل الأول أما إذا توفي بعد التحلل الأول فهو كغيره في طلب الطيب . ويستحب أن يبخر عند الميت من حين يموت حتى نهاية غسله لأنه ربما ظهر منه شيء فيغلبه رائحة البخور
ومن تعذر غسله لفقد الماء أو غيره كما لو احترق بحيث لو غسل لهرئ يمم
_________
( 1 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 32 / 3141
( 2 ) البيهقي ج 3 / ص 388
( 3 ) السدر : نبات كان يستعمل في التنظيف بدل الصابون في عصرنا
( 4 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 1197
( 5 ) خالص صاف
( 6 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 8 / 1195




- ما يتعلق بالغاسل :
الأولى أن يغسل الرجال الرجل وأن يغسل النساء امرأة . ويجوز للرجل غسل زوجته غير الرجعية ( 1 ) لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( رجع رسول الله صلى الله عليه و سلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأنا أقول : وارأساه فقال : ( بل أنا يا عائشة وارأساه ) . ثم قال : ( ما ضرك لو مت قبلي فقمت عليك فغسلتك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك ) ( 2 )
ويجوز للزوجة غير الرجعية غسل زوجها
ولو مات مسلم وكان هناك رجل كافر وامرأة مسلمة غسله الكافر وصلت عليه المرأة المسلمة وإن لم يحضر إلا أجنبي في الميتة أو أجنبية في الميت ييمهها الأجنبي أو تيممه الأجنبية من وراء حائل . بخلاف ما لو كان على بدن أحدهما نجاسة فالأوجه أن يزيلها الأجنبي أو الأجنبية لأن إزالة النجاسة لابد منها بخلاف الغسل
وأولى الناس بغسل الرجل أولاهم بالصلاة عليه وهم رجال العصبة من النسب ( 3 ) ثم الولاء ( 4 ) ثم الإمام أو نائبه ثم ذوو الأرحام وإن اتحدوا بالدرجة قدم للغسل الأفقه وقدم للصلاة الأسن
وأولى الناس بغسل المرأة قريباتها وأولاهن ذات المحرمية وبعد القريبات ذات الولاء فالأجنبية فالزوج فالرجال المحارم وإلا يممت من قبل الأجنبي
والصغير الذي لم يبلغ حد الشهوة يغسله الرجال والنساء ومثله الخنثى الكبيرة عند فقد المحرم
ويسن أن يكون الغاسل أمينا لأنه إن رأى خيرا كاستنارة وجه وطيب رائحة سن ذكره أو ضده كسواد وتغير رائحة وانقلاب صورة حرم ذكره إلا لمصلحة . لما روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم ( 5 ) . وروى أبو رافع رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من غسل ميتا فكتم عليه غفر له أربعين مرة ( 6 ) . وروى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله : ( لا يستر عبد عبدا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة ( 7 )
_________
( 1 ) الزوجة الرجعية : هي المطلقة الطلقة الأولى أو الثانية خلال فترة عدتها
( 2 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الجنائز باب 9 / 1465
( 3 ) العصبات هم الأب ثم الجد ثم الابن ثم ابن الابن ثم الأخ ثم ابن الأخ ثم العم ثم ابن العم
( 4 ) من أعتقهم من العبيد
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 34 / 1019
( 6 ) البيهقي ج 3 / ص 395
( 7 ) مسلم ج 4 / كتاب البر والصلة والآداب باب 21 / 72
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-10-2013
  #36
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

تكفين الميت :
- أقل الكفن ثوب يستر بدن الميت ويعمه وهذا هو حق الميت المشوب بحق الله . أما حق الله فقط فثوب يستر العورة
ويسن أن يكون كفن الرجل ثلاثة أثواب إزار ولفافتين ولا يكره أن يضاف عليها قميص وعمامة لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه ) ( 1 ) . فإن كان في الكفن قميص وعمامة جعل ذلك تحت الأثواب لأن إظهاره زينة وليس الحال حال زينة ولكن الأفضل والأكمل الاقتصار على الثلاثة فقط لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ( 2 ) ليس فيها قميص ولا عمامة ) ( 3 )
أما المرأة فيسن لكفنها خمسة : إزار ثم قميص ثم خمار ثم لفافتان لما روت ليلى بنت قانف الثقفية رضي الله عنها قالت : ( كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه و سلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر . قالت : ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبا ثوبا ) ( 4 )
وتصبح اللفائف الثلاثة واجبة إن كان ثمن الكفن من مال الميت ولم يكن محجورا عليه بإفلاس وليس عليه دين مستغرق ولو كان في الورثة من هو محجور عليه بإفلاس ولو لم تسمح الورثة إلا بثوب . إلا إذا كان الميت أوصى أن تكون واحدة فعندئذ يسقط الثوبان الثاني والثالث تنفيذا للوصية
و يجب ثوب واحد يستر البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة إذا كان ثمن الكفن من مال من عليه نفقته أو من بيت المال أو من الموقوف على تجهيز الموتى أو من أغنياء المسلمين
وإذا كان الميت محجورا عليه بالإفلاس فالكفن الواجب عندئذ هو الذي يسمح به الغرماء بشرط ألا يقل عن ثوب يستر جميع البدن أما إذا لم يسمحوا إلا بثوب واحد يستر العورة فقط فلا يجابون وإن أنفقوا مع الورثة على جعل الكفن ثلاث لفائف جاز ذلك
ويستحب تحسين الكفن لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) ( 5 ) . والمراد بتحسينه بياضه لما روى أبو المهلب سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم ) ( 6 ) . فيكره أن يكون في الكفن شيء غير البياض نحو عصفر فوق رأسه أو أسفل قدميه . والمراد بتحسينه كذلك : نظافته وسوغه وكثافته لا كونه ثمينا لما روى علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سلبا سريعا ) ( 7 )
ويستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة وصفة ذلك أن يجعل الكفن على عود وغيره ثم يبخر كما تبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب
ويجوز تكفين كل إنسان فيما يجوز لبسه له في الحياة فيحرم تكفين الرجل بالحرير ويجوز تكفين المرأة به وإن كره لأن فيه سرفا ويشبه إضاعة المال بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج . والأفضل أن تكون أثواب التكفين قطنية
ويسن أن يكون الكفن غسيلا لا جديدا لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه به ردع من زعفران فقال : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها قلت : إن هذا خلق قال : إن الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة " ( 8 ) . ولأنه للصديد
كما يسن أن تبسط أحسن اللفائف وأوسعها أولا ويذر عليها حنوط ثم الثانية ثم الثالثة التي تلي الميت ويذر على كل منهما حنوط وكافور ثم يحمل الميت إلى الأكفان مستورا ويترك على الكفن مستلقيا على ظهره ويؤخذ قطن فيجعل فيه الحنوط والكافور ويجعل بعضه بين ألييه ويشد عليه بخرقة كما يشد التبان ( 9 ) وبعضه على منافذ البدن كالفم والمنخرين والعينين والأذنين وعلى خراج ( 10 ) نافذ إن كان ليخفي ما يظهر من رائحته ودفعا للهوام عن هذه المنافذ ويجعل بعضه كذلك على مواضع السجود لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " الكافور يوضع على مواضع السجود " ( 11 ) ولأن هذه المواضع شرفت بالسجود فخصت بالطيب . ثم يلف عليه الثوب الذي يليه فيضم منه شقه الأيسر على شقه الأيمن ثم الأيمن على الأيسر ثم يلف الثاني كذلك ثم الثالث كذلك ثم تربط الأكفان - ما لم يكن محرما - ثم تحل في القبر
ويكره اتخاذ الكفن إلا من حل أو من أثر صالح وللوارث إبداله فلا يجب عليه تكفينه فيه لأنه ينتقل إليه بالموت
وتحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له عن صديد الموتى وكذلك كل اسم معظم
_________
( 1 ) البخاري ج 4 / كتاب التفسير / التوبة باب 161 / 4395
( 2 ) سحولية : نسبة إلى مدينة في ناحية اليمن
( 3 ) البخاري : ج 1 / كتاب الجنائز باب 24 / 1214
( 4 ) أبو داود : ج 3 / كتاب الجنائز باب 36 / 3157 . والحقا : الإزار . والدرع : القميص . والملحفة : الملاءة التي تتغطى بها المرأة
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 15 / 49
( 6 ) النسائي : ج 4 / ص 34
( 7 ) أبو داود : ج 3 / كتاب الجنائز باب 35 / 3154
( 8 ) البخاري : ج 1 / كتاب الجنائز باب 92 / 1321 ، وردع من زعفران : لطخ لم يعمه كله . والمهلة : دم الميت وصديده
( 9 ) التبان : سراويل قصيرة صغيرة بلا تكة
( 10 ) الخراج : نضم الخاء وتخفيف الراء وهو القرحة في الجسد
( 11 ) البيهقي : ج 3 / ص 405




الصلاة على الميت :

- حكمها :
تجب الصلاة على الميت وجوبا كفائيا كما قدمنا . ولو لم يوجد إلا بعض الميت من رأس أو رجل صلي عليه . ولا يسقط فرضها بصلاة النساء ما وجد ذكرا ولو صبيا - إن كان مميزا - فإن لم يصل أمرنه بالصلاة . أما في حال عدم وجود ذكران ولو صبية فيسقط الفرض بصلاة النساء فرادى فإن صلين جماعة فلا بأس سواء كان الميت رجلا أو امرأة

- شروط صحتها :
تقديم غسل الميت أو تيممه - عند العجز عن الغسل - على الصلاة ويصح تأخير تكفينه عنها مع الكراهة
ويشترط فيها إضافة لما ذكر ما يشترط في كل صلاة من طهارة وستر عورة واستقبال القبلة


- أركانها :
- 1 - النية ويجب فيها ما يجب في نية سائر الفرائض القصد والتعيين ونية الفرض بأن يقصد معنى قوله : أصلي فرض كفاية صلاة الجنازة على هذا الميت أو على من صلى عليه الإمام ولا يجب تعيين الميت الحاضر . وتصح الصلاة ولو اختلفت نية الإمام عن نية المأموم فلو نوى الإمام الصلاة على ميت حاضر أو غائب ونوى المأموم على غيره صحت الصلاة
- 2 - القيام للقادر
- 3 - أربع تكبيرات بما فيها تكبيرة الإحرام لما روي عن جابر رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعا ) ( 1 ) وروى حميد قال : ( صلى بنا أنس رضي الله عنه فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم ) ( 2 )
- 4 - قراءة الفاتحة أو بدلها عند العجز عنها لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ( 3 )
- 5 - الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بعد التكبيرة الثانية لأنها صلاة فوجب فيها الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم كسائر الصلوات ولا تجزئ بعد غير الثانية للإتباع وأقلها : اللهم صل على محمد
- 6 - تخصيص الميت بالدعاء ولا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) ( 4 )
ويتعين كون الدعاء بعد التكبيرة الثالثة ( 5 ) وأقله ما يقع عليه اسم الدعاء
ويكفي في الطفل الدعاء لوالديه لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : ( . . . والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) ( 6 )
- 7 - التسليمة الأولى بحسب كيفيتها في سائر الصلوات . لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعلهن تركهن الناس : إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة . . . ) ( 7 )
_________
( 1 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 63 / 1269
( 2 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 63
( 3 ) البخاري ج 1 / كتاب صفة الصلاة باب 13 / 723 ، من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 60 / 3199
( 5 ) والسبب في عدم تعيين محل الفاتحة وتعيين محل الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم والدعاء للميت كون القصد من الصلاة على الميت الشفاعة وهي حاصلة بالدعاء له والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لقبول الدعاء من أجل ذلك تعين نمحل كل منهما أما الفاتحة فلم يتعين محلها إشعارا بأن القراءة دخيلة على الصلاة
( 6 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 49 / 3180 ، قال أبو داود : وأحسب أن أهل زياد - أحد رجال السند - أخبروني أنه أي المغيرة رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم
( 7 ) البيهقي ج 4 / ص 43




- سننها :
- 1 - أن تكون الصلاة في المسجد لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد ) ( 1 )
- 2 - أن تصلى جماعة وبثلاثة صفوف فأكثر لما روي مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ) ( 2 ) . وكلما كثر الجمع كان أفضل . لحديث ابن هبيرة رضي الله عنه المتقدم ولحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه ) ( 3 )
- 3 - أن يقف الإمام عند رأس الميت إن كان رجلا وعند عجيزته إن كان امرأة وأن تكون معظم الجنازة عن يمين الإمام لما روي عن غالب قال : ( صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا يا أبا حمزة ( 4 ) صل عليها فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم قام صل عليها فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه ؟ قال : نعم . فلما فرغ قال : احفظوا ( 5 )
- 4 - رفع اليدين عند كل تكبيرة حذو المنكبين ثم يجمعهما عقب ذلك ويجعلهما تحت صدره واضعا اليمنى على اليسرى كما في سائر الصلوات
- 5 - إيقاع قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى
- 6 - أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بصيغة الإبراهيمية
- 7 - أن يدعو قبل دعائه للميت بما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على جنازة فقال : ( اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ) ( 6 )
ويسن أن يكون الدعاء بما جاء في الأحاديث الشريفة ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه و سلم - وصلى على جنازة - يقول : ( اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد وثقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار ) ( 7 )
وأكمله ما التقطه الشافعي رضي الله عنه من مجموع الأحاديث الواردة ورتبه واستحبه وهو : ( اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به منا اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين ) ( 8 )
ويسن في جنازة الطفل أن يدعو الدعاء الوارد عنه صلى الله عليه و سلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه والذي تقدم : ( اللهم اغفر لحينا وميتنا . . . ) . ثم يدعو لوالديه بالدعاء التالي : ( اللهم اجعله فرطا ( 9 ) لأبويه وسلفا ( 10 ) وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما ( 11 ) وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره ( 12 ) وذلك إن كان الوالدان حيين مسلمين
- 8 - الدعاء بعد التكبيرة الرابعة بقوله : ( اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله ) ( 13 )
- 9 - التسليمة الثانية
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 34 / 99
( 2 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 43 / 3166 ، وأوجب : وجبت له الجنة
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 18 / 58
( 4 ) هذه كنية أنس رضي الله عنه
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 45 / 1034
( 6 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 60 / 3201
( 7 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 26 / 86
( 8 ) المجموع ج 5 / ص 196
( 9 ) فرطا : أي أجرا يتقدمهما أو سابقا مهيئا لمصالحهما في الآخرة
( 10 ) سلفا : ثمنا للأجر والثواب الذي يجازى على الصبر عليه
( 11 ) وثقل به موازينهما : أي بثواب الصبر على فقده أو الرضا به
( 12 ) المجموع ج 5 / ص 196
( 13 ) المجموع ج 5 / ص 197





- بناء على ما تقدم تكون الكيفية الفضلى للصلاة كالتالي :
- 1 - يقرن النية مع تكبيرة الإحرام
- 2 - يقرأ الفاتحة سرا ( 21 ) بعد التكبيرة الأولى والتعوذ دون دعاء الافتتاح ويؤمن بعدها ندبا ( 22 )
- 3 - ثم يكبر الثانية ويصلي بعدها على النبي صلى الله عليه و سلم
- 4 - ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت بعدها
- 5 - ثم يكبر الرابعة ويدعو
- 6 - يسلم بعد التكبيرة الرابعة
تنبيهان خاصان بالمأموم :
الأول : إذا تخلف المأموم عن الإمام بتكبيرة إلى أن شرع في الثانية بدون عذر بطلت صلاته لأن كل تكبيرة تقوم مقام ركعة . والتقدم كالتخلف
الثاني : إذا أدرك المقتدي الإمام بعد غير التكبيرة الأولى مشى على ترتيب صلاة نفسه ثم بعد سلام الإمام يأتي بما بقي عليه من التكبيرات وأذكارها
_________
( 21 ) وكذلك الدعاء وكل ما فيها ولو كانت الصلاة ليلا إلا التكبيرات فيجهر بها
( 22 ) ولا تسن قراءة سورة بعد الفاتحة لأن هذه الصلاة مبنية على التخفيف للإسراع بالجنازة






- أولى الناس بالصلاة على الميت :
أولى الناس بالصلاة على الميت عصباته ثم الولاء ثم الإمام أو نائبه ثم ذوو الأرحام لأن القصد من الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء على الترتيب الذي ذكرنا أرجى للإجابة





- تعقيبات :
- 1 - تصح الصلاة على الغائب لما صح أنه صلى الله عليه و سلم صلى على النجاشي بالمدينة يوم موته بالحبشة عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن أخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه ) يعني النجاشي ( 1 )
- 2 - تصح الصلاة على المدفون ممن كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم الموت وحال بينه وبين الصلاة عليه حائل . لما روي عن ابن نمير قال : ( انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا ) ( 2 )
- 3 - تجوز الصلاة على الميت أكثر من مرة كأن يصلي عليه وهو في المسجد ويصلي عليه بعد الدفن وكذا يجوز للنساء أن يصلين على الميت قبل صلاة الرجال عليه في المسجد لما روي عن عائشة رضي الله عنها ( أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه ) ( 3 )
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 22 / 67
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 23 / 68
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 34 / 100




حمل الجنازة :


- هو فرض كفاية وليس فيه دناءة ولا سقوط مروءة بل هو بر وطاعة وإكرام للميت فعله الصحابة والصالحون . ويحمل الجنازة الرجال دون النساء لما روي عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق ( 1 )
والأفضل أن يحمل الجنازة خمسة ويحرم حملها على هيئة مزرية كحمله في قفة وغراره كما يحرم حملها على هيئة يخاف منها سقوطه ويسن الإسراع بها لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " ( 2 )
_________
( 1 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 49 / 1251
( 2 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 50 / 1252






اتباع الجنازة :

- يستحب اتباع الجنازة وعدم الانصراف حتى يدفن لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى
تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين " ( 1 )
ويسن المشي أمامها قريبا منها على أنه يجوز له المشي حيث شاء قريبا منها لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه المتقدم بعضه وفيه : " الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها " ( 2 ) . وروى سالم عن أبيه رضي الله عنهما قال " رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " ( 3 ) ولأنه شفيع الميت والشفيع يتقدم المشفوع
ويكره اللغط فيها واتباعها بنائحة أو نار لما روي عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال وهو في سياقة الموت ( 4 ) : " . . . فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار . . . " ( 5 )
كما يكره اتباع النساء للجنازة لما روت أم عطية رضى الله عنها قالت : " نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا " ( 6 )
ويكره الركوب في الذهاب معها إلا لعذر فإن ركب في الانصراف لم يكن به بأس لما روى جابر بن سمرة رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم اتبع جنازة أبي الدحداح رضي الله عنه ماشيا ورجع على فرس " ( 7 )
ولا يكره للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر لما روى عن علي رضي الله عنه قال : " قلت للنبي صلى الله عليه و سلم : إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : " اذهب فوار أباك " ( 8 ) . ويستحب لمن مرت به جنازة أن يقول : سبحان الله الذي لا يموت أو سبحان الملك القدوس وأن يدعو لها ويثني عليها إن كانت أهلا لذلك
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 17 / 52
( 2 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 49 / 3180
( 3 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 26 / 1007
( 4 ) أي حال حضور الموت
( 5 ) مسلم ج ا / كتاب الإيمان باب 54 / 192
( 6 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 29 / 1219 ، ولم يعزم علينا : أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات
( 7 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 29 / 1014
( 8 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 70 / 3




دفن الميت :
- هو فرض على الكفاية كما قدمنا لأن في تركه على وجه الأرض هتكا لحرمته وأذى للناس برائحته . ويتولاه الرجال لأنه يحتاج إلى بطش وقوة وأولاهم بذلك أولاهم بالصلاة عليه إلا المرأة فالأولى بدفنها زوجها ثم أحد محارمها



- الواجب في الدفن :
الواجب فيه أن يوضع الميت في القبر مستقبلا القبلة ولا يجزئ وضعه على وجه الأرض والبناء عليه إلا إذا تعذر الحفر
أما إذا توفي في السفينة بعيدا عن الساحل فيشد بين لوحين لئلا ينتفخ ويلقى في البحر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه

- شروط القبر :
أقل القبر حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه من السباع ( 1 ) وأكمله حفرة بعمق قامة وبسطة لما روي أن عمر رضي الله عنه أوصى أن يعمق قامة وبسطة ( 2 ) . ولحديث هشام بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم يوم أحد : " احفروا وأعمقوا وأحسنوا " وفي رواية " و أوسعوا " ( 3 )



- ما يسن في الدفن :
- 1 - أن يكون الدفن في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدفن الموتى بالبقيع ولأنه يكثر الدعاء له ممن يزوره ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه و سلم دفن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها
- 2 - يستحب أن يجمع الأقارب في موضع واحد لما روى المطلب رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال : " أتعلم قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي " ( 4 )
- 3 - أن يكون في غير الليل . وفي غير وقت حرمة الصلاة إلا أنه يجوز الدفن في هذين الوقتين من غير كراهة . ودليل عدم كراهته في الليل حديث ابن عباس رضى الله عنهما " أن رسول
صلى الله عليه و سلم مر بقبر قد دفن ليلا فقال : " متى دفن هذا ؟ " قالوا : البارحة . قال : " أفلا آذنتموني ؟ " قالوا : دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك . فقام فصففنا خلفه قال ابن عباس : وأنا فيهم فصلى عليه " ( 5 )
- 4 - أن يكون الدافنون رجالا لأن المرأة أضعف ولئلا ينكشف بدنها حين الدفن وأن يكونوا وترا فإن حصلت الكفاية بواحد وإلا ثلاثة وإلا فخمسة إن أمكن واحتيج إليه
- 5 - يسن الدفن باللحد إذا كانت الأرض صلبة وفي الشق إذا كانت رخوة لئلا ينهار عليه اللحد . روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : " ألحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه و سلم " ( 6 )
والشق هو ما يحفر في قعر القبر كالنهر وتوضع بلاطة فوقه واللحد هو حفرة في الجدار القبلي للقبر من الأسفل بقدر حجم الميت . فبعد أن يحفر القبر ويعمق بقدر قامة وبسطة يحفر
في جانبه اللحد . ثم يسد اللحد بعد وضع الميت بلبنة ثم ينهال عليه التراب إلى أن يملأ القامة والبسطة
- 6 - أن يستر القبر عند الدفن بثوب سواء كان المدفون رجلا أو امرأة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " جلل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبر سعد بثوبه " ( 7 )
- 7 - أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل فيه سلا لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " سل رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبل رأسه " ( 8 ) . ولأن ذلك أسهل
- 8 - أن يفضى بخده إلى الأرض ويكره أن يجعل له وسادة أو صندوق ولو أوصى بذلك إلا إذا احتيج إليه لنداوة الأرض روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض " ( 9 ) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : " لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئا " ( 10 )
- 9 - يسن أن يسند وجه الميت ورجلاه عند الدفن إلى جدار القبر وظهره بنحو لبنة أو حجر لئلا ينكب على وجهه . وأن يوضع على شقه الأيمن قياسا على النائم وعلى المصلى مضطجعا وقد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم للبراء بن عازب رضي الله عنه : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن "
- 10 - ويسن أن يقول عند إضجاع الميت : " بسم الله على ملة رسول الله " . قال الشافعي رضي الله عنه ثم يقول : " اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول به إن عاقبته فبذنب وإن عفوت فأهل العفو أنت غني عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك الأمن من عذابه واكفه كل هول دون الجنة اللهم اخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه برحمتك يا أرحم الراحمين " ( 11 ) وله أن يدعو بغيره إن شاء
- 11 - ويسن لكل من على القبر أن يحثو عليه ثلاث حثيات تراب بيديه جميعا روى عامر ابن ربيعة عن أبيه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه و سلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي الله عنه فصلى عليه وكبر عليه أربعا وحثا بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر " ( 12 )
- 12 - ويسن ألا يزاد على التراب الذي أخرج من القبر فإن زادوا قليلا فلا بأس به . ويشخص القبر من الأرض قدر شبر لما روى القاسم بن محمد قال : " دخلت على عائشة فقلت : يا أمه اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه و سلم وصاحبيه رضي الله عنهما فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " ( 13 )
- 13 - كما يسن أن يسطح القبر ويوضع عليه الحصى ويرش عليه بالماء لأنه صلى الله عليه و سلم فعل ذلك في قبر ابنه إبراهيم . ولأنه إذا لم يرش زال أثره فلا يعرف
- 14 - يسن أن يقف جماعة بعد دفنه يدعون للميت ويستغفرون له ويقرؤون عنده شيئا من القرآن وختمه أفضل ويسألون الله له التثبيت لما روى عثمان رضي الله عنه قال : " وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا فرغ من دفن الميت ووقف عليه قال : " استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " ( 14 )
كما يسن تلقينه لما روى سعيد بن عبد الله الأودي قال : " شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النزع فقال : إذا أنا مت فاصنعوا في كما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحد على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول : يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله ولكن لا تشعرون . فليقل ؟ اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقران إماما " ( 15 )
- 15 - يسن وضع الجريد الأخضر والريحان على القبر لأنه يستغفر للميت ما دام رطبا . ودليله الحديث المتقدم في المعذبين في القبر وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع الجريد على القبرين وقال : " لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا " . ولا يجوز أخذه قبل أن ييبس من غير واضعه
_________
( 1 ) لذا كان الدفن في القبور الني يطمرونها بالتراب من غير حجارة كما في بعض الأرياف حراما لأنها لا تمنع من السبع
( 2 ) المجموع ج 5 / ص 248 ، ومعنى قامة وبسطة : أن يعمق قدرهما من رجل معتدلهما بأن يقوم فيه باسطا يديه مرفوعتين
( 3 ) النسائي ج 4 / ص ا 8
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 63 / 320
( 5 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 54 / 1258 ، وآذنتموني : أعلمتموني
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 29 / 90
( 7 ) البيهقي ج 4 / ص 54
( 8 ) البيهقي ج 4 / ص 54
( 9 و 10 ) المجموع ج 5 / ص 254
( 11 ) المجموع ج 5 / ص 256
( 12 ) البيهقي ج 3 / ص 410 ، وقال إسناده ضعيف إلا أن له شاهدا
( 13 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 72 / 3220
( 14 ) البيهقي ج 4 / ص 56
( 15 ) رواه الطبراني مجمع الزوائد ج 3 / ص 45




- ما يكره في الدفن :
يكره أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه لما روى جابر رضي الله عنه قال : " نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ " ( 1 ) ولأن ذلك من الزينة
_________
( 1 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 58 / 1052




- ما يحرم في الدفن :
- لا يجوز أن يدفن ميت في موضع ميت إلا أن يعلم أنه قد بلى ولم يبق منه شيء ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض كما لا يجوز أن يدفن اثنان في قبر لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدفن في كل قبر إلا واحدا فإن دعت الضرورة إلى ذلك جاز لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجمع الاثنين
من قتلى أحد في ثوب واحد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد " ( 1 )
وإن دعت الضرورة أن يدفن مع امرأة رجل جعل بينهما حائل من التراب وجعل الرجل أمامها اعتبارا بحال الحياة وإن كان لها ابنا
- كذلك لا يجوز أن يدفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار
- كما لا يجوز نبش القبر قبل البلى
_________
( 1 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 72 / 1280



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-10-2013
  #37
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

تكفين الميت :
- أقل الكفن ثوب يستر بدن الميت ويعمه وهذا هو حق الميت المشوب بحق الله . أما حق الله فقط فثوب يستر العورة
ويسن أن يكون كفن الرجل ثلاثة أثواب إزار ولفافتين ولا يكره أن يضاف عليها قميص وعمامة لما روى عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : ( لما توفي عبد الله بن أبي جاء ابنه عبد الله بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأعطاه قميصه وأمره أن يكفنه فيه ثم قام يصلي عليه ) ( 1 ) . فإن كان في الكفن قميص وعمامة جعل ذلك تحت الأثواب لأن إظهاره زينة وليس الحال حال زينة ولكن الأفضل والأكمل الاقتصار على الثلاثة فقط لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كفن في ثلاثة أثواب بيض سحولية ( 2 ) ليس فيها قميص ولا عمامة ) ( 3 )
أما المرأة فيسن لكفنها خمسة : إزار ثم قميص ثم خمار ثم لفافتان لما روت ليلى بنت قانف الثقفية رضي الله عنها قالت : ( كنت فيمن غسل أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه و سلم الحقا ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد في الثوب الآخر . قالت : ورسول الله صلى الله عليه و سلم جالس عند الباب معه كفنها يناولناها ثوبا ثوبا ) ( 4 )
وتصبح اللفائف الثلاثة واجبة إن كان ثمن الكفن من مال الميت ولم يكن محجورا عليه بإفلاس وليس عليه دين مستغرق ولو كان في الورثة من هو محجور عليه بإفلاس ولو لم تسمح الورثة إلا بثوب . إلا إذا كان الميت أوصى أن تكون واحدة فعندئذ يسقط الثوبان الثاني والثالث تنفيذا للوصية
و يجب ثوب واحد يستر البدن إلا رأس المحرم ووجه المحرمة إذا كان ثمن الكفن من مال من عليه نفقته أو من بيت المال أو من الموقوف على تجهيز الموتى أو من أغنياء المسلمين
وإذا كان الميت محجورا عليه بالإفلاس فالكفن الواجب عندئذ هو الذي يسمح به الغرماء بشرط ألا يقل عن ثوب يستر جميع البدن أما إذا لم يسمحوا إلا بثوب واحد يستر العورة فقط فلا يجابون وإن أنفقوا مع الورثة على جعل الكفن ثلاث لفائف جاز ذلك
ويستحب تحسين الكفن لحديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ) ( 5 ) . والمراد بتحسينه بياضه لما روى أبو المهلب سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( البسوا من ثيابكم البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم ) ( 6 ) . فيكره أن يكون في الكفن شيء غير البياض نحو عصفر فوق رأسه أو أسفل قدميه . والمراد بتحسينه كذلك : نظافته وسوغه وكثافته لا كونه ثمينا لما روى علي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( لا تغالوا في الكفن فإنه يسلبه سلبا سريعا ) ( 7 )
ويستحب تبخير الكفن إلا في حق المحرم والمحرمة وصفة ذلك أن يجعل الكفن على عود وغيره ثم يبخر كما تبخر ثياب الحي حتى تعبق بها رائحة الطيب
ويجوز تكفين كل إنسان فيما يجوز لبسه له في الحياة فيحرم تكفين الرجل بالحرير ويجوز تكفين المرأة به وإن كره لأن فيه سرفا ويشبه إضاعة المال بخلاف اللبس في الحياة فإنه تجمل للزوج . والأفضل أن تكون أثواب التكفين قطنية
ويسن أن يكون الكفن غسيلا لا جديدا لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " نظر أبو بكر رضي الله عنه إلى ثوب كان يمرض فيه به ردع من زعفران فقال : اغسلوا ثوبي هذا وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها قلت : إن هذا خلق قال : إن الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة " ( 8 ) . ولأنه للصديد
كما يسن أن تبسط أحسن اللفائف وأوسعها أولا ويذر عليها حنوط ثم الثانية ثم الثالثة التي تلي الميت ويذر على كل منهما حنوط وكافور ثم يحمل الميت إلى الأكفان مستورا ويترك على الكفن مستلقيا على ظهره ويؤخذ قطن فيجعل فيه الحنوط والكافور ويجعل بعضه بين ألييه ويشد عليه بخرقة كما يشد التبان ( 9 ) وبعضه على منافذ البدن كالفم والمنخرين والعينين والأذنين وعلى خراج ( 10 ) نافذ إن كان ليخفي ما يظهر من رائحته ودفعا للهوام عن هذه المنافذ ويجعل بعضه كذلك على مواضع السجود لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال : " الكافور يوضع على مواضع السجود " ( 11 ) ولأن هذه المواضع شرفت بالسجود فخصت بالطيب . ثم يلف عليه الثوب الذي يليه فيضم منه شقه الأيسر على شقه الأيمن ثم الأيمن على الأيسر ثم يلف الثاني كذلك ثم الثالث كذلك ثم تربط الأكفان - ما لم يكن محرما - ثم تحل في القبر
ويكره اتخاذ الكفن إلا من حل أو من أثر صالح وللوارث إبداله فلا يجب عليه تكفينه فيه لأنه ينتقل إليه بالموت
وتحرم كتابة شيء من القرآن على الكفن صيانة له عن صديد الموتى وكذلك كل اسم معظم
_________
( 1 ) البخاري ج 4 / كتاب التفسير / التوبة باب 161 / 4395
( 2 ) سحولية : نسبة إلى مدينة في ناحية اليمن
( 3 ) البخاري : ج 1 / كتاب الجنائز باب 24 / 1214
( 4 ) أبو داود : ج 3 / كتاب الجنائز باب 36 / 3157 . والحقا : الإزار . والدرع : القميص . والملحفة : الملاءة التي تتغطى بها المرأة
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 15 / 49
( 6 ) النسائي : ج 4 / ص 34
( 7 ) أبو داود : ج 3 / كتاب الجنائز باب 35 / 3154
( 8 ) البخاري : ج 1 / كتاب الجنائز باب 92 / 1321 ، وردع من زعفران : لطخ لم يعمه كله . والمهلة : دم الميت وصديده
( 9 ) التبان : سراويل قصيرة صغيرة بلا تكة
( 10 ) الخراج : نضم الخاء وتخفيف الراء وهو القرحة في الجسد
( 11 ) البيهقي : ج 3 / ص 405




الصلاة على الميت :

- حكمها :
تجب الصلاة على الميت وجوبا كفائيا كما قدمنا . ولو لم يوجد إلا بعض الميت من رأس أو رجل صلي عليه . ولا يسقط فرضها بصلاة النساء ما وجد ذكرا ولو صبيا - إن كان مميزا - فإن لم يصل أمرنه بالصلاة . أما في حال عدم وجود ذكران ولو صبية فيسقط الفرض بصلاة النساء فرادى فإن صلين جماعة فلا بأس سواء كان الميت رجلا أو امرأة

- شروط صحتها :
تقديم غسل الميت أو تيممه - عند العجز عن الغسل - على الصلاة ويصح تأخير تكفينه عنها مع الكراهة
ويشترط فيها إضافة لما ذكر ما يشترط في كل صلاة من طهارة وستر عورة واستقبال القبلة


- أركانها :
- 1 - النية ويجب فيها ما يجب في نية سائر الفرائض القصد والتعيين ونية الفرض بأن يقصد معنى قوله : أصلي فرض كفاية صلاة الجنازة على هذا الميت أو على من صلى عليه الإمام ولا يجب تعيين الميت الحاضر . وتصح الصلاة ولو اختلفت نية الإمام عن نية المأموم فلو نوى الإمام الصلاة على ميت حاضر أو غائب ونوى المأموم على غيره صحت الصلاة
- 2 - القيام للقادر
- 3 - أربع تكبيرات بما فيها تكبيرة الإحرام لما روي عن جابر رضي الله عنه ( أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى على أصحمة النجاشي فكبر أربعا ) ( 1 ) وروى حميد قال : ( صلى بنا أنس رضي الله عنه فكبر ثلاثا ثم سلم فقيل له فاستقبل القبلة ثم كبر الرابعة ثم سلم ) ( 2 )
- 4 - قراءة الفاتحة أو بدلها عند العجز عنها لعموم قوله صلى الله عليه و سلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ( 3 )
- 5 - الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بعد التكبيرة الثانية لأنها صلاة فوجب فيها الصلاة عليه صلى الله عليه و سلم كسائر الصلوات ولا تجزئ بعد غير الثانية للإتباع وأقلها : اللهم صل على محمد
- 6 - تخصيص الميت بالدعاء ولا يكفي الدعاء للمؤمنين والمؤمنات لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء ) ( 4 )
ويتعين كون الدعاء بعد التكبيرة الثالثة ( 5 ) وأقله ما يقع عليه اسم الدعاء
ويكفي في الطفل الدعاء لوالديه لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : ( . . . والسقط يصلى عليه ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) ( 6 )
- 7 - التسليمة الأولى بحسب كيفيتها في سائر الصلوات . لما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعلهن تركهن الناس : إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة . . . ) ( 7 )
_________
( 1 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 63 / 1269
( 2 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 63
( 3 ) البخاري ج 1 / كتاب صفة الصلاة باب 13 / 723 ، من رواية عبادة بن الصامت رضي الله عنه
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 60 / 3199
( 5 ) والسبب في عدم تعيين محل الفاتحة وتعيين محل الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم والدعاء للميت كون القصد من الصلاة على الميت الشفاعة وهي حاصلة بالدعاء له والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم لقبول الدعاء من أجل ذلك تعين نمحل كل منهما أما الفاتحة فلم يتعين محلها إشعارا بأن القراءة دخيلة على الصلاة
( 6 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 49 / 3180 ، قال أبو داود : وأحسب أن أهل زياد - أحد رجال السند - أخبروني أنه أي المغيرة رفعه إلى النبي صلى الله عليه و سلم
( 7 ) البيهقي ج 4 / ص 43




- سننها :
- 1 - أن تكون الصلاة في المسجد لما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( ما صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد ) ( 1 )
- 2 - أن تصلى جماعة وبثلاثة صفوف فأكثر لما روي مالك بن هبيرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ) ( 2 ) . وكلما كثر الجمع كان أفضل . لحديث ابن هبيرة رضي الله عنه المتقدم ولحديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( ما من ميت تصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه ) ( 3 )
- 3 - أن يقف الإمام عند رأس الميت إن كان رجلا وعند عجيزته إن كان امرأة وأن تكون معظم الجنازة عن يمين الإمام لما روي عن غالب قال : ( صليت مع أنس بن مالك على جنازة رجل فقام حيال رأسه ثم جاؤوا بجنازة امرأة من قريش فقالوا يا أبا حمزة ( 4 ) صل عليها فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم قام صل عليها فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد : هكذا رأيت النبي صلى الله عليه و سلم قام على الجنازة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه ؟ قال : نعم . فلما فرغ قال : احفظوا ( 5 )
- 4 - رفع اليدين عند كل تكبيرة حذو المنكبين ثم يجمعهما عقب ذلك ويجعلهما تحت صدره واضعا اليمنى على اليسرى كما في سائر الصلوات
- 5 - إيقاع قراءة الفاتحة بعد التكبيرة الأولى
- 6 - أن تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم بصيغة الإبراهيمية
- 7 - أن يدعو قبل دعائه للميت بما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : ( صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على جنازة فقال : ( اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا وشاهدنا وغائبنا اللهم من أحييته منا فأحيه على الإيمان ومن توفيته منا فتوفه على الإسلام اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده ) ( 6 )
ويسن أن يكون الدعاء بما جاء في الأحاديث الشريفة ومنها حديث عوف بن مالك رضي الله عنه قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه و سلم - وصلى على جنازة - يقول : ( اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بماء وثلج وبرد وثقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزجا خيرا من زوجه وقه فتنة القبر وعذاب النار ) ( 7 )
وأكمله ما التقطه الشافعي رضي الله عنه من مجموع الأحاديث الواردة ورتبه واستحبه وهو : ( اللهم هذا عبدك وابن عبدك خرج من روح الدنيا وسعتها ومحبوبه وأحباؤه فيها إلى ظلمة القبر وما هو لاقيه كان يشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك وأنت أعلم به منا اللهم نزل بك وأنت خير منزول به وأصبح فقيرا إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه وقد جئناك راغبين إليك شفعاء له اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه ولقه برحمتك رضاك وقه فتنة القبر وعذابه وأفسح له في قبره وجاف الأرض عن جنبيه ولقه برحمتك الأمن من عذابك حتى تبعثه إلى جنتك يا أرحم الراحمين ) ( 8 )
ويسن في جنازة الطفل أن يدعو الدعاء الوارد عنه صلى الله عليه و سلم من رواية أبي هريرة رضي الله عنه والذي تقدم : ( اللهم اغفر لحينا وميتنا . . . ) . ثم يدعو لوالديه بالدعاء التالي : ( اللهم اجعله فرطا ( 9 ) لأبويه وسلفا ( 10 ) وذخرا وعظة واعتبارا وشفيعا وثقل به موازينهما ( 11 ) وأفرغ الصبر على قلوبهما ولا تفتنهما بعده ولا تحرمهما أجره ( 12 ) وذلك إن كان الوالدان حيين مسلمين
- 8 - الدعاء بعد التكبيرة الرابعة بقوله : ( اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا وله ) ( 13 )
- 9 - التسليمة الثانية
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 34 / 99
( 2 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 43 / 3166 ، وأوجب : وجبت له الجنة
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 18 / 58
( 4 ) هذه كنية أنس رضي الله عنه
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 45 / 1034
( 6 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 60 / 3201
( 7 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 26 / 86
( 8 ) المجموع ج 5 / ص 196
( 9 ) فرطا : أي أجرا يتقدمهما أو سابقا مهيئا لمصالحهما في الآخرة
( 10 ) سلفا : ثمنا للأجر والثواب الذي يجازى على الصبر عليه
( 11 ) وثقل به موازينهما : أي بثواب الصبر على فقده أو الرضا به
( 12 ) المجموع ج 5 / ص 196
( 13 ) المجموع ج 5 / ص 197





- بناء على ما تقدم تكون الكيفية الفضلى للصلاة كالتالي :
- 1 - يقرن النية مع تكبيرة الإحرام
- 2 - يقرأ الفاتحة سرا ( 21 ) بعد التكبيرة الأولى والتعوذ دون دعاء الافتتاح ويؤمن بعدها ندبا ( 22 )
- 3 - ثم يكبر الثانية ويصلي بعدها على النبي صلى الله عليه و سلم
- 4 - ثم يكبر الثالثة ويدعو للميت بعدها
- 5 - ثم يكبر الرابعة ويدعو
- 6 - يسلم بعد التكبيرة الرابعة
تنبيهان خاصان بالمأموم :
الأول : إذا تخلف المأموم عن الإمام بتكبيرة إلى أن شرع في الثانية بدون عذر بطلت صلاته لأن كل تكبيرة تقوم مقام ركعة . والتقدم كالتخلف
الثاني : إذا أدرك المقتدي الإمام بعد غير التكبيرة الأولى مشى على ترتيب صلاة نفسه ثم بعد سلام الإمام يأتي بما بقي عليه من التكبيرات وأذكارها
_________
( 21 ) وكذلك الدعاء وكل ما فيها ولو كانت الصلاة ليلا إلا التكبيرات فيجهر بها
( 22 ) ولا تسن قراءة سورة بعد الفاتحة لأن هذه الصلاة مبنية على التخفيف للإسراع بالجنازة






- أولى الناس بالصلاة على الميت :
أولى الناس بالصلاة على الميت عصباته ثم الولاء ثم الإمام أو نائبه ثم ذوو الأرحام لأن القصد من الصلاة الدعاء للميت ودعاء هؤلاء على الترتيب الذي ذكرنا أرجى للإجابة





- تعقيبات :
- 1 - تصح الصلاة على الغائب لما صح أنه صلى الله عليه و سلم صلى على النجاشي بالمدينة يوم موته بالحبشة عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( إن أخا لكم قد مات فقوموا فصلوا عليه ) يعني النجاشي ( 1 )
- 2 - تصح الصلاة على المدفون ممن كان من أهل فرض الصلاة عليه يوم الموت وحال بينه وبين الصلاة عليه حائل . لما روي عن ابن نمير قال : ( انتهى رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى قبر رطب فصلى عليه وصفوا خلفه وكبر أربعا ) ( 2 )
- 3 - تجوز الصلاة على الميت أكثر من مرة كأن يصلي عليه وهو في المسجد ويصلي عليه بعد الدفن وكذا يجوز للنساء أن يصلين على الميت قبل صلاة الرجال عليه في المسجد لما روي عن عائشة رضي الله عنها ( أنها لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا فوقف به على حجرهن يصلين عليه ) ( 3 )
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 22 / 67
( 2 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 23 / 68
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 34 / 100




حمل الجنازة :


- هو فرض كفاية وليس فيه دناءة ولا سقوط مروءة بل هو بر وطاعة وإكرام للميت فعله الصحابة والصالحون . ويحمل الجنازة الرجال دون النساء لما روي عن أبو سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم فإن كانت صالحة قالت قدموني وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان ولو سمعه صعق ( 1 )
والأفضل أن يحمل الجنازة خمسة ويحرم حملها على هيئة مزرية كحمله في قفة وغراره كما يحرم حملها على هيئة يخاف منها سقوطه ويسن الإسراع بها لما روى أبو هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها وإن يك سوى ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " ( 2 )
_________
( 1 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 49 / 1251
( 2 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 50 / 1252






اتباع الجنازة :

- يستحب اتباع الجنازة وعدم الانصراف حتى يدفن لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى
تدفن فله قيراطان قيل وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين " ( 1 )
ويسن المشي أمامها قريبا منها على أنه يجوز له المشي حيث شاء قريبا منها لحديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه المتقدم بعضه وفيه : " الراكب يسير خلف الجنازة والماشي يمشي خلفها وأمامها وعن يمينها وعن يسارها قريبا منها " ( 2 ) . وروى سالم عن أبيه رضي الله عنهما قال " رأيت النبي صلى الله عليه و سلم وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة " ( 3 ) ولأنه شفيع الميت والشفيع يتقدم المشفوع
ويكره اللغط فيها واتباعها بنائحة أو نار لما روي عن عمرو بن العاص رضى الله عنه أنه قال وهو في سياقة الموت ( 4 ) : " . . . فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار . . . " ( 5 )
كما يكره اتباع النساء للجنازة لما روت أم عطية رضى الله عنها قالت : " نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا " ( 6 )
ويكره الركوب في الذهاب معها إلا لعذر فإن ركب في الانصراف لم يكن به بأس لما روى جابر بن سمرة رضى الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم اتبع جنازة أبي الدحداح رضي الله عنه ماشيا ورجع على فرس " ( 7 )
ولا يكره للمسلم اتباع جنازة قريبه الكافر لما روى عن علي رضي الله عنه قال : " قلت للنبي صلى الله عليه و سلم : إن عمك الشيخ الضال قد مات . قال : " اذهب فوار أباك " ( 8 ) . ويستحب لمن مرت به جنازة أن يقول : سبحان الله الذي لا يموت أو سبحان الملك القدوس وأن يدعو لها ويثني عليها إن كانت أهلا لذلك
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 17 / 52
( 2 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 49 / 3180
( 3 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 26 / 1007
( 4 ) أي حال حضور الموت
( 5 ) مسلم ج ا / كتاب الإيمان باب 54 / 192
( 6 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 29 / 1219 ، ولم يعزم علينا : أي ولم يؤكد علينا في المنع كما أكد علينا في غيره من المنهيات
( 7 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 29 / 1014
( 8 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 70 / 3




دفن الميت :
- هو فرض على الكفاية كما قدمنا لأن في تركه على وجه الأرض هتكا لحرمته وأذى للناس برائحته . ويتولاه الرجال لأنه يحتاج إلى بطش وقوة وأولاهم بذلك أولاهم بالصلاة عليه إلا المرأة فالأولى بدفنها زوجها ثم أحد محارمها



- الواجب في الدفن :
الواجب فيه أن يوضع الميت في القبر مستقبلا القبلة ولا يجزئ وضعه على وجه الأرض والبناء عليه إلا إذا تعذر الحفر
أما إذا توفي في السفينة بعيدا عن الساحل فيشد بين لوحين لئلا ينتفخ ويلقى في البحر بعد غسله وتكفينه والصلاة عليه

- شروط القبر :
أقل القبر حفرة تكتم رائحة الميت وتحرسه من السباع ( 1 ) وأكمله حفرة بعمق قامة وبسطة لما روي أن عمر رضي الله عنه أوصى أن يعمق قامة وبسطة ( 2 ) . ولحديث هشام بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم يوم أحد : " احفروا وأعمقوا وأحسنوا " وفي رواية " و أوسعوا " ( 3 )



- ما يسن في الدفن :
- 1 - أن يكون الدفن في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يدفن الموتى بالبقيع ولأنه يكثر الدعاء له ممن يزوره ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه و سلم دفن في حجرة السيدة عائشة رضي الله عنها
- 2 - يستحب أن يجمع الأقارب في موضع واحد لما روى المطلب رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال : " أتعلم قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي " ( 4 )
- 3 - أن يكون في غير الليل . وفي غير وقت حرمة الصلاة إلا أنه يجوز الدفن في هذين الوقتين من غير كراهة . ودليل عدم كراهته في الليل حديث ابن عباس رضى الله عنهما " أن رسول
صلى الله عليه و سلم مر بقبر قد دفن ليلا فقال : " متى دفن هذا ؟ " قالوا : البارحة . قال : " أفلا آذنتموني ؟ " قالوا : دفناه في ظلمة الليل فكرهنا أن نوقظك . فقام فصففنا خلفه قال ابن عباس : وأنا فيهم فصلى عليه " ( 5 )
- 4 - أن يكون الدافنون رجالا لأن المرأة أضعف ولئلا ينكشف بدنها حين الدفن وأن يكونوا وترا فإن حصلت الكفاية بواحد وإلا ثلاثة وإلا فخمسة إن أمكن واحتيج إليه
- 5 - يسن الدفن باللحد إذا كانت الأرض صلبة وفي الشق إذا كانت رخوة لئلا ينهار عليه اللحد . روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : " ألحدوا لي لحدا وانصبوا على اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه و سلم " ( 6 )
والشق هو ما يحفر في قعر القبر كالنهر وتوضع بلاطة فوقه واللحد هو حفرة في الجدار القبلي للقبر من الأسفل بقدر حجم الميت . فبعد أن يحفر القبر ويعمق بقدر قامة وبسطة يحفر
في جانبه اللحد . ثم يسد اللحد بعد وضع الميت بلبنة ثم ينهال عليه التراب إلى أن يملأ القامة والبسطة
- 6 - أن يستر القبر عند الدفن بثوب سواء كان المدفون رجلا أو امرأة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " جلل رسول الله صلى الله عليه و سلم قبر سعد بثوبه " ( 7 )
- 7 - أن يوضع رأس الميت عند رجل القبر ثم يسل فيه سلا لما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " سل رسول الله صلى الله عليه و سلم من قبل رأسه " ( 8 ) . ولأن ذلك أسهل
- 8 - أن يفضى بخده إلى الأرض ويكره أن يجعل له وسادة أو صندوق ولو أوصى بذلك إلا إذا احتيج إليه لنداوة الأرض روي عن عمر رضي الله عنه أنه قال : " إذا أنزلتموني في اللحد فأفضوا بخدي إلى الأرض " ( 9 ) وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : " لا تجعلوا بيني وبين الأرض شيئا " ( 10 )
- 9 - يسن أن يسند وجه الميت ورجلاه عند الدفن إلى جدار القبر وظهره بنحو لبنة أو حجر لئلا ينكب على وجهه . وأن يوضع على شقه الأيمن قياسا على النائم وعلى المصلى مضطجعا وقد تقدم قوله صلى الله عليه و سلم للبراء بن عازب رضي الله عنه : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن "
- 10 - ويسن أن يقول عند إضجاع الميت : " بسم الله على ملة رسول الله " . قال الشافعي رضي الله عنه ثم يقول : " اللهم أسلمه إليك الأشحاء من ولده وأهله وقرابته وإخوانه وفارق من كان يحب قربه وخرج من سعة الدنيا والحياة إلى ظلمة القبر وضيقه ونزل بك وأنت خير منزول به إن عاقبته فبذنب وإن عفوت فأهل العفو أنت غني عن عذابه وهو فقير إلى رحمتك اللهم اشكر حسنته واغفر سيئته وأعذه من عذاب القبر واجمع له برحمتك الأمن من عذابه واكفه كل هول دون الجنة اللهم اخلفه في تركته في الغابرين وارفعه في عليين وعد عليه برحمتك يا أرحم الراحمين " ( 11 ) وله أن يدعو بغيره إن شاء
- 11 - ويسن لكل من على القبر أن يحثو عليه ثلاث حثيات تراب بيديه جميعا روى عامر ابن ربيعة عن أبيه قال : " رأيت النبي صلى الله عليه و سلم حين دفن عثمان بن مظعون رضي الله عنه فصلى عليه وكبر عليه أربعا وحثا بيديه ثلاث حثيات من التراب وهو قائم على القبر " ( 12 )
- 12 - ويسن ألا يزاد على التراب الذي أخرج من القبر فإن زادوا قليلا فلا بأس به . ويشخص القبر من الأرض قدر شبر لما روى القاسم بن محمد قال : " دخلت على عائشة فقلت : يا أمه اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه و سلم وصاحبيه رضي الله عنهما فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " ( 13 )
- 13 - كما يسن أن يسطح القبر ويوضع عليه الحصى ويرش عليه بالماء لأنه صلى الله عليه و سلم فعل ذلك في قبر ابنه إبراهيم . ولأنه إذا لم يرش زال أثره فلا يعرف
- 14 - يسن أن يقف جماعة بعد دفنه يدعون للميت ويستغفرون له ويقرؤون عنده شيئا من القرآن وختمه أفضل ويسألون الله له التثبيت لما روى عثمان رضي الله عنه قال : " وكان النبي صلى الله عليه و سلم إذا فرغ من دفن الميت ووقف عليه قال : " استغفروا لميتكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل " ( 14 )
كما يسن تلقينه لما روى سعيد بن عبد الله الأودي قال : " شهدت أبا أمامة رضي الله عنه وهو في النزع فقال : إذا أنا مت فاصنعوا في كما أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال : " إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحد على رأس قبره ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول : يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعدا ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول : أرشدنا رحمك الله ولكن لا تشعرون . فليقل ؟ اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقران إماما " ( 15 )
- 15 - يسن وضع الجريد الأخضر والريحان على القبر لأنه يستغفر للميت ما دام رطبا . ودليله الحديث المتقدم في المعذبين في القبر وفيه أن النبي صلى الله عليه و سلم وضع الجريد على القبرين وقال : " لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا " . ولا يجوز أخذه قبل أن ييبس من غير واضعه
_________
( 1 ) لذا كان الدفن في القبور الني يطمرونها بالتراب من غير حجارة كما في بعض الأرياف حراما لأنها لا تمنع من السبع
( 2 ) المجموع ج 5 / ص 248 ، ومعنى قامة وبسطة : أن يعمق قدرهما من رجل معتدلهما بأن يقوم فيه باسطا يديه مرفوعتين
( 3 ) النسائي ج 4 / ص ا 8
( 4 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 63 / 320
( 5 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 54 / 1258 ، وآذنتموني : أعلمتموني
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 29 / 90
( 7 ) البيهقي ج 4 / ص 54
( 8 ) البيهقي ج 4 / ص 54
( 9 و 10 ) المجموع ج 5 / ص 254
( 11 ) المجموع ج 5 / ص 256
( 12 ) البيهقي ج 3 / ص 410 ، وقال إسناده ضعيف إلا أن له شاهدا
( 13 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 72 / 3220
( 14 ) البيهقي ج 4 / ص 56
( 15 ) رواه الطبراني مجمع الزوائد ج 3 / ص 45




- ما يكره في الدفن :
يكره أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يكتب عليه لما روى جابر رضي الله عنه قال : " نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ " ( 1 ) ولأن ذلك من الزينة
_________
( 1 ) الترمذي ج 3 / كتاب الجنائز باب 58 / 1052




- ما يحرم في الدفن :
- لا يجوز أن يدفن ميت في موضع ميت إلا أن يعلم أنه قد بلى ولم يبق منه شيء ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض كما لا يجوز أن يدفن اثنان في قبر لأن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدفن في كل قبر إلا واحدا فإن دعت الضرورة إلى ذلك جاز لأن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجمع الاثنين
من قتلى أحد في ثوب واحد روى جابر بن عبد الله رضي الله عنهما " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد " ( 1 )
وإن دعت الضرورة أن يدفن مع امرأة رجل جعل بينهما حائل من التراب وجعل الرجل أمامها اعتبارا بحال الحياة وإن كان لها ابنا
- كذلك لا يجوز أن يدفن كافر في مقبرة المسلمين ولا مسلم في مقبرة الكفار
- كما لا يجوز نبش القبر قبل البلى
_________
( 1 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 72 / 1280



__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-10-2013
  #38
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

زيارة القبور :
- تسن زيارة القبور للرجال لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : " زار النبي صلى الله عليه و سلم قبر أمه . . . وفيه قوله صلى الله عليه و سلم : ( فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) " ( 1 )
وتكره للنساء تنزيها لقلة صبرهن والدليل على عدم حرمتها عليهن ما روي عن أنس رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه و سلم مر بامرأة تبكي عند قبر فقال : ( اتقي الله واصبري ) " ( 2 ) فلم ينهها عن الزيارة . لكن إن كان في خروجهن إلى القبور فتنة فتحرم عليهن الزيارة وعليه حمل حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لعن رسول صلى الله عليه و سلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " ( 3 ) ويستثنى من ذلك قبر الرسول صلى الله عليه و سلم فتندب لهن زيارته وكذا قبور سائر الأنبياء والأولياء
ويندب أن يقول الزائر ما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يعلمهم قوله إذا خرجوا إلى المقابر فيما رواه بريدة رضي الله عنه : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله للاحقون أسأل الله لنا ولكم العافية ) ( 4 ) . وله أن يزيد : اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم . كما يندب له أن يقرأ ما تيسر من القرآن كسورة يس ويدعو له ولجميع أهل المقبرة يتصدق على روحه ويسن أن يقترب من قبر المزور بقدر ما كان يدنو من صاحبه لو كان حيا وزاره وأن يسلم عليه من قبل رأسه
ويكره تقبيل القبر واستلامه وتقبيل التابوت واستلامه لأن ذلك عادة النصارى وفيه تعظيم للقبر وقد صح النهي عن تعظيم القبور
ويكره الجلوس على القبر ووطؤه إلا لضرورة والاتكاء عليه لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر " ( 5 )
كما يكره المبيت في المقبرة لما فيها من الوحشة
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 36 / 108
( 2 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 23 / 1223
( 3 ) أبو داود ج 3 / كتاب الجنائز باب 82 / 3236
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 35 / 104
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الجنائز باب 33 / 96










التعزية :




- التعزية لغة : التصبير لمن أصيب بمن يعز عليه
حكمها : هي سنة لما روى أسامة بن زيد رضي الله عنه كما قال : " أرسلت ابنة النبي صلى الله عليه و سلم إليه أن ابنا لي قبض فائتنا فأرسل يقرئ السلام ويقول : ( إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل عنده بأجل مسمى فلتصبر ولتحتسب ) " ( 1 )
ويستحب أن يعزي جميع أقارب الميت أهله الكبار والصغار الرجال والنساء إلا أن تكون المرأة شابة فلا يعزيها إلا محارمها وتعزية الصلحاء والضعفاء عن احتمال المصيبة والصبيان آكد
صيغتها : يستحب أن يعزي بتعزية الخضر عليه السلام أهل بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو أن يقول : " إن في الله سبحانه وتعالى عزاء من كل مصيبة وخلفا من كل هالك ودركا من كل فائت فبالله فثقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب " ( 2 )
ويستحب أن يجمع بين الدعاء للميت والمعزى به والمشهور تقديم الدعاء للمعزى فيقول : أعظم الله أجرك وأحسن عزاك وغفر لميتك
فإن عزى مسلما بكافر قال : أعظم الله أجرك وأحسن عزاك
وإن عزى كافرا بمسلم قال : أحسن الله عزاك وغفر لميتك
وإن عزى كافرا بكافر قال : أخلف الله عليك ولا نقص عددك ( 3 )
وقتها : من حين الموت إلى حين الدفن وبعد الدفن بثلاثة أيام . وتكره بعدها إلا إذا كان المعزي أو المعزى غائبا فلم يحضر إلا بعد ثلاثة أيام فإنه يعزيه وعلة كراهتها بعد ثلاثة أيام أن المقصود منها تسكين قلب المصاب والغالب سكونه بعد الثلاثة فلا يجدد له الحزن . وهى بعد الدفن أفضل منها قبله لانشغال الأهل قبل الدفن بتجهيز ميتهم ولأن وحشتهم بعد دفنه لفراقه أكثر
أما الجلوس للتعزية بأن يجتمع أهل الميت فيقصدهم من أراد التعزية فمكروه وينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق في كراهة الجلوس لها بين الرجال والنساء . قال الشافعي رحمه الله : وأكره المآتم وهي الجماعة وإن لم يكن لهم بكاء ( 4 )
_________
( 1 ) البخاري ج 1 / كتاب الجنائز باب 32 / 1224
( 2 ) المجموع ج 5 / ص 273
( 3 ) المجموع ج 5 / ص 273
( 4 ) المجموع ج 5 / ص 276








البكاء على الميت :






- هو جائز من غير ندب ولا نياحة ( 1 ) روي عن عبد الله بن عمر رصي الله عنهما قال : " اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي صلى الله عليه و سلم يعوده مع عبد الرحمن بن عوف وسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال : ( قد قضى ؟ ) . قالوا : لا يا رسول الله فبكى النبي صلى الله عليه و سلم فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه و سلم بكوا فقال : ( ألا تسمعون إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب ولكن يعذب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم وإن الميت بعذب ببكاء أهله عليه ) " ( 2 ) . وهو جائز قبل الموت وبعده
ولا يجوز لطم الخدود ولا شق الجيوب ولا رفع الصوت بإفراط وما إلى ذلك من خمش الوجه ونشر الشعر والدعاء بالويل لما روى عبد الله بن مسعود رض الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ليس منا من لطم الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية ( 3 ) . هذا إذا كان مختارا فإن كان مغلوبا لم يؤاخذ به لأنه غير مكلف
_________
( 1 ) الندب : تعديد محاسن الميت مع البكاء كقولهم : واجبلاه واسنداه واكريماه . والنياحة : رفع الصوت بالندب
( 2 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 43 / 1243 ، وقوله : الميت يعذب ببكاء أهله عليه : يقصد بذلك البكاء مع النوح ورفع الصوت وتعداد أوصافه هذا إذا أوصى بذلك أو كان يرضى به
( 3 ) البخاري ج ا / كتاب الجنائز باب 34 / 1232





فصل في اللباس



- يحرم لبس الحرير للذكر البالغ إلا لضرورة وكذا يحرم استعماله لحديث حذيفة رضي الله عنه قال : " نهانا النبي صلى الله عليه و سلم أن نشرب في آنية الذهب والفضة وأن نأكل فيها وعن لبس الحرير والديباج وأن نجلس عليه " ( 1 )
ونوعا الحرير : القز ( 2 ) والإبريسم ( 3 ) في الحرمة سواء وكذا نوعا قماشه : الديباج ( 4 ) والسندس ( 5 ) . أما الحرير الصناعي فلا يحرم لبسه ولا استعماله
والعلة في التحريم ما ذكره الإمام الغزالي رضي الله عنه قال : في الحرير خنوثة ( 6 ) لا تليق بشهامة الرجال
ويستثنى من الحرمة ما ركب من حرير وغيره إن استويا في الوزن وكذا التطريز والترقيع بالحرير الخالص والحشو والخياطة به ما لم يبلغ كل من ذلك وزن الثوب أما التطريف ( 7 ) بالحرير فالعبرة فيه بعادة أمثاله . روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " إنما نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن الثوب المصمت ( 8 ) من الحرير فأما العلم من الحرير وسدى الثوب فلا بأس به " ( 9 )
كذلك يحرم على الرجل استعمال الحرير الخالص كالجلوس عليه والاستناد عليه من غير حائل بينهما وكذا يحرم الجلوس تحته ( 10 )
ويستثنى من تحريم الاستعمال للرجال كيس المصحف وعلاقته وخيط السبحة وخيط المفتاح وما يوضع منه على قبور الأنبياء والأولياء إن خلا عن النقد . ويجوز ستر الكعبة به
ويجوز استعماله للضرورة كفجاءة الحرب أو لحر أو برد مهلكين إذا لم يجد غيره وكدفع جرب أو حكة أو ستر عورة إن لم يجد غيره من دواء أو لباس فمتى وجد حرم الاستعمال لحديث أنس رضي الله عنه قال : " رخص النبي صلى الله عليه و سلم للزبير وعبد الرحمن في لبس الحرير لحكة بهما " ( 11 )
والتحريم يقتصر على الذكر البالغ العاقل أما إن كان صبيا أو مجنونا فلا يحرم
أما النساء فيحل لهن لبس الحرير واستعماله لما روى علي رضى الله عنه قال : " إن نبي الله صلى الله عليه و سلم أخذ حريرا فجعله في يمينه وأخذ ذهبا فجعله في شماله ثم قال : ( إن هذين حرام على ذكور أمتي ) " ( 12 )
ويحرم على الرجال لبس المزعفر ( 13 ) واستعماله . أما المنقط بالزعفران فلا يحرم لحديث أنس رضي الله عنه قال : " نهى النبي صلى الله عليه و سلم أن يتزعفر الرجل " ( 14 )
ويكره للرجال لبس المعصفر كله أو بعضه واستعماله كذلك إلا المنقط أو المقلم فلا يكره لما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : " رأى رسول الله صلى الله عليه و سلم علي ثوبين معصفرين فقال : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ) " ( 15 )
ولا يحرم ولا يكره الأحمر والأصفر والأخضر والأسود والمخطط
ويحرم التختم بالذهب للرجل لحديث علي رضي الله عنه قال : " نهاني رسول الله صلى الله عليه و سلم عن التحتم بالذهب " ( 16 ) . أما الفضة فيجوز التختم بها بل يسن ما لم يسرف فيه عرفا والأفضل جعله في اليد اليمنى ولبسه في الخنصر لحديث روي عن ابن عمر رضي الله عنهما وفيه " . . . ثم اتخذ - رسول الله صلى الله عليه و سلم - خاتما من فضة فاتخذ الناس خواتيم الفضة فلبس الخاتم بعد النبي صلى الله عليه و سلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان حتى وقع من عثمان في بئر أريس " ( 17 )
_________
( 1 ) البخاري ج 5 / كتاب اللباس باب 26 / 5499
( 2 ) القز : هو ما قطعته الدودة وحرجت منه حية
( 3 ) الإبريسم : ما ماتت الدودة فيه وحل عنها بعد الموت ويسمى بالحرير المسكي
( 4 ) الديباج : ما غلظ من ثياب الحرير
( 5 ) السندس : ما رق منها
( 6 ) الخنوثة : النعومة والليونة
( 7 ) وهو " السجاف "
( 8 ) المصمت : ما كان من حرير كله لا يخالطه قطن أو غيره
( 6 ) أبو داود ج 4 / كتاب اللباس باب 12 / 4055
( 0 ا ) كناموسية الحرير
( 11 ) البخاري ج 5 / كتاب اللباس باب 28 / 5501
( 12 ) أبو داود ج 4 / كتاب اللباس باب 14 / 4057
( 13 ) المزعفر : المصبوغ بالزعفران كله أو بعضه
( 14 ) البخاري ج 5 / كتاب اللباس باب 32 / 5508
( 15 ) مسلم ج 3 / كتاب اللباس والزينة باب 4 / 27
( 16 ) مسلم ج 3 / كتاب اللباس والزينة باب 4 / 31
( 17 ) البخاري ج 5 / كتاب اللباس باب 45 / 5528 ، وبئر أريس في حديقة بالقرب من مسجد قباء


__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-10-2013
  #39
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

كتاب الصوم
التعريف به :
- الصوم لغة : الإمساك مطلقا بدليل قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم إنسيا } ( 1 )
وشرعا : الإمساك عن المفطر بنية مخصوصة طيلة نهار ( 2 ) قابل للصوم ( 3 )
_________
( 1 ) مريم : 26
( 2 ) من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ويحب على الأحوط إمساك جزء من الليل بعد الغروب ليتحقق استكمال النهار . وكذا قال الفقهاء بضرورة الاحتياط بالإمساك عن الطعام وغيره من المفطرات قبل طلوع الفجر لقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
( 3 ) لأن ثمة أياما يحرم فيها الصوم سيلي ذكرها




أقسام الصوم
أولا - الصوم المفروض وهو نوعان :
- 1 - فرض أصالة : وهو صوم شهر رمضان وصوم القضاء عنه
- 2 - فرض عرضا : وهو الصوم المنذور وصوم الكفارات والصوم الذي يقوم مقام دماء الحج
ثانيا - الصوم المسنون : بعضه ثبت بدليل خاص كالتسعة الأولى من ذي الحجة وبعضه طلب بأدلة الترغيب بالصوم دون تعيين
ثالثا - الصوم المكروه
رابعا - الصوم المحرم


القسم الأول : الصوم المفروض ( صوم رمضان ) ( 1 )
دليل صوم رمضان :
- من الكتاب قوله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ( 2 )
ومن السنة : ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما كما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) ( 3 )
وإجماع الأمة
ويكفر جاحد وجوب صوم رمضان إلا إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء . ومن تركه غير جاحد وجوبه من غير عذر حبس ومنع من الطعام والشراب نهارا لتحصل له صورة الصوم
_________
( 1 ) سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها ويذهبها أو لمصادفة مشروعيته وقت الرمضاء أي شدة الحر
( 2 ) البقرة : 185
( 3 ) البخاري ج 1 / كتاب الإيمان باب 1 / 8




ثبوت شهر رمضان :

- يجب صوم رمضان بأحد أمور أربعة :
- 1 - يجب - بصورة عامة - لاستكمال شعبان ثلاثين يوما
- 2 - يجب في من رأى هلال رمضان ولو كان فاسقأ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا رأيتموه ( 1 ) فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم ( 2 ) عليكم فاقدروا له ) ( 3 ) وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) ( 4 )
- 3 - يجب بحق من أخبر برؤية الهلال من قبل من يثق به أو من قبل من يعتقد صدقه ولو كان امرأة أو صبيا عاقلا أو فاسقا وإن لم يقبل الحاكم شهادته فإن صام ثم بان أنه من رمضان أجزأه لأنه نوى الصوم بظن وصادفه فأشبه البينة
- 4 - يجب بحق من لم يره بإخبار عدل عند الحاكم وتثبت رؤيته عند الحاكم بشهادة عدل واحد حر ذكر مكلف لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصومه " ( 5 ) ولأنه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض
وأما هلال بقية الأشهر فلا بد لإثباته من عدلين فلا يقبل في هلال الفطر - هلال شوال - إلا شاهدان لأنه إسقاط فرض فاعتبر فيه العدد احتياطا للفرض فمن رأى هلال شوال وحده لزمه الفطر ويفطر سرا لئلا يتعرض للتهمة في دينه
وإذا رئي ببلد لزم من وافق مطلعهم مطلعه ( 6 ) والدليل على عدم وجوب الصوم إن اختلفت المطالع ما روى كريب " أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه . فقلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم " ( 7 ) . ولو شك في اتفاق المطالع لم يلزم الصوم الذين لم يروا لأن الأصل عدم الوجوب ولأن الصوم إنما يجب بالرؤية للحديث ولم تثبت الرؤية في حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية
وإذا رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة سواء رأوه قبل الزوال أو بعده لما روى أبو وائل قال : " جاءنا كتاب عمر - رضي الله عنه - ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية " ( 8 )
ولو سافر من بلد إلى آخر ووجدهم مفطرين أو صائمين لزمته موافقتهم سواء في أول الشهر أو في آخره
وإذا اشتبه رمضان على أسير أو حبيس وجب عليه الاجتهاد ثم الصوم فإن استمر الإشكال عليه ولم يعلم أنه صادف رمضان أم لا فصومه مجزئ وكذلك إن وافق صومه رمضان أو وافق صومه ما بعد رمضان . أما إن صادف صومه ما قبل رمضان فينظر : إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته وإن لم يبن الحال إلا بعد مضى رمضان وجب القضاء . أما إن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان لم يجزئ بلا خلاف
_________
( 1 ) المراد رؤية بعضكم
( 2 ) غم عليكم : أي حال بينكم وبينه غيم
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 5 / 1801
( 4 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 11 / 1810
( 5 ) أبو داود ج 2 / كتاب الصوم باب 14 / 2342
( 6 ) يقصد بذلك كون البلدين على خط طول واحد فإذا رئي بأحدهما لزم الصوم البلد الآخر ولو لم يروه
( 7 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 5 / 28
( 8 ) البيهقي ج 4 / ص 213 . وخانقين : بلدة في العراق قريبة من بغداد




شروط وجوب صوم رمضان :
- 1 - الإسلام : فلا يجب على الكافر الأصل وجوب مطالبة ويجب على المرتد وجوب مطالبة بأن نقول له : ارجع إلى الإسلام ثم صم ولا يصح منه في ردته لكن بعد عودته للإسلام يجب عليه قضاء ما فاته فترة الردة بخلاف الكافر الأصلي إذا أسلم فليس عليه أن يقضي ما فاته خلال فترة كفره لأنه لم يكن واجبا عليه آنذاك وجوب مطالبة ولحديث رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ) ( 1 )
- 2 - العقل : فلا يجب الصوم على المجنون ولا المغمى عليه ولا السكران سواء كان متعديا بجنونه أو إغمائه أو سكره أم لا لما روى على بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( رفع القلم ( 2 ) عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ) ( 3 ) . ويجب القضاء في حالة التعدي بالجنون والسكر أما في حالة الإغماء فيجب القضاء ولو لم يكن متعديا لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ( 4 ) والإغماء مرضن ويخالف الجنون فإنه نقص وكل من زال عقله بمرض أو بشرب دواء شربه لحاجة أو بعذر آخر لزمه قضاء الصوم
- 3 - البلوغ : فلا يجب الصوم على الصبي المميز لكن صومه صحيح ويؤمر به لسبع إن أطاقه ويضرب على تركه لعشر قياسا على الصلاة
- 4 - الإطاقة : ويقصد بذلك القدرة على الصوم بلا مشقة
_________
( 1 ) مسلم ج ا / كتاب الإيمان باب 54 / 192
( 2 ) معنى رفع القلم : امتناع التكليف لا أنه رفع بعد وضعه
( 3 ) أبو داود ج 4 / كتاب الحدود باب 16 / 4406
( 4 ) البقرة : 184


شروط صحة الصوم ( 1 ) :

- أولا : النية : لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله : ( إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى ) ( 2 ) ولأنه عبادة محضة فلم يصح من غير نية كالصلاة
وتجب النية لكل يوم لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة فلو نوى من أول ليلة في رمضان صوم جميعه لم يجزئ إلا عن أول يوم لكن يسن له ذلك ليصح صوم النهار الذي نسيها فيه على مذهب الإمام مالك ( 3 ) كما يسن له أن ينوي أول النهار الذي نسيها فيه ليصح صومه على مذهب الإمام أبو حنيفة ( 4 ) هذا إن نوى عندئذ تقليده فإذا لم ينو التقليد كان متلبسا بعبادة فاسدة وهذا حرام . وإن نسى النية في ليلة من الليالي ولم يقلد المذاهب الأخرى وجب عليه قضاء ذلك اليوم
محل النية : محل النية القلب وتكون بأن يستحضر حقيقة الصوم التي هي الإمساك عن المفطر جميع النهار بقلبه ولا تكفي النية باللسان دون القلب لكن يندب النطق بها ليساعد اللسان القلب
ولو نوى الصوم وهو في الصلاة أو في حالة الجماع أو في أثناء الأكل صحت نيته . ويشترط في نية صوم الفرض أمران :
- 1 - التبييت : فلا بد من إيقاع النية ليلا بدليل قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي روته حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) ( 5 ) . ويصح التبييت في أي جزء من الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر أما إن قارنت النية الفجر فلا يصح صومه وعليه القضاء . ولا يضر الأكل والشرب والجماع بعد النية وكذا الجنون والسكر والإغماء والنوم
وإذا شك قبل الغروب هل وقعت نيته قبل الفجر أم بعده لم يصح للتردد بالنية أما لو شك هل طلع الفجر أم لا بعد أن كان ناويا فيصح ذلك وأما لو شك بعد الغروب هل نوى أم لا ولم يتذكر فلا يؤثر لمشقة إعادة الصوم ( 6 )
ولو عقب النية بقوله : إن شاء الله بقلبه أو بلسانه فإن قصد التبرك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى لم يضره وإن قصد تعليقه والشك لم يصح صومه ومثله ما لو قال : أصوم غدا إن شاء فلان أو إن نشطت لم يصح صومه لعدم الجزم
- 2 - التعيين : فلا يصح الصيام دون تعيين نوع الفرض هل هو كفارة ( 7 ) أو نذر ( 8 ) أو أداء أو قضاء عن رمضان لقوله صلى الله عليه و سلم ( وإنما لامرئ ما نوى ) فهذا ظاهر في اشتراط التعيين
وإذا كان على المرء قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى قضاء اليوم الثاني فلا يجزئ وكذا لو كان عليه قضاء يوم من رمضان سنة فنوى قضاءه من صوم أخرى غلطا لا يجزئه وإن كان لو أطلق نيته عن واجبه في الموضعين أجزأه
وينبغي أن تكون النية جازمة فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان وإلا فهو مفطر أو متطوع فكان منه لم يجزئه صوم ذلك اليوم عن رمضان إلا إذا ظن كونه منه حين نوى وذلك بقول من يثق به لأن غلبة الظن هنا كاليقين كما في أوقات الصلوات فتصح النية المبنية عليه
وأقل النية في صوم رمضان : نويت صوم رمضان أو نويت الصوم عن رمضان فلا تجب نية الغد ولا أداء ولا إضافة لله تعالى ولا تعيين السنة
وأكملها : نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى
أما نية صوم النفل فلا يشترط فيها التبييت ( 9 ) بل تجزئه النية قبل الزوال بشرط انتفاء المفطرات قبلها لما ورد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال : ( هل عندكم شيء ؟ ) فقلنا : لا . قال : ( فإني إذن صائم ) . ثم أتانا يوما آخر فقلنا : يا رسول الله أهدي لنا حيس ( 10 ) . فقال : ( أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل ) " ( 11 )
وكذا لا يجب التعيين فتصح نية النفل بقصد القلب ما معناه : نويت صوم غد لله تعالى
إلا أن يكون صوما مرتبا كصوم عرفة وعاشوراء وأيام البيض وستة من شوال وغيرها فيشترط في صومها التعيين لتحصيل ثوابها المعين أما الصوم فصحيح وإن لم يعين
_________
( 1 ) مطلقا سواء كان الصوم مفروضا أو مسنونا
( 2 ) مسلم ج 3 / كتاب الإمارة باب 45 / 155
( 3 ) عند الإمام مالك تكفي نية صوم جميع الشهر في أول ليلة منه
( 4 ) يصح صوم رمضان عنده بنيته إلى قبل الزوال كل يوم
( 5 ) النسائي ج 4 / ص 196
( 6 ) بخلاف الصلاة فعليه الإعادة إذا شك بعد السلام بالنية
( 7 ) دون تعيين الكفارة عن يمين أو ظهار
( 8 ) دون تعيين نوع النذر : تبرر أو لجاج
( 9 ) أما في صوم الصبي رمضان فيجب تبيت النية رغم أن صومه يقع نفلا
( 10 ) الحيس : هو طعام يتخذ من تمر وسمن وغيرهما
( 11 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 32 / 170


- ثانيا - الإمساك عن الجماع عمدا ( 1 ) وإن لم ينزل والإمساك عن الاستمناء : أما الجاهل المعذور بجهله والمكره فالجماع غير مفطر في حقهما وكذا الجماع ناسيا للصوم فهو كالأكل ناسيا لا يفطر لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله ) ( 2 ) فالنص هنا على الأكل والشرب ويقاس عليه الجماع وسائر المفطرات
ويفطر بخروج المني من مباشرة ولو لم يجامع لذلك حرمت المباشرة إن حركت شهوة لخوف الإنزال أما الإنزال بلا مباشرة فلا يفطر
_________
( 1 ) العمد : هو فعل الشيء مختارا مع علمه بالتحريم
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 26 / 721


- ثالثا - الإمساك عن الاستقاءة ( 1 ) : والاستقاءة مفطرة ولو تيقن عدم رجوع شيء إلى جوفه ولا يضر تقيؤه بغير اختيار مهما كثر بشرط ألا يبلع منه شيئا فإذا ابتلع شيئا باختياره أفطر وعليه القضاء لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض ) ( 2 )
أما إن كان ناسيا أنه صائم واستقاء فلا يفطر وكذا لو كان جاهلا معذورا في جهله أو كان مكرها فلا يفطر
_________
( 1 ) الاستقاءة : التقيؤ عمدا
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 25 / 720


- رابعا - الإمساك عن وصول عين إلى ما يسمى جوفا هن منفذ مفتوح :
فأما العين : فيدخل فيها دخان اللفائف ( 1 ) والتنباك ( 2 ) فيفطران الصائم لأن لهما أثرا يشاهد في باطن العود وكذلك ابتلاع ما لا يؤكل في العادة كقطع النقد والتراب والحصاة والحشيش والحديد والخيط
ويستثنى من العين المفطرة الريح والطعم ولو وجد ذاك الطعم في الفم
كما يستثنى وصول ذباب أو بعوض أو غبار طريق أو غربلة دقيق إلى الجوف لعسر التحرز منه وكدا لو خرجت مقعدة المبسور فأعادها فلا يضر لعذره وكذا لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه حتى دخل جوفه من غير قصد لم يضر إن عجز عن تمييزه ومجه أما النخامة فإذا خرجت إلى مخرج الخاء ثم ابتلعها فإنه يفطر . وكذا لا يضر وصول الريق الخالص الطاهر من معدنه ( 3 ) إلى جوفه بخلاف غير الخالص وغير الطاهر كالمختلط بدم فإنه يفطر إلا أنه يعفى عنه بحق من ابتلي بنزف اللثة وبخلاف الخارج من غير معدنه كما لو جمعه على شفتيه ثم بلعه فهذا يضر أما إذا خرج على لسانه ثم ابتلعه فلا يفطر . وكذا لو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق شريطة عدم المبالغة فيهما أو سبق ماء غسل مطلوب - ولو مندوبا كغسل الجمعة - إلى الجوف فلا يضر لتولده من مأمور به أما إذا سبق الماء إلى الجوف نتيجة المبالغة فإنه يفطر لأن المبالغة منهي عنها في الصوم لما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال : ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) " ( 4 ) . وكذا ماء الغسلة الرابعة في الوضوء وإن لم يبالغ فإنه مفطر إن سبق إلى الجوف أما إذا سبق الماء إلى الجوف نتيجة المبالغة في غسل النجاسة ( 5 ) فلا يفطر لأن إزالة النجاسة واجبة وأما ماء الغسل غير المطلوب كغسل التبرد والنظافة فسبقه إلى الجوف مفطر وأما الماء الذي يضعه الصائم على فمه للتبرد أو لدفع عطش فلا يضر سبقه لشدة الحاجة إليه وكذا الأكل والشرب ناسيا للصوم لا يفطر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) ( 6 )
ولا يضر الأكل والشرب مكرها بل يبقى الصيام صحيحا بخلاف ما لو فعل ذلك جاهلا كونه مفطرا فإنه يفطر إلا إذا كان الجاهل معذورا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ( 7 )
وإن تبين للصائم يقينا طلوع الفجر وهو لم يزل يأكل وجب عليه إعادة صوم ذاك اليوم ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فليلفظه فإن فعل صح صومه وإن ابتلعه أفطر فلو لفظه في الحال فسبق منه شيء إلى جوفه بغير اختياره فلا يفطر
وأما الجوف : فيشمل جوف الإنسان كله فلو أدخلت المرأة إصبعها في فرجها أثناء الاستنجاء أو الغسل ولو بقصد النظافة ولو بمقدار رأس الإصبع فإنها تفطر . ومثله حك الأذن من داخلها بشيء صلب أما بالإصبع فلا يفطر ما لم تصل إلى الصماخ . والقطرة في الأذن والأنف تفطر أما في العين فلا ولو وجد طعمها في حلقه لأن العين ليس بمنفذ مفتوح . وكذا الحقنة والتحميلة فإنهما تفطران سواء كانتا في قبل أو دبر . أما لو أدخلت في الفرج قطعة قطن عليها دواء أثناء الإفطار بحيث تتجاوز ما يظهر أثناء قضاء الحاجة فإذا بقيت إلى ما بعد الفجر فلا تفطر ومثله موانع الحمل الآلية لا تضر بالصوم ما وضعت في الإفطار
وأما المنفذ المفتوح : فإما أن يكون مفتوحا أصالة مثل الأذن والفم والأنف والشرج أو مفتوحا بواسطة جرح مثل المأمومة ( 8 ) لذا لا يضر وصول الكحل من العين أو الدهن أو ماء الغسل من تشرب مسام البشرة وكذا الحقن العضلية والوريدية لا تفطر بكل أنواعها ولو كانت للتغذية
_________
( 1 ) السجائر
( 2 ) النرجيلة [ أي التبغ الذي يوضع فيها . دار الحديث ]
( 3 ) الغدة التي تفرزه
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 69 / 788
( 5 ) كإزالة الدم من الفم أو الأنف
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 33 / 171
( 7 ) ابن ماجة ج 1 / كتاب الطلاق باب 16 / 2045
( 8 ) المأمومة : جراحة في الرأس بحيث تبلغ أم الدماغ



- خامسا - الإسلام : ويقصد بذلك الإسلام الحالي فلا يصح صوم المرتد الذي كان مسلما لأن شرط العمل النية وشرط النية الإسلام

- سادسا - النقاء من الحيض والنفاس : فلا يصح الصوم من الحائض والنفساء بل يحرم عليهما بالإجماع . وإذا نقيت من الحيض أو النفاس قبل الفجر صح صومها ولو لم تغتسل طيلة النهار حتى أذان المغرب وكذا من احتلم أثناء النهار أو أصبح جنبا يصح صومه ولو لم يغتسل روت عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصومه " ( 1 ) . أما إذا نقيت من الحيض أو النفاس بعد الفجر ولو بقليل لم يصح صوم ذاك النهار إلا أنه يسن لها الإمساك عن المفطرات تتمة اليوم وعليها القضاء
وأما لو حاضت بعد أذان المغرب ولو بقليل فيصح صوم يومها وليس عليها إعادته
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 25 / 1830

- سابعا - العقل جميع النهار : فلو طرأ الجنون ولو لحظة أثناء النهار ما صح صوم ذاك اليوم بخلاف الإغماء والسكر فإن صومه صحيح ما لم يستغرقا النهار جميعه فإن أفاق ولو لحظة من النهار صح صومه . أما النوم فلا يضر ولو استغرق جميع النهار ما نوى قبل نومه

(1/537)

- ثامنا - صلاحية الوقت للصوم : فلا يصح صوم الأيام التي حرم الصوم فيها والتي سيأتي تفصيلها في قسم الصوم المحرم

(1/538)

حالات الإفطار في رمضان

(1/539)

حكم الفطر في كل من حالتي المرض والسفر :

(1/540)

- 1 - في المرض : يجوز الفطر بشكل عام وإذا كان المرض مطبقا جاز له ترك النية وأما إن كان يحم وقتا دون وقت فإن كان محموما وقت الشروع جاز له ترك النية وإلا فعليه أن ينوي فإن عاد المرض واحتاج إلى الإفطار أفطر
ويختلف حكم الإفطار في المرض باختلاف شدة المرض :
( 1 ) إن تحقق أن الصوم يؤدي إلى ضرر يبيح التيمم ( 1 ) أو إلى هلاك فيحرم عليه الصوم ويجب الإفطار فإذا استمر صائما حتى مات مات عاصيا لمخالفة قول الله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ( 2 ) وقوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } ( 3 ) "
( 2 ) إن خاف أو توهم من الصوم ضررا يبيح التيمم كره له الصوم وجاز له الفطر
( 3 ) وإن كان مريضا مرضا خفيفا بحيث لا تحصل له بالصوم مشقة تبيح التيمم كمصاب بصداع أو ألم سن أو أذن . . . لم يجز له الفطر ويجب الصوم ما لم يخف الزيادة . ولمن غلب عليه الجوع والعطش بحكم مهنته كالحصادين والعمال في الطريق . . . حكم المريض صوما وفطرا
- 2 - في السفر : يجوز الفطر للمسافر سفر قصير مباح قبل الفجر سواء خاف مشقة شديدة أم لم يخف
وسفر القصر : هو السفر المبيح لقصر الصلاة وهو ما كان لمسافة واحد وثمانين كيلو مترا فما فوق ولا عبرة لوسيلة النقل
والمباح : ما لم يكن لمعصية أو بمعصية
وقولنا قبل الفجر يخرج به ما لو طرأ السفر على الصوم فلا يجوز الفطر بخلاف المريض . والأدلة على جواز الفطر في الحالة المذكورة : قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ( 4 ) . وما روت عائشة رضي الله عنها " أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه و سلم أأصوم في السفر ؟ فقال : ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ) " ( 5 ) . وعن أنس رضي الله عنه قال : " كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " ( 6 )
ولو نوى الصيام في الليل ثم سافر ولا يعلم هل سافر قبل الفجر أو بعده فليس له الفطر لأنه يشك في مبيح الفطر ولا يباح له بالشك
والجواز بالإفطار في هذه الحالات طيلة مدة غيابه إن كانت مدة مكوثه في البلدة التي سافر إليها ثلاثة أيام أو أقل أما إن كانت مدة إقامته أربعة أيام أو أكثر عدا يومي الدخول والخروج فيعتبر مقيما وعليه أن يصوم من أول يوم وصل فيه إلى بلد المقصد . أما إن كان يديم السفر كالسائق فلا يباح له الفطر لأنه يؤدي إلى إسقاط الوجوب كلية
وبصورة عامة : الصوم في السفر أفضل من الفطر إن لم يتضرر به لأن فيه تعجيلا لبراءة الذمة وعدم إخلاء الوقت من العبادة . أما إذا تضرر به فالفطر أفضل بدليل ما رواه جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه . فقال : ( ما هذا ؟ ) قالوا : صائم . فقال : ( ليس من البر الصوم في السفر ) " ( 7 ) . وإن غلب على ظنه تلف نفس أو عضو أو منفعة بسبب الصوم حرم عليه . ويقول الغزالي : ولو لم يتضرر من الصوم في الحال لكن يخشى منه الضرر في المستقبل فالفطر أفضل
وإذا زال سبب جواز الفطر بالشفاء أو الإقامة أثناء النهار ولم يكن الشخص مبيتا نية الصوم فيسن له الإمساك أما إذا كان مبيتا النية فيجب عليه الاستمرار بالصوم
وفيما يلي تفصيل حالات الفطر في رمضان مع حكم كل منها وما يجب على المفطر من قضاء وفدية :
_________
( 1 ) يقصد بذلك خوفه أن يؤدي الصوم إلى مرض أو ازدياد مرض أو بقائه أو ذهاب منفعة عضو
( 2 ) البقرة : 195
( 3 ) النساء : 29
( 4 ) البقرة : 184
( 5 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 33 / 1841
( 6 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 36 / 1845
( 7 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 35 / 1844

(1/541)

أولا - حالة وجوب الفطر مع وجوب القضاء :

(1/542)

- وهي حالة الحائض والنفساء والدليل على ذلك ما ورد عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " ( 1 ) فوجب القضاء على الحائض بالخبر وقيس علها النفساء لأنها في معناها . فإن طهرتا في أثناء النهار استحب لهما أن تمسكا بقية النهار ولا يجب كالصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق
_________
( 1 ) مسلم ج ا / كتاب الحيض باب 35 / 1844

(1/543)

ثانيا - الإفطار الجائز والموجب للقضاء والفدية ( 1 ) :

(1/544)

- 1 - الحامل والمرضع ( 2 ) إن خافتا على الولد فقط فأفطرتا
- 2 - من أفطر لإنقاذ حيوان أو إنسان مشرف على الهلاك خوفا عليه فقط
- 3 - من أخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر ( 3 ) . وتتكرر الفدية بتكرر السنين وإذا مات الشخص بعد أن أتى عليه رمضان آخر ولم يقض ما عليه من رمضان السابق بدون عذر فيجب على الوارث أن يخرج فديتين فدية عن قضاء اليوم وفدية عن تأخير قضائه فإذا صام عنه تسقط فدية القضاء وتبقى فدية التأخير
_________
( 1 ) سيرد بيان ماهية الفدية بعد سرد حالات الإفطار وما يجب فيها
( 2 ) ولو كانت مستأجرة
( 3 ) خرج بذلك ما لو استمر مريضا أو مسافرا حتى أتى رمضان آخر أو من أخر القضاء لنسيان أو جهل حرمة التأخير ولو لم يكن معذورا بجهله

(1/545)

ثالثا - الإفطار الموجب للفدية دون القضاء :

(1/546)

- 1 - الشيخ الهرم ( 1 ) والمريض مرضا لا يرجى برؤه إن عجز كل منهما عن الصوم بحيث لو صام لحقته مشقة لا تحتمل عادة أو مرض يبيح التيمم لقول ابن عباس رضي الله عنهما في شرح قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . . . } " هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " ( 2 ) . وروى البيهقي : " أن أنسا رضي الله عنه ضعف عاما قبل موته فأفطر وأمر أهله أن يطعموا مكان كل يوم مسكينا " ( 3 )
فهؤلاء يفطرون ويخرجون فدية عن كل يوم أفطروا فيه ولا يجوز إخراجها قبل رمضان وإنما تخرج بعد دخول ليلة ذلك اليوم
أما إن أصبح الهرم أو المريض قادرا على الصوم فلا يجب عليه قضاء ما أفطره . لكن يجب عليه الصوم منذ أن أصبح قادرا عليه
- 2 - من مات وعليه صوم فائت من رمضان أو غيره ففي حكمه تفصيل :
( 1 ) إن فاته الصيام لعذر ولم يتمكن من القضاء لاستمرار العذر كأن مرض واستمر المرض إلى أن مات فلا إثم عليه فيما فات وليس على الوارث الفدية
( 2 ) إن فاته الصيام لعذر إلا أنه تمكن من القضاء ولكن مات قبل أن يقض أو فاته الصيام بلا عذر ولم يتمكن من القضاء أو فاته الصيام بلا عذر وتمكن من القضاء ففي هذه الحالات الثلاث يجب على الوارث إخراج فدية عن كل يوم صيام فائت عن الميت من تركته وتنتقل الفدية من ذمة الميت إلى ذمة الوارث فإن لم تكن للميت تركة جاز للولي بل وللأجنبي أيضا ولو من غير إذن إخراج الفدية عن الميت من ماله الخاص لأنه من قبيل وفاء الدين عن غيره وهو صحيح . فإن لم يف أحد عنه فتبقى الفدية معلقة بذمة الميت فإن شاء الله غفرها وعفا عنه برحمته
أما مسألة الصوم عن الميت لقضاء دينه ففي الأقوى من مذهبي الشافعي رضي الله عنه هنا أنه يسن أن يصوم عن الميت قريبه أو من أذن له الوارث أو الميت بأجرة أو بدون أجرة لحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ قال : ( أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها ؟ ) قالت : نعم . قال : ( فصومي عن أمك ) " ( 4 ) . ولأنه عبادة تجب بإفسادها الكفارة فجاز أن يقضى عنه بعد الموت كالحج
_________
( 1 ) من بلغ الثمانين أو السبعين أو أقل فالهرم يختلف باختلاف الأشخاص
( 2 ) البخاري ج 4 / كتاب التفسير / البقرة باب 27 / 4235
( 3 ) البيهقي ج 4 / ص 271
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 27 / 156

(1/547)

رابعا - الإفطار الموجب للقضاء دون الفدية :

(1/548)

- 1 - قضاء على التراخي :
( 1 ) المريض مرضا يرجى برؤه
( 2 ) المسافر سفرا طويلا
( 3 ) الحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما والولد
( 4 ) فن أفطر خوفا على نفسه لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك أو أفطر خوفا على نفسه وعلى الحيوان أو الإنسان الذي أنقذه
( 5 ) من أخر القضاء إلى رمضان آخر بسبب استمرار العذر
وقد تقدم أن الحائض والنفساء يجب عليهما كما الفطر مع وجوب القضاء والقضاء بحقهما على التراخي أيضا
ويستحب أن يقضى ما عليه متتابعا لما روى أبو هريرة رض الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه ) ( 1 )
- 2 - قضاء على الفور :
( 1 ) المتعدي بفطره
( 2 ) المرتد إذا أسلم
( 3 ) المجنون والسكران والمغمى عليه المتعدون بذلك
( 4 ) من ترك تبييت النية عمدا أو سهوا ولم يقلد
( 5 ) من أصبح يوم الشك ( 2 ) مفطرا ثم ثبت أنه من رمضان
_________
( 1 ) البيهقي ج 4 / ص 259
( 2 ) يوم الشك : هو يرم الثلاثين من شعبان إن غمت ليلته وشك الناس هل هو من شعبان أو من رمضان

(1/549)

خامسا - الإفطار غير الموجب للقضاء ولا الفدية :

(1/550)

- الصبي إذا بلغ والمجنون غير المتعدى بجنونه إذا أفاق ( 1 ) والكافر الأصلي إذا أسلم لأن هؤلاء ليسوا مكلفين أصلا لأن كلا منهم فاقد لشرط من شرائط الوجوب فالأول البلوغ والثاني العقل والثالث الإسلام على أنه يسن لهم جميعا الإمساك حال زوال المانع ولا يجب فإن لم يمسكوا استحب لهم ألا يأكلوا بحضور من لا يعرف أحوالهم لكيلا يعرضوا أنفسهم للتهمة في دينهم ومثلهم في هذا الحائض والنفساء إذا طهرتا في النهار
_________
( 1 ) أما المرتد إذا جن فعليه القضاء إذا عاد إلى الإسلام وعاد إليه المقل لأنه لا يستفيد من الرخص

(1/551)

سادسا - الإفطار المحرم الموجب للقضاء والكفارة ( 1 ) الكبرى :

(1/552)

- وهو إفطار من وطئ في الفرج في نهار رمضان عامدا مختارا وهو مكلف بالصوم عالم بالتحريم وكان قد نوى من الليل . وهو آثم بهذا الوطء لأجل الصوم
ولا تجب الكفارة على الموطوء ذكرا كان الموطوء أو أنثى ولو كان الموطوء متسببا بالوطء أو مطاوعا . ولا تجب على الواطئ ناسيا للصوم أو مكرها أو جاهلا للتحريم معذورا بجهله كأن كان قريب عهد بالإسلام أو ناشئا بعيدا عن العلماء أما إن كان جاهلا وجوب الكفارة فقط فتبقى واجبة عليه . ولا بحب كذلك على من كان مفطرا في رمضان لعذر كمرض أو سفر وجامع في النهار ولا على من أفطر عمدا بالأكل والشرب ثم وطئ لأن جماعه كان وهو مفطر . ماهية الكفارة الكبرى :
هي عتق رقبة مؤمنة سواء كانت ذكرا أو أنثى سليمة من العيوب المخلة بالعمل أو الكسب . فإن لم يجد إما لفقدانها أو لعدم الاستطاعة على دفع ثمنها فعليه صيام شهرين متتابعين فضلا عن قضاء اليوم الذي وجبت الكفارة لفطره فلو أفطر يوما ولو بعذر كسفر أو مرض انقطع التتابع ووجب الاستئناف ولو كان الإفطار في اليوم الأخير من الشهرين . أما إذا لم يستطع الصيام أو التتابع فإطعام ستين مسكينا ممن لا تلزمه نفقتهم ولا يجزئ عن ذلك أن يطبخ ويدعو ستين مسكينا على غداء أو عشاء وإنما يجب التمليك أي تمليك كل واحد منهم مدا ( 2 ) من غالب قوت البلد ولا يصح أن يعطي مسكينا واحدا ستين مدا في يوم واحد لكن يصح إعطاء المسكين نفسه ستين مدا ستين يوما في كل يوم مد . فإن عجز عن الكفارة بأنواعها الثلاثة استقرت في ذمته لأنها بسبب منه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : هلكت يا رسول الله . قال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : وقعت على امرأتي في رمضان . قال : ( هل تجد ما تعتق رقبة ؟ ) قال : لا . قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا . قال : ( فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ ) قال : لا . قال : ثم جلس . فأتي النبي صلى الله عليه و سلم بعرق ( 3 ) فيه تمر فقال : ( تصدق بهذا ) . قال : أفقر منا ؟ فما بين لابتيها ( 4 ) أهل بيت أحوج إليه منا . فضحك النبي صلى الله عليه و سلم حتى بدت أنيابه ثم قال : ( اذهب فأطعمه أهلك ) " ( 5 )
وإن توفي وجب على وارثه أن يخرجها من تركته وإن لم يكن له تركة جاز للولي أن يتحملها عنه بالصيام أو بماله الخاص وإلا بقيت في ذمته فإن شاء الله غفرها وعفا عنه وإلا حوسب عليها . وإن صام عنه ستون رجلا في يوم واحد صح ذلك
تكرار الكفارة الكبرى : الكفارة واجبة على الإفطار بالجماع عن كل يوم من أيام رمضان ولو تعددت الوطأات أو تعددت الموطوءات في اليوم الواحد فالكفارة متعلقة بعدد الأيام لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة
سقوطها : تسقط الكفارة الكبرى بطروء الموت أو الجنون في نفس النهار الذي أبطل صومه لانقطاع التكليف عنه ذلك إن لم يكن متعديا بهما ولا تسقط بطروء المرض أو السفر أو الإعسار
_________
( 1 ) سميت كفارة من الكفر : وهو الستر سميت كذلك لأنها تستر الذنب وتذهبه هذا في الأصل ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك وإن لم يكن فيه إثم كالقاتل خطأ وغيره
( 2 ) المد : إناء مكعب طول حرفه 2

(1/553)

9 - سم ويعادل وزن ملئه حنطة ثلاث أوقيات تقريبا [ أي ست مائة غرام . دار الحديث ]
( 3 ) العرق : القفة وعاء معروف
( 4 ) لابتى المدينة : حرتيها والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 14 / 81

(1/554)

الفدية ( الكفارة الصغرى ) :

(1/555)

- وهى إطعام مد من غالب قوت البلد إلى مسكين عن كل يوم ولا يجوز إخراج القيمة ( 1 ) ولا يجوز إخراجها قبل رمضان وإنما تخرج بعد دخول ليلة الصيام . وتجب على كل من ذكر في حالات الإفطار السابق ذكرها الموجبة للفدية دون القضاء أو للفدية مع القضاء
_________
( 1 ) أما عند الحنفية فمقدارها نصف صاع بر أو صاع تمر أو زبيب ويجوز إخراج القيمة . فالشافعي إن أراد أن يخرج القيمة قلد الحنفية وأخرج قيمة نصف الصاع لا قيمة المد . والصاع في عصر الإمام أبي حنيفة يساوي 4 كغ تقريبا . فنصف الصاع يساوي 2 كغ تقريبا

(1/556)

القسم الثاني : الصوم المسنون

(1/557)

- دليله : ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ) ( 1 )
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 31 / 167

(1/558)

- أقسامه :
- 1 - ما يتكرر بتكرر السنين :
( 1 ) صوم يوم عرفة لغير الحاج والمسافر لحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) ( 1 ) . أما الحاج فإذا وصل إلى عرفة ليلا سن له صومه وإلا سن له فطره
والأحوط صوم الثامن من ذي الحجة
( 2 ) صوم عشر ذي الحجة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) فقالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) " ( 2 )
( 3 ) صوم عاشوراء وتاسوعاء : وهما التاسع والعاشر من شهر محرم لحديث رواه أبو قتادة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) ( 3 ) . وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) ( 4 ) . والأحوط صوم عاشوراء وصوم يوم قبله ويوم بعده
( 4 ) صوم ست من شوال لحديث عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ) ( 5 ) . والأفضل صومها متصلة بيوم العيد متتابعة ولكن تحصل السنة بصومها غير متصلة به ولا متتابعة
( 5 ) صوم الأشهر الحرم وهي : ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب . وكذلك صوم شعبان وأفضلها صوم محرم ثم باقي الأشهر الحرم ثم شعبان لحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) ( 6 ) . إلا أنه ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه ما صام شهرا كاملا عدا رمضان إلا شهر شعبان فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قال : " قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال : ( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) " ( 7 )
- 2 - ما يتكرر بتكرر الشهور وهي الأيام البيض ( 8 ) عن أيما ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ) ( 9 ) . والأيام السود ( 10 )
- 3 - ما يتكرر بتكرر الأسابيع :
( 1 ) صوم يومي الاثنين والخميس فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صوم الاثنين والخميس " ( 11 ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " ( 12 )
- 2 - صوم يوم لا يجد فيه ما يأكله لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم : ( . . . فإني إذن صائم )
- 3 - أفضل الصيام صوم يوم وإفطار يوم لقوله صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( صم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام ) ( 13 )
أما صوم الدهر فيسن لمن لم يخف ضررا أو فوت حق
ويجوز لمن صام متنفلا أن يفطر ويسن له القضاء على أنه يستحب له الإتمام وعدم الخروج لا لعذر لقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } ( 14 ) . وخروجا من خلاف العلماء
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 36 / 196
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 52 / 757
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 36 / 196
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 20 / 134
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 39 / 204
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 38 / 202
( 7 ) النسائي ج 4 / ص 201
( 8 ) الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري وسميت كذلك لاستضاءة السماء فيها بنور القمر
( 9 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 54 / 761
( 10 ) وهى الثامن والعشرون والتاسع والعشرون والثلاثون من كل شهر قمري
( 11 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 44 / 745
( 12 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 44 / 747
( 13 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 55 / 1875
( 14 ) محمد : 33

القسم الثالث : الصوم المكروه

(1/560)

- 1 - يكره إفراد يوم الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " ( 1 )

(1/561)

2 - وكذا إفراد يوم السبت أو الأحد لحديث عبد الله بن بسر عن أخته رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم " ( 2 ) . ولأن اليهود تعظم يوم السبت والنصارى تعظم يوم الأحد
فإن لم يفرد ذلك ووصله بما قبله أو بعده فلا كراهة وكذا إن وجد سبب من عادة أو نذر
- 3 - ويكره صيام الدهر إن خاف ضررا أو فوات حق
- 4 - ويكره التطوع بصيام يوم وعليه قضاء فرض
- 5 - ويكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير في رمضان وغيره إذا خافوا مشقة شديدة
- 6 - ويكره صوم يوم الشك ( 3 ) لقول عمار بن يا سر رضي الله عنهما : " من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم ( 4 ) " أما إذا وافق ذلك عادة له في تطوعه أو من كان عليه صوم نذر أو قضاء أو كفارة فلا يكره بحقه
- 7 - وكذا يكره صوم النصف الأخير من شعبان لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا " ( 5 ) إلا لورد أو نذر أو قضاء أو كفارة فلا كراهة وكذا من وصل ما بعد النصف بما قبله ولو بيوم كأن يصوم يوم النصف ويستمر صائما إلى ما بعده فهذا تجوز له المتابعة . وأما إذا وصل بما قبله ثن أفطر فيكره له الصوم ثانية بلا سبب
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 62 / 1884
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 43 / 744
( 3 ) قال الأسنوي : " وهو المعروف المنصوص الذي عليه الأكثرون والمعتمد في المذهب تحريمه كما في الروضة والمنهاج والمجموع " . وكذلك الحال بالنسبة لصوم النصف الأخير من شعبان
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 3 / 686
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 38 / 738

(1/562)

القسم الرابع : الصوم المحرم

(1/563)

- وهو صوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن صوم يوم الفطر والنحر " ( 1 ) . وصوم أيام التشريق ( 2 ) وهي اليوم الثاني والثالث والرابع من أيام عيد الأضحى لحديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " ( 3 ) فإن صام لم يصح صومه
ويحرم على المرأة صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه " ( 4 ) . ولأن حق الزوج فرض فلا يجوز تركه بنفل فإن صامت فالصوم صحيح وهي آثمة . وأما صومها التطوع في غيبة زوجها عن بلدها فجائز لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 65 / 1890
( 2 ) سميت كذلك لأن الحجاج يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدايا أي ينشرونها ويقددونها وهي الأيام المعدودات التي ذكرها الله سبحانه
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 23 / 144
( 4 ) البخاري ج 5 / كتاب النكاح باب 84 / 4896

(1/564)

ما يستحب في الصيام :

(1/565)

- 1 - تعجيل الفطر إن تحقق غروب الشمس لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " ( 1 )
- 2 - أن يكون الفطر على رطبات وإلا فتمرات وإلا فماء وتحصل السنة برطبة واحدة وبالاثنتين والأكمل بثلاث لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لن تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء " ( 2 )
- 3 - أن يقول عقب الفطر " " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت ولك أسلمت وعليم توكلت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله يا واسع المغفرة اغفر لي الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت اللهم وفقنا للصيام وبلغنا فيه القيام وأعنا عليه والناس نيام وأدخلنا الجنة بسلام " ذلك لأن الصائم دعاؤه مستجاب لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد " ( 3 )
- 4 - السحور : لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " ( 4 ) ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل " ( 5 ) . ويحصل السحور بقليل الأكل والشرب ويخل وقته من نصف الليل فالأكل قبله ليس بسحور فلا تحصل به السنة ويسن تأخيره وتقريبه من الفجر ما يسع قراءة خمسين آية لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " تسحرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم قام إلى الصلاة . قلت : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية " ( 6 ) هذا ما لم يقع في الشك لقول حسان بن أبي سنان : " ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلا ما لا يريبك " ( 7 ) . ومن تسحر ثم شك في بقاء الليل فصومه صحيح لأن الأصل بقاؤه
- 5 - يسن الغسل من الحدث الأكبر ليلا ليكون على طهارة من أول صومه
- 6 - يسن الإكثار من تلاوة القرآن ومدارسته ( 8 )
- 7 - التوسعة على العيال والإحسان إلى الأرحام والجيران
- 8 - الإكثار من الصدقة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان " ( 9 ) . وبصورة عامة يسن فيه الإكثار من أعمال الخير لأن أجر العمل فيه مضاعف
- 9 - دعوة الصائمين وتفطيرهم ولو لم يكونوا فقراء وأن يأكل معهم ولو لم يكن صائما لأم الصائم مغفور له فلعل الله عز و جل يغفر لمجالسيه روى زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا " ( 10 ) . فإن لم يقدر على عشائه فطره ولو على تمرة أو شربة ماء أو لبن
- 10 - يسن الاعتكاف في رمضان لاسيما في العشر الأخير منه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره " ( 11 ) . وفي هذا العشر ليلة القدر وهي من خصوصيات هذه الأمة باقية إلى يوم القيامة فيها يفرق كل أمر حكيم ويستحب أن يطلبها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( 12 ) وليالي الوتر من العشر الأخيرة أرجاها وبخاصة الوتر الحادي والعشرون والوتر الثالث والعشرون ويقول إن وافقها ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ( 13 ) ويندب لمن رآها إخفاؤها والعمل في ليلها خير من العمل في نهارها في ألف شهر وإن كان يندب أن يجتهد في يومها وليلتها
وأعلى مراتب إحياؤها أن يحيي الليل كله بكل أنواع العبادة وأوسطها أن يحيي معظم الليل وأدناها أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على صلاة الصبح في جماعة . ولا يختص فضلها بمن اطلع عليها بل يحصل لمن أحياها وإن لم يطلع عليها وهي أفضل ليالي السنة بعد ليلة المولد النبوي الشريف تليها ليلة الإسراء ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 44 / 1856
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 10 / 696
( 3 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الصيام باب 48 / 1753
( 4 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 20 / 1823
( 5 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الصيام باب 22 / 1693
( 6 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 19 / 1821
( 7 ) البخاري ج 2 / كتاب البيوع باب 3
( 8 ) المدارسة : أن يقرأ أحد شخصين على الآخر ما قرأه الأول هكذا كانت مدارسة رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جبريل عليه السلام
( 9 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 7 / 1803
( 10 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 82 / 807
( 11 ) مسلم ج 2 / كتاب الاعتكاف باب 3 / 8
( 12 ) البخاري ج 2 / كتاب صلاة التراويح باب 2 / 1910
( 13 ) الترمذي ج 5 / كتاب الدعوات باب 85 / 3513
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
قديم 03-10-2013
  #40
عبدالقادر حمود
أبو نفيسه
 الصورة الرمزية عبدالقادر حمود
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: سوريا
المشاركات: 12,194
معدل تقييم المستوى: 10
عبدالقادر حمود is on a distinguished road
افتراضي رد: فقه العبادات على المذهب الشافعي تأليف الحاجة دريّة العيطة

كتاب الصوم
التعريف به :
- الصوم لغة : الإمساك مطلقا بدليل قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم إنسيا } ( 1 )
وشرعا : الإمساك عن المفطر بنية مخصوصة طيلة نهار ( 2 ) قابل للصوم ( 3 )
_________
( 1 ) مريم : 26
( 2 ) من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ويحب على الأحوط إمساك جزء من الليل بعد الغروب ليتحقق استكمال النهار . وكذا قال الفقهاء بضرورة الاحتياط بالإمساك عن الطعام وغيره من المفطرات قبل طلوع الفجر لقاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب
( 3 ) لأن ثمة أياما يحرم فيها الصوم سيلي ذكرها




أقسام الصوم
أولا - الصوم المفروض وهو نوعان :
- 1 - فرض أصالة : وهو صوم شهر رمضان وصوم القضاء عنه
- 2 - فرض عرضا : وهو الصوم المنذور وصوم الكفارات والصوم الذي يقوم مقام دماء الحج
ثانيا - الصوم المسنون : بعضه ثبت بدليل خاص كالتسعة الأولى من ذي الحجة وبعضه طلب بأدلة الترغيب بالصوم دون تعيين
ثالثا - الصوم المكروه
رابعا - الصوم المحرم


القسم الأول : الصوم المفروض ( صوم رمضان ) ( 1 )
دليل صوم رمضان :
- من الكتاب قوله تعالى : { شهر رمضان الذي أنزل فيه القران هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه } ( 2 )
ومن السنة : ما رواه ابن عمر رضي الله عنهما كما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان ) ( 3 )
وإجماع الأمة
ويكفر جاحد وجوب صوم رمضان إلا إن كان قريب العهد بالإسلام أو نشأ بعيدا عن العلماء . ومن تركه غير جاحد وجوبه من غير عذر حبس ومنع من الطعام والشراب نهارا لتحصل له صورة الصوم
_________
( 1 ) سمي رمضان لأنه يرمض الذنوب أي يحرقها ويذهبها أو لمصادفة مشروعيته وقت الرمضاء أي شدة الحر
( 2 ) البقرة : 185
( 3 ) البخاري ج 1 / كتاب الإيمان باب 1 / 8




ثبوت شهر رمضان :

- يجب صوم رمضان بأحد أمور أربعة :
- 1 - يجب - بصورة عامة - لاستكمال شعبان ثلاثين يوما
- 2 - يجب في من رأى هلال رمضان ولو كان فاسقأ لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( إذا رأيتموه ( 1 ) فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم ( 2 ) عليكم فاقدروا له ) ( 3 ) وفي رواية عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( فأكملوا عدة شعبان ثلاثين ) ( 4 )
- 3 - يجب بحق من أخبر برؤية الهلال من قبل من يثق به أو من قبل من يعتقد صدقه ولو كان امرأة أو صبيا عاقلا أو فاسقا وإن لم يقبل الحاكم شهادته فإن صام ثم بان أنه من رمضان أجزأه لأنه نوى الصوم بظن وصادفه فأشبه البينة
- 4 - يجب بحق من لم يره بإخبار عدل عند الحاكم وتثبت رؤيته عند الحاكم بشهادة عدل واحد حر ذكر مكلف لما روى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : " تراءى الناس الهلال فأخبرت رسول الله صلى الله عليه و سلم أني رأيته فصامه وأمر الناس بصومه " ( 5 ) ولأنه إيجاب عبادة فقبل من واحد احتياطا للفرض
وأما هلال بقية الأشهر فلا بد لإثباته من عدلين فلا يقبل في هلال الفطر - هلال شوال - إلا شاهدان لأنه إسقاط فرض فاعتبر فيه العدد احتياطا للفرض فمن رأى هلال شوال وحده لزمه الفطر ويفطر سرا لئلا يتعرض للتهمة في دينه
وإذا رئي ببلد لزم من وافق مطلعهم مطلعه ( 6 ) والدليل على عدم وجوب الصوم إن اختلفت المطالع ما روى كريب " أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية بالشام قال : فقدمت الشام فقضيت حاجتها واستهل علي رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت : رأيناه ليلة الجمعة . فقال أنت رأيته ؟ فقلت : نعم ورآه الناس وصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه . فقلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وصيامه ؟ فقال : لا هكذا أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم " ( 7 ) . ولو شك في اتفاق المطالع لم يلزم الصوم الذين لم يروا لأن الأصل عدم الوجوب ولأن الصوم إنما يجب بالرؤية للحديث ولم تثبت الرؤية في حق هؤلاء لعدم ثبوت قربهم من بلد الرؤية
وإذا رأوا الهلال بالنهار فهو لليلة المستقبلة سواء رأوه قبل الزوال أو بعده لما روى أبو وائل قال : " جاءنا كتاب عمر - رضي الله عنه - ونحن بخانقين أن الأهلة بعضها أكبر من بعض فإذا رأيتم الهلال نهارا فلا تفطروا حتى تمسوا إلا أن يشهد رجلان مسلمان أنهما أهلاه بالأمس عشية " ( 8 )
ولو سافر من بلد إلى آخر ووجدهم مفطرين أو صائمين لزمته موافقتهم سواء في أول الشهر أو في آخره
وإذا اشتبه رمضان على أسير أو حبيس وجب عليه الاجتهاد ثم الصوم فإن استمر الإشكال عليه ولم يعلم أنه صادف رمضان أم لا فصومه مجزئ وكذلك إن وافق صومه رمضان أو وافق صومه ما بعد رمضان . أما إن صادف صومه ما قبل رمضان فينظر : إن أدرك رمضان بعد بيان الحال لزمه صومه بلا خلاف لتمكنه منه في وقته وإن لم يبن الحال إلا بعد مضى رمضان وجب القضاء . أما إن صام بغير اجتهاد ووافق رمضان لم يجزئ بلا خلاف
_________
( 1 ) المراد رؤية بعضكم
( 2 ) غم عليكم : أي حال بينكم وبينه غيم
( 3 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 5 / 1801
( 4 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 11 / 1810
( 5 ) أبو داود ج 2 / كتاب الصوم باب 14 / 2342
( 6 ) يقصد بذلك كون البلدين على خط طول واحد فإذا رئي بأحدهما لزم الصوم البلد الآخر ولو لم يروه
( 7 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 5 / 28
( 8 ) البيهقي ج 4 / ص 213 . وخانقين : بلدة في العراق قريبة من بغداد




شروط وجوب صوم رمضان :
- 1 - الإسلام : فلا يجب على الكافر الأصل وجوب مطالبة ويجب على المرتد وجوب مطالبة بأن نقول له : ارجع إلى الإسلام ثم صم ولا يصح منه في ردته لكن بعد عودته للإسلام يجب عليه قضاء ما فاته فترة الردة بخلاف الكافر الأصلي إذا أسلم فليس عليه أن يقضي ما فاته خلال فترة كفره لأنه لم يكن واجبا عليه آنذاك وجوب مطالبة ولحديث رواه عمرو بن العاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ) ( 1 )
- 2 - العقل : فلا يجب الصوم على المجنون ولا المغمى عليه ولا السكران سواء كان متعديا بجنونه أو إغمائه أو سكره أم لا لما روى على بن أبي طالب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( رفع القلم ( 2 ) عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ) ( 3 ) . ويجب القضاء في حالة التعدي بالجنون والسكر أما في حالة الإغماء فيجب القضاء ولو لم يكن متعديا لقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ( 4 ) والإغماء مرضن ويخالف الجنون فإنه نقص وكل من زال عقله بمرض أو بشرب دواء شربه لحاجة أو بعذر آخر لزمه قضاء الصوم
- 3 - البلوغ : فلا يجب الصوم على الصبي المميز لكن صومه صحيح ويؤمر به لسبع إن أطاقه ويضرب على تركه لعشر قياسا على الصلاة
- 4 - الإطاقة : ويقصد بذلك القدرة على الصوم بلا مشقة
_________
( 1 ) مسلم ج ا / كتاب الإيمان باب 54 / 192
( 2 ) معنى رفع القلم : امتناع التكليف لا أنه رفع بعد وضعه
( 3 ) أبو داود ج 4 / كتاب الحدود باب 16 / 4406
( 4 ) البقرة : 184


شروط صحة الصوم ( 1 ) :

- أولا : النية : لما روى عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قوله : ( إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى ) ( 2 ) ولأنه عبادة محضة فلم يصح من غير نية كالصلاة
وتجب النية لكل يوم لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة فلو نوى من أول ليلة في رمضان صوم جميعه لم يجزئ إلا عن أول يوم لكن يسن له ذلك ليصح صوم النهار الذي نسيها فيه على مذهب الإمام مالك ( 3 ) كما يسن له أن ينوي أول النهار الذي نسيها فيه ليصح صومه على مذهب الإمام أبو حنيفة ( 4 ) هذا إن نوى عندئذ تقليده فإذا لم ينو التقليد كان متلبسا بعبادة فاسدة وهذا حرام . وإن نسى النية في ليلة من الليالي ولم يقلد المذاهب الأخرى وجب عليه قضاء ذلك اليوم
محل النية : محل النية القلب وتكون بأن يستحضر حقيقة الصوم التي هي الإمساك عن المفطر جميع النهار بقلبه ولا تكفي النية باللسان دون القلب لكن يندب النطق بها ليساعد اللسان القلب
ولو نوى الصوم وهو في الصلاة أو في حالة الجماع أو في أثناء الأكل صحت نيته . ويشترط في نية صوم الفرض أمران :
- 1 - التبييت : فلا بد من إيقاع النية ليلا بدليل قوله صلى الله عليه و سلم في الحديث الذي روته حفصة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه و سلم : ( من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له ) ( 5 ) . ويصح التبييت في أي جزء من الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر أما إن قارنت النية الفجر فلا يصح صومه وعليه القضاء . ولا يضر الأكل والشرب والجماع بعد النية وكذا الجنون والسكر والإغماء والنوم
وإذا شك قبل الغروب هل وقعت نيته قبل الفجر أم بعده لم يصح للتردد بالنية أما لو شك هل طلع الفجر أم لا بعد أن كان ناويا فيصح ذلك وأما لو شك بعد الغروب هل نوى أم لا ولم يتذكر فلا يؤثر لمشقة إعادة الصوم ( 6 )
ولو عقب النية بقوله : إن شاء الله بقلبه أو بلسانه فإن قصد التبرك أو وقوع الصوم وبقاء الحياة إلى تمامه بمشيئة الله تعالى لم يضره وإن قصد تعليقه والشك لم يصح صومه ومثله ما لو قال : أصوم غدا إن شاء فلان أو إن نشطت لم يصح صومه لعدم الجزم
- 2 - التعيين : فلا يصح الصيام دون تعيين نوع الفرض هل هو كفارة ( 7 ) أو نذر ( 8 ) أو أداء أو قضاء عن رمضان لقوله صلى الله عليه و سلم ( وإنما لامرئ ما نوى ) فهذا ظاهر في اشتراط التعيين
وإذا كان على المرء قضاء اليوم الأول من رمضان فصام ونوى قضاء اليوم الثاني فلا يجزئ وكذا لو كان عليه قضاء يوم من رمضان سنة فنوى قضاءه من صوم أخرى غلطا لا يجزئه وإن كان لو أطلق نيته عن واجبه في الموضعين أجزأه
وينبغي أن تكون النية جازمة فلو نوى ليلة الثلاثين من شعبان صوم غد إن كان من رمضان وإلا فهو مفطر أو متطوع فكان منه لم يجزئه صوم ذلك اليوم عن رمضان إلا إذا ظن كونه منه حين نوى وذلك بقول من يثق به لأن غلبة الظن هنا كاليقين كما في أوقات الصلوات فتصح النية المبنية عليه
وأقل النية في صوم رمضان : نويت صوم رمضان أو نويت الصوم عن رمضان فلا تجب نية الغد ولا أداء ولا إضافة لله تعالى ولا تعيين السنة
وأكملها : نويت صوم غد عن أداء فرض رمضان هذه السنة إيمانا واحتسابا لله تعالى
أما نية صوم النفل فلا يشترط فيها التبييت ( 9 ) بل تجزئه النية قبل الزوال بشرط انتفاء المفطرات قبلها لما ورد عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : " دخل علي النبي صلى الله عليه و سلم ذات يوم فقال : ( هل عندكم شيء ؟ ) فقلنا : لا . قال : ( فإني إذن صائم ) . ثم أتانا يوما آخر فقلنا : يا رسول الله أهدي لنا حيس ( 10 ) . فقال : ( أرينيه فلقد أصبحت صائما فأكل ) " ( 11 )
وكذا لا يجب التعيين فتصح نية النفل بقصد القلب ما معناه : نويت صوم غد لله تعالى
إلا أن يكون صوما مرتبا كصوم عرفة وعاشوراء وأيام البيض وستة من شوال وغيرها فيشترط في صومها التعيين لتحصيل ثوابها المعين أما الصوم فصحيح وإن لم يعين
_________
( 1 ) مطلقا سواء كان الصوم مفروضا أو مسنونا
( 2 ) مسلم ج 3 / كتاب الإمارة باب 45 / 155
( 3 ) عند الإمام مالك تكفي نية صوم جميع الشهر في أول ليلة منه
( 4 ) يصح صوم رمضان عنده بنيته إلى قبل الزوال كل يوم
( 5 ) النسائي ج 4 / ص 196
( 6 ) بخلاف الصلاة فعليه الإعادة إذا شك بعد السلام بالنية
( 7 ) دون تعيين الكفارة عن يمين أو ظهار
( 8 ) دون تعيين نوع النذر : تبرر أو لجاج
( 9 ) أما في صوم الصبي رمضان فيجب تبيت النية رغم أن صومه يقع نفلا
( 10 ) الحيس : هو طعام يتخذ من تمر وسمن وغيرهما
( 11 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 32 / 170


- ثانيا - الإمساك عن الجماع عمدا ( 1 ) وإن لم ينزل والإمساك عن الاستمناء : أما الجاهل المعذور بجهله والمكره فالجماع غير مفطر في حقهما وكذا الجماع ناسيا للصوم فهو كالأكل ناسيا لا يفطر لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من أكل أو شرب ناسيا فلا يفطر فإنما هو رزق رزقه الله ) ( 2 ) فالنص هنا على الأكل والشرب ويقاس عليه الجماع وسائر المفطرات
ويفطر بخروج المني من مباشرة ولو لم يجامع لذلك حرمت المباشرة إن حركت شهوة لخوف الإنزال أما الإنزال بلا مباشرة فلا يفطر
_________
( 1 ) العمد : هو فعل الشيء مختارا مع علمه بالتحريم
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 26 / 721


- ثالثا - الإمساك عن الاستقاءة ( 1 ) : والاستقاءة مفطرة ولو تيقن عدم رجوع شيء إلى جوفه ولا يضر تقيؤه بغير اختيار مهما كثر بشرط ألا يبلع منه شيئا فإذا ابتلع شيئا باختياره أفطر وعليه القضاء لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض ) ( 2 )
أما إن كان ناسيا أنه صائم واستقاء فلا يفطر وكذا لو كان جاهلا معذورا في جهله أو كان مكرها فلا يفطر
_________
( 1 ) الاستقاءة : التقيؤ عمدا
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 25 / 720


- رابعا - الإمساك عن وصول عين إلى ما يسمى جوفا هن منفذ مفتوح :
فأما العين : فيدخل فيها دخان اللفائف ( 1 ) والتنباك ( 2 ) فيفطران الصائم لأن لهما أثرا يشاهد في باطن العود وكذلك ابتلاع ما لا يؤكل في العادة كقطع النقد والتراب والحصاة والحشيش والحديد والخيط
ويستثنى من العين المفطرة الريح والطعم ولو وجد ذاك الطعم في الفم
كما يستثنى وصول ذباب أو بعوض أو غبار طريق أو غربلة دقيق إلى الجوف لعسر التحرز منه وكدا لو خرجت مقعدة المبسور فأعادها فلا يضر لعذره وكذا لو بقي طعام بين أسنانه فجرى به ريقه حتى دخل جوفه من غير قصد لم يضر إن عجز عن تمييزه ومجه أما النخامة فإذا خرجت إلى مخرج الخاء ثم ابتلعها فإنه يفطر . وكذا لا يضر وصول الريق الخالص الطاهر من معدنه ( 3 ) إلى جوفه بخلاف غير الخالص وغير الطاهر كالمختلط بدم فإنه يفطر إلا أنه يعفى عنه بحق من ابتلي بنزف اللثة وبخلاف الخارج من غير معدنه كما لو جمعه على شفتيه ثم بلعه فهذا يضر أما إذا خرج على لسانه ثم ابتلعه فلا يفطر . وكذا لو سبق ماء المضمضة أو الاستنشاق شريطة عدم المبالغة فيهما أو سبق ماء غسل مطلوب - ولو مندوبا كغسل الجمعة - إلى الجوف فلا يضر لتولده من مأمور به أما إذا سبق الماء إلى الجوف نتيجة المبالغة فإنه يفطر لأن المبالغة منهي عنها في الصوم لما روى لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال : ( أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) " ( 4 ) . وكذا ماء الغسلة الرابعة في الوضوء وإن لم يبالغ فإنه مفطر إن سبق إلى الجوف أما إذا سبق الماء إلى الجوف نتيجة المبالغة في غسل النجاسة ( 5 ) فلا يفطر لأن إزالة النجاسة واجبة وأما ماء الغسل غير المطلوب كغسل التبرد والنظافة فسبقه إلى الجوف مفطر وأما الماء الذي يضعه الصائم على فمه للتبرد أو لدفع عطش فلا يضر سبقه لشدة الحاجة إليه وكذا الأكل والشرب ناسيا للصوم لا يفطر لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه ) ( 6 )
ولا يضر الأكل والشرب مكرها بل يبقى الصيام صحيحا بخلاف ما لو فعل ذلك جاهلا كونه مفطرا فإنه يفطر إلا إذا كان الجاهل معذورا لما روى ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم ( إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ) ( 7 )
وإن تبين للصائم يقينا طلوع الفجر وهو لم يزل يأكل وجب عليه إعادة صوم ذاك اليوم ولو طلع الفجر وفي فمه طعام فليلفظه فإن فعل صح صومه وإن ابتلعه أفطر فلو لفظه في الحال فسبق منه شيء إلى جوفه بغير اختياره فلا يفطر
وأما الجوف : فيشمل جوف الإنسان كله فلو أدخلت المرأة إصبعها في فرجها أثناء الاستنجاء أو الغسل ولو بقصد النظافة ولو بمقدار رأس الإصبع فإنها تفطر . ومثله حك الأذن من داخلها بشيء صلب أما بالإصبع فلا يفطر ما لم تصل إلى الصماخ . والقطرة في الأذن والأنف تفطر أما في العين فلا ولو وجد طعمها في حلقه لأن العين ليس بمنفذ مفتوح . وكذا الحقنة والتحميلة فإنهما تفطران سواء كانتا في قبل أو دبر . أما لو أدخلت في الفرج قطعة قطن عليها دواء أثناء الإفطار بحيث تتجاوز ما يظهر أثناء قضاء الحاجة فإذا بقيت إلى ما بعد الفجر فلا تفطر ومثله موانع الحمل الآلية لا تضر بالصوم ما وضعت في الإفطار
وأما المنفذ المفتوح : فإما أن يكون مفتوحا أصالة مثل الأذن والفم والأنف والشرج أو مفتوحا بواسطة جرح مثل المأمومة ( 8 ) لذا لا يضر وصول الكحل من العين أو الدهن أو ماء الغسل من تشرب مسام البشرة وكذا الحقن العضلية والوريدية لا تفطر بكل أنواعها ولو كانت للتغذية
_________
( 1 ) السجائر
( 2 ) النرجيلة [ أي التبغ الذي يوضع فيها . دار الحديث ]
( 3 ) الغدة التي تفرزه
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 69 / 788
( 5 ) كإزالة الدم من الفم أو الأنف
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 33 / 171
( 7 ) ابن ماجة ج 1 / كتاب الطلاق باب 16 / 2045
( 8 ) المأمومة : جراحة في الرأس بحيث تبلغ أم الدماغ



- خامسا - الإسلام : ويقصد بذلك الإسلام الحالي فلا يصح صوم المرتد الذي كان مسلما لأن شرط العمل النية وشرط النية الإسلام

- سادسا - النقاء من الحيض والنفاس : فلا يصح الصوم من الحائض والنفساء بل يحرم عليهما بالإجماع . وإذا نقيت من الحيض أو النفاس قبل الفجر صح صومها ولو لم تغتسل طيلة النهار حتى أذان المغرب وكذا من احتلم أثناء النهار أو أصبح جنبا يصح صومه ولو لم يغتسل روت عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يصبح جنبا من جماع غير احتلام ثم يصومه " ( 1 ) . أما إذا نقيت من الحيض أو النفاس بعد الفجر ولو بقليل لم يصح صوم ذاك النهار إلا أنه يسن لها الإمساك عن المفطرات تتمة اليوم وعليها القضاء
وأما لو حاضت بعد أذان المغرب ولو بقليل فيصح صوم يومها وليس عليها إعادته
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 25 / 1830

- سابعا - العقل جميع النهار : فلو طرأ الجنون ولو لحظة أثناء النهار ما صح صوم ذاك اليوم بخلاف الإغماء والسكر فإن صومه صحيح ما لم يستغرقا النهار جميعه فإن أفاق ولو لحظة من النهار صح صومه . أما النوم فلا يضر ولو استغرق جميع النهار ما نوى قبل نومه

(1/537)

- ثامنا - صلاحية الوقت للصوم : فلا يصح صوم الأيام التي حرم الصوم فيها والتي سيأتي تفصيلها في قسم الصوم المحرم

(1/538)

حالات الإفطار في رمضان

(1/539)

حكم الفطر في كل من حالتي المرض والسفر :

(1/540)

- 1 - في المرض : يجوز الفطر بشكل عام وإذا كان المرض مطبقا جاز له ترك النية وأما إن كان يحم وقتا دون وقت فإن كان محموما وقت الشروع جاز له ترك النية وإلا فعليه أن ينوي فإن عاد المرض واحتاج إلى الإفطار أفطر
ويختلف حكم الإفطار في المرض باختلاف شدة المرض :
( 1 ) إن تحقق أن الصوم يؤدي إلى ضرر يبيح التيمم ( 1 ) أو إلى هلاك فيحرم عليه الصوم ويجب الإفطار فإذا استمر صائما حتى مات مات عاصيا لمخالفة قول الله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ( 2 ) وقوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } ( 3 ) "
( 2 ) إن خاف أو توهم من الصوم ضررا يبيح التيمم كره له الصوم وجاز له الفطر
( 3 ) وإن كان مريضا مرضا خفيفا بحيث لا تحصل له بالصوم مشقة تبيح التيمم كمصاب بصداع أو ألم سن أو أذن . . . لم يجز له الفطر ويجب الصوم ما لم يخف الزيادة . ولمن غلب عليه الجوع والعطش بحكم مهنته كالحصادين والعمال في الطريق . . . حكم المريض صوما وفطرا
- 2 - في السفر : يجوز الفطر للمسافر سفر قصير مباح قبل الفجر سواء خاف مشقة شديدة أم لم يخف
وسفر القصر : هو السفر المبيح لقصر الصلاة وهو ما كان لمسافة واحد وثمانين كيلو مترا فما فوق ولا عبرة لوسيلة النقل
والمباح : ما لم يكن لمعصية أو بمعصية
وقولنا قبل الفجر يخرج به ما لو طرأ السفر على الصوم فلا يجوز الفطر بخلاف المريض . والأدلة على جواز الفطر في الحالة المذكورة : قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } ( 4 ) . وما روت عائشة رضي الله عنها " أن حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه و سلم أأصوم في السفر ؟ فقال : ( إن شئت فصم وإن شئت فأفطر ) " ( 5 ) . وعن أنس رضي الله عنه قال : " كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم " ( 6 )
ولو نوى الصيام في الليل ثم سافر ولا يعلم هل سافر قبل الفجر أو بعده فليس له الفطر لأنه يشك في مبيح الفطر ولا يباح له بالشك
والجواز بالإفطار في هذه الحالات طيلة مدة غيابه إن كانت مدة مكوثه في البلدة التي سافر إليها ثلاثة أيام أو أقل أما إن كانت مدة إقامته أربعة أيام أو أكثر عدا يومي الدخول والخروج فيعتبر مقيما وعليه أن يصوم من أول يوم وصل فيه إلى بلد المقصد . أما إن كان يديم السفر كالسائق فلا يباح له الفطر لأنه يؤدي إلى إسقاط الوجوب كلية
وبصورة عامة : الصوم في السفر أفضل من الفطر إن لم يتضرر به لأن فيه تعجيلا لبراءة الذمة وعدم إخلاء الوقت من العبادة . أما إذا تضرر به فالفطر أفضل بدليل ما رواه جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم في سفر فرأى زحاما ورجلا قد ظلل عليه . فقال : ( ما هذا ؟ ) قالوا : صائم . فقال : ( ليس من البر الصوم في السفر ) " ( 7 ) . وإن غلب على ظنه تلف نفس أو عضو أو منفعة بسبب الصوم حرم عليه . ويقول الغزالي : ولو لم يتضرر من الصوم في الحال لكن يخشى منه الضرر في المستقبل فالفطر أفضل
وإذا زال سبب جواز الفطر بالشفاء أو الإقامة أثناء النهار ولم يكن الشخص مبيتا نية الصوم فيسن له الإمساك أما إذا كان مبيتا النية فيجب عليه الاستمرار بالصوم
وفيما يلي تفصيل حالات الفطر في رمضان مع حكم كل منها وما يجب على المفطر من قضاء وفدية :
_________
( 1 ) يقصد بذلك خوفه أن يؤدي الصوم إلى مرض أو ازدياد مرض أو بقائه أو ذهاب منفعة عضو
( 2 ) البقرة : 195
( 3 ) النساء : 29
( 4 ) البقرة : 184
( 5 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 33 / 1841
( 6 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 36 / 1845
( 7 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 35 / 1844

(1/541)

أولا - حالة وجوب الفطر مع وجوب القضاء :

(1/542)

- وهي حالة الحائض والنفساء والدليل على ذلك ما ورد عن عائشة رضى الله عنها قالت : كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة " ( 1 ) فوجب القضاء على الحائض بالخبر وقيس علها النفساء لأنها في معناها . فإن طهرتا في أثناء النهار استحب لهما أن تمسكا بقية النهار ولا يجب كالصبي إذا بلغ والمجنون إذا أفاق
_________
( 1 ) مسلم ج ا / كتاب الحيض باب 35 / 1844

(1/543)

ثانيا - الإفطار الجائز والموجب للقضاء والفدية ( 1 ) :

(1/544)

- 1 - الحامل والمرضع ( 2 ) إن خافتا على الولد فقط فأفطرتا
- 2 - من أفطر لإنقاذ حيوان أو إنسان مشرف على الهلاك خوفا عليه فقط
- 3 - من أخر القضاء إلى رمضان آخر من غير عذر ( 3 ) . وتتكرر الفدية بتكرر السنين وإذا مات الشخص بعد أن أتى عليه رمضان آخر ولم يقض ما عليه من رمضان السابق بدون عذر فيجب على الوارث أن يخرج فديتين فدية عن قضاء اليوم وفدية عن تأخير قضائه فإذا صام عنه تسقط فدية القضاء وتبقى فدية التأخير
_________
( 1 ) سيرد بيان ماهية الفدية بعد سرد حالات الإفطار وما يجب فيها
( 2 ) ولو كانت مستأجرة
( 3 ) خرج بذلك ما لو استمر مريضا أو مسافرا حتى أتى رمضان آخر أو من أخر القضاء لنسيان أو جهل حرمة التأخير ولو لم يكن معذورا بجهله

(1/545)

ثالثا - الإفطار الموجب للفدية دون القضاء :

(1/546)

- 1 - الشيخ الهرم ( 1 ) والمريض مرضا لا يرجى برؤه إن عجز كل منهما عن الصوم بحيث لو صام لحقته مشقة لا تحتمل عادة أو مرض يبيح التيمم لقول ابن عباس رضي الله عنهما في شرح قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين . . . } " هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " ( 2 ) . وروى البيهقي : " أن أنسا رضي الله عنه ضعف عاما قبل موته فأفطر وأمر أهله أن يطعموا مكان كل يوم مسكينا " ( 3 )
فهؤلاء يفطرون ويخرجون فدية عن كل يوم أفطروا فيه ولا يجوز إخراجها قبل رمضان وإنما تخرج بعد دخول ليلة ذلك اليوم
أما إن أصبح الهرم أو المريض قادرا على الصوم فلا يجب عليه قضاء ما أفطره . لكن يجب عليه الصوم منذ أن أصبح قادرا عليه
- 2 - من مات وعليه صوم فائت من رمضان أو غيره ففي حكمه تفصيل :
( 1 ) إن فاته الصيام لعذر ولم يتمكن من القضاء لاستمرار العذر كأن مرض واستمر المرض إلى أن مات فلا إثم عليه فيما فات وليس على الوارث الفدية
( 2 ) إن فاته الصيام لعذر إلا أنه تمكن من القضاء ولكن مات قبل أن يقض أو فاته الصيام بلا عذر ولم يتمكن من القضاء أو فاته الصيام بلا عذر وتمكن من القضاء ففي هذه الحالات الثلاث يجب على الوارث إخراج فدية عن كل يوم صيام فائت عن الميت من تركته وتنتقل الفدية من ذمة الميت إلى ذمة الوارث فإن لم تكن للميت تركة جاز للولي بل وللأجنبي أيضا ولو من غير إذن إخراج الفدية عن الميت من ماله الخاص لأنه من قبيل وفاء الدين عن غيره وهو صحيح . فإن لم يف أحد عنه فتبقى الفدية معلقة بذمة الميت فإن شاء الله غفرها وعفا عنه برحمته
أما مسألة الصوم عن الميت لقضاء دينه ففي الأقوى من مذهبي الشافعي رضي الله عنه هنا أنه يسن أن يصوم عن الميت قريبه أو من أذن له الوارث أو الميت بأجرة أو بدون أجرة لحديث عن ابن عباس رضى الله عنهما قال : " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت : يا رسول الله إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ قال : ( أرأيت لو كان على أمك دين فقضيته أكان يؤدي ذلك عنها ؟ ) قالت : نعم . قال : ( فصومي عن أمك ) " ( 4 ) . ولأنه عبادة تجب بإفسادها الكفارة فجاز أن يقضى عنه بعد الموت كالحج
_________
( 1 ) من بلغ الثمانين أو السبعين أو أقل فالهرم يختلف باختلاف الأشخاص
( 2 ) البخاري ج 4 / كتاب التفسير / البقرة باب 27 / 4235
( 3 ) البيهقي ج 4 / ص 271
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 27 / 156

(1/547)

رابعا - الإفطار الموجب للقضاء دون الفدية :

(1/548)

- 1 - قضاء على التراخي :
( 1 ) المريض مرضا يرجى برؤه
( 2 ) المسافر سفرا طويلا
( 3 ) الحامل والمرضع إن خافتا على أنفسهما فقط أو على أنفسهما والولد
( 4 ) فن أفطر خوفا على نفسه لإنقاذ حيوان مشرف على الهلاك أو أفطر خوفا على نفسه وعلى الحيوان أو الإنسان الذي أنقذه
( 5 ) من أخر القضاء إلى رمضان آخر بسبب استمرار العذر
وقد تقدم أن الحائض والنفساء يجب عليهما كما الفطر مع وجوب القضاء والقضاء بحقهما على التراخي أيضا
ويستحب أن يقضى ما عليه متتابعا لما روى أبو هريرة رض الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( من كان عليه صوم رمضان فليسرده ولا يقطعه ) ( 1 )
- 2 - قضاء على الفور :
( 1 ) المتعدي بفطره
( 2 ) المرتد إذا أسلم
( 3 ) المجنون والسكران والمغمى عليه المتعدون بذلك
( 4 ) من ترك تبييت النية عمدا أو سهوا ولم يقلد
( 5 ) من أصبح يوم الشك ( 2 ) مفطرا ثم ثبت أنه من رمضان
_________
( 1 ) البيهقي ج 4 / ص 259
( 2 ) يوم الشك : هو يرم الثلاثين من شعبان إن غمت ليلته وشك الناس هل هو من شعبان أو من رمضان

(1/549)

خامسا - الإفطار غير الموجب للقضاء ولا الفدية :

(1/550)

- الصبي إذا بلغ والمجنون غير المتعدى بجنونه إذا أفاق ( 1 ) والكافر الأصلي إذا أسلم لأن هؤلاء ليسوا مكلفين أصلا لأن كلا منهم فاقد لشرط من شرائط الوجوب فالأول البلوغ والثاني العقل والثالث الإسلام على أنه يسن لهم جميعا الإمساك حال زوال المانع ولا يجب فإن لم يمسكوا استحب لهم ألا يأكلوا بحضور من لا يعرف أحوالهم لكيلا يعرضوا أنفسهم للتهمة في دينهم ومثلهم في هذا الحائض والنفساء إذا طهرتا في النهار
_________
( 1 ) أما المرتد إذا جن فعليه القضاء إذا عاد إلى الإسلام وعاد إليه المقل لأنه لا يستفيد من الرخص

(1/551)

سادسا - الإفطار المحرم الموجب للقضاء والكفارة ( 1 ) الكبرى :

(1/552)

- وهو إفطار من وطئ في الفرج في نهار رمضان عامدا مختارا وهو مكلف بالصوم عالم بالتحريم وكان قد نوى من الليل . وهو آثم بهذا الوطء لأجل الصوم
ولا تجب الكفارة على الموطوء ذكرا كان الموطوء أو أنثى ولو كان الموطوء متسببا بالوطء أو مطاوعا . ولا تجب على الواطئ ناسيا للصوم أو مكرها أو جاهلا للتحريم معذورا بجهله كأن كان قريب عهد بالإسلام أو ناشئا بعيدا عن العلماء أما إن كان جاهلا وجوب الكفارة فقط فتبقى واجبة عليه . ولا بحب كذلك على من كان مفطرا في رمضان لعذر كمرض أو سفر وجامع في النهار ولا على من أفطر عمدا بالأكل والشرب ثم وطئ لأن جماعه كان وهو مفطر . ماهية الكفارة الكبرى :
هي عتق رقبة مؤمنة سواء كانت ذكرا أو أنثى سليمة من العيوب المخلة بالعمل أو الكسب . فإن لم يجد إما لفقدانها أو لعدم الاستطاعة على دفع ثمنها فعليه صيام شهرين متتابعين فضلا عن قضاء اليوم الذي وجبت الكفارة لفطره فلو أفطر يوما ولو بعذر كسفر أو مرض انقطع التتابع ووجب الاستئناف ولو كان الإفطار في اليوم الأخير من الشهرين . أما إذا لم يستطع الصيام أو التتابع فإطعام ستين مسكينا ممن لا تلزمه نفقتهم ولا يجزئ عن ذلك أن يطبخ ويدعو ستين مسكينا على غداء أو عشاء وإنما يجب التمليك أي تمليك كل واحد منهم مدا ( 2 ) من غالب قوت البلد ولا يصح أن يعطي مسكينا واحدا ستين مدا في يوم واحد لكن يصح إعطاء المسكين نفسه ستين مدا ستين يوما في كل يوم مد . فإن عجز عن الكفارة بأنواعها الثلاثة استقرت في ذمته لأنها بسبب منه
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقال : هلكت يا رسول الله . قال : ( وما أهلكك ؟ ) قال : وقعت على امرأتي في رمضان . قال : ( هل تجد ما تعتق رقبة ؟ ) قال : لا . قال : ( فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ ) قال : لا . قال : ( فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ ) قال : لا . قال : ثم جلس . فأتي النبي صلى الله عليه و سلم بعرق ( 3 ) فيه تمر فقال : ( تصدق بهذا ) . قال : أفقر منا ؟ فما بين لابتيها ( 4 ) أهل بيت أحوج إليه منا . فضحك النبي صلى الله عليه و سلم حتى بدت أنيابه ثم قال : ( اذهب فأطعمه أهلك ) " ( 5 )
وإن توفي وجب على وارثه أن يخرجها من تركته وإن لم يكن له تركة جاز للولي أن يتحملها عنه بالصيام أو بماله الخاص وإلا بقيت في ذمته فإن شاء الله غفرها وعفا عنه وإلا حوسب عليها . وإن صام عنه ستون رجلا في يوم واحد صح ذلك
تكرار الكفارة الكبرى : الكفارة واجبة على الإفطار بالجماع عن كل يوم من أيام رمضان ولو تعددت الوطأات أو تعددت الموطوءات في اليوم الواحد فالكفارة متعلقة بعدد الأيام لأن صوم كل يوم عبادة مستقلة
سقوطها : تسقط الكفارة الكبرى بطروء الموت أو الجنون في نفس النهار الذي أبطل صومه لانقطاع التكليف عنه ذلك إن لم يكن متعديا بهما ولا تسقط بطروء المرض أو السفر أو الإعسار
_________
( 1 ) سميت كفارة من الكفر : وهو الستر سميت كذلك لأنها تستر الذنب وتذهبه هذا في الأصل ثم استعملت فيما وجد فيه صورة مخالفة أو انتهاك وإن لم يكن فيه إثم كالقاتل خطأ وغيره
( 2 ) المد : إناء مكعب طول حرفه 2

(1/553)

9 - سم ويعادل وزن ملئه حنطة ثلاث أوقيات تقريبا [ أي ست مائة غرام . دار الحديث ]
( 3 ) العرق : القفة وعاء معروف
( 4 ) لابتى المدينة : حرتيها والحرة هي الأرض ذات الحجارة السود
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 14 / 81

(1/554)

الفدية ( الكفارة الصغرى ) :

(1/555)

- وهى إطعام مد من غالب قوت البلد إلى مسكين عن كل يوم ولا يجوز إخراج القيمة ( 1 ) ولا يجوز إخراجها قبل رمضان وإنما تخرج بعد دخول ليلة الصيام . وتجب على كل من ذكر في حالات الإفطار السابق ذكرها الموجبة للفدية دون القضاء أو للفدية مع القضاء
_________
( 1 ) أما عند الحنفية فمقدارها نصف صاع بر أو صاع تمر أو زبيب ويجوز إخراج القيمة . فالشافعي إن أراد أن يخرج القيمة قلد الحنفية وأخرج قيمة نصف الصاع لا قيمة المد . والصاع في عصر الإمام أبي حنيفة يساوي 4 كغ تقريبا . فنصف الصاع يساوي 2 كغ تقريبا

(1/556)

القسم الثاني : الصوم المسنون

(1/557)

- دليله : ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ) ( 1 )
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 31 / 167

(1/558)

- أقسامه :
- 1 - ما يتكرر بتكرر السنين :
( 1 ) صوم يوم عرفة لغير الحاج والمسافر لحديث عن أبي قتادة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) ( 1 ) . أما الحاج فإذا وصل إلى عرفة ليلا سن له صومه وإلا سن له فطره
والأحوط صوم الثامن من ذي الحجة
( 2 ) صوم عشر ذي الحجة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال : " قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) فقالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) " ( 2 )
( 3 ) صوم عاشوراء وتاسوعاء : وهما التاسع والعاشر من شهر محرم لحديث رواه أبو قتادة رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله ) ( 3 ) . وروى ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) ( 4 ) . والأحوط صوم عاشوراء وصوم يوم قبله ويوم بعده
( 4 ) صوم ست من شوال لحديث عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر ) ( 5 ) . والأفضل صومها متصلة بيوم العيد متتابعة ولكن تحصل السنة بصومها غير متصلة به ولا متتابعة
( 5 ) صوم الأشهر الحرم وهي : ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب . وكذلك صوم شعبان وأفضلها صوم محرم ثم باقي الأشهر الحرم ثم شعبان لحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل ) ( 6 ) . إلا أنه ورد عنه صلى الله عليه و سلم أنه ما صام شهرا كاملا عدا رمضان إلا شهر شعبان فعن أسامة بن زيد رضي الله عنه لما قال : " قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال : ( ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) " ( 7 )
- 2 - ما يتكرر بتكرر الشهور وهي الأيام البيض ( 8 ) عن أيما ذر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ) ( 9 ) . والأيام السود ( 10 )
- 3 - ما يتكرر بتكرر الأسابيع :
( 1 ) صوم يومي الاثنين والخميس فعن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي صلى الله عليه و سلم يتحرى صوم الاثنين والخميس " ( 11 ) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم " ( 12 )
- 2 - صوم يوم لا يجد فيه ما يأكله لحديث عائشة رضي الله عنها المتقدم : ( . . . فإني إذن صائم )
- 3 - أفضل الصيام صوم يوم وإفطار يوم لقوله صلى الله عليه و سلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : ( صم يوما وأفطر يوما فذلك صيام داود عليه السلام وهو أفضل الصيام ) ( 13 )
أما صوم الدهر فيسن لمن لم يخف ضررا أو فوت حق
ويجوز لمن صام متنفلا أن يفطر ويسن له القضاء على أنه يستحب له الإتمام وعدم الخروج لا لعذر لقوله تعالى : { ولا تبطلوا أعمالكم } ( 14 ) . وخروجا من خلاف العلماء
_________
( 1 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 36 / 196
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 52 / 757
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 36 / 196
( 4 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 20 / 134
( 5 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 39 / 204
( 6 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 38 / 202
( 7 ) النسائي ج 4 / ص 201
( 8 ) الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري وسميت كذلك لاستضاءة السماء فيها بنور القمر
( 9 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 54 / 761
( 10 ) وهى الثامن والعشرون والتاسع والعشرون والثلاثون من كل شهر قمري
( 11 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 44 / 745
( 12 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 44 / 747
( 13 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 55 / 1875
( 14 ) محمد : 33

القسم الثالث : الصوم المكروه

(1/560)

- 1 - يكره إفراد يوم الجمعة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه و سلم يقول : " لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده " ( 1 )

(1/561)

2 - وكذا إفراد يوم السبت أو الأحد لحديث عبد الله بن بسر عن أخته رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض الله عليكم " ( 2 ) . ولأن اليهود تعظم يوم السبت والنصارى تعظم يوم الأحد
فإن لم يفرد ذلك ووصله بما قبله أو بعده فلا كراهة وكذا إن وجد سبب من عادة أو نذر
- 3 - ويكره صيام الدهر إن خاف ضررا أو فوات حق
- 4 - ويكره التطوع بصيام يوم وعليه قضاء فرض
- 5 - ويكره صوم المريض والمسافر والحامل والمرضع والشيخ الكبير في رمضان وغيره إذا خافوا مشقة شديدة
- 6 - ويكره صوم يوم الشك ( 3 ) لقول عمار بن يا سر رضي الله عنهما : " من صام اليوم الذي يشك فيه الناس فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه و سلم ( 4 ) " أما إذا وافق ذلك عادة له في تطوعه أو من كان عليه صوم نذر أو قضاء أو كفارة فلا يكره بحقه
- 7 - وكذا يكره صوم النصف الأخير من شعبان لما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إذا بقي نصف من شعبان فلا تصوموا " ( 5 ) إلا لورد أو نذر أو قضاء أو كفارة فلا كراهة وكذا من وصل ما بعد النصف بما قبله ولو بيوم كأن يصوم يوم النصف ويستمر صائما إلى ما بعده فهذا تجوز له المتابعة . وأما إذا وصل بما قبله ثن أفطر فيكره له الصوم ثانية بلا سبب
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 62 / 1884
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 43 / 744
( 3 ) قال الأسنوي : " وهو المعروف المنصوص الذي عليه الأكثرون والمعتمد في المذهب تحريمه كما في الروضة والمنهاج والمجموع " . وكذلك الحال بالنسبة لصوم النصف الأخير من شعبان
( 4 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 3 / 686
( 5 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 38 / 738

(1/562)

القسم الرابع : الصوم المحرم

(1/563)

- وهو صوم يومي عيد الفطر وعيد الأضحى لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " نهى النبي صلى الله عليه و سلم عن صوم يوم الفطر والنحر " ( 1 ) . وصوم أيام التشريق ( 2 ) وهي اليوم الثاني والثالث والرابع من أيام عيد الأضحى لحديث نبيشة الهذلي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله " ( 3 ) فإن صام لم يصح صومه
ويحرم على المرأة صوم التطوع وزوجها حاضر إلا بإذنه لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تصوم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه " ( 4 ) . ولأن حق الزوج فرض فلا يجوز تركه بنفل فإن صامت فالصوم صحيح وهي آثمة . وأما صومها التطوع في غيبة زوجها عن بلدها فجائز لمفهوم الحديث ولزوال معنى النهي
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 65 / 1890
( 2 ) سميت كذلك لأن الحجاج يشرقون فيها لحوم الأضاحي والهدايا أي ينشرونها ويقددونها وهي الأيام المعدودات التي ذكرها الله سبحانه
( 3 ) مسلم ج 2 / كتاب الصيام باب 23 / 144
( 4 ) البخاري ج 5 / كتاب النكاح باب 84 / 4896

(1/564)

ما يستحب في الصيام :

(1/565)

- 1 - تعجيل الفطر إن تحقق غروب الشمس لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " ( 1 )
- 2 - أن يكون الفطر على رطبات وإلا فتمرات وإلا فماء وتحصل السنة برطبة واحدة وبالاثنتين والأكمل بثلاث لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يفطر قبل أن يصلي على رطبات فإن لن تكن رطبات فتميرات فإن لم تكن تميرات حسا حسوات من ماء " ( 2 )
- 3 - أن يقول عقب الفطر " " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت وبك آمنت ولك أسلمت وعليم توكلت ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله يا واسع المغفرة اغفر لي الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت اللهم وفقنا للصيام وبلغنا فيه القيام وأعنا عليه والناس نيام وأدخلنا الجنة بسلام " ذلك لأن الصائم دعاؤه مستجاب لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " إن للصائم عند فطره لدعوة ما ترد " ( 3 )
- 4 - السحور : لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : " تسحروا فإن في السحور بركة " ( 4 ) ولحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبالقيلولة على قيام الليل " ( 5 ) . ويحصل السحور بقليل الأكل والشرب ويخل وقته من نصف الليل فالأكل قبله ليس بسحور فلا تحصل به السنة ويسن تأخيره وتقريبه من الفجر ما يسع قراءة خمسين آية لما روى زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : " تسحرنا مع النبي صلى الله عليه و سلم ثم قام إلى الصلاة . قلت : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية " ( 6 ) هذا ما لم يقع في الشك لقول حسان بن أبي سنان : " ما رأيت شيئا أهون من الورع دع ما يريبك إلا ما لا يريبك " ( 7 ) . ومن تسحر ثم شك في بقاء الليل فصومه صحيح لأن الأصل بقاؤه
- 5 - يسن الغسل من الحدث الأكبر ليلا ليكون على طهارة من أول صومه
- 6 - يسن الإكثار من تلاوة القرآن ومدارسته ( 8 )
- 7 - التوسعة على العيال والإحسان إلى الأرحام والجيران
- 8 - الإكثار من الصدقة لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال : " كان النبي صلى الله عليه و سلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان " ( 9 ) . وبصورة عامة يسن فيه الإكثار من أعمال الخير لأن أجر العمل فيه مضاعف
- 9 - دعوة الصائمين وتفطيرهم ولو لم يكونوا فقراء وأن يأكل معهم ولو لم يكن صائما لأم الصائم مغفور له فلعل الله عز و جل يغفر لمجالسيه روى زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا " ( 10 ) . فإن لم يقدر على عشائه فطره ولو على تمرة أو شربة ماء أو لبن
- 10 - يسن الاعتكاف في رمضان لاسيما في العشر الأخير منه لما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره " ( 11 ) . وفي هذا العشر ليلة القدر وهي من خصوصيات هذه الأمة باقية إلى يوم القيامة فيها يفرق كل أمر حكيم ويستحب أن يطلبها لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " ( 12 ) وليالي الوتر من العشر الأخيرة أرجاها وبخاصة الوتر الحادي والعشرون والوتر الثالث والعشرون ويقول إن وافقها ما روت عائشة رضي الله عنها قالت : " قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني " ( 13 ) ويندب لمن رآها إخفاؤها والعمل في ليلها خير من العمل في نهارها في ألف شهر وإن كان يندب أن يجتهد في يومها وليلتها
وأعلى مراتب إحياؤها أن يحيي الليل كله بكل أنواع العبادة وأوسطها أن يحيي معظم الليل وأدناها أن يصلي العشاء في جماعة ويعزم على صلاة الصبح في جماعة . ولا يختص فضلها بمن اطلع عليها بل يحصل لمن أحياها وإن لم يطلع عليها وهي أفضل ليالي السنة بعد ليلة المولد النبوي الشريف تليها ليلة الإسراء ثم ليلة عرفة ثم ليلة الجمعة ثم ليلة النصف من شعبان
_________
( 1 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 44 / 1856
( 2 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 10 / 696
( 3 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الصيام باب 48 / 1753
( 4 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 20 / 1823
( 5 ) ابن ماجه ج 1 / كتاب الصيام باب 22 / 1693
( 6 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 19 / 1821
( 7 ) البخاري ج 2 / كتاب البيوع باب 3
( 8 ) المدارسة : أن يقرأ أحد شخصين على الآخر ما قرأه الأول هكذا كانت مدارسة رسول الله صلى الله عليه و سلم مع جبريل عليه السلام
( 9 ) البخاري ج 2 / كتاب الصوم باب 7 / 1803
( 10 ) الترمذي ج 3 / كتاب الصوم باب 82 / 807
( 11 ) مسلم ج 2 / كتاب الاعتكاف باب 3 / 8
( 12 ) البخاري ج 2 / كتاب صلاة التراويح باب 2 / 1910
( 13 ) الترمذي ج 5 / كتاب الدعوات باب 85 / 3513
__________________
إذا أنتَ أكثرتَ الصلاةَ على الذي
صلى عليه الله ُ في الايات ِ
وجـعلـتـَـها ِوردا ً عليكَ مُـحـتما ً
لاحتْ عليكَ دلائلُ الخيرات
عبدالقادر حمود غير متواجد حالياً  
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مذهب الإمام الشافعي في العبادات وأدلته admin المكتبة الاسلامية 1 11-05-2013 02:58 AM
كتاب الحج والعمرة والزيارة احكام واسرار على المذهب الشافعي راجي الخير المكتبة الاسلامية 2 09-27-2013 02:11 PM
القصد من تأليف كتاب تنزيه القلوب لنظر علاّم الغيوب عبدالقادر حمود كتب سيدي الشيخ احمد فتح الله جامي حفظه الله 5 03-25-2012 10:57 PM
صلاة الحاجة نوح الفقه والعبادات 4 10-02-2010 03:13 PM
وفاة الحاجة ام جمال زوجة الشيخ عبد الرزاق حج احمد ملتقى الأعضاء 12 12-26-2009 02:19 PM


الساعة الآن 10:56 AM




جميع المواضيع و الردود المطروحة لا تعبر عن رأي المنتدى بل تعبر عن رأي كاتبها

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir